فصل: باب: التكبير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: التكبير:

1589- مقصود الباب تفصيل القول في التكبيرات أدبار الصلوات في الأضحى، وظاهر نص الشافعي أنه يبتدئها على إثر صلاة الظهر من يوم النحر، ويختمها على إثر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق. وهو النَّفْر الثاني.
وهذا هو المروي عن ابن عباس، وهو إحدى الروايتين عن ابن عمر، وهذا ظاهر المذهب.
وذكر الشافعي في موضع آخر أن الناس يبتدئون التكبير على إثر صلاة الصبح، من يوم عرفة، ويختمون إذا كبروا في إثر صلاة العصر، من آخر أيام التشريق. وهذا مذهب عمرَ، وعليٍّ، وإحدى الروايتين عن ابن عمرَ، وابن مسعود، وهو مذهب المزني، واختيار ابن سريج.
وقال في موضع آخرَ: يبتدىء التكبير على إثر صلاة المغرب ليلة النحر. ولم يتعرض في هذا النص للختم.
فله ثلاثة نصوص في الابتداء، كما ذكرناها، ونصان في الختم.
فمن أئمتنا من جعل النصوص أقوالاً، ومنهم من قال: مذهب الشافعي منها البداية بالتكبير عقيب صلاة الظهر من يوم النحر، والختم على التكبير عقيب صلاة الصبح، من آخر أيام التشريق، فيكون المجموع خمسة عشر صلاة. وهذا القائل يقول: قصد الشافعي بغير هذا حكايةَ المذاهب.
وقال العراقيون، أما الحجيج، فلا خلاف أنهم يبتدئون عقيب الظهر يوم النحر، وذلك أنهم قبل ذلك يلبون ولا يكبرون قبلَ يوم النحر.
والأمر على ما ذكروه. وقالوا أيضاً في الحجيج: إنهم يختمون عقيب صلاة الصبح في اليوم الأخير من أيام التشريق. أما الابتداء، فلا شك فيه، وأما ما ذكروه في الانتهاء، ففيه تردد واحتمال.
1590- ثم الكلام في هذه التكبيرات في فصولٍ: منها كيفية التكبير، ومنها الصلوات التي يستحب التكبير عقيبها، ومنها مسائل في المقتدي.
فأما كيفية التكبير فبيّنةٌ، وينبغي أن يكبر ثلاثاً نسقاً. وقال أبو حنيفة: يكبر مرتين. وقد نُقل المذهبان جميعاًً عن الصحابة رضي الله عنهم، واختار الشافعي الزيادة.
ثم إنْ مَحَضَ التكبيرَ، جاز، ولو سبّح، وهلل، مع التكبير، ففي بعض التصانيف قول محكي أن تمحيض التكبير أولى، وهذا غير معتد به، ولكن ذكر الصيدلاني عن الشافعي في التكبير: أنه كان يرى أن يقول بعد التكبيرات الثلاث: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلاّ الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر.
وقال في القديم يقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا وأولانا.
ولست أرى ما نقل عن الشافعي مستنداً إلى خبر ولا أثر، ولكن لعلّه رضي الله عنه ثبت عنده هذه الألفاظ في الدعوات المأثورة، فرآها لائقة بالتكبيرات.
فإن قيل أليس تكرير تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى للمحرم من تهليل وتسبيح يأتي به، فما الفرق؟ قلنا: قد ثبت أن تكرير التلبية مأمور به أبداً في أوان التلبية، فكان تكرير تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى؛ إذ قد ثبت الأمر بالتكرير، وأما التكبير، فلا يؤثر أن يزيد على ثلاث في أثر الصلوات، فإذا كان كذلك، فالإتيان بعدها بذكر وتهليل تبعاً للتكبير يحسن.
فهذا بيان التكبير وما يتصل به.
1591- فأما القول في الصلوات، فلا شك أن وظائف الفرائض في أيام التكبير تستعقب التكبيرَ، ولا فرق بين أن يكون الذي فرغ من الصلاة إماماً، أو مقتدياً، أو منفرداً.
فأما النوافل التي يُقيمها المرء في أيام التكبير، فهل يكبر على أثرها؟ في المسألة قولان:
أحدهما: لا يكبر؛ فإن النوافل لا نهاية لها. ولا ضبط فيها، والتكبيرات على إثر الصلوات شعائرُ للصلوات المحصورة، كالأذان، والإقامة، والجماعة.
والثاني: يكبر على إثر كل صلاة؛ فإن المرعي الصلاة في هذا الوقت المخصوص، فإذا اجتمعا، ظهر الندب إلى التكبير.
1592- فأما قضاء الصلوات المفروضة، فإن فاتت صلاة في أيام التشريق، وقضاها فيها، فقد قطع الأئمة بأنه يكبر على إثرها، واختلفوا أن التكبير يكون في حكم المقضي كالصلاة، أو يكون في حكم المؤدَّى، وهذا الخلاف قريب من القولين في النوافل، فإن قلنا: إن المتنفل يكبر، فكل صلاةٍ تقام في هذه الأيام تقتضي تكبيراً، فعلى هذا تكون التكبيرات مؤدّاة، ولا نظر إلى صفة الصلاة، وإن خصصنا التكبير بوظائف الفرائض، فيجوز أن يقال: إذا قضيت، فالتكبيرات مقضية أيضاً، تبعاً لها.
ولو كانت الصلوات قد فاتت في غير أيام التشريق، فأراد قضاءها في أيام التشريق، فهل يكبر عقيبها؟ فعلى قولين مأخوذين مما ذكرناه، من التردد في أن التكبيرات على إثر المقضية الفائتة في أيام التشريق مقضية أو مؤداة، فإن قلنا: مؤداة، كبَّر. وإن قلنا: التكبيراتُ في الصورة المقدّمة مقضية، فهذه المقضيات لا تستعقب التكبيرَ، فإنها ليست من وظائف الوقت، وإن فاتت، لم تكن مستعقبةً للتكبير، فلا قضاء إذن، وهذان القولان هما المذكوران في النوافل.
ومن أئمتنا من قطع بأن الفوائت تستعقب التكبيرَ، وإن كانت فاتت في غير أيام التشريق، لمرتبة الفرائض وعلوّ منصبها.
والوجه التسوية، فلا أثر لقوة الفرضية، وإنما المرعي ما ذكرناه قبلُ.
والصلوات المندوبة كالنوافل بلا خلاف.
ومن فاتته صلوات في أيام التشريق، فقضاها في غيرها، لم يكبر قولاً واحداً؛ فإن التكبير من خصائص هذه الأيام، والأصل المرجوع إليه أن هذه الأوقات تقتضي التكبيرَ.
ثم تردد الأئمة، فذهب بعضهم إلى أنَّا نستحب التكبيرات فيها أبداً، مرسلة ومقيدة، وهذا وجة حكيته فيما تقدم عن صاحب التقريب.
ومنهم من قال: لا نستحبها شعاراً مع رفع الصوت بها إلا مقيدة بأسباب، فكأن الوقت في محل المقتضي والعلّة، والصلواتُ في درجة محل العلة، ثم اختلفت الأقوال والطرق، ففي قول تختص بالفرائض المؤداة، أو بالمقضية، إذا كان فواتها فيها.
وفي قولٍ: تتعلق بكل فريضة موقعةٍ فيها، مؤداةٍ كانت أو مقضية، كان فواتها فيها أو غيرها، ولا تتعلق بالنوافل.
وفي قول: تتعلق بكل صلاة تقام في هذه الأوقات: نفلاً كانت، أو فرضاً.
فأما إقامتها وراء أيام التشريق، فلا قائل به أصلاً، لما ذكرته من أن المقتضي الوقتُ، والتفصيل بعده في تعيين المحل.
فهذا تحقيق القول في ذلك.
1593- وإن قلنا التكبيرات تتقيد بأدبار الصلوات، فلو صلى الرجل، ونسي التكبير، فإن تذكر على قرب من الزمان، كبر. وإن طال الزمان-وقد تمهد في باب السهو الضبطُ في طول الزمان وقصره- فهل يكبر بعد طول الزمان؛ مستدركاً لما تركه من التكبير؟ فعلى وجهين: وهما قريبان من الوجهين، في أن من تلا آية فيها سجود، فلم يسجد حتى تخلل زمانٌ طويل، فهل يسجد بعد طول الزمان؟ فيه خلاف تقدم ذكره في موضعه.
1594- فأما ما يتعلق من التكبير بالمقتدي والإمام، فقد قال الأئمة: إن سلم الإمام، أو كبر في وقت، كان المقتدي يرى أنه لا يكبر فيه، فهل نُؤثر له التكبيرَ استحباباً اقتداءً بالإمام؟ فعلى وجهين: أصحهما- أن الاقتداء لا أثر له في هذا؛ فإن الإمام إذا تحلل عن صلاته، فقد انقطع أثر القدوة، فليجرِ المرءُ على موجب عقده في التكبير.
ومنهم من قال: يتابع إمامَه فيكبر؛ فإن التكبير من توابع الصلاة، ولهذا رأيناه متقيداً بها.
وهذا التردد ذكره ابن سريج ثم طرده في العكس، فقال: لو كان الإمام لا يرى التكبيرَ، والمقتدي يراه، فهل يتركه متابعةً له؟ فعلى ما ذكرناه.
ولو نسيه الإمام، ولم يأت به، فهذا أيضاً فيه احتمال، والعلم عند الله تعالى.
ولو فرض ما ذكرناه في التكبيرات الزائدة في صلاة العيد، فقد قال الأئمة: يتبع المأمومُ الإمامَ نفياً وإثباتاً، ويترك موجب عقده على القياس المتقدم في القنوت، حيث يراه الإمام، ولا يراه المأموم، أو على العكس، وذلك أن تلك التكبيرات تجري في نفس الصلاة، والقدوة قائمة.
ولو كان المقتدي مسبوقاً، فتحلّل الإمامُ وكبر، فالمقتدي لا يكبر في أثناء صلاته متابعاً باتفاق الأئمة؛ فإن هذه التكبيراتِ مشروعة وراء الصلاة، والمقتدي بعدُ في الصلاة.
1595- ثم لا يخفى أن ما نفيناه وأثبتناه من التكبيرات في إثر الصلوات، نعني بها ما يأتي به المرء شعاراً مع رفع الصوت، فأما لو استغرق المرء عمرَه بالتكبير في نفسه، فهو ذكرٌ من أذكار الله تعالى لا يتحقق المنع منه.
فصل:
قال: "ولو شهد عدلان في الفطر... إلى آخره".
1596- هذا الفصل فيه اختباطٌ واختلاط، فلابد من فضل اعتناءٍ به.
ونحن نقول في أوله: صلاةُ العيد سنَةٌ على الرأي الظاهر، وعليه التفريع، وهي مؤقتةٌ يدخل أول وقتها بطلوع الشمس يوم العيد، ويمتد إلى زوال الشمس، ثم يلتقي في صلاة العيد أمران:
أحدهما: أنا ذكرنا قولين في أن النوافل المؤقتة هل تُقضى إذا فاتت مواقيتها؟ وهذا قد مضى مفصلاً في أحكام النوافل.
والثاني: أنا حكينا قولاً للشافعي في تنزيل صلاة العيد منزلةَ صلاة الجمعة وشرائطها، وعلى هذا القول لو فاتت، لم أر أن تُقضى كالجمعة، وإن قلنا: النوافل تُقضى إذا فاتت مواقيتها.
ثم قد ينضم إلى هذين الأمرين تفصيلٌ في أداء الشهادة وتعديل الشهود، فينبغي أن
يكون المرء على ذُكرٍ في هذه الأمور.
1597- ونحن نرى أن نبدأ بأمرٍ في أداء الشهادة، ثم نبني عليه في التفاصيل ما ينبغي.
فنقول: إذا أصبح الناس يوم الثلاثين من رمضان صياماً، ولم تظهر لهم رؤيةُ الهلال ليلة الثلاثين، ثم استمروا على الصوم حتى غربت الشمس، فلو شهد شاهدان بعد غروب الشمس يوم الثلاثين على رؤية الهلال ليلة الثلاثين، فلا نُصغي إلى هذه الشهادة، ولا نقيم لها وزناً، ونقيم صلاة العيد من الغد.
والسبب فيه أن هذه الشهادة ما أقيمت في وقتها.
وتحقيق القول في ذلك: أن الشهادة تُعنى لفائدةٍ، والناس قد صاموا يوم
الثلاثين، وأفطروا عند الغروب، فهذه الشهادة لو قبلت لا تُفيد إلا تركَ الصلاة غداً، وإذا سقطت فائدةُ الشهادة، لم نُصْغِ إليها، وجعلنا وجودَها كعدمها، ورأيت الطرقَ مشيرةً إلى أنا نصلي من الغد، وننوي الأداء، والشهادة بعد الغروب لا أثر لها.
وإن قلنا: لا نُصغي إلى الشهادة، فوجودُها كعدمها، ولا فرق بين أن يشهد عدلان، أو مستوران ثم يُعدَّلان قبل طلوع الشمس؛ فإن النظر في صفات الشهود فرعُ الإصغاء إلى الشهادة وإقامتها.
فهذا فيه إذا شهد من شهد بعد غروب الشمس.
1598- فأما إذا شهد عدلان قبل زوال الشمس يومَ الثلاثين: أنا رأينا الهلال البارحة، فلا شك أنه يُصغى إلى الشهادة، وكذلك إذا كانا مستورين، أصغينا إلى الشهادة، ونظرنا بعدها في العدالة، والسبب في الإصغاء ظاهر، وذلك أنا نستفيد بالشهادة لو ثبتت سقوطَ الصوم في هذا اليوم، وليس كالشهادة المقامة بعد غروب الشمس.
فإذا تقرر هذا قلنا: إذا ثبتت العدالة قبل الزوال يوم الثلاثين، وقد قامت الشهادة، أفطرنا أولاً، ثم إن كان في الوقت سعة قبل الزوال، بَدَرْنا وصلينا وعيّدنا ولا شك.
وإن قامت الشهادة بعد الزوال، فإنا نصغى إليها لمكان توقع الإفطار في هذا النهار، فهذه فائدة ظاهرة، ارتبطت بالشهادة، فلو جرت الشهادة نهاراً قبل الزوال، أو بعده، فلم يُعدَّل الشهودُ حتى طلعت الشمس يوم الحادي والثلاثين، ثم ظهرت العدالة بعد ذلك، فالناس يقيمون صلاة العيد يوم الحادي والثلاثين، ولا يبالون بما جرى من الشهادة، وإن أصغينا إليها، ثم ينوون والحالة هذه أداء صلاة العيد، ولا يعتقدونها مقضية.
ويلتحق هذا بما قدمناه في الصورة الأولى، وهي أن يقيموا الشهادة بعد الغروب، فإن قيل: هلا فرقتم بين هذه الصورة والأولى، من جهة أنكم قد أصغيتم إلى هذه الشهادة نهاراً، ثم التعديل وإن بان آخراً، فقد استند إلى حالة الشهادة، قلنا: لا فرق؛ فإن العدالة عماد الشهادة، وإن تأخر العلم بها، فقد صام الناس وبنَوْا أمرهم على أن يُعيدوا يوم الحادي والثلاثين، فإذا طلعت الشمس، فلا يُصغَى إلى التعديل كما لا يصغى إلى إنشاء الشهادة بعد الغروب، فالتعديل في هذا الوقت ساقطٌ إذن، ولو لم يعدَّلوا، لما كان للشهادة حكم، فكذلك إذا عُدّلوا بعد طلوع الشمس.
1599- فأما إذا وقعت الشهادة نهاراً، وعدّل الشهود بعد الغروب، قبل طلوع الشمس، فهل نعيِّد غداً، وهل نصلي صلاة العيد حقيقة؟ ذلك أنا هل نحكم في هذه الصورة بفوات صلاة العيد؟ فعلى قولين:
أحدهما: أنها فاتت؛ لأن هذه الشهادة أقيمت نهاراً، وسمعت، ثم عدّل الشهود قبل دخول وقت الصلاة في الحادي والثلاثين، فلنَقْضِ بالفوات، ثم نتكلم بعد ذلك في القضاء.
والقول الثاني- لا تفوت؛ فإن التعديل جرى بعد ما أتم الناس الصيام، فتؤول فائدة التعديل، إلى ترك الصلاة، فيسقط أثر التعديل، ومن حكم سقوط أثره أداء الصلاة.
فإن قلنا: لا أثر لهذا التعديل، فتؤدَّى الصلاة، كما لو عدّلوا بعد طلوع الشمس.
وإن قلنا: قد فاتت الصلاة، فهذا الآن ينبني على أصلين:
أحدهما: أن النافلة هل تقضى؟ فإن قلنا: لا تقضى، فلا كلام، وإن قلنا: تُقضَى، فصلاة العيد هل تقضى؟ فعلى قولين مبنيين على أن صلاة العيد هل يشترط فيها ما يشترط في صلاة الجمعة أم لا؟ فإن قلنا: إنها كصلاة الجمعة، فلا تقضى كما أن صلاة الجمعة لا تقضى.
1600- وقد يطرأ على ما ذكرناه شيء كما نذكره في الصورة التي تلي هذه، فلو شهد الشهود نهاراً وعُدّلوا نهاراً، فالناس يفطرون لا محالة، ثم إن جرى التعديل بعد الزوال، فظاهر المذهب أنا نحكم بفوات صلاة العيد؛ فإن الشهادة سُمعت وعُدلت وثبت أثرها في الفطر، وقد زالت الشمس، وليس كما لو جرى التعديل بعد الغروب؛ فإن الناس قد صاموا ظاهراً.
وفي المسألة قول آخر: إن الصلاة لم تفت، ونعيِّد غداً، والسبب فيه أن التردد في الهلال كثيرُ الوقوع، وصلاة العيد من شعائر الإسلام، فيقبح ألا تقام على النعت المعهود في كل سنة، وهي مشبهة عند هذا القائل بالغلط الذي يفرض وقوعه في وقوف الحاج بعرفة، فلو وقفوا يوم العاشر، وقع موقع الإجزاء أداء، واعتد به، وأقيم مقام الوقوف يوم التاسع، فلتكن صلاةُ العيد كذلك.
وهذا لطيف حسن.
فإن قلنا: هي مؤداة، فيتعين إيقاعها بعد طلوع الشمس، يوم الحادي والثلاثين، وإن جرينا على ظاهر المذهب، وهو أن الصلاة قد فاتته، فإن قلنا: لا تقضى بناء على ما تقدم، فلا كلام، وإن قلنا: إنها تقضى قياساً على سائر النوافل-إذا قلنا إنها مقضية- فيجوز قضاؤها في بقية الثلاثين، ويجوز تأخيرها إلى ضحوة الغد.
1601- وقد اختلف الأئمة في الأوْلى، فمنهم من قال: الأوْلى الإقامة في بقية النهار؛ فإنه يوم العيد، فالصلاة وإن كانت مقضية، فهي بيوم العيد أليق، ومنهم من قال: الأولى أن تؤخر إلى ضحوة الغد؛ فإن اجتماع الناس فيها أمكن، ولا خلاف أنه إذا كان يشق جمعُ الناس يومَ الثلاثين، فالتأخير إلى الضحوة من الغد أولى.
ثم إن قلنا: هي تقضى يومَ الثلاثين، أو ضحوة الحادي والثلاثين فلو اتفق تأخيرها عن الحادي والثلاثين، فهل تقضى بعد ذلك؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنها تُقضى كالفرائض إذا فاتت؛ فإنه لا يتأقت قضاؤها.
والثاني: أنها لا تقضى بعد الحادي والثلاثين؛ فإن الحادي يجوز أن يُفرض يوم العيد، فوقوع هذا الشعار فيه يتّجه، فأما إذا فرض بعده فلا. وهذا له نظير على الجملة في النوافل الراتبة، إذا قلنا: إنها تقضى، فهل يتأقت وقت قضائها؟ فيه تفصيل مقدّم.
فهذا من طريق التشبيه الظاهر.
1602- ولكن السر عندي في ذلك أن الصلاة إن كانت تقام في جماعة ومشهد من الناس، فيظهر قولنا: لا تقام بعد الحادي والثلاثين؛ فإنه يخالف الشعارَ المعهودَ، ويشيع منه سمعةٌ غيرُ مألوفة في البلاد، لا يدركها إلا خواصُّ الناس، وتعطيل الشعار سنةً أهون من هذا.
وإن وقع في الحادي، لم تكن الصلاة فيه بِدْعاً.
وإن أراد الناس أن يقضوا صلاة العيد فرادى: من غير إظهار الشعار، فالظاهر أنه لا منع منه بعد الحادي والثلاثين.
فهذا وجه التنبيه على سر المسألة.
1603- ثم مما أجراه بعض الأصحاب في ذلك أنا إذا قلنا: تُقضى الصلاة بعد الحادي، فيمتد إلى شهر، فإن وقع بعد شهر، فعلى وجهين، وهذا عندي على وضوح سقوطه يخرّج على ما فصلته؛ فإن كانت الجماعة لا تقام، فلا معنى لذكر الشهر، وإن كانت الجماعة تقام، فهذا الخيال الفاسد في رعاية الشهر يجري إذاً، ثم لعله في شهر شوال نَقَصَ أو كمل، وفي بقية شهر ذي الحجة وإن كانت عشرين يوماً.
وعلى الجملة لا أعتد بهذا من المذهب.
فهذا بيان حقيقة الفصل.
ومن تأمل تصانيف الأصحاب، لم يُلْف هذا المساق فيها، ولكني أتيت به على تحقُّق وثقة، ومعظم من خاض فيه غيرُ محيط بحقيقته.
1604- وتمام الفصل وختامه أن ما أجريته في أثناء الفصل أن من أئمتنا في بعض صور الشهادة والتعديل يقول: وإن ظهر فوات الوقت، فالصلاة مؤداة في صبيحة الحادي، فهذا إنما نُجريه إذا كان الناس معذورين.
فأما إذا تركوا صلاةَ العيد على علمٍ وبصيرة حتى فات وقتها، فهي فائتة قطعاً، ولا يصير أحد إلى أنها مؤداة في الحال؛ فإنّ صورة اللَّبس شبهها بعضُ الناس بما يقع للحجيج، و هذا لا يتأتى مع تعمد الإخراج عن الوقت؛ فإذاً لا يجري في التعمد إلا ما ذكرناه، من أن صلاة العيد هل تُقضى أم لا؟ وقد سُقنا ما يتعلق بذلك على ما يجب، والله المشكور.
فرع: ذكره العراقيون:
1605- وهو أنه إذا كان يوم العيد يوم جمعة، فحضر من أهل القرى من بلغه النداء، وكان بحيث يلزمهم حضورُ جامع البلدة لإقامة الجمعة، فإذا حضروا للعيد، وعلموا أنهم لو انصرفوا، فاتتهم الجمعة، فهل يلزمهم أن يصبروا ليقيموا الجمعة، أم يجوز لهم أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة؟ فعلى وجهين:
أحدهما: يلزمهم الصبر، ووجهه في القياس بيّن.
والثاني: لهم أن ينصرفوا، وهذا هو الصحيح عندهم، وقد نقلوا فيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرخص لأهل القرى أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة.