فصل: باب: نصارى العرب تضعّف عليهم الصدقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: نصارى العرب تضعّف عليهم الصدقة:

11495- روي "أن عمر رضي الله عنه طلب من تنوخ وبهراء وتغلب، وهم نصارى العرب الجزية، فقالوا: نحن العرب، فلا نقبل الصغار، والجزيةُ صغار، فخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض-يعنون الصدقة- فقال: إنها طهرة المسلمين، ولستم من أهلها، فقالوا خُذْ بذلك الاسم، وضعِّف ما شئت، فضعّف عليهم الصدقة" هذا أصل الباب.
وأول ما يجب الإحاطة به أن المأخوذ منهم، وإن كان يسمى صدقة، فهو في الحقيقة جزية، ومصرفه مصرف الجزية، ولا يؤخذ من أموال النساء والصبيان، فإذا رأى الإمام أن يأخذ من قومٍ من الكفار عرباً كانوا أو عجماً، ضعفَ الصدقات، وغرضه من المأخوذ الجزيةُ، فليفعل ما بدا له، ولا ضبط، فلو أراد أن يأخذ ثلاثة أمثال الصدقة، ووقع التراضي بها، أو أخذ مثلها، أو مثل نصفها، فلا بأس، والمأخوذ منه يُقابَلُ بالجِزَى المفضوضة على الرؤوس: لكل رجل دينار، فإن وفَّى المأخوذ، فذاك، وإن زاد وقبلوا الزيادة، لزمهم الوفاء بها، كما تمهد، وإن نقص المأخوذ عن مقدار الجزية كلّفناهم بتكميل الجزية على حسب ما ذكرناه.
ولو أراد أن يأخذ منهم مقدار الصدقة، فإن كان أكثر من أقل الجزية، جاز وإن كان مثل الجزية، فالذي اقتضاه قول الأصحاب في الطرق أن ذلك جائز، إذا رآه الإمام؛ فإن الغرض استيفاء الجزية بأي حسابٍ فُرض، وعلى أي وجه قدر، ولا يبعد عندنا أن يقال: إذا لم يكن للإمام غرض ماليٌ فيما يأخذه، فتشبيهه أهل الذمة بالمسلمين في المأخوذ منهم ظاهراً حطٌّ للصغار المعتبر، والأمر في ذلك مفوّض إلى رأي الإمام.
ولو أراد أن يأخذ منهم نصفَ الصدقة، وألفاه زائداً على الجزية، فلا شك في جوازه، وإن كان قدرَ الجزية، فالذي ذكره الأصحاب الجواز، وما أشرنا إليه من ترديد الرأي في ملاحظة إبقاء الصغار عليهم جارٍ هاهنا.
والباب عريٌّ عن الفقه؛ فإن حاصله يؤول إلى أن المأخوذ جزية، فينبغي ألا ينقصَ عن الأقل المعتبر، وإن زاد، قبلنا الزيادة.
11496- ثم إذا جرى للإمام تضعيفُ قدر الصدقة عليهم، فللأصحاب تصرف في معنى التضعيف راجعٌ إلى التنازع في فحوى الصيغة، وإذا لم يكن مطلوب الباب فقهاً، فلا مبالاة.
ونحن نذكر الآن ما ذكره الأصحاب في معنى التضعيف، فإذا قال الإمام: ضعّفت عليكم الصدقة، فمعناه: ضعَّفتُ عليكم قدرَ الصدقة، وكل ما يجب في مال المسلم يؤخذ ضعفه من مال الكافر، فنأخذ بدل البعير بعيرين وبدل الشاة شاتين، وعلى هذا القياس يجري معنى التضعيف، فنأخذ من خَمسٍ من الإبل شاتين، ومن عشر أربعَ شياه، ونأخذ من خمس وعشرين بنتي مخاض، ولا نقول نأخذ منها حِقة نظراً إلى نصاب الحِقة؛ فإن معنى التضعيف هذا الذي ذكرناه، وكذلك نأخذ من عشرين ثماني شياه، لا بنت لبون، ومن ستين من البقر أربعة أتبعة.
والأصل أن معنى التضعيف يحمل على ما يجب، ولا يحمل على الترقي بالسن؛ فإنا ذكرنا أن مطلوب هذا الباب يرجع إلى معنى اللفظ، فلو أخذنا من خمس وعشرين حقة، لم يسمّ هذا تضعيفاً للصدقة، وإنما هو تضعيف لقدر المال والأخذ بحسبه، ونأخذ من مائتي درهم عشرة دراهم، ومن عشرين ديناراً ديناراً، ومن الزرع المسقي بالسماء خمساً، ومن الزرع المسقي بالنضح عشراً، وإن ملك مائتين من الإبل، أخذنا منه عشرَ بنات لبون، أو ثماني حقاق.
قال الأئمة: لا نفرق، فنأخذ خمسَ بنات لبون، وأربع حقاق. كما لا نفرق الصدقة؛ فإن الغرض تقدير الصدقة وتضعيفها.
11497- واختلف الأئمة في وقص أموالهم وأنه هل يؤخذ منه شيء، مع العلم بأن الوقص لا يجب بسببه زيادة، وحاصل ما ذكره الأئمة ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا يؤخذ منه شيء من الكافر؟ فإن الصدقة هي المضعّفة، فإن لم يكن فيها صدقة، فلا معنى للتضعيف.
والثاني: أنا نأخذ من وقص أموالهم على حساب التضعيف، فإنا لا نرعى في حقهم من التخفيف ما نرعاه في حق المسلم. والثالث: أن الأخذ من الوقص إذا كان يؤدي إلى التشقيص مع التضعيف، فلا نوجب، وإن كان لا يؤدي إلى التشقيص، أخذنا من الوقص؛ فإن الذي أوجب منع الأخذ من وقص مال المسلم أنا لو أخذنا منه، لأوجبنا شقصاً، واعتباره عسرٌ في الحيوان، فنصبر إلى أن يكمل الواجب الزائد.
فعلى هذا إذا ملك سبعاً ونصفاً من الإبل، فعليه ثلاثُ شياه؛ إذ لا تشقيص على حسب التضعيف، وإذا ملك من الإبل ثلاثين ونصفاً، فعليه بنت مخاض، وبنت لبون، وفي خمس وثلاثين من البقر تبيع ومُسنّة، هذا ما يقتضيه حساب التضعيف، مع الأخذ من الوقص، واجتناب التشقيص.
وبيان ذلك أنه إذا ملك ثلاثين ونصفاً من الإبل فنقدر تضعيف ما يزيد على الخمس والعشرين والزائد على الخمس والعشرين خمس ونصف، فإذا ضعّفنا هذا الزائد تقديراً، بلغ المال ستاً وثلاثين؛ وواجبها بنت لبون، فنوجب بنت مخاض في الخمس والعشرين، ونوجب بنت لبون بتقدير بلوغ المال ستاً وثلاثين، فيتضعف واجب الخمس والعشرين، فإنه يجتمع عليه بنت مخاض وأجزاء من بنت لبون، ويتضعّف الوقص حتى لا يؤدي إلى التشقيص، وهذا ذكره القفّال.
11498- والأصلُ ألا نوجب في الوقص شيئاً، فانا ذكرنا أن مضمون الباب مدارٌ على معنى اللفظ، واللفظ المذكور تضعيف الصدقة، وإنما يُضعَّفُ كائن، وإذا كانت الصدقة لا تجب في الوقص، فلا معنى لتقدير التضعيف، ولولا أن البويطي روى عن الشافعي أنه قال: "إذا ملك مائة درهم أخذ منه خمسة دراهم، وإذا ملك عشرين شاة فعليه شاة، وإذا ملك بعيرين ونصفاً فعليه شاة " وكل ذلك مما نص الشافعي عليه في رواية البويطي، فاعتضد بالنص الإيجابُ في الوقص، وبقي النظر في التشقيص، ولولا النص، لحسمنا الباب، ولما أوجبنا في الوقص شيئاً.
ثم من لم يبال بالتشقيص، يقول: من ملك ثلاثين ونصفاً من الإبل، فيجب في الخمس والعشرين بنتا مخاض، ويجب في الخمس والنصف ما يجب في الأحد عشر من أجزاء بنت لبون إذا أضيفت إلى ست وثلاثين.
ومن يجتنب التشقيص ويفرع على الإيجاب في الوقص، فلا يجد طريقاً لا يتعطل فيه الوقص، ويجتنب التشقيص إلا ما ذكره القفّال، على ما قدمنا تقريره وتقديره.
وفيما ذكره أمر محذور، وهو تضعيف المال، ومساق ذلك يتضمن إيجاب حقة في خمس وعشرين مثلاً، وقد ذكرنا أنا لا نفعل ذلك، بل نوجب بنتي مخاض، ولكن هذه الصورة تتميز عن الخمس والعشرين بما ذكرناه من ضرورة التشقيص، مع أنا لا نريد تعطيل الوقص.
فهذا منتهى المذكور في ذلك.
ومن أوجب في الوقص بعد النصاب زيادةً، أوجب فيما لا يبلغ نصاباً بحساب التضعيف.
فهذا بيان الأَوْجُه، مع العلم بعرُوّ جميع ذلك عن الفقه، ورجوع الأمر إلى التصرف في لفظٍ.
وكل ما لا يناقش فيه مخالفٌ-لو صرّح به في عقد الذمة- يثبت؛ فإن ما يثبت في هذا الباب جزية، وفقه الجزية ألا تنقص عن دينار، والزيادة ممكنة، في الكل والشقص على حسب التراضي، وإن أشكل لفظ رجع إلى معناه من طريق اللسان.
11499- ولو ملك ستاً وثلاثين ولم يكن في إبله بنتُ مخاض، فالذي يقتضيه قياس التضعيف أنا نأخذ منه بنتي مخاض مع الجبران، وهل يضعّف الجبران؟ اشتهر الخلاف فيه، والصحيح أنا لا نضعفه؛ لأنا قد ضعفناه مرة؛ إذْ أوجبنا بنتي مخاض، وضممنا إلى كل واحدة شاتين أو عشرين درهماً، فلو ضعّفنا الجبران، لكان تضعيف التضعيف في مقدارٍ.
ومن أصحابنا من قال: يؤخذ مع كل بنت مخاض أربعُ شياه، أو أربعين درهماً، وهذا غلط لا نشك فيه، ولا ينبغي أن يعد هذا من المذهب، وإن اشتهر نقله، ولكنه نادرة من رجل مرموق ضَرِي الناقلون بنقلها.
ولو ملك ستاً وثلاثين وليس في ماله بنتُ لبون، وفي ماله حقاق، فنأخذ حِقّتين، ولابد من ردّ الجبران، ولا خلاف هاهنا أنا لا نقابل كل حقّة بجبرانٍ واحد، فلا تضعيف فيما نردّه ونبذله وإنما التردد فيما نأخذه.
ثم الإمام إذا كان يردّ الجبران، فلا شك أنه يخرجه من الفيء لا من الصدقات؛ فإن المأخوذ من هذا مقصود الباب.
11500- وقد قدمنا أن الوالي لو أراد أن يزيد على الضعف، أو ينقص، فلا معترض عليه، وذكرنا أن المذهب أنه لا مزيد على العُشر المأخوذ من تجاير المعاهدين اقتداء بعمر، وهاهنا قطعنا بجواز الزيادة على الضعف، والسبب فيه أن الضِّعف ربما لا يفي بأقل الجزية، ولابد من اعتبار أقل الجزية، والعشر المأخوذ من المعاهَد ليس جزية، ولو قبل المعاهدون أكثر من العشر، أخذنا منهم، كما إذا قبل الذمي أكثر من الدينار، غير أن الذي أراه أن الزيادة تلزم الذمي، كما اتفق الأصحاب عليه، لأنها ذكرت في عقدٍ، والجزيةُ فيه بمثابة العوض، والضريبة الموظفة على المعاهد ليست في عقد، فإذا بذل لسانُه بمزيد، فيظهر ألا يلزمه الوفاء به، ويلزم العشر؟ اتباعاً للقضاء.
ويجوز أن يقال: يلزم الزائد على العشر بالالتزام؛ فإن الجاري مع المعاهد أمان، وإن لم يكن ذمةً مؤبدة، وكأنا لا نؤمنهم ليحصّلوا أغراضهم من تجاراتهم إلا بمال، كما لا يقر أهل الذمة في خِطة الإسلام إلا بالجزية. هذا قولنا في الزيادة على التضعيف.
11501- فإن قيل: إنما فعل عمر هذا مع العرب لما أنِفوا من التصريح بقبول الجزية، فهلا قلتم هذا يختص بالعرب حتى لا يجوز مثلُ ذلك مع العجم؟ قلنا: قد ذهب إلى هذا بعض أصحابنا اتباعاً لعمر، وهذا ليس من ثمرات الفقه المحض، وإنما هو أمر سياسي، والذي ذهب إليه جماهير الأصحاب أن ذلك يجوز في العجم، كما يجوز في العرب، وهذا التردد سببه انحطاط الصَّغار، وهو قريب مما قدمناه من تردد الأصحاب في أن التوكيل في أداء الجزية هل يجوز أم لا؟ ولا يبعد أن يتخصص العرب بمزية عن العجم، وهذا كما أن الرّق يجري على العجم قولاً واحداً، وفي جريانه على العرب قولان.
11502- ثم أعاد الأصحاب في هذا الباب أصلاً قدمنا تمهيدَه، فقالوا: تُقابل الصدقات بالرؤوس، فإن كانوا أغنياء، اعتبرنا لكل رأس ديناراً، وإن كانوا منقسمين منهم الفقراء، فإن أخرجوا عن أنفسهم وعن الفقراء ديناراً ديناراً، وبلغت الصدقة هذا المبلغ أقررنا الفقراء، وإن بلغت الصدقة ما على رؤوس الأغنياء، ففي تقرير الفقراء الكلام المفصّل فيما مضى، ويتعلق بذلك أنهم أدَّوا عن الفقراء، فلابد من تقدير الضرب على الفقراء وصدر الأداء عن إذنهم.
وما ذكره العراقيون أنهم قالوا: إذا قابلنا الصدقة بالرؤوس فوفت بالدنانير، أو زادت، فلا كلام، وإن كان يعسر علينا هذا التقدير في كل سنة، ولكن غلب على ظننا وفاء الصدقة بالدنانير، فهل نقنع بغالب الظن، أو نرد الأمر إلى التحقيق؟ ذكروا في ذلك وجهين ولست أرى لمثل هذا الكلام وجهاً مع العلم بأن أقل الجزية دينار، ولابد من الخروج عنه على تحقيق، ولست أحمل ذلك إلا على نظر ناظر إلى إطلاق تضعيف الصدقة من عمر، فظن هؤلاء أنه كان لا يقيس ما نأخذ بجزية الرؤوس في كل سنة، وهذا وَهمٌ وخطأٌ، ولا يليق بعمر رضي الله عنه المجازفة في الأمور.

.باب: المهادنة:

11503- إذا أراد الإمام أن يهادن جمعاً من الكفار، نُظر: فإن لم يكن بالمسلمين ضعف، فله أن يهادن الكفار أربعة أشهر، وهي مدّة التسييح، قال الله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]، والذي قطع به الأصحاب أنه لا يجوز تبليغ مدة المهادنة سنة؛ فإنها مدة الجزية، فلا يجوز الكف عن الكفار في مدة الجزية من غير جزية، وذكروا قولين في جواز المهادنة أكثرَ من أربعة أشهر وأقلَّ من سنة:
أحدهما: أن المهادنة تصحّ لقصور مدتها عن أمد الجزية، فأشبهت المهادنة على أربعة أشهر.
والثاني: أنها لا تصحّ؛ فإن الأربعة الأشهر منصوص عليها في كتاب الله تعالى، فاتبعناها، ولم نزد عليها.
ومن أصحابنا من قال: المهادنة على ما دون السنة محمولة على ما إذا مات الذمي في خلال السنة، وقد اختلف القول في أنا هل نُلزمه قسطَ ما مضى من الجزية؟ فإن قلنا: لا يجب فيما نقص من السنة قسطٌ من الجزية، فالمهادنة جائزة، وإن قلنا: يجب فيما نقص من السنة قسطٌ من الجزية، فلا تصح المهادنة.
ثم قال هؤلاء: لو مضى من سنة الجزية أربعةُ أشهر أو أقل، فمات الذمي، لا يجب في مقابلة الأربعة الأشهر شيء، فإنها مدة التسييح؛ وإن كان يجب ما يقابلها إذا زادت المدة.
وهذا تخليط لا أصل له، ولا فرق بين الأربعة الأشهر وبين الزائد عليها في الخروج على القولين إذا مات الذمي، أو أسلم في أثناء السنة، وينبغي أن يكون مأخذ القطع في الأربعة الأشهر في تجويز المهادنة، ومأخذ القولين في الزائد من نص القرآن وهو قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}.
وفي بعض التصانيف ذكر قولين في جواز المهادنة على سنة. وهذا غلط، لم أره لأحد من الأصحاب، وإنما الموقفُ السنةُ، فإذا خرج قول في جواز المهادنة سنة- ولا ضعف- فيجب خروج هذا القول في سنتين، فصاعداً، وهذا خرمٌ لقاعدة المذهب، فلا اعتداد به، وهذا ملتحق بالهفوات.
11504- هذا إذا لم يكن ضعفٌ، فأما إذا كان بالمسلمين ضعفٌ، فللإمام أن يهادن الكفارَ عشرَ سنين، والمتبع فيه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هادن أهلَ مكة عشرَ سنين على المكافّة، ثم إنهم نقضوا العهد، كما سنصف طرفاً من ذلك، إن شاء الله تعالى، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا مزيد على العَشْر.
هذا ما ذهب إليه المحققون.
وحكى صاحب التقريب وجهاً ضعيفاً في جواز الزيادة، ودليل هذا القائل ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم تنزيلاً للمهادنة على المصلحة اللائقة بالحال، فليتأمل كل ناظر ما يليق بالاستصواب والاستصلاح.
وهذا وجه مزيف لا تعويل عليه، ولا اعتداد به.
ولو عقد الإمام المهادنة وأطلقها، ولم يذكر وقتاً، فإن كان في قوة الإسلام والمسلمين، ففي بعض التصانيف قولان:
أحدهما: أن الهدنة تنعقد على أربعة أشهر؛ تنزيلاً لها على أقل المدة اللائقة بالحال. والقول الثاني- أنها تنعقد على سنة، تنزيلاً لها على الأكثر.
وهذا خطأ من وجهين:
أحدهما: تقدير الهدنة على سنة في قوة المسلمين، وقد أوضحنا هذا.
والثاني: أن الهدنة لا تختص بالأربعة الأشهر ولا بالسنة، وإن كانت السنة مدةً للهدنة؛ فإنها قد تُعقد على عشرة أشهر فلا معنى للتّحكم بتنزيلها على الأربعة أو على السنة، والوجه القطع بفساد الهدنة.
وقد ذكر صاحب التقريب فيه إذا كان بالمسلمين ضعف وقد أطلقت الهدنة، فالهدنة المطلقة تحمل على عشر سنين، وهذا يناظر ما ذكرناه من حمل الهدنة على سنة إذا كانت القوة للمسلمين.
وكل ذلك باطل، والوجه إفساد الهدنة المطلقة في القوة والضعف جميعاً، لما أشرنا إليه من أن المدة لا يخصصها في الإطلاق لفظ ولا عُرف، ولا أمرٌ شرعي، فالوجه إفسادها، ثم إذا فسدت المهادنة، فأثر فسادها أنها لا تلزم.
ولكن لا يجوز المسير إلى الكفار بغتة من غير إشعارهم بأن لا عهد بيننا وبينهم، وهم ما داموا على ظن العهد آمنون.
ولو زاد الإمام على عشر، والتفريع على أن الزيادة ممتنعة، فلا شك أن الزيادة مردودة، وهل تفسد المهادنة على العشر أم تلزم، وتنحذف الزيادة على العشر؟ فعلى قولين:
أحدهما: أن الزيادة منحذفة والهدنة لازمة على العشر.
والثاني: أن الهدنة فاسدة، وقرّب الأصحاب القولين من قاعدة تفريق الصفقة، فإن العشر مدة الهدنة، فإذا ذكرت مع الزيادة عليها، كان ذلك جمعاً في عقدٍ بين ما يجوز وما لا يجوز. هذا مأخذ القولين.
ثم الأصح تصحيح المهادنة؛ فإنا حيث نُفسد الصفقة بالتفريق، فمعوّلنا ما يؤدي التصحيح إليه من جهالة العوض، وهذا المعنى لا يتحقق في المهادنة، وينضم إلى ذلك ابتناء المعاملة مع الكفار على ضرب من المساهلة لا يحتمل مثله في المعاملات الخاصة الجارية بين المسلمين.
11505- وممّا يتعلق بقاعدة الهدنة أن الكفار لو طلبوا الهدنة وليست تبعد عن المصلحة والنظر للمسلمين، فهل يجب إجابة الكفار إلى ما يطلبون؟ المذهب أن ذلك لا يجب؛ فإنه ليس للمسلمين منفعة حاقة، بل ينظر الإمام ويقدم ما يراه الأصلح، وليس ما نعلّقه باجتهاد الإمام معدوداً من الواجبات، وإن كان يتعين على الإمام إذا رأى صلاحاً أن يبتدره، ولكن الاجتهاد لا ينضبط، والرأي لا تنحصر مسالكه.
وهذا بمثابة قولنا: لا يجب على الإمام أن يقتل الأسرى من الكفار والمراد به أن الإرقاق، والمن، والفداء ممكن على الجملة، ولا تعيين من جهة الشارع يقطع نظر الناظر واستصواب المجتهد، فالمهادنة مع الكفار كذلك، فإن رأى المصلحة فيها، وإن كانت القوة للمسلمين، فحق عليه أن يُمضي ما يراه، ووجه المصلحة أن يطمع في اختلاط المسلمين بهم، واختلاطهم بالمسلمين وانتشار الدعوة فيهم، وانتشار الدعاة، فلعلهم يرشدون أو بعضهم.
وفي بعض التصانيف أنهم إذا طلبوا الهدنة، وجبت إجابتهم إذا لم يكن منهم مضرّة، وهذا خطأ محض؛ فإن تعيين إيجاب الهدنة والانكفاف عن الجهاد من غير منفعة ناجزةٍ للمسلمين لا معنى له.
11506- ولو طلب كافر أن يجار ويؤمن ليستمع الذكر، فالذي قطع به الأصحاب أنه تجب إجابته، وقد شهد النص بذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [الآية التوبة: 6]، وليس هذا من معنى الهدنة بسبيل؛ فإن الهدنة أمان عام لجيل من الكفار، وما ذكرناه الآن استجارة من واحد أوآحاد ليسمعوا الذكر، ثم المستجير لما ذكرناه لو لم يشتغل باستماع الذكر، وبان إضرابه، نبذنا إليه الأمان، ولو استجار ليستمع حجة الإسلام، فهل نقول: إذا أخذ يتردد ويسأل ويجاب، فنمهله أربعة أشهر لهذا الغرض، أم نقول: إذا لم ينفصل الأمر بمجالس يُفرض في مثلها البيانُ التام، نبُذ إليه عهدُه، وقيل له: الحق بمأمنك، فلا فلاح فيك؟ فيه تردد، أخذته من فحوى كلام الأصحاب: منهم من قال: يمهل أربعة أشهر مدة التسييح. ومنهم من قال: لا يلزمنا إلا البيان له، ولعل هذا هو الظاهر، والعلم عند الله تعالى.
وليس على المستجير بذلُ مال، كما قدمناه. ولو جاء كافر، وطلب أن نعقد له الذمة ونُلزمه الجزية، ففي بعض التصانيف أن الإمام يلزمه أن يجيبه، وفيه وجه آخر أنه لا يلزمه، ولكن ينظر إلى الأصلح، وهذا فيه إذا كان لا يظن ضرراً، وقد أجرى هذا المصنف طلب الذمة وطلب المهادنة، ثم قال: المذهب أن الإجابة إلى الهدنة لا تجب، وفيه وجه أنها تجب. وإذا طلب الكافر الذمة، فالمذهب أنه تجب إجابته، وفي المسألة وجه أنه لا تجب إجابته.
وما ذكره في الأمرين جميعاً ليس على وجهه، فالوجه القطع بوجوب الإجابة إلى الذمة، إلا أن يفرض ضرر متحقق أو مظنون. وقد ذكرتُ هذا. ومن قال: لا تجب إجابة الكافر إلى عقد الذمة، فقد رد أصلاً عرفه فقهاؤنا متفقاً عليه، وذُكر وجه في إيجاب الإجابة إلى الهدنة، وهذا في الفساد كالوجه المحكي في أن الذمة لا تجب.
فإن قيل: ألستم ذكرتم في فصل تعشير أموال الكفار أنهم لا يمكنون من دخول دار الإسلام إلا بشيء يؤخذ منهم، ثم جوزتم الانكفاف عن الكفار من غير شيء؟ قلنا: ما نضربه على من يدخل منهم دارنا في مقابلة تخطّيهم خِطة الإسلام، واختلاطهم بالمسلمين، والمهادنة معناها تقرير الكفار في ديارهم، وكف القتال عنهم، فلا يبعد أن يطالَبوا بمالٍ على ترك مقاتلتهم مدة معلومة، قدمنا وصفها، ومقدارها.
فهذا الذي ذكرناه أصول في باب المهادنة.
11507- ونحن بعدها نخوض في مسائل من الهدنة، هي مقصود الباب، ونقدم عليها طرفاً من المهادنة التي جرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تمس الحاجة إليه في المسائل:
لما صُدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلَ بنَ عمرو، وكان رسولاً من أهل مكة، ثم أجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهدنة أن من جاء إلى الكفار منا، فسحقاً سحقاً، لا نسترده، ومن جاءنا من الكفار، رددناه، هكذا جرت المهادنة وهي قصة معروفة.
ثم رُوي أن المهادنة، لما انعقدت جاء أبو جندل بنُ سُهيل مسلماً، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيه، فولّى معه باكياً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يجعل لك مخلصاً، قال عمرُ: فأخذ سهيلُ ابنَه أبا جندل، واستمسك بيساره، فأخذت بيمينه وأشرت إلى سيفي، حتى ضربت كفّه بقائمته، وقلت: لا تبال-تحريضًا على قتله- فإن دم الكافر عند الله كدم الكلب، قال: كنت أُعرّض له بقتل أبيه، فعرف مرادي، وتبسم في وجهي وضنّ بأبيه، ولم يقتله.
ثم ورد أبو بصير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منصرفه إلى المدينة فجاء في طلبه رجلان، فردّه عليهما، فلما أدبرا به راجعين قال صلى الله عليه وسلم: «مِسعرُ حربٍ لو وجد أعواناً» يُعرِّض له ألا يرجع إن أمكنه، فلما كان ببعض الطريق قتل أبو بصير صاحبيه، وانضم إليه ممّن كان يريد الالتحاق بالمسلمين جمعٌ، ثم دخل المدينة في جماعة شاكين في السلاح، ثم هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة، فنزل قوله سبحانه: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10]، فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ردّها. هذا ما جرى والقصة طويلة"، ونحن نقلنا منها ما تمس الحاجة إلى نقله في مسائل الباب.
11508- والآن إن اتفقت مهادنة، فيجوز شرط رد الرجال عليهم على الجملة، ولا يجوز شرط رد النساء عليهم إذا جئن مسلمات مهاجرات.
ومما يجب تقديمه على الخوض في المسائل أن أصحابنا اختلفوا في أن النسوة هل اندرجن تحت عقد المهادنة إذ أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: من جاءنا، فهو مردود عليكم؟ فمن أصحابنا من قال: دخلن تحت العقد، واقتضى موجبُه ردَّ النساء، ثم نسخ ذلك بآية المهاجرات المؤمنات، ثم ذكر الفقهاء في هذا المقام طرفاً من نسخ الكتاب بالسنة، ونسخ السنة بالكتاب، واختبطوا فيه على غير بصيرة، ولسنا له؛ فإن مقدار غرضنا التردد في أنهن هل دخلن؟
وقال قائلون: ما دخلت النسوة في مطلق العقد في حكم الرّد، وكان قوله صلى الله عليه وسلم: «من جاءنا» عامّاً، والمراد به الرجال، ثم تبين بنزول آية المهاجرات تخصيص ذلك اللفظ العام بالرجال، ثم من سلك هذا المسلك اختلفوا في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل علم أنهن مستثنيات حالة إطلاق اللفظ، أو لم يعلم ذلك ثم تبيّنه عند نزول الآية؟ فقال قائلون: كان عالماً بأنهن غيرُ داخلات، ولكن لم يتعرض لذكرهن، وذكر لفظاً عاماً، ورأى في ذلك استصلاحاً. وقال قائلون: ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن غير داخلات حتى عرّفه الله تعالى.
وهذا كلام مضطرب؛ فإن صاحب اللفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف ينتظم أن يقال: لم يعرف معنى لفظ نفسه حتى نزلت آية المهاجرات؟ والممكن في ذلك أن يقال: لم يخطر له التخصيص وتحقيق التعميم، وهذا لا يشفي الغليل، فالوجه أن يقال: أُمر بأن يقول قولاً، ولم يعرف معناه؛ فما كان صلى الله عليه وسلم مستقِلاً بإنشاء ذلك القول حتى يتّجه السؤال الذي ذكرناه، وهذه مقدمات اضطرب الأصحاب فيها، ونحن رأينا أن نذكر منها قدر الحاجة.
11509- والآن قد حان أن نخوض في المسائل، فنقول: أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يرد المسلمات، وأوجب عليه أن يغرم لأزواجهن ما أنفقوا، وأجمع العلماء على أن المراد بما أنفقوا ما ساقوا من مهور النساء. هذا حكم الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو جرت منا مهادنة، ثم امتنعنا من ردّ النسوان تأسّياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يجب علينا أن نغرم ما ساقه الأزواج من المهور، كما كان يجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فعلى قولين:
أحدهما: أنه يجب علينا، كما كان يجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: لا يجب علينا غرامة المهور، واختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزامها.
ثم، قال الأئمة: القولان فينا مبنيان على تردد العلماء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التزم المهور، وفيه قولان مأخوذان من معاني كلام الشافعي:
أحدهما: أنه التزم المهور لطريان النسخ، وقد كان ثبت اندراج النساء، ثم نسخ الحكم، فالتزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدال مهور النساء، لمّا تعذر عليه ردّهن بالنسخ.
والقول الثاني- أنه التزم مهورهن، لأنه صلى الله عليه وسلم أوهم بلفظه العام التزام ردّ النسوان، ثم تبين الأمر على خلاف ما ظنوه، فغرم لهم الأعواض.
فقال الأصحاب: القولان في أنا هل نغرم ما غرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيان على القولين في علة غرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلنا: إنه صلى الله عليه وسلم غرم بسبب النسخ الذي جرى، فلا غرم علينا، إذ لا يتصور النسخ بعد انقلابه صلى الله عليه وسلم إلى رضوان ربه عز وجل. وإن قلنا: علة غرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جرى من إبهام اللفظ، فهذا يتصور، كما يتصور منه صلى الله عليه وسلم، فنلتزم المهر، على تفاصيل سيأتي الشرح عليها الآن، إن شاء الله تعالى.
فإن قلنا: لا غرم، فلا كلام، وإن قلنا: يجب علينا أن نغرم المهر، فهو المعني بغرم ما ينفقون في نص الكتاب.
11510- ثم الكلام في تمهيد المقصود يتعلق بفصول توضح القواعد، ونحن نأتي بها مفضلة، ثم نذكر بعدها مسائل تحوي ما يشذ عن ضبط القواعد وتردها إلى القواعد.
فأول ما نذكره سببُ الغرم، فإذا جاءتنا مسلمة، وجاء الزوج طالباً لها، مطالباً بردها، فقد اختلف الأئمة في سبب الغرم: فمنهم من قال: سببه أنا شرطنا في المهادنة أن نردّ عليهم من يأتينا منهم مسلماً، فإذا لم نف بموجب اللفظ، كنا في مقام الغارّين، والغرورُ سببٌ في الضمان، ولا معاب في الإبهام إذا دعت الحاجة إليه، وكان يتطرق الاحتمال إلى اللفظ، وفي الحديث: «إن في المعاريض مندوحة عن الكذب» وصح: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلان إذا أراد سفراً ورّى بغيره»؛ فلنا أن نوهم ونُبهم، ولكن لا نصرّح، ونُبقي لإمكان الصدق وجهاً، ثم نلتزم الغرم على مقابلة ما نأتي به من الإبهام، وهؤلاء يقولون: لو صالحناهم ولم نتعرض لِرَدّ من يأتينا منهم، فإذا أتتنا نسوة مهاجرات، لم نغرم لأزواجهن شيئاً؛ فإن سبب الغرم على هذه الطريقة، التعرضُ لِردّ من يأتينا؛ فإذا لم يجر ذلك، فلا غرم.
وذهب صاحب التقريب وأئمة العراق، وكل من ينتسب إلى التحقيق أن ثبوت الغرم لا يتوقف على التعرض لردّ من يأتينا منهم، ولكن نفس المهادنة تقتضي الغرمَ إذا امتنعنا عن ردّ النسوة، ووجه هذا أن متضمّن المهادنة عقدُ الأمان، وإزالة التعرض عن الأهل والمال، فإذا جاءت امرأة مسلمة مهاجرة، فمنعناها، فقد حلنا بينها وبين الزوج، وكان ذلك مخالفة لما اقتضته المهادنة، وإن لم يجر لردّ من يأتينا ذكرٌ، وهذا حسن فقيه.
فينتظم من مجموع ما أشرنا إليه مراتب: إحداها- أنا لو هادنّاهم، وشرطنا ألا نرد من يأتينا مسلماً، فإذا أتانا رجال ونساء مسلمين، فلا نرد ولا نغرم شيئاً، وكذلك لو صرحنا بالامتناع عن ردّ النساء. ولو ذكر في المهادنة أنا نرد من يأتينا منهم، ولم نفصّل، فلا نردّ النسوة المسلمات، ونغرم للأزواج ما سنفصله إن شاء الله تعالى. وإن عقدنا المهادنة، ولم نتعرض لمن يأتينا منهم مسلماً بالنفي والإثبات، فهذا موضع اختلاف الطرق: فمن أئمتنا من أوجب الغرم، وهم الجماهير؛ أخذاً من مخالفتنا موجب الأمان، ومنهم من قال: لا نغرم المهور؛ لأنا، لم نلتزم ردّ من يأتينا.
11511- وهذا الفصل يصفو عن الكدر بما نصفه، فنقول: إذا شرطنا ردّ من يأتينا منهم مسلماً، فيجب الوفاء بذلك، فمن يأتينا من الرجال الأحرار أصحاب العشائر نردّه، كما سيأتي، إن شاء الله، وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جندل على أبيه، وردّ أبا بصير على طالبيه؛ وفاءً بالشرط، هذا إذا شرطنا أن نرد من يأتينا منهم.
فإن لم نشترط ذلك، فالذي أراه أن من أتانا من رجالهم مسلماً لا نردهم بحكم المهادنة، فإنا شرطنا ألا نتعرض لهم في دمائهم وأموالهم، فمن أتانا منهم مسلماً، فقد صار منا، وانسلّ عن مقتضى المهادنة، ونحن أثبتنا المهادنة على الكفار، ويجيء على هذا ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ردّ للوفاء بالشرط، لا لاقتضاء المهادنة ذلك، وإذا جاءتنا امرأة مسلمة، فلا شك أنا لا نردها، لما ذكرناه، ولمزيد أمرٍ فيها، وهي أنها محرمة على الكفار متحرمة بحرمة الإسلام، وفي ردّها السعي في إثبات الفواحش، وهي أيضاً لضعفها عرضة لأن تفتن عن دينها، وسبب الغرم فيها عند الأكثرين حق الزوج فيها، وليس كالرجل يسلم، ويتعلق بنا؛ فإنه لا حق لهم فيه، فلا نكون بمنعه معتدين على حقوقهم، بخلاف الزوج.
ثم ثار الخلاف في هذا المنشأ، فاكتفى طائفة بالمهادنة في إثبات الغرم لحق الزوج في الزوجة، ولم يكتف آخرون؛ لأن حق الزوج ينقطع بإسلامها، فيجب أن يكون مستند الغرم الإبهام الذي يشعر به مطلق شرط الرد، فإن قيل: لم يجوز رد الرجل المسلم إلى الكفار؟ قلنا: الخبر فيه كافٍ، وسنذكر مأخذه من المعاني من بعدُ إن شاء الله.
وكل هذا تفريع على أنا نغرم المهور فإن قلنا: لا نغرم، فلا تفريع، وقد ذكرنا ذلك مرةً ونبهنا عليه ثانياً، ولا عود إلى ذلك. فليعلم الناظر أن تفريعاتنا واقعة على أحد القولين.
11512- ولو شرط الإمام في المهادنة أن نرد عليهم الرجال والنساء، فالشرط فاسد في النساء، ولا سبيل إلى ردّهن إذا جئن مسلمات، ولكن هل تفسد المهادنة بالشرط؟ فيه تردد بين الأصحاب ممثّلٌ بنظائر كالشرائط الفاسدة في الوقف؛ فإن في إفسادها الوقفَ تردداً، والأصل في ذلك أن عقود المعاوضة تفسد بالشرائط الفاسدة؛ لأنها تجرّ إلى عوض العقد جهالةً، فكأن البائع إذا شرط شرطاً فاسداً قد باع عبده بألف وتحكّم بأمرٍ لا يُستحق.
فأمّا ما مبناه على اللزوم والنفوذ، ولا عوض فيه، فإذا جرى فيه شرط فاسد، فقد يتجه فيه خلاف: فمن أصحابنا من يفسد العقد بالشرط، ومنهم من يفسد الشرط ويصحح العقد دونه، وما نحن فيه من ذلك. ثم إذا أمسكنا المرأة وقد شرطنا أن نردها، فنغرم؛ فإنا إذا كنا نغرم بذكر لفظٍ مطلق، أو بمهادنة مطلقة، فلأن نغرم إذا صرّحنا أولى. وقد انتجز هذا الفن.
11513- نوع آخر في تفصيل القول في المرأة التي نغرم المهر بسببها، فنقول: إذا دخلت دارنا وهي مسلمة، وجاء الزوج مطالباً، فلا نردها، ونغرم، ولو جاءت إلينا كافرة؛ فإنا نردها؛ لأنها لم تتحرم بالإسلام، وليس في ردّها تسليط كافر على غشيان مسلمة.
ولو دخلت إلينا كافرة، ثم أسلمت بين أظهرنا، فلا نردها إذا طُلبت؟ وهل نغرم؟ فيه اختلاف، والأوضح أنا نغرم؛ لأنا نمنعها بسبب الإسلام، فلا فرق أن يوجد المانع فينا، وبين أن تأتينا معه متصفةً به، فإن عماد الغرم المنع.
ولو جاءت وكانت أسلمت وارتدت والتحقت بنا مرتدة، فإذا جاء الزوج مطالباً، فهل نغرم له؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنا نغرم لمنعنا إياها، والتعويل عليه، لا على صورة الإسلام. والوجه الثاني- أنا لا نغرم، لأنها كافرة، وإنما يجب الغرم إذا منعناها بسبب الإسلام. ويمكن أن يقال: سبب منعنا إياها أن نقتلها إن أصرّت، وهذا وجه ضعيف. والصحيح وجوب الغرم.
ولو جاءتنا مجنونة، فإنا لا نردها؛ لجواز أن تكون مسلمة وكانت أسلمت، ثم جنّت، وإذا جاء الزوج مطالباً، فهل نغرم له شيئاً لجواز أن تكون كافرة؛ فيبنى أمرها في المنع والغرم على مقتضى الاستيقان، فما لم نعلم كفرها، فلا نردها تغليباً لحرمة الإسلام، والأصل براءة الذمة، فلا نغرم من غير ثبت.
ولو جاءتنا صبيّة تصف الإسلام، وكانت مميّزة، فإذا أظهرت الإسلام، انبنى هذا على الخلاف في صحة إسلام الطفل، فإن حكمنا بصحته، فهي كالبالغ؛ فنمنعها، ونغرم مهرها، قياساً على البالغة. وإن قلنا: لا يصح إسلامها، فلا نردها لحرمة الكلمة، وهل نغرم؟ فعلى وجهين:
أحدهما: لا نغرم كما لو كانت مجنونة.
والثاني: نغرم، لأن ظاهر حالها أن تستمرّ على الإسلام إذا أصدرت قولها عن تمييز.
هذا هو الترتيب.
وأبعد بعض أصحابنا وقال: إنها ترد؛ فإن ما جاءت به ليس بإسلام، وليست كالمجنونة البالغة التي نظن أنها أسلمت ثم جُنت، وهذا له اتجاه في القياس، ولكنه مطّرح غير معتدٍّ به، وقد أجمع أصحابُنا على أن الصبي إذا كان يصف الإسلام يحال بينه وبين أبويه الكافرين؛ فإنّ صَدَر ذلك عن مميز يُغلّب على الظن تعلق قلبه بالهدى؛ وظنُّ توقّع الإيمان إذا غلب، لم يعطل.
11514- نوع آخر في بيان من نغرم له، فإذا جاءتنا امرأة وأسلمت، فجاء أبوها، وأقرباؤها يستردّونها، فلا نردها، ولا نغرم لهم شيئاً؟ فإنهم لا يستحقون منها أمراً، حتى نكون منتسبين إلى منعهم من حقوقهم؛ فلا غرم إلاّ للزوج. نعم، لو جاءتنا أمةٌ مسلمة، فإنا نمنعها عن سيدها، ونغرم للسيد قيمتها؛ لإيقاع الحيلولة بينها وبين من كان مالكاً لها، فنقول: إنها تَعتِق بالمراغمة، والاتصال بدار الإسلام. فإن قيل: لم تغرمون قيمتها وقد عَتَقَت؟ قلنا: كما نغرم مهر المسلمة وقد بانت، والسبب فيهما أن الحكم بالعتق والبينونة من مقتضى الإسلام، ومن ظنّ من الفقهاء أن غرم المهر يستدّ على قواعد الأقيسة في المغارم، فليس على بصيرة، ومعتمد الغرم نصُّ القرآن، ثم استعملنا طرفاً من المعنى ليكون رابطة للمسائل، ولم نبُعد أن يكون هو المعنى الكلي في ذلك.
11515- نوع آخر فيما يتعلق به الغُرم: ذكرنا من نغرم لأجله، ومن نغرم له، ونحن الآن نذكر السبب الخاص الذي يتعلق الغرمُ به، فنقول: إذا أتتنا مسلمة ذاتُ زوج، ولم يأتنا زوجها، ولا أحد من جهته، فلا غرم، وإن أتانا، ولم يطلب ردّها، فلا غرم، وإن طلب ردها، فامتنعنا للإسلام، تعلق الغرم بذلك؛ حتى قال الأصحاب لو أتتنا مسلمة، وماتت، ثم لحقها الزوج بعد الموت، فلا نغرم له شيئاً، فإنا لم ننتسب إلى المنع بعد الطلب.
وقد وضح أن السبب الأخص في الغرم الطلبُ والمنعُ. ولو طلبها الزوج، فقتلها قاتلٌ من المسلمين، فقد قال الأصحاب على القاتل ما يتعلق بالقتل من القصاص والدّية، ولا حق للزوج في ذلك؛ فإنه لا يرث الكافرُ المسلمةَ، ويجب الغرم؛ فإن القتل جرى بعد الطلب، واستقرار الحق به. ثم قال الأصحاب: غرم المهر على القاتل؛ فإنه المانع بالقتل.
وهذا عندي مفصل، فأقول: إن طلبها، فقتلها المسلم على الاتصال، فغُرم المهر على القاتل، لما ذكره الأصحاب، وإن طلب الزوج، فمنعناها، فقد استقر الغرم علينا، فإذا وجد القتل بعد ذلك، لم يتعلق غرم المهر بالقاتل بعد استقراره بالطلب وظهور المنع، فالغرم لا يسقط بموتها، فكذلك لا يتحول الغرم إلى القاتل.
ولو جرحها مسلم قبل الطلب، فبلغت حركة المذبوحين، وجاء الزوج طالباً، فهذا طلبٌ بعد الموت، فلا يتعلق به استحقاق الغرم، ولو جاء الزوج وبها حياة مستقرة وطلبها، استحق الغرم. واختلف أصحابنا فيمن عليه الغرم: فمنهم من قال: الغرم على الجارح؛ فإن فواتها مستند إلى الجرح.
والثاني: أن الغرم على بيت المال؛ فإن الإمام منعها، وبها حياة مستقرة، وهذا هو الصحيح، ولا حاصل للوجه الأول.
11516- نوع آخر في بيان المغروم، فنقول: إذا جاءنا الزوج مطالباً، وما كان ساق إليها صداقها، فلا نغرم له شيئاً؛ فإن المعتمد في أصل الغرم وتفصيله نص القرآن، وقد قال تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10]، معناه: اغرموا لهم ما بذلوا في مهور الزوجات، فالتعويل على ذلك، فلو أصدقها خمراً، وساقها، فلا نغرم شيئاً وفاقاً، ولو ساق بعض صداقها، فلا نغرم إلا المقدار الذي ساقه.
ولو كان ساق الصداق إليها، ثم إنها وهبت منه ما قبضته، ففي المسألة قولان كالقولين المذكورين فيه إذا وهبت المرأة ما قبضت من الصداق لزوجها وسلمته إليه، ثم طلقها قبل المسيس، ففي رجوعه إليها بنصف الصداق قولان، كذلك القول فيما نحن فيه.
فإن قيل هلاّ غرمتم للزوج مهر المثل كما تغرم المرضعة مهر المثل، وكذلك الشهود على الطلاق إذا رجعوا عن شهادتهم؟ قلنا: هذا الذي نحن فيه لا يلائم تلك الأصول؛ فإنها مجراة على إفساد النكاح، وتفويته على الزوج، أو على إيقاع الحيلولة بشهادة الزور، والنكاحُ يرتفع في الأصل الذي نحن فيه باختلاف الدين، فليس قطع النكاح مضافاً إلينا، ولكنا ضمنا للزوج بإطلاق المهادنة، أو شرط رَدّ من جاءنا إليهم، ثم لم ينتظم الوفاء على موجب الشرط، فغرمنا للزوج ما بذله لها من المهر على مقابلة تعذّر الوفاء لا على مقابلة إفساد النكاح، وهذا واضح.
والأصل في ذلك أن مقتضى القياس ألا نغرم شيئاً، وحقُّ الفرق أن يُوضّح في النفي والإثبات، فرجع أصل الغرم إلى الكتاب ونص القرآن لا غير.
ولو جاءنا الزوج مطالباً والزوجة بعدُ في العدة، وكانت مدخولاً بها، فإنا نغرم للزوج المهر الذي ساقه، فلو وفّيناه المهر، فأسلم في العدة، واقتضى ذلك ردّ الزوجة إليه، فما غرمناه له مسترد منه، فإن الزوجة سَلِمتْ له، وإنما نغرم له ما نغرم إذا فاتت الزوجة.
ولو لم يسق الصداقَ إليها، وهي ممسوسة، وتخلف الزوج حتى انقضت العدة، أو أصر على كفره، ولكن التزم الذمةَ، أو أسلم بعد العدة، فهو مطالب بمهر النكاح، فلو كان طلب ردّ الزوجة عليه في زمان العدة، وهو كافر، فمنعناه إياها لم نغرم له شيئاً؛ لأنه لم يسُق الصداق، فإذا غرم الصداق لما أسلم أو التزم الذمة، فهذه الغرامة مستندة إلى التزام المهر بالنكاح. ولقد كان ملتزماً عند المطالبة، وهذا الغرم مستند إلى التزامه في تلك الحالة.
فيتجه أن نقول: نغرم له ما غرمه؛ نظراً إلى ما ذكرناه من الاستناد ومصيراً إلى أن هذا الغرم مقدم على حالة الطلب، ويجوز أن يقال: لا نغرم له شيئاً؛ لأنه لما طلب الطلب المعتبر، لم يستحق شيئاً ساعتئذٍ، والآن قد أسلم أو التزم الذمة، وخرج عن المهادنة التي كان الغرم من حكمها، وهذا يقوَى بضعف طريق القياس في هذا الغرم، ونص الكتاب ليس متناولاً لهذه الصورة. هذا قولنا في المغروم.
11517- نوع آخر: إذا قال الزوج قد سقتُ مهرها، وذكر قدر ما ساق، فلا نغرم له بمجرد قوله شيئاً؛ فإن المسلم العدلَ الرضا إذا ادّعى، لم يثبت له بمجرد الدعوى ما ادعاه، وإن شهد للكافر عدلان مسلمان على أنه ساق ما ادعاه إليها، غرمنا له، وإن أقرت المرأة المهاجرة فقد قال العراقيون: إقرارها بمثابة البينة واعتلّوا بأنا لو طالبناه بالبينة، والذي جرى من السَّوق بزعمه كان بين أظهر الكفار، ويعسر تقدير تحمل مسلمَيْن الشهادة على ذلك، فيُفضي ردُّ إقرار المرأة ومطالبة الزوج بالبينة إلى التعطيل.
وهذا الذي ذكروه في الإقرار لست أراه كذلك؛ فإن قولها ليس حجةً علينا، وليس من الأقارير التي تُقبل لانتفاء التهمة عنها كإقرار العبد بالسرقة ونحوها مما يوجب عليه عقوبة، وإذا كان كذلك، فلا وجه لقبول قولها. والعلم عند الله تعالى.
هذا نجاز الأصول التي تجب رعايتها في هذا الفصل، ونحن نلحق بما ذكرناه فروعاً تأتي على الأطراف التي شذت في ضبط الأصول، ثم نستفتح أصلاً آخر متصلاً بهذه القاعدة.
فرع:
11518- إذا جاءتنا مسلمة وكان طلقها زوجها طلاقاً رجعياً، فجاءت إلينا في عدة الرجعة، وتبعها الزوج، فقد نقل الرواة عن الشافعي أنه قال: "إذا جاء الزوج مطالباً، فلا نغرم له شيئاً ما لم يراجعها، وإذا راجع، لم نغرم له بمجرد الرجعة ما لم يطلبها، ولابد من اجتماع الأمرين الرجعة والطلب، وخرّج المحققون قولاً آخر، ورأوه القياس، فقالوا: يستحق المهرَ بمجرد الطلب من غير رجعة؛ لأن رجعة الكافر للمسلمة فاسد، كما أن نكاح الكافر للمسلمة فاسد، فلا معنى لاشتراط فاسد.
وعندي لا يتوجه النص إلا بأن نقول: لا يتحقق من الزوج توجيه الطلب، ما لم يراجعها؛ فإنه إذا طلب وتركها، فهو في حكم المعرض عنها، فإنها إلى البينونة مصيرها، وإذا راجع، فقد حقق الطلب، وهذا تكلّف، ووجه القياس ما ذكرناه، فإن الرجعية زوجة.
ولو جاءتنا مسلمة قبل المسيس، فهي بائنة، ونحن نغرم للزوج، فلا تعويل على ما وجهنا النص به.
فرع:
11519-إذا جاءتنا أمة مسلمة، فقد ذكرنا أنا نغرم لسيدها قيمتها إذا جاء مطالباً، ولا نعتبر ما وزنه السيد في ثمنها، وإنما نعتبر القيمة لا غير، والفرق قد يعسر؛ فإن الأمة عتقت بالمراغمة، كما بانت المرأة بالإسلام، ولا وجه إلا إجراء قيمة الجارية على القياس، وربط غرم المهر بنص القرآن، فلينتبه الناظر لما يُنبّه له.
ولو جاءتنا أمةٌ مسلمة مزوّجة، فقد قال الأصحاب: نغرم قيمتَها لمولاها ومهرَها لزوجها، لو جاءا، وطلبا معاً.
ولو جاء أحدهما مطالباً، فحاصل ما ذكره الأصحاب ثلاثة أوجه: أحدها: أنا نغرم لكل من أتانا منهما حقه، ولا نقف إلى أن يأتي الثاني؛ لأنه لا تعلق لأحدهما بالثاني، وحق كل واحد منهما متميز عن حق الثاني. والوجه الثاني- أنا لا نغرم لأحدهما ما يطلب حتى يحصل طلبهما؛ فإن الحق مشترك بينهما، يعني حق الرد بحكم الشرط، أو بحكم المهادنة، والأقيس الوجه الأول. ومن أصحابنا من قال: نغرم للسيد القيمة إذا انفرد بالطلب، ولا نغرم للزوج إذا انفرد. والفرق أن حق اليد للسيد ولهذا يسافر سيد الأمة بها وإن كانت مزوجة، فيتأكد من هذا الوجه حقه، والزوج إذا انفرد بالطلب؛ فإنما يبغي رد الزوجة عليه، وليس لزوج الأمة حق الانفراد باليد على الزوجة المملوكة، وهذا الوجه اختاره صاحب التقريب، وفيه على كل حال فقه.
فرع:
11520- إذا جاءنا عبد مسلم هل نرده عليهم؟ هذا مما يجب الاهتمام به، فمن جاءنا منهم وكان حراً مسلماً، فكيف يتجه رده، وهو يقول: أنا رجل مسلم لا أحب مخامرة الكفار قلنا: جوابه إنك أسلمت، والتزمت حكم الإسلام، وحكمُ الإسلام أن تُرد؛ فإن هذا الملتزمَ مما يجب الوفاء به، وإن زاد في مرادَّته، أحلْناه على رَدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جندل وأبا بصير.
ثم قال الأئمة: إنما يردّ إذا كان له عشيرة يضنّون به، ولا يهينونه، وإن كانوا يؤذونه بالتقييد وغيره، فلا تعويل عليه، ولا يختلف الحكم به، فإن أبا جندل ردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر سلاسله ويرسف في قيده، ثم إن كان المطالب به مستقلاً برده، فلا كلام، وإن لم يكن، فلا نلتزم أن نرده بأنفسنا.
وقصة أبي بصير شاهدة في ذلك؛ فإنه لما ردّه على رجلين جاءا في طلبه، قال كالمعرّض: "مِسْعرُ حرب لو وجد أعواناً"، فلما كان ببعض الطريق واستأنسا به، تحدّثوا في سيوفهم، فقال أحد الرجلين: إني جربت سيفي فوجدته ماضياً، فقال أبو بصير: أرنيه أنظر إليه، فلما سلّه من يده، فعل هكذا فرمى برأسه ناحيةً، فإذا هو كالأمس الذاهب، وهرب الآخر راجعاً إلى المدينة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً، قال: أما هذا فقد جاء به أمر، فلما دنا أََخْبر بالحادثة، فلم يُحر رسول الله صلى الله عليه وسلم جواباً، وامتنع أبو بصير فيما بين مكة والمدينة، وانضمّ إليه جماعة من المسلمين من مكةَ وغيرِها، فجعل يقطع الطريق على أهل مكة، حتى بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يضمه معه إلى نفسه، فاستُدْعي فأتاه في سبعين شاكين في السلاح.
وهذه القصة مما يجب التشبّث بها؛ فإن الرد لو كان واجباً ديناً، لما جاز لأبي بصير أن يمتنع، ولأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى مكة حرسها الله تعالى من غير تعرّض لهم، وقد تبيّن أنه لم يُوبخ أبا بصير، بل سرّه ما فعل، وعرّض في أول الأمر؛ إذ قال: مِسْعَر حرب لو وجد أعواناً.
ويخرج من هذا أن الرجوع ليس حتماً ديناً، وكيف يتحتم هذا في وضع الشرع، ولا حق للكفار على هذا الذي أسلم، وإنما يجب الردّ للوفاء بما قلنا؛ حتى تقع الثقة بما يجري العهد عليه؛ والمردود في نفسه ليس معاهداً، فعلينا الوفاء، وذلك المسلم المردود يفعل ما بدا له.
11521- والذي يتم البيان به أنه لو وضع الشرط على أن نرد عليهم من جاءنا، فليس في موجب هذا الشرط التوقف في الرد إلى أن يطلبوه، وليس هذا مقام غُرم حتى يُرعَى فيه طلبٌ ومنعٌ، فكيف الوجه؟ أيجب رده من غير أن يطلبوه؟ قلنا: الذي يقتضيه الرأي أنه لا يُرد من غير طلب؛ فإن الغرم إذا وقف على طلب الزوج، فنفس الرد يقف على الطلب، كما أن غرم المهر يقف على الطلب، هذا هو الظاهر المفهوم من القصة التي جرت في المهادنة.
ولو صرح مهادن بأن يردَّ من جاء إلى بلاد الكفر بأعوانه، فلا يمتنع لزوم الوفاء بهذا، وإنما حَمَلْنا ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الطلب؛ لأن من جاء فهو مردود عليكم معناه: إذا جئتم، فهو ردٌّ عليكم، ولا تعويل عليه، فالمتبع قصة المهادنة.
11522- عاد بنا الكلام إلى العبد وفي ردّه وجهان مشهوران:
أحدهما: أنه لا يرد؛ لأنه مسلم، والظاهر أنه يُستذلّ ويُهان، ويسترقّ بعد ما عَتَقَ بالمراغمة، فصار ردّه كردّ المرأة. ومن أصحابنا من قال: هو مردود، بخلاف المرأة، فإن المحذور منها فاحشة الزنا، وإتيان كافر مسلمة، وهذا معدوم في العبد.
ولو جاءنا حُرّ لا عشيرة له، وغلب على الظن أنه يهان لو رُدَّ، فلأصحابنا طريقان في ردّه: منهم من ألحقه بالعبد، ومنهم من قطع بأنه يرد؛ نظراً إلى جنس الأحرار، وليس يبعد عندي أن يقال: على الإمام أن يشترط عليهم ألا يهينوا المسلم المردود عليهم، حتى إن أهانوه، كان ذلك نقضاً للعهد، وهذا متجهٌ؛ فإن الردّ إن كان ملتزَماً بالعهد، فيجب استفراغ الوسع في نفي الإهانة عن المسلم.
11523- ومما نذكره متصلاً بهذا أن عمر عَرَّض لأبي جندل بقتل أبيه تعريضاً يقرب من التصريح، فلابد من التصرف في هذا؛ فإن دماء من هادناهم مصونةٌ محقونة، وفي هذا تردُّدٌ لابد من إنعام النظر فيه، والمقصود منه يبين بما نصفه، فنقول: إذا هادن الإمام جماعة، ووادعهم، وذكر أنهم في أمنٍ من المسلمين، فلو أسلم من المعاهدين أقوامٌ وثاروا من بين أظهرهم، فهل لهم أن يقتلوهم؟ هذا عندنا فيه احتمال ظاهر؟
يجوز أن يقال: لهم أن يقتلوهم ويغتالوهم؛ فإن الإمام لم يلتزم إلا أن ينكف ويكف جنود الإسلام والمسلمين عنهم، فأما الذين يُسلمون من بعدُ وينبِّتون منهم، فلا يبعد ألا يكونوا ملتزمين للعهد وبموجبه، ويشهد لذلك ما كان يفعله أبو بصير من قَطْع الطريق على أهل مكة، ولو نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لانتهى، ويشهد لذلك تعريض عمر.
ويجوز أن يقال: من أسلم منهم لم يكن له أن يتعرض لمن عصم الإمام دمَه ومالَه.
ومن جاءنا منهم، ولم يُطلب، ولم نردّه، فلا خلاف أنا نُلزمه من الحكم ما يلزمنا؟ فإنه صار من جملتنا. وأما تعريض عمرَ، فلا يبعد أن يحمل على حِدّته وتصلّبه في الدين، وقد جرى له من هذا الجنس عام الحديبية أمور مشهورة، لا حاجة بنا إلى ذكرها.
وقد نجز المراد تصريحاً، وتنبيهاً.
فرع:
11524- إذا قال الإمام: من جاءنا فهو ردّ عليكم، ثم اتصلت امرأة بطرف من أطراف بلاد الإسلام، فهل للإمام أن يغرم للزوج؟ أم كيف السبيل؟ قال العلماء: إن قال: من جاءنا وأراد من جاء المسلمين، فيلزمه أن يغرم؛ فإن المرأة قد جاءت المسلمين. وإن قال: من جاءني، فإذا تعلقت بطرفٍ من أطراف بلاد الإسلام، فهل يغرم الإمام؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه لا يغرم؛ فإنها ما جاءته.
ومن أصحابنا من قال: يلزمه أن يغرم؛ فإن من جاء المسلمين، فقد جاءه؛ فإنهم رعيّته، وتحت حكمه.
ولو تعلّقت بديار البغاة حيث لا ينفذ أمر الإمام، وقد كان قال: من جاءني، فلا يغرم للزوج المطالِب شيئاً؛ فإن الفئة الباغية ليسوا تحت حكم الإمام، ولو قال: من جاءنا، ثم جاءت إلى البغاة، لم يضمن الإمام أيضاً، فإنه غير متمكِّن من ردها، والغرم يتبع طلباً مع إمكان الردّ صورةً.
وقد انتجز ما أردنا تمهيداً وتفريعاً.
11525- ونحن نعقد فصلاً متصلاً بهذا. فنقول: من جاء الكفارَ منا مُرتداً عن دينه وصفةُ المهادنة ما قدمناه، فسُحْقاً سُحْقاً، وإذا التحقت بهم مرتدة، فعليهم أن يردوها، وإن قلنا: من جاءكم، فلا تردوه؛ فإن النسوة مستثنيات من هذه الإطلاقات، وكما لا ترد المسلمة المهاجرة- وإن قلنا: من جاءنا، فهو ردٌّ- فكذلك نسترد المرتدة وإن قلنا: من جاءكم، فلا تردوه.
ثم لو جاءتنا مهاجرة مسلمة، وجاءتهم مرتدة، فالإمام يغرم لزوج المرتدة ما ساقه من صداقها، والأصل فيه قوله تعالى في آية المهاجرات: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] والسبب فيه أن المهادنة هي التي جرّت هذا الأمر، وهذا مشكل مع ما ذكرناه من أن المرتدة مستردة منهم، ويلزمهم ردّها، فمصيرها إليهم كمصيرها إلى أهل الحرب، ولكن أهل الإسلام منحجزون منه بسبب المهادنة على الجملة إلى أن يتفق نبذها، وما ذكرناه تكلّفٌ مع نص القرآن.
" وليس وراء الله للمرء مذهب".
ثم أجمع أصحابنا على أنها إذا جاءتنا مسلمة، وجاء الزوج مطالباً، وجاءتهم مرتدة، فالذي كنا نغرمه لزوج المسلمة نسلمه إلى زوج المرتدة إن تساوى المهران في المقدار، وإن كان مهر المسلمة أقل، صرفناه إلى زوج المرتدة، وأكملنا له ما كان ساق إلى زوجته. وإن كان مهر المسلمة أكثر، صرفنا مقدار مهر المرتدة إلى زوجها، وصرفنا الفاضل إلى زوج المسلمة، ولا يتهدّى المعنى إلى هذا؛ فإن زوج المسلمة يقول: لا ذنب لي في التحاق تلك المرتدة بدار المهادنين، فلم منعتموني حقي، والممكن أن يقال: ليس لك حق متأكد على قياس أعواض المتلفات، وإنما نغرم لك بحكم المهادنة، وأهلُ المهادنة في موجب المهادنة كالشخص الواحد، وقد انتهى الغرض.
فصل:
11526- لا ينبغي للإمام أن يبذل للكفار مالاً، فإن ذلك ذلٌّ، لا سبيل إلى التزامه، والأصل في ذلك ما روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خبر تألّب العرب، واجتماع الأحزاب، جمع السعودَ: سعدَ بنَ عبادة، وسعدَ بن معاذ، وأسعد بن زرارة، وقال لهم: إن العرب قد كالبتكم ورمتكم عن قوس واحدة، فهل ترون أن ندفع إليهم شيئاً من ثمار المدينة؟ وروي هل ترون أن ندفع شيئاً من ثمار المدينة إلى غطفان. فقالوا: إن قلت عن وحي، فسمعاً وطاعة، وإن قلت عن رأي، فرأيك متبع، وإن كان مكيدة من مكائد الحرب، فحتى ننظر، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل مكيدة،» فقالوا: كنا لا ندفع إليهم ثمرة إلا شراءً أو قِرِّى ونحن كفار، وقد أعزنا الله تعالى بالأسلام؛ فلا نقبل الدنيّة، فَسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم " وهذا إذا لم يَخَفْ الإمامُ اصطلاماً، واستئصالاً؛ فإن خاف ذلك، فلا خلاف أن البذل سائغ، ذكره الصيدلاني وغيره، وهو مقطوع به.
ثم ذكر الأئمة مسائلَ في أثناء الكلام لو اطلعنا عليها لذكرناها في مواضعها فنثبتها الآن.
فرع:
11527- قال صاحب التقريب إذا أسلم عبد في يد كافر، فنكلفه بيعَه، فإن أبى ودبّره، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أنا نبيعه عليه، فإن بيع المدبّر جائز.
والثاني: أنا لا نبيعه، ونحول بينه وبين مولاه، كما نفعله في المستولدة؛ فإن عقد التدبير عقد عتاقة؛ فلا ينبغي أن نهجم على نقضه؛ فإن نَقَض التدبيرَ مِنْ دُبر، فلا معترض عليه.
ولو علّق الكافر عتقَ ذلك العبد بصفةٍ، فللأصحاب طريقان: منهم من قال: يباع وجهاً واحداً، ومنهم من جعله كالتدبير، وما ذكرناه في هذا من كلام صاحب التقريب.
وما ذكره الأصحاب متصلاً بهذا أنا إذا منعنا بيع المصحف من الكافر، فنطرد هذا في كتب الأحاديث، قال العراقيون: وكذلك القول في حكايات الصالحين، وطردوا في صحة البيع قولين في الجميع، ولست أرى لردّ البيع في حكايات الصالحين وجهاً.
فرع:
11528- إذا قارض المسلم ذمياً واشترط عليه ألا يشتري محرماً، فلو اشتراه بمال القراض، وأدّى الثمن، ضمن الثمن الذي بذله، لأنه خالف الشرطَ.
ولو قارض المسلم ذمياً مطلقاً، ولم يتعرض لنهيه عن شراء المحرمات، فلو اشترى خمراً وما في معناها بمال القراض وأدى الثمن، فهل يضمن الثمن للمقارِض المسلم؟ ذكر العراقيون وجهين: أصحهما- أنه يضمن الثمن الذي بذله.
والثاني: لا يضمن؛ فإن المسلم قَصَّر لما لم يشترط عليه الانكفافَ وأطلق القراض مع علمه بأن الذمي يتموّل الخمرَ، ويبيعُها ويشتريها.
ثم عقد الشافعي باباً في تبديل أهل الذمة دينهم وقد مضى هذا مستقصىً في النكاح.
ثم عقد باباً في الحكم بين المعاهدين إذا رضوا بأحكامنا، وقد مضى ذلك في مواضع، وبيّنا ما قيل في وجوب الحكم من الخلاف؛ فلست أرى لإعادة ذلك وجهاً.
فصل:
11528/م- إذا هادن الإمام على الترتيب الذي ذكرناه على مدةٍ لضعفٍ بالمسلمين، فيجب الوفاء وإن تقوّى المسلمون.
فإن خانوا، وأتَوْا بما يخالف العهد، وعلموا ذلك، فقد انقضت المهادنة، فنسير إليهم، ولا نُعلمهم.
وإن فعلوا ما تُنتقض المهادنة به، ولم يعلموا أن العهد ينتقض به، فلا حاجة إلى علمهم، ولكن هل يجوز المسير إليهم من غير إعلامٍ؟ فعلى وجهين.
ولو استشعر الإمام منهم تهمة الخيانة، ولم يتحقَّقها، فله أن ينبذ إليهم عهدَهم، بخلاف ما إذا بدت تهمة من أهل الذمة؛ فإن الأصح أنه لا يجوز نبذُ العهد إليهم.
ولو بدت خيانة من بعضهم، وسكت آخرون، ولم ينكروا، فللإمام أن ينبذ إليهم العهد؛ هكذا كانت قصة أهل مكة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هادنهم، وكان بنو خزاعة مستجيرين برسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوثبت عليهم طائفة من أهل مكة وقتلوهم، والباقون سكوت، فسار النبي صلى الله عليه وسلم إليهم... (القصة). وسكوت الساكتين مع التمكن من الرد على الخائنين ينزل منزلة التهمة، أو هو أظهر منها.
وفي هذا الآن مزيد نظر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم، ولم يُعلمهم ودعا الله أن يطمس أخباره عليهم، فانحسمت الأخبار عنهم وصارت مكة على أهلها كالوطيس حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ ظهرانَ، وظاهر هذه الحالة أنه أراد أن يتغفلهم، ثم جرت قصة لأبي سفيان وحكيمِ بنِ حزام، فظاهِرُ سير الرسول صلى الله عليه وسلم دالٌّ على أنه أراد أن يفاجئهم، وهذا فيه إشكال من جهة أنه لم يوجد من أهل مكة إلا السكوت عن وقوع بني نُفاثة ببني خزاعة. وإذا ألحقنا السكوت بالتهمة، وذكرنا أن أصحاب التهمة لا يُبدؤون بالقتال من غير نبذ العهد إليهم، ففي هذا تردد.
ويجوز أن يقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقدم النذير من المنزل الأخير، ويجوز أن يقال: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريشهم على قتل بني خزاعة، فلم يكن ذلك تهمة في حقه، والعلم عند الله تعالى.
ومما تجب الإحاطة به أن المَضَرّات في حق أهل الذمة يختلف المذهب فيها، في أنها هل تكون نقضاً للعهد، ولا خلاف أنها من أهل الهدنة ناقضةٌ للعهد؛ فإن الهدنة ضعيفة ليست متأكدة ببذل الجزية.
فرع:
11529- إذا أظهر أهلُ الذمة خمورهم، أرقناها عليهم، وإن لم يظهروها، فأرقناها لهم، لم نضمنها لهم، ولكن لا يجوز ذلك.
ولو غصب غاصب خمراً لهم من بيوتهم، فقد كان شيخي يقطع بأنه يجب ردّها، ويجب التزامُ مؤنة الرّد، وقال غيره من المحققين: لا يجب ذلك، ولكن لا يراق، ولا يحال بينها وبين الذمي إذا أراد استردادها.
ولو غصب مسلم خمراً محترمة لمسلم، فالوجه عندنا وجوب ردّها عليه، وفيها احتمال على حال.
ولو باع ذمي خمراً من مسلم، فسلمها إليه، فالخمر مراقة؛ لأن الذمي تعدّى بإظهارها، ولا شيء له في مقابلة إراقتها.