فصل: كتاب الحَجِّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.كتاب الحَجِّ:

.باب: بيان فرض الحج:

قال الشافعي: "فرض الله تعالى الحجَّ على كل حرٍّ بالغٍ، استطاع إليه سبيلاً... إلى آخره".
2419- قيل: "أول من حج البيت آدم عليه السلام". وقيل: "ما من نبي إلا وقد حج هذا البيت". وعن محمدِ بنِ إسحاق، أنه قال: "ما من نبي هلك قومُه، إلا انتقل بعدهم إلى مكة، يعبد الله سبحانه وتعالى، عند البيت، إلى أن أتاه أجله".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مرّ موسى بالروحاء في سبعين نبياً، عليهم العباء، يؤمُّون البيت العتيق، يلبون، وصفائح الروحاء تجاوبهم».
2420- ثم الحج لا يجب في الشرع إلاّ مرة واحدة؛ لحديث الأقرع بن حابس، قال: يا رسول الله أحجتنا لعامنا أم للأبد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «للأبد، ولو قلتُ لعامنا هذا، لوجب، ولو وجب، لم تطيقوا».
2421- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحج قبل الهجرة كل سنة، واختلف أصحابنا هل كان الحج واجباً قبل الهجرة؟منهم من قال: كان نزل وجوبه قبل الهجرة.
ومنهم من قال: بل بعد الهجرة، ويتصل بذلك حديث ضِمام بن ثعلبة، وكان ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافداً لقومه، فلما دخل المسجد قال: أيكم ابن عبد المطلب، فقالوا ذلك الأبيض المترفّق-وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على مرفقيه- فأتاه حتى وقف عليه، وقال: أنت ابن عبد المطلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجدتَه». فقال: إني سائلك، ومغلظٌ عليك، فلا تَجِدْ عليّ، ثم قال: أنشدك الله: آلله أرسلك رسولاً؟ قال: «اللهم نعم». قال: أنشدك الله آلله أمرك أن تأمرنا أن نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: «اللهم نعم». قال أنشدك الله: آلله أمرك أن تأمرنا أن نؤدي الزكاة، من أموالنا؟ قال: «اللهم نعم». قال: أنشدك الله: آلله أمرك أن تأمرنا أن نحج البيت إن استطعنا إليه سبيلاً؟ قال: «اللهم نعم». قال: أنشدك الله: آلله أمرك أن تأمرنا أن نصوم شهر رمضان؟ قال: «اللهم نعم». ثم أسلم، وحسن إسلامه، وروي أن هذا كان سنة خمسٍ من الهجرة.
فصل:
2422- الصفات المرعية في صحة الحج، ووقوعه عن فرض الإسلام، واستقرار فرضيته في الذمة: الإسلامُ، والعقل، والحرية، والبلوغ، والاستطاعة.
فأما شرط تصوّر الحج، فالإسلام المحض؛ فإن الصبي غيرَ المميز، يحج عنه وليه، كما سيأتي. وإن أردنا تصوير الحج من الشخص بأن يتعاطى الإحرامَ، فنضمُّ إلى الإسلام العقلَ، وهو الذي يسميه الفقهاء التمييزَ، في حق الصبي، ثم في استبداده، واشتراط صَدَر إحرامه عن إذن وليّه كلام سيأتي، إن شاء الله، عز وجل.
وأما الحرية والبلوغ، فمضمومان إلى ما قدمناه، في وقوع الحج، عن فرض الإسلام؛ فإن حج الصبي، والعبد، وإن صح، فلا يقع عن حجة الإسلام.
وأما الاستطاعة، فهي مضمومةٌ إلى الشرائط المتقدمة، في الحكم باستقرار فرائض الإسلام في الذمة.
2423- ومقصود الفصل تفصيل القول في الاستطاعة، وهي تنقسم إلى الاستطاعة في تولّي الحج، وتعاطيه بالنفس، وإلى الاستنابة.
فأما الاستطاعة في تعاطي الحج، فهي معتبرةٌ أولاً، بدليل الكتاب، والسنة، والإجماع: أما الكتاب، فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير الاستطاعة: «زادٌ وراحلة». ولا خلاف في اشتراط الاستطاعة.
ثم المتبع عندنا تفسيرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس على الأيّد، القادرِ على المشي أن يحج ماشياً، إذا بعدت المسافة، ولا نعتمد في ذلك مسلكاً معنوياً؛ فإن الضرر الذي يلحق القويَّ في المشي من خمسين فرسخاً، قد يقلّ، ويقصر عن الضرر الذي ينال الراكب الضعيف، بسبب الركوب، في المسافة الطويلة؛ فلْيقع التعويل على تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعةَ بالزاد والراحلة، في محاولة الرد على مالك في قوله: يجب المشيُ على القادر عليه.
وهذا مقامٌ لابد من التنبه له، في وضع الشرع؛ فإنا لا نستريب في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ذكر الزاد والراحلة، أراد بما ذكره ألا يُجَشّم الناسَ المشيَ، لما فيه من المشقة.
وهذا لا سبيل إلى إنكاره، ولكن لا استقلال بتقريره في مسالك الأقيسة، وإن تخيلناه على الجملة. ونظائر ذلك كثيرة. ولسنا لها الآن.
ويغلب في هذا الفن البناءُ على قاعدة الحسم؛ فإن المشي على الجملة ظاهرُ الضرار، ولا التفات إلى ما يندر ويشذ، بخلاف ضرر الركوب.
قال الأئمة: الزاد نفقةُ السفر في الذهاب، والإياب، فأهبة الذاهب، وأهبة المنقلِب زادُه، ولفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلق في ذكر الزاد، فإن كان للرجل أهل، شرطنا في الاستطاعة نفقةَ الذهاب، والإياب. وأهلُ الرجل: زوجةُ الرجل وأولادُه.
قال الصيدلاني: الأقارب من الأهل، المحارمُ منهم وغيرُ المحارم. وليس في الطرق ما يخالف قولَه والمرعي فيه، أنه يعظُم على الإنسان مفارقة ذويه وقراباته، كما يعظم عليه مفارقةُ زوجته، فاشتراط نفقة الإياب لذلك.
وإن لم يكن له أهل، على ما فسرناه، ففي اشتراط نفقة الإياب وجهان:
أحدهما: أنها لا تشترط؛ فإن البلاد متساويةٌ، في حق من لا أهل له.
والثاني: أنّا نشترط نفقة الإياب؛ لما في النفوس من الحنين إلى الأوطان. ولم يتعرض أحدٌ من الأصحاب، للمعارف والأصدقاء، كانوا، أو لم يكونوا؛ فإن الاستبدال عن الصديق ممكن، بخلاف الأهل؛ فإن الاستبدال فيه قد يعسر، ولا يفرض في القرابات إلاّ على بُعد.
2424- ثم لم يختلف الأئمة في أن قضاء الديون مقدَّمٌ على ما ذكرناه، من النفقة.
والقول في الفصل بين المؤجل والمعجل، سيأتي إن شاء الله تعالى.
وحسن الترتيب يقتضي استقصاء كل ما يتعلق بالفصل، ولكنَّا ملتزمون الجريَ على ترتيب السواد، فنكتفي بعقد التراجم، في بعض الأشياء المؤخرة، ونستقصي ما يتعلق بالترتيب استقصاؤه.
2425- ومما يتعلق بالمقصود، وهو مؤخر القول في صفة الطرق، في الأمن والخوف، والرخص والغلاء، والبر والبحر وكل ذلك يأتي مفصلاً في باب بعد ذلك.
2426- ولو كان لا يستمسك على الراحلة، ويستمسك في المحمل، فيشترط أن يجد مؤنة المحمل، ولو لم يجد شِقَّ مَحمِلٍ، بأن عَدِم من يشاركه، فلا استطاعة، وإن وجد مشاركاً، ثبتت الاستطاعة، ولو اتسعت ذاتُ يده لمحملٍ تام، ولكن يكتفى بشق محمل، فالزيادة من باب المؤنة المجحفة. وسنذكر شرح القول فيها، في الرخص والغلاء.
ولو كان استمساكه على الراحلة ممكناً، ولكنه كان يلقى ضرراً بيّناً، فإذا كان لا يجد إلا مؤنة راحلة، فكيف الوجه، فيما صورناه؟ كان شيخي يقول: إن كان بين تقدير ركوب الراحلة والمحمل من الضرر، ما بين أصل الركوب والمشي، فلا نجعله مستطيعاً، ما لم يجد مؤنةَ محمل. وذكر غيرُه-فيما بلغنا- ظهورَ خوف المرض، من تقدير ركوب الراحلة، والأمران قريبان، لا يؤديان إلى خلافٍ، فيما أظن.
2427- ثم ذكر العراقيون: أن مسكن الرجل غيرُ محسوب عليه، في استطاعته، والزاد مقدر بعد المسكن، وكذلك القول في العبد، يملكه الرجل، وهو محتاج إلى خدمته، كما سنذكره في الكفارات، ونزّلوا المسكنَ، والمملوكَ، الذي تمس الحاجةُ إلى خدمته، في الباب، منزلتهما في الكفارات المرتّبة، وسنذكر فيها إن شاء الله تعالى أن الخادمَ والمسكنَ غيرُ محسوبين، ولا ذكر لهذا في طرق المراوزة، ولكنه قياسهم.
ثم إذا فرض للرجل مسكنٌ، وقد تركناه عليه، فالوجه القطعُ في هذه الصورة، باشتراط نفقةِ الإياب، وتخصيص الوجهين بما إذا لم يكن له مسكنٌ مملوك. وإنما يجوز تقدير الحنين إلى البلد الذي هو وطنه، وفيما ذكرناه احتمال على بعد؛ فإن بيع الدار، وتقدير ابتياع مثلها، في بلدة أخرى ممكنٌ، والقول في ذلك يتعلق بالحنين إلى الوطن، هذا محتمل. والأظهر ما قدمناه.
2428- ومما ذكره العراقيون في هذا الفن أن الرجل إذا كان يتصرف في رأس المال، وكان جهةُ اكتسابه التجارةَ، فقد قالوا: نكلفه صرفَ رأس المال، إلى ديونه المحيطة به، ولا نخلّفه عليه، وحكَوْا عن ابن سُريج أنه قال: يُخَلّف عليه رأس ماله، الذي بالتجارة فيه يَتَبلّغ، ويَتَوصل إلى تحصيل قوته، في مستقبل الزمان، إذا كان لا يُحسن الاكتسابَ، إلاّ من هذه الجهة، كما نخلّف له دَسْت ثوبٍ يليق بمنصبه. ثم غلطوه وزيفوا مذهبَه، والأمر على ما ذكروه.
وبَنَوْا عليه أن رأس المال مصروفٌ في أهبة الحج، على المذهب الظاهر، وليس كالمسكن، والخادم، وحكَوْا فيه خلافَ ابن سريج. ولا شك، أن من يُخلِّف رأسَ المال عن ديون الآدميين، يخلِّفه عن أهبة الحج، ولا خلاف أن المسكنَ والعبدَ مصروفان إلى الديون، وإن لم يصرفا إلى أهبة الحج.
وفيما حكَوْه عن ابن سريج في الحج، من تخليف رأس المال احتمالٌ ظاهر؛ فإن تكليف الرجل الانسلاخَ، عن ذات يده، والألتحاقَ بالمساكين، فيه عُسر. على أن الظاهر أنه مصروف إلى الحج.
ثم القول في اعتبار رأس المال في الكفارات المرتبة، كالقول في الحج، بل الأمر في الكفارات أظهر؛ من جهة أن المبدل فيها إذا لم يتفق، فالبدل القائم مقامه لا يعطل الكفارة.
2429- وقال العراقيون: إن فضل شيء، ولكن كان الرجل يخاف العنت لو لم يتزوج، وكان على حالةٍ قد نبيح فيها للحر التزوج بالأمة، عند فقد طَوْل الحرة، فلا يلزمه أن يحج، بل نُسوِّغ له صرفَ ما يملكه إلى مؤونة التزويج؛ وذلك، لأنا إذا سوَّغنا إيثار تزوج الأمة، مع ما فيه من التسبب إلى إرقاق الولد، أشعر ذلك بأن محاذرة العنت مهم، والكاشف له أنه في حكم ضرورة ناجزةٍ، والحج وإن تحقق وجوبه، فهو على التراخي، وحكم ما يتنجز التقديمُ على ما يتراخى، فإذاً لا استطاعةَ، ولا وجوب.
وهذا الذي ذكروه قاطعين به قياسُ طرقنا، وإن لم نجده منصوصاً فيها.
2430- ومما يتعلق بتمام البيان في ذلك أنا لم نوجب المشيَ في المسافة الطويلة، وقد اعتبر الأئمة في الطُّول مسافة القصر، وقَضَوْا بأن ما ينحط عنها من المسافة يجب المشي فيها على القادر القوي، وإن كان على الماشي في المسافة القصيرة ضررٌ ظاهر، فالقول فيه كالقول في الراحلة والمَحْمِل، على ما تفصل.
ولو كان لا يتأتى المشي، ولكن قد نفرض الزحف في زمانٍ ممتد، فلا نوجب الزحفَ أصلاً. وهذا خارج على تحقق الضرر.
فهذا منتهى مقصودنا في أحد قسمي الاستطاعة، وهو استطاعة تعاطي الحج، وتولّيه.
2431- وأما القسم الثاني من الاستطاعة، فهو تحصيل الحج بطريق الاستنابة، فنقول- على الجملة: أولاً- العاجز عن التعاطي-كما سنصف العجز- إذا قدر على الاستنابة، لزمه تحصيل الحج بها، كما يلزم القادرَ على التعاطي تولِّي الحج، خلافاً لأبي حنيفة.
ثم شرطُ الاستنابة: صحةً، ثم وجوباً- أن يعجِز الرجل بزمانته، وعضَبه، عن تعاطي الحج بنفسه. فلو استناب قادرٌ على التعاطي، لم تصح الاستنابة، ولتكن الزمانة بحيث لا يرجى بظاهر الظن زوالُها.
ولم يجوّز مالكٌ الاستنابةَ في حالة الحياة؛ فإن أخبار الاستنابة، صادفها بعد الموت، واعتبر الشافعيُّ تحقُّقَ العجز في الحياة، بالعجز المترتب على الموت، وهذا إلى فقهٍ؛ فإن الحيّ هو المخاطب، والنيابة بعد موته في العبادة أبعدُ من النيابة في حياته، والخطابُ مستمر عليه.
ثم المعتبر في الاستنابةِ أحدُ شيئين: إما المالُ يبذله لمن يستأجره، وإما فرضُ بذل الطاعة من الغير، من غير مالٍ.
ونحن نذكر في كل قسمٍ ما يليق به:
2432- فأما الاستئجار، فإذا ملك أجرةَ أجيرٍ يحج عنه، وفضل ذلك عن ديونه، وعما نخلّفه له، لزم بذلُه، ولا نظر إلى إياب الأجير، وإنما المعتمد أجرتُه. وهذا لا خفاء به.
ولو وجد أجرة أجيرٍ ماشٍ، ولم يجد أجرة أجيرٍ راكب، ففي وجوب استئجار الماشي وجهان:
أحدهما: أنه يجب؛ فإن الفرق بين المشي والركوب إنما يتجه في حق الرجل نفسه؛ من جهة أنه لا يكلّف المشي، فأما الأجير إذا تَكَلَّفَه، والتزم تحصيلَ الحج، فاعتبار ضراره في حق مستأجِره بعيد. وهذا ظاهر المذهب.
والوجه الثاني- أنه لا يجب استئجاره، من جهة أن الماشي على غررٍ ظاهرٍ، وبذل المال في أجرته تغريرٌ بالمال، من غير ثقةٍ ظاهرة بتحصيل المقصود.
2433- ويتصل بهذا الموضوع سرٌّ في المذهب، يتضح به حقيقةُ الفصل، فإن قيل: لو كانت الأجرة مملوكةً، ولكن لو بذلها، كان فقيراً بعد بذلها، لا يجد ما ينفقه، فكيف الوجه في ذلك؟ قلنا: إن جرينا على ما حكاه العراقيون عن ابن سُريج، في تخليف رأس المال في قسم استطاعة مباشرة الحج، فلا شك أنا نرعى أن تكون الأجرةُ المبذولة زائدةً على ما يخلِّفه من بلاغ.
وإن قلنا: لا يُشترط ذلك في حق المباشرة، فلا شك أن نفقة المباشرة ذاهباً وآيباً، وما يتركه على أهله بلاغٌ له في الحال، فإن فرض انقطاعٌ، فهو بعد حصول الحج، فكأنا نقول: لا مبالاة بمسكنته بعد حصول الحج، وهذا الذي نقدره من المسكنة لا تحقيق له، فإن أبواب الرزق ليست منحسمة، والأموال تغدو وتروح، وقد تحقق في قسم المباشرة أن البلاع ناجزٌ، والمسكنةُ بعد حصول الحج ليست واقعةً لا محالة.
وإذا فرضنا القولَ في بذل الأجرة، فيتنجز ببذلها الفقرُ الناجز، وحصولُ الحج مرقوبٌ، فالحاجة متنجزةٌ، وحصول الحج غيبٌ، فكيف الوجه فيه، والحال كذلك؟
أما نفقة اليوم لابد منها، له ولأهله، فإنا نقدم هذا على ديون الغرماء، يوم صرف المال إليهم، وأما الزائد على نفقة اليوم، فظاهر الاحتمال.
وفيما نقله الصيدلاني، ما يدل على أنا لا نشترط أن يبقى له بلاغٌ، بعد بذل الأجرة. وفي لفظه تردُّدٌ؛ فإنه قال: إنه لا يشترط أن يكون له نفقته، ونفقةُ أهله إلى إياب الأجير، فيحتمل أنه يريد التعرض للنفقة في زمان تقدير انقلاب الأجير، ويحتمل أنه ليس يرعى النفقة أصلاً ما عدا نفقةَ اليوم، و المعتبر في الفطرة ما يفضل عن نفقة اليوم، و هذا هو المرعي في الكفارات المرتّبة، إن لم يشترط فيها تخليف رأس المال، كما قدمناه، وليست الفطرة والكفارة مشابهةً لما نحن فيه؛ فإن الفطرة تتأدى و الكفارة كذلك، والمالُ فيما انتهينا إليه مبذولٌ، والحج مرتقب، ولكن وجوب البذل على الجملة، هو الذي يجر الإشكال و هو كوجوب إخراج الفطرة.
فانتظم من مجموع ما ذكرناه-بعد النزول عن رأي ابن سريج- أنّ ما يحصِّل الغرضَ لا يعتبر فيه إلا نفقةُ اليوم، وما لا يحصل الغرض ناجزاً، ولكنه في أصل الشرع واجبٌ، فهو على التردد الظاهر.
ثم إن ملنا إلى تخليف نفقةٍ، فهي إلى حصول الحج، ولا شك أنا لا نزيد على هذا المنتهى.
وهذا في إحدى جهتي الاستنابة.
2434- فأما بذل الطاعة، فالولدُ إذا بذل الطاعةَ لأبيه المعضوب، لزمه استنابته؛ إذا كان ذا زادٍ وراحلة. وإن بذل الطاعة لأبيه على أن يمشي حاجاً عنه، ولم يملك الراحلة، ففي وجوب الاستنابة، والحالة هذه- وجهان: قدمنا نظيره في الأجير الماشي. وكان شيخي يرتب الخلاف في الابن على ما تقدم في الأجير، ويجعل هذه الصورةَ أولى بأن لا تجب الاستنابةُ فيها؛ فإنه قد يعظم على الأب مشيُ ولدِه، ولا يعز عليه مشيُ الأجير.
ولو أوجبنا الاستنابة، والابن ماشٍ، فهو فيه إذا كان يملك الزاد، فإن عوّل على كسبٍ في الطريق متيسر، فالخلاف قائم، مع ترتب، فإن المكاسب قد تنحسم في الأسفار.
وإن لم يكن ذا مالٍ ولا كسوباً، وعوّل على السؤال، فالخلاف قائم، مع الترتب.
وإن كان يحتاج إلى أن يركب مفازةً، لا ينفع في مثلها السؤال، ولا الكسب، فلا خلاف أنه لا يجب عليه الاستنابة، والحالة هذه؛ فإنه يحرم التغرير بالنفس على الابن، وإذا حرم عليه هذا، استحال وجوب استنابته، والحالة هذه.
2435- ولو بذل الابن للأب المعضوب مالاً يستأجر به، ففي وجوب قبول المال، وصرفه إلى تحصيل الحج وجهان مشهوران:
أحدهما: يجب القبول، كما يجب قبول الطاعة من الابن نفسه، إذا كان يباشر الحجَّ عن أبيه.
والثاني: لا يجب؛ فإن المنَة تثقل وتتجنب، في الأموال، وطاعة البدن في حكم الخدمة، ولا يثقل على الأب استخدام الابن.
وكان شيخي يتردد في بذل الابن ثمن الماء لأبيه، ويذكر من الخلاف في وجوب القبول، ما قدمناه، ولا فرق كما قال بينهما.
ولو بذل الأجنبي للمعضوب مالاً يستأجر به، فلا خلاف أنه لا يلزمه قبولُه، ولو بذل له الطاعةَ في الحج عنه بنفسه، ففي وجوب استنابته وجهان مشهوران، لا يخفى توجيههما، كما لا يخفى الفصل في الترتيب بين الأجنبي والولد.
وكان شيخي يقول: الأب إذا بذل الطاعة لولده، فهو كالأجنبي يبذل الطاعة للمعضوب؛ فإن خدمة الأب تثقل على الابن، فأما إذا بذل المالَ لولده، ففيه ترددٌ. يجوز أن يكون كبذل الأجنبي المال، ويجوز أن يكون كبذل الابن المالَ لأبيه، ولعل الأظهر هذا.
فهذا معاقد المذهب في الاستطاعة بالنفس، والاستنابة. وقد شذ عنها نوعان: أحدهما أخرناه لترتيب المختصر، والثاني نضبطه برسم فروع.
فرع:
2436- قد ذكرنا أن الاستنابة لا تصح إلاّ من معضوبٍ موصوف بزمانة، لا يُرجى زوالُها، في غالب الظن، فلو استأجر والحالة هذه، ثم استمر العضبُ حتى مات، وقع الحج موقعه.
ولو حج الأجير في قيامِ العضب، ثم اتفق زوالُ العضب-على ندورٍ-و الاستمكانُ من المباشرة، ففي المسألة قولان: أصحهما- أنا نتبين أن الحج غيرُ منصرفٍ إلى المستأجر.
والثاني: أن الحج منصرفٌ إليه، على غالب الظن، في لزوم العَضْب. وشبه الأئمةُ القولين فيما ذكرناه، بالقولين فيما لو رأى الرجل سواداً مقبلاً، حسبه عدواً، لا طاقة له به؛ فصلى صلاة الخوف، ثم تبين أن الذي حسبه، لم يكن، ففي صحة الصلاة قولان.
فإن قيل: كيف وجهُ التشبيه، والعضب هاهنا متحَقَّقٌ، غيرُ مظنون؟ قلنا: العضب المعتبر، هو الدائم إلى الموت، وصحةُ الحج بطريق الاستنابة، لا تعتمد تنجّز العضب في الحال، وإنما يعتمد جواز الاستنابة غلبةَ الظن، بدوام العضب.
فلو لم تكن الزمانة بحيث لا يُرجى زوالها، فقد ذكرنا أن جواز الاستنابة لا يعتمد، مثل هذه الزمانة.
فلو استأجر أجيراً، وهو على رجاءٍ ظاهرٍ من زوال الزمانة، فاستمرت الزمانةُ إلى الموت، فقد ذكر الأئمة في ذلك قولين أيضاًً، وخرجوا الاختلاف في الصورتين على أنا نعتبر الحال أو نعتبر ما يُفضي إليه الأمر في المآل.
2437- وتمام الكلام في الفرع: أنا إذا حكمنا بأن الحج ينصرف إلى المستأجِر، فلا شك أن الأجرة مستحَقّةٌ للأجير، وإن حكمنا بأن الحجة غيرَ منصرفةٍ إلى المستأجِر، فقد ذكر شيخي عن شيخه القفال، أن من أئمتنا من يقول: لا يقع الحج عن فرض المستأجِر، ولكنها تقع عنه تطوعاً.
وهذا بعيدٌ؛ فإن تطوع الحج لا يسبق فرضَه، غيرَ أن هذا القائل يجعل العَضْب الناجزَ، بمثابة الرق، والعبدُ إذا حجَّ، ئم عَتَق، فما سبق من الحج-في الرق- تطوّعٌ، متقدمٌ على فرض الإسلام.
وهذا بعيدٌ، لا أصل له، فإن حكمنا بأن الحج يقع عن المستأجر تطوعاً، فالأجير يستحق الأجرةَ، وإن قلنا: لا ينصرف الحج إلى المستأجر أصلاً، فهل يستحق الأجير الأجرة، فعلى وجهين مشهورين:
أحدهما: أنه لا يستحقها؛ فإنه كان مستأجَراً على تحصيل الحج لمستأجِره، ثم تبين أنه لم يحصل له.
والوجه الثاني- أنه يستحق الأجرةَ، لأنه عمل في الظاهر ما التمس منه، ولم يقصر فيه.
والأصح استرداد الأجرة؛ من جهة أن الحجَّ وقع عن الأجير، ويبعد أن يقع الحج له، ويستحق الأجرة على غيره، على مقابلة الحج الواقع عنه، وهو في التقدير بمثابة ما لو قال: استأجرتك للحج عن نفسك، ولا فصل إلا العلم والجهل، وجهاتُ الاستحقاق لا تختلف بالجهل، والعلم.
فإن قلنا: لا يستحق الأجرة، فلا كلام. وإن قلنا: إنه يستحقها، فقد اختلف أصحابنا على ذلك، فقال بعضهنم: يستحق الأجرة المسماة.
وقال آخرون: يستحق أجرة المثل.
وينبني، على هذين الوجهين القولُ في أنا هل نتبين فساد الإجارة؟ فإن أثبتنا المسمّى، فالاستئجار صحيح، وإن أثبتنا أجرةَ المثل، فقد قضينا بتبيّنِ فساد الاستئجار.
وقال شيخي: إذا حكمنا بأن الحَجةَ تقع تطوعاً عن المستأجر، فلا يمتنع تخريج الخلاف في أجرة المثل، والمسمى؛ فإن الواقع ليس هو الذي وقع الاستئجار عليه، غيرَ أن ثبوت المسمَّى في التفريع على هذا الوجه أولى.
2438- وألحق الأئمة بما نحن فيه صورةً من صور الإجارة، فقالوا: إذا صح الاستئجار، وانعقد الحج عن المستأجر، ثم إن الأجير، كما أحرم، بدا له أن يصرفَ الحجَّ إلى نفسه، فظن أن ذلك ممكن، فإذا أنهى الحجَّ، فهل يستحق الأجرة؛ فيه اختلاف مشهورٌ: من أصحابنا من قال: إنه لا يستحق الأجرة؛ نظراً إلى قصده في صرف الحج إلى نفسه.
وإذا ضممنا هذا إلى ما قدمناه، انتظم من المجموع أن من أئمتنا من اعتبر في استحقاق الأجرة حصولَ الحج للمستأجر، وهؤلاء يقولون: إذا تبينا أن الحج غيرُ منصرف إليه، في صورة زوال العَضْب، فلا أجرة، وإذا صرف الأجير الحج إلى نفسه بعد الإحرام، استحق الأجرة.
ومنهم من اعتبر قصد الأجير، وإقدامه على صورةِ ما التُمس منه، وهؤلاء يقولون: إذا صرف الأجير الحج إلى نفسه، لم يستحق الأجرةَ، وإن لم ينصرف إليه. وإذا زال العَضْب، وقلنا: لا ينصرف الحجُّ إلى المستأجر، فللأجير أجرتُه؛ اعتباراً بقصده.
ومسائل، الإجارة وغوامضُها كثيرة. وإنما نذكر الآن ما يليق بغرضنا؛ فإن باب الإجارة بمسائله بين أيدينا.
فرع:
2439- الابن إذا بذل الطاعةَ لوالده، فقد ذكرنا أنه يجب عليه استنابته، ولا استئجار؛ إذ لا أجرةَ، فلو رجع الابن عن طاعته، فهل له ذلك؟ أم يلزمه الوفاء بما بذل من الطاعة، وإتمام ما وعده ذكر العراقيون في ذلك وجهين:
أحدهما: أنه لا يلزمه الوفاء، وهو الأصح؛ إذ لا عَقْد، ولا استئجار.
والثاني: يلزم الوفاءُ، وبذل الطاعة فيه بمثابة الضمان، والضمان يُلزم الضامنَ الوفاء بقوله. والأصح الأولُ.
فرع:
2440- المباشر للحج إذا لم يجد مالاً عتيداً يتخذه زاداً، ولكنه كان كسوباً، وقد ادّخر لأهله ما يكفيهم، فهل يلزمه أن يخرج حاجّاً، معوِّلاً على كسبه؟ قال العراقيون: إن كان السفر طويلاً، لم يلزم التعويلُ على الكسب، وشرطُ وجوب الحج اعتبارُ الزاد؛ فإن الكسب قد يتخلف. وينضم إليه أن مقاساةَ أحوال السفر، إذا انضمت إلى تعب الكسب، عظمت المشقة.
وإن قصرت المسافة، فقد ذكرنا أن الواجب المشيُ على المقتدر عليه، على التفصيل المقدّم. وهل نوجب الخروج، مع قصر المسافة، تعويلاً على الكسب؟ قالوا: إن كان كسبه في يومٍ يكفيه لأيامٍ، فعليه الخروج، وإن كان كسبه في يومٍ لا يفضُل عن اليوم، فلا يلزمه الحج؛ فإنه في أيام الحج ينقطع عن كسبه، فيتضرر به.
هذا ما ذكروه. ولا ذكر له في طريقتنا. وفيه احتمال على حالٍ؛ فإن القدرة على الكسب في يوم الفطرة، لم تُجعل كحصول الصاع في الملك، ولا يبعد أن يقال: الكسب وإن أمكن، فهو كالمشي، وقد ألزمناه في السفر القصير، وإن كنا لا نلزمه في السفر الطويل.
فصل:
2441- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما صبيّ حج، ولو عشرَ حِجَج، فإذا بلغ، فعليه حَجة الإسلام، وأيما عبد حج، ولو عشر حجج، فإذا عَتَق، فعليه حَجة الأسلام، وأيما أعرابي حج، ولو عشر حجج، فإذا هاجر فعليه حَجَّة الإسلام». قيل: هذا حين كانت الولايةُ منقطعةً، بين المهاجر وغير المهاجر، بالتوارث وغيره من الأحكام، فكانت حَجة الأعرابي، الذي لم يهاجر، إذ ذاك نَفْلاً.
وقيل: أراد بالأعرابي الكافر، فأبان أن من وجد منه الحج، على صورته في الكفر، فلا اعتداد به، وعبر عن الكافر بالأعرابي الذي لم يهاجر، لأنهم إذ ذاك، كانوا إذا أسلموا، هاجروا.
ومقصود الفصل: أن الصبا، والرّقَّ لا ينافيان صحةَ الحج، ولكنهما ينافيان وجوبَه، وإجزاءه عن الواجب، لو وقع.
والفقير الذي لم نُثبته مستطيعاً، لو تكلف المشقة، وحج، وقع حجه عن فرض الإسلام.
فالفقر كالصبا والرق في منافاة وجوب الحج، وليس بمثابتهما في منافاة إجزاء الحج.
وليس الحج فيما وصفناه كالجمعة؛ فالعبد والمريض المعذور مستويان، في أنه لا يجب على واحدٍ منهما حضور الجامع، وإذا حضراه، وصلَّيَا أجزأت الصلاةُ عنهما، عن فرض الوقت، ويفترقان في أن المريضَ إذا حضر تَقَيَّد، ولزمه إقامة الجمعة؛ فإنّ عذره كان يَحُط عنه تكلّفَ الحضور، وقد حضر، فكأنه ليس معذوراً الآن. وللعبد أن ينصرف بعد الحضور؛ فإن رقه قائم. وهذا ظاهر.
2442- ثم ذكر الشافعي أن حَجة الإسلام إذا وقعت على شرطها، فهي للعمر، وقد تقدم هذا. وغرضه بالإعادة الردُّ على أبي حنيفةَ في مسألةٍ، فمذهبنا أن من حج، ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، لم يلزمه إعادةُ الحج. وقال أبو حنيفة يلزمه إعادته، مصيراً إلى أن الردة تُحبط ما سبق، والمسألة مشهورة.
فصل:
قال الشافعي: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: لبيك عن فلانٍ... إلى آخره".
2443- مذهبنا أن حَجةَ الإسلام في حق من يُتصور منه وقوعُها، مقدمةٌ على سائر أنواع الحَج. والحج يقع ركناً، وقضاء واجباً، عن حج لم يكن ركناً لو تم، ومنذوراً، وتطوعاً، والحجة الأولى مصروفةٌ إلى جهة الركن، وفرضِ الإسلام، و لا يجب تعيينُ النيةِ في ذلك، فلو تلبس بالحج مطلقاً، من يصح منه حجةُ الإسلام، فمُطلَقُ حجه مصروفٌ إلى ما عليه من فرض الإسلام. وكذلك لو نوى الحجة المنذورةَ، أو حج القضاء، انصرف ما جاء به إلى حجةِ فرض الإسلام.
والقضاء إنما يفرض في حق من كان عبداً، وشرع في الحج، وأفسده، ثم عَتَق، فعليه حجةُ قضاءٍ، لما أفسده، وهذا القضاء لا يكون حجةَ الإسلام؛ فإن القضاء يحكي الأداءَ، فكل أداءٍ لو تم، لم يتأدّ به فرضُ الإسلام، فقضاؤه بمثابته.
ولو فرغ عن حجة الإسلام وعليه حجةٌ منذورة، فلتقع البداية بها، فلو نوى التطوع، لغا قصدُ التطوع و انصرف الحج إلى جهة النذر.
ولو كان عليه قضاءٌ، كما صورناه وحجةٌ منذورة، فقد كان شيخي يقول: يجب تقديمُ القضاء؛ فإنه واجب شرعاً على المنذور، واستمر على هذا في دروسه، ولم يتعرض لهذا الترتيب غيرُه. وفي المسألة احتمالٌ ظاهر؛ فإن هذا القضاءَ فرعُ حجٍّ، لم يكن واجباً، كما أن الإقدام على النذر، لم يكن واجباً.
وبالجملة تعليلُ سقوط أثر التعيين في النية، عسرٌ مشكلٌ في قاعدة المذهب، ولكن الممكن فيه أن قصد التطوع لا يُفسد العقد، ووجوب تقديم حج الإسلام ثابت.
2444- فينتظم من ذلك صحةُ الحج، على الترتيب المستحق. وكان يمكن أن نقضي بفساد النية، وإنما عِظم وقع الإشكال، لانضمام مشكلٍ إلى مشكلٍ:
أحدهما: ما ذكرناه من التعيين.
والثاني: استحقاقُ الترتيب، وهذا عوض من الأول، سيما على أصلنا، في أن الحج على التراخي.
ثم في مذهبنا أن المستأجَر على الحج، ينبغي أن يكون بريء الذمة، من حجة الإسلام، فلو كان عليه فرضُ الإسلام، ينصرف حجُّه إلى فرض إسلامه، وإن قصد مستأجِرَه، خلافاً لأبي حنيفة.
ومعتمد المذهب في ذلك الحديث الذي رواه الشافعي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شُبرمة فقال له: أحججت عن نفسك، فقال: لا. فقال: هذه عنك، ثم حُج عن شبرمة " وهذا متعلَّق بالغٌ في المسألة، وإذا ثبت مضمون الحديث، في الأجير الصرورة، أمكن بناءُ استحقاق الترتيب في حق الشخص على ذلك.
فنقول: كما يتعين على الأجير تقديمُ فرض نفسه على ما استؤجر له، فكذلك يتعين عليه في نفسه، أن يقدّم فرض إسلامه، على ما يتطوّع به؛ فيتسق على ذلك استحقاقُ الترتيب، بناء على مسألة الأجير.
2445- والأجير إذا صح استئجاره، وعيّن له المستأجر سنةً، فإذا انتهى إلى الميقات، ونوى التطوعَ عن نفسه، فقد قال شيخي: ينصرف ما جاء به إلى جهة الإجارة، فإن الحجةَ في هذه السنة مستحقةٌ عليه، والمستحق مقدمٌ في وضع الحج، على المتطوّع به.
وأجمع أصحابنا على خلافه في هذا، فإن استحقاق الحج عليه ليس من حكم وجوبٍ يؤول إلى الحج، وإنما يتقدم واجبُ الحج على تطوّعه إذا رجع الوجوب إلى الحج، فإذا تطوّع الأجيرُ، فقد أساء، والوجه الحكمُ بوقوعِ الحج تطوعاً عنه، ثم الأجرةُ مردودةٌ، والإجارة منفسخة، كما سيأتي شرح أحكام الإجارة.
ولو استأجر الرجل صرورةً، لم يحج عن نفسه، وعين له السنة القابلة، فالإجارةُ فاسدةٌ، لما ذكرناه. وإن ألزم الحجَّ ذمّتَه، ولم يعين الإتيان به سنةً، فالإجارة صحيحةٌ، ثم وجه الوفاء بها أن يحج عن نفسه أولاً، في سنته، ثم يحج عن مستأجِره.