فصل: باب: وقوع الرجل على الجارية قبل القسمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: وقوع الرجل على الجارية قبل القسمة:

قال الشافعي: "إن وقع على جارية من المغنم قبل القسيمة... إلى آخره".
11398- مضمون هذا الباب يستدعي تقديمَ القول في أملاك الغانمين في المغنم قبل اقتسامه، ونحن نذكر في ذلك ترتيباً ضابطاً، ثم نفُضُّ عليه مسائلَ الباب. وقد استاق صاحبُ التقريب فصلاً جامعاً على أبلغ وجه في البيان، فقال: إذا غنم الغانمون النساء، ولم يقسموها، فهل يثبت الملك قبل القسمة للغانمين؟ فعلى ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا يثبت لهم الملكُ حقيقةً قبل القَسْم، وإنما يثبت له حق التملك.
والدليل عليه أن من أعرض منهم، سقط حقه، كما سنصف ذلك، إن شاء الله تعالى، في أثناء الفصل، ولو ملكوا بالاستيلاء، لاستقر ملكهم، كما يستقر ملك المصطاد، والمحتش، والسارق من مال الكفار من غير مطاردة، وقال: فإن الأملاك إنما تنضبط بالجواز في العقود التي تلحقها الخيارات.
والوجه الثاني- أنه يثبت لهم ملكٌ ضعيف، كما يثبت الملك للمشتري في المبيع في زمان الخيار على القول الصحيح؛ فإن سبب الملك الاستيلاء؛ فاستحال أن يثبت السبب، ولا يثبت الملك، وأيضاً، فإن ملك الكفار زال، والأموال المغنومة أملاك محققة، ويبعد على مذهب الشافعي ملك لا مالك له.
والوجه الثالث: أن ملكهم موقوف، فإن سلمت الغنيمة حتى قسمت، تبين لنا أنهم ملكوها لمّا غنموها، وإن لم تتفق القسمة حتى تلفت الغنيمة، أو أعرض من يريد الإعراض، فيتبين لنا أن الغنيمة لم تُملك إن تلفت، وتبين أنه لم يملكها من أعرض عنها. ووجه هذا: أن الاستيلاء على حكم تجريد القصد للملك لا يتحقق في المغانم، لما أوضحناه من أن الغرض من قتال الكفار إعلاءُ دين الله تعالى، والذب عن الملّة، والمغانمُ في حكم التابع؛ فإذا فُرضت القسمة فيها، تبينا حقيقةَ الاستيلاء، وإن فرض تلفٌ أو إعراض، تبيّنا نقيضه. فهذا وجهُ الوقف.
ثم إذا فرعنا على قول الوقف، فقسمت الغنيمة، فالرأي الحق أنا لا نقول: نتبين أن حصة كل واحد من الغانمين كانت له على التعيين قبل القسمة، ولكن معنى التبيّن أنهم إذا اقتسموها، تبيّنا أنهم ملكوا المغنم لما استولَوْا عليها ملكاً شائعاً، وتمييز الحصص يحصل بالقسمة، كما يقسم الورثةُ التركة؛ فإن القسمة تُخَلِّص لكل واحد حصته بالقرعة.
وحكى صاحبُ التقريب وجهاً غريباً مفرعاً على قول الوقف؛ فقال: إذا اقتسم الغانمون، تبيّنا أن كل واحد منهم ملك الحصة التي أصابته عند الاستيلاء على المغنم، وهذا على نهاية البعد، ولكن نقله صاحب التقريب، وفرّع عليه، كما سنبين تفريعه، إن شاء الله تعالى.
ووجه هذا الوجه على بعده أن كل واحد منهم قبل القسمة كان على خِيَرةٍ من أمره، إن شاء أعرض، وإن شاء طلب حقَّه من المغنم، وليس كذلك الأملاك المشتركة بين الشركاء، فإذا حصل الاقتسام، فتمام الاستيلاء في حق كل واحد منهم يتحقق بالقسمة، فالغرض يتضمن الانعطافَ على أول السبب، وهذا وإن تكلفنا توجيهه ليس بشيء.
11399- ومما نذكره في أصل الملك أن من أعرض من الغانمين عن حصته قبل القسمة، سقط حقه من المغنم. وهذا يدل على عدم ملكه. أو على ضعف ملكه، أو على تردد على مقتضى الوقف.
ثم قال الأئمة: لو أفرزنا الخمس، وأفرزنا من رأس المغنم السّلَب على تفاصيلَ تامة جرت في القَسْم، وبقيت حقوق الغانمين، فلو أعرض واحد منهم بعد إفراز الخُمس، وما يخرج من رأس المغنم، فهل يسقط حق المُعْرِض بالإعراض والحالة هذه؟ ذكر صاحب التقريب أن المذهب أنه يَسقط حق المُعْرِض، وقال: وذكر ابن سُرَيج قولاً مخرجاً أن الإعراضَ بعد ما وصفناه من الإفراز لا يتضمّن إسقاطَ حق المعرض.
وحقيقة القولين ترجع إلى أن الملك هل يستقر بما وصفناه، من الإفراز حتى يصير الغانمون في حقهم الخالص بمثابة المشتركين في مالٍ؟ أم لا يستقرّ ملكهم ما لم يقتسموا حصصَهم؟ فعلى قولين:
أحدهما: وهو المنصوص عليه أنه لا يستقر ملكهم، والثاني-وهو المخرّج- أن ملكهم يستقر. والتوجيه بيّن. فمن مال إلى أن ملكهم لم يستقر احتج بأن إفراز الخمس لا يُثبت القسمة في حقوقهم. وهم فيما يُخصّ بهم كما لو كانوا من قبل. وهذا يتأيد بالدلالة التي جعلناها عماد الباب، وهي أن الغنيمة في وضع الشرع ليست مقصودة، وإنما يتأكد القصد فيها بالقسمة، وإفراز الخمس يؤكد قصدَ الغانمين في حصتهم.
والذي أراه في تنزيل القول المخرّج أن الإمام لو استبدّ بإخراج الخمس، فحقوق الغانمين لا تحول عما كانت عليه؛ لأنهم لم يُحدثوا في المغنم أمراً يشعر بتجريدهم القصد إليه، وإن استقسموا الإمام، واستدعَوْا منه أن يميز الخمسَ، فأجابهم الإمام، فهذا يشعر باختيارهم تأكيدَ حقوق أنفسهم. وهذا التفصيل مني. والذي حكاه صاحب التقريب مطلق، لا تفصيل فيه.
11400- وينبني على ما حكيناه من المنصوص والمخرج أمرٌ، لابد من التنبيه له: وهو أن ظاهر كلام الأصحاب أن من أعرض عن حصته، أُخرج من البَيْن، ويقدّر كأنه لم يكن، ويخمّس المغنم، ويصرف أربعة أخماسه إلى الذين لم يُعرضوا.
ويظهر مما حكاه صاحب التقريب من تخريج ابن سُريج أن نصيب المعرض ينقلب إلى الخمس، ولهذا يسقط أثر الإعراض بإفراز الخمس، وهذا يتأكد بشيء، وهو أن الخمس لا يتصوّر إسقاطه، وهو متأكد، لا يتطرق إليه الخِيَرةُ وإمكان الإعراض، فلا يبعد أن يكون أصلاً يرجع إليه ما يسقطه كل معرض، ويحسن الاستئناس بعد ذلك بقوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، فالأصل أن تكون المغانم لله تعالى، ومن أعرض، رجعت حصته إلى أصلها.
وهذا استخراج وتكلّف، والمذهب الذي عليه التعويل ما قدّمناه من إخراج المُعرِض من البَيْن، والمصيرُ إلى أنه كالمعدوم، وتنزيلُ القسمة على الخُمس والأربعة الأخماس المصروفة إلى الذين لم يُعرضوا.
11401- ومما ظهر اختلاف أصحابنا فيه أن الغانمين بجملتهم لو أعرضوا، فهل يصح إعراضهم أم لا؟؟ فالذي ذهب إليه المحققون أنه تسقط حصصهم بإعراضهم، وينعكس الأربعة الأخماس على مصارف الخمس، وتتوزع عليها.
ومن أصحابنا من قال: إذا أعرضوا بجملتهم، لم يسقط بإعراضهم شيء من حقوقهم في المغنم؛ لأنه يبقى-لو قدّرنا الإسقاطَ- كالخمس ومصارفه، ولا وجه لصرف مال الغنيمة إلى هذه المصارف دون غيرها، فينبغي أن يكون المغنم مخموساً. قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، وهذا التردد مترتب على ما هو المذهب من أن حصة المُعرض تفضّ على الخمس أو الأربعة الأخماس.
ومما يتعلّق بما نحن فيه أن الغانمين إذا أعرضوا، فالأقيس سقوط حقوقهم، كما قدّمنا، فلو قالوا: اخترنا القسمة، فهل تلزم أملاكهم بالاختيار، كما تسقط بالإعراض؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه لا حكم للاختيار، ولا تستقر الحصص إلا بالقَسْم والإفراز.
والثاني: أن حقوقهم وأملاكَهم تستقر، حتى لو فرض إعراضٌ لم يؤثر.
وقال شيخنا: لو أعرض القاتل عن سَلَب القتيل: هل يسقط حقه من السلب بالإعراض؟ فعلى وجهين: أحدها: يسقط كحصة الغانم من المغنم، والثاني: لا يسقط؛ لأنه يتعين له، فصار كتعين الحصة بالقَسْم. وهذا يضاهي الخلافَ في إعراض جميع الغانمين، فإن جملة المغنم متعينة لهم، ثم في إعراضهم من الخلاف ما قدّمناه.
وأصحاب الرضخ إذا أعرضوا، وكانوا مالكين لأنفسهم، فهو كإعراض أصحاب السهام، وإن رأينا أخذَ الإرضاخ من رأس المغنم، فلا نظر في ذلك.
والعبيد يصرف ما يقابلهم من الإرضاخ إلى مواليهم، ولا حكم لإعراض العبيد؛ فإنه لا حق لهم، وإذا أعرض سادتهم، سقط ما يصرف إليهم، وإن لم يكونوا من الغانمين؛ فإن إعراض الغانم مع اختصاصه بالاغتنام إذا أسقط حقه، فإعراض من يملك بواسطةٍ أولى بأن يسقط حقه.
11402- ولو أعرض ذوو القربى عن حصتهم من المغنم، فكيف حكمه؟ وإنما فرضنا الكلام فيهم، فإنهم يُستوعبون، بخلاف اليتامى على الرأي الظاهر، فليسوا في حكم الجهة المبنية على الصفة نحو الفقراء في الصدقات، فإذا أعرضوا عن حقوقهم، فهل تسقط حقوقهم؟
الأظهر أنها لا تسقط؛ فإن هذا منحة أثبتها الله تعالى لهم من غير مقاتلة وشهود وقعة، فليسوا كالغانمين الذين يحمل شهودهم على إعلاء كلمة الله تعالى، ويمكن أن يقال: تسقط حقوقهم بالإعراض قبل القسمة كالغانمين، فإن ما يُصرف إليهم ملكٌ لا يرعى فيه الحاجة، فكانوا كالغانمين؛ وقد صح: "أن عمر التمس من عثمان وعلي والزبير، وجبير بنِ مطعم أن يتركوا حقوقهم من غنيمةٍ كانت وافت المدينةَ من الأهواز". وهذا فيه سؤالان:
أحدهما: أن يقال: لعله استقرض منهم. وفي بعض الروايات ما يدل على ذلك، ولكن قول الزبير لعثمان: "لا تطمعه في حقنا؛ فإنه إن أسقطه، لم يعد". يدل على أنه ما استقرض. هذا وجه.
والوجه الثاني- أنه استوهبهم، فوهبوه. وهذا هو الظاهر. وانتجز به ما حَضَرنا من أحكام الإعراض عن المغنم. وقد انتهى به الكلام الكلي في أملاك الغانمين.
11403- ونحن نخوض بعد ذلك في تخريج المسائل، فأول مسألة نُفَرِّعُها المسألةُ التي صدر الشافعي البابَ بها، وهي إذا كان في المغنم جاريةٌ، فوطئها أحدُ الغانمين، فلا يخلو: إما إن أحبلها، أو لم يحبلها. فإن لم يحبلها، فلا يخلو: إما إن وقعت تلك الجارية في قسمته، أو وقعت في قسمة غيره، لما قسمت الغنيمة، فإن وقعت تلك الجارية في حصة غيره، فلا يخلو: إما إن كان الغانمون محصورين، أو كان بحيث يتعذر ضبطهم لكثرتهم، فإن كانوا محصورين يتيسر ضبطهم، فحكم المهر يُخرَّج على الملك. فإن قلنا: لا يثبت لواحدٍ منهم ملك على الحقيقة قبل القسمة، فالواطىء يلتزم مهرها مكملاً، ويُردّ مهرُها على المغنم، ويقسم بين الغانمين كسائر الغنيمة.
وإن قلنا: يملك كلُّ غانم حصته، فالمذهب أن الواطىء يُغرَّم مهرَ الجارية إلا قدر حصته، فإنَّ وطأه صادف ملكه، وملكَ غيره، فسقط قدرُ حصته من الغنم.
ومن قال: إذا وقع شيء من المغنم في حصة واحد، تبيّنا أنه كان ملكاً له وقت الاغتنام، فعلى هذا إذا كانت الجارية واقعةً في حصة غير الواطىء، فتمام المهر يجب أن يصرف إليه.
هذا مقتضى هذا الوجه، والتفريع عليه أضعف منه.
ولو وقعت تلك الجارية في حصة الواطىء، فالمذهب في المهر كالمذهب فيه إذا وقعت في حصة الغير، ومن أصحابنا من قال: لا شيء على الواطىء بناء على أنا نتبين أنها كانت في ملك من وقعت في حصته، وهذا ساقط، ولكن نقله صاحب التقريب، وصرح بهذا التفريع. ولا عود إلى هذا الوجه بعد ذلك. وكل ما ذكرناه فيه إذا كان الجند محصورين.
فأما إذا عسر ضبطهم لكثرتهم، فقد قال الأصحاب: إذا رأينا تغريمه المهر، غرّمناه تمام المهر؛ فإن حصته من المهر ليس يتبين قدرها؛ فالوجه أن يُغرَّم تمامَ المهر ويردّ إلى المغنم، ثم إذا قسم ما غرمه مع المغانم يرجع إليه مِنْ عَينِه أو بدلِه ما يوجب سقوط الغرم في حصته.
هذا ما ذكره الأصحاب.
قلت: وهذا فيه إذا طابت نفس الواطىء بأن يغرم جميع المهر. فإن قال: لا تغرموني الجميع وأسقطوا مقدار حصتي، فلابد أن يجاب؛ فإن الجند وإن كثروا، فلابد من إمكان حصرهم، ولولا ذلك، لما تُصوّرت القسمة عليهم. ويستوي إذا كان المغنوم نزراً أو كثيراً، أو كان أقلّ من مهر الجارية في مسألتنا، ثم إذا تيسر الضبط، فنأخذ المستيقن، وإن تفرقوا وعسر الأمر، فلا يخفى الحكم في مثل هذه القضية، والوجه أن نحط عنه المستيقنَ، ونتوقفَ في الباقي، كما نفعله في الحقوق المشكلة، وكل ما ذكرناه إذا وطىء الجارية ولم يحبلها.
11404- فأما إذا وطىء جارية وأحبلها، فالذي ذكرناه قصداً ولم نفرّع عليه الكلامُ في الحدّ؛ فإن المذهب أنه لا يجب، ويخرَّجُ فيه القول القديم الذي ذكرناه في وطء أحد الشريكين الجارية المشتركة، وليس من الترتيب تطويل المسائل بالمكررات، وعلينا شغلٌ شاغل من الإطناب في البحث عن أعواص الفقه، فلو ضممنا إليه أدراج الوجوه البعيدة في التقاسيم، لطال الكلام، وتعدّى حدَّ الاعتدال. فنعرّج على أن الحدّ لا يجب، والقولُ في المهر كما قدّمناه إذا عري الوطء عن الإحبال، لا يختلف منه شيء بإفضاء الوطء إلى الاستيلاد، ولهذا قلنا: الأب إذا وطىء جارية الابن التزم مهرَها، سواء أحبلها أو لم يحبلها.
11405- فأما حكم الاستيلاد والولد، فإنا نذكره، وهو المقصود، والكلام يقع في فصلين:
أحدهما: في الموسر إذا أحبل جاريةً من المغنم.
والثاني: في المعسر.
فأما الموسر، فقد قال الأصحاب: أما الولد، فإنه نسيب حرُّ، وقال أبو حنيفة: لا يثبت النسب، والولد رقيق، وفي حرّية الولد مباحثة سننعطف عليها بعد طرد ترتيب المذهب في الاستيلاد، فليثق الناظر بحرية الولد.
فأما ثبوت الاستيلاد، فلأصحابنا طريقان: قال صاحب التقريب: إن قلنا: الغانم لا يملك قبل القسمة، فلا يثبت الاستيلادُ في شيء من الجارية؛ فإن وطأه لم يصادف ملكه، ولكن لو وقعت الجارية في حصته، فهل تصير الآن مستولدة؟ فعلى قولين مشهورين، ذكرناهما في نظائر هذه المسألة. وإن قلنا: الغانم يملك ملكاً واهناً ضعيفاً، ففي ثبوت الاستيلاد وجهين في حصة الغانم؛ إذ الملك ضعيف، وهما كالوجهين في أن المشتري إذا استولد الجارية في زمن الخيار، وقلنا: الملك له، فهل ينفذ استيلاده؟ فيه اختلاف وتفصيل ذكرناه في موضعه. هذه طريقة.
ومن أصحابنا من قلب هذا الترتيب، وقال: إن قلنا: يُنسب الملك للغانم، فالاستيلاد يثبت، وإن قلنا: لا ملك له قبل القسمة، ففي ثبوت الاستيلاد قولان مرتبان على القولين في إحبال الأب جارية الابن، ولو رتب مرتب، وجعل الاستيلاد في جارية المغنم أولى بالنفوذ، لم يكن مُبعداً؛ فإن حق الغانم في المغنم لا ينكر، ولا حق للأب في جارية ابنه؛ إذ لو كان له فيها حق، لحرمت على الابن، كما تحرم جارية المغنم على الغانم.
وعندي أن أخذ هذه المسألة من استيلاد الأب جاريةَ ابنه ليس بسديد؛ فإن نفوذَ الاستيلاد في حق الأب ليس بقياس بدليل ما ذكرناه من خلوص الجارية ملكاً تاماً للابن.
ثم إذا أطلقنا القولَ بالاستيلاد، فمن ضرورة هذا التسرية، وبها يكمل الاستيلاد، وليقع التفريع على أن الشريك الموسر إذا أولد الجارية المشتركة، سرى استيلاده في الحال، غيرَ متوقف على أن يغرم لشريكه قيمةَ حصته.
ثم إن حكمنا بثبوت الاستيلاد، وهو المذهب الصحيح، فإن قيمة الولد تخرج على الترتيب الذي ذكرناه، فإن كان الجند محصورين، أسقطنا حصة المستولِد من المغنم، وغرمناه الباقي، وخصصنا به من عداه من الغانمين. وإن كانوا غير محصورين، فقد أوضحنا أن وجه الرأي أن يغرم كمال القيمة، ثم نُلقي القيمة في المغنم فإذا فُضت، رجع إلى الغانم بتعديل السهام حصتُه من هذه القيمة أو من بدلها.
11406- ثم ذكر صاحب التقريب تفريعاً على هذا المنتهى، وقال: إذا قلنا لا يثبت الاستيلاد في حصته أيضاً، فقد قدمنا أن الولد حرٌّ على ما سنبحث عنه حق البحث، إن شاء الله تعالى. فالجارية في المغنم حبلى بولد حر من الواطىء، وأوضحنا في كتاب البيع أن الجارية الحبلى بالولد الحر لا يصح بيعها على ظاهر المذهب، ما دامت حبلى.
فعلى هذا يمتنع إدخالها في القسمة، ما دامت حاملاً. هكذا ذكر صاحب التقريب. ثم بنى عليه. وقال: يجوز أن يقال: تقوّم الجارية على الواطىء، فإن كانت قيمتها مقدارَ حصته أو أكثر، فتسلّم إليه الجارية من جملة المغنم، والغرض من ذلك أنها تتعين له من غير إقراع، وهذه المسألة فيها احتمال وتردد، فيجوز أن يقال: توقف الجارية إلى أن تلد، ثم تُلقَى في القسمة، ويجوز أن يقال: إنما تلقى في القسمة وإن كانت حاملاً، ونَفصل بين القسمة والبيع، ويَقْوى هذا إذا قلنا: القسمة إفراز حق وليست ببيع، وقد نُجيز القسمةَ حيث لا نُجيز البيع.
قال صاحب التقريب: ويجوز أن يقال: يُغَّرمُ الواطىء قيمةَ الجارية، فتُلقى في القسمة؛ لأنه أوقع بإيداع رحمها الولدَ الحرّ حيلولة بينها وبين الغانمين.
11407- فأما القول في قيمة الولد-وقد أجرينا الحكم بحرية الولد- ففي لزوم قيمة الولد قولان معروفان إذا أثبتنا الاستيلاد، كالقولين فيه إذا وطىء أحد الشريكين الجارية المشتركة وأولدها، وقضينا بنفوذ الاستيلاد، وهذا يرجع إلى أن الملك متى ينتقل إلى المستولد؟ وفيه قولان:
أحدهما: أنه ينتقل إليه قبل العلوق.
والثاني: أنها تنتقل إليه مع العلوق أو بعده، وقد ذكرنا حقيقة هذين القولين في كتاب النكاح، عند ذكرنا استيلاد الأب جاريةَ ابنه، فإن لم نوجب القيمة، فلا كلام، وإن أوجبناها، فإنما تجب حصةُ من عدا الواطىء من الغانمين، ثم يعود التفصيل إلى كون الجند
محصورين، أو غير محصورين، وقد تمهد ذلك في المهر، وفي قيمة الأم، فلا حاجة إلى إعادته.
وكل ما ذكرناه فيه إذا كان الواطىء موسراً.
11408- فأما إذا كان الواطىء معسراً، وقلنا: لا يثبت الاستيلاد في حصة الموسر، فلا شك أنه لا يثبت في نصيب المعسر، وإن قلنا: يثبت الاستيلاد في حصة الموسر، فيثبت أيضاً في حصة المعسر، ولكن لا يسري، ثم إن كان الجند محصورين، يثبت الاستيلاد في حصة المعسر، والغرض يتبين بإيضاح حصته، فإن كانت الجارية جميعَ المغنم، فحصة المعسر بينة، وإن كانوا قد غنموا غيرها، فالمعسر غنيٌّ بما يزيد على حصته في هذه الجارية، فإن كانت حصته في سائر المغنم وافية بقيمة الجارية، أمكن أن يقال: يثبت الاستيلاد، تعويلاً على غناه بغير حصته من الجارية من سائر المغنم على ترتيب سنبينه، إن شاء الله تعالى.
وإن كان ما يخصه من غير الجارية لا يفي بقيمة الجارية، فيثبت السريان في الجارية بمقدار ملكه، كما سيأتي شرح ذلك في باب العتق، إن شاء الله.
ومنتهى البيان يقف على أمرٍ لابد من التنبه له، وهو أن الأمر في الحكم بغناه بنصيبه من غير الجارية موقوف على ألاّ يُعرِض، ويستقرَّ ملكُه في غيرها، مما تفصل من قبل، فلو أعرض، تبينا أنه لم يكن غنياً، وأن العتق يقتصر على حصته من الجارية، ولا نقول: حق سريان العتق يُلزمُه اختيارَ حصته؛ فإن الاختيار بمثابة ابتداء الاكتساب في الغرض الذي نطلبه، وينشأ من هذا أن الغانم إذا أفلس، وضرب القاضي عليه حجرَ الديون التي ركبته، فحقه من المغنم لا يلزم، بل هو على تردده في الإعراض، وطلب الحق.
ولو كان الغانم سفيهاً، فإعراضه هل يُسقط حقَّه من المغنم؟ هذا فيه ترددٌ، ولعل الأظهر أن حقه يلزم؛ فإنه حق ملك، والإعراض في حق المطلق يُسقطه، فيبعد أن يملك السفيه إسقاطَ حق الملك.
وإن قلنا: لا ملك للغانم، وهو أضعف الوجوه، فقد ينقدح عليه تردد بأن حقه من المغنم هل يسقط بالإعراض؟ ولو تبين رشده قبل اتفاق قسمة المغنم، فأعرض، سقط، ولا نقول: كونه سفيهاً حالة الاستيلاد يقرر ملكه على وجهٍ لا سبيل إلى دفعه.
11409- ولو حضر المراهق، وثبت له الرضخ، باستيلاء جند الإسلام، وانفلال الكفار، فلم تتفق القسمة حتى بلغ الصبي رشيداً، فأعرض، سقط حقه، ولو ثبت حق الشفعة للطفل، فإن أخذ الولي الشقص المبيع بالشفعة على موجب الغبطة، ثم بلغ الصبيُّ، لم يملك الردَّ، ولو لم يتفق أخذ الشقص حتى بلغ الصبيّ رشيداً، فعفا عن الشفعة، سقطت الشفعة، وأَخْذُ الشقص بالشفعة من الولي يناظر ما لو قُسّم المغنم.
و لو أخذَ نصيبَ المراهق أو السفيه، ثم رشد السفيه، وبلغ المراهق، فلا أثر لإعراضهما بعد القسمة.
ولو كان اشترى الرجل شيئاً على شرط الخيار، ثم ضرب القاضي عليه حجراً بالفَلَس، وقلنا: الملك في زمان الخيار للمشتري، فقد ذكرنا تردداً في أصل المذهب في أن الخيار هل يبقي للمفلس المحجور عليه، حتى يملك الفسخَ، والغبطةُ في الإجازة، فإن خرّج الفقيه إعراض السفيه عن المغنم على تصرفه في الخيار بعد الحجر عليه، لم يبعد، وهذا الكلام نشأ من قولنا: الاستيلاد لا يُلزم المستولد تقريرَ الملك في المغنم، حتى يصير غنيّاً به، وهذا لامراء فيه، ثم تشعب الكلام في أساليبه.
هذا قولنا في الاستيلاد.
11410- فأما الولد وقد تبعض الاستيلاد، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه مخلوقٌ حراً بجملته.
والثاني: أن الحرية مقدارُ ما يثبتُ الاستيلادُ فيه من الأم، فتقع الخلقة على التبعيض في الرق والحرّية.
توجيه الوجهين: من قال: جميعُ الولد مخلوق حراً، استدل بأن الشبهة تعم الجارية، وحريةُ الولد تثبت بالاستيلاد، وإن كان الاستيلادُ لا يثبت بها. والدليل عليه أن من وطىء جارية الغير، وظنها جارية نفسه، أو ظنها زوجته الحرة، فالولد ينعقد حراً، وإن كان الوالد معسراً، والاستيلاد لا يثبت في الحال، ولو ملك الجارية يوماً؛ فإذ ذاك يخرج قولان مشهوران في صور الاستيلاد، فإذا عمت الشبهة جارية المغنم على معنى أنها قد تكون حصتَه، وقد يُعرِض أصحابه، فتخلُص له: ولا حاجة إلى ذلك؛ فإن الشبهة بالشركة عامة، ولهذا يَسقُط الحدّ عنه، ونشأ تفريع هذه المسألة على أن الحد لا يجب على أحد الشريكين بوطء الجارية المشتركة.
ومن قال بالوجه الثاني احتج بتبعيض الاستيلاد، وانفصل عن وطء الجارية بالشبهة، وقال: لا معترض على الشرع في تنزيل الظن منزلة الحقيقة، ثم إذا تمهد هذا، فالظن متعلّق بجميع الجارية، والأمر متبعضٌ في مسألتنا، والشبهة من الملك تؤخذ عمن هو متبعض، فإذا زال الظن، ووقع وطؤه في ملكه وملكِ غيره، وجب تبعّض الولد في الحرية والملك.
وقد ذكر أصحابنا وجهين في أن الإمام إذا أراد أن يُرِق النصفَ من الأسير، ويُبقي نصفَه على الحرية، فهل له ذلك؟ وجهان:
أحدهما: له ذلك، وهو القياس، والثاني: ليس له ذلك؛ فإن الرأي في الإرقاق وغيرِه في الخلال لا يكاد يتبعّض، وليس هذا خِيَرةً من الإمام، فلا وجه إلا الإرقاق، أو التعلّق بجهةٍ أخرى من الجهات.
وسئل القاضي عن وطء امرأة نصفها حرٌّ، ونصفها رقيق في نكاح أو زنا، فالولد الذي تأتي به كيف حكمه في الحرية والرق؟ فقال: يمكن أن يخرج ذلك على الوجهين في ولد الجارية المشتركة من الشريك المعسر، ثم استقر جوابه بعد أيام على أن الولد بمثابة الأم، تعلّقاً بقول الشافعي: "ولد كل ذات رحمٍ بمثابتها".
ومعنى هذا الكلام أن حكم الولد إذا كان يؤخذ من ذوات الرّحم، فولدها بمثابتها، وليس هذا كالجارية المشتركة؛ فإن الشركة قد تُظن شبهة عامة في الجارية، وهاهنا لا مجال لتقدير الشبهات، فإن الزوج إذا وطىء زوجته لم تأت حرية الولد إلا منها، فيجب القطع بما استقر عليه جوابه.
11411- فإن قيل: هذا الذي ذكرتموه في الولد إذا ضُم إلى ما قدّمتموه فيه إذا كان المستولد موسراً، ينشأ منهما تناقض. وذلك أنكم قطعتم أن الولد حرٌّ بجملته، وذكرتم قولاً أن الاستيلاد لا ينفذ أصلاً إذا قلنا: لا ملك له. أو قلنا: يثبت الملك ولكنه ضعيف، بقي الاستيلاد لا أصل له، كما أن نَفْيَ الملك لا أصل له، فلا يؤاخذ بما لا حقيقة له.
وإذا تقرر هذا، فالوجه إثبات الاستيلاد في حصته، فإن سرَّينا، نقضي بأن الولد حر كله، وإن لم نثبت الاستيلاد في جميع الجارية وقوعاً فإن اليسار إذا كان يوجب تكميل الاستيلاد بطرق السريان، فاليسار أيضاً يوجب تكميل الحرية في الولد بطريق منع الرق؛ إذ لا أصل في استيلاد الولد، غير أن طريق التكميل فيه بتقرير وقوع الخلقة في الحرية، كولد المغرور، ثم الغرم يناط به إن لم ينقل الملك في المستولدة إلى ما قبل العلوق، وإذا كان الوالد معسراً؛ فلا يثبت الاستيلاد في الجميع بجهة السراية، وينقدح خلافٌ في الولد؛ من جهة أن حرية الولد سببها انتفاء الرّق، وكمَّلها قومٌ، لأن السراية فيها غير مرعية، فتخلُّف السراية في الأم لا يؤثر في جهة الولد، ونزّل منزلون حرية الولد في جهتها منزلة عدم نفوذ الاستيلاد.
فلو قال قائل، إذا حكمتم بأن الاستيلاد لا يثبت في حق الموسر في نصيبه لضعف ملكه، فما قولكم في الولد؟
قلنا: هذا وجه ضعيف لا ينبغي أن نلتزم الكلام عليه في الفرق والجمع، ثم ظاهر النقل عن الأصحاب أن الولد حر، وذلك أن الشبهة ملكاً ويساراً عامة في الجميع، فاقتضى ذلك تنزيل الولد في هذا المقام منزلته فيما إذا وطىء الرجل جارية الغير، وظنها جارية نفسه.
وكان شيخي أبو محمد يقول: إذا وطىء الرجل جاريةَ الغير، وظنها زوجته المملوكة، وهو موطنٌ نفسه على أن الولد-إن اتفق العلوق به- فهو رقيق، فإذا فرض ولدٌ في الشبهة التي وصفناها، فهو رقيق؛ اعتباراً بصفة ظنه، والدليل عليه أن حرية الولد ورقه مداران في نكاح المغرور على الظن، وإلا، فلا مقتضى للحرية سوى الظن.
ورأيت لغير شيخي ما يدلّ على أن من وطىء جارية الغير، وحسبها زوجته المملوكة؛ فالولد حرّ، كما لو وطىء المغرور زوجته الحرة على ظن أنه زانٍ بجاريةٍ رقيقةٍ للغير، فالولد حر، وإن كان الواطىء غير بانٍ أمره على وطء حرّة.
وهو عندي غلط، والوجه ما ذكره شيخي، وذلك أن حرية الولد إذا كان تأتي من قبل الظن، وهو ما ظن ظنّاً لو تحقق، لاقتضى حرية الولد، فإذا كان الحكم يُتلقى من الظن، والظن كما وصفناه، فلا معنى للحكم بحرية الولد. وكون الوطء محترماً لا يوجب حرية الولد، فإن ولد الزوج من زوجته الرقيقة رقيق، وإن ترتب على وطءٍ مستحق. وأما مسألة المغرور، فالظن فيها باطل، والوطء صادف مغرور زوجته، فقدّرنا كأن الظن لم يكن، وقضينا بحرية الولد بحصول العلوق به في نكاح المغرور.
فهذا تمام ما أردنا ذكره في أحكام الولد.
11412- ولو وطىء أجنبي من المغنم جاريةً من المغنم، نُظر: فإن مُيّز الخمس ولا شبهة للواطىء، فهو زانٍ لا يخفى حكمه في الحال والمآل.
وإن كان للواطىء أبٌ في المغنم، فوطؤه زناً أيضاً، فإنّ وطء الابن جارية أبيه زنا. وإن كان له ابن في المغنم فوطؤه جارية المغنم كوطء جارية ابنه الغانم، فإن جارية الابن مستولدةُ الأب، كما تصير مستولدةً للابن. ثم تعود التفاصيل.
هذا إذا جرى الوطء بعد إفراز الخمس، ويتصل بهذا أنا نؤكد ملك الغانمين على أحد القولين إذا جرى إفراز الخمس، ولا يخفى التفريع بعد التنبيه.
وإن لم يفرز الخمس، فلبيت المال في الجارية حق. فإذا وطىء أجنبي جاريةً في المغنم، وفيها حق الخمس، وكان للأجنبي حقٌّ في بيت المال، فهذا يخرج على التردد الذي حكيناه في كتاب السرقة، فإنا نقول: السارق من بيت المال لا يقطع إذا كان له في بيت المال حق، على المذهب الظاهر، ولو وطىء مثلُ هذا الشخص جاريةً من بيت المال، ففي وجوب حدّ الزنا وجهان. وهما يعودان في جارية المغنم، إذا جرى الوطء فيها قبل إفراز الخمس، وجميع أطراف المسألة مجراة على أن الحدّ لا يجب بوطء الجارية المشتركة.
11413- ثم قال الشافعي: "وإن كان في السبي ابن أو أب... إلى آخره".
نص الشافعي على أنه إذا وقع في المغنم من يَعْتِق على بعض الغانمين إذا ملكه بحكم القرابة، فلا نحكم بعتقه عليه قبل القسمة.
وقد نص الشافعي على أن الغانم إذا وطىء جارية المغنم، ثبت الاستيلاد، فمن أصحابنا من نقل جواب مسألة العتق إلى الاستيلاد، ومسألة الاستيلاد إلى العتق، وخرّجهما على قولين، ويكون مأخذ القولين في التوجيه ضعيف المُدرك كما قدّمناه.
ومن أصحابنا من حاول الفرق بين الاستيلاد، ونفوذ العتق بحكم القرابة، وقال: ينفذ الاستيلاد كما قدّمنا، ولا يَعتِق القريب على الغانم؛ لأن الاستيلاد ينفذ في محل امتناع العتق؛ فإن الأب إذا استولد جارية الابن، ثبت الاستيلاد، ولو ملك الابن من يعتق على الأب، لم يَعتِق على الابن وذلك إذا ملك أخاه، وهو ابن أبيه، لم يعتق على الابن، وذلك لأن الاستيلاد في حكم الإتلاف بالفعل، والفعلُ لا مدفع له، وحصول العتق في القريب حكم محض.
واختيار المزني أن الجارية لا تصير أم ولد، واحتج بعدم عتق القريب أخذاً من النص، وهو لا يرى النقلَ والتخريجَ، ويستشهد بالنص على النص.
وذكر بعض أصحابنا في عتق القريب مسلكاً آخر، فقال: القريب لا يعتق على الغانم إن لم يختره؛ فإن اختاره عَتَق حينئذٍ، على تفصيل اليسار والإعسار، ونزل اختياره فيه منزلة الاستيلاد، وهذا هو الذي نبهنا عليه في قاعدة الملك، إذا قلنا: الاختيار عند بعض الأصحاب يؤكد الملك ويلزمه. أما إذا جرى الاستيلاد، فلا أثر للاختيار معه؛ فإنه أبلغ من الاختيار.
11414- وكنا أخرنا إلى تفصيل ملك الغانمين القولَ في السرقة، وهذا مما أوضحنا أصوله في كتاب السرقة عند ذكرنا سرقة أحد الشركاء المالَ المشترك، وإنما أعدنا هذا الفصل لزيادةِ فائدةٍ، وذلك أنا ذكرنا أن من أصحابنا من قال: إذا سرق أحد الشريكين من المال المشترك ما يزيد على حصته بالجزئية مثل أن يسرق ديناراً وربعاً من دينارين، له نصفهما، فالمسروق زائد على مقدار حقه، والزيادة بالغةٌ نصاباً، فمن أصحابنا من قال: يجب القطع، وذكرنا ما عدا هذا من كلام الأصحاب.
فإذا فرعنا على الوجه الذي حكيناه الآن، وسرق الغانم من المغنم ما يزيد على مقدار حصته، والتفريع على أن القطع يتعلق بالزائد على المال المشترك، ففي المغنم وجهان على هذا الوجه:
أحدهما: القطع في المال المشترك.
والثاني: لا يجب، لأن حقَّ كلِّ غانم ثابتٌ في جميع المغنم. وكذلك القول، لو أعرض الكلُّ إلا واحداً، قلنا: كأنه الغانم بنفسه، وكأنا نجعل الغانمين كالمزحومين، بمثابة الشفعاء، وهذا يوجب الدرء في الحد، ولا يقع الاكتفاء في إثبات الاستيلاد؛ فإن إثبات الاستيلاد يقتضي ملكاً محققاً، ثم إن اقتضت الحال سرياناً، وقع الحكم به، والمقدار الذي يدرأ الحد، لا يُثبت حقوق الأملاك. فهذا ما أردنا أن ننبه عليه.
وقد قال القاضي: إذا قلنا: يجب الحد على أحد الشريكين إذا وطىء الجارية المشتركة،-وهذا قولٌ حكيناه- فإذا وطىء الغانم جارية المغنم، فهل يلزم الحد؟ فعلى وجهين منشؤهما ما ذكرناه من أن لكل غانم حظاً في جميع المغنم، كما نبهنا عليه، وهذا ضعيف؛ فإن معتمده القول القديم. وهذا متحقق في جارية المغنم تحققه في الجارية المشتركة، والقول القديم في إيجاب الحد يجري على وطء الرجل أخته المملوكة من الرضاع.
وقد انتجز القول في أملاك الغانمين، وآثارها جملة وتفصيلاً.
فصل:
قال: "ومن سُبي منهم من الحرائر... إلى آخره".
11415- ذكر الشافعي سبي الزوجين، وسبي أحدهما، وترتب انفساخ النكاح على ذلك. وقد قدمنا ذكر هذا مستقصىً، وأجرى الأصحاب في أثناء الكلام أحكامَ الديون الثابتة للحربي، إذا استُرِق، وأحكام الديون الثابتة عليه، ونحن نأتي بما يتعلق بهذا على أكمل بيان. وهو مما لم يعتن الأصحاب بجمع كلامٍ فيه على التواصل.
فنقول: لو كان للمسلم دينٌ على حربيّ، فاستُرق مَنْ عليه الدين. قال الأئمة: لا يسقط الدّين عن المسترَق، ورأيتُ أقوال أصحابنا متفقةً على هذا. ومذهب أبي حنيفة أن الدّيْن يسقط عن المسترَق، وأورد الأصحاب هذا في مسألة سبي الزوجين، وشبب الخلافيون بموافقة أبي حنيفة في سقوط الدين المحترم من حيث إنه انقلب عما كان عليه، حتى كأنه عُدم. ثم وجد، وهذا لا يلحق بالمذهب، والمقطوع به أن الدين لا يسقط.
ثم ننظر: فإن أُرق الحربي، ولم يغنم ماله، فحق المسلم في عين ماله، والرق بمثابة الحجر، أو بمثابة الموت في المسلم المديون عليه. حتى لو ظفر به المسلمون وأخذوه-يعني المال- بعد تعلق الدين به يُقضى الدين من ذلك المال.
ولو غُنم أولاً، ثم سبي، أو غنم المال معه، فحق المسلم الغريم في ذمته، يتبعه بعد العتق. ولا يُقضى من عين المال؛ فإن المال إن غُنم قبلُ، فلا شك أن الدَّيْن لا ينعكس عليه، وإن غُنم المال معه، فقد تعقق ملك الغانمين بعين ماله. وحق صاحب الدين إن كان في الذمة فالحق المتعلّق بالعين مقدّم على المتعلّق بالذمة؛ ولذلك قلنا: إذا جنى العبد المرهون يقدم حق المجني عليه على حق المرتهن؛ فإن موجب الجناية لا يتعلق بذمة المولى، فكان تعلقه بالعين أقوى من تعلّق الرهن به.
وعندنا إذا غُنم ماله، ورَق، فالملك في الغنيمة سابق على جريان الرق إن كان المأسور رجلاً، فإن الرق يُضرب بعد الأسر؛ فإن كان كذلك، فلا إشكال.
وإن فرض الكلام فيه إذا أسر أولاً، ثم غنم المال مع إرقاق الإمام، أو وقع الفرضُ في المرأة تسبى مع مالها، فيحصل الرق والاستيلاء على الغنيمة معاً، فليس يبعد على القياس تعلّق الدين المحترم بالمال في هذه الصورة، قياساً على ديون التركة، مع حقوق الورثة؛ فإن حق الورثة يتعلّق بعين التركة، والدين يتعلّق بالتركة في الوقت الذي يحصل الإرث فيه، ثم قُدِّم الدين، فلا يبعد أن يكون الأمر كذلك فيما نحن فيه.
وهذا متجه جداً. وما قدمناه من الاستشهاد بجناية العبد المرهون كلامٌ مُخيلٌ ظاهره؛ فإنا إنما قدّمنا حق المجني عليه كما نُقدّم حقَّ المجني عليه على حق مالك العبد، إن صدرت الجناية من غير إذن السيد، ولا يزيد حق المرتهن على حق المالك؛ فإذا كان يطرأ ملكٌ على المالك، فيطرأ على حق المرتهن، ولسنا نُلزَم الآن ذكرَ تعليل تعلق الأرش برقبة العبد، وقد أجريتُ-فيما أظن- في ذلك كلاماً كلياً في (الأساليب).
وما يتعلّق بهذا الفصل أنه إذا كان للمسلم عليه دين مؤجل، فاسترق، ففي حلول الأجل وجهان مرتبان على الوجهين فيه إذا حُجر على الرجل بالفَلَس، وعليه ديون مؤجلة، ففي حلول الديون عليه جوابان. والرق أولى بأن يقتضي الحلول؛ فإنه أشبه بالموت؛ من جهة أنه يقطع النكاح، ويزيل الملك، بخلاف الحجر.
هذا كله فيه إذا كان لمسلم على حربي دين، فاسترق الحربي.
11416- فلو كان الدين لذمي، فالجواب كما ذكرناه؛ فإن دين الذمي محترم بمثابة أعيان ماله.
11416/م- ولو كان لحربي عليه دين، فاستُرِق من عليه الدين، قال القاضي: يسقط الدين عن ذمته. ولتكن هذه المسألة على الذكر حتى نعود إليها.
11417- ومما نذكره في ذلك أن المسلم لو استقرض من حربي شيئاً، أو اشترى منه شيئاً، والتزم الثمن، ثم استُرِق الحربيّ المستحِق الدين، فالدين لا يسقط عن ذمة المسلم. ثم سبيله كسبيل أموالاً الحربي المودعة عندنا على حكم الأمان. وقد ذكرنا مصارف أمواله، وهذا الدين من أمواله.
ومن أهم ما يجب الاعتناء به أن الحربي إذا استقرض شيئاً من الحربي، ودخل المستقرض إلينا بأمان أو ذمة أو أسلم، قال العراقيون: نص الشافعي على أنه يلزمه ردّ ما استقرضه من الحربي، وحكَوْا نصّاً آخر عن الشافعي على خلاف ذلك في مسألةٍ وهي أنه إذا نكح حربي حربية على مهرٍ، ودخل بها، وماتت الزوجة، وأسلم الزوج، وهاجر إلينا، فجاء ورثة الزوجة، وطلبوا مهرها، قالوا: قال الشافعي ليس لهم عليه طَلِبة. ثم تصرفوا في النصين، وقالوا: من أصحابنا من نقل وخرّج، وجعل المسألتين جميعاً على قولين:
أحدهما: أنه لا طلبة على المستقرض، ولا طلبة على الزوج.
والقول الثاني- أنه تثبت الطلبة على من التحق بنا بأمان أو ذمة أو إسلامه.
وهذا الذي أطلقوه لا يصفو على ما أحب وأوثر إلا بمزيد شرحٍ وبيان. فنقول: إذا نكح حربي حربية على مهر يصح مثله في الإسلام، ثم أسلم، فلا خلاف أن الزوجة تطالب زوجها بمهرها المسمى، وإن التزم المهر حربي لا تجري عليه أحكامنا لحربية لا حرمة لها، لم يكن التزام الحربي كالتزام المسلم؛ فإن المسلم من أهل عقد الأمان للحربي، ويصح تخصيص الأمان بمال، وعلى هذا تخرّج المعاقدات التي تجري بين المسلم، وبين الحربي، وهذا متصور فيما يجري بين الحربيين، ولكن أجمع الأصحاب على أنهما إذا أسلما، فحكم العقد مستدام فيهما، ومن استدامته
توجهت الطلبة بموجبه وعهدته. ومسائل نكاح المشركات خارجة على هذا القانون.
كذلك إذا بايع كافرٌ كافراً ثم أسلما، والثمن المذكور مما يصح طلبه، فلا شك أن الطلب يتوجه، وكذلك إذا أسلم المستحَق عليه ثم أسلم المستحِق، فالأمر على ما وصفناه، وإن ترتب الإسلام.
11418- فأما إذا التزم حربي لحربي، ثم أسلم الملتزم، فتصوير الطلب من الحربي فيه بُعْدٌ، وقولنا يجب على هذا الذي أسلم أن يبذل ما التزمه، مع أن الإسلام يجُبّ ما قبله، وقد جرى الالتزامُ والملتزمُ حربي، فيعسر توجيه الطلب، وهذا منشأ القولين.
ثم إن أوجبنا، فالتعبير عنه أن ينزل المسلم على دوام العقد منزلة المسلم حالة ابتداء العقد. فإن قيل: ذلك المسلم من أهل عقد الأمان. قلنا: نعم، ولكن لو أسلما، لا خلاف أن العهدة تبقى بينهما للأصل الذي مهدناه قبلُ من قضاء الشرع باستدامة العقد.
ومن قال: لا طلبة على المسلم أو الذي عقدنا له الذمة، فلا يُسقط الدين؛ فإن المستحِقَّ لو أسلم طالب، وإنما هذا تَوقُّفٌ في الطلب، فليفهم الناظر ذلك.
ثم قال العراقيون: وقال ابن سريج في النص الوارد في النكاح: ذاك فيه إذا أصدقها خمراً ثم ماتت، وقد أسلم الزوج، فلا طلبة للورثة؛ فإنها قبضت في الشرك تمام ما رضيت به.
فإن قيل: إذا ثبت دين لحربي على حربي، واستُرِقَّ من عليه الدين، فقد ذكرتم أن الدين يسقط، فهلاّ جعلتم الرق أماناً، ونقلتم الدين إلى ذمة الرقيق؟؟ قلنا: هذا لا ينكر توجه احتمال فيه، لما نبهنا عليه. والظاهر السقوط؛ فإن ملتزم الدين انتقل من كونه حربياً لا يجري عليه حكمٌ إلى كونه رقيقاً ليس له على نفسه حكم. والاحتمال مع هذا قائم، والله أعلم.
11419- ولو أتلف حربي على حربي شيئاً، ثم أسلم المتلف، لم يغرم شيئاً، وليس كما لو استقرض منه. ونزيد، فنقول: لو أسلم المتلف والمتلَف عليه، فلا طَلِبَةَ بينهما بخلاف الاستقراض، والمعاملات المقتضية إلزاماً؛ فإن الإتلاف ليس عقداً نقضي بدوامه، وإنما هو حالةٌ جرت حيث لا حكم، ثم جبّ الإسلام ما كان، وأيضاً؛ فإن الحربيَّ إذا قهر الحربيَّ على مَالِه، مَلَكَه، والهلاك باب من القهر. فهذا ما يجب القطع به.
وفي التعليق عن القاضي أن الحربي إذا جنى على مسلم، فاسترق، فأرش الجناية في ذمته، ولا تتحول إلى رقبته، ثم قال: وهذا بخلاف المكاتب إذا جنى، فالأرش في ذمته يؤدّيه من الكسب، فلو عجز وعاد قنّاً، تحول الأرش إلى الرقبة، وفرّق، وقال: الرق الذي هو متعلق الأرش كان موجوداً في حال الكتابة المانعة من البيع، فإذا عجز، ارتفع المانع، وتعلّق الأرش بالرقبة بخلاف الحربي، لأنه لم يكن رق عند الإتلاف، وإنما حدث الرق من بعدُ، وهذا الفرق لا باس به.
ولكن المسألة في وضعها فاسدة؛ فإن الحربيَّ إذا جنى على مسلم، أو ماله، فلا ضمان، ولا تعلّق بموحَب الإتلاف بالذمة، فإنه فعل ما فعل، ولا حكم عليه، وليس عقداً يُستَدام، والرق وإن أدخله في حكمنا، فالذي مضى من الإتلاف لا يُعقب تبعةً يُتَّبع بها في أحكام الإسلام، ونحن وإن قلنا: لا يملك الحربي على المسلم بالاستيلاء، فإنا نقول: لو أتلف حربي على مسلم مالاً، لم يضمنه إذا أسلم، ولم يطالَب به، فهذا ما يجب القطع به.
وحكى بعضُ الناس عن القاضي أن الحربيّ إذا أتلف، ثم عقدنا له ذمة أو أماناً، فهو مطالب بضمان ما أتلفه، ولو أسلم لا يطالب، وهذا لا يحل إلحاقه بمذهب الشافعي. والقاضي أجل قدراً في المذهب من أن يفرع على مذهبه ذلك؛ فما أرى ما جرى إلا خللاً من ناقل، أو هفوة من ذلك الإمام في مسألة جريان الرق بعد الجناية.
فصل:
" ولا يفرّق بينها وبين ولدها... إلى آخره "
11420- لا يجوز التفرقة بين الأم وولدها الطفل سواء كانا مسلمين أو كافرين، أو كان أحدهما مسلماً والآخرُ كافراً، على تفاصيلَ سيأتي الشرح عليها، إن شاء الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تولّه والدة بولدها» وقال صلى الله عليه وسلم: «من فرّق بين والدة وولدها، فرّق الله تعالى بينه وبين أحبته يوم القيامة».
واتفق علماؤنا على أن التفريق محرّم، وليس النهي الذي أطلقناه نهيَ كراهية، فإن فرّق المالك بينهما في البيع، فباع الأم دون الولد، أو الولد دون الأم، ففي انعقاد البيع قولان: قال في القديم: ينعقد، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال في الجديد: لا ينعقد؛ لأن النهي متعلق بالمنهي عنه قصداً، وهو محمول على الفساد، وقد روي: "أن جارية بيعت دون ولدها، فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع".
ولو كان للولد أم وجدة، فبيع مع الأم كفى، ولو بيع مع الجدة دون الأم، فعلى قولين. ولو لم يكن له أم، وكانت له جدّة. قال الأصحاب: الجدة كالأم، وقطعوا بهذا، ولفظهم: الجدة كالأم عند عدم الأم، وأرادوا بذلك أن الأم إن كانت رقيقة فالاعتبار بها، ولا حكم للجدة معها.
فأما التفرقة بين الوالد والولد، فهل تحرم؟ على قولين: أظهرهما- أنها لا تحرم؛ فإن الأخبار في الوالدة، وهي أيضاً تختص بنهاية التحنن والشفقة، وضعف المُنّة في التصبر. فإن قلنا: يجوز التفريق بين الولد والوالد، فلا كلام. وإن قلنا: لا يجوز، ففي غير الوالد من المحارم من القرابات قولان على هذا القول:
أحدهما: لا يجوز التفريق بين كل شخصين بينهما قرابة ومحرمية. والقول الثاني- يجوز.
ويختص ما قدّمناه بالأم، أو من هو على عمود النسب. فإن قلنا: يجوز التفريق، فيصح البيع لا محالة. وإن قلنا: لا يجوز التفريق، ففي صحة البيع على حكم التفريق قولان.
ثم إذا كان للولد أبوان، فلا أثر للتفريق بين الولد والوالد، إذا كنا نرعى الجمع بين الولد والأم كما ذكرناه في الأم والجدة.
ثم ما ذكرناه من المنع من التفريق إلى متى؟ المذهب أنه إلى استقلال الصبي ببلوغ سن التمييز، وهو السبع والثمان. وذكر أئمتنا قولاً آخر أن التحريم وحكمه يمتدّ إلى البلوغ.
11421- وكل ما ذكرناه فيه إذا لم يكن في التفريق ضرورة. فإن وقعت ضرورة، فالبيع جائز، وبيانه أن الأم إذا كانت حرة، فَبَيْعُ الولد جائز، فإن حسم البيع لا سبيل إليه، وكذلك لو كان الولد لزيدٍ والأم لعمرو، فيجوز لكل واحد منهما أن ينفرد ببيع ما يملك؛ فإن هذا التفريق واقع، ومن يبيع يُقيم غيره مقام نفسه، وليس بمحدث تفرقاً لم يكن.
ولو رهن جارية، ولها ولدٌ دون ولدها، جاز؛ إذ كان الرهن لا يوجب تفرقة؛ إذ الملك بعدُ واقع ولا حيلولة.
وإذا جاز البيع، فقد قال الشافعي: تباع الجارية والولد، ويوزع الثمن عليهما. وقد ذكرنا هذا على الاستقصاء في كتاب الرهن، وما ذكرناه من منع التفرقة في البيع يجري في منع التفرقة في الوصية والهبة، وكل جهة مملِّكة.
ومن باع جارية، فسلّمها قبل قبض الثمن، فولدت للمشتري ولداً رقيقاً، وفلس المشتري، وعجز عن توفية الثمن، فكيف يرجع البائع إلى عين الجارية، ولو رجع فيها، لكان ذلك تفريقاً بين الأم والولد؟ قال العراقيون: في ذلك وجهان:
أحدهما: أنه يقال للبائع: خذ الجارية وولدها بثمن المثل، وإن أبيت أخذ الولد، فليس لك إلا مضاربة الغرماء بثمن الجارية، ولا شك أن هذا مفرع على منع صحة البيع على حكم التفريق.
والوجه الثاني- أنه يرجع إلى عين الجارية، والضرورة تلجىء إلى ذلك، وقد قدّمنا أن التفرقة بسبب الضرورة جائزة.
11422- ثم قالوا على الاتصال بهذا: من اشترى جارية، وقبضها، فولدت له ولداً رقيقاً، ثم وجد بها عيباً قديماً، فلا سبيل إلى ردّها إذا منعنا التفريق؛ إذ لا سبيل إلى إلزام البائع بملك الولد حتى ينتظم الرد عليه.
ومن الممكن أن نقول: الراجع في عين ماله بعد الفلس يرجع في الجارية وحدها. هكذا ذكروه، وليس يبعد عندنا أن نسلّطه على ردّ الجارية وحدها لأجل الضرورة الداعية، وهذا إذا لم تعبها الولادة، ولا تُلحق بها نقصاً، فإن نقصت، وقعنا في تفصيل العيب الحادث مع الاطلاع على العيب القديم.
ثم ذكر الشافعي مسائل في حصول الإسلام بالتبعية، وقد ذكرنا وجوه التبعية في كتاب اللقيط على أبلغ وجه في البيان، فلا نعيد منها شيئاً.