فصل: باب: صدقة الزروع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: صدقة الزروع:

"ذكر الشافعي رحمه الله في قوله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141... إلى آخره].
2043- قد تقدم الكلام فيما يتعلق العشر به من الزروع، والتفريع على الجديد، ولا عود إلى القديم، وكل قول قديم عندي مرجوعٌ عنه، غيرُ معدود من المذهب.
ومقصود الباب أن أجناس الحبوب إذا اختلفت، لم تضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فلا تُضمُّ حنطة إلى شعير، ولا خفاء بما يختلف، وإنما ننصُّ على مأخذٍ يخفى، فالعَلَسُ نوع من الحنطة مضموم إلى كل نوع، وقيل هو حنطةٌ بالشام، حبّتان منه في كِمامٍ واحد في السنبلة. هذا متفق عليه.
فأما السُّلْت، فقد اضطربت الطرق فيه، فقيل: إنه على صورة الشعير، ولكن لا قشر له، وطبعه طبعُ الحنطة إلى الحرارة، كذا قاله الصيدلاني.
وقد اختلف أصحابنا فيه، فذكر شيخنا أبو علي في شرح التلخيص أوجهاً عن صاحب التقريب، قد رأيتها في كتابه: أحدها: أنه مضموم إلى الشعير، وهو ما يقطع به شيخي نظراً إلى تقارب الصورة.
والثاني: أنه مضموم إلى الحنطة، لأنه يسد مسدها.
والثالث: وهو الذي قطع به الصيدلاني أنه أصل بنفسه، لا يضم إلى الحنطة، ولا إلى الشعير. ولكن إن بلغ في نفسه خمسة أوسق، وجب العشرُ فيه. وما أرى السُّلتَ النوع الذي يسمى بالفارسية (ترشرجو)؛ فإنه شعير على التحقيق، قد تَضْرَس منه البهيمة، وليس في معنى الحنطة. وما عندي أن السُّلتَ المذكور في الكتب موجودٌ في هذه الديار.
2044- ثم أخذ الشافعي في الاعتراض على مالك حيث رأى ضم ما سوى الشعير والحنطة بعضه إلى بعض، وما سواهما من الحبوب: كالباقلاء، والحِمّص، والعدس، وغيرها. مما يقوت يسمى القِطْنية.
وقال الشيخ أبو علي: إن ضممنا السُّلتَ إلى الحنطة، فلا يجوز بيعُه بها متفاضلاً، وإن ضممناه إلى الشعير، لم يجز بيعه به متفاضلاً، وإن قلنا: إنه أصل بنفسه، فيجوز بيعه بالحنطة، والشعير، جميعا متفاضلاً، ولا شك فيما قاله.
فصل:
قال: "ولا تؤخذ زكاة شيء مما يَيْبَس ويداس... إلى آخره"
2045- العشرُ إنما يخرج من الحبوب إذا يبست، وديست، ونُقَيت؛ فإنها عند ذلك توسق، ثم قال: "وهذا كما أن العشر لا يؤخذ من الرطب ولا من العنب، حتى يصير تمراً وزبيباً، فلو أخذ الساعي عشرَ الرطب والعنب، وكانا يقبلان التجفيف فالمؤدَّى لا يقع عن الفرض، وعلى الساعي أن يرده، ويطلب حقَّ المساكين تمراً وزبيباً، ولو تلف في يده، يضمن قيمته للمالك"، وهذا واضح فيما ينتهي إلى التمر والزبيب.
فأما ما لا يتأتى منه التمر والزبيب ولو جَفَّا، فسدا، فحكم الزكاة الأخذُ منه، فإنه المنتهى، وليس يُرقب فيه جفاف، ولكن لو أخذ الساعي العشر، كان ذلك قسمةً في الرطب، وقد ذكرنا أن قسمة الرطب قد لا تصح.
والتفصيل فيه: أنّا إذا قلنا: القسمة إفراز حق، فيجوز ذلك، والوجه إخراج العشر منه. وإن قلنا: القسمة بيعٌ، ففي بيع ما لا يقبل الجفاف بمثله خلاف، وإن جوزنا البيعَ، جازت القسمة، وإن لم نجوز البيعَ، فقد تقدم التفصيل في القسمة فيما تقدم، حيث ذكرنا جداد الثمرة التي أصابها عطش.
فإذا كان جنس الرطب بحيث لا يجفف، فهو بمثابة ما لو صار كذلك بآفةٍ وعطش.
وفي ذلك عندي بقيةُ نظر: وذلك أنا إذا قلنا: لا يستحق المساكين جزءاً من المال، فليس تسليم جزء إلى الساعي قسمةَ عندي، بل هو أداء حق المساكين، سِيما إذا غلَّبنا الذمةَ، والتعلقَ بها، فلا يؤثِّر الإشكال في القسمة إلا على قولنا: إن المساكين يستحقون جزءاً من المال. وهذا مما يجب التنبّه له، وهو الذي وعدناه في آخر فصل العطش. والله المستعان.

.باب: الزروع في الأوقات:

قال الشافعي: "الذرة تزرع مرة، فتحصد... إلى آخره".
2046- هذا اللفظ الذي صدر الشافعي البابَ به، قد اختلف الأصحاب في معناه. ونحن نذكر أصلاً في الزروع، ثم نعود إلى بيان قول الأصحاب في معنى كلام الشافعي؛ فنقول:
من زرع زرعاً وحصده، ثم ابتدأ زرعاً من ذلك الجنس بعد حصاد الأول، فإذا أدرك الزرعُ الثاني، فهل يُضم إلى الزرع الأول في تكميل النصاب، أم يفرد كل زرع بنفسه؟
2047- أولاً نجدد العهد بما تقدم ذكره في ثمار الأشجار، فنقول: لم يختلف الأئمة في أن النخلة إذا أثمرت وجُدّت ثمرتُها، ثم إنها أطلعت مرة أخرى، فأثمرت، فلا تضم الثمرةُ الثانية إلى الأولى، وإن وقعت الثمرة في أقل من مدة سنة. هذا لا خلاف فيه. وكذلك لو أثمرت نخلةٌ وجدّت، ثم أطلعت نخلةٌ أخرى بعد جِداد الأولى، وإن جرى الأمران في سنة واحدة، فلا تضم ثمرةُ النخلة الثانية إلى ثمرة النخلة الأولى، وقد سبق هذا.
2048- فإذا تجدد العهد بما ذكرناه في ثمار الأشجار، خُضنا في الزروع، فنقول: إذا اتفق وقت الزراعة ووقت الإدراك، واتحد الجنسُ، فلا شك أن بعض الزروع مضموم في النصاب إلى البعض، اتصلت المزارع أو تباعدت.
فأما إذا اختلفت تواريخ الزراعة، واختلفت أوقات الإدراك، فهل يضم بعضها إلى بعض؟ نص الشافعي على خمسة أقوالٍ ذكر أربعةً منها وِلاءً. وذكر قولاً خامساً في الكبير، فنذكر الأقوال الأربعة المنصوص عليها هاهنا، ثم نذكر القول الخامس، ثم نُعقب ذكر الأقوال بتفصيل الصور، وتمييز مواضع الوفاق، عن مواضع الخلاف.
فالقول الأول- أن من زرع زرعاً وحصده ثم ابتدأ زرعاً آخر وحصده، فلا يضم أحد الزرعين إلى الآخر، وإن اجتمع الزرعان، والحصادان في سنة واحدة، ويتنزل الزرعان منزلة حَملين لشجرة واحدة، يقع طلع إحداهما بعد جداد الآخر.
والقول الثاني- أنه إن وقع البذاران، والحصادان في سنة واحدة، فأحدهما مضموم إلى الثاني، وذلك بأن يكون ما بين الزراعة الأولى وبين الحصاد الآخر أقل من سنة عربية؛ فالبعض مضمومٌ إلى البعض؛ فإن هذه الزروع تقدر مع سنة، وإن كان بين الزراعة الأولى وبين الحصاد من الزرع الثاني سنةٌ، فصاعداً، فقد وقع الحصاد بعد انقضاء السنة، فلا يضم الزرع الثاني إلى الأول إذا فرضنا الكلام في زرعين.
والقول الثالث: أن النظر إلى البَذْر، ولا اعتبار بالحصد، فإذا كان بين الزراعة الأولى والثانية أقل من سنة عربية، فالزرع مضمومٌ إلى الزرع، وإن وقع أحد الحصدين وراء السنة من تاريخ الزراعة، ووجه ذلك أن الذي يتعلق بالاختيار والفعل الزراعة، والحصد لا اختيار في دخول وقته، وهو مختلف على حسب اختلاف الأهوية.
القول الرابع- أن الاعتبار بالحصد؛ فهذا منتهى الأمر، وفيه استقرار الواجب، فإن وقع الحصدان في سنةٍ، وكان الزمان المتخلل بينهما أقلَّ من سنة عربية، فأحدهما مضموم إلى الثاني، ولا نظر إلى الزراعة، وإن كان بين الحصدين سنة، فلا يُضم أحدهما إلى الثاني.
فهذا بيان الأقوال الأربعة المذكورة هاهنا.
ونصَّ عَلى قولٍ خامس في الكبير، فقال: إن وقع البذران في سنة، أو وقع الحَصْدان في سنة، فأحدهما مضمومٌ إلى الثاني.
وهذا بعيد جداً، ويلزم فيه ألا يفرض زرعان على الاعتياد في سنتين، إلا ويضم أحدهما إلى الثاني، فإن زرع سنةٍ، إذا حصد فتمضي أشهرٌ، ويُبْتَدأ الزرع الآخر لا محالة، فلا يقع بين الحصاد والزراعة-إذا لم تعطل السنة- سنةٌ كاملةٌ.
فهذا بيان الأقوال وحكايتها.
2049- وتمام البيان يحصل بما نذكره الآن.
فالصورة التي تجتمع فيها الأقوال: أن يُزرعَ زرعٌ ويحصد، ثم يُزرع زرعٌ آخر، فتجتمع الأقوال التي ذكرناها.
ويتعين في هذا المقامِ التنبّه لشيء، وهو أنا حكينا الوفاق بين الأصحاب في أن حمل نخلة لا يضم إلى حمل تلك النخلة بعينها، إذا اتفق حملان في سنة، وكذلك أجمع الأصحاب أن نخلةً لو أطلعت بعد جداد ثمرة نخلةٍ، فلا ضم. والزرع في هذه الصورة على الأقوال، والفرق يرجع إلى العادة؛ فإن توجيه هذه الأقوال يرجع إلى المناقشة في حكم العادة، وإلا فالأصل المتبع أن ما يُعدّ رَيْع سنة فالأصل فيه الضم. ثم اختلاف تاريخ الزراعات معتاد مطرد، وكذلك اختلاف أوقات الإدراك معتاد غير مستبعد، فأما تعدّدُ حملِ نخلةٍ بعد جداد الأخرى، فمقدّرٌ غير واقع، أو نادرٌ في الوقوع؛ فلذلك اتفق الأئمة على أن لا ضم؛ فإن النادر بعيدٌ عن التوقع، وواقعُه غير معدود من الريع المتوقع في السنة الواحدة؛ فهذا هو الذي أوجب الوفاق في إحدى القاعدتين، والاختلافَ في الأخرى.
وقد تنجز القول في صورةٍ تجري فيها الأقوال في الزروع.
2050- ولو اختلفت الزراعات في الأوقات، ولكن سبب التفاوت الضرورةُ في تدريج الزراعة، كالذي يبتدىء الزراعة في مبتدأ شهر، ثم لا يزال يواصل إلى شهرين، على حسب الإمكان، فهذه الزروع تعدّ زرعاً واحداً، بلا خلاف؛ فإن الزرع الواحد هكذا يفرض، وإذا كان منشأُ الخلاف من تردد أهل العادة إذا روجعوا، فحيث يتفق أهل العادة يزول الاختلاف، ثم إذا تواصلت الزراعة، فيقع إدراك الجميع في أزمنةٍ متقاربة، حتى إذا كان بين الزرع الأول والزرع الأخير شهران، فإنهما قد يدركان معاً، وقد يقع بين الإدراكين أيام معدودة، لا مبالاة بها.
وإذا اتفق الزرعان معاً أو على التواصل كما ذكرناه، ولكن اتفق إدراك أحدهما والثاني بعدُ بَقْل، لم يبدُ فيه الاشتداد في الحب، فللأئمة طريقان في ذلك:
أحدهما: التخريج على الخلاف. وهذا بعيد.
والوجه القطع بالضم، والإلحاقُ في ذلك ظاهر، ولكنه مرتب على ما إذا حُصد زرع، ثم ابتدىء زرعٌ آخر، ولو زُرع زرع وبدا فيه اشتداد الحب فابتدىء زرعٌ آخر، فالصورة الأخيرة أولى بالضم.
2051- ونحن نعدّد الصور: فإن وقع زرع بعد حصدٍ، فالقولان.
وإن وقع زرع بعد بدوّ الاشتداد في الأول، فعلى الأقوال، مع ترتيبٍ.
وإن وقعت الزروع متواصلةَ، فسبق البعضُ بالإدراك، ولم يبدُ الاشتداد في البعض، فطريقان، والأصح القطع بالإلحاق والضم؛ فإن ذلك يُعدّ زرعاً واحد.
فإن قيل: إذا تأخر بدو الصلاح في بعض النخيل، فالموجود المطلَع مضموم إلى المزهي وفاقاً، وإن كان ثمار النخيل أبعد عن الضم. قلنا: لهذا قلنا: الوجه في الزروع القطع بالضم، ثم الفرق أن الذي تأخر عن الإدراك حشيش، وحق المساكين متعلق بالحبّ، ولم يخلق بعد، وثمار إحدى النخلتين وإن لم تزه، فالزكاة ستتعلق بعينها إذا تموّهت، فالعين موجودة، وإنما تخلّفت صفة، والصائر إلى الاختلاف في الصورة التي ذكرناها في الزروع آخراً أبو إسحاق المروزي، فلو أدركت قطعة والأخرى بدا فيها اشتداد الحب، وقد وقعت الزراعة على التواصل، فالضم بلا خلاف، ولو أدركت قطعة وقد بدا الحب في قطعة، ولم يبد التماسك والشدة بعدُ، فهذا الآن كثمرة مطلَعة مع أخرى مدركة، فليبتدر الناظر الصور؛ فإن مدار الفصل عليها.
2052- فإذا بان هذا الأصل في الزروع، عُدنا إلى شرح اللفظ الذي صدَّر الشافعي البابَ به. فقال: "الذرة تزرع مرة، فتحصد، ثم تستَخلِف، فتحصد مرة أخرى، فهو زرع واحد، وإن تأخرت حَصْدَتُه الأخرى" هذا كلامه. واختلف أئمتنا في الصورة التي أرادها الشافعي، فقال بعضهم: كلامه محمول على الذرة التي نسميها الهندبة إذا أخرجت سنابلها، فقطعت فتَشْعَب من أصولها أغصان وأخرجت سنابل، فالكل زرع واحد، والأخير مضموم إلى الأول.
ومنهم من قال: الصورة التي أرادها أن تتسنبل الذرة، فتشتد؛ فينتشر من سنابلها حبات، بتحريك الرياح، أو وقوع العصافير، فينبت منها زرع، فيُفرِك الأول، ثم يدرك الثاني من بعد.
ومنهم من قال: أراد إذا زرعت الذرة، فعلا بعضها، واحتوى على البعض، فبقيت الطاقات الصغار تحت الكبار مخضرة، فأدركت الطوال، ثم كبرت الصغار، وقد حُصدت الكبار.
فهذا بيان الصور.
2053- ونحن نذكر اختلاف الأصحاب في كل صورة من الصور: أما الأول إذا حصدت السنابل، ونبت بعد الحصد أغصان، ثم لحقت وأدركت، فللأصحاب ثلاثةُ أوجه في هذه الصورة: أحدها: أن الثاني لا يضم إلى الأول وجهاً واحداً، وهذا القائل يأبى حمل كلام الشافعي على هذه الصورة. ويقول: ما لحق في هذه الصورة ثانياً على صورة الحمل الثاني من الشجرة بعد جداد الحمل الأول، فالوجه القطع بأنه لا إلحاق.
ومن أصحابنا من قال: هذه الصورة بمثابة ما لو حُصد زرع، ثم زرع آخر، فيخرج على الأقوال. ولكن ثَمَّ في الأقوال انتظر ما بين الزرعين، وهاهنا ينتظر ما بين الزرع الأول ونبات الثاني.
ومن أصحابنا من قال: نضم الثاني إلى الأول قولاً واحداً في هذه الصورة، وهذا القائل يحتاج إلى فَرْقين:
أحدهما: بين الذرة والنخيل، والفرق أن النخلة ثابتة والأحمال رَيْعُها المتدارك، فكل رَيْع مفصول عما تقدمه، وعما يتأخر عنه، والذرة زرع، لا بقاء له، وإنما هو ريع واحد في نفسه، فإن تأخر بعضُه عُدّ كالشيء الواحد.
فهذا فرق.
والفرق الثاني- بين هذه الصورة وبينها إذا زرع زرع بعد حصادِ آخر، فنقول: هما زرعان، فَفُصِل أحدهما عن الآخر، والزرع واحد في مسألتنا، ولكن تفرق ريْعه؛ فيضم بعضه إلى البعض. فهذا بيان هذه الصورة.
وأما الصورة الثانية: وهي إذا تنثرت حبات، ففي هذه الصورة وجهان:
أحدهما: أن هذا كافتتاح زرع بعد إدراك زرع، فيخرج على الأقوال.
والثاني: أنا نضم هاهنا قولاً واحداً؛ فإن الثاني لم يقصد زراعته، ولكن اتفقت تبعاً للأول، فهو ملحق به، والجملة معدودة زرعاً واحداً.
فأما الصورة الثالثة وهي إذا كان بعض الطاقات كباراً، وبعضها صغاراً، فالذي قطع به جماهير الأصحاب الضمُّ، ولم يصر إلى الإفراد في هذه الصورة أحدٌ إلا أبو إسحاق المروزي، على ما تقدم شرح ذلك.

.باب: قدر الصدقة:

قال: "بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلى آخره".
2054- صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب فيما سقت السماء العشر، وفيما سُقي بنضح أو دالية نصفُ العشر واتفق الأئمة أن ما يسقيه نهرُ وادٍ، أو قناةٍ، فهو بمثابة ماء السماء، وإن كانت المؤن قد تكثر على القنوات، وتقرب من مؤنة النضح. والسقيُ بالدَّلو الذي ينتزحه النواضح، والناعور الذي يديره الماء بنفسه على وتيرة واحدة، فإن كلاهما تسبُّبٌ إلى النزح.
ثم القول في الثمار والزروع واحد.
ولو سُقي بالنهر مدة، وبالنضح مدة، وبني الأمر على هذا، ففي المسألة قولان- أحدهما- أن الاعتبار بالأغلب منهما؛ فإن غلب السقي بالنهر، فالواجب العشر، وإن غلب السقي بالنضح، فنصف العشر.
والقول الثاني- أنا نعتبرهما جميعاً، ونوجب بحساب العشر ونصف العشر، على ما يقتضيه التقسيط، حتى إن سقي نصف السقي بالنهر، ونصفه بالنضح، فنوجب نصف العشر، ونصف نصف العشر، والمجموع ثلاثة أرباع العشر.
وهذان القولان يقربان من اختلاف القول فيه إذا اختلفت أنواع النَّعَم، فيخرج الزكاة من الأعم، أو من كل بقسطه؟ فيه قولان.
2055- ثم الاعتبار في معرفة الأغلب، أو معرفة الأقدار ليجب في كلٍّ بقسطه بماذا؟ فعلى وجهين:
أحدهما: الاعتبار بعدد السقيات، فإذا وقعت سقيتان بالنهر وسقيةٌ بالنضح، فالغلبة على قول اعتبار الغلبة للنهر، وإن أوجبنا في كل بقسطه ضبطنا مقدار كل واحد كما سنصفه، وأوجبنا فيه بقسطه. واختلف أئمتنا في أن النظر إلى ماذا في اعتبار الأغلب أو في بيان المقدار للتقسيط، فمنهم من قال: الاعتبار بعدد السقيات، ولا يعتبر طول الزمان وقصره، ومنهم من قال: الاعتبار بما به نموُّ الزرع والثمر وبقاؤه، فإن جَرَتْ ثلاث سقيات في شهرين، وسقيةٌ واحدة في أربعة أشهر، فالذي وقع في الأربعة الأشهر أغلب.
وعبر بعض أئمتنا بعبارة أخرى، وهي قريبة مما ذكرناه آخراً، فقال: النظر إلى النفع، فإن كان نَفْعُ سَقْيةٍ واحدةٍ أكثر، وكانت أنجعَ من سقيات من جهةٍ أخرى، فالعبرة بالنفع. وهذا ينفصل عن الذي قبله بشيء، وهو أن القائل قبل هذا القول يعتبر المدة كما ذكرناه في الشهرين والأشهر. وهذا القائل الأخير لا ينظر. إلى المدة، وإنما ينظر إلى النفع الذي يحكم به أهل الخبرة والبصيرة.
ومما يتصل بما ذكرنا أنه إذا استوى السقي بالوجهين على الوجوه في الاعتبار والتفريع على التقسيط، فالأمر هينٌ بيّن، وإن فرعنا على الأغلب، وقد استوى الأمران، فللأصحاب وجهان:
أحدهما: أنا نوجب العشر نظراً للمساكين، وقال العراقيون: نرجع من قول التغليب إلى التقسيط؛ إذ ليس أحدهما أغلب من الثاني، وهذا منقدحٌ، فإن أشكل الأمر، فلم يُدر الأغلب أيهما، فقد حكي عن ابن سريج أنه قال: يُجعل كما لو استويا إذا تقابل الأمران، فكان ذلك كما لو صادفنا داراً في يد رجلين، فكل واحد منهما يدّعي أن جميع الدار له، فنحكم بأن يد كل واحد منهما ثابتةٌ على نصف الدار. ثم قد ذكرنا حكم الاستواء إذا تحقق، ولا وجه في حالة الإشكال إلا ما ذكروه عن ابن سريج. ومما يجب العلم به أنا إذا اعتبرنا السقيات، فلا شك أنا نراعي سقياً يفيد، فأما سقية لا تفيد أصلاً، فلا اعتبار بها، وكذلك إذا أضرت.
فرع:
2056- إذا كان بناء الزرع والنخيل على السَّيْحِ، والنهر، وماء السماء، فمسّت الحاجةُ إلى النضح، على الندور، فقد ذكر بعض أصحابنا في هذه الصورة أن الاعتبار بالسيح، والنضحُ مطَرحٌ، وهذا ضعيفٌ، لا أصل له. والصحيح أنه معتبر إذا جرى، ثم تفصيله ما ذكرناه.
2057- ومما يتعلق به تمامُ البيان أن التعويلَ لو كان على السَّيْح، فجرى السقيُ بالنضح، وقلّ قدرُه، فقد شُبّه ذلك بالعلف، إذا جرى نادراً في بعض السنة، حتى يقال: لا يُسقط حكمَ السوم، ولكن بين الأصلين فرقٌ وهو أنه إذا جرى العلف في نصف السنة، والسَّوْم في نصف السنة، فالمذهب المتبع سقوط السوم بالكلية، وفي النضح والسيح لا نقول هكذا؛ والسبب فيه أن في السيح والنضح جميعاً زكاة، وإنما الكلام في المقدار، فاتجه التوزيع، أو التغليب. والعلف موجَبه إسقاط الزكاة. على أنه كان من الممكن أن يسقط نصفُ الزكاة، ويجب نصفها نظراً إلى السَّوم والعلف ولكن لم يصر إلى هذا أحد، وقيل: كأن الزمان الماضي في العلف المعتبر غيرُ منقضٍ من الحول، بل قيل هو غير محسوب، وزمان السوم قبله يُحبَط ويُسقَط، حتى إذا جرى سَوْمٌ بعد العلف، استأنفنا الحول، وجعلنا تخلّل العلف المعتبر على التفصيل المقدم، كتخلّل زوال الملك، في أثناء الحول.
وما ذكرناه في هذا الفرع فيه، إذا كان البناء على السيح، فوقع النَّضح نادراً، أو كان البناء على النضح، فوقع السيح نادراً، فأما إذا كان البناء عليهما، فلا شك في اعتبارهما إما تغليباً، وإما تقسيطاً. واعتبار العلف والسوم جمعاً بين الإسقاط والإيجاب لا سبيل إليه. نعم. قد ذكرنا عن صاحب التقريب وجهاً غريباً في السوم أن الاعتبار بالغالب، وهو مزيّف كما تقدم.
فرع:
2058- إذا كان رُطبُه لا يقبل التجفيفَ، وإن جفف يفسد، وكذلك العنب، فقد سبق التفصيلُ في المأخوذ منه، والذي نذكره الآن أن الأئمة اختلفوا في كيفية الأوسق: فذهب بعضهم إلى أنا نقدر الجفاف على الفساد، فإن بلغ جافاً خمسةَ أوسق، أوجبنا العشر في المقدار الذي لو جف، لكان خمسة أوسق، وإن كان الرطب خمسة أوسق في نفسه، لم نوجب العشر.
ومن أئمتنا من قال: لا نقدر الجفاف-وهو الأصح- ولكنا نقول: إذا بلغ الرطب الذي وصفناه، أو العنب خمسةَ أوسق، وجب العشر، وإن كان جافاً لا يبلغ هذا المبلغ وينقص نقصاناً ظاهراً.
فصل:
قال: "وأخْذُ العُشر أن يكال للمالك... إلى آخره".
2059- سبيل إخراج العشر أن يكيل تسعة للمالك، وواحداً للمساكين، وتقع البداية بالمالك؛ فإن نصيبه أكثر، وبتسلّم حقِّه، يبين حقُّ المساكين. وإن كان الواجب نصفَ العشر، يكيل للمالك تسعةَ عشر، وللمساكين واحداً.
فصل:
قال: "وهكذا العشر مع خراج الأرض... إلى آخره".
2060- القول في الخراج يتعلق بالسِّير، والجزية. والخراج الثابت على أراضي العراق-من ضرب عمرَ رضي الله عنه- في حكم الأجرة عندنا في ظاهر المذهب، أو في حكم ثمن مؤجلٍ لرقاب الأراضي، وكيفما فرض العشرُ يثبت معه؛ فإن من استأجر أرضاً وزرعها؛ فإنه يؤدي الأجرةَ، ويلزمه العشر في زرعه، ْ خلافاً لأبي حنيفة.
2061- وأما الخراج الذي يضربه الإمام على أراضي الكفار، فهو جزية عندنا، يسقط بإسلام مالك الأرض، سقوط الجزية.
وفي بعض التصانيف أن الإمام لو رأى صرفَ العشر إلى خراجٍ يضربه على أراضي المسلمين، فاجتهاده فيه نافد عند أبي زيد المروزي، وهذا ساقط، غير معتد به.
وفساده واضح.