فصل: باب: صلاة الجنازة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: صلاة الجنازة:

1713- ذكر في صدر هذا الباب أن صلاة الجنازة تقام مهما حضرت، في الأوقات كلها، ولا تكره إقامتها في الساعات المكروهة؛ فإنها صلاة ظاهرةُ السبب، ولا كراهة في إقامة الصلوات التي لها أسباب، في الأوقات المكروهة، وقد ورد عن النبي عليه السلام النهيُ عن تأخير صلاة الجنازة مهما حضرت.
1714- ثم ذكر بعد ذلك التفصيلَ في حضور الجنائز، وكيفية وضعها.
فإذا شَهِدت جنائز في درجة واحدة، ولم يظهر لبعضها فضل، ففي كيفية وضعها-إذا اكتفى الولاة بصلاة واحدة على جميعها- وجهان في بعض التصانيف. وقد ذكرهما شيخي أيضاً:
أحدهما: أنه توضع جنازة بالقرب من الإمام، ثم توضع الأخرى وراءها، ثم الثالثة وراء الثانية، وهكذا بهذه الصورة.
والوجه الثاني- أن الجنائز توضع صفاً، والإمام يقف عند واحدة، والباقي يصطف طولاً ذاهبةً في يمين الإمام، والجنازة الثانية عند رأس الأولى، وكذلك إلى حيث بلغت، وانتهت بهذه الصورة، وهذا مذهب أبي حنيفة.
والأولى الذي قطع به معظم الأئمة الهيئة الأولى في الوضع؛ فإن الإمام يكون وراء جميع الجنائز في تلك الصورة، وفي الهيئة الثانية لا يسامت الإمام إلا جنازة واحدة، ثم في القرب من الإمام حظ في الشريعة مطلوب، إما بالفضل أو بالسبق.
1715- ثم الفضل الذي نراعي إذا حضرت الجنائز معاً من غير تقدم وتأخر ما نصفه، فالرجل يُقرَّب إلى الإمام، ثم المرأة وراءه، ولو شهدت جنازة رجل، وصبي، وامرأة وخنثى، فالرجل يلي الإمام، والصبي وراءه، والخنثى وراء الصبي، والمرأة وراء الخنثى. وقد ذكرنا في كيفية الوضع في القبر أن الأفضل يقدم إلى اللحد، ثم الترتيب وراءه، كما سبق بيانه عند مسيس الحاجة إلى جمعهم في قبر واحد، فروعي في الوضع القربُ إلى جهة القبلة، لا معتبر ثَم غيرُها، والقرب من موقف الإمام أوْلى بالاعتبار في الجنائز.
فإن استوت الجنائز في الصفات المرعيّة، نظر: فإن ترتبت في الحضور، قدّم الأسبق منها، فالأسبق. وإن حضرت معاً، ولا فرق في الصفات، فإن رضي الأولياء، وضعت في القرب والبعد، كيف اتفق. وإن تشاجروا، فَصَلت القرعةُ شجارَهم. وقد ذكرنا في الوضع في القبر أنه يقدم الأفضل إلى جدار اللحد، فإن استوَوْا في الذكورة، فيعتبر هذا المعنى، إذا لم تترتب الجنائز في الشهود، ولا قرعة مع التفاضُل.
ثم المرعي في هذا الباب ما يقتضي في غلبة الظن تقرب الناس إلى الله تعالى بالصلاة عليه، ولا يليق بهذا المقام تقديمٌ لغير ذلك.
ويبعد أن يقدم حر على عبد، لمزية الحرية، وليس ذلك كاستحقاق الإمامة وغيرها؛ فإن الحرَّ مقدم من جهة تقدمه في التصرفات على العبد، والإمامة في الصلاة تصرُّف فيها، وإذا مات الحر والعبد استويا في انقطاع تصرفهما، وأقرب معتبر ما ذكرته في هذا المقام، وإذا كان كذلك، فالورع أقرب معتبر إذن. والعلم عند الله تعالى. وهذا مع الاستواء في الذكورة والأنوثة والصبا والبلوغ، والقول في ذلك قريب، وما ذكرناه فيه غُنية.
وإن ترتبت الجنائز، فالسبق، وحق القرب، لمن سبق، ولو سبقت جنازة امرأة وتَلتْها جنازةُ رجل، قُرِّبت جنازة الرجل، ونحّيت جنازة المرأة؛ فإن موقفهن-كيف فرض تقدمهن أو تأخرهن- في الحياة مؤخر.
ولو شهدت جنازة صبي، ثم جنازة رجل، فالذي ذهب إليه معظم الأئمة أنه لا تُنحى جنازة الصبي، بخلاف جنازة المرأة. والفرق لائح.
وذكر صاحب التقريب وجهاً أنه تنحى جنازة الصبي، لشهود جنازة الرجل، كما ذكرناه في المرأة والرجل.
ولو سبقت امرأة إلى الجماعة ولحق رجال، استأخرت، ولو شهد صبيان، وقُرّبوا، وشهد رجال قَبْلَ تحرم الإمام، فالظاهر أن الصبيان لا يؤخّرون لحق السبق، ويخرّج فيه الوجه الذي ذكره صاحب التقريب في الجنائز. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليليني ذوُو الأحلام منكم والنهى».
فهذا ترتيب القول في ذلك.
1716- ومما يتعلق بهذا أن من العلماء من قال: إذا حضرت جنازة رجل، أو امرأة، فقد قال أبو حنيفة: يقف الإمام في مقابلة صدر الميت، رجلاً كان أو امرأة.
وقال أحمد بن حنبل: في مقابلة صدر الرجل، وفي مقابلة عجيزة المرأة، كأنه يبغي سترها عمن وراءه.
قال الصيدلاني: لا نص للشافعي في ذلك، ولكن اختار أئمتنا مذهب أحمد، وقد روي: "أن أنس بن مالك فعل ذلك، ثم روجع في فعله، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم يقف عند صدر الرجل وعجيزة المرأة". وقانون الشافعي اتباع الأخبار.
1717- ومما نذكره متصلاً بهذا أن الجنازة يسوغ أن تدخل المسجد من غير منع وحجر، خلافاً لأبي حنيفة فكأنه نظر إلى إكرام المسجد، والنظر إلى إكرام المؤمن أقرب عندنا. ولم أر الزيادة على هذا، فإن إعمال الفكر في أمثال هذا لا معنى له، وهو من مواقع الاتباع.
فصل:
1718- الصلاة على الغائب مشروعة عند الشافعي، والأصل فيه "أن النجاشي لما مات، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع، وصفّ الأصحاب وراءه وصلّوا على النجاشي بالحبشة". ومعنى المذهب أن الغرض من الصلاة الابتهال إلى الله تعالى في التجاوز عن المتوفى، وهذا لا يختلف بالغيبة والشهود.
ولو كانت الجنازة حاضرة في البلد، وأمكن إحضارها، ففي الصلاة عليها قبل أن تحضر خلاف، وهو مشبَّه بالخلاف في نفوذ القضاء على من في البلد، مع إمكان الإحضار. والأمر في تجويز الصلاة أقرب عندي، للمعنى الذي ذكرته. وأما القضاء؛ فإنه يتعلق بأمور معتبرة في الإقرار والإنكار، فاشتراط الحضور الممكن ثَمّ أولى وأقرب، والصلاة على الميت مقصودها ما ذكرناه.
1719- ولو شهدت الجنازة، فتقدّم موقف الإمام عليها، فقد خرّج الأصحاب هذا على القولين في تقدم المأموم على الإمام، ونزّلوا الجِنازة منزلة الإمام، والإمام منزلة المقتدي، ولا يبعد أن يقال: تجويز التقدّم على الجنازة أولى؛ فإن الجِنازة ليست إماماً متبوعاً حتى يقال: تعيّن تقديمُه. وإنما الجنازة والمصلون على صورة مجرم يحضر بابَ الملك، ومعه شفعاء. ولولا الاتباع والجريان على سير الأولين، وإلا ما كان يتجه قولُ تقديم الجِنازة وجوباً، فهذا تمام ما أردناه في ذلك.

.باب: تكبير صلاة الجنازة:

1720- صلاة الجنازة تشتمل على أربع تكبيرات، منها تكبيرة التحريم والعقد، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كبر خمساً، كما ذهب إليه الشيعة، ولكن الذي استقر عليه الأربعُ وما عداها منسوخ عند الشافعي.
وقد صلى النبي عليه السلام على النجاشي، فكبر أربعاً، وصلى على المسكينة التي ماتت ليلاً، فكبر أربعاً، وصلى أنس بالبصرة على ميت، فكبّر أربعاً، فقام العلاء بن زياد وقال: يا أبا حمزة كبرتَ أربعاً، فقال: هكذا رأيتُ رسول الله ضلى الله عليه وسلم. وروي أيضاً عن أنس: أنه قال: "صلت الملائكة على آدم، فكبروا أربعاً، ثم قالوا: هكذا سنتكم يا بني آدم". وكبر أبو بكر على النبي عليه السلام أربعاً، وكبّر عمر على أبي بكر أربعاً، وصهيب على عمر، والحسن على عليّ، والحسين على الحسن أربعاً أربعاً.
وروى النَّخَعي أن عمر بن الخطاب جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشارهم رضي الله عنهم في التكبيرات، فأجمعوا على أن التكبيرات أربع.
وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه كان يصلي، فيكبر على البدري سبعاً، وعلى الصحابي إذا لم يكن بدرياً خمساً، وعلى غيرهم أربعاً. وهذا مذهب غريب، لا قائل به.
1721- ثم يستحب رفعُ اليدين عند كل تكبيرة، ولم ير أبو حنيفة رفعَ اليدين إلا عند تكبيرة العقد، ورأى رفعَ اليدين عند كل تكبيرة من التكبيرات الزائدة في صلاة العيد.
وإذا وضح أن التكبيرات أربع، فلو زاد المصلي تكبيرةً خامسة، فقد خالف ما استقر الشرع عليه، وفي بطلان الصلاة وجهان:
أحدهما: لا تبطل؛ فإنها ذكر في الصلاة.
والثاني: إنها تُبطل الصلاةَ؛ فإنها بمثابة ركعةٍ تزاد في الصلاة المفروضة.
وفي المسألة احتمال ظاهر، لمكان الأخبار والآثار.
1722- ثم إذا كبر وعقد الصلاة، فقد قال الشافعي: يكبر، ويقرأ. ولم يتعرض لدعاء الاستفتاح، ولا للتعوذ. وقد ذكر الصيدلاني وجهين، وذكر غيره وجهاً ثالثاً، فأحد الوجهين- أنه يدعو للاستفتاح، ويتعوّذ، ثم يقرأ.
والثاني: وهو ظاهر النص، أنه يقرأ عقيب التكبير، ولا يدعو، ولا يتعوّذ؛ فإن هذه الصلاة مبناها على الإيجاز، وهو الذي يليق بها؛ لمكان الميت، وما ندبنا فيه إلى أسباب البدار والإسراع؛ ولهذا لا يختلف العلماء في أنا لا نؤثر قراءة السورة مع الفاتحة.
والوجه الثالث: أنه يتعوّذ ولا يقرأ وجهت وجهي؛ فإن التعوّذ قريب، وقد ثبت بنص القرآن أنه مشروع، في حق كل من يقرأ القرآن.
1723- ثم قراءة الفاتحة لابد منها.
وأما الجهر، فقد قال الصيدلاني: إن أقيمت الصلاة نهاراً، فلا جهر، وإن أقيمت ليلاً سنّ الجهر فيها، بالقراءة، وقد روي ذلك عن ابن عباس.
وفي بعض التصانيف أنه لا يسن الجهر بالقراءة، ليلاً كانت الصلاة أو نهاراً؛ فإن مبنى هذه الصلاة على التخفيف. وهذا متجه عندي. وفي الرواية عن ابن عباس ما يُسقط الاحتجاج بها، فقد روي: "أنه جهر بالقراءة في صلاة الجنازة، ثم قال: إنما جهرت، لتعلموا أن فيها قراءة". وليس في الرواية تقييد بالليل. والظاهر أنه فعل ذلك نهاراً؛ فإن صلاة الجنازة يندر وقوعها ليلاً.
1724- ثم إذا فرغ من قراءة الفاتحة، كبّر التكبيرةَ الثانية. ويصلي على النبي عليه السلام.
والذي نقله المزني: "أنه يحمد الله عقيب التكبيرة الثانية ويصلي ويدعو للمؤمنين والمؤمنات"، واتفق أئمتنا على أن ما ذكره من حمد الله قبل الصلاة غيرُ سديد، ولم نر هذا للشافعي في شيء من منصوصاته.
وأما الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، فقد تردد فيه أئمتنا، فلم يره بعضهم، ومن رآه فمستنده أن الصلاة وراء التشهد الأخير تستعقب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، فهذه الصلاة بتيك. وإذا كان لا يصح في ذلك ثَبَت من جهة السنة، فإثبات هذه في صلاةٍ مبناها على نهاية التخفيف بعيدٌ.
ثم إن كانت الصلاة تستعقب في التشهد دعاءً، فهي مسبوقة أيضاً بأذكار وتمجيدات، فينبغي أن يُصوَّبَ المزني في ذكر التحميد قبل الصلاة.
ثم يكبر تكبيرةً ثالثة، ويدعو له. والدعاء له هو المقصود من هذه الصلاة والركن الأوضح.
ثم يكبر تكبيرةً رابعة وقد نص الشافعي في معظم كتبه أنه يكبر التكبيرة الرابعة، ويسلّم ومقتضى نصوصه أنه لا يذكر بين التكبير والسلام شيئاً. وفي رواية البويطي: إنه يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده. وفيما نقله الصيدلاني في هذه الرواية: اللهم اغفر لحيّنا وميتنا.
وأما القول في السلام، فقد سبق في صفة الصلاة تفصيلُ المذهب، بعد اختلاف النصوص في عدد السلام استحباباً.
قال الصيدلاني: الكلام في تعدد السلام، واتحاده في هذه الصلاة، كالكلام في سائر الصلوات، في تخريج القولين أو تنزيل الأمر على اختلاف الأحوال.
وقال بعض أصحابنا: هذه الصلاة أولى بأن يقتصر فيها على تسليمة واحدة، لأنها مبنية على الإيجاز، وسبب ذلك ما أمرنا به من الإسراع في تجهيز الميت، وما نحاذره من التغايير.
ثم إن رأينا الاقتصار على تسليمةٍ واحدة، ففي، بعض النصوص: إنه يبتدىء التسليمة منقلباً إلى يمينه ويختمها ووجهه مائل إلى يساره، فيدير وجهه من يمينه إلى يساره في حال التلفظ بالسلام، وقد اخنلف أئمتنا في ذلك، فمنهم من رأى ذلك رأياً، فيحصل توزيع تسليمة واحدةٍ على الجانبين، مع الاقتصار على واحدة، وإسماع مَنْ على اليمين واليسار. ومنهم من يقول: إذا كان يسلم تسليمةً واحدة، فإنه يأتي بها تلقاء وجهه من غير التفات، وهذا القائل يحمل كلامَ الشافعي على الأمر بتسليمتين.
وهذا التردد لم أذكره فيما أظن فيما تقدم، ولا شك أنه جارٍ في جميع الصلوات، مهما رأينا الاكتفاء بتسليمة واحدة.
فهذا بيان كيفية الصلاة.
1725- ثم نحن نذكر الآن بيان الأقل الذي لا يجزىء أقلُّ منه، فالذي قطع به الأئمة أن التكبيرات محتومة، وهي مشبهة بالركعات في الصلوات، ولا شك في كون النية ركناً، وقراءة الفاتحة ركنٌ عندنا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركن، قال الصيدلاني: "وأقلها اللهم صل على محمد"، ولم يتعرض للصلاة على الآل، وقد مضى في سائر الصلوات اختلاف القول في الصلاة على الآل في التشهد، والظاهر هاهنا أنها ليست ركناً، لاختصاص هذه الصلاة بالاختصار.
والدعاء عقيب التكبيرة الثالثة لابد منه، فظاهر كلام الأئمة أنه لابد من ربط الدعاء بالميت الحاضر، ولا يكفي إرسال الدعاء للمؤمنين.
وكان شيخي يقول: يكفي إرسال الدعاء للمؤمنين، والتكبيرة الرابعة لا يعقبها ركن إلا السلام.
ثم ذكر الشيخ أبو علي في ذكر الأقل: أنه يكفي أن يقول السلام عليكم، وردّد جوابَه في أنه لو قال السلام عليك، من غير صيغةِ الجمع في الخطاب، فهل يجزىء ذلك، وهل يكفي أم لا؟
ثم قال: الأوْلى الاقتصارُ على تسليمة واحدة، فعلى هذا يقول: السلام عليكم، وهل يؤثر أن يقول: ورحمة الله؟ حكى فيه تردداً من طريق الأوْلى، مَصيراً إلى رعاية الاقتصار. فهذا بيان الأقلّ.
وعلى الجملة إذا فهم الفقيه ابتناء هذه الصلاة على الإيجاز والاقتصار، يعتقد أن ما يصح النقل فيه يجب أن يكون ركناً. ويبعد اشتمالها على سنن لها أثر في اقتضاء التطويل.
1726- وذكر صاحب التقريب عن البويطي أنه نقل كلاماً للشافعي، وقال في أثنائه: وقد قيل: إن الصلاة دعاء للميت. قال صاحب التقريب: يحتمل أن يكون هذا حكايةً لمذهب الغير، وإن حملناه على مذهب الشافعي، فمقتضى هذا النص سقوطُ فرضية القراءة، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجواز استغراق الصلاة بالدعاء للميت. ولم يتعرض لإسقاط التكبيرات بين العقد والحَل اقتصاراً على الدعاء. واللفظُ صالح له.
وهذا غيرُ معدود من المذهب، بل الوجه القطع بحمل ما قال على حكاية مذهب الغير؛ فإن هذه الصلاة ذاتُ حل وعقد، ويشترط فيها من السنن، والطهارة، والاستقبال، ما يشترط في سائر الصلوات.
فرع:
1727- قطع الأئمة بأنه لو سها في صلاة الجنازة، لم يسجد للسهو؛ لأنه لا مدخل للسجود في هذه الصلاة ركناً، فلا يدخلها جبراناً.
فصل:
1728- ذكر الشيخ أبو علي أموراً في أحوال الميت يجب الاعتناء بها.
فقال: الميت يغسل، ويكفن، ويحمل، ويصلّى عليه، ويدفن. فأما غسله
فينبغي أن يقوم به ماهر، مع مُعينٍ إن كان يكتفي بمعين واحد، ثم يوضع على جنازة أو سرير، ويحمله أربعة، ولا يجوز أن تنقص حملته عن أربعة؛ فإنه لو جُوّز النقصان في ذلك، لكان هذا إزراءً بالميت، ولساغَ أن يحمل الميتَ رجل واحد. وهذا ترك لحرمته، وغضّ من قدره.
وأما الصلاة عليه، فقد حكى في عدد المصلين أوجهاً: قال: من أصحابنا من قال: لابد من أربعة يصلّون، ومنهم من قال: يكفي واحد يصلي عليه، ثم قال: ومن شرط جمعاً، لم يشترط أن يصلوا جماعةً بل قال: لو صلوا أفراداً، جاز.
ثم قال: لابد أن يتولى دفنَ الميت ثلاثة، ولا يجوز النقصان مع الإمكان.
هذا مساق كلامه.
1729- ونحن نقول: أما كل ما يؤدي إلى إزراءٍ بالميت واستهانةٍ، فلا شك في تحريمه، ولكن فيما ذكره نظر.
فأما الغسل، فليس يظهر في إفراد رجل واحد بغسله إزراء، مع ما نقول: إن أقل الغُسل جريان الماء على جميع البدن، وأما قوله: لا يجوز نقصان الحمَلَة عن أربعة، فهذا هفوة؛ فإن الحمل بين العمودين قد يحصل بثلاثة، كما سبق تصويره، وميلُ نص الشافعي إلى أن الأوْلى الحمل بين العمودين، ولا شك أن الطفل الصغير لو احتمله رجل واحد، فلا إزراء فيه، والمرعي في إثبات التحريم ظهور الإزراء، وفي حمل رجلين أيّدين للجنازة احتمال ظاهر.
ومما يجب رعايته أن الحَمَلَة ينبغي أن يكونوا بحيث لا يُخاف على الميت الميل والسقوط، وينبغي ألا يحملوه على هيئة قبيحة مزرية.
وأما ما ذكره من عدد المصلين، فقد ذكر غيرُه على الوجه الذي ذكره. ولم أر للاقتصار على اثنين ذكراً، وهو محتمل جداً؛ فإنا ذكرنا في مسألة الانفضاض في الجمعة أن من أئمتنا في تفريع الانفضاض من يكتفي بواحدٍ يبقى مع الإمام، فيكون الإمام معه اثنين، وهذا منقدح هاهنا، ملتفت على أن الاجتماعَ يحصل بهذا.
وما ذكره من الدفن فيه نظر؛ فإن الطفل الصغير يكفيه واحد، يضعه في قبره، وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام بنفسه في قبره. ولو استقلّ رجلان بوضع الميت في قبره من غير أن يُزرُوا به في هيئة الوضع، فلست أرى بذلك بأساً، والمعتمد في ذلك ترك الاستهانة، واجتناب تعريض الميت للسقوط.

.فصل: في المقتدي في صلاة الجنازة:

1730- قال الشيخُ أبو علي: من اقتدى في صلاة العيد بمن يكبر خمساً في الركعة الأولى، فهل يتابعه من يرى التكبيرات سبعاً، ويقتصر على الخمس، أم لا؟ ذكر فيه قولين. وكذلك لو كان المقتدي يرى خمساً، وكان الإمام يكبر سبعاً، فهل يتابعه، فيزيد اتّباعاً؟ فعلى قولين.
والذي عندي فيه أن المقتدي لو تابع، أو ترك المتابعة في التكبيرات، أو لم يكبر أصلاً، وكان الإمام يكبر، فلا ينتهي الأمر في ذلك إلى الحكم ببطلان الصلاة؛ فإن هذه التكبيرات ليست من الأركان، حتى يقال: سبق الإمام بها، أو سبق المأموم بها، وفيه احتمال ظاهر. والعلم عند الله.
ثم قال الشيخ: لو اقتدى في صلاة الجِنازة بمن يرى التكبيرات خمساً، فهل يتابعه في التكبيرة الخامسة؟ فيه طريقان: منهم من قال: فيه قولان، كالقولين في تكبيرات صلاة العيد، ومنهم من قطع القولَ بأنه لا يزيد في صلاة الجِنازة على أربع تكبيرات، وهذا يلتفت على خلافٍ قدمناه في أن التكبيرة الخامسةَ هل تبطل الصلاة؛ فإن رأيناها مبطلةً، لم يتابِع المقتدي الإمامَ فيها.
ثم قال: إذا قلنا: يقتصر المقتدي على أربع، ولا يزيد وإن زاد إمامه، فإذا أتى المقتدي بالأربع، فيسلم، أو ينتظر، ويصبر، حتى يسلمَ إمامه بعد الخامسة؟ فعلى وجهين ذكرهما.
وهذا له التفاتٌ إلى ما ذكرته من أن الخامسة هل تُبطل الصلاة؟ وله تعلّقٌ بأن صلاة الإمام إذا كانت على صفةٍ يعتقد المقتدي بطلانَها في عقده لو صدرت منه، فكيف يكون سبيل الاقتداء والحالة هذه؟ هذا يخرّج على خلافٍ تقدّم ذكرُه في مسائل الأواني، في اقتداء الشافعي بالحنفي مع انطواء صلاة الحنفي على ما يراه الشافعي مبطلاً للصلاة، فإن منعنا ذلك، فليبادر المقتدي إذا كبر أربعاً، وليسلم قبل أن يكبر الإمام التكبيرة الخامسة.
ومما ذكره في مساق كلامه أنه لو اقتدى شافعي في صلاة الصبح بمن لا يرى القنوتَ، فإن علم المقتدي أنه لو قنت، سبقه الإمام بالسجود على التفصيل المشهور فيه، فلا يقنت، وإن علم أنه لا يسبقه، إن قنت، فهل يؤثر له القنوت؟ فعلى قولين ذكرهما، كالقولين في تكبيرات صلاة العيد.
وقد انتهى كلامه في هذا المعنى.
1731- ومما يليق بهذا الفصل ذكر المسبوق في صلاة الجنازة: فلو كبر الإمامُ، ولحق مسبوقٌ قبل التكبيرة الثانية، فإنه يبادر عندنا تكبيرةَ العقد، ويشتغل بالقراءة، ولا يتوقف حتى يكبر الإمام التكبيرة الثانية.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يصبر حتى يكبر الإمام التكبيرة الثانية، ثم يعقد الصلاةَ متصلاً بتكبيره الثاني.
ثم قال أئمتنا: لو كبر المسبوق، وافتتح قراءة الفاتحة، فكبر الإمام الثانية، وهو بعدُ في القراءة، فالقول في أنه هل يقطع القراءة، أو يتممها، كالقول فيه إذا ركع الإمام في سائر الصلوات، والمقتدي بعدُ في القراءة، والاختلاف مشهور فيه. وهذا فيه نظرٌ عندي؛ فإن المسبوق في سائر الصلوات لو أدرك الإمام راكعاً، صار مدركاً للركعة بإدراك ركوعها، ومن أدرك الإمام في صلاة الجِنازة، مع التكبيرة الثانية، لم نجعله كمن أدرك الصلاة في أولها، فليست مبادرة الركوع بمثابة مبادرة التكبيرة الثانية. فليفهم الناظر ذلك. ولكن إن كان يعذر في ترك بعض القراءة، حتى لا يسبقه الإمام، فقد يتجه ذلك على بُعد.
1732- ومما يتعلق بما نحن فيه: أن المسبوق لو لحق الإمامَ في التكبيرة الثانية، فإنه يكبر، ويقرأ الفاتحة، وإن كان الإمام يصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم، أو يدعو، فلا ينظر إلى ما الإمام فيه، بل يجري على ترتيبِ صلاة نفسه؛ فإن ما يدركه المسبوق أول صلاته عندنا، كما تقدم.
ومما يجب الإحاطةُ به في ذلك أن المقتدي المسبوق لو أدرك تكبيرةً واحدةً، وأخذ يجري على ترتيب صلاة نفسه، فسلّم الإمام، ورفعت الجِنازة، فالمسبوق يتم الصلاةَ، ولا يضره رفعُ الجِنازة، وإن حوّلت عن قُبالة القبلة، وإن كنا لا نرى جوازَ ذلك في الجنازة الكائنة في البلدة، في ابتداء عقد الصلاة على الوجه الظاهر، فكان شيخي يقول: المقتدي في صلاة الجِنازة إذا كبر لما كبر إمامه، فكبر إمامه الثانيةَ، فلم يكبر حتى كبر الثالثة من غير عذر، فهذا يقطع القدوة؛ فإن الإمام سبقه سبقاً بيّناً على ما ذكره. وهو مقطوع به عندنا.