فصل: باب: المعتادة في التلفيق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: المعتادة في التلفيق:

607- إذا كانت المرأة تحيض خمسة أيام وِلاءً، وتطهر خمسةً وعشرين يوماً، فجاءها شهر، فرأت يوماًً وليلةً دماًً، ومثلَه نقاءً، ثم استمر ذلك في جميع الدَّور، فهي مستحاضة وفاقاًً. ولم يصر أحدٌ من أئمتنا إلى تحييضها في جميع أيّام الدم على قول التلفيق لقطاً من جميع الدور، وإن لم تزد الدماء على الأكثر، فمن يلفّق لا يرى الالتقاط إلا من الخمسةَ عشرَ. وهذا يقوي تركَ التلفيق، والمصيرَ إلى أنّ حكم النقاء حكم الحيض.
فإذا وضح هذا متفقاً عليه، فنقول: إذا تقطّع الدم على ما وصفناه، فإن قلنا بترْك التلفيق، فنحيّضها في الخمسة من أوّل الدّور وِلاءً؛ فإن اليوم الأوّل دمٌ، والثالث والخامس دمْ، والنقاء المتخلل حكمه حكم الحيض.
وإن فرّعنا على قول التلفيق، فقد كانت حيضتُها قديماًً منحصرة في الخمسة الأولى وهي لا ترى في الخمسة الأولى الدمَ إلا في ثلاثة أيام، ففي المذهب على قول التلفيق وجهان مشهوران:
أحدهما: أنه لا تتجاوز أيام عادتها، وتلقط ما ترى فيها، وما يزيد على أيام العادة استحاضة.
والوجه الثاني-وهو الصحيح- أنا نعتبر عددَ أيام حيضتها قديماً، ولا نبالي أن نجاوز أيام العادة، فنلقط من الخمسة عشر إلى استيفاء أيامها إن أمكن، ولا نجاوز الخمسةَ عشرَ قط. كما تقدم؛ فإن رعايةَ مقدار الحيض أولى من ملازمة زمانٍ.
ومَن حصرَ اللقط في الخمسة، فإنما يحمله على ذلك ملازمةُ الزمان.
وهذا يضاهي مذهبَ أبي إسحاق المروزي في ملازمة أوائل الأدوار، كما سبق بيانُه، والردُّ على من يصير إليه فيما تقدم.
فإن قلنا: لا تجاوز في التلفيق أيامَ العادة، فقد نقص حيضُها، وعاد إلى ثلاثةِ أيام: الأوّل، والثالث، والخامس. وإن جاوزنا أيام العادة، فنقول: لم ينقص مقدارُ حيضها ولكن تفرق، وكان وِلاءً، فتُحيّضُ المرأة في اليوم الأول، والثالث، والخامس، والسابع، والتاسع، وقد تمّ المقدار. ومما ينبغي أن ننُبه له-وإن مضى مقرراً في مواضع- أن من لا يرى مجاوزةَ أيام العادة، فإنه يقتصر على اللَّقْط من الخمسة، كما سبق إذا تحققت الاستحاضة في الدور الثاني، فأما في الدور الأول، فإنه يأمرها بالتحيّض في جملة أيام الدم الواقعة في الخمسةَ عشرَ؛ فإنه لو انقطع الدم، ولم يزد على الخمسةَ عشرَ، فجميع أيام الدم حيضٌ، وإن زاد على خمستها القديمة. وهذا بيّن.
ثم إذا زاد على زمان الأكثر، فتستدرك على القاعدة المقدمة.
608- ولو كانت تحيض خمسةً، كما فرضنا، فتقطّع الدمُ، فرأت يومين دماًً ويومين نقاءً، واستمر الأمر على هذه الجملة. فإن قلنا بترك التلفيق، فإنا نحيّضُها خمسةَ أيام وِلاءً كما تقدم، وإن قلتا بالتلفيق، ولم نجاوز أيام عادتها، فنحيّضُها اليومين الأوّلين، ونحيّضها في اليوم الخامس. وهذا منتهى حيضها.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً ضعيفاً: أنَّا لا نحيّضُها اليومَ الخامس أيضاًً؛ فإنها في السادس مستحاضة، فقد اتصل الخامس بدم ضعيف، فضعف واكتسب حكمه. وهذا قد ردّدَه الأصحاب في التفريعات.
وهذا غلط عندي مطَّرح غيرُ معتدّ به، ولكنا نذكره لنقل ما قيل.
وإن رأينا مجاوزة أيام العادة، فنحيّضها في الأول والثاني والخامس والسادس، ونحيّضها في اليوم التاسع على المذهب.
ومن الأصحاب من لا يحيّض في التاسع لاتصاله بالعاشر، وهو استحاضة، وهذا ليس بشيء؛ فيعود حيضُها إلى أربعة على وجه المجاوزة، وإلى اثنين على الانحصار في أيام العادة.
609- ولو كانت تحيض خمسةً وتطهر خمسة وعشرين يوماًً، فتقطع الدم، وكانت ترى يومين دماًً وأربعة نقاءً، ويومين دماً، ثم استمر على هذا الترتيب. فإن قلنا بترك التلفيق، فنحيّضها اليومين من أول الدور فحسب، فإن النقاء بعدهما غيرُ محتوش بحيضين، وهذا ظاهر.
وإن فرّعنا على التلفيق، فنخرّجه على ما تقدم من ظاهر المذهب، والوجه البعيد، فإن لم نجاوز أيامَ العادة. حيَّضناها في اليومين الأولين، واستوى التفريع على ترك التلفيق. وعلى القول بالتلفيق، وإن رأينا على المذهب مجاوزةَ أيام العادة، فنحيّضها في اليوم الأول، والثاني، والسابع، والثامن، وفي الثالث عشر على المذهب، دون الوجه البعيد. فالمذهب أنّا نُحيّضها فيه على وجه مجاوزة العادة. وقيل: لا نحيّضها؛ لاتصال الثالث عشر بالرابع عشر، وهو استحاضة.
610- ولو كانت تحيض يوماًً وليلة، وتطهر تسعة وعشرين يوماً، ثم تقطع دمُها، فرأت يوماًً دماً، وليلة نقاءً، وهكذا، ثم استمرّ ذلك، فقد نقص مقدار الدم عن أقل الحيض.
فإن فرعنا على ترك التلفيق، ففي هذه الصورة إشكال؛ فإنّ مجاوزة وقت العادة على ترك التلفيق محال، وما رأته من الدم ناقصٌ عن الأقل، وقد اضطرب الأئمة في هذه الصورة إذا فرعنا على ترك التلفيق، فقال أبو إسحاق: لا حيض لها على قول ترك التلفيق في هذه الصورة، فإنّ تحييضَها يوماًً محال، وتحييضُها الليلة مع اليوم وليست محفوفة بحيْضَيْن محال، ومجاوزة أيام العادة على القول بترك التلفيق لا سبيل إليه.
وقال أبو بكر المحمودي: هذه الصورة يلزم القول فيها بالتلفيق، وإن فرعنا على ترك التلفيق في الجملة؛ فإنه يبعد أن يقال: لا حيض لها، وهي ترى الدمَ في سنّ الحيض، على صفة دم الحيض شطر عمرها؛ فإذاً لا نقول بالتلفيق إلا في أمثال الصور التي ذكرناها. وقد يقع التفريع من قولٍ في قولٍ لضرورة داعيةٍ، ولمثل ذلك يسلم صاحبُ مذهبٍ إثباتاً، وإن كان أصله النفي لصاحب مذهب الإثبات، ويسلم صاحب الإثبات النفيَ في بعض الصور لصاحب النفي.
وقال الإمام: والذي ينقدح وجه آخر عندي سوى ما ذكرناه، وهو أن نحيّضها في اليوم وفي ليلة النقاء، وفي يوم الدم الذي بعدها، وفي ذلك ازدياد حيضها. ويقع النقاء بين حيضين، وهو أمثل من العود إلى التلفيق، ومِنْ رفع الحيض بالكلية، وليست زيادة الحيض مستنكرة في تغاير الأدوار، فهذا إذا فرّعنا على ترك التلفيق.
فأما إذا قلنا بالتلفيق، وصرنا إلى مجاوزة أوقات العادة في اللقط، فلا إشكال، وتستوفي أقلَّ الحيض لقطاً. وإن قلنا: تنحصر في أيام العادة، فيأتي مذهب أبي إسحق في أنه لا حيض لها، كما تقدم، ويأتي حُسنُ مذهب المحمودي حُسْناً بالغاً، فنجاوز في هذه الصورة، وإن كنا لا نرى المجاوزة في غيرها؛ فإنّ المجاوزة للحاجة الماسة أهون من رفع الحيض.
وهذا أمثل في التفريع على هذا القول من المصير إلى التلفيق على قول ترك التلفيق، كما سبق في مذهب المحمودي، فهذا منتهى التفريع في ذلك.
611- ثم قد يطرأ في الشهر الثاني في بعض صور التقطع خلوّ أول الدَّوْر عن الدَّم؛ فيتغيّر التفريع على ما سنذكره. وهذا من طريق الحساب يقع في بعض الصور ونحن نوضّح وقوع ذلك تصوّراً، ثم نبني عليه غرضَنا من الحكم إن شاء الله.
فإذا كانت تحيض يوماًً وتطهر يوماً، وكان الأمر كذلك في أول دَوْرِ التقطع، فلو أردنا أن نعرف أنَّ الدم هل ينطبق على أوّل الدور الثاني، وكان دورها ثلاثين يوماً قبل التقطع، فنأخذ مُدةَ الدّم ومدّة النقاء، فإن وجدنا عدداً لو ضربنا المدّتين فيه، لردّ الدور من غير زيادة ولا نقصان، فآخِر الدّور نقاء، وأول الدّور الثاني دمٌ.
وبيانه أنها إذا كانت ترى يوماًً دماً، ويوماً نقاء، فنأخذ يومين، فنضربهما في خمسة عشر، فيردّ علينا ثلاثين، فنعلم أن الدم يعود في أول الدور الثاني على سجيته في الدور الأول.
وإن كانت ترى يومين دماًً ويومين نقاء، ولا نجد عدداً صحيحاً لو ضربنا فيه الأربعة، لرد ثلاثين-ولا يستقيم الضرب في كسرٍ فيما نحاوله- فنضرب الأربعة في عدد يقرب مردوده من الدور، وقد يزيد وقد ينقص، فالوجه اعتبار الأقرب فالأقرب، فالأربعة لو ضربناها في سبعة، لرد الضرب ثمانية وعشرين، فآخر هذا المردّ طهر، وقد بقي إلى تمام الدور يومان فيقع فيهما الدم، ويقع في أول الدور الثاني نقاء لا محالة.
وإن ضربنا الأربعة في ثمانية، ردّ علينا اثنين وثلاثين يوماً، فنعلم أن آخره نقاءٌ، وآخره يقع في أول الدور الثاني. وهذا أقرب إلى حصول العلم.
ولو كانت ترى ثلاثة دماًً وثلاثة نقاءً، فنأخذ ستّة ونضربها في خمسة، فتردّ ثلاثين، فالآخر نقاء، و أول الدور الثاني دمٌ.
ولو كانت ترى أربعة وأربعة، فنأخذ ثمانية، ونقرّب، فنضرب في أربعة فتردّ اثنين وثلاثين، فالأربعة من آخر هذا المبلغ نقاء، فنعلم أن النقاء ينقسم على آخر الدور الأول، وأول الدور الثاني، فتكون نقية في يومين من أول الدور الثاني، ثم تعود نوبة الدم.
ولو كانت تحيض خمسة، وترى نقاء خمسة، فنضرب عشرة في ثلاثة، ونقول: الآخر نوبة نقاء، والدم يعاود أول الدور الثاني.
ولو كانت ترى الدّم ستة، والنقاء ستة، فلو ضربنا اثنا عشر في ثلاثة، لردّ ستة وثلاثين، فآخر المدّة نقاء، وهو الذي ينطبق على أول الدور الثاني.
وإذا عرفنا أن نوب التقطّع تقتضي الدمَ في أول الدور الأول، والنقاءَ في أول الدور الثاني، فلو أردنا أن نعرف ما يكون في أول الدور الثالث، فنأخذ نوبتين ونضرب كما فعلنا أولاً، فيكون آخر المدة الآن دماًً.
والضابط فيه أن النوبة الأولى إن كانت دماًً، فآخِر المردود نقاءٌ، وإن كانت نقاءً، فآخر المردود دمٌ. فهذا وجه التقريب الحسابي في ذلك.
612- ونحن الآن نفض المذاهب والأحكام على الصور، فلو كانت تحيض عشرة أيام وتطهر عشرين يوماً، فتقطّع الدم والنقاء، فصارت ترى الدم يوماًً وليلة، والنقاءَ كذلك، فآخر العشرة نقاء، فإن قلنا بترك التلفيق، فنحيّضها تسعة أيام من أول الدور الأول وِلاءً، ولا نحيّضها اليومَ العاشر؛ فإنه نقاء ليس بعده حيض.
وإن قلنا بالتلفيق، نفرّع ذلك على الخلاف المتقدم في أن اللقط من أيام العادة، أو من الخمسةَ عشرَ، فإن لقطنا من العشرة، فنحيّضها خمسة، وإن لقطنا من الخمسةَ عشرَ، فنحيّضها ثمانية.
وإن كانت عادتها قديماً كما ذكرناه، فتقطّع الدمُ والنقاء ستاً ستاً، فنقول في الدور الأول: على ترك التلفيق حيضها الستة في أول الدور فحسب.
وإن لفّقْنا ولم نجاوز أيام العادة، فكذلك الجواب.
فإن لقطنا من الخمسةَ عشرَ، فالستة الأولى حيض، وهل يضم إليها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر؟ فيه خلاف، وقد ذكرنا نظير ذلك في تمهيد التفريع على التلفيق.
ولكن من قال من أئمتنا بتحييضها في هذه الأيام ضمّاً إلى الستة الأولى، فهو جارٍ على ظاهر قياسه في لقط ما وجد من الخمسةَ عشرَ، ومن لم ير أن يحيّضها في هذه الثلاثة، فليس مذهبه ببعيدٍ في هذه الصورة؛ فإن هذه الثلاثة متصلة بثلاثة واقعةٍ وراء زمان الإمكان، فاقتضى هذا الاتصالُ ضعفاً في الواقع في الخمسةَ عشرَ، وإنما يضعف هذا الوجه جدّاً إذا فرّعنا على ملازمة أيام العادة في التلفيق واللّقط، ثم اتفقت نوبةٌ من الدم، يقع بعضها في آخر أيام العادة، وبعضها وراءها، فمن يقول: لا نحيضها فيما وقع في آخر أيام العادة، لاتصاله بما وقع وراءها، وإن كان في الخمسة عشر، فهذا في نهاية البعد.
فهذا تفريع المذاهب في الدور الأول.
613- فأما بيانها في الدور الثاني، وقد مضى في هذا النوع من التقطع أن النقاء ينطبق على أول الدور الثاني، وكانت عادتها قبل التقطع والاستحاضة عشرة.
أما أبو إسحاق، فإنه يقول: قد خلا من أول الدور ستة، فنحيّضها على ترك التلفيق في الأربعة الباقية من العشرة.
وغيره من الأئمة يقولون: نجعل ابتداء دورها من اليوم السابع، ونُلحق النقاء في الستة الأولى بالدور الأول، ونقول: صار ذلك الدور ستة وثلاثين يوماً، ثم إن فرعنا على ترك التلفيق، فنحيّضها ستة وِلاءً، أولها السابع من هذا الثلاثين. وإن قلنا بالتلفيق من العشرة، أو من الخمسة عشر، فنحسب ابتداء العشرة وابتداء الخمسةَ عشرَ، من اليوم السابع، والتفريع كما تقدم.
فلو كانت تحيض ستة وتطهر أربعة وعشرين، فتقطّع دمها ستة ستة، كما ذكرنا، أمَّا في الدور الأول من التقطع، فنحيّضها الستة الأولى على ترك التلفيق، وهذا مقدار دمها القديم.
وإن قلنا بالتلفيق، فلا مزيد على الستة الأولى؛ فإنها استوعبت مقدار الحيض، ولا حاجة إلى اللقط والتلفيق. فتستوي المذاهب في الدور الأول.
فأما الدور الثاني، فإنها ترى في أوله ستة نقاءً، فأما أبو إسحاق، فإنه يقول: لا حيضَ لها في هذا الدور؛ فإنه خلا جميعُ أيام العادة عن الدم، وقد سبق تفريع مذهبه في خلو أول الدَّوْر فيما سبق.
فأمّا من سواه، فإنهم لا يُخلونَ الدور عن الحيض.
ثم اختلف الأئمة، فقال الأكثرون: نحيّضها في الستة الثانية من الدور، على التلفيق وترك التلفيق.
وقال آخرون: إذا خلا أول الدور، نحيّضها في الستة المتقدمة الواقعة في آخر الدور الأول؛ فإنّ أوّل الدور الثاني قد خلا، فلا اعتبار به، والحيضةُ إذا فارقت محلَّها، فقد تتأخر وقد تتقدم، وبين الستة الأخيرة في الدور الأول وبين الستة من أول الدور الأول ثمانية عشر يوماً، فإذا أمكن أن نجعلها حيضاً، جعلناها كذلك.
614- ولو كانت تحيض سبعة وتطهر ثلاثة وعشرين، فتقطّع دمُها ونقاؤها سبعة سبعة على الاستمرار، فنقول أولاً: في هذه الصورة نضرب نوبتين، وهما أربعة عشر يوماً في اثنتين فتردّ علينا ثمانية وعشرين، فآخر ذلك نوبة من النقاء، فيبتدىء الدم في التاسع والعشرين، فيقع يومان من الدم في آخر الدور الأول، وخمسة في أوّل الدور الثاني.
فأما أبو إسحاق، فالمحكي عنه أنه يُحيّضها في الخمسة التي وقعت في أوّل الدور الثاني، ويحكم بأن حيضها نقص في هذا الدور.
والذي ذهب إليه جماهير الأصحاب أنّا نُحيّضها في السبعة كلِّها، ولا يضرّ تقدّم يومين منها على أول الدور الثاني على ما سبق.
هذا في المعتادة المستحاضة، إذا تقطع الدم والنقاء عليها.
615- فأما المبتدأة، فإذا حاضت المرأة، وكما رأت الدم في أول نوبة، تقطع واستمرّ، ووضح أنها مستحاضة. أما الشهر الأول، فنأمرها فيه بالتربّص إلى الخمسةَ عشرَ-كما سبق تمهيد ذلك- فإذا جاوزت الدماء الخمسةَ عشرَ، فإذ ذاك يُعلم أنها مستحاضة. وقد تقدم القولان في أن المبتدأة تُردّ إلى يومٍ وليلة، أو إلى أغلب الحيض، وهو ستة أو سبعة.
فإذا قرّرنا في المعتادة التفصيلَ، استغنينا عن التطويل في المبتدأة، فإن رددناها إلى يومٍ وليلةٍ، فحكمها حكم معتادةٍ، كانت تحيض يوماًً وليلة، وإن رددناها إلى ستة أو سبعة، فهي كامرأة كانت عادتها ستة أو سبعة.
وقد مضى ذلك على أكمل وجه مفصلاً.
616- ثم نقل الأئمة عن الشافعي نصاً في المبتدأة إذا تقطع الدم عليها، فننقله على وجهه، ثم نذكر تصرّف الأصحاب فيه، قال رضي الله عنه: "إذا تقطّع الدم على المبتدأة في الدور الأول، فكانت ترى الدمَ يوماًً وليلة، ونقاءً مثله، فإنها لا تصوم ولا تصلي في أيام الدم في الخمسةَ عشرَ في الشهر الأول. وتصلي في أيام النقاء وتصوم".
فإذا تبين أنها مستحاضة، ورددناها إلى ما ترد المبتدأة إليه، وهو يوم وليلة، وفرّعنا على ذلك، ورأينا تركَ التلفيق، والحكمَ بأنّ النقاء بين الحيضتين حيض، فالصلوات التي تركتها في أيام الدم وراء اليوم الأول تقضيها؛ فإنا قد تبينا بالأَخَرة أن الحيضَ هو اليوم الأول، وما عداه استحاضة.
وأمَّا الصلوات التي أقامتها في أيام النقاء، فلا تُعيدُها؛ فإنّها أقامتها في النقاء والطهر. ولقد كانت الصلوات في أيام التربّص بين ألاّ تجب لو انقطع على الخمسةَ عشرَ، وبين أن تجب، والنقاء طهرٌ، فعلى أي حالٍ قُدّر، فلا قضاء.
وأما الصوم، فإنّ ذلك إن وقع في شهر رمضان، فلا شك أنها تقضي، ما لم تصمه في أيام الدم، فأما الأيام التي صامتها في النقاء، فقد ردّدَ الشافعي قولَه في أنها هل تقضيها أم لا؟. أحدهما-أنها لا تقضيها؛ لأنا قد علمنا آخراً أنها كانت أيام النقاء، فليقع الحكم بما علمناه، وأيضاًً؛ فإن الصلاة لا يجب قضاؤها-وإن أقامتها على التردّد- فليكن الصوم بمثابة الصلاة.
والقول الثاني- أنه يلزمها قضاء الصَّوْم الواقع في أيام النقاء؛ فإن الصومَ يجب على الحائض، بمعنى أنها تقضيه بخلاف الصلاة، فالصلاة كانت بين أن تصحَّ، وبين ألا تجب أصلاًً، والصوم واجبٌ كيف فرض الأمر. وكان المُوقع متردّداً بين أن يصح وبين ألا يصحَّ، فَوجبت إعادته.
ثم قال أبو زيد: القولان في الصوم مبنيان على قولين في أصلٍ، وهو أن الرجل إذا اقتدى في صلاته بخنثى، فهو مأمورٌ بقضاء الصلاة، لجواز أن يكون الخنثى امرأة، فلو لم يقضها حتى تبيَّن أن الخنثى رجل، ففي وجوب القضاء والحالة هذه قولان؛ فإن الصلاة التي أقامها كانت واجبةً قطعاًً، وقد أقامها مردّدة بين الصحة والفساد، كذلك الصوم في أيام النقاء، والتفريع على ترك التلفيق، ولو انقطع ما تراه على الخمسةَ عشرَ، لكان النقاء حيضاً.
قال القفال: ما ذكره أبو زيد إنما يستقيم في الشهر الأول؛ فإنه شهر التربص والتَّوقف، فأمّا إذا بأن أنها مستحاضة في الشهر الثاني، فلا تردّد. وقد طردَ الشافعي القولين في الصوم في الشهور كلها، فالوجه بناء القولين على القولين المقدّمين في أن المبتدأة وراء المردّ هل تؤمر بالاحتياط إلى خمسةَ عشرَ يوماً؟ وفيه قولان سبق ذكرهما.
وإن أمرناها بالاحتياط، فإنها تصوم، ثم تقضي أخذاً بالأحوط في الأداء والقضاء، وإن لم نأمرها بالاحتياط، فلا نوجب قضاء ما أدّته من الصيام.
قلت: كأن الشيخ أبا زيد يطرد القولين في الشهر الأول. وإن فرعنا على أنها غير مأمورة بالاحتياط، لمكان التردّد الذي ذكرناه؛ اعتباراً بالاقتداء بالخنثى.
617- ومما يتفرع على هذا الذي انتهى الكلام إليه أن المبتدأة لو طبَّق الدم عليها ولم ينقطع، فالذي يقتضيه نصُّ الشافعي في الفصل بين الصوم والصلاة أنها إذا كانت تصلّي وتصوم وراء المردّ في الشهر الثاني فصاعداً، ففي وجوب قضاء الصوم قولان، مأخوذان من الاحتياط، ولا يجب قضاء الصلاة؛ فإنها بين أن تصح، وبين ألا تجب أصلاًً، والصوم واجب على كل حال.
وهذا الذي ذكرته صرح به الأئمة، ولم أذكره في المبتدأة التي طبَّق عليها الدم استنباطاً.
قلت: لو صح القول بالاحتياط في حق المبتدأة في الخمسةَ عشرَ من كل شهر، لم يمتنع أن يغلو غالٍ، فيوجب قضاء الصلوات؛ فإنها لا تفرغ من صلاةٍ إلا ويجوز تقدير وقوع صدرها في بقية الحيض، ولو فُرض ذلك، لكانت الصلاة باطلة، وهي واجبة لمكان الانقطاع في الوقت.
وأبو زيد يوجب قضاء الصلوات على المتحيرة بمثل ذلك، فلو أوقعت الصلاة في آخر الوقت على وجهٍ لو فرض انقطاع الحيض بعد العقد، لما وجبت الصلاةُ، مثل أن تُوقع ركعةً في آخر الوقت والباقي وراءه، فلا يجب القضاء في هذه الصورة، إذا قلنا: لا تجب الصلاة بدراك ما يقصر عن قدر الركعة من الوقت.
ثم القولان في الاحتياط في الخمسةَ عشرَ، فأمّا ما وراءها، فهي مستحاضةٌ فيه، قولاً واحداً، فلتوقع قضاءَ الصوم فيه إذا أمرناها بالقضاء.
618- ومما ذكره الأئمة في المبتدأة المستحاضة التي تقطّع الدم عليها مذهبٌ انفرد به أحمد بن بنت الشافعي، وذلك أنه قال تفريعاً على ترك التلفيق: "إن انفصل آخر الخامسَ عشرَ عن أول السادس عشر، بأن وُجد نقاء في الخامس عشر، أو في أول السادس عشر، أو فيهما، فكل ما في الخمسةَ عشرَ إلى آخر دمٍ فيه حيض "؛ فلم يعتبر الأقل والأغلب في هذه الصورة.
وبيان ذلك بالمثال أنّها إذا كانت ترى الدم يوماًً وتطهر مثله، فهي في الخامس عشر ذات دم، وهي ظاهرة في أول السادس عشر، فنحيّضها في الخمسة عشر كلها.
فلو كانت ترى الدم يومين والنقاء مثله، فهي نقية في الخامس عشر والسادس عشر، ذاتُ دمٍ في الرابع عشر، فنحيّضها أربعة عشر يوماًً.
ولو كانت تحيض ثلاثة وتنقى ثلاثة، فهي ذات دمٍ في الخامس عشر، نقية في أول السادس عشر، فنحيّضها الخمسةَ عشرَ كلَّها.
ولو كانت تحيض ستة وتنقى مثلَها، فالدم في النوبة الثالثة ينقسم على آخر الخامس عشر، وأول السادس عشر، فلا انفصال الآن، فنرجع إلى ترتيب الأصحاب في ردّها إلى الأقل أو الأغلب كما سبق من كلام الأصحاب.
وقد رأيت الحذّاق لا يعدّون مذهبه من جملة المذاهب، ويَروْنه منفرداً بتفصيلٍ، وهو غير مساعَدٍ عليه.
619- فأما المميزةُ في حكم التلفيق، فوجه تصوير التلفيق فيها بتقدير اعتقاب الدم القوي والضعيف. فإذا كانت ترى يوماًً دماًً أسودَ، ويوماًً دماًً مشرقاً، فنصوّر وِجدانها لأركان التمييز وفقدِها لها.
فأمَّا تصوير وجود أركان التمييز، فوجهه ألا ترى الدماء القوية إلا في الخمسةَ عشرَ، مثل إن كانت ترى يوماًً سواداً ويوماً شُقْرةً، ثم استمر الدم المشرق في النصف الأخير، فهذه متمكنة من التمييز.
فإذا كانت مبتدأة، نفرع أمرَها على القولين في ترك التلفيق، والتلفيقِ: فإن تركنا التلفيق حيّضناها خمسةَ عشرَ يوماًً؛ فإن الخامسَ عشرَ نوبةُ السواد، وإن لفّقنا حيّضناها في أيام السواد، وهي ثمانية، وحكمنا لها بالطهر في أيام الشُّقرة، وحكمنا بذلك في النصف الأخير.
وإن كانت معتادة، ففي ردّها إلى العادة خلاف.
فإن رأينا ردَّها إلى التمييز، فقد سبق تفصيله، وإن رأينا ردّها إلى العادة، فقد تقدم ترتيبُ القول في تقطّع الدم على المستحاضة المعتادة.
وها هنا الآن دقيقة، وهي أنا إذا رَدَدْنا المميزةَ إلى العادة، فلا ننظر إلى صفة الدم أصلاًً، ولا نُعلِّق بها حكماً، كما مضى مشروحاً فيما مضى.
فلا جرم نقول: إذا كانت ترى يوماًً سواداً، ويوماًً شُقرةً، والتفريع على اعتبار العادة، فلا نرى ذلك من صور التلفيق، حتى تُخرّج على القولين، ولكن ما نراه بمثابة دمٍ دامَ على لون واحد. ولا نظر إلى لون الدم على هذا الوجه.
وما ذكرناه فيه إذا انقطع الدم القوي والضعيف على المدّة في الخمسةَ عشرَ. فأما إذا جرى ذلك دائماً في جميع الأيام، فكانت ترى يوماًً سواداً ويوماًً شُقرةً أبداً، فهي فاقدة لأركان التمييز.
فإن قيل: كان دورها ثلاثين، وهي الآن لا ترى في الثلاثين إلا خمسةَ عشرَ سواداً، وهذا المبلغ غيرُ زائدٍ على الخمسةَ عشرَ، قلنا: وإن كان كذلك، وفرّعنا على التلفيق، فهي فاقدة لأركان التمييز؛ فإن الحيض حقُّه أن ينحصر في الخمسةَ عشرَ، ولا يسوغ انبساطه على أكثرَ من هذه المدة. وهذا يؤكد القول بترك التلفيق، فإن القائل بالتلفيق يجوّز تقطّع الطهر على الحيض، ويمنع تقطع الحيض على الطهر في أكثر من خمسةَ عشرَ يوماًً. وهذا تصريحٌ باختلاف حكم الحيض والطهر، ولا يتضح بينهما فرقٌ معنوي، فلئن جاز عَوْدُ الحيض قبلَ تمامِ الطهر، فما المانع من بسط خمسةَ عشرَ يوماًً حيضاًً على خمسة عشر يوماًً طهراً؟ فإذاً تبين من وفاق الأصحاب أنها فاقدةٌ للتميز.
فإن كانت معتادة، رُدَّت إلى العادة، وجعل كأنّ الدماء على لونٍ واحد مطبق، ولا التفات إلى اختلاف ألوان الدماء؛ فإنه إذا بطل التمييز، لم يكن للون الدم حكمٌ.
فافهم.
وإن لم تكن معتادة، فهي مبتدأة، ولا تلفيق، ولا اعتبار بتفاوت ألوان الدماء، وحكم لون الدم مرفوعٌ بالكلية. وهذا واضحٌ ولا إشكال فيه.
620- ونحن نذكر الآن تقطع الدم والنقاء على المتحيرة التي لا تذكر شيئاًً من أمرها، ثم نذكر موجَب التقطع مع أبوابها في الخلط، والضلال.
فإذا كانت ترى يوماًً دماًً، ويوماً نقاءً، واستمر ذلك بها، وكانت لا تذكر شيئاً، فنفرّع حكمَها على قولي التلفيق، فإن حكمنا بترك التلفيق، والتفريعُ على قول الاحتياط، فحكمها في زمان الدم ما تقدّم في قضايا الاحتياط، فتغتسل لكل فريضة، لاحتمال انقطاع الدم في كل لحظة، وانقلابها إلى دم الفساد، وتصوم، ويجتنبها زوجها كما مضى حكمها في أثناء الكتاب.
وأما أيامُ النقاء، فهي مأمورة بالاحتياط فيها، والزوج يجتنبها؛ فإن التفريع على ترك التلفيق، ولا يمر بها يوم في النقاء إلا ويُحتمل أن يكون ذلك النقاء حيضاً محتوشاً بحيضين، ولكنا لا نأمرها في أيام النقاء بالاغتسال؛ فإنها إن كانت حائضاً حكماً، فالغسل إنما يجب عند احتمال انقطاع الحيض، وهذا التقدير محال في زمان النقاء قطعاً، وكما لا نأمرها بالاغتسال في أيام النقاء لا نأمرها بتجديد الوضوء؛ فإن الوضوء إنما يؤمر بتجديده عند تجدّد صورة الحدث، وهذا المعنى مفقودٌ قطعاًً في زمان النقاء. نعم، نأمرها بالاغتسال في أثر انقضاء كل نوبة من نُوَب الدم. ثم يكفي ذلك إلى عود الدم.
ومن دقيق ما ينبغي أن يُتفطَّن له أنه كلّما عاودَ الدمُ، فلا تُؤمر بالاغتسال مع اللحظة الأولى؛ فإن الانقطاع إنما يدخل أوان احتماله بعد اللحظة الأولى، من عود الدم، واللحظة الواحدة لا يحيط بها فهم، ولا ينتهي إليها تنصيصُ فكرٍ، ولكن يجري حكمُها في العقل، وتستمر العبارة عنها. فهذا إن فرّعنا على ترك التلفيق.
621- فأما إذا قلنا بالتلفيق، فالذي نزيده أنها طاهرة في أيام النقاء والزوج يغشاها، ولا يخفى حكم الطهر في حقها، ولا تتوضأ لكل صلاة؛ فإن الحدث ليس متجدداً، وأما إمكان الانقطاع في زمان استمرار الدّم، فجارِ، والأمر بالغسل مترتب عليه.
وإن عنَّت صورةٌ يختلف الحكم فيها في التفريع على وجهٍ ضعيف، لم يخفَ درْكُها على الفَطِن المنتهي إلى هذا الموضع، مثل أن نفرعّ على أنّ الشرط ألا ينقص الدم في كل نوبةٍ عن يوم وليلة. وهذا على قول التلفيق في نهاية الضعف، ولكن قد يلتزم الفطن التفريعَ على الضعيف للمرون والدُّرْبة في الكلام على الدقائق، فعلى هذا، مهما عاد دمٌ لا نأمرها بالاغتسال، ما لم يمضِ من زمان الدم يومٌ وليلة، ثم نطرد الأمرَ بالغُسل إن تمادت نوبةُ الدم.
622- وقد جرى رسم الخائضين في هذا الكتاب بذكر الخلط والضلال مع تقطّع الدم في حق الناسية، فإذا كان الدمُ منقطعاً، وذكرت أنها كانت تخلط الشهر بالشهر، حيض بحيض، فالصور تختلف في ذلك، فإن كانت النُّوَب تقتضي أن يُطبق الدم على أول كل شهر، ويخلو عنه آخرُ كل شهر، فنحيّضها في اللحظة الأولى من الدم في أول كل شهر، ولا نحيّضها في اللحظة الأخيرة من الدور، وإن كنا نرى تركَ التلفيق؛ فإنها تصادف في آخر كل دور نقاءً، ونحن إنما نجعل النقاء حيضاً إذا كان محتوشاً بحيضتين، والذي استفدناه من ذكرها الخلطَ الحيضُ في لحظة من آخر الدور ولحظة من أوله، فلا نزيد على هذا.
ولا يتأتى الحكم بأن النقاءَ في آخر الدور حيض إلا أن نجعل جميعَه حيضاًً، ونجعل الدمَ المتقدمَ عليه حيضاً، وهذا إن قلنا به، فهو احتكامٌ من غير ثَبَت، وبناء أمرٍ على قطع.
وإن تقطّع الدم تقطّعاًً كان حسابه يوجب خلوَّ آخر الدّور وأوّلِه عن الدم، وقد ذكرت أنها قبل استمرار هذه الحال لها كانت تخلط شهراً بشهر حيضاً، فلا حيض لها بيقين، بحكم ذكرها الخلط وإن فرّعنا على ترك التلفيق، فإنا لم نصادف دماًً في محل الخلط، ثم إذا بطل الخلط، فقد سقط أثر ذكرها الخلط بالكلّية، وتبين أنّ ما كانت عليه من الخلط قد تحوّل وزال، فهي كالتي لا تذكر من ذلك شيئاًً.
وإن تقطّع الدمٌ تقطّعاً يقتضي ترتيبُه أن ترى دماًً في آخر الدور وأوّله، فنجعلها حائضاً في اللحظتين، ثم لا يخفى التفريع بعد ذلك.
فهذا ما رأينا ذكره في تقطّع الدم مع ذكر الخلط. ولا يخفى غيره على من يحاوله إن أحكم القواعد المتقدمة.
623- فأما ذكرها الضلالَ مع تقطّع الدم، فنذكر فيه صورةً واحدةً، ونوضح ما فيها، ثم يهون قياسُ غيرها عليها: فإذا تقطعت الدماء، وكانت تحيض يوماً وليلةً، وتطهر يوماًً وليلةً، وذكرت أنّها كانت تحيض خمسةَ أيامٍ، وقد أضلّتها في العَشر الأول من الشهر، فنفرّع هذه الصورةَ على قولنا بترك التلفيق، ثم نفرعها على التلفيق: فإن تركنا التلفيق، ولم نبعد أن يكون النقاء بين الحيضين حيضاًً، فمن موجب هذا القول، أنا لا نتجاوز محلَّ الحيض، كما مضى مفصلاً، حتى إذا كانت تحيض ستة أيام من أول كل شهر، ثم تقطع دمُها، فصارت ترى يوماًً دماًً ويوماً نقاءً، فإنها ترى يومَ السادس نقاءً ولا نتعدى السادس، ولا نجعله حيضاً؛ إذ ليس بعده حيض، فيعود حيضها بسبب التقطع إلى خمسة أيام.
فإذا تجدّد العهدُ بهذا، فنعودُ إلى الصورة التي انتهينا إليها، فنقول: حسابُ التقطع يوجب أن تكون نقيةً في اليوم العاشر، ونحن لا نرى تعدِّي المحلّ في ترك التلفيق، فقد خرج اليومُ العاشر من محلّ الضلال، وآل محل الضلال إلى تسعة، فنقول بعد ذلك: ليس لها حيضٌ معيّن بيقين.
فإن قيل: قد ذكرتم في أبواب الضلال أن مقدار الحيض إذا زاد على نصف محل الضلال، فلابد أن يثبت حيضٌ بيقين، والحيض في الصورة التي فيها الكلام خمسة، وهي تزيد على نصف التسعة.
قلنا: ذلك إذا كانت الدماء مطّردة وِلاءً، فيقتضي الحسابُ ثبوتَ حيضٍ مستيقنٍ لا محالة، فأمّا إذا كانت متقطّعةً، فلا يجري ذلك، وإن كنا نجعل النقاء بين الحيضين حيضاً، ورَوْمُ تحصيل هذا يُحوِج إلى مزيد بسط.
فنقول: نقدّر كأنّ حيضَها قديماًً كان ينطبق على الخمسة الأولى من الشهر، وكانت ترى دماًً متوالياً لا تقطّع فيه، فإذا انقطع، فالخمسة الأولى كلُّها على هذا التقدير حيضٌ مع النقاء المتخلل؛ فإنها في اليوم الأوّل والخامس ترى دماً، ويحتمل أنّ خمستها كانت تقع في الخمسة الثانية، وكانت ترى دماً متصلاً، والآن إذا تقطّع، فإنها لا ترى في السادس دماً، فلا سبيل إلى جعله حيضاً؛ إذ ليس قبله حيض، ولا نرى مجاوزة العشر، فينقص على هذا التقدير حيضها ويعود إلى ثلاثة أيام.
وإن قدّرنا خمستها وسطاً، فقد تلقى طهراً يعسر تقديره حيضاًً، ولا تتحصّل على حيض مستيقن أصلاًً، والحكم أنا لا نأمرها بالغُسل في الخمسة الأولى؛ إذ انقطاع الحيض فيها غير مقدّر.
نعم، نأمرها بغسل واحد في آخر اليوم الخامس، ثم نأمرها بغسل واحد عقيب السابع، وبآخرَ عقيب التاسع، والسبب فيه أنّا نجوّز أن يكون ابتداء دمها من أول الثالث، فينقطع في آخر السابع، ونجوّز أن يكون الابتداء من أوّل الخامس والانقطاع في آخر التاسع.
وذهب بعضُ أصحابنا إلى أنها مأمورةٌ بالاغتسال لكل فريضة في السابع والتاسع؛ فإنّ انقطاع الحيض ممكن في أوساط اليومين. وهذا غلطٌ غير معدودٍ من المذهب؛ فإنا لو قدّرنا الانقطاعَ في وسط السابع، احتجنا إلى تصوير ابتداء الحيض في وسط الثاني، وهذا التقدير مع التقطّع الذي صوّرناه غير ممكن؛ فإنها في اليوم الثاني نقية، والنقاء إنّما يكون حيضاًً إذا تقدمه حيض. وكذلك القولُ في وسط اليوم التاسع.
فهذا مجموع ما ذكره الأئمة في التفريع على ترك التلفيق.
624- وذكر القفّال شيئاًً آخر، فقال: لو قدّرنا حيضاًً قديماًً في الخمسة الثانية، فإن تقطع الدم ولم تر في السادس حيضاً، فقد تأخر حيضُها ضرورة بيوم وفاتَحها في أول السابع، فتجاوز العشرة، وتجعل ابتداء خمستها من السابع ويمتدّ إلى آخر الحادي عشر؛ فعلى هذا نأمرها بالاغتسال في آخر الحادي عشر، ثم نقطع وراء ذلك بالطهر.
وطردَ هذا المذهبَ في صورة لابد من ذكرها، فقال: لو كانت تحيض خمسةً من أول كل شهر، فتقطّع تقطّعاًً يوجب خلوَّ أول الشهر عن الدم، وكانت ترى الدمَ في اليوم الثاني، فعنده أن حيضها قد استأخر؛ فنجعل أول خمستها من اليوم الثاني، وتجاوز الخمسة الأولى.
وعند غيره نقصت حيضتُها، ولا سبيل إلى مجاوزة الخمسة الأولى.
فهذا إذا قلنا بترك التلفيق.
625- فأمّا إذا رأينا التلفيق، فقد اشتهر الخلافُ في أنها هل تجاوز في اللقط محل العادة؟ وقد مضى ذلك مقرّراً، فإن لم نر المجاوزة، فلا تتعدى العشرةَ التي هي محل الضلال، ولا نجعل لها حيضاً بيقين. والتفريع في جميع الأحكام، كالتفريع على ترك التلفيق، غير أنا نُثبت لها حكمَ الطاهرات قطع في زمان النقاء، ونأمرها بالاغتسال عقيب كل يوم ينقضي من الدم؛ فإنا على تقطّع الحيض نفرعّ، ومهما انقطع الحيضُ وجب الغُسل، وعلى ترك التلفيق لا تصور لانقطاع الحيض في الخمسة الأولى.
وإن رأينا مجاوزةَ المحل، فإنا نلقط في بعض التقديرات مما وراء العشرة أيضاً.
وبيان ذلك أنا إن قدرنا حيضها في الخمسة الأولى، ورأينا المجاوزة، حيضناها في الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع، وإن قدّرنا حيضها في الخمسة الثانية قديماًً، حيّضناها إذا انقطع في السابع والتاسع والحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر.
فإن قيل: كيف تجاوزون العشرة، وقد زعمت أنها أضَلَّت حيضتها في العشرة؟ قلنا: هذا بمثابة قولها: كنت أحيض الخمسة الأولى، ثم تقطع دمُها فتجاوز الخمسة الأولى وقد عينتها، فإذا جاوزنا ما عينته حيضاً، جاوزنا ما عينته محلاًّ للضلال، فإذا ثبتت التقديرات، قلنا: فهي حائض في اليوم السابع والتاسع قطعاً، والسبب فيه أنهما يدخلان في كل حساب كيف فُرض الأمر، وما دخل في كل تقدير يفرض للحيض، فهو حيض، وعليه وقع بناء حساب التقديم والتأخير في أبواب الخلط والضلال.
فهذا منتهى ما حاولناه في ذكر الضلال مع التلفيق، ومن أحاط بما ذكرناه لم يخف عليه ما يُورد عليه مما سواه.
فقد نجزت مسائل الحيض. ونحن الآن نبتدىء بابَ النفاس مستعينين بالله. وهو خير معين. وبالله التوفيق.