فصل: فصل: في السقط وغسلِه، وتكفينه، والصلاة عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: في السقط وغسلِه، وتكفينه، والصلاة عليه:

1684- أجمع ترتيب فيه ما ذكره الشيخ أبو علي، وصاحب التقريب، فنطرد ما ذكره الشيخ، ونذكر بعد نجازه عبارةً لصاحب التقريب توهم خلافاً في قضية واحدة.
فإذا أسقطت المرأة مُضغة لا تُثبت لها حكمَ استيلاب، ووجوبَ غُرة، فلا غُسلَ، ولا تكفينَ، ولا صلاة، ولا يجب الدفن، والأوْلى أن يوارى.
1685- وإن بدا أثر التخليق فيه، لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يطرِف، أو يصرخ ويستهلَّ، أو يأتي سوى ما ذكرناه بما يدل على الحياة قطعاً، ثم يموت، فحكمه حكم سائر الموتى، فيجب غُسلُه، وتكفينُه، ويرعى في كفنه ما يرعى في كفن غيره، ويجب الصلاةُ عليه، ودفنُه وهو كسائر الموتى قطعاً.
والحالة الثانية- أن يبدوَ عليه التخليقُ، ولا يظهر بعد الانفصال شيء من علامات الحياة، ففي المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يجب غسله والصلاةُ عليه؛ رعايةً لحرمة حقه.
والثاني: لا يجب غُسلُه، ولا الصلاةُ عليه؛ لأنه لم يثبت له موت بعد الحياة.
والثالث: أنه يجب غُسلُه، ولا يجب الصلاةُ عليه.
ثم إن أوجبنا الصلاة، فالكفن التام، واجب كما مضى. وإن لم نوجب الصلاةَ، فيجب دفنه، وفاقاً، والخرقة التي تواريه لفافة تكفيه؛ فالدفن إذاً يجب قولاً واحداً، وكذلك يجب مواراتُه بثوب، وفي غسله والصلاة عليه الأقوال، ثم تمام الكفن يتبع وجوبَ الصلاة.
والحالة الثالثة- أن ينفصلَ، ويختلجَ، ويتحرك قليلاً ويجمد، قال: لا نصَّ في ذلك، ولكن من أصحابنا من ألحقه بالذي صرخ واستهل ومنهم من ألحقه بمن لا يظهر عليه شيء من علامات الحياة، حتى تجري الأقوال الثلاثة، وما يتصل بها.
1686- والذي ذكره صاحب التقريب لم يغادر فيه من معنى ما ذكره الشيخ شيئاً، غيرَ أنه قال: إن لم يبلغ مبلغاً يُتوقع نفخ الروح فيه، فلا حكم له، وإن بلغ مبلغاً يقدّر نفخ الروح فيه، فإن تحقق عَلم، فكسائر الموتى، وإن لم يظهر عَلَم بعد الانفصال، ففيه الأقوال الثلاثة.
ويجوز أن يقال: اختلفت العبارة بين الشيخ وبين صاحب التقريب، بأنه إذا بدا التخليق، فقد دخل أوانُ توقُّع جريان الروح وإن لم يبد بعدُ تخليقٌ، فلم يدخل أوان توقع ذلك. وقد يظن ظان أن أوائل التخليق قد يجري بينه وبين جريان الروح زمانٌ بعيدٌ، فإن ظننا ذلك، افترق الطريقان في هذا التفصيل.
وفيما ذكره صاحب التقريب فقهٌ، يليق بالباب؛ فإن هذا الذي نحن فيه من أحكام الموتى، وهم الذين كانوا أحياءً فماتوا، ثم تحققه يوجب الأحكامَ التي ذكرناها، وفي توقعه تردُّدُ الأقوال.
1687- ومما يتصل بتمام البيان في ذلك، أنا ذكرنا في الكتب أن المرأة إذا ألقت لحمَ ولدٍ، ولم يبد فيه التخطيط، فهل يتعلق به أميّة الولد، ولزوم الغرّة، وانقضاء العدة؟ فيه طرق ونصوص، فإن قلنا: يثبت بهذا حكم أمية الأولاد، فكيف يكون حكمه فيما نحن فيه؟ فأما صاحب التقريب، فيقطع بأن هذه الأحكام لا تثبت؛ إذ لا تتوقع الحياة قطعاً، وهو المعتبر عنده.
وأما الشيخ، فيلزمه أن يخرّج ذلك على الطرق في إثبات أحكام الأولاد له، وهذا إلزام. والذي قاله رعاية التخليق، كما مضى، ولكن يبعد عندي في كل طريق أن تثبت أمية الولد، ثم لا نوجب دفنَه ولفَّه في خرقة. هذا المقدار يجب أن يُنظَر فيه. والله أعلم.

.باب: الشهيد:

1688- من قتل من المسلمين في معترك الشرك، فهو شهيد، وسنذكر حكمه بعد ذكر الشهداء.
فلو رجع إلى الغازي سلاحُه، فهلك، أو أصابه سلاحُ مسلم في الحرب خطأ، فهو شهيد، وفاقاً بين الأصحاب. وكذلك لو وطئه دوابُّ المسلمين فمات، فهو كما لو أصابه سلاحُهم خطأ.
ولو قُتل صبيٌ، فهو شهيد، وكذلك المرأة.
1689- ولو انجلى القتال، وهو في مصرع برمق، وكانت فيه حياة مستقرة، لكن كان يموت مما به لا محالة، ثم مات من الجرح الذي أصابه، فهذا هو الذي يسمى المُرْتَب، وفيه قولان مشهوران. ولابد من تفصيل محل القولين.
فإن انجلى القتال وهو حيّ، وكان لا تُرجى حياتُه ومات قريباً، ففيه قولان. وإن انجلى الحرب وهو على حركة المذبوح، فهو شهيد بلا خلاف.
وإن كان يُقطع بهلاكه لما به، ولكن بقي أياماً يتصرف، فطريقان: إحداهما- القولان، والأخرى- القطعُ بأنه ليس بشهيد.
ولو انجلى الحرب، وكان يخاف موته، وتُرجى له الحياة، فمات، فظاهر المذهب أنه ليس بشهيد. والشاهد فيه حديث سعد بن معاذ؛ فإنه أصابه سهم وكان ترجى حياتُه، ثم اتفق موته فيه، فغسل وصلي عليه.
1690- والباغي إذا قتله العادل مغسول يصلى عليه، ومن يقتله البغاة من أهل العدل فهل يغسل ويصلى عليه؟ فعلى قولين:
أحدهما: أنه شهيد؛ فإنه قتيلُ فئةٍ مُبطلة في القتال
والثاني: ليس بشهيد؛ فإنه ليسَ قتيلَ مشرك.
ومن في الرفقة إذا قتله قاطعُ الطريق في المكاوحة والقتال، فيه طريقان أحدهما- القطع بأنه ليس بشهيد. ومنهم من خرّجه على الخلاف في العادل إذا قتله الباغي.
وذكر الشيخ أبو علي وجهين فيه: إذا دخل الكفار بلاد الإسلام في اختفاء، وقتلوا غيلة من غير نصب قتالٍ مسلماً، فهل يكون شهيداً أم لا؟ فهذا محتملٌ.
ويجب القطع بأن من قتله ذمي لا يكون شهيداً.
وقال شيخي: لو مات غازٍ في أثناء الحرب حتف أنفه من غير سبب، ففي ثبوت الشهادة له وجهان، والوجه عندي القطع بأنه لا يكون شهيداً.
وإذا قتل مسلم مسلماً من غير فرض قتال، فلا يثبت له حكم الشهادة.
فهذا تفصيل القول فيمن يكون شهيداً.
1691- والذين ورد فيهم لفظ الشهادة: كالغريب، والغريق، والمبطون، وغيرهم، فلا يثبت لهؤلاء أحكام الشهداء فيما نحن فيه.
1692- فإذا ثبت من يكون شهيداً، ومن لا يكون شهيداً، فنحن نذكر الآن حكم الشهيد.
فنقول: لا يجوز غُسلُه، بل يجب تركه على دمائه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زمِّلوهم يكلومهم ودمائهم» الحديث؛ فإبقاء أثر الشهادة واجب.
ولو استشهد جنب، فقد اختلف أبو حنيفة وأصحابه فيه، فظاهر مذهبنا أنه لا يغسَّل، وخرج ابن سريج وجهاً أنه يغسل. وهذا بعيد غيرُ معتد به.
ومما يتعلّق بحكم غُسل الشهيد أنه لو أصابته نجاسة أجنبية، لا من بدنه، أو بسبب تعفره في مصرعه، فهل يجب غَسل تلك النجاسة منه؟ حاصل القول فيه أوجه، استخرجتها من كلام الأصحاب: أحدها: أن تلك النجاسة تُغسل عنه؛ فإنها ليست من آثار الشهادة، ولا يجوز تركها، وهذا القائل يقول: يجب غسلها، وإن كان يؤدي إلى إزالة دم الشهادة.
والثاني: أنها لا تغسل؛ فإنا على الجملة نُهينا عن غُسل الشهيد، فيجب ألا يُغيَّر هذا الحكمُ فيه.
والثالث: أن ننظر: فإن كان في غسل تلك النجاسة الأجنبية إزالةُ دم الشهادة، لم نغسلها، وإن كان لا تؤدي إزالتُها إلى إزالة دم الشهادة، فيجب إزالتُها حينئذ، وهذا أعدل الوجوه، والمسألة محتملة جداً.
فهذا تفصيل القول في النهي عن غُسل الشهيد.
1693- فأما الصلاةُ عليه، فلا تجب باتفاق أئمتنا. والذي ذهب إليه المحققون أنها غير جائزة، ولو جازت الصلاة على الشهيد، لوجبت.
ومن أصحابنا من قال: تجوز الصلاة على الشهداء ولكنها لا تجب، وكأن هذا القائلَ يعتقد جوازَ ترك الصلاة رخصة؛ لمكان الاشتغال بالحرب وتوابعه إذا انجلى، فلو تكلف متكلف وصلى، جاز.
ثم من جوّز الصلاة لم يجوّز إزالةَ أثر الشهادة، ولم يجوّز الغُسلَ. وإن قيل: فالميت الذي يجب غُسله إذا لم يكن شهيداً، لا تصح الصلاة عليه قبل غُسله، فمن جوّز الصلاة على الشهيد، هل يغسِّله، ثم يصلي عليه؟ قلنا: لا سبيل إلى غُسله، وكأنه مغسول بصوب رحمة الله تعالى.
وقد يطرأ للناظر في ذلك شيء، وهو أن الشهيد إذا كان عليه دمُ الشهادة، فلا يجوز إزالته، وتعيّن بقاؤه، وإن لم يكن عليه دم أصلاً، فلا شك أنه لا يجب غُسله، ولكن في جواز غُسله الذي لا يؤدي إلى إزالة أثر الشهادة تردد، في هذه الصورة، من طريق الاحتمال، كما في جواز الصلاة عليه، فليفهم الناظر ذلك.
1694- وأما تكفين الشهيد، فلا شك أنه ينزع عنه الدرع، والثياب الخشنة، التي تلبس لمكان آلةٍ في القتال.
ولا خلاف أيضاً أن قيِّم الميت الشهيد، لو أراد نزع ثيابه وإبدالَها، فلا حجر عليه في ذلك، ولا نظر إلى ما على ثيابه من دم الشهادة، وإنما النظر إلى ما اتصل ببدنه من أثر الشهادة.
وإن أردنا أن ندفنه في الثياب التي عليه، وهي متضمخة بدمائه، جاز.
ولا بد وأن تكون سابغةً، فإن لم تكن، وجب الإتيان بثوب سابغ، وما روّيناه في حديث مصعب بن عمير في ستر قدميه بالإذخر محمول على الضرورة.
وإن كان الثوب الذي عليه سابغاً، ولكن كان ثوباً واحداً، ونحن نرى إيجاب استعمال ثلاثة أثواب، فنوجب إكمال الثياب، والسبب في ذلك أنّ تركَ غُسله لإبقاء أثر الشهادة، وسبب الامتناع من الصلاة عليه، تعظيمُ قدره، فأما تَرْكُ تكفينِه، فليس فيه تعظيم، ولا إبقاء لأثر الشهادة، فهذا منتهى القول في ذلك.
1695- ونحن نذكر بعد هذا قول الأصحاب في المقتولين حدَّا.
أولاً- قال الأئمة: المرجوم في الزنا، يغسّل ويصلَّى عليه، وقد روي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ على ماعز؛ إذ رجمه، ولم ينه عن الصلاة عليه"، وكان صلى الله عليه وسلم قد يمتنع عن الصلاة بنفسه لأسباب، فهذا محمول عليه.
1696- فأما قاطع الطريق إذا قتل، ففي غُسله والصلاة عليه كلامٌ: قال بعض أصحابنا: لا يغسل، ولا يصلى عليه؛ استهانة به، وتحقيراً لشأنه، وتغليظاً على القطَّاع.
وقال بعض أئمتنا: يفرّع أمره على كيفية قتله، فإن قلنا: إنه ينزل من الصليب ولا يترك حتى يتهرأ عليه، فإذا أنزل، غُسل وكفن وصلي عليه. وإن قلنا: يترك حتى يتهرأ، فلا يغسل، ولا يصلى عليه؛ فإنه إن قتل، وصلي عليه، ثم صلب فإبقاءُ من صُلّي عليه خارجٌ عن القياس. وإن صُلّي عليه، وهو منكّلٌ به على الصليب، كان بعيداً جداً.
فظاهر المذهب أنه يغسل ويصلى عليه. ثم هذا يتفرع على كيفية قتله، فإن قلنا: إنه ينزل من الصليب قبل أن يتغير، فإذا أنزل، فإذ ذاك، يغسل ويصلى عليه، ويكفن، ويدفن. وإن قلنا إنه يترك مصلوباً؛ فإنه يقتل، ويغسل، ويكفّن، ويصلى عليه، ثم يصلب، وكأنَ الهواء قبرُه.
ومن أئمتنا من يقول: إنه يُقتلُ بعد الصلب، فيضطر هذا الإنسان إذا قال بذلك، وضم إليه أنه يترك على الصليب، أن يصلي عليه مصلوباً، إذا هلك، ثم لا يمكن فرض الغسل أصلاً، وكان لا يمتنع أن يقتل مصلوباً، وينزل، فيغسل، ويصلى عليه، ثم يرد. ولكن لم أر ذلك في عقوبات القطّاع، ولم يذهب أحد إلى إنزال المصلوب وردّه. والله أعلم.
1697- وتارك الصلاة الممتنع من قضائها إذا قتل، غسّل، وصلي عليه، عند الأئمة. كالمرجوم في الزنا.
وقال صاحب التلخيص: لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يكفن، وتوارى جيفته، ويسوى قبره، ولا يرفع نعشه. ثم قال: قلته تخريجاً.
قال صاحب التقريب: لست أعرف لتخريجه وجهاً، وهو متروك عليه، ولعله إنما خطر له ترك الصلاة عليه، من حيث إنه ترك الصلاة في حياته، فتُركت الصلاة عليه، وهذا تخييل، لا ثبات له، ثم إن تُخيّل ترك الصلاة عليه، وتخيل ترك غسله تبعاً لترك الصلاة عليه، فترك تكفينه هُتكة، وقد ذكرنا أن الكافر الذميّ يكفن، وليس تارك الصلاة بأسوأ حالاً منه.
1698- وأما المرتد إذا قتل على ردته، فلا شك أن لا يغسل، ولا يصلّى عليه، والوجه تنزيله منزلة الحربي الذي نقتله، وقد تقدم ذكره.
فصل:
1699- إذا وجدنا بعضاً من آدمي، فإن لم نتحقق أنه ميت، فلا سبيل إلى الصلاة عليه، وإن تحققنا موته، فنقدم ما وجدنا من أعضائه، فنصلّي عليه، ونغسله، ونواريه بخرقة. وقصد الشافعي بذلك الردَّ على أبي حنيفة رضي الله عنهما؛ فأنه قال: "لا نصلي ما لم نجد نصفه، فزائداً" وحقيقة ذلك تستند إلى أن الصلاة على الغائب صحيحة عندنا، كما سيأتي، وهو لا يراها، ويربط الصلاة بما شهد، وحضر.
1700- ثم ذكر الشافعي أنه إذا اختلط مسلمٌ بمشركين، وكان لا يتميز لنا، وهو ممن يُصلّى عليه؛ بأن لم يكن شهيداً؛ فإنه يصلى عليه بالنية، ولا يضر ألا يتميزَ لنا عينُه.
ثم إن صلّينا بالنية، والصلاةُ محتومة، فليت شعري كيف الغُسل والتكفين؟ الذي أراه أنه يغسل جميعُهم؛ حتى يتأدى الغسلُ، في المسلم منهم. وكذلك يكفنون من عند آخرهم.

.باب: حمل الجنازة:

1701- نذكر في الابتداء كيفيةَ حمل الجِنازة، وفيه مسلكان: نَصِفهما، ونذكرهما، ثم نذكر الأوْلى. أحدهما- الحملُ بين العمودين، وكيفيته أن يتقدم الحاملُ، ويتوسط الخشبتين الشاخصتين، من مقدمة الجنازة، ويضع الصدر الذي بين الخشبتين على كتفه، ثم إن استقل بقوته، فيضع الخشبتين على يمينه ويساره، ويضع الصدرَ على كتفيه.
ويحمل مؤخرة الجنازة رجلان؛ فإنه لا يتصور أن يتوسطها شخص؛ فإنه لا يرى موضع قدمه، فإذا استقلّ المتقدم بالحمل بين العمودين، فيحمل مؤخرة الجنازة رجلان، فيضع كل واحد منهما عموداً شاخصاً على عاتقه، والعاتق الآخر منه بارز، وليس بين العمودين أحد في المؤخر، فتكون الجنازة محمولة على ثلاثة نفرٍ، وقد يتوسط المتقدم بين العمودين، ويضعف عن الاستقلال، فيحمل العمودين شخصان على عاتقيهما، والمتوسط بينهما، ويحمل المؤخَّرَ رجلان، كما وصفناه، فيكون حمَلةُ الجنازة خمسةَ نفر. فهذا تصوير الحمل بين العمودين.
1702- وأما الحمل من الجوانب، فهو ألا يتوسط بين العمودين في صدر الجنازة أحد، ولكن يتقدم رجلان، فيضع أحدهما العمود الذي هو الشق الأيمن من الجنازة على عاتقه الأيسر، وعاتقه الأيمن بادٍ، ويضع الثاني العمود الذي يلي الشق الأيسر من الجنازة على عاتقه الأيمن، وعاتقه الأيسر بادٍ، وكذلك يحمل العمودين في مؤخرة الجنازة اثنان، فإن أراد إنسان أن يستدير في الحمل على الجوانب الأربعة في أزمنة، فيحمل كلَّ عمودٍ زماناً، فَعَل ذلك. فيتقدم أولاً، فيحمل الشق الأيسر، من صدر الجنازة، فإنه يليه من الميت شقُّه الأيمن، فكانت البداية به أولى، وأيضاً، فإنه يحمل ياسرة السرير على كاهله الأيمن، ثم يستأخر، ويحمل ياسرة السرير من مؤخره، ثم يتقدم ويعترض السرير، فيحمل يامنته على كاهله الأيسر، ويتأخر كذلك ويحمل يامنته من مؤخّره، وقد استدار على الجوانب.
1703- وظاهر نص الشافعي، وما اختاره المزني لمذهبه أن الحمل بين العمودين أفضل، كما سبق وصفُه من الحمل من الجوانب. وهذا ما إليه صَغْوُ الأئمة، وفيه أخبار رواها الشافعي في المختصر، منها ما روي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه بين العمودين».
وذكر صاحب التقريب تردداً في ذلك، فقال: يحتمل أن يقال: الحمل بين العمودين أفضل، ويحتمل أن يقال: لا فرق بين الحمل بين العمودين، وبين الحمل من الجوانب. والذي ذكره معظمُ الأئمة والعراقيون، تفضيل الحمل بين العمودين، وفي بعض المصنفات، أن الحمل من الجوانب أفضل. وهذا لا أصل له.

.باب: المشي بالجنازة:

1704- أولاً الإسراع بالجنازة مأمورٌ به، وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الإسراع بالجنازة، فقال: دون الخَبَب؛ فإن كان خيراً، فإلى خير تقدمونه، وإن كان غير ذلك، فبعداً لأهل النار" وروى أبو هريرة رضي الله عنه قريباً من ذلك. وفي آخره "إن كان غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".
ثم المشي أمام الجنازة أفضل عند الشافعي للمشيعين، وهذا مذهب أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن عمر، ولا فرق بين أن يشيِّع راكباً أو ماشياً، ولا شك أن المشي أفضل؛ فإنه ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد، ولا جنازة.

.باب: من أولى بالصلاة على الميت:

1705- المنصوص عليه للشافعي في الجديد أن الولي أولى بالصلاة على الميت إمامةً، وتقدماً، من الوالي، وإن كان الوالي أولى بالإمامة في سائر الصلوات؛ فإن هذه الصلاة مختصة بالميت، فالمختص به أولى فيها، وليس كذلك الإمامة في الصلوات العامة.
ونص الشافعي في القديم على أن الوالي أولى بالإمامة من الوليّ. وهذا مذهب أبي حنيفة.
1706- ثم نتكلم في الأقارب إذا حضروا: أجمع الأئمة على أن الأب أولى، ثم الجد أبو الأب. قال الصيدلاني هما أولى من ابن الميت، وإن كان الابن أولى بعصوبة الميراث من الأب. ثم الذي ظهر من كلام الأئمة أن الابن بعد الأب والجد أولى من غيره لقوة عصوبته، وليس هذا كولاية التزويج؛ فإنا لم نثبته في التزويج ولياً أصلاً. وكان شيخي يرتب الأولى في الإمامة ترتيبهم في ولاية النكاح.
وفي ألفاظ الشافعي في ذكر الولاة: والأولياء بعد الوفاة، هم الأولياء في الحياة، والابنُ لا حظّ له في الولاية أصلاً. وهذا الأصل لو ثبت، اقتضى تقديمَ الإخوةِ وأولياء النكاح على الابن.
وقد قطع الصيدلاني بتقديم الأب والجد على الابن وإن كان الابن في العصوبة مقدماً، ولا عصبة معه في الميراث.
والذي تحصّل من كلامهم أن الولاية والإرث إذا اجتمعا في شخص واحد، كالأب والجد، فهو أولى من الابن، وإذا اجتمع شخصان لأحدهما رتبة الولاية في النكاح، كالأخ، وللثاني قوة العصوبة، والأخ محجوب به، كالابن، ففيه التردّد. والظاهر عندي تقديمُ الابن؛ فإنه يستحق ببنوّته التقديمَ في هذا الحكم، وليس للأخ ولاية الإجبار في النكاح، فقوة العصوبة متقدمة.
والعلم عند الله تعالى.
ثم ابن الابن في معنى الابن، وإن سفل، ثم إن لم يكن ابن، فالرجوع إلى ترتيب العصبات في ولاية التزويج، وقد ذكرنا قولين في الأخ من الأب والأم، مع الأخ من الأب، وفي الإمامة في صلاة الجنازة الطريقان. منهم من أجرى فيها القولين أيضاً كولاية التزويج، ومنهم من قطع بتقديم الأخ من الأب والأم، وهو الصحيح؛ فإن لقرابة النساء مدخلاً في الصلاة على الميت، كما سنذكره الآن، ولا مدخل لقرابة النساء، في التزويج أصلاً.
فهذا هو النظر في ترتيب الأقارب.
1707- ثم إن لم يكن للمتوفَّى عصبة من الأولياء، ولا من البنين، فالخال أولى من الأجنبي. هكذا ذكره الصيدلاني، وكأنا نرعى في الباب أن يكون المتقدم مخصوصاً بنوع رقَّةٍ على المتوفى؛ فإنه إذا كان كذلك، فدعاؤه أقرب إلى الإجابة.
والله أعلم.
1708- ثم إن لم يكن ولي عصبة، فالمعتِق ذو الولاء أولى بالتزويج، ولعل الظاهر تقديمُه على ذوي الأرحام، كالخال وغيره، وإنما نقدم الخالَ وغيرَه، إذا لم نجد وليّاً عصبة.
1709- وإذا وضح ما يتعلق بترتيب الأقارب فنتكلم في صفات الأئمة: اشتهر خلاف أئمتنا فيه، إذا اجتمع أخوان أحدهما أفقه، والثاني أسن، فمن الأولى بالإمامة، والأسن يُحسن ما يقع به الاستقلال؟ فمنهم من قال: الأفقه أولى كما نجعله أولى في إمامة سائر الصلوات. وقد سبق ذلك في صفة الإمامة، ومنهم من قال: الأسن أولى في هذه الصلاة؛ لأن دعاءه أقرب إلى الإجابة، وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال: «إن الله تعالى يستحي أن يرد دعوةَ ذي الشيبة المسلم».
ثم من قدّم الأسنَّ، لم يعتبر الشيبة وبلوغ سن المشايخ.
وذكر العراقيون أن نص الشافعي يدل على تقديم الأسن على الأفقه في صلاة الجنازة، ونصه في سائر الصلوات يدل على تقديم الأفقه. فمن أصحابنا من جعل المسألة على قولين في جميع الصلوات، نقلاً وتخريجاً، وهذا الذي ذكروه من طرد القولين في جميع الصلوات، لم يذكره المراوزة، بل قطعوا بتقديم الأفقه في غير صلاة الجنازة، وذكروا في صلاة الجنازة الخلافَ.
والحر والعبد إذا استويا، فالحر أولى لارتباط ما نحن فيه بالولاية، والرق ينافيها، وتردد شيخي في عبد فقيه، وحرٍّ غير فقيه، في درجةٍ واحدة والمسألة محتملة، كما قال.
والعبد القريب مقدّم على الحر الأجنبي، ولو اجتمع عبد أخ من الأب مثلاً وعمٌّ حرٌّ، ففي بعض التصانيف وجهان- أحدهما- أن العبد أولى لقربه، والثاني: العم أولى لولايته وحريته، وقلّما تمر أمثال هذه المسائل في بابٍ إلا دارَ فيه مصير بعض الأصحاب إلى التسوية، لتقارب الأمرين.
1710- ومما يليق بتمام ما نحن فيه: أن الرجل أولى من المرأة، كيف فُرض الأمر، سواء كان الرجل أجنبياً، أو قريباً، حراً أو عبداً. والمرأة تتأخر عن كل رجل، وإن كانت على قرابة قريبة.
قال الصيدلاني: الصبي المراهق أولى من المرأة، وإن لم يبلغ سنَّ التكليف. ولما ذكر صاحبُ التقريب تقديمَ كل رجل على كل امرأة، أبان بعد هذا أن النسوة لو انفردن بالصلاة، سقط الفرضُ بصلاتهن. وفي بعض التصانيف القطعُ بأن الفرضَ لا يسقط بصلاة النسوة المفردات. وسأعود إلى هذا في باب الصلاة.
ولا شك أن الرجل أولى بالإمامة، فإن اقتداء النساء بالرجال جائز، ولو تقدمت امرأة لم يصح للرجال الاقتداء بها.
1711- ومما يتمّ به المقصود: أن القرابة مقدمةٌ على الخصال كلها: من الفقه، والسن، والحرية، إلا الذكورة؛ فإنها مقدمة على القرابة، والذي ذكروه تصريحاً وتلويحاً، أن الخالَ وكل متمسك بقرابة، فهو مقدم على الأجانب، وإن كان عبداً مفضولاً.
فهذا منتهى القول في ذلك.
1712- قال الصيدلاني في آخر هذا الباب: العبد المناسب أولى من نساء القرابة، فإنهما استويا في أن لا ولاية لهما، وانفرد العبد بالذكورة. وهذا كلامٌ مختل؛ فإنه قيّد العبد بالمناسب، والذي ذكره صاحب التقريب: أن الذكر مقدم على كل امرأة في إمامة الصلاة، وهذا هو المذهب الذي لا يجوز غيره؛ لما ذكرت من أن اقتداء الرجل بالمرأة ممتنع، ولا يمتنع اقتداء المرأة بالرجل.