فصل: باب: صدقة الخُلطاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: صدقة الخُلطاء:

قال: "جاء الحديث "لا يجمع بين متفرق... " الحديث".
1873- الخُلطة إذا ثبتت على شرطها، صيّرت مال الخليطين كالمال الواحد، في أصل الزكاة، وأخْذها وقَدْرها عندنا.
والأصل في الباب ما رواه أنس، وابن عمر، وعمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة".
زاد ابنُ عمر في روايته "وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" وروى سعد بن أبي وقاص من طريق السائب بن يزيد: "والخليطان ما اجتمعا على الرعي والحوض والفحولة".
وعَقْد الباب ما ذكرناه، من أن مال الخليطين إذا صحت الخلطة، كمال مالك واحد، فلو ملك رجلان أربعين من الغنم، لزمتهما شاة واحدة، وإن لم يملك واحد منهما نصاباً كاملاً، ولو ملك اثنان ثمانين: كل واحد أربعين، لم يلزمهما إلا شاة واحدة، كما لو اتحد المالك، ولو ملك عشرة أربعمائة: كل واحد أربعين، لم يلزمهم إلا أربعُ شياه، كما لو كانت الجملة ملك مالك واحد.
1874- ثم الخُلطة خلطتان: اشتراك، ومجاورة. فأما الاشتراك، فهو أن يملك اثنان أو عدد المالَ، وتشيعَ حصصُهم من غير تعيين، وأما المجاورة، فهو أن يتميز الملك عن الملك، ولكن يتجاور المالان تجاور المال الواحد، مثل أن يملك زيدٌ عشرين من الغنم بأعيانها، ويملك عمرو عشرين، ويتجاور الأغنام، كما سنصف، فيثبت مقتضى الخُلطة إذا استجمعت الخلطة شرائطها، وشرائطُها منقسمة إلى متفق عليه بين الأصحاب، وإلى مختلفٍ فيه، فالمتفق عليه أن يجتمع المالان في المرعى، والمسرح، والمراح، والمشرع، والعبارة عن هذه الأوصاف أن تجتمع اجتماع ملك المالك الواحد، على الاعتياد الغالب فيه.
1875- واختلف أئمتنا في أمورٍ منها: أنه هل يشترط أن يَتَّحِد رَعْيُها، أو تشترك رُعاتها؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنا نشترط ذلك، ومعنى الوجه قبل التوجيه ألا يختص راع برعاية غنم أحد الخليطين، بل إن اتحد الراعي راعَى المالين جميعاً، وإن تعدد الراعي راعَى كلُّ واحدٍ جميعَ المال، على ما تقتضيه مصلحة الرعي.
ومن أئمتنا من قال: لا يضر أن يفرد كل واحد منهما لماله راعياً، يختص به بعد اتّحاد ما ذكرناه، من المراح، والمسرح. وسنبين وجهَ هذا عند ضبط المذهب.
1876- ومما اختلف فيه الأئمةُ الفحل، فذهب بعضهم إلى أنه يجب أن يكون مشتركاً بين الخليطين، وقال: إن كان مملوكاً، فليكن مشتركاً، وإن لم يكن مملوكاً، يجب أن يشتركا في استعارته-وإن تعدّد الفحل- فالمطلوب الاشتراك عند هذا القائل، كما ذكرناه في الراعي.
ولا ينبغي أن يخصص كل مالك غنمه بفحل ينزو عليها، ولا ينزو على غنم صاحبه.
ومن أئمتنا من لم يشترط ذلك، وحكم بصحة الخُلطة، وإن انفرد كل واحد بإنزاء فحل على غنمه.
ومما اختلف الأصحاب فيه حلبُ الألبان فذهب بعضهم إلى أن شرط الخُلطة أن تحلب الألبان من المواشي المختلطة في محلبٍ واحد، ثم اقتصد في هذا الوجه، من قَرُب من التحقيق وقال: معناه ألا ينفردَ أحدُ الخليطين بمِحلب، يمنعه عن صاحبه، ولكن إن كان مِحلَب واحد، فيكون بين الخليطين، وإن كانت محالب كانت فوضى بينهما. والغرض ألا يختصَّ أحدهما بآلة في الحلب عن صاحبه، اتحدت أو تعددت؛ فإن المال لو اتحد، فلا يفردُ بعضها بمحلب، فليكن مالاهما بمثابة مال واحدٍ، لمالك واحد، وهذا القائل لا يشترط حلبَ ألبانها في مِحلب واحد؛ فإن ذلك قد لا يعتادُ في مالٍ واحد.
وذهب بعض الأصحاب إلى أنه لو انفرد أحد الخليطين بمِحلَب لا يبذله لصاحبه، جاز، ولم يؤثِّر، وهذا يقرب من الكلام في الراعي كما سبق.
والأظهر هاهنا ألا يشترط أن يكون المِحلَب فوْضى؛ فإن الأمر في ذلك قريب، والراعي قوام الأمر، فلو اختص كل مال براعٍ، ظهر منه الانفراد المناقض للخلطة.
وأبعد العراقيون في الوجه الأول، فحكَوْا وجهاً بعيداً: أنا نشترط خلط الألبان، ثم زعم هذا القائل أنهما يتسامحان في فضلاتٍ-إن كانت- في الألبان، كما يتسامح المتناهدان في الأطعمة في السفر. وهذا بعيد عن التحصيل ساقط عن قاعدة المذهب.
1877- ثم الضابط لمحل الوفاق والخلاف في الشرائط، أن كل ما يرجع إلى أنفُس الماشية من الاجتماع الذي يظهر اعتباره في المال الواحد، فهو مرعي في أموال الخلطاء، كالاجتماع في المراح، والمسرح، والمرعى، والمشرع. ولو افترقت في هذه الأشياء، لكانت مفترقة حسّاً في ذواتها غيرَ مجتمعة، وإذا اجتمعت كذلك، فما يتعلق بخفة المؤن، ففيه خلاف، كالاشتراك في الراعي، والفحل، والمِحلَب، كما تقدم، فمنهم من اشترطها، ومنهم من لم يشترطها.
1878- ومما تكلم الأئمة فيه أنهم اختلفوا أن القصد هل يراعى في الخلط؟ فمنهم من لم يعتبره، وقال: لو اختلطت الأموال سنة وفاقاً، حصلت الخلطة، ومنهم من يراعي القصدَ حتى لو لم يكن، فكل مالك على الانفراد في ملكه.
وهذا يناظر ما سنذكره من أن القصد هل يراعى في الإسامة والعلف؟
ثم كما اختلفوا في أن القصد هل يراعى في الخلطة، أختلفوا في أنها لو افترقت من غير قصد، هل ينقطع حكم الخلطة فيها؟ وهذا كجريان الخلاف في العلف والإسامة جميعاً.
1879- ثم خلطة الجوار هي التي يشترط فيها على الوفاق والخلاف ما ذكرناه، فأما خُلطة الشيوع والشركة، فلا يشترط فيها شيء مما ذكرناه؛ فإن الحصص شائعة لا تميُّز فيها، نعم، يشترط في الخليطين جميعاً أن يكون كل واحد من الخليطين بحيث يلتزم الزكاة، حتى لو كان أحد الخليطين ذمِّيّاً، أو مكاتباً، لم يثبت حكم الخلطة أصلاً، ومن كان من أهل الالتزام، فله حكم ماله على الانفراد، ولا أثر للخلطة أصلاً.
1880- ومما يشترك فيه الخليطان جميعاً اشتراط دوام الخلطة في جميع الحول، كما سيأتي ذلك مشروحاً في مسائل الباب.
فهذا قاعدة الخلطة، وبيان حصولها، وذكر تأثيرها على الجملة.
1881- ثم إن الشافعي بين أن اسم الخلطة على الشركة أوقع منه على خلطة الأوصاف، وإنما قال ذلك، لأن الخلطة على سبيل الجوار هي التي ورد فيها الخبر، كما لا يخفى على المتأمل، فقال الشافعي من طريق السنة "إذا ثبت بالخبر حكم خلطة الجوار، وهي المسماة خلطة الأوصاف، فخلطة الشركة باسم الخلطة وحقيقتها أولى".
والأمر على ما ذكره.
فصل:
1882- إذا ثبت خلطةُ الجوار على شرائطها المذكورة، فقد ذكرنا أن المالين كالمال الواحد، والخُلطة لهذا الأصل تقتضي تارةً إيجابَ الزكاة، وتارة تتضمن التقليل، وهذا متلقى من مصير المالين في حكم المال الواحد.
ثم نقول: من ذلك إذا أقبل الساعي، واقتضى الحال أن يأخذ بنفسه الزكاة، فإنه يأخذها من عُرض المال، من أي ملكٍ يتفق، ثم يثبت الرجوع تارةً، والتراجع من الجانبين أخرى، على ما سنصف. ثم نوضح التعليل.
1883- فإذا كان بين رجلين أربعون من الغنم، وكانت متجاورة: عشرون منها لزيد، وعشرون لعمرو، وقد استجمعت الخلطة شرائطها، فالواجب شاة، فلو أخذ الساعي شاةً من أغنام أحدهما، سقطت الزكاة عنهما جميعاً، ثم يرجع من أُخذت الزكاة من غنمه على خليطه بقيمة نصف شاة، ولا يرجع عليه بنصف شاة؛ فإن الشاة وقعت زكاةً، وليست من ذوات الأمثال، وهذا بمثابة ما لو قال من عليه شاة عن أربعين لغيره: أدِّ زكاة مالي من مالك، فإذا فعل المأمور، فإنه يرجع حيث يرجع بقيمة الشاة.
ولو حال الحول على الأربعين ووجبت الزكاة، وتحقق التمكن، وأتلف مالكُ المال المالَ، فيلزمه إخراجُ شاة للمستحقين؛ فإن الزكاة باقية في ذمته إلى أن يؤديها، وهي شاةٌ، والزكاة في الأربعين المتجاورة قد سقطت عن الخليطين بأداء أحدهما الشاة، فلا رجوع إلا بالقيمة.
1884- ولو ملك أحدهما أربعين بقرة، وملك الثاني ثلاثين، وخلطا خلطة الأوصاف، فواجب المال مسنةٌ وتبيع، فلو أخذ الساعي تبيعاً من صاحب الأربعين، ومسنةً من صاحب الثلاثين، فإنهما يتراجعان كما نص الرسول صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي صدرنا الباب به، فيرجع صاحب الأربعين على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباع تبيع، ويرجع صاحب الثلاثين على صاحب الأربعين بأربعة أسباع مسنة.
والرجوع بالقيمة، لا بعين التبيع والمسنة.
ولو أخذ الساعي المسنّةَ من صاحب الأربعين، والتبيعَ من صاحب الثلاثين؛ فإنهما يتراجعان، فيرجع صاحب الأربعين على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباع مسنّة، وصاحب الثلاثين على صاحب الأربعين بأربعة أسباع تبيع، وليس لقائلٍ أن يقول: إذا أُخذت المسنة من الأربعين والتبيع من الثلاثين، فقد أخذ كلَّ سن من محله، فلا رجوع؛ وذلك أن المالين كالمال الواحد، والمسنة شائعة في جميع المال، وكذلك التبيع.
هكذا ذكره شيخي، والشيخ أبو بكر. والأمر كذلك.
وتحقيقه أن من ملك سبعين من البقر، وانفرد بملكه، فزكاة ماله مسنة وتبيع، ثم لا نقول: المسنة في أربعين، والتبيع في ثلاثين؛ فإن الأربعين ليست متميزةً عن الثلاثين، ولكن واجب الجميع مسنة وتبيع، فلا جزء من الجميع إلا وفيه جزء من مسنة وتبيع.
وبيان ذلك: أن الشرع إذا أوجب في مائتي درهم خمسةَ دراهم، فذاك بنسبةٍ من الجزئية معلومة، ففي النصاب رُبع عشر، وهو منبسط على الجميع، ففي كل جزء رُبع عشر، فإذا أوجب الشرع في أربعين شاةً شاة، فلا يتأتى في ذلك عبارة بالجزئية، مع اختلاف صفات الشياه، ولكنه في الحقيقة جزئية، ففي كل شاة ما يخصها من حساب شاة في أربعين. كذلك في كل بقرة ما يخصها من المسنة والتبيع، من حساب مسنة وتبيع في سبعين، فإذا كان كذلك، ومالا الخليطين كمال المالك الواحد، فيتضمن ذلك التراجعَ كما سبق تفصيله في الصورتين.
ولو وجد الساعي المسنة والتبيع جميعاً في مال صاحب الثلاثين مثلاً وأخذهما، فلا نقول إنه يرجع بقيمة مسنة على صاحب الأربعين، ولكن يرجع عليه بقيمة أربعة أسباع مسنة، وأربعة أسباع تبيع.
فقد بان ما نحاول من ذلك إن شاء الله تعالى.
1885- ولو وجب في الأغنام المختلطة أربع شياه: مثل أن مَلَكا أربعمائة: لهذا مائتان، ولهذا مثلها، فأخذ الساعي شاتين من هذا وشاتين من هذا، فالذي ذكره المحققون أنه يرجع كل واحد على الثاني بقيمة نصفي شاتين، للشيوع الذي ذكرناه.
ولكنهم قالوا: لا يفيد هذا التراجع؛ فإن الشياه المأخوذة المجزئةَ متساوية، فإذا كان يرجع كل واحد على الثاني بما يرجع به عليه، لم يفد.
نعم يخرّج هذا على أقوال التقاصّ عند تساوي الدَّيْنين، قدراً وجنساً، وليس كما ذكرناه في السبعين من البقر، وقد أُخذت مسنة من أحدهما، وتبيعٌ من الثاني؛ فإن التراجع في الأسباع يجرُّ اختلافاً في المقدار، والتقاصّ جار في مقدار التساوي من القيمة.
وعبر الأئمة في التراجع بالشاتين والمأخوذ منهما أربع شياه بعبارة تشعر بالمقصود. فقالوا: يرجع كل واحدٍ منهما على الثاني بنصفي شاتين، أو بنصفي شاة، وهو شاة؛ فإن الشياه لا تختلف.
1886- ولو كان بين رجلين مائة وثمانون من الإبل، لواحد مائة، وللثاني ثمانون، فواجب المال حقتان، وبنتا لبون، فلو أخذ الساعي حقتين من صاحب المائة، وبنتي لبون من صاحب الثمانين؛ فإنهما يتراجعان، فيرجع صاحب المائة على صاحبه بأربعة أتساع حقتين، وإن شئت قلت: بثمانية أتساع حقة؛ فإن القيمة لا تختلف، ويرجع صاحب الثمانين بخمسة أتساع بنتي لبون، وإن أحببت، قلت: يرجع ببنت لبون وتُسع أخرى.
فهذا تحقيق التراجع.
1887- وفي بعض التصانيف كلامٌ فيه خبط، ونحن ننقله بعد تأسيس المذهب، ونذكر ما فيه.
قال: "لو كان واجب المال شاتين، وأخذ الساعي شاةً من أحدهما، وشاةً من الآخر، فلا تراجع؛ لأنه أخذ من كل واحد منهما ما وجب عليه".
وهذا قول من لا علم عنده بحقيقة الأصل الذي مهدناه، ولو حمل حاملٌ هذا على سقوط فائدة التراجع، لاستقام في المعنى، ولكن لفظ الكتاب دليلٌ على أن كل واحد منفردٌ بواجبه، لا شيوع له. وهذا خطأ صريح.
ثم قال: إن كان الواجب شاتين، فأخذهما من أحد المالين، جاز ويثبت الرجوع.
وحكى عن أبي إسحاق المروزي أنه قال: "إذا تمكن الساعي من أخذ شاة من كل واحد منهما، فليس له أخذ شاتين من أحدهما، حتى يحتاج إلى الرجوع".
وهذا لم أره إلا في هذا الكتاب. وقياس ما ذكره أنه لو أخذ مسنة من صاحب الأربعين، وتبيعاً من صاحب الثلاثين أنهما لا يتراجعان؛ إذ أدى كل واحد منهما واجبه، ويخرج من ذلك أن الساعي إذا قدر على أن يأخذ المسنة من صاحب الأربعين، والتبيعَ من الثاني، يلزمه أن يفعل ذلك على مذهب أبي إسحاق.
وهذا خبط مطرَح من المذهب، ولا ينبغي أن يطّرق إلى أصول المذهب أمثال ذلك، أو يعتقد أنه من الوجوه الضعيفة، بل هو هفوة نقلناها؛ حتى لا يخلو المجموع عن ذكرها.
1888- ولو كان واجب المال المختلط شاةً، وأخذ الساعي من أحد الخليطين أكولة أو رُبَّى، فلا يرجع على خليطه بقيمة نصف شاة رُبّى، بل يرجع بقيمة نصف جذعة من الضأن؛ فإنه مظلوم بتلك الزيادة في الصفة، والمظلوم يرجع بالظلم على من ظلمه، دون غيره.
1889- ثم إنما يظهر القول في التراجع في خلطة الجوار، فأما خلطة الاشتراك، فلا يظهر التراجع فيها، والزكاة المأخوذة من جنس المال؛ فإن المأخوذ يكون مشتركاً بينهما على ما يقتضيه أصل الشركة في أصل المال، نعم لو كان الواجب غير مجانس لأصل المال كالشاة تجب في خمسٍ من الإبل، فقد يفرض الرجوعُ فيه، فإذا كان بين رجلين خمسة من الإبل على اشتراكٍ، فأخذ الساعي من أحدهما شاةً، فإنه يرجع بنصف القيمة على شريكه، ولو كان بينهما عشرة من الإبل على الاشتراك فأخذ الساعي شاة من هذا وشاة من هذا، فأصل التراجع ثابت على قانون المذهب، ولكنه غير مفيدٍ فيقع في التَّقاصّ، كما تقدم ذكره.
فصل:
قال: "ولما لم أعلم مخالفاً في أن ثلاثة... الفصل".
1890- قصد الشافعي بهذا الردّ على مالك في تفصيلٍ له في الخلطة، فإنه قال: إذا لم يكن نصيب بعض الخلطاء نصاباً، لا يلزمه الزكاة بسبب الخلطة، حتى لو كان بين رجلين أربعون من الغنم، لكل واحدٍ عشرون، لم تجب الزكاة على واحد منهما، واعتلّ بأن واحداً منهما لم يخالط من تلزمه الصدقة من غير خُلطة، فأشبه ما لو خالط ذمياً.
وهذا غير سديد؛ فإن الخُلطة تؤثر في تبليغ المالين نصاباً، ولا تؤثر الخُلطةُ في إزالة كفر الذمي. ثم ما ذكره مالك يقتضي أن لا تُفيد الخلطة في حق المساكين شيئاً، فإنه إذا كان مال كل واحد بحيث تتعلق الزكاة به، فالخلطة تقتضي تقليل الزكاة، ونحن إذا قلنا: على الخليطين في النصاب الزكاة، فقد جعلنا الخلطة في حق المساكين مفيدةً في هذه الصورة، فكان ذلك حكماً عدلاً؛ إذ تارة تفيد الخلطة للمساكين، وتارة تقلل من حقهم.
فصل:
قال: "وبهذا نقول في الماشية والزرع والحائط... إلى آخره".
1891- قد ذكرنا أن المواشي تثبت فيها خلطة الشركة والجوار جميعاً، فأما الزورع والثمار، ففيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تثبت فيه الخلطتان، فإذا كانت الزروع أو الثمار مشتركة، فبينهما حكم الخلطة.
والجوار فيها أن يتجاورا ويتّحد الناطور، والنهر الذي يسقي، وما يمكن تقدير اتحاده من هذه المرافق لتخف المؤن فيها، ولعل الخلطة تثبت إذا كان بين البستانين بستان، إذا أمكن فرضُ اتحاد المؤن، والناطور. وفي هذا نظر.
ولا يمتنع أن يشترط اشتمال حائطٍ واحدٍ على أرْضَين، أو وقوعهما متجاورين من غير حائطٍ، حتى يقال: لا تتميز إحداهما عن الأخرى، بما هو علامة في تعدد الملكين وتميزهما، ولم يتعرض الأصحاب لتفصيل القول في ذلك، والله أعلم. فهذا قول.
والقول الثاني- أنه لا تثبت الخلطتان إلا في المواشي؛ فإنهما لو ثبتتا في الزروع والثمار، لما تضمنت قط تخفيفاً عن الملاك أبداً، بخلاف المواشي.
والقول الثالث: أن خلطة الشركة تثبت، وخلطة الجوار لا تثبت؛ فإن الشركة فيها كالشركة في المواشي، والجوار عسر التصوير، ولا يتعلق به من تخفيف المؤنة ما به مبالاة.
1892- فأما الدراهم، والدنانير، وعروض التجارة، فالمذهب أن الجوار لا يثبت فيها، وفي الشركة قولان، وأبعد بعضُ الأئمة، فذكر في خلطة الجوار فيها وجهاً بعيداً، وتصوير الجوار فيها أن يتّحد حانوتها وخازنها، ومعنى الاتحاد قد أوضحناه في جوار المواشي، وهذا بعيدٌ؛ فإن اتحاد الحانوت والخازن لا يؤثِّر أثراً به احتفال.
فصل: مُشتمل على تفصيل القول في حول الخلطة والانفراد، وما يتعلق بذلك
1893- فنقول: إذا ثبتت الخلطة بين مالين، لم يخل الأمر من ثلاثة أحوال: إما ألا ينعقد الحول قبل الخلطة، وينعقد الحول مع الخلطة، في حقهما جميعاً.
وإما أن ينعقد الحول على مال كل واحدٍ منهما، قبل اتفاق الخلطة، ثم تقع الخلطة في أثناء الحول.
وإما أن ينعقد الحول على مال أحدهما على الانفراد قبل الخلطة، ويقع ابتداء حول الثاني مع الخلطة.
فإن كان ابتداء حوليهما مع الخلطة، فلا إشكال، فإذا مضى حول من وقت الخلطة، وجبت الزكاة عليه كما سبق التفصيل، والمالان كالمال الواحد. ومن صور هذا القسم أن يملك أحدهما عشرين من الغنم، وكذلك الثاني، ثم يتفق الخلط، فالحول من وقت الخلط، ولا نظر إلى تاريخ ملكيهما قبلُ؛ فإن الحول لا ينعقد على مال ناقصٍ عن النصاب، فابتداء انعقاد الحول من وقت تمام النصاب بالخلطة.
1894- ولو ملك كل واحد منهما نصاباً كاملاً، وانفرد به مدة، ثم اتفق الخلط، لم يخل إما أن يتفق تاريخ الحولين، أو يختلف، فإن اتفق التاريخان، فكأن اشترى أربعين من الغنم غرة المحرم، واشترى الثاني أربعين بذلك التاريخ، ثم انفرد كل واحد منهما بملكه شهراً، ثم خلطاه غرة صفر وانقضت السنة: شهر منها على الانفراد، وأحدَ عشرَ في الاختلاط، فالمنصوص عليه في الجديد أنه يجب في السنة الأولى زكاةُ الانفراد على كل واحد منهما، فيلزم كلَّ واحد شاة؛ فإن السنة قد اشترك فيها الانفراد والخلطة، فالتغليب للانفراد؛ فإنه الأصل، والخلط طارىء.
وحكى العراقيون قولاً عن الشافعي: أنه يجب عليهما زكاةُ الخلطة؛ نظراً إلى آخر الحَوْل، فعليهما إذن شاة واحدة.
وهذا في السنة الأولى.
فأما إذا انقضت السنة الثانية في دوام الخلطة، فلا خلاف أنه يجب عليهما زكاةُ الخلطة، وهي شاة واحدة في السنة الثانية؛ فإن هذه السنة تجردت الخلطة فيها.
فهذا إذا اتفق تاريخ ملكيهما.
1895- فأما إذا اختلف التاريخان، فاشترى أحدهما أربعين غرة المحرم، واشترى الثاني أربعين غرة صفر، ووقعت الخلطة غرة ربيع الأول، فقد جرى مال كل واحد منهما في حول الانفراد شهراً، واختلف تاريخ الحولين أيضاًً؛ فنقول: إذا تم حول الأول، فالمنصوص في الجديد أنه يجب عليه زكاة الانفراد في هذا الحول، وهي شاة، فإذا تم حول الثاني، فتلزمه زكاةُ الانفراد أيضاًً، وهي شاة.
وحكى العراقيون قولاً عن القديم أنه يجب على الأول زكاةُ الخلطة؛ اعتباراً بآخر الحول، وهي نصف شاة، وكذلك يجب على الثاني-إذا تم حوله- نصف شاة اعتباراً بآخر الحول.
وذكر ابن سريج قولاً مخرجاً في اختلاف تاريخ الحولين، وهو أنه لا يثبت الخلط مع اختلاف الحولين أبداً، ويجب على كل واحد منهما زكاة الانفراد في جميع الأحوال المستقبلة، واشترط في ثبوت حكم الخلطة اتفاقَ الحولين.
وهذا غيرُ مرضيٍّ عند أئمة المذهب.
وإذا فرعنا على القول الجديد الأول؛ فإنما يثبت حكم زكاة الانفراد في السنة الأولى، فأما في السنين المستقبلة، فيثبت حكم الخلطة وإن كان التاريخ يختلف.
1896- ولو تقدّم حول أحدهما على الانفراد، وثبت حول الثاني مع الخلطة، مثل أن اشترى رجل أربعين من الغنم وانفرد بها شهراً، ثم اشترى رجل عشرين، وكما اشتراها خلطها بالأربعين، فإذا تم حول الأول، ففي الجديد تلزمه زكاة الانفراد، وفي القول القديم تلزمه زكاة الخلطة ثلثا شاة، فإذا تم حول الثاني ففي الجديد والقديم تلزمه زكاة الخلطة وهو ثلث شاة؛ فإنه كان مخالطاً في جميع السنة، فيجب عليه بحساب الخلطة.
وأما ابن سريج، فإنه يقول: يجب على صاحب الأربعين زكاةُ الانفراد أبداً، لاختلاف التاريخ. وأما صاحب العشرين، فلا تجب عليه الزكاة أبداً؛ لأن الخلطة لا تثبت في حقه، وماله ناقصٌ عن النصاب.
1897- ومما نذكره في بيان تخريج ابن سريج أن من اشترى عشرين وأمسكها شهراً، ثم اشترى عشرين، فالحول ينعقد عليهما من وقت شراء العشرين الثانية؛ فإنه كمل النصاب الآن، وابتدأ الحول من وقت كمال النصاب.
ولو اشترى أربعين، ومضى شهر، ثم اشترى أربعين أخرى، فإذا تم حول الأربعين الأولى، ففي الجديد يجب فيه شاة، وفي القديم يجب فيه بحساب الخلطة نصف شاة؛ فإنه كان خليطاً لملكه في آخر الحول، وعلى التخريج يجب في الأربعين الأولى شاة، وفي الأربعين الثانية إذا تم حولها شاة لاختلاف التاريخ في حولي الملكين، فكما نمنع حكم الخلطة مع اختلاف التاريخ في ملكي الخليطين، كذلك نمنع هذا بين ملكي مالكٍ واحد.
ولو ملك عشرين، ثم عشرين، فابتداء الحول من وقت كمال النصاب، وإذا اشترى أربعة من الإبل، وأمسكها شهراً، ثم ملك ستّة، فالحول ينعقد الآن على العشرة، ولا اعتبار بما تقدم من الملك على الأربعة؛ فإنها لم تكن نصاباً، فلم يختلف تاريخ الحولين؛ إذ لا حول على الأربعة، فهذا بيان قول ابن سريج في تخريجه.
وأبو حنيفة يلحق المستفادَ بالأصل في حوله، ولا يعتبر فيه حولاً جديداً، والمسألة مشهورة معه في الخلاف.
والسخال إذا حدثت في حول الأمهات، وجبت الزكاة فيها بحول الأمهات، كما تقدم ذكره في زكاة الغنم، وأما الأرباح الطارئة، فسيأتي تفصيل القول فيها في زكاة التجارة، إن شاء الله.
1898- ولو اشترى رجل أربعين من الغنم، وأمسكها شهراً، ثم اشترى رجلٌ آخر أربعين، وكما اشتراها خلطها بالأربعين الأولى، فإذا تم حول الأولى، ففي الجديد تلزمه زكاة الانفراد شاةٌ، وفي القديم نصفُ شاةٍ، نظراً إلى آخر الحول.
وأما الثاني، فالصحيح في الجديد أنه إذا تم حوله يلزمه نصف شاة؛ فإنه كان خليطاً في تمام سنة.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً آخر على هذا القول: أنه تلزمه شاة في هذه السنة، كأنه منفرد بملكه؛ لأنه وإن كان خليطاً في جميع السنة، فصاحبه لم ينتفع بخلطته، فيبعد أن ينتفع هو ولا ينفع، والتساوي مرعي في الخلطة بين الخليطين. وهذا تخييل لا حاصل له. والوجه اتباع القياس المشهور. وأما القول القديم، فلا يخفى التفريع عليه، وكذلك تخريج ابن سريج.
فرع:
1899- إذا اشترى أربعين شاةً ومضى شهرٌ، ثم ملك أربعين أخرى، ومضى شهر، ثم ملك أربعين أخرى، فعلى القول القديم يجب في الأربعين الأولى إذا تم حولها، ثلث شاة، وكذلك الثانية، والثالثة.
وعلى الجديد إذا تم حول الأربعين الأولى، ففيها شاة، لانفرادها في بعض الحول، وفي الأربعين الثانية إذا تم حولُها خلافٌ.
والصحيح أنه يجب فيها نصف شاة؛ فإنها كانت خليطة أربعين في جميع حولها، وهذا الحساب يقتضي فيها نصفَ شاة.
ومن أصحابنا من قال: فيها شاة؛ فإن الأربعين الأولى، لم ترتفق في حولها بالأربعين الثانية، فلم يلحق الأربعين الثانية تخفيف أيضاًً.
وهذا بعيد.
وأما الأربعين الثالثة، فالصحيح أنه يجب فيها ثلث شاة إذا تم حولُها؛ فإنها في جميع حولها كانت مخالطة لثمانين، فيقتضي هذا الحساب فيها ثلث شاة.
ومن أصحابنا من قال: في الأربعين الثالثة شاة؛ فإنه لم يرتفق بها الأربعين الأولى والثانية؛ إذ أوجبنا على هذا الوجه الضعيف في كل أربعين من الأولى والثانية شاة، فكما لم يرتفق بالثانية ما تقدم، فكذلك لا يلحق الثالثة تخفيفٌ من الأملاك المتقدمة. وتفريع تخريج ابن سريج لا يخفى، فهو يوجب في كل أربعين شاة، في الأحوال المستقبلة، فيتم فيها ثلث ثلث إذا لم يزد المال بالنتاج.
فهذا بيان هذه التفاصيل، ذكرها العراقيون وصاحب التقريب.
فصل:
قال الشافعي: "لو كان بين رجلين أربعون شاة، ولأحدهما ببلدٍ أربعون... إلى آخره".
1900- هذه غمرة الخُلطة، ومقصودها الكلي أنه إذا كان بين رجلين مال مختلط على الشرط المذكور، وكان لأحدهما مال زكاتي من ذلك الجنس، وهو منفرد به، فللشافعي قولان:
أحدهما: أن الاعتبار بالعين التي وقعت الخلطة فيها، ولا يجمع الملك المنفرد إلى مال الخلطة.
والقول الثاني- أن الملك المنفرد مضموم إلى المختلط، والعبارة عن هذا القول أن الخلطة خلطة ملك، وبيان القولين يتضح بالتصوير والتفريع.
1901- فإذا كان لرجل ستون من الغنم، ولآخر عشرون، فخلط صاحبُ الستين عشرين بالعشرين لصاحب العشرين، وانفرد بأربعين، ونفرض اتفاق الحول، حتى لا نقع في التفاصيل المقدمة، ففي قولٍ نقول: الخلطة خلطة ملك، فنضم جميعَ أملاك الخليطين، وهو ثمانون شاة، فالواجب فيها شاة، ربعها على صاحب العشرين، وثلاثة أرباعها على صاحب الستين.
وفي قولٍ نقول: الخلطةُ خلطة عين، فالذي كل ماله مختلط وهو صاحب العشرين، فيعتبر في حقه عين ما وقعت الخلطة فيه، ولا يعتبر ما انفرد به خليطه في حسابه، وهو قد خالط عشرين بعشرين، فلزمه بهذا الحساب نصفُ شاة.
فأما صاحب الستين فبعض ماله مختلط، وبعضه منفرد. والتفريع على أن الخلطة خلطة عين، ففيما يجب على صاحب الستين في هذا القول أربعة أوجه، يجمعها وجهان أولاً، ثم يتفرع كل واحد إلى وجهين.
نقول: اختلف أئمتنا في أنا هل نجمع في صاحب الستين بين حكم الانفراد والخلطة أم لا؟ وفيه وجهان:
أحدهما: أنا لا نُثبت في حقه إلا أحد الحكمين؛ فإن الجمع بينهما مع اتحاد الملك تناقض.
والثاني: أنا نجمع بينهما لاجتماعهما في ملكه.
التفريع على الوجهين: إن قلنا: لا نجمع، فقد اختلف الأئمة على هذا الوجه، فمنهم من قال: يغلّب حكم الانفراد، ويجعل كأنه انفرد بستين من الغنم، فيلزمه شاة واحدة في المختلط والمنفرد، وهذا كما أنا نغلب حكم الانفراد إذا جرى في حولٍ انفراد واختلاط.
هذا ظاهر المذهب.
ومن أئمتنا من قال: نغلّب حكم الخُلطة؛ لأن الخلطة متحققة في بعض ماله، وماله الذي انفرد به منضمٌّ إلى ما وقعت الخلطة فيه، فارتباط الملك أجمع من خلطة الجوار، فعلى هذا نجعل كأن كلَّ الملك مختلط في حقه، ولو كان كذلك، لوجب في الجملة شاة، ويخص صاحب الستين منها ثلاثة أرباعها، فعليه ثلاثة أرباع شاة.
وهذا تفريع على أحد الوجهين، وهو أنا لا نجمع بين حكم الانفراد والخلطة.
فأما إذا قلنا: نجمع في حقّه بين الأمرين، ففي كيفية ذلك وجهان:
أحدهما: أنا نوجب في المنفرد بحسابه وفي المختلط بحسابه. وبيانه أنه قد انفرد بأربعين، فجعل كأنه انفرد بالستين، فنقدر فيه شاة، ففي الأربعين منها ثلثا شاة، ثم نعود، فنقدر كأن الستين مختلطة بالعشرين، والمجموع ثمانون، ففيها شاة فيخص العشرين منها ربع شاة، فيضم ذلك إلى ما أوجبناه في الأربعين بحساب الانفراد وهو ثلثا شاة، فالمجموع خمسة أسداس ونصف سدس.
والوجه الثاني- أنا نوجب فيما انفرد به بتقدير انفراده بجميع ماله، كما تقدم، فيلزمه فيه ثلثا شاة، كما تقدم، فأما ما خالط به، فنوجب عليه فيه مثلَ ما نوجبه على خليطه، وقد ذكرنا أنه يجب على خليطه نصف شاة، فكذلك يجب عليه نصف شاة، فنضمه إلى ثلثي شاة الذي أوجبناه في الأربعين المنفردة، فالمجموع شاة وسدس شاة.
فهذا بيان الأوجه.
وذكر بعض الأصحاب وجهاً بعيداً نذكره الآن في هذه الصورة، ولا نعود إليه، وذلك أنه قال: نجعل كأنه انفرد بالأربعين لا مال له غيره، ففيه شاة، ونجعل كأنه خالط بعشرين ولا مال له غيره، فيجب عليه فيه نصف شاة، والمجموع شاة ونصف.
وهذا مزيف مطَّرح، وفيه قطع ارتباط الملك بالكلية، ولا سبيل إلى ذلك.
1902- صورة أخرى: إذا ملك رجلان مائةً وعشرين من الغنم، لكل واحدٍ ستون، فخلطا عشرين بعشرين، وانفرد كل واحدٍ بأربعين، فقد اشتركا في الخُلطة، ولكل واحد منهما انفراد بمالٍ، وليس كالصورة الأولى؛ فإنه انفرد أحدهما دون الثاني، فهذه الصورة نفرعها على أن الخلطة خلطة ملك، أو خلطة عين؟
فإن قلنا: الخلطة خلطة ملك، فنجعل كأن الكل مختلط، ولو كان كذلك، لوجب في الجميع شاة واحدة: على كل واحدٍ نصف شاة.
وإن قلنا: الخلطة خلطة عين، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين: منهم من قال: لا نجمع بين الانفراد والخلطة، بل نثبت أحدهما.
ومنهم من قال: نجمع بين الأمرين في حق كل واحد منهما.
فإن قلنا: لا نجمع، فقد اختلف أئمتنا، فمنهم من قال نغلّب الانفراد، فنجعل كأن كل واحد انفرد بالستين؛ فعلى كل واحد منهما شاة، ومنهم من غلّب الخلطة، وجعل كأن جميع المال مختلط، فعلى كل واحد منهما نصف شاة.
فأما من يجمع بين الأمرين، ففي كيفية ذلك وجهان: من أصحابنا من قال: نجعل كأن كلَّ واحدٍ منفرد بالستين، ففيها على هذا التقدير شاةٌ، يخص الأربعين منها ثلثا شاة، ثم نرجع، فنقول: نجعل كأنه خلط ستينه بالعشرين، فيجب في الجملة على هذا التقدير شاة، ويخص عشرين منها ربع شاة.
هذا حساب الخلطة، والذي تقدم حساب الانفراد، فنضم الربع إلى الثلثين، والمجموع خمسة أسداس ونصف سدس. وكذلك القول في حق الآخر.
ومن أصحابنا من قال: أما حساب الانفراد، فكما ذكرناه، ففي الأربعين ثلثا شاة، وأما مال الخلطة، فنجعل كأنه لا تعلق له بالمال المنفرد، فيجب في الأربعين شاة، نصفها على كل واحد منهما، فنضمه إلى ما وجب بحساب الانفراد، فالمجموع على كل واحد شاة، وسدس شاة.
هذا بيان المذهب في هذه الصورة.
1903- صورة أخرى: إذا ملك رجل أربعين من الغنم، فخلط عشرين منها بعشرين لرجل لا يملك غيرها، وخلط العشرين الأخرى بعشرين لرجل آخر، لا يملك غيرها، فهذا أغمض ما نفرع على هذه القاعدة.
فنفرع هذه الصورة على قولي الملك والعين، فنقول: إن قلنا: الخلطة خلطة ملك، فأما من خالط الرجلين، فجميع الأملاك في حقه مجموع؛ فإنه خالط الرجلين، فنقول: جميع الأموال ثمانون وواجبها شاة، فيلزمه بهذا الحساب نصف شاة، وأما كل واحد من خليطه، فماله مضموم إلى جميع خليطيه وهو أربعون، وهل نضمه إلى مال خليط خليطيه؟، فعلى وجهين:
أحدهما: أنا نضمه إلى جميع مال خليطه فحسب، ولا نضمه إلى مال خليط الخليط، فيجتمع في حق كل واحد ستون، عشرون له وأربعون لخليطه، فواجبه شاة ويخصه منها ثلث شاة.
والوجه الثاني- أنا نضمه إلى جميع مال الخليط، وإلى مال خليط الخليط، فمجموع المال ثمانون، وواجبه على هذا التقدير شاة، فيخص العشرين ربع شاة.
فهذا تفريع على قولنا الخلطة خلطة ملك.
فأما إذا قلنا: الخلطة خلطة عين، فنقول: في الخليطين، كل واحد منهما لا يملك إلا عشرين، وليس له مال ينفرد به، وقد خلط عشرينه بعشرين، فيعتبر في حق كل واحد منهما حساب الأربعين، ويجب نصف شاة في عشرينه.
فأما مالك الأربعين، فقد خالط رجلين، ولم ينفرد بشيء من ماله، ولكنه خالط رجلين، فإن قلنا: نغلب حكم الانفراد، فهو غير منفرد بشيء من ماله، ولكن ما جرد الخلطةَ مع واحد، فنجعله كما لو انفرد بأربعين، ولم يخالط أحداً، فيلزمه شاة، وكأنا نبطل الخلطة لانقسامها، ولا نثبت لها في حقه أثراً. وهذا الوجه بعيد في هذه الصورة.
وإن غلبنا الخلطة وحذفنا الانفراد، وهو الأصح في هذه الحالة، فنجعل كأنه خالط أربعين بأربعين، فيلزمه نصف شاة.
وإن قلنا نجمع الحكمين، فنقدر جميع ماله مع كل واحد منهما، ونعرف نسبته فنقول: لو كان جميع ماله مع هذا، لكان ماله ومال خليطه ستين، وواجبه شاة، وحصة الأربعين ثلثا شاة، فحصة كل عشرين من ماله ثلث شاة، ويجتمع ثلثا شاة من الخليطين.
ومن أصحابنا من قال: نوجب عليه فيما خلطه بنسبة ما نوجب على خليطه، وقد أوجبنا على كل خليط على قول العين، نصف شاة، فنوجب عليه نصف شاة مع هذا، ونصف شاة مع هذا، فتعود الوجوه إلى ثلاثة.
والذي يقتضيه الرأي عندي أن نحذف ما حكيناه من تغليب الانفراد؛ فإن حاصله إيجابُ شاة، وقد جرى ذكر هذا الوجه آخراً، فليقع الاكتفاء بذلك، ويسقط تغليب الانفراد؛ فإنه لا انفراد بشيء وإنما يتجه التغليب إذا جرى الخلطُ في بعض المال دون البعض، ولم يجر في الصورة التي ذكرناها انفراده بشيء من المال أصلاً؛ فلا معنى لما ذكر من تغليب الانفراد، وإبطال الخلطة تكلّفٌ لا وجه له، فقد اتجه إيجابُ شاةٍ، من جهة إلزامنا له بحساب ما يلزم خليطه، وهذا متجه مفهوم على هذه الطريقة؛ فليقع الاكتفاء به.
1904- صورة أخرى: ملك رجل خمسة وعشرين من الإبل، وملك خمسةُ نفر مثلَ ذلك، خمسةً خمسةً، فخالط صاحبُ الخمسةِ والعشرين، كلَّ واحدٍ من هؤلاء بخمسة خمسة، فإن قلنا: الخلطة خلطة ملك، فنوجب على مالك الخمسة والعشرين نصفَ حِقّة، ونجعل كأن كل الأموال في حقه مجتمعة. وأما في حق كل واحد منهم، فوجهان:
أحدهما: أنا نضم مالَه إلى جميع مال خليطه فحسب، وهو خمسة وعشرون، فالمجموع في حق كل واحد ثلاثون، وواجبه بنت مخاض، فيخص الخمسة سدسُ بنت مخاض.
والوجه الثاني- أنا نضم خمسة كل واحد إلى جميع مال خليطه، وإلى أموال خلطاء خليطه، فعلى هذا نجمع الأموال كلها في حق جميع الخلطاء، فنحسب من خمسين، وواجبه حقّة، فالواجب في كلِّ خمسةٍ عشرُ حِقّة.
فأما إذا فرعنا على قول العين، فنعتبر في حق صاحب كل خمسة ما جرت خلطته معه، وهو عشرة، فيجب في كل خمسة شاة.
فأما مالك الخمسة والعشرين، فيجري فيه ما تقدم؛ فإن غلَّبنا الخلطة، فنجعل كأنه خالط بخمسة وعشرين خمسة وعشرين، فنوجب عليه نصف حقة.
وقال بعض الأصحاب: نبطل الخلطة، ونغلّب الانفراد، فيجب عليه في الخمسة والعشرين بنتُ مخاض، وهذا ضعيف لما تقدم في الصورة الأولى.
وأما من يجمع بين الاعتبارين، فوجهان:
أحدهما: أنا نضم جميع ماله تقديراً إلى كل خمسةٍ، ويعتبر هذا الحساب، ثم يثبت في الخمسة التي خلطها ما يخصها. ولو خلط خمسة وعشرين بخمسة، لكان واجب المال على هذا التقدير بنتَ مخاض، ففي الخمسة والعشرين خمسة أسداس بنت مخاض، فيخص الخمسة سدس بنت مخاض، ثم يجتمع في الجميع على هذا التقدير خمسةُ أسداسٍ من بنت مخاض.
والوجه الثاني- أنا نوجب عليه في كل خمسةٍ خلطها بحساب ما أوجبنا على خليطه. وقد أوجبنا على قول العين على كل خليطٍ شاةً، فنوجب في كل خمسة شاةً، فيجتمع عليه خمسُ شياه، وهذا لا يوافق حكمُه ما تقدم من إبطال الخلطة وإثباتِ حكم الانفراد.
ومما تتعين الإحاطة به أن الخلطة في قاعدة الباب لما خففت المؤنة، صيرت المالَيْن كمالٍ واحد، والخلطة في هذه الصورة ونظائرها تفريق ماله، والتفريق يُكثر المؤنة، فهذه الخلطة أثبتت حكمَ التفريق في ملكه، وإن كان الملك جامعاً، ولكن إبطال الخلطة قبيح، بل الوجه تفريق ماله لموافقة خلطائه، وهذا يُفضي إلى ما ذكرناه. فليفهم الناظر ما ينتهى إليه.
1905- صورةُ مسألة ابن الحداد في ذلك: إذا ملك عشراً من الإبل، وخلط خمساً منها بخمسةَ عشرَ لرجل، يملك خمسة عشر لا غير، وخلط الخمسة الأخرى بخمسةَ عشرَ لرجل آخر، على حسب ما ذكرناه في الخمسة الأولى.
فإن فرعنا على قول الملك، فأما صاحب العشرة، فجميع المال في حقه مجموع، وهو أربعون من الإبل، فيجب على مالك العشرة بهذا الحساب ربع بنت لبون، فأما القول في خليطه على قول الملك، فعلى الخلاف: ففي وجهٍ نضم الخمسة عشر لكل واحد إلى جميع مال خليطه فحسب، وهو عشرة، ونوجب عليه بهذا الحساب ثلاثةَ أخماس بنت مخاض. وفي وجه نضم خمسةَ عشرَ إلى جميع مال الخليط، وإلى مال خليط الخليط، فنجمع الأربعين في حق كل واحد منهما، وواجبها بنت لبون، فيخص كل خمسةَ عشرَ ثلاثة أثمان بنت لبون.
وإن فرعنا على قول العين، فيجب على كل واحدٍ من الخليطين في خمسةَ عشرَ ثلاثُ شياه، بحساب ما جرت الخلطة فيه عيناً.
فأما صاحب العشرة؛ فإن غلّبنا في حقه أحدَ الحكمين، فيعود الوجه الضعيف والآخر. فقال قائلون: في وجهٍ نبطل الخلطة، ونجعله منفرداً بالعشرة؛ فيلزمه فيها شاتان. وفي وجهٍ نقول: التغليب للخلطة؛ فنجعله مخالطاً للجميع، وماله مع مال خليطه أربعون، فواجب العشرة ربع بنت لبون.
وهذا الذي أجاب به ابن الحداد؛ فإنه قال: على صاحب العشرة ربع بنت لبون، وفي كل خمسةَ عشرَ ثلاثُ شياه، فوقع تفريعه على هذا الوجه من قول خلطة الغير.
وإن قلنا: يثبت الأمران، فينقدح وجهان:
أحدهما: أنا نضم عشرته تقديراً إلى كل خمسةَ عشرَ، فنوجب فيها خمسي بنت مخاض، فيجتمع من التقديرين خُمسا بنت مخاض.
والوجه الثاني- أنا نوجب عليه بالنسبة التي نوجبها على خليطه، وقد أوجبنا على كل خليط بحساب ما وقعت الخلطة في عينه، فعلى هذا نوجب على صاحب العشرة شاتين، كما أوجبنا على كل خليطٍ ثلاثَ شياه. وهذا يوافق ما قدمناه من إبطال الخلطة. ولكن هذا الحكم على هذا التقدير أحسن من المصير إلى إبطال الخلطة مع قيامها.
فهذا بيان هذا الأصل. ولا يخفى بعد هذه الصورة شيء على الفطن. إن شاء الله تعالى.
فرع:
1906- إذا ملك الرجل خمسةً وستين من الغنم، وملك رجل آخر خمسة عشر، فخلط خمسةَ عشرَ من ملكه بالخمسةَ عشرَ لصاحبه، وانفرد بالخمسين، فالقدر الذي جرت الخلطة فيه ليس بالغاً نصاباً، فإن قلنا: الخلطة خلطة عين، فوجود هذه الخلطة وعدمها بمنزلةٍ؛ فإن المعول في هذا القول على ما وقعت الخلطة فيه، وهو ناقص عن الحساب، فعلى صاحب الخمس والستين شاة، وليس على صاحب الخمسةَ عشرَ شيء.
وإن قلنا: الخلطة خلطةُ ملك، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أنه لا حكم لهذه الخلطة، فإنا إنما نُتبع الملكَ المنفردَ الخُلطةَ إذا جرَت الخلطةُ في نصاب، فإذا لم يبلغ ما جرى فيه الخلطةُ نصاباً، لم يكن للخلطة حكمٌ.
والوجه الثاني- أنا نثبت حكم الخلطة، ونجعل كأن الخمسين مضمومة إلى الثلاثين المختلطة، والمجموع ثمانون، وواجبها شاة، يجب ستة أثمان ونصف على صاحب الخمس والستين، ويجب ثمن ونصفُ ثمن على مالك الخمسة عشر.
وعلى هذا وقياسه فليعتبر المعتبر.