فصل: باب: ما يحل ويحرم من نكاح الحرائر ومن الإماء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: ما يحل ويحرم من نكاح الحرائر ومن الإماء:

قال الشافعي: "أصل ما يحرم به النساء ضربان... إلى آخره".
8025- أسباب التحريم كثيرة، لاسيما ما لا يتأبد منها، والغرض من عقد هذا الباب ذكر المحرّمات بالنسب والرضاع والصِّهر، وتفصيل القول فيما يحرم من الجمع، وفيما يحل. وهذه القواعد مذكورة في كتاب الله تعالى؛ فإنه عز من قائل ذكر أربعَ عشرةَ من المحرّمات- سبع بالنسب، وسبع بالرضاع والصهر، وينساق تحريم ثلاثَ عشرةَ منهن في آية، وذكر واحدة من المحرمات قبلها. أما الآية الشاملة؛ فقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُم} [النساء: 23] فأما السبع المحرمات بالنسب؛ فقد احتوى عليها قوله تعالى: {أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُم وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْت} [النساء: 23] فهذه سبع. ثم ذكر أمهات النساء، والربائب، وحلائل الأبناء، والأمهات، والأخوات من الرضاعة، والجمع بين الأختين؛ فهذه ست جهات. وذكر حلائل الآباء في قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22].
8026- ونحن نقول: التحريم المؤبد- المقترن بالمحرميّة يتعلق بالنسب والسبب، فأما بيان المحرمات بالنسب؛ فنتيمّن بالجريان على ترتيب القرآن.
قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُم} [النساء: 23] فالأم المحرمة: هي كل أنثى انتسبت إليها بالولادة، بواسطة، وبغير واسطة، ولا فرق-إن كانت وسائط- بين أن يكنّ إناثاً وذكوراً أو مختلطين، ويدخل تحت ذلك: الأم الوالدة، والجدات في الجهات.
ثم قال تعالى: {وَبَنَاتُكُم} [النساء: 23]، فبنتك المحرمة: كل أنثى انتسبَتْ إليك بالولادة من غير واسطة أو وسائط، لا فرق بين أن تكون الوسائط ذكوراً، أو إناثاً، أو مختلطين، فيدخل تحت ذلك بنات الصلب، وبنات البنين، وبنات البنات، وإن سفلن.
ثم قال تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] فكل امرأة ولدها أبواك، أو أحدهما؛ فهي داخلة تحت اسم الأخوات، وبنات الأخ وبنات الأخت محرمات، وإن سفلن، وجدّ بنات الأخ والأخت منهما كجد بناتك منك.
وكل من ولدها أجدادك وجداتك من قبل الأب فهي عمة، والعمة محرمة، ولا تحرم بناتها.
وكل امرأة ولدها أجدادك وجداتك من قبل الأم، فهي خالة، والخالة محرمة، ولا تحرم بناتها، كما لا تحرم بنات الأعمام والعمات، كذلك لا تحرم بنات الأخوال والخالات. وإن أوجزت قلت: كل امرأة بينك وبينها قرابة؛ فهي محرمة عليك، إلا أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات.
8027- ثم قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] فالرضاع محرِّم، وفيه كتاب سيأتي، إن شاء الله تعالى. وكل ما ينتظم من النسب، ينتظم من الرضاع، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فتحرم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات، وفي ذكر شرائط الرضاع وأصوله وفصوله وجهة انتشار الحرمة فيه، كتابٌ، فلا معنى للخوض في تراجم لا تستقل.
وقد ذكر الله تعالى الأمهات والبنات من اللواتي يحرمن بالرضاع، فألحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بهن غيرَهن. فقال: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".
8028- وأما المحرمات بالمصاهرة؛ فأربعة: أم المرأة، وابنتها، وجد أمها منها كجدة أمك منك، وكذلك جد بنتها منها كجدة بنتك منك. ويخرج منه أن أمها- وإن علت، فإنها تحرم، وكذلك أمها من الرضاع تحرم عليك، كما تحرم عليك جدتك من الرضاع.
وزوجة الأب محرمة، وكذلك زوجة الابن، ولا تتعدى الحرمة من زوجة الأب وزوجة الابن إلى الأمهات والبنات؛ فإن الرجل يتزوج بأم زوجة أبيه، وبنت زوجة أبيه، وكذلك يتزوج ببنت زوجة ابنه.
ثم تحرم أم الزوجة، وزوجة الابن وزوجة الأب بالنكاح الصحيح، وإن عري عن المسيس.
ويتوقف تحريم بنت الزوجة أبداً على الدخول بالزوجة. قال الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ} [النساء: 23] فقيّد تحريم الربيبة بالدخول بالأم.
وعن علي بن أبي طالب أن الأم لا تحرم إلا بالدخول بالبنت، كما أن البنت لا تحرم إلا بالدخول بالأم، وكأنه حمل قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ} [النساء: 23] على الأمهات والربائب. وهو غير مرضي؛ فإنه لا يقال: وأمهات نسائكم من نسائكم وإنما ينافي صرف الكلام إلى شيئين إذا أمكن تقدير صرفه إلى كل واحد منهما، ولو قُدر منفرداً.
وعن زيد بن ثابت أن الأم إن ماتت قبل الدخول، حرمت عليه الربيبة. فأقام الموت فيه مقام الدخول، كما يقام مقامه في تكميل المهر.
وقال مالك: "الربيبة إنما تحرم، إذا كانت صغيرة يوم التزوج بالأم، فتحصل في حجره وتكفُّله"، وإنما صار إلى ذلك لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23].
وحكم بأنها لو كانت كبيرة يوم النكاح، لم تحرم. ورأى الشافعي حمل هذا التقييد على الغالب في الوجود والعادة، كما حمل قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه} [البقرة: 229] على التقييد بمجرى العادة، وصحح الخلع إذا اتفق جريانه من غير منازعة.
وقوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُم} [النساء: 23] لا يتضمن تخصيص التحريم بحليلة الابن النسيب، فكما تحرم حليلة ابن النسيب تحرم حليلة ابن الرضاع.
والغرض من هذا التقييد أن حليلة ابن التبني لا تحرم، ولعله كان للتبني حكم، وكان تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة قبل أن بعث نبياً.
وقال تعالى: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: 37].
فتحصّل من تحريم المصاهرة أنه يحرم بسبب المصاهرة أربع: الزوجة، وابنتها، وحليلة الابن، وحليلة الأب. والتحريم يحصل في ثلاث بمجرد النكاح، ويتوقف تحريم الأبد في واحدة على الدخول، وهي الربيبة.
قال الأصحاب: الأم مبهمة، والربيبة حرمت بشرط، وعنَوْا بذلك أن تحريم الأم يحصل بمطلق النكاح، من غير تقييد بشرط الدخول.
فهذا بيان المحرمات بالنسب والرضاع والمصاهرة.
8029- ثم قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْن} [النساء: 23] وهذا النوع من التحريم مخالف لما انتجز الآن، فإن الذي تقدَّر الفراغ منه تحريم مؤبّد مع محرميَّة.
وهذا ليس من التحريمات المؤبّدة. ولكن إذا نكح الرجل امرأة، حرم عليه أن ينكح أختها ما دامت هذه في زوجيَّته. والمنصوص عليه في الكتاب: تحريم الجمع بين الأختين.
وألحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك جميعَ محارم المرأة، فقال: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، لا الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى". وأراد بالصغرى ابنة الأخ وابنة الأخت. وبالكبرى العمة والخالة. ولم يُرد صِغر السن وكِبره. فقد تكون ابنة الأخ أكبر سناً من العمة.
ثم قال الأصحاب في ضبط ذلك: كل امرأتين بينهما قرابة، أو رضاع، يقتضي المحرميَّة. فلا يجوز الجمع بينهما.
وإن أحببت، قلت: كل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع، لو كان بينك وبين امرأة، حرمت عليك، حرم الجمع بينهما.
وإن أردت قلت: كل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع، ولو قدر أحدهما ذَكراً، لحرمت المناكحة بينهما؛ فيحرم الجمع بينهما. وفيما ذكرناه من المحرمية كفاية.
فلا يجمع الرجل بين أختين، ولا بين العمة وابنة أخيها، وبين الأم وابنتها، وإن كانت البنت لا تحرم على الأبد بنفس النكاح على الأم. فمن نكح امرأة-لم يدخل عليها-تحرم عليه بنتها بسبب تحريم الجمع، ولو نكحها، اندفع النكاح المعقود عليهما فيهما معاً، كما لوجمع بين أختين.
8030- والاجتماع في الصهر المحرم لا يوجب تحريم الجمع، فيجوز الجمع بين المرأة وبنت زوجها، أو أم زوجها، وإن كان بينهما سبب يوجب الحرمة والمحرمية.
وإنما قلنا ما قلنا في النسب، لما نبّه عليه صاحبُ الشرع؛ إذ قال-لما نهى عن الجمع بين الأختين- "إنكم لو فعلتم ذلك، قطعتم أرحامهن". والرضاع ملحق بالقرابة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم»؛ فكان الرضاع في معنى القرابة، والمصاهرة ليس فيها رحم، حتى يفرض إفضاء الجمع إلى قطعه.
وقد انتهى القول في المحرمات، وأحلنا تفصيل ذكر الرضاع على كتابه.
فصل:
قال: "ونهى عمر عن الأم وابنتها... إلى آخره".
8031- مقصود الفصل: أنه لا يمتنع الجمع بين أختين، أو أم وابنتها في ملك اليمين، ولا يمتنع اجتماعهما في ملك مالكٍ واحد، فأما إذا أراد المالك أن يجمع بين أختين مملوكتين في الوطء؛ فلا يجوز له ذلك، ولكن إذا سبق إلى إحداهما، فوطئها، حرم عليه وطء الأخرى.
فلو وطىء الثانية بعد ما وطىء الأولى، فقد أساء وتعدّى. ولا يتغير ما كان بسبب وطء الأولى، فالثانية محرمة كما كانت، والأولى مستباحة كما كانت، ولا تحرم الأولى بسبب وطء الثانية، والثانية محرمة لا تحل، حتى تخرج الموطوءة الأولى عن الملك، أو عن الحل. أما خروجها عن الملك؛ فبأن يبيعها أو يهبها، ويتحقّق زوال الملك، وأما خروجها عن الحل، فبأن يزوّجها، أو يكاتبها.
ولا شك أن طريان الحيض والإحرام لا يؤثر في تحليل الثانية؛ فإن هذا ليس إزالةً للحل، وألحق الأئمة الردّة بالإحرام.
وتردد الأئمة في شيئين:
أحدهما: الرهن.
والثاني: البيع بشرط الخيار. أما الرهن، فإنه يحرّم الوطء، ولا يُثبت استقلالاً كالكتابة، ولا يُثبت للغير حلاً، حتى يقال: ثبوت الحل للغير يدل على انبتات الحل الأول، وقد يزحم شيءٌ الحلَّ ولا يزحم الحلُّ.
ولو وُطِئت الأولى بشبهة، فشرعت في العدة؛ لم تحل الثانية؛ فإن هذا من الطوارىء التي تزول، والعدّة والردّة والإحرام على قضيةٍ واحدة.
والتزويج والكتابة بمثابة إزالة الملك باتفاق الأصحاب، والتردّدُ في الرهن، والأوجه أنه لا يؤثّر في تحليل الثانية؛ لأنه من الطوارىء المتوقع زوالها أيضاًً.
وأما إذا باع الأولى بشرط الخيار، وحكمنا بزوال الملك إلى المشتري؛ فهذا مما تردد فيه الأئمة أيضاً؛ من جهة أن زوال الملك لم يلزم، وإنما ترددهم فيه إذا لم يكن للبائع خيار، فإن كان له خيار، فالمذهب أنه يحل له وطء المبيعة في زمان الخيار، وإذا كان الحل قائماً، فيستحيل تقدير تحليل الأخت- والحالة هذه.
نعم؛ إن لم يكن له خيار، وإنما الخيار للمشتري؛ ففيه التردد، والوجه عندي: القطع بتحليل الأخت؛ فإن ملك البائع قد زال، ولم يبق له مستدرك، وتصرفات المشتري نافذة من جميع الوجوه، فإن تُصُوِّرت المسألة بهذه الصورة، وفرّعنا على أن ملك البائع لا يزول؛ فإجراء الاحتمال هاهنا أوجه.
ولو اشترى الرجل أمة وابنتها؛ فإن وطىء الأم، حرمت عليه البنت على الأبد. وإن وطىء البنت، حرمت الأم أيضاً على الأبد.
8032- وكل حرمة في الصهر تتعلق بالنكاح، فهي متعلقة بالوطء في ملك اليمين، ومنها أن موطوءة الرجل في ملك اليمين تحرُم على أبيه وابنه، اعتباراً بحليلة الأب والابن.
وأصحاب الظاهر لم يحرموا الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين. وقال ابن عمر: وددت لو كان أبي أشد في ذلك، وسُئل عثمان، فقال: أحلّتهما آية، وحرّمتهما آية. وقال عمر: أما أنا؛ فلا أحب أن أفعل ذلك. فقال الأصحاب أشار عثمان-بما ذكر- إلى قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} [النساء: 3]. فعموم الآية يقتضي الإباحة، وأراد بالآية الأخرى، قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْن} [النساء: 23] وقول عثمان هذا يدل على أن ترديد القول في الشرع ليس بدعاً. وفي مساق قول عمر ما يدل على مثله. وبالجملة لا يُنكِر ترددَ المجتهد في المظنونات إلا أخرقُ، لا يعرف مسالك الاجتهاد.
فأما قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَف} [النساء: 23]، فمما اختُلف في معناه. قيل: معناه: إلا ما مضى من الجمع بين الأختين قبل نزول الآية، فذلك عفو، كقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَف} [النساء: 22] وكقوله تعالى في صيد الإحرام والحرم: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف} [المائدة: 95].
وقيل: معناه: أن نكاح الأخت الذي تقدم، لا ينقضه طريان صورة النكاح على الأخرى. بل تلك تبقى على مقتضى النكاح. فعلى هذا يلتحق قوله: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَف} َ بالاستثناء من غير الجنس. والتقدير: لكن النكاح السالف مستباح كما كان.
فصل:
قال: "وإذا تزوج امرأة، ثم تزوج عليها أختها... إلى آخره".
8033- إذا جمع بين أختين في عقد واحد؛ فنكاحهما باطل، وإن رُتّب؛ فنكاح الأخيرة باطل.
8034- وذكر ابن الحداد صورة لا خفاء بها على من أحكم الأصول، ولكنها تهذّب القريحة، وتبيّن للمبتدىء مسلك النظر.
وهي: أنه إذا نكح الرجل امرأة ونكح ابنه ابنتها، فغلط كل واحد منهما إلى زوجة صاحبه، فوطئها بشبهة؛ فالتفصيل فيه أن يقال: إن غلط الأب أولاً، فوطىء زوجة الابن، فقد بطل نكاح الابن؛ فإنها صارت موطوءة الأب، فحرمت على الابن، ويبطل نكاح الأب على زوجته أيضاًً؛ فإن من وطىء امرأة بشبهة حرم عليه أمها.
ثم حكم هذه الصورة بعد ذلك: أنه يغرم لزوجة الابن مهرَ مثلها؛ فإنه وطئها بشبهة، وأما امرأته؛ فقد ارتفع نكاحها. والمسألة مفروضة فيه إذا لم يصب امرأة نفسه، وغلط إلى الأخرى، فقد ارتفع نكاح امرأته قبل المسيس؛ فيلزمه لها نصف المسمى- لا شك فيه؛ لأنه المتسبب إلى ما رفع نكاحَها.
وأما زوجة الابن؛ فلو قال الابن لأبيه: قد تسبّبت إلى رفع نكاحي، وأفسدته، فاغرم لي كما تغرم المرضعة لزوج الصبية؛ فله ذلك.
ثم كم يغرم لابنه؟ فعلى ثلاثة أقوال، ستأتي مشروحة في الرضاع: أحدها: أنه يغرم له نصف مهر مثلها.
والثاني: أنه يغرم تمام مهر مثلها.
والثالث: أنه يغرم له ما يغرمه هو لزوجته، والقدر الكافي هاهنا أن الأب في حق الابن بمثابة المرضعة في حق زوج الرضيعة، ثم تفصيل ما تغرمه المرضعة يأتي تأصيلاً وتفريعاً في كتاب الرضاع، إن شاء الله تعالى.
ولو قالت زوجة الابن للابن: قد ارتفع نكاحي قبل المسيس، فاغرم لي نصف المسمى. قال ابن الحداد: لا شيء لها عليه؛ فإنه ارتفع نكاحها من غير قصد صدر من الزوج، والزوج إنما يلتزم شطر المهر إذا ارتفع النكاح بسببه.
ومن أصحابنا من خالفه، وقال: يلزمه نصف المسمى؛ فإن المرأة لم يوجد منها قصد أيضاً؛ إذ المسألة في الغلط. واستدل هؤلاء بمسألة، وهي: أن الرجل إذا كانت تحته كبيرة وصغيرة، فأرضعت الكبيرةُ الصغيرةَ، وانفسخ نكاحها؛ فقد قال الأصحاب: للصغيرة نصف المهر المسمى على الزوج، وإن لم يوجد من جهته قصد.
قال الشيخ أبو علي: ينبغي أن يقال: المرأة إذا كانت نائمة، فوطئها الأب، أو ضبطها فأكرهها؛ فينبغي أن تستحق نصف المسمى في هذه الصورة على زوجها، كما ذكرناه في المرضعة.
وإن جرى الأمر على قصد منها، وإن لم تكن عالمة بصفة الحال؛ فينبغي أن يقال في هذه الصورة: إنه يسقط مهرها، لِما وُجد منها. ونظير ذلك من الرضاع ما لو دنت الصغيرة إلى ثدي الكبيرة، والكبيرة راقدة، فارتضعت خمساً؛ فيسقط مهرها في هذه الصورة.
فالذي تحصَّل إذن في مسألتنا: أن المرأة إن نزت على المرء، واستدخلت منه وهو نائم؛ فيسقط مهرها. وإن كانت هي نائمة أو مكرهة، فوطئها؛ فلها نصف المسمى على زوجها، لا خلاف فيه.
وإن كانت غير نائمة ولا مُكرَهة، والحال مشتبهة، فهذا موضع تردد الأصحاب، قال قائلون: لا مهر لها، لِما صدر لها من قصد، وقال آخرون: لها المهر، كالرضيعة.
ولم يختلف الأصحاب أن الصبية لو كانت ترتضع وتمتص؛ فالحكم لإرضاع الكبيرة، وتستحق الصغيرة نصف مسماها. ولا أثر لارتضاعها في إسقاط ذلك.
فهذا بيان حكم وطء الأب زوجة ابنه.
8035- فإذا وطىء الابن بعد ذلك-والمسألة على حالها- زوجةَ أبيه بشبهة؛ فيلتزم لها مهر مثلها، ولا يلزمه لها شيء سواه؛ فإنه ما تسبب إلى فسخ نكاح، بل أقدم على وطء الثانية، والمرأتان جميعاً محرمتان عليه تحريمَ التأبيد قبل وطئه.
هذا إذا سبق الأب بالوطء.
8036- فأما إذا سبق الابن، فوطىء زوجة أبيه؛ فينقلب الحكم، ولا يختلف الترتيب فيما ذكرناه، فما كان على الأب في الصورة الأولى، يكون على الابن في هذه الصورة؛ فلا نطوّل بالإعادة.
8037- فأما إذا وطئا معاً على الغلط؛ فأمر التحريم على ما قدمناه.
وإنما الذي نزيد في هذه المسألة أنه حرم على كل واحد زوجُه بفعله وفعل صاحبه، فإنا لو قدرنا من كل واحد منهما فعلَه وحدَه، لحرمت به زوجتُه وزوجةُ صاحبه جميعاً، فإذا اجتمعا، فهل يغرم أحدهما لصاحبه شيئاً، بسبب تفويته زوجتَه عليه؟ قال شيخي: قال القفال: هذه الحالة كالاصطدام في تفريعه، فيغرم كل واحد منهما لصاحبه نصف الغرم، الذي كان يغرمه لو انفرد بفعله، ويهدر نصفه لمكان صاحبه، ثم ربما تقع أقاويل التقاصّ. هذا ما ذكره شيخي.
وقال الشيخ أبو علي: ليس ذلك كالاصطدام، ولا شيء لواحدٍ منهما على صاحبه في هذه المسألة؛ إذ قد وُجد من كل واحد منهما ما لو استقل، لحرمت عليه زوجته به. وليس كالاصطدام؛ إذ لا يمكننا أن نقول في الاصطدام فعلَ كل واحد منهما ما لو استقلّ به، لأفضى إلى التلف، بل حصل التلف بالفعلين جميعاً وهذا الذي قاله هو الوجه.
8038- فرع آخر لابن الحداد في هذا الفن:
إذا نكح الرجل امرأة في عقد، ثم نكح امرأة أخرى في عقد آخر، ووطىء إحداهما مثلاً، ثم بان أن إحداهما أمٌّ للأخرى؛ فهذه المسألة لها أقسام. ونحن نذكرها قسماً قسماً.
فمن أقسامها: أن ينكح الأم أولاً، ثم البنت، ويطأ الأم، ويتضح له ذلك من غير إشكال؛ فحكم هذا القسم: أن نكاح الأم ثابت، لا شك فيه، ووطء الأم لا يقدح في نكاحها، وقد حرمت البنت على التأبيد؛ فإنها ربيبةُ امرأةٍ مدخول بها، ولم ينعقد نكاحها ابتداء؛ فإنها أدخلت على الأم.
ومن الأقسام: أن ينكح البنت أولاً، ثم الأم، ثم وطىء البنت-كما سبق التفصيل-؛ فنكاح البنت ثابت، فإنها السابقة، ووطؤها لا يحرّمها، وأما الأم، فقد حرمت بالعقد على البنت.
وإن نكح الأم أولاً، ثم البنت، ووطىء البنت؛ فأما الأم، فتحرم بوطء البنت على الشبهة، وأما البنت، فلم ينعقد نكاحها ابتداء؛ فإنها أدخلت على الأم.
وإن نكح البنت أولاً، ثم الأم، ووطىء الأم؛ فتحرم البنت لوطء الأم بالشبهة، والأم محرمة بالعقد السابق على البنت، فحرمتا على التأبيد. وكل ذلك سهل المُدرك.
ولو أشكل عليه أنه وطىء الأولى أم الثانية، وعلم أن الأولى في النكاح هي الأم، فالحكم فيه أن نقول: لو قدرنا وطء البنت في هذه الصورة، لارتفع نكاح الأم. ولو قدرنا وطء الأم، لحرمت البنت على التأبيد. فنقول: قد صح نكاح الأم أولاً، ولم يستيقن ارتفاعه، فالأصل بقاؤه. وهو محمول على الصحة، وأما البنت، فمحرمة في الحال؛ فإنه لا يدخل نكاحها على نكاح الأم أصلاً.
ولو طلق الأم أو ارتفع نكاحُها بسبب من الأسباب، فهي مع ابنتها امرأتان، نعلم قطعاً أن واحدةً منهما محرمة على الأبد، وأشكل عليه عينُها؛ فلا سبيل له إلى نكاح واحدة منهما، وهو كما لو علم أن إحدى هاتين المرأتين أخته من الرضاع، ولم يدر عينها، فليس له أن ينكح واحدة منهما، وهذا في نهاية الحسن، ولا وجه إلا ما ذكره، وهو من بدائع المذهب؛ فإن الأم كنا حكمنا بتحليلها؛ فلما طلقها، لم يجد سبيلاً إلى تجديد العقد عليها.
وهذا إذا أبانها، فإن طلقها طلاقاً رجعياً، ارتجعها.
8039- ومن أقسام المسألة: أن تتعين الموطوءة، ولكن لم تتعين التي سبقت بالنكاح، فكان يجوّز أن تكون الأم هي السابقة، ويجوّز أن تكون مسبوقة، وقد علم أنه وطىء البنت، فالحكم في ذلك أن غير الموطوءة محرمة على الأبد، وأما الموطوءة-وهي البنت- فلا نحكم بثبوت نكاحها؛ لأنه لم يستيقن ثبوته. بل يجوز أن تكون منكوحة سابقة، ويجوز ألا تكون منكوحة؛ لكونها مسبوقة، ولا نخلّيها حتى تنكح، بل الأمر موقوف فيها، وعلى الزوج البيان، فإن حلف على نفي العلم، أو اتفقا على الإشكال، قال الشيخ: لها أن تستدعي من القاضي حتى يفسخ نكاحها.
هذا منتهى كلام الشارحين.
وإن رضيت بالمقام في الإشكال، ففي نفقتها ومهرها كلام- قدمته في نظير لهذه، وهو: إذا زوّج وليّان امرأة من زوجين، وقد تقدم بما فيه إقناع وبلاغ.
فصل:
قال: "وإذا اجتمع النكاح وملك اليمين... إلى آخره".
8040- إذا وطىء جارية بملك اليمين، ثم نكح أختها الحرة، انعقد النكاح عليها، وحلّت المنكوحة، وحرمت الموطوءة بملك اليمين؛ وذلك لقوة النكاح وسلطانه فيما يتعلق بإحلال البضع، وإذا انعقد النكاح، فمن ضرورة انعقاده إفادته للحل، وهذا معنى قول الأصحاب: النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين؛ فإن الحكم للنكاح، سابقاً كان أو مسبوقاً.
8041- فرع ذكره ابن الحداد في التباس العقد الوارد على أعداد من النسوة.
إذا نكح امرأة في عقد، واثنتين في عقدة، وثلاثاً في عقدة، وأشكل عليه تاريخ العقود؛ قال ابن الحداد: لا يثبت إلا نكاح الفردة التي نكحت وحدها.
فنقول: أما ثبوت نكاح الواحدة، فلا شك فيه؛ فإنا كيفما قدرنا في التواريخ، فنكاحها صحيح.
وأما العقدتان الباقيتان، فلا تصحان جميعاً، قطعاً، وقد صحت إحداهما في معلوم الله تعالى. فيقال للزوج: بيّن المتقدم منهما، فإن بيّن وعيّن، فذاك، وإن قال: لا أدري، فربما يَتوجه عليه يمين في ذلك- على تفاصيلَ مشهورة في نظير هذا.
ثم إذا أشكل الأمر، فإن طلبت النسوة فسخ النكاح؛ فينفسخ نكاحهن. وقد ذكرتُ نظير ذلك في تزويج المرأة من رجلين.
8042- وإن رضين بالصبر تحت الإشكال، فلا يرفع نكاحهن.
وما دمن في الإشكال؛ فكيف السبيل في الإنفاق عليهن؟ قال الشيخ أبو علي: على الزوج أن ينفق على جميعهن، كما ذكرناه في الذي يُسلم وتحته ثمان نسوة، أسلمن معه، ولم يختر أربعاً منهن؛ فإنه ينفق على جميعهن.
وهذا فيه احتمال ظاهر، من جهة أن الزوج تقاعد عن اختيار أربع منهن؛ فهو حابسهن مع القدرة على إزالة ذلك، و في مسألتنا أشكل تاريخ العقد، وثبت الإشكال إما بتوافق، وإما بيمين.
ويجوز أن ننفصل عن هذا، فيقال: إنه منسوب إلى ترك التحفظ والاحتياط؛ وعلى هذا بنينا حرمان القاتل خطأً ميراثَ المقتول، وبهذا السبب أوجبنا الكفارة على المخطىء.
8043- فأما الميراث، فإذا مات؛ نفرز من تركته ميراث زوجة: الثمن، أو الربع، عائلاً أو كاملاً-على ما تقتضيه الفريضة- ثم يسلّم إلى الفردة، التي تعيّنت ربع ذلك؛ فإنها تستحق هذا المبلغ بلا شك ولا مِرْية؛ إذ أقصى ما في المسألة: أن تزاحمها ثلاث؛ فلها الربع؛ فإنها تكون رابعتهن، ثم نقف ثلاثة أرباع الحصة.
ثم الطريق أن نقول: من يحتمل أن يكون له من الموقوف شيء، فيوقف في حقه ذلك الشيء، ومن لا يحتمل أن يكون له من الموقوف شيء، فلا يوقف في حقه ما يقطع؛ فإنه لا يستحقه.
فعلى هذا نقول: أقصى ما تستحقه الفردة ثلث ما أفرزناه؛ فإن أحسن أحوالها أن تزاحمها اثنتان، ويبطل النكاح المشتمل على الثلاث. فلا تستحق الفردة أكثر من ذلك. وقد أخذت الربع، فبقي إمكان استحقاقها في نصف السدس، فنقف لها نصف السدس، بينها وبين الثلاث اللاتي في عقد واحدٍ.
وأما الاثنتان؛ فإمكان حظهما في الثلثين؛ فإن أحسن أحوالهما أن تزاحمهما الواحدة. وأما الثلاث؛ فأقصى ما يفرض هن ثلاثة أرباع ما أفرزناه. ثم لا يخفى النظر بعد ذلك على من أحكم قواعد الفرائض، ومسائل الخناثى.
8044- وأما مهورهن، فلا يخلو: إما إن كان دخل بهن على الشبهة والالتباس، أو لم يكن دخل بهن. فإن دخل بهن، وكان مهر كل واحدة مائة، وقد سمى في عقد الاثنتين ألفين، وفي عقد الثلاثة ثلاثة آلاف، فنقف أكثر ما يتصور استحقاقه، وطريق الأكثر فيه أن نقول: نعلم أن المسمى في أحد العقدين واجب، مع مهر المثل للّواتي في العقد الثاني، فنأخذ بالأكثر. والأكثر في الصورة التي فرضناها، المسمى في عقد الثلاث، ومهر المثل في عقد الاثنتين، وذلك ثلاثة آلاف ومائتان، ثم نسلم إلى كل واحدة مهر مثلها من هذا المبلغ؛ فإنه الأقل قطعاً، إما من المسمى، وإما من مهر المثل، ثم نقف الباقي. فإن بان بطريق من الطرق أن الصحيح عقد الاثنتين، فنتمّ لهما مع ما قبضتا ألفين، ونترك على الثلاث مهور أمثالهن، ونسترد الباقي، ونرده على الورثة.
وإن بان أن العقد الصحيح عقد الثلاث، فلا نرد شيئاًً، ونكمل المسمى للثلاث، ونقر مهر المثل في أيدي الاثنتين.
وإن كان مهور أمثالهن أكثر من المسمى؛ فلا يخفى تفريعه.
وإن لم يكن دخل بهن، فنقف ثلاثة آلاف، ولا ندفع إلى واحدة منهن شيئاًً؛ فإنا لا نستيقن استحقاق واحدة منهن بعينها. ولا معنى للإطناب مع وضوح أطراف المسألة.
ولو نكح واحدة، فاثنتين، وثلاثاً، وأربعاً، في عقود متفرقة، وأشكل التاريخ؛ فلا تتعيّن مع الإشكال الواحدة في هذه الصورة أيضاً، لجواز أن نكاحها وقع بعد الأربع. فهذا ما يتجدد في هذه، وتفريعها سهل.