فصل: باب: القسام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: القسام:

قال الشافعي رضي الله عنه: "ينبغي أن يُعْطى أجر القسام من بيت المال... إلى آخره".
11967- الإمام كما لا يخلي نواحي الإسلام عن حُكام يقومون فيها باستيفاء الحقوق، وقطع الخصومات، فكذلك لا يخليها عن قُسّام؛ فإن الحاجة في الأملاك المشتركة ماسّة إليهم، وينبغي أن يُدرّ عليهم أرزاقاً كما يُدرّها على القضاة، حتى لا يأخذوا من أصحاب الأملاك أجوراً. هذا إذا كان في بيت المال متسع.
فإن لم يكن في بيت المال مال، فأصحاب الأملاك المشتركة يستأجرون من يقسمها لهم، والاستئجار على القَسْم جائز.
وقد ذكرنا في صدر كتاب الصداق ما يجوز الاستئجار فيه وما لا يجوز، وذكرنا في قَسْم الفيء والغنائم أرزاقَ الولاة ومصارفَ أموال بيت المال.
11968- ثم القول في أن القاسم الواحد هل يكفي أم لابد من قاسمَيْن مما تقدم عند ذكرنا عدد المترجمين والمُسْمعين والمزكّين، والذي نجدده الآن أنّا ذكرنا أن القاضي لو نصب حاكماً في التزكية، لجازَ، ثم من آثار ذلك الاكتفاء بقاسم واحد، وقد ذكرنا أن القيمة لا تثبت إلا بمقوّمَيْن، وحكينا الخلاف في الخارص والقاسم.
فلو قال قائل: لو نصب الإمام حاكماً في التقويم، فهل يسوغ، وإن ساغ، فهل يُكْتَفى به على اتحاده على ما مهدناه في المزكي؟ قلنا: هذا مشكل.
وكذلك لو فرض مثلُه في القاسم، فإن كان المنصوب للقسمة منصوباً ليشهد عنده مُقَوِّمان، فهذا سائغ، وكذلك المزكي إن نُصب ليشهد عنده العدول على الجرح والتعديل على الشرائط المعلومة، فهذا جائز.
فأما إن كان المنصوب للتقويم يُعوِّل على علم نفسه، على اجتهاده وبصيرته، فما أرى ذلك جائزاً، وأطْرُد هذا في التزكية؛ فإن التزكية لا تستقل بنفسها ما لم تُنْهَ إلى القاضي، وهو الذي يقضي بها.
فإثبات اسم الحاكم للمزكي، والاكتفاء ببصيرته لا حاصل له إلا رد مزكيين إلى واحد، وهذا غير محتمل فيما يشترط العدد فيه.
وقد ذكرت في التزكية كلاماً فيه طرف من الإبهام وهذا إتمامه، فليجمع الناظر هذا إلى ما تقدم.
ولو بنى القاضي الأمر على بصيرته في التزكية، لجاز ذلك، كما قدمناه، مذهباً واحداً، وإن اختلف القول في أن القاضي هل يقضي بعلمه.
ولو كان القاضي خبيراً بمعرفة القيم، فأراد بناء الأمر على بصيرته في التقويم؛ فالذي تلقيته من كلام الأصحاب شيئان:
أحدهما: أن ذلك لا يسوغ؛ فإن التقويم اجتهاد، وليس له في المجتهدات الاكتفاء ببصيرة نفسه، وإنما اختلاف القول في قضائه بالعلم واليقين المستدرك، والقضاء في العدالة مستثنى عن قياس الأبواب؛ لاتساع النظر في التعديل والجرح، وخروجهما عن الضبط، وليس التقويم كذلك؛ فإنه أمر قريبٌ من الضبط، والرجوع فيه إلى معرفة قِيَم الأمثال مع تداني الصفات.
ومن أصحابنا من جعل علم القاضي بما يرجع إليه في القيم خارجاً على القولين في القضاء بالعلم.
فهذا ما رأيت ذكره ملتحقاً بعدد القُسّام.
وزاد صاحب التقريب طريقة أخرى، فقال: إن كان في الشركاء طفل أو مجنون، فلابد من قاسمَيْن، وإن لم يكونا، فعلى قولين.
وهذا ليس فقهاً متيناً، فإن ما يُرعى من العدد في البينات لا يختلف بأمثال ما ذكره هذا القائل.
وقد انتهى ما أردناه من نصب القسام وإدرار الأرزاق عليهم من بيت المال إن كان فيه مال، وذكرنا ما يتعلق بالعدد.
11969- ونحن بعد ذلك نذكر استئجار الملاك مَنْ يقسم الملك المشترك بينهم، فنقول: إن تفاوتت الحصص، ووُجد منهم الاستئجار على القسمة مطلقاً، فللأصحاب طريقان: منهم من قال: نقطع بأن أجرة القسّام مفضوضة على الملاك على أقدار الأقسام، فعلى صاحب النصف منها النصف، وعلى صاحب السدس السدس، وهكذا.
ومنهم من قال: في كيفية توزيع الأجرة قولان:
أحدهما: ما ذكرناه، والثاني: أنها على رؤوس الشركاء بالسوية وإن تفاوتت حصصهم، فهؤلاء يَرَوْن أن القسمة، وأجرَ القاسم يجريان مجرى الشفعة عند ازدحام الشركاء في طلبها، وفي الشفعة القولان المشهوران في أنها تفضّ على الرؤوس، أو على حصص الأملاك؟
ومن سلك الطريقة الأولى فرّق بين أجرة القاسم وبين الشفعة؛ بأن قال: أجرة القاسم على مقابلة عمله. وتردُّدُه في الحصة الكبرى، وعملُه إلى تحصيل الإفراز أكثر من تردده وعملِه في الحصة القليلة، والشفعة لدفع الضرر، ولا يكاد يظهر تفاوت في الضرر على حسب تفاوت الأملاك، وهذا يوجب الفرقَ بين البابين. ولمن يُجري القولين في أجرة القسام أن يقول: ما اعتمده الأصحاب يقع في مؤونة القسمة؛ فإذا كنا نفاوت في أجرة القسام، فقد تفاوت الغرض في أول مرتبة.
وهذا يوجب تطبيق القولين على القولين. ولهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه بأجرة القسّام على الرؤوس.
وما ذكرناه من التردد فيه إذا استأجر الشركاء قاسماً أو قاسمين استئجاراً مطلقاً، وهذا بعينه يجري إذا كانت القسمة جَبْرية، وكان نصب القاسم من جهة القاضي، فالكلام في إلزام المُلاّك مؤونةَ القسمة على النسق الذي ذكرناه في الاستئجار المطلق.
ولو عقد الملاّك عقوداً مع القاسم، فانفرد كل واحد باستئجار للعمل في نصيبه، فهذا على حكم التراضي، فإن استأجر القليلُ النصيبِ بأكثرَ، واستأجر صاحب الكثير بأقلَّ، فهو صحيح، لا غموض فيه.
ولو تبرع القاسم على بعضهم، لم يَخْفَ دركُ مثل هذا.
11970- ولكن لابد من ذكر صورتين بعد هذا، إحداهما- أنهم لو عقدوا عقوداً معاً، وكانوا ثلاثاً، صحت العقود على ما وقع التراضي عليها، ولو عقد واحد من الثلاثة، ثم عقد الثاني، فالعقدان صحيحان، فإذا أراد الثالث أن يعقد إجارة في نصيبه، فهذا فيه إشكال يبرزه سؤال، وهو أنه التزم إفراز نصيبين، وهم ثلاثة، ومن ضرورة إفراز نصيبين تميز نصيب الثالث، فكأن الأَوَّلين استحقا عليه ما يؤدي إلى إفراز نصيب الثالث، فإذا أراد الثالث أن يبتدىء استئجاراً، فكأنه يبغي بهذا الاستئجار عملاً هو مستحَق لغيره، أو مستحق على الأجير من جهة غيره، هذا هو الإشكال.
وقد أجاب القاضي عنه كما وجه عليه بأن قال: لابد في إفراز النصيبين من عمل في النصيب الثالث، كالمساحة، والتخطي لأجلها، وإثبات الأسماء، والقرعة، فيصح الاستئجار من الثالث على هذه الأعمال.
وهذا الذي ذكره لا يَشفي الغليل ولا يدرأ الإشكال.
وسبيل الجواب أن استئجار الأوّلَيْن لا يتم الغرض منه ما لم يستأجر الثالث؛ فإن هذا مفروض في غير الإجبار. وكيف يتأتى تمييز الحصتين إلا بالتصرف في حصة الثالث، فإن فرضنا التراضي، فالامتناع للتصرف في ملك الغير من غير رضاه.
وإن فرضنا الإجبار من جهة السلطان، فهو يُنزل المؤونةَ عليهم على اجتماع.
فالمشكل أنَّ انفراد كل واحد بالاستئجار بعيدٌ عن التصور؛ فإن القسمة من ضرورتها بسط العمل على الحصص، فكما أن المِلك قبل القسمة غير متميز، فعمل القسّام في القسمة غير متميز، فإن كان الشركاء على الاستئجار من غير تسامح، ووجدوا أجيراً يتبرع على أحد، فانفراد بعض الشركاء بالاستئجار محالٌ غير متصور.
ولو قال بعض الشركاء: أنا أستأجر القسام، ورضي شريكه أو شركاؤه، فهو متبرع على شركائه، وقد أذن له شركاؤه أن يُعْمِل قاسماً، وليس هذا ما نريد. نعم، لو استأجروا قاسماً دفعة واحدة، وتفاوتوا في الملتزَم مع التساوي في الحصص، أو تفاوتوا على خلاف نسبة الحصص المتفاوتة، فهذا جائز؛ فإن عمله يستحق دفعة واحدة لهم، وكلٌّ قابلَ حظَّه من عمله بما أراد، فهذا سائغ لا منع فيه، وغايته حصول شيوعٍ في العمل المستحَق.
فأما إذا ترتبت العقود من غير تراضٍ ولا إجبار، فلا معنى له؛ فإن الأول يكون مستأجِراً على عمل يعم الأملاك، وليس إليه هذا، ولا يتصور أن يستحِق فيه مقدارَ عمله في حصته قبل أن يتمكن القاسم من العمل العام.
ومن فهم هذا لم يعُدّ ما قدمناه إشكالاً، ورد الإشكال على هذا، ثم دفعه في التصوير، ويتحصل منه أن انفراد كل واحد بالاستئجار محال. وإن أذن أصحابه في انفراده نُظر: فإن أراد أن يستأجر ليغرم تمام الأجرة، فهذا متبرع عليهم، موكَّل عنهم في الاستئجار، وإن أذن له في الانفراد، لا على هذا التقدير، فهو باطل.
فصل:
فال: "وإذا تداعَوْا إلى القسم... إلى آخره".
11971- إذا كان بين أقوام ملكٌ يمكن فرضُ القسمة فيه، فإن تراضَوْا على القسمة، صحت القسمة، على ما سيأتي هذا في أثناء الباب، إن شاء الله.
وإن طلب بعض الشركاء القسمةَ، وأبى آخرون، فقد يجبر على القسمة، وقد لا يجبر عليها.
فإن كان الكلام مفروضاً في إفراز الحصص من ذوات الأمثال، فلا إشكال، والقسمة ممكنة، والممتنع عنها يُجبر عليها، فإن لم يكن المشترَك من ذوات الأمثال، ولكن كانت القسمة ممكنة، كالأراضي، والدور، وما في معناها، فالذي ذهب إليه جماهير الأصحاب النظر إلى المقصود من الملك المشترك، فإن كان جنس ذلك المقصود يبقى في كل حصة، فهذا ملكٌ قابل للقسمة، والممتنع عنها مُجبر عليها، وهذا كقَرَاحٍ يزرع، ولو قسم، لأمكنت الزراعة في كل حصة، أو كمسكن مشترك، ولو قسم لتأتى السكون في كل حصة.
ويستبين الغرض بتصوير يقتضي ذلك، فإذا كان المشترك حماماً أو طاحونة، فقسمة الحمام ممكنة حِسّاً، ولو فرضت، لكانت كلُّ حصةٍ منتفعاً بها، بأن تتخذ مخزناً أو مسكناًً، ولكن يختلف جنسُ الانتفاع، فلا إجبار على القسمة، فإن القسمة تُبطل جنسَ المنفعة الكائنة حالةَ الشركة، هذا مذهب الجمهور.
وقال قائلون من الأصحاب: إذا أمكنت منفعةٌ وإن خالفت الجنسَ الأول، فالإجبار على القسمة جارٍ، وهؤلاء يُجبِرون على قسمة الحمام والطاحونة، وهذا ذكره القاضي وغيره، ولم يذكره أحد إلا زيّفه، فلا عَوْد إليه.
وللأصحاب تصرف في الطريقة المشهورة، ففالوا: الحمام الصغير لا يقبل القسمة؛ لأنه لو قسم، فكل حصة لا تكون حماماً، ولا يتأتى اتخاذها حماماً، بأن يفرض لها أسباب مجردة من أتون ومستوقد وغيرهما، فهذا تعطيل منفعة الحمام بالكلية.
وإن كان الحمام كبيراً، وقد هيىّء على أتون واحد ومستوقد واحد، ومِرجل واحد، ولو قسم، أمكن اتخاذ حمام صغير من كل حصة بإحداث أسبابٍ لها، فهل هذا مما يقبل القسمة؟ اختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: هو غير قابل للقسمة؛ فإن كل حصة لا تكون حماماً، وقد كانت الجملة حماماً، وإمكان اتخاذ حمام استحداث منفعة بعد تعطل الأولى.
11972- ومن تمام البيان في ذلك أن الدار إذا كانت مشتركة بين شريكين لأحدهما عُشرها، وللثاني تسعة أعشارها، وكان عُشر الدار لا يصلح للمسكن وتسعة الأعشار تصلح-لو ميّزت- للسكون، فلو جاء صاحب العُشر طالباً للقسمة، فالطريقة المشهورة أنه لا يجاب، لأنه متعنِّتٌ في طلبه ساعٍ في إبطال المنفعة من حصة نفسه، وإنما يُسْتَعَفُ الطالب إذا كان لطلبه وجه في تحصيل المنفعة، ثم قد لا يُنْظَر إلى الكثير والقليل؛ فإن الإنسان قد يؤثر الانفراد بالقليل على الاشتراك في الكثير، فأما إذا كان الطلب يتعلق بالتعطيل، فلا إجابة.
فأما إذا جاء صاحب الكثير مطالباً، فهل يجبر صاحب العشر؟ فعلى وجهين:
أحدهما: يجبر؛ لأن الطالب ينتفع إذا أجيب، وله أن لا يبالي بتعطل منفعة صاحب العشر، فإنه يقول: أُتيتَ من قلة نصيبك، وكان يتهيأ لك الانتفاع بضم نصيبي إلى نصيبك. هذا وجهٌ. والوجه الثاني- أنه لا يُجاب، لأنه يبغي تعطيل منفعة صاحبه، وليس له أن يضر بالغير، كما ليس له أن يطلب قسمة تضرّ به، هذه هي الطريقة المشهورة.
قال العراقيون والقاضي: من أصحابنا من جعل في كل واحد منهما وجهين إذا طلب القسمة. أما إجراء الوجهين في حق صاحب الكثير، فعلى ما ذكرنا، وأما إجراؤهما في حق صاحب القليل، فمن جهة أنه يقول: لي أن أُبطل حق نفسي، وأنت لا تتضرر تضرراً معتبراً فما عليك، فأجبني ولا تشفق عليّ، فإنني مطلق في حصتي.
وهذه الطريقة لا بأس بها. والأشهر الأول.
11973- ثم بنى الأصحاب على الترديد الذي ذكروه أمرَ الشفعة. ففالوا: إن باع صاحب العشر نصيبه، وقلنا: لا يملك الاستقسام، فليس لصاحب التسعة الأعشار الشفعة؛ فإن المعوّل في إثبات الشفعة على توقع طلب القسمة من الدخيل الجديد، ولهذا لا تثبت الشفعة فيما لا ينقسم على القول الجديد.
ولو باع صاحب الكثير نصيبه، فهل يثبت لصاحب العُشر الشفعة؟ هذا يخرج على الوجهين في أن صاحب الكثير هل يُجبِر على القسمة؟ فإن ملكناه الإجبار، فلصاحب العُشر الشفعة؛ دفعاً لطلب القسمة، وإن لم نملّكه الإجبار، فلا شفعة لصاحب العشر، وكأن انقسام الدار على هذه الصفة يلحقها بما لا ينقسم على هذا الوجه من الجانبين.
وإذا كنا نُتْبع الشفعةَ القسمةَ وطلبَها، وضممنا طريقة في القسمة إلى طريقة، انتظم من المجموع أوجه في الشفعة: أحدها: أنها لا تثبت لواحد من الشريكين، تفريعاً على أن واحدا منهما لا يطلب القسمة.
والثاني: أنه تثبت الشفعة لهما على البدل، تفريعاً على أن كل واحد منهما يطلب القسمة، فيجاب إليها، والثالث: أن الشفعة تثبت لصاحب القليل، ولا تثبت لصاحب الكثير، ولا يكاد يخفى خروج هذا الوجه على التفاصيل المقدمة في الإجابة إلى القسمة.
11974- ومما نصوّره من هذا الجنس أن الدار لو كانت بين ستة، لواحد منهم نصفها، ولكل واحد من الباقين عُشرها، وكان العشر لا يصلح للسكون، فلو اجتمعوا-أعني أصحاب الأعشار- وطلبوا من صاحب النصف القسمة، أجيبوا.
وهذا على تقدير رضاهم بالشيوع في النصف الذي يبقى لهم، وكذلك لو أراد صاحب النصف أن يميّز نصفه من حصص شركائه على تقدير أن يبقى النصف شائعاً فيهم، فيجب أن يجاب.
فلو بيع النصف، وأراد أصحاب الأعشار أن يأخذوه بالشفعة، والتفريع على أن صاحب كل عشر لو استقسم، لم يُجَب، ولو استقسم صاحب الكثير أجيب، فتخرج الشفعة على هذا المسلك، فنقول: لهم الشفعةُ في النصف طلباً لدرء القسمة من الدخيل، وإن باعوا حصصهم، فصاحب النصف يأخذها بالشفعة.
والغرض أن نبين أن الشفعة لإمكان الاستقسام من الدخيل، فليتَّبع الناظر هذا الأصلَ في النفي والإثبات.
11975- ثم المذهب الصحيح أن الحكم قد يختلف في تقسيط المؤنة في إجبار الممتنع عن القسمة عليها بأن يكون واحد من الشركاء طفلاً أو لا يكون.
وذكر صاحب التقريب والقاضي وجهاً ضعيفاً في الفرق: فإن كان الشركاء مطلَقَيْن بالغين، فالحكم على ما ذكرناه، وإن كان الملك بين بالغ وطفل، فإن كانت الغبطة في القسمة، فابتداً قيّم الطفل، واستقسم، أجبر البالغ على القسمة، وقسطت المؤنة: إما على التسوية، وإما على قدر الملك بين الطفل والبالغ، ولو لم يكن في القسمة غبطة، فلا شك في أن القيّم لا يطلبها، ولو طلبها ردّ عليه القاضي.
وإن طلب الشريك القسمة، لم يختلف أئمتنا في أنه يجاب، وإن كان في إجابته تنقيص لقيمة نصيب الطفل، ولكن الظاهر أن المؤنة تقسط على القياس الممهّد في الباب.
وفي ذلك وجه ضعيف، وهو أنا نقول للبالغ: المؤنة عليك إن أردت القسمة وحدك، وهذا ضعيف لا أصل له؛ إذ لو كان يستدّ المصير إلى هذا، لوجب أن يقال: لا يجاب طالب القسمة إليها، رعايةً لحق الطفل، حتى لا يتطرق إلى ملكه نقصان، وكان من الممكن أن يقال للبالغ: اصبر حتى يبلغ الطفل ويستقل، ثم اطلب القسمة، فلما لم يصر إليه أحد من الأصحاب، وقطعوا بإثبات القسمة، وجب القطع بفض مؤنة القسمة على الملكين؛ فإن القسمة إذا كانت جبرية، فالأمر فيها إلى الوالي، فكأنه موقعها عند الاستدعاء، وهو الذي يُنزل المؤنة على الأملاك.
ثم من حكى الوجهَ الضعيفَ، اختلفوا فيه؛ فمنهم من حكاه حيث تنتقص قيمة حصة الصبي، ومنهم من علق الوجه بالطلب، ففال: إذا ابتداً طلبَ القسمة البالغُ، فالمؤنة عليه. وإن لم يكن في القسمة ضرر على الطفل، وهذا على نهاية الضعف.
ومنهم من حكى هذا الوجه الضعيف فيه إذا كانت القسمة مضرة بالطفل، وإن لم يكن من هذا الوجه بد، فيجب أن يكون محله هذه الحالة. وهو حيث يُحكَى ضعيف.
فصل:
11976- نجمع في هذا الفصل تفصيلَ القول في أصناف الأموال، وتحقيقَ المذهب في ماهية القسمة إذا وقعت، على وجوهها المختلفة.
فأما القول في أصناف الأموال، فنقول: لا يخفى أن ذوات الأمثال معرضة للقسمة الجبرية، فمن دعا من الشركاء إليها أُجبر صاحبه عليها.
وإن لم يكن المال من ذوات الأمثال، فإن كانت القسمة تتأتى فيها بالتقدير، وكانت السهام تتعدَّل به من غير تقويم، ولا احتياج إلى ردٍّ-على ما سنصف الرد- فالقسمة الجبرية تجري في هذا، كقسمة المزارع والعَرْصات، إذا كانت لا تختلف قيم أطرافها، فسبيلها في مقصود القسمة كسبيل ذوات الأمثال، لإمكان التعديل بالقَدْر المحض.
فلو قال قائل: لو كان غرض الشركاء مختلفاً في الجوانب، فكان يبغي بعضهم الجانب الشرقي لاتصاله بملكٍ له، فما القول فيه؟ قلنا: لا نظر إلى الأغراض، مع ما ذكرناه ولا يختلف بها حكم.
فلو مات الرجل، وخلف عبيداً بين الورثة، وأمكن أن تعدّل السهام من غير حاجة إلى الرد، وذلك مثل أن يخلف ثلاثة أعبد بين ثلاثة بنين، قيمة كل عبد مائة، فجَعْلُ العبيد ثلاثةَ أسهم ممكن، فإذا دعا داعٍ إلى هذه القسمة، فهل يُجبر عليها من يشاركه؟ اختلف أصحابنا في المسألة، فالذي ذهب إليه الأكثرون الإجبارُ؛ فإنها قسمة معدلة، يترتب عليها التفاصُل من غير ردّ، فصار ذلك كأطراف الأرض.
ومن أصحابنا من قال: لا إجبار؛ لأن العبيد متعددون، وليسوا في حكم الشيء الواحد المشترك، ونحن وإن كنا لا نعتبر الأغراض في القسمة إذا لم ترجع إلى مقصودٍ مالي، فإذا تفاحشت، تعين اعتبارها، وهي في الغالب ظاهرة في أعيان العبيد.
هذا إذا أمكن تعديل القسمة مع استواء الرؤوس والعدد.
فإن كان خلف الميّت بين ثلاثة بنين أربعة أعبد، قيمة عبد مائة وقيمة عبد مائة، وقيمة عبدين مائة، فإذا أمكنت القسمة على هذا التقدير، ففي الإجبار عليها، في هذه الصورة وجهان مرتّبان على الأولى، وهذه أولى بألا يجبر عليها؛ لظهور التفاوت في العدد، وإذا ضممنا الأولى إلى هذه، انتظم فيها ثلاثة أوجه.
11977- ولو كان بين الشركاء حمّاماتٌ، أو طواحينُ، فكل واحد منها لا ينقسم في نفسها، ولكن إذا أمكن التعديل بالقيمة بأن يجعل كل حمام سهماً، فالقول في الحمامات كالقول في العبيد، والخلاف في الإجبار كما مضى.
وقال العراقيون: لا إجبار في الأبنية والبقاع على التصور الذي ذكرناه بخلاف العبيد، فرأوا تفاوتَ الأغراض في البقاع أوضح.
11978- ومما ينبغي أن يفهمه الناظر في الفصل أن قسمةَ العبيد، وقسمةَ الحمامات على الصورة التي ذكرناها تسمى قسمة النقل والتعديل، فإذا أمكنت قسمة شيء واحد سميت القسمة إفرازاً. وهذا اصطلاح لا فقه فيه، ولكن ذكرناه لنستعمله في المسائل.
11979- ولو خلف الميت طاحوناً، وحماماً، وعبداً، فاختلفت الأجناس، وأمكن التعديل بجعل كل صنفٍ سهماً، ففي الإجبار وجهان مرتّبان على ما إذا لم تختلف الأصناف، وهذه الصورة أبعد عن الإجبار.
ومن ضم جميع هذه الصور نظم فيها وجوهاً لا يخفى طردها.
والرابط الفقهي أن من أصحابنا من يعتبر التعديل وإمكانَه، ومنهم من يلتفت على الأغراض بعضَ الالتفات، ثم فيها التفاوت والترتّب والاختلاف جارٍ بحسبها.
ولو خلف قِطعاً من الأرض متميزة، وكانت كل قطعة قابلة للقسمة على انفرادها، فإن طلب الشركاء قسمة الإفراز في كل قطعة، تعيّنت الإجابة على الباقين، وإن طلب بعضهم قسمة التعديل، وهو جعل كل قطعة سهماً، فلا إجبار على التعديل، مع إمكان الإفراز، وهذه الصورة متفق عليها بين الأصحاب، ولذلك صوّرنا الطواحين والحمامات في القسم الأول لمّا أردنا الكلام في الأبنية على حسب ما يجري في العبيد.
11980- ومما يتعلق بما نحن فيه صورة: نذكرها؛ وهي أنه إذا خلف حماماً صغيراً وآخر كبيراً، ونحن نحتاج إلى سهمين، وكانا لا يعتدلان إلا بأن يجعل الحمام الصغير مع ثلث الحمام الكبير سهماً، ونجعل ثلثي الحمامِ الكبير سهماً، فالأصح أنه لا إجبار على هذا النوع؛ فإن القسمة كذلك لا تميِّز ولا تفْصل، بل تُبقى اشتراكاً؛ فلا إجبار عليها.
وقال بعض أصحابنا: في الإجبار على هذا النوع خلاف، وهذا بعيد.
11981- ومن أراد جمع المسائل، وصورة الخلاف والوفاق قال: إذا أمكنت قسمة الإفراز في كل صنف، فعليها الإجبار، ولا إجبار على تعديل الأصناف سهاماً، هذا متفق عليه.
وإن أمكن النقل والتعديل في السهام، ولم يمكن الإفراز في كل صنف، فالخلاف يجري على ترتب بحسب تفاوت الأغراض.
وإن كانت القسمة النقلية تُبقي شركةً في صنف كالحمام الصغير والكبير، فهذا أبعد الصور عن الإجبار، مع جريان الخلاف عند بعض الأصحاب، وظاهر النص يميل إلى نفي الإجبار في القسمة المسماة النقل والتعديل.
11982- هذا أحد مقصودي الفصل، وبعد نجازه شيء، وذلك أن الأصحاب أطلقوا قسمة الدور، وأجْرَوْا فيها قسمةَ الإفراز إجراءهم إياها في العرصات، وهذا فيه نظر؛ فإن الدّور تشتمل على أبنيةِ صُففٍ، وبيوت، وأروقةٍ، وهي ذوات أشكال مختلفة، والأغراض في السكون تتفاوت تفاوتاً بيناً، وهذا زائد على الأغراض النفسية التي تفرض في العبيد، بل هي راجعة إلى تفاوت المنافع، فكيف يُطْلَق الوفاق في الإجبار على قسمة الدور مع ما وصفناه؟
والوجه أن يقال: إن استوت الأبنية، فكان في شرقيّ الدار صُفّة وبيت، وكذلك في غربيّها، ويتأتَّى التعديل بتبعيض العرصة، فتشتمل كل حصة على مثل ما تشتمل عليه الحصة الأخرى من الأبنية، فيجوز أن يقال: يجري الإجبار على مثل هذه القسمة، ولا يختلف الأمر باختلاف الجهة، وليست الأبنية المتساويةُ والدار واحدة بمثابة دارين متقابلتين في سكة متساويتين في وضع الأبنية والأشكال؛ فإن ذلك يخرج على الخلاف، بخلاف أبنية الدار إذا تساوت.
فأما إذا اختلفت أشكال الأبنية، فيتعين عندي قطعاً تخريج الخلاف في إجراء القسمة فيها، لما أشرت إليه من تفاوت الأغراض واختلاف المنافع.
11983- فأما الكلام في ماهية القسمة، فنقول: أولاً: اشتهر القولان في أن القسمة بيع، أو إفراز حق:
أحدهما: أنها بيع، وكأن كلَّ واحد من الشريكين باع ما كان له فيما صار إلى صاحبه، بما كان لصاحبه فيما صار إليه، وهذا التقدير لابد منه؛ فإن حق كل واحد كان شائعاً في جميع المال قبل القسمة، ولا محمل لاختصاص كل شريك إلا ما ذكرناه.
والقول الثاني- هو إفراز حق، فكأن حق كل شريك لم يكن متعيناً قبل القسمة، فتعين بالقسمة، وهذا كالمال الثابت في الذمة، يتعين بالقبض، وإذا لم تكن العين المقبوضة ديناً، فلا نجعلها عوضاً عن الدين أيضاً؛ إذ لو قدرنا ذلك، لما صح قبض المسلَم فيه من جهة امتناع الاعتياض عنه، وإذا ثبت القولان مرسلين كذلك، فالمقصود تبيينُ محل القولين وتمييز صورٍ من الوفاق إن كانت.
فنقول: إن كانت القسمة قسمة إفراز، وكانت بحيث يجبر عليها، ومن ضروراتها أن لا يكون فيها ردٌّ، كما سنصفها الآن، فالقولان جاريان في مثل هذه القسمة.
وإن أجْبرنا على قسمة النقل في الأعيان المنفصلة كالعبيد، فللأصحاب طريقان:
أحدهما: القطع بأنها بيعٌ، لانفصال العين عن العين، وتمييز المشترك عن المشترك، فإذا جرى مع هذا تخصيصٌ يعتبر حمله على البيع. ومن أصحابنا من أجرى القولين واعتمد الإجبار على القسمة؛ فإن التفريع على إجراء الإجبار.
وإن قلنا: لا إجبار على هذا النوع من القسمة، فلابد وأن يكون صَدَرُها عن التراضي، فالمذهب الذي يجب القطع به أن القسمة إذا جرت، كانت بيعاً قولاً واحداً.
وأبعد بعض الأصحاب، فأجرى القولين في ذلك أيضاً، وقال: نجريهما، ونقول في أحدهما: إفراز مشروط بالتراضي، كما أنا نقول: إن القسمة الجبرية بيعٌ جارٍ جبراً من غير تراضٍ، وإن لم نُبعد الإجبار على البيع، لم نُبعد الإفراز على التراضي.
ومن صور الفصل أن العرصة لو كانت مقسومة بين شريكين، وكانت القسمة تختلف بسبب قُرْبِ شقٍّ من الماء، وبُعْدِ الشق الآخر منه، فلا تتأتى القسمة تعويلاً على مجرد التقدير المساحي، بل لابد من تعديل القيمة مع التفاوت في المقدار، فقد يقع النصف ثلثاً بالمساحة، والنصف الآخر ثلثين، فهل يجري القولان في هذه الصورة، أو لا يجري الإجبار فيها، والاحتياج إلى التفاوت في المقدار مع التعديل في القيمة لا يمنع الإجبار على القسمة، هكذا قال الأصحاب. ثم ترددوا في إجراء القولين، فأجراهما بعضهم، وقال قائلون: نقطع بأن القسمة تكون بيعاً؛ فإن التمييز مع اختلاف الأقدار يبعد، فقد تنشّأ تردد الأصحاب في القدر والقولين من أصولٍ منها الإجبار واشتراط الرضا، ومنها تعدد الأصناف والاتحاد، ومنها تفاوت الأقدار لاختلاف القيم.
11984- وكل ما ذكرناه فيه إذا لم يكن في القسمة رد، ومعنى الرد على الجملة أن لا يتأتى تعديل السهام إلا بأن يرد بعض الشركاء على البعض دراهم، أو ما يتواضعان عليه من عوض، وكانت السهام لا تتعدل دون ذلك، وهذا قد يتفق في الدور، ويتفق في العبيد وغيرها، فإذا كان بين رجلين عبدان قيمة أحدهما ألف وقيمة الثاني ستمائة، وإن أرادا أن يتفاصلا ويقطعا الشركة في العبدين، فلا وجه لهذا إلا أن يأخذ أحدهما العبد الذي يساوي ألفاً ويغرم لصاحبه مائتي درهم؛ حتى يعتدلا.
فإذا كانت القسمة على هذه الصورة، فالكلام في ماهيتها فرعٌ للكلام في الإجبار عليها، قال الأصحاب: لا سبيل إلى الإجبار على بذل العوض أصلاً، وهل يجري الإجبار على القدر الذي لا حاجة فيه إلى ردّ؟ فيه اختلاف قدمناه، وذلك بأن نجعل العبد المساوي ستمائة سهماً، ونجعل ستمائة من العبد المساوي ألفا سهماً، ويبقى الشيوع في مقدار أربعمائة. وقد مضى أن الإجبار على مثل هذا هل يجري أم لا؟
فإذا تمهد هذا، قلنا بعده: أطلق الأصحاب القول بأن القسمة المشتملة على الرد بيعٌ، ولم يُفَصِّلوا، والذي نراه تنزيلُ هذا على ما قدمناه من الإجبار ونفيه، فنقول: القدر الذي يقابل العوضَ لا شك أنه مبيع وما يجري فيه بيع، ومن سمّى هذا القدر قسمة، فهو متجوّز أو غافل، فأما ما لا يقابله العوض المردود، فالوجه بناؤه على الإجبار والتراضي، فإن قلنا: يجري الإجبار فيه، ففي ذلك المقدار قولان: الإفراز والبيع مذهباً واحداً، وإن قلنا: لا يجري الإجبار فيما وراء ذلك، ففي القسمة المفتقرة إلى التراضي طريقان قدمنا ذكرهما، فليجريا هاهنا. وقد بطل إطلاق القول بالقطع بأن القسمة المشتملة على الرد بيع. وبان أن هذا التفصيل الذي ذكرناه لابد منه، ولم نذكره حتى رأينا في كلام الأئمة ما يدل عليه.
11985- وكل ما ذكرناه بعدُ ليس على البيان الذي نطلبه، ونحن نختتمه بما يوضح الغرض؛ فنقول: إذا كانت القسمة جبرية، فالسهام تعدّل، والقرعة تعمل، كما سيأتي كيفيةُ القسمة وتمييز الحصص، ولا حاجة إلى لفظ، وإن قلنا: إن القسمة الجبرية بيعٌ، فكان لا يمتنع أن يجبر كل واحد، على أن يقول: بعت مالي في نصيبك بمالِك في نصيبي، وهذا لم يشترطه أحد من الأصحاب.
فأما القسمة التي لا إجبار عليها؛ فالتعويل فيها بعد التعديل على التراضي، فإن عُدِّلت السهام، وأُجريت القرعة، وقالوا: رضينا بهذه القسمة، وصدر الرضا منهم قبل التفصُّل والتميُّز، فهذا القدر كافٍ، ولا حاجة إلى إجراء لفظ البيع.
ولو تراضَوْا بحكم القرعة قبل إخراجها، وليست القسمةُ جبريةً، ثم بدا لبعضهم، فرجع، بطل الرضا وفاقاً، ولا جبرَ. وإن استمروا على الرضا حتى خرجت القرعة، ولم يُحدثوا بعد خروجها رضاً، ففي المسألة وجهان: أصحهما- وهو الذي قطع به المراوزة أن ذلك الرضا لا حكم له، ولابد من إحداث رضا بعد خروج القرعة.
وذكر العراقيون هذا ووجهاً آخر، وهو أنهم إذا استمروا على الرضا حتى خرجت القرعة، لزمهم حكمها، كما لو أحدثوا رضاً بعد القرعة.
ثم الذي وجدت في الطرق أنهم إذا أنشؤوا الرضا بعد القرعة، فلا حاجة إلى لفظ البيع، واختلفوا في أنا هل نشترط التلفظ بالقسمة؟ قال قائلون: لابد من ذلك فليقولوا رضينا بهذه القسمة، أو ليذكروا عبارةً عن مقصود القسمة من التمييز والتفاصل وما أشبههما، ثمّ تشعر القسمة بمعنى البيع؛ من حيث تفيد اختصاص كلٍّ بحصة، وانقطاعَ حقه عن حصص الباقين.
وقال قائلون: لا يشترط لفظ القسمة، بل يكفي أن يقولوا رضينا بهذا، ولابد من لفظ يدل على الرضا، إذا كان صَدَرُ القسمة على التراضي.
11986- ثم رتّب الأئمة على أن القسمة بيع أو إفراز مسائلَ من الربويات، تقدمت مشروحة في البيع، ويجمعها: أن ما جاز بيع البعض منه بالبعض، فالقسمة جارية فيه، وما امتنع بيع البعض بالبعض، ففي إجراء القسمة فيه قولان مبنيان على أن القسمة بيع، أو إفراز حق، ولا حاجة إلى إعادة تلك المسائل.
11987- ولو كان نصف الدار مملوكاً ونصفها مُحَبَّساً، فالقسمة فيها مبنية على القولين: إن جعلنا القسمة بيعاً، لم نجوّزه؛ لأن في تجويزها تجويز بيع الموقوف وإن قلنا: القسمةُ إفراز، فهي تجري في الموقوف والمملوك.
وإن كانت الدار بجملتها موقوفة على أقوام، فأرادوا اقتسامها، لم تصح القسمة وإن حكمنا أن القسمة إفراز؛ لأن في إجرائها مخالفةَ شرط الواقف، وقد جرى التحبيس منه على الشيوع، والقسمة تغيّر وضعَ الوقف.
فإن قيل: هذا يتحقق في إجراء القسمة بين المالك والموقوف عليه، قلنا: ذاك التغيير بمثابة تغيير الأملاك إذا كانت شائعة، فأُفرزت، فالإفراز تغيير لها، والمحذور تغيير شرط الواقف من الذين عليهم الوقف. وكان شيخي يقول: أبعد بعض الأصحاب، فأجرى القسمة في الموقوف عند مسيس الحاجة والإشرافِ على الخراب، فإذا ظهر هذا المعنى ولو تُرك الوقفُ فَوْضَى بين الأرباب، لا نمحق، ونحن قد نجري القسمة لأجل الضرورة، وحيث يقتضي القياس منعَها، وعليه خرّجنا مسائلَ في كتاب الزكاة إذا اجتاحت الثمار جوائح واقتضت قطافاً قبل الأوان، ولو جففت، لما كانت منتفعاً بها، وإخراج العشر فيها قسمة، ونحن قد نجيزها، وإن منعنا قسمة الرطب، فالضرورة في الوقف تنزل هذه المنزلة. وهذا بعيد لا أصل له.
فرع:
11988- إذا كان بين اثنين لَبِنٌ مشتركة، فإن كانت شُكِّلَت بقاِلب واحد، فقد أجراها القاضي مجرى المتماثلات في إجراء القسمة فيها جبراً، وإن تفاوتت الأشكال، لتفاوت القوالب، صارت كالعروض في قسمة التعديل والنقل، وخرجت عن قسمة الإفراز. وقد تمهدت الأصول.