فصل: باب: الأمة تعتق وزوجها عبد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: الأمة تعتق وزوجها عبد:

8285- الأمة إذا عتقت تحت زوجها القن، فلها خيار فسخ النكاح، وهذا مما لا نعرف فيه خلافاً بين العلماء.
ولو عتقت تحت زوجها الحر، فلا خيار لها عند الشافعي.
ونَصُّ الشافعي ومجرى كلامه دال على أنَّ تخيير المعتقة تحت العبد القِن مأخوذ من الخبر، وليس مما يناط بمعنىً جارٍ على شرائط أهل السبر والنظر. وقد قررت هذا في الأساليب.
وتعلَّق الشافعي بحديث بَرِيرَة، وصحّح أنَّ زوجها كان عبداً.
ثم أخذ يقطع الحرّ عن العبد في مقصود الباب، وليس يبغي فرقاً، وإنما غرضه أنَّ خيار المعتقة تحت العبد بالخبر، وليس في معنى الرقيق حتى يلتحق بالمنصوص عليه إلحاقَ الأَمَة بالعبد في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن أعتق شركاً له في عبد قُوّم عليه». فهذا عقد الباب.
ويلتحق به أنَّ العتق الكامل تحت العبد هو الذي يثبت لها الخيار إذا طرأ، فإذا كانت مكاتبة أو مستولدة، أو كان بعضها رقيقاً، فطرأ عليها العتق التام، أو تناول العتقُ الرقيقَ منها؛ فلها الخيار، وقيل: كانت بريرة مكاتبة، وقيل: اشتُريت على أن تعتق. وتتميم العتق في التي بعضها رقيق في معنى توجيه العتق على الكل، والجزء من الرق في الزوج يُلحقه بالقن؛ من حيث إنه سلبه الاستقلال. فانتظم الباب على أنَّ المؤثر طريان تمام العتق، ولا نظر إلى ما كان قبله في صفة الرق وتبعّضه.
ولا يشترط في الزوج كمال الرق ليثبت الخيار، بل البعض من الرق كافٍ.
8286- فإذا تمهد أصل الباب فأول ما نذكره بعدُ، أن الخيار الثابت للمعتقة على الفور أم يتطرق إليه التراخي؟ وقد ردد الشافعي جوابه في هذا، وقال: "ولا أعلم في تأقيت الخيار شيئاًً يتبع، إلاَّ خبراً عن حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لم يمسها».
وحاصل ما نقله الأئمة من أقوال الشافعي ونصوصه في الكتب ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّ خيارها يثبت على الفور، بمثابة خيار الرد بالعيب في البيع وما في معناه. وهذا أظهر الأقوال عند الأصحاب.
والقول الثاني: إنه يثبت خيارها على التراخي من غير أن يُناط بأمَدٍ، ويدوم لها حقها إلى أن تُصَرِّح بإسقاطه، أو بالرضا بالمقام، أو يغشاها زوجها على طواعيةٍ منها، وعلم بحقيقة الحال، فما لم يجر ما وصفناه، فهي على خيارها.
والقول الثالث: إنَّ خيارها يمتد ثلاثة أيام.
توجيه الأقوال: من قال بأنَّ خيارها على الفور، شبَّهَهُ بخيار العيب، والجامع، أنَّ المقصود من الخيارين الاستمكان من دفع الضرار الناجز فرِقُّ الزوج إذاً مع عتقها في معنى العيب الكائن في المعقود عليه، وتأملٌ على الناظر في المعنى الذي لأجله كان خيار العيب؛ إذ لو قال قائل: هلا دام ذلك الخيار إلى أن يُسقطه مستحقه؟ كان الجواب عنه أنَّ معنى عقد البيع وما في معناه على اللزوم، فإفضاؤه إلى جواز يدوم يخالف موضوعه، فبعد تأبيد الخيار لذلك، وقيل لمستحق الخيار: اقطع العقد حتى لا يُلفى في الشرع دوامُ جوازٍ في عقدٍ حقُّه اللزوم، أو نَرضى به، وإن لم نرض به، ألزمنا الشرع العقدَ، وهذا يعتضد بمجرى كلامنا في أسلوب مسألة البراءة من العيوب، حيث قلنا: سببُ الرد زوال جهالة خفية، فإذا انكشف الأمر، فلا وقوف بعد الانكشاف، فمن شبه خيار المعتقة بخيار العيب، اعتمد ما ذكرناه من وجوب لزوم النكاح؛ فإنه عن الجواز أبعد من البيع.
ومن صار إلى أنَّ خيارها لا يثبت على الفور، استمسك بأنَّ هذا حقٌّ جديد لا استناد له إلى العقد الماضي، حتى كأنها برضاها تبتدىء عقداً، ولهذا كان الجواز خارجاً عن القانون، كما نبهنا عليه في وضع الباب.
ثم من قال: يتأبد الخيار، فمتعلقه ما ذكرناه، مع أنه لا منتهى له يقف عنده، فلا وجه إلاَّ الحكم بثبوته إلى أن يبطله مستحِقه.
ثم يستأنس هذا القائل بحديث حفصة، فإنها قالت: "للمعتقة الخيار ما لم يمسها زوجها".
ومن أقَّت بثلاثة أيام علّل في الفور بما ذكرناه، ثم بعُد عنده التأبد، فتمسك بطرفٍ من قياس الشبه، واعتبر أَمَدَ خيارها بالأمد الذي حصره الشرع في خيار التروِّي.
وفي مرامز كلام الشافعي مسلك آخر في الفرق بين خيار العيب في البيع، وبين خيار المعتقة، وذلك أنه قال: "الغرض من الرد في البيع مستدركٌ ماليّ، والأمر فيه قريب، فليبتدروه، والغرض في النكاح خطير، فلا يبعد أن يكون فيه متنفس من غير إرهاق"، فليكن هذا على الحفظ إلى أن نستثمره.
التفريع على الأقوال:
8287- إن أثبتنا خيارها على الفور، فتفريعه كتفريع خيار الرد بالعيب، وقد مضى مستقصى في كتاب البيع.
وإن أثبتنا الخيار على التراخي؛ فإنه يبطل بإبطالها، ويلزم العقد بإلزامها، وليس كحق مُطالبةِ التي آلى عنها زوجها-على ما سيأتي في كتاب الإيلاء- فإنَّ المدة إذا انقضت، وثبت حقُ الطَّلبةِ للمرأةِ، فلو أبطلته ورضيت المُقَامَ تحت زوجها المولي-على إضراره بها-، فلها أن ترفعَهُ إلى القاضي بعد رضاها؛ والسبب فيه أنها وإن رضيت بالمقام على إضراره بها، فليست قاطعةً بأنَّ امتناعَهُ يدوم، ففد تستحثُ الجِبلَّةُ على الفيئة، فلا يتصور وقوع الرضا منها مبتوتاً، ولفظُها-وإن كان صريحاً في البت- في حكم الخُلف.
والرضا بالمقام تحت العبدِ يقعُ مبتوتاًَ لا يعارضه توقُعُ دافع للضرار. وليس ارتقابُها زوالَ الرِّقِ عن الزوج-الأصل بقاء الرق- في معنى ارتقابِها عودَ الزوج إلى الفيئةِ.
ومما يتفرعُ على هذا القول: أنها لو مكَّنت، فلم يغشها الزوج، لم يبطلْ حقُها، وإن قيل: فعلت ما في وسعِها، فإنَّ التمكينَ من الوطءِ إنما يتحققُ عند وقوعِ الوطء.
ولو وطئها الزوجُ على اقتهارٍ، فهذا فيه ترددٌ عندنا؛ من قِبَلِ أن كانت متمكنةً من الفسخِ إذْ وطئها الزوج، فسكوتُها في حكم التمكين، وهذا له التفات من طريق الشبه على أنَّ الزوجَ إذا وطىء امرأتَه قهراً، فهل يبقى لها حق حبسها نفسها حتى يتوفر الصداق عليها؟ وسيأتي مأخذُ ذلك في موضعه، إن شاء الله عز وجل.
ولو غشيها قابضاً على فيها، فلا خلافَ في أنَّ حقَّهَا لا يبطلُ والحالة هذه. وهذا يناظرُ تفصيلَ الأصحابِ فيه إذا أُخرجَ أحدُ المتبايعين من مجلسِ العقدِ قهراً وهو متمكنٌ من الفسخ أو غير متمكن.
وقد نجزَ ما أوردناهُ من التفريع على قولِ التراخي.
وإذا أقتنا الخيارَ بالثلاث، فمبتدأُ المدَّةِ من وقتِ ثبوت الخيار، لا من وقتِ نفوذِ العتق، وذلك إذا أُشعرت بالعتق والخيار.
8288- فإذا تمهد ما ذكرناه، فإنَّا نقول بعد ذلك: ما قُطع به في الطرق أنَّ الخيار الثابتَ في النكاح بسبب العيوب يكون على الفور؛ اعتباراً بخيار العيبِ في البيع، ولم يذكروا الأقوال التي ذكرناها في خيار المعتقة.
وذكر الشيخُ أبو علي في شرح التلخيص أنَّ من أئمتنا من أجرى هذه الأقوالَ في خيارِ العيب في النكاح، وهذا لم أره له، وليس ما ذكره بعيداً عن مسلك المعنى، والذي أجريناه من كلام الشافعي في أقوال خيار المعتقة يشهد بذلك؛ فإنه فَرَّقَ بين خيار المعتقة وخيار العيب في البيع، لِعظم خطر النكاح، فلا يبعد أن يطرد هذا المعنى في خيار العيب في البيع؛ إذ غرض الخيار في البيع استدراك مالية، ولذلك قد يقابل بأرش العيب، ولا مدخل لأرش العيبِ في النكاح؛ حتى يقدر استرداد جزءٍ من الصداقِ إذا كانت هي معيبة، فالمدار على الضرار، وليس يبعد امتداد الخيار مما يتعلق بالضرار.
وكنت أود لو فصلَ فاصلٌ بين خيار العنَّة وخيار الجبِّ في هذا المعنى؛ فإنَّ التي عنَّ عنها زوجُها على رجاءٍ من زوال المانع بخلاف الجَب. ولم أر إلى هذا منتهىً للأصحاب فصلاً بين خيار العُنّة وانقضاء المدة. وفي هذا سرٌّ لطيف: مدة العُنَّة تُضرَبُ مع الإقرار بالعُنَّة كما سيأتي-إن شاء الله عز وجل- فكأنَّ الشرعَ أسعف بالفرق بين البابين وأقامَ مُدَّة العنَّةِ أجلاً في الخيار، وإن كان لا يثبت بها خيار. وسيأتي تقرير ذلك في باب العنة، إن شاء الله عز وجل.
فصل:
قال: "فإنْ أصابَها فادعَتِ الجهالةَ، فيها قولانِ... إلى آخره".
8289- هذا الفصلُ مُفرَّعٌ على القول الظاهر في أنَّ خيارَ المعتقةِ على الفور، ويمكن تفريعُهُ على أنَّه على التراخي، ولكن يبطلُ حقُّها بالمطاوعةِ والتمكنِ إذا جرى الوطء.
ثم صورةُ المسألةِ أنها إذا عتَقَت وطاوعت، فوطئها الزوج الرقيق، ثم أرادت الفسخَ وادعت الجهالة، فقد نقل المزني قولين مطلقين عن الشافعي في أنَّ قولَهَا هل يُقبَل؟ واختلف أصحابنا في محل القولين على ما ننقله، ثم نبحث على عادتنا.
فمن أصحابنا من قال: القولان فيه إذا ادعت الجهالةَ بالعتق، وهذا ساقطٌ؛ من جهةِ أنَّ دعوتَها الجهالةَ بالعتقِ قولٌ يمكن الصدقُ فيه، فأيُّ معنًى في ترديد القولين في قبولها، وهي صاحبةُ الواقعةِ؟ فإنْ قيل: يبطلُ حقُّها وإن صدقت في دعوى الجهالةِ بالوطء، كان بعيداً.
فإذا استحال المصير إلى بُطلانِ الخيار بصورة الوطء، ودعواها الجهالة مُحْتمل؛ فلا وجه للتردد والحالة هذه.
ولو صار صائرون إلى أنَّ صورة الوطء تُبطل حقها، لكان ذلك خارجاً على مسلكٍ-وإن كان بعيداً- وهو أن نجعل نفس الوطء بعد العتق قاطعاً لحق الاستدراك؛ فإنه إذا جرى وطء واحد، فالوطء الواحد كوطئات العمر، ولكن لم يسمح بهذا أحدٌ من الأصحاب، فأَبَوا أن يأخذوا القولين إلا من الجهل بالعتق، وهذا لا معنى له.
ومن أصحابنا من قال: القولان فيه إذا اعترفت بجريان العتق، وادعت الجهل بثبوت الخيار لها. وهذا المسلك أقرب قليلاً على ما بينته في توجيه القولين: وأحد القولين- إنها لا تُصَدَّق، كما لا يُصَدَّق المُطَّلِع على العيبِ في البيع إذا ادعى أنَّه لم يعلم بثبوت الخيار له شرعاً.
والقول الثاني- إنه يقبل قولُ المعتَقةِ؛ فإنَّ الخيار مما لا يبعد الجهلُ به في حق عوامِّ الناس، وأما الرد بالعيب، فإنه شائعٌ في العام والخاص، فادعاء الجهل فيه غير مقبول.
8290- والذي يجب الاعتناء بفهمه بعد ما نقلناه أنَّ التأخير، أو الوطء، أو غيرَه مما يشعر بالرضا إذا استند إلى دعوى الجهل؛ فعَقْدُ المذهب فيه أنه إذا غلب على الظن كذب المدعي، فلا يُقبل قوله-وإن أمكن صدقه على بعد-لأنَّ مبنى العقد اللازم على اللزوم، وهذا أبلغ في وضع العقد من تصديق مَن يمكن تصديقه، ولهذا قال الشافعي: إذا اختلف المشتري والبائع في قِدم العيب، فالقول قول البائع، وللبائع أنْ يحلف على البت على نفي العيب، وإن لم يكن عالماً بانتفائه قطعاً، ولم يبنِ هذا على تغليب الالتزام. فإذا تبين لنا ظهور خيار الرد بالعيب في القياس، لم يصدّق من ادعى الجهل به، وإن أمكن تصديقه. وعلى هذا بنينا ثبوت خيار العيبِ على الفور.
ولو ادعى المشتري الجهلَ، وصدّقه البائع، فله الخيار وفاقاً. وهذا يناظر ما سيأتي في باب العُنَّة-إن شاء الله تعالى- من أنَّ الزوجَ إذا ادعى الوطء في مُدة العُنّة؛ فإنه يصدق، وإن كان الأصل عدم الوطء، مُحافظةً على تبقية النكاح، وهذا أصل مستغنى بتقريره، إن شاء الله تعالى.
فأما خيار المعتقة؛ فليس يظهر ظهور خيار العيب؛ فإنَّ النفوس مجبولة على استدراك الغبائن في البيع. والأصل في النكاح على خلاف ذلك، فترددت دعوى الجهل بين ظهور الصدق وبين المحافظة على تثبيت النكاح، كما رمزنا إليه في العُنة.
والذي أراه أنَّ المرأة إذا ادعت الجهل بالخيار بالبرص والجنون، أو ادعى الزوج الجهل بالخيار في الرتق والقرن، خرج على القولين في خيار المعتقة؛ فإنَّ هذا مما يظهر الجهل به. فهذا ما يجب تنزيل الفصل عليه.
ثم قال الشافعي: "فإن اختارت فراقَهُ ولم يمسها، فلا صداق لها... إلى آخره".
8291- نقدم على ذلك القولَ في مستحِق الصداق فنقول: إذا زوّج أَمَته من عبده، فالصداق لسيد الأَمَة إذا اشتمل النكاح على تسميته، فإذا عتقت الأمَةُ ورضيت بالمقام، فالمهر مسوق إلى مولاها، وليس لها من زوجها إلاَّ النفقة والكسوة، والمؤن الدارّة على مكرّ الزمان في المستقبلِ.
ولو كان زوَّجها مفوِّضةً، ثم أعتقها، نُظر، فإن جرى المسيس قبل العتق، فالمهر لمولاها، وإن جرى المسيس بعد العتق يفرّع ذلك على القولين في أنَّ المهر هل يثبت بالنكاح المشتمل على التفويض، أم يثبت بالمسيس؟ وسيأتي ذكرهما، إن شاء الله عز وجل.
فإن حكمنا بأنَّ المهر يثبت بالنكاح، فالمهر للمولى، وإن حكمنا بأنَّ المهر يثبت بالمسيس، ففيه اختلاف بين الأصحاب: فالذي اختاره المحققون: أنَّ المهر يثبت للمعتَقة. وسيأتي شرح ذلك-إن شاء الله عز وجل- في باب التفويض من كتاب الصداق.
8292- عاد بنا الكلام إلى القول في سقوط المهر بالفسخ، فنقول: إذا فسخت المعتَقة قبل المسيس، سقط المهر، وإن حكمنا بأنَّ المهر للمولى، ولم يوجد منه الفسخ حتى يُقدَّر مسقطاً، ولكن القياس أنَّ المهر يسقط إذا ارتفع النكاح قبل المسيس، واستثنى الشرعُ من هذا الأصل الطلاقَ قبلَ المسيسِ وما في معناه، فاستقر الشرع على أنَّ الصداق إنما يتنصف إذا كان الفراق صادراً من جهة الزوج المستدرِك يتعلق بها.
فإذا فسخت الأَمَة، استحال مطالبةُ الزوج بشيء من الصداق، ولم يوجد منه فراق.
ولو فسخت المعتَقة بعد المسيس؛ فقد قطع الأئمة بأنَّ المسمى لا يسقط، ولم يجروا فيه القول المنصوص في العيوب، وهو أن المسمى يسقط، والرجوعُ إلى مهر المثل؛ والسبب فيه أن هذا الفسخ محال على سبب طارىء، وليست هي مستحقة للمهر، وإنما المهر لغيرها، فيبعد سقوط المسمى.
والتردد الذي ذكرته في رِدَّةِ الزوجة بعد المسيس لا يجري هاهنا؛ فإنَّ الردَّة طرأت على عين النكاح المعقود، وتضمنت انفساخه، والعتق طرأ على عين الزوجة أولاً، ثم ترتب الفسخ على تغيير طارىء، وأحكام مستجدة، لم تعهد حالة العتق.
فالقطع باستقرار المسمى إذا جرى فسخ المعتقة بعد المسيس موثوق به نقلاً وتعليلاً.
ثم قال: "ولو كانت في عدَّة طلقة، فلها الفسخ... إلى آخره".
8293- الرجعية إذا عتقت تحت زوجها العبد في أثناء العدة، ثبت لها حق الخيار؛ فإنها زوجة، فإن شاءت الفسخ، نفذ ذلك منها، واستفادت به قطع حقِّ سلطان الزوج ناجزاً، وتستفيد أيضاًً تقصير العدة، فإنها لو صبرت حتى تتبين أنَّ زوجها هل يراجعها أم لا؟ فقد يراجعها في آخر مدة العدة. فإذا أنشأت فسخاً بعد الرجعة، احتاجت إلى استفتاح عدةٍ من وقت الفسخ، فإذا هي نجّزت الفسخ في الحال، لم يلحقها من الطول ما وصفناه.
ثم إذا فسخت فتكتفي بالعدة التي هي ملابستها أم تبتدىء الخوض في عدة الفسخ؟
فيه قولان أشرنا إليهما في نكاح المشركات، وأجَّلنا استقصاءهما على العِدد، وشبَّهنا ذلك بما لو طلق الزوج الرجعية في أثناء العدة، وقد ظهر اختلاف القول في أن الطلاقَ الذي يلحق الرجعية هل يستعقب عدة جديدةً أم لا؟
هذا إذا أرادت التنجيز؛ فإن أرادت التأخير لتتبيّن ما يكون، فلا بأس، ولا نجعل تأخيرها مبطِلاً لخيارها وإن كان على قول الفور، وهذا مما قدمته في نكاح المشركات أيضاً.
8294- وإن اختارت المقام لمّا عتَقَت، فاختيارها باطل، لا حكم له؛ والسبب فيه أنها جارية في حالة التحريم، وقد يفضي إلى البينونة، فاختيار المقام لا يليق بحالها. هذا ما أطلقه الأصحاب وزعموا أن إجازتها لا تخَرَّج على وقف العقود شَرْطَ أن يكون مورد العقد قابلاً لمقصود العقد. ولم نجوّز بيع الخمر على تقدير مصيرها خلاًّ من حيث لم تكن في حالها قابلة للخل، ولا متصفة بالمالية. وسمعت شيخي غير مرة يحكي تقرير إجازتها عن طوائفَ من الأصحاب.
وهذا متجه غيرُ بعيد؛ فإن إجازتها إن لم تتضمن إحلالَها، فهي متضمنة قطعَ خيارها وسلطانَها في ملك الفسخ، وإذا كانت مستحقة للفسخ إن أرادته، فلتملك قطعَ ذلك، وإذا قطعته، كانت رجعية مستمرة على ما كانت عليه قبل أن عتَقَت.
ثم إن أخرت ولم تختر، ولم تفسخ، فراجعها زوجها، ثم أرادت الفسخ بعد المراجعة، فلها ذلك.
8295- ثم القول في أنها تبني على بقية العدة أم تستأنف عدةً جديدةً؟ كالقول فيه إذا راجعها زوجها ثم طلقها بعد المراجعة، وكل ذلك مما سبقت الإشارة إليه مع إحالة الاستقصاء على موضعه.
ومما يتولد في أثناء هذه الفصول أنَّا حيث نحكم باستفتاح عدةٍ بعد الفسخ، فلا شك أنها عدةٌ تامة؛ فإنَّ الفسخ يجري بعد الحرية. وإذا ابتدأت الحرةُ اعتداداً كان كاملاً.
وإذا قلنا: تبني ولا تستأنف، فتكمل عدة الحرائر أو عدة الإماء؟ فيه اختلاف وتفصيل سبق ذكره في نكاح المشركات مع الإحالة على كتاب العِدَد.
8296- ولو طلق العبدُ زوجتَه الأَمَة طلقةً مبينة، بأن خالع مولاها، ثم عَتَقت، فلا خيار لها؛ فإنَّ أثر الخيار في قطع النكاح، والبائنة ليست منكوحة. والقول في أنها تكمل عدة الإماء أم عدة الحرائر، على ما تقدم.
ثم قال: "وإن كانت صبية، فحتى تبلغ... إلى آخره".
8297- الأمة إذا عتقت في صباها تحت زوجها القن، فإنها لا تتخير في صغرها، ولا ينوب عنها أحد بطريق الولاية، لأن هذا خيار تشهِّي، فلا يسوغ تفويته.
ثم إذا بلغت، فلها الخيار، وهذا قياس لا حاجة إلى الإطناب في شرحه، وهو يطّرد في خيار العُنَّة والإيلاء عن الصغيرة.
ثم قال: "ولا خيار لأَمَة حتى تكمُل فيها الحريةُ... إلى آخره".
8298- وهذا مما صَدَّرنا فيه الباب، والضابط للمذهب في الزوجين أنَّ العتق في البعضِ لا حكم له في الباب. فإذا كان جزءٌ من الزوجِ رقيقاً، فهو كما لو كان رقيقاً، وإذا كان جزءٌ من الزوجة رقيقاً، فهو كما لو كانت جملتُها رقيقةً.
ومما يجب التنبُّهُ له أنَّ الفسخ الذي أثبته الشرع للمعتَقة تحت العبد ليس منوطاً بجريان النكاح على القهر منها في الرق، فإنَّ المُكَاتَبَةَ إذا زُوِّجت بإذنها-ونكاحها مفتقرٌ إلى رضاها- فإذا عتقت وزوجها عبد أو مُكَاتَب، فلها الخيار، وإن جرى النكاح بإذنها المعتبر؛ فإنَّ إذنها محمولٌ على رضاها بالعبد ما دامت هي مكاتبة، فإذا استحدثت كمال الحرية، ثبت لها حق الفسخ.
ولو قالت قبل العتق: إن أعتقت، فقد رضيت بالمقام تحت زوجي على رِقِّه، فهذا قولٌ لاغٍ؛ فإنَّ الرضا بالمقام في حال ثبوت الخيار لا يقبل التعليق، فكيف يقبله قبل ثبوته.
فرع:
8299- إذا عتقت الأَمَةُ تحت زوجها القِن، فَعتِق الزوج قبل اتفاق الفسخ، فالمذهب الصحيح أن حقها من الخيار يبطل؛ فإنه كان معَلَّلاً بما ينالها من الضرار بالإقامة تحت القِن، وقد زالت العلة، فيجب زوال الحكم بزوالها.
وخرَّج بعض أصحابنا وجهاً- أنَّ خيارها لا يبطل بعد ثبوته، وهذا بعيدٌ لا اتجاه له. والمذهب: أنَ من اشترى شيئاً واطلع على عيب قديم به، ثم اتفق زوال العيب قبل التمكن من الرد؛ فيقطع خيار الرد، وفيه الوجه المخرج الذي ذكرناه.
والخلاف بين الصورتين ينبني على قاعدة ذكرناها في كتاب الشفعة، وهي: أنَّ من ثبت له حق الشفعة، فلم يشعر بها حتى باع ملكه الذي استحق الشفعة به، فهل له طلب الشفعة فيه؟ فيه اختلاف وتردد، استقصينا ذكره في كتاب الشفعة.
فإن قيل: هل يتوجه الوجه الضعيف بشيء يمكن التمسك به؟ قلنا: أقصى الإمكان فيه أنَّ العيب إذا زال، فهذا محسوب لمن له حق الرد؛ فإنه حصل ذلك في استمرار حكمه ودوامِ يدهِ، فينبغي أن يكون له لا عليه، فالعيب القديم أثبت حق الرد، والسلامة الطارئةُ ثابتة للمشتري، ولو أبطلنا حق الرََّد بها، لكُنَّا صرفنا فائدة السلامة الطارئة في يد المشتري إلى البائع إذا كنا نقول: العيب الحادث في يد المشتري يؤثر في منعه من الرد، فقياس الفقه أن نقول: ما يطرأ من العيب فعليه، فما يطرأ من السلامة له. وهذا يجري ذكره في مسألتنا، والأصح ما قدمناه.
فرع:
8300- إذا ثبت حق الخيار للمعتقة تحت العبد، فطلقها زوجها قبل أن تفسخ النكاح، نُظر: فإن كان الطلاق رجعياً، فهي على حقها من الخيار، لا شك فيه. وإن كان الطلاق مُبِيناً، فقد نص الشافعي في الأم على "أنَّ الطلاقَ موقوفٌ، فإن فسخت، بان لنا أنَّ الطلاق لم يقع، وإن لم تفسخ، بان أنه وقع".
وقد اضطرب أئمتنا في هذا النص، فذهب المحققون إلى مخالفة النص وقطعوا بنفوذ الطلاق؛ من جهة أنَّ الطلاق صدر من أهله في محله، والفسخ إن فُرض ليس ينعكس على ما تقدمه، وإنما يتضمن قطعَ النكاح في الحال، فيستحيل أن يؤثر في الطلاق السابق. وهؤلاء رأَوْا ما نُقل عن الشافعي نقلاً منه لمذهب غيره، وهذا كثير الوقوع في كلام الشافعي؛ فإنه يخرّج مذهبه بمذهب العلماء، وقد يذب عن مذهب العلماء ذبّه عن مذهب نفسه، وفي كلامه ـعقيد ـعـ ـنى المهر. هذا هو المسلك الحق.
وذهب بعض أصحابنا إلى الجريان على ظاهر النص، وهذا بعيد، ولكن الذي تمسك به الصائر إليه أنَّ الطلاق تصرفٌ من الزوج في ملكه، فلا ينحسم إذا تأكد حق الغير، وهذا كما أنا نرد إعتاق المالك لتأكد حق الغير في ملكه، فالطلاق في معنى العَتاق. وإذا ثبت للمرأة حق الفسخ وتأكد، امتنع تصرف الزوج. وهذا ضعيف، ولكنه أقصى الإمكان.
ولكن ما ذكرناه يجري في فسخ العيب في النكاح حتى لو فرض من الزوج المعيب تطليق زوجته قبل أن تفسخ، ففي نفوذ الطلاق ووقوعه على ما يكون من فسخ أو إجازة ما ذكرناه.
فإن قيل: إذا فَرَّعتم على الوجه الضعيف، فلو عَتَقت الأمة تحت زوجها القن، فوطئها الزوج قبل أن تفسخ، ثم فسخت، فهل تعطّفون الفسخ على هذا الوطء؟ قلنا: هذا سرفٌ لا يصير إليه محصل، فإنَّ الذي وجهنا به ردَّ الطلاق تشبيهه بالعتق، الذي قد لا ينفذ بحق الغير، وهذا المعنى لا جريان له في الوطء، ولا مساغ له فيه أصلاً.
فرع:
8301- العبد إذا عتق وتحته أَمَة، فالمذهب أنه لا خيار له، بخلاف الأَمة إذا عتقت تحت زوجها العبد. وذكر العراقيون هذا ووجهاً بعيداً معه أنَّ الخيار يثبت له كما يثبت لها، وقربوا ذلك من الخيار الذي حكيته في العيوب الطارئة عليها، وإنما هل يثبت للزوج حق الفسخ؟ فهذا بعيد لا اتجاه له، فإنَّ أصلَ البابِ معدولٌ عن القياس، مبنيٌّ على الخبر، وليس الزوج في مقصود الباب في معنى الزوجة.