فصل: تفسير الآية رقم (5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (5):

الآية الخامسة:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5)}.
{الْيَوْمَ}: المراد بهذا اليوم والمذكورين قبله وقت واحد، وإنما كرّر للتأكيد، ولاختلاف الأحداث الواقعة فيه حسن تكريره، كذا قال أبو السعود.
وقيل: أشار بذكر اليوم إلى وقت محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
كما تقول: هذه أيام فلان.
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ}: هذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى وهي قوله: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ}، وقد تقدم بيان الطيبات.
{وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ}: الطعام اسم لكل ما يؤكل، ومنه الذبائح، وذهب أكثر أهل العلم إلى تخصيصه هنا بالذبائح، وفي هذه الآية دليل على أن جميع طعام أهل الكتاب- من غير فرق بين اللحم وغيره- حلال للمسلمين، وإن كانوا لا يذكرون على ذبائحهم اسم اللّه، فتكون هذه الآية مخصصة لعموم قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]. وظاهر هذا أن ذبائح أهل الكتاب حلال، وإن ذكر اليهودي على ذبيحته اسم عزيز، وذكر النصراني على ذبيحته اسم المسيح. وإليه ذهب أبو الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس والزهري وربيعة والشعبي ومكحول.
وقال عليّ وعائشة وابن عمر: إذا سمعت الكتابي يسمي على الذبيحة اسم غير اللّه فلا تأكل.
وهو قول طاووس والحسن، وتمسكوا بقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]. وقوله تعالى: {وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} [المائدة: 3].
وقال مالك: إنه يكره ولا يحرم.
فهذا الخلاف إذا علمنا أن أهل الكتاب ذكروا على ذبائحهم اسم غير اللّه، وأما مع عدم العلم، فقد حكى الطبري وابن كثير الإجماع على حلها لهذه الآية.
ولما ورد في السنة من أكله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من الشاة المصلية التي أهدتها إليه اليهودية.
وكذلك جراب الشحم الذي أخذه بعض الصحابة من خيبر وعلم بذلك النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهما في الصحيح وغير ذلك.
والمراد بأهل الكتاب هنا: اليهودي والنصارى.
وأما المجوس فذهب الجمهور إلى أنها لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم، لأنهم ليسوا بأهل الكتاب على المشهور عند أهل العلم.
وخالف في ذلك أبو ثور، وأنكر عليه الفقهاء ذلك، حتى قال أحمد بن حنبل: أبو ثور كاسمه! يعني في هذه المسألة.
وكأنه تمسك بما يروى عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مرسلا، أنه قال في المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ولم يثبت بهذا اللفظ.
وعلى فرض أن له أصلا ففيه زيادة تدفع ما قاله. وهي قوله: «غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم» ورواه بهذه الزيادة جماعة، ممن لا خبرة لهم بفن الحديث من المفسرين والفقهاء، ولا يثبت الأصل ولا الزيادة، بل الذي ثبت في الصحيح أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أخذ الجزية من مجوس هجر.
وأما بنو تغلب فكان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ينهى عن ذبائحهم لأنهم عرب وكان يقول: إنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر!.
وهكذا سائر العرب المتنصرة كتنوخ، وجذام، ولخم، وعاملة، ومن أشبههم.
قال ابن كثير: وهو قول غير واحد من السلف والخلف.
وروي عن سعيد بن المسيب والحسن البصري أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة نصارى بني تغلب.
وقال القرطبي: قال جمهور الأمة: إن ذبيحة كل نصراني حلال، سواء كان من بني تغلب أو من غيرهم، وكذلك اليهود.
وقال: ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة، كالطعام يجوز أكله مطلقا.
{وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}: أي وطعام المسلمين حلال لأهل الكتاب. وفيه دليل على أنه يجوز للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمجازاة، وإخبار للمسلمين بأن ما يأخذونه من أعواض الطعام حلال لهم بطريق الدلالة الالتزامية.
{وَالْمُحْصَناتُ}: مبتدأ، واختلف في تفسيرهن هنا: فقيل: العفائف، وقيل الحرائر.
وقرأ الشعبي بكسر الصاد، وبه قرأ الكسائي. وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى في البقرة والنساء.
وقوله: {مِنَ الْمُؤْمِناتِ}: وصف له، والخبر محذوف، أي حل لكم، وذكرهن هنا توطئة وتمهيدا لقوله: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: المراد بهن الحرائر دون الإماء، هكذا قال الجمهور.
وحكى ابن جرير عن طائفة من السلف: أن هذه الآية تعم كل كتابية حرة أو أمة.
وقيل: المراد بأهل الكتاب الإسرائيليات وبه قال الشافعي وهذا تخصيص بغير مخصص.
وقال عبد اللّه بن عمر: لا تحل النصرانية قال: ولا أعلم شركا أكبر من أن تقول: ربها عيسى! وقد قال اللّه تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ...} الآية [البقرة: 221].
ويجاب عنه بأن هذه الآية مخصصة للكتابيات من عموم المشركات، فيبنى العام على الخاص، وقد استدل من حرم نكاح الإماء الكتابيات بهذه الآية، لأنه حملها على الحرائر، ولقوله تعالى: {فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ} [النساء: 25].
وقد ذهب إلى هذه كثير من أهل العلم، وخالفهم من قال: إن الآية تعم أو تخص العفائف، كما تقدم.
والحاصل: أنه يدخل تحت هذه الآية الحرة العفيفة من الكتابيات على جميع الأقوال، إلا على قول ابن عمر في النصرانية، ويدخل تحتها الحرة التي ليست بعفيفة، والأمة العفيفة، على قول من يقول إنه يجوز استعمال المشرك في كلا معنييه.
وأما من لم يجوّز ذلك فإن حمل المحصنات هنا على الحرائر، لم يقل بجواز نكاح الأمة عفيفة كانت أو غير عفيفة إلا بدليل آخر، ويقول بجواز نكاح الحرة عفيفة كانت أو غير عفيفة، وإن حمل المحصنات هنا على العفائف، قال بجواز نكاح الحرة العفيفة والأمة العفيفة دون غير العفيفة منها. ومذهب الإمام أبي حنيفة جواز نكاح الأمة الكتابية أخذا بعموم الآية.
{إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}: أي مهورهن، وجواب إذا محذوف، أي: فهي حلال، أو هي ظرف لخبر المحصنات المقدر، أي: حل لكم.
{مُحْصِنِينَ}: منصوب على الحال، أي حال كونكم أعفاء بالنكاح.
وكذا قوله: {غَيْرَ مُسافِحِينَ}: منصوب على الحال من الضمير في محصنين، أو صفة لمحصنين، والمعنى غير مجاهرين بالزنا.
{وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ}: معطوف على غير مسافحين، أو على مسافحين، ولا مزيدة للتأكيد.
والخدن: الصديق في السر يقع على الذكر والأنثى، أي ولم تتخذوا معشوقات، فقد شرط اللّه في الرجال العفة، وعدم المجاهرة بالزنا، وعدم اتخاذ أخدان، كما شرط في النساء أن يكن محصنات.

.تفسير الآية رقم (6):

الآية السادسة:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}: إذا أردتم القيام تعبيرا بالمسبب عن السبب، كما في قوله تعالى: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98].
وقد اختلف أهل العلم في هذا الأمر عند إرادة القيام إلى الصلاة، فقالت طائفة: هو علم في كل قيام إليها، سواء كان القائم متطهرا أو محدثا فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ، وهو مروي عن علي وعكرمة وقال بوجوبه داود الظاهري.
وقال ابن سيرين: كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة.
وقالت طائفة أخرى: إن هذا الأمر خاص بالنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهو ضعيف! فإن الخطاب للمؤمنين والأمر لهم.
وقالت طائفة: الأمر للندب طلبا للفضل.
وقال آخرون: الوضوء لكل صلاة كان فرضا عليهم بهذه الآية، ثم نسخ في فتح مكة.
وقال جماعة: هذا الأمر خاص بمن كان محدثا.
وقال آخرون: المراد إذا قمتم من النوم إلى الصلاة، فيعم الخطاب كل قائم من النوم.
وقد أخرج مسلم وأحمد وأهل السنن عن بريدة. قال: «كان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح، توضأ ومسح على خفيه، وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول اللّه إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله؟. قال: عمدا فعلته يا عمر». وهو مروي من طرق كثيرة بألفاظ متفقة في المعنى.
وأخرج البخاري وأحمد وأهل السنن عن عمرو بن عامر الأنصاري: سمعت أنس بن مالك يقول: «كان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتوضأ عند كل صلاة. قال: قلت: فأنتم كيف تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث».
فتقرر بما ذكر أن الوضوء لا يجب إلا على المحدث، وبه قال جمهور أهل العلم، وهو الحق.
{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الوجه في اللغة: مأخوذة من المواجهة، وهو عضو مشتمل على أعضاء، وله طول وعرض، فحده في الطول: من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين، وفي العرض: من الأذن إلى الأذن.
وقد ورد الدليل بتخليل اللحية.
واختلف العلماء في غسل ما استرسل، والكلام في ذلك مبسوط في مواطنه.
وقد اختلف أهل العلم أيضا هل يعتبر في الغسل الدلك باليد، أم يكفي إمرار الماء؟ والخلاف في ذلك معروف والمرجع اللغة العربية فإن ثبت فيها أن الدلك داخل في مسمى الغسل كان معتبرا، وإلا فلا.
قال في شمس العلوم: غسل الشيء غسلا، إذا أجرى عليه الماء ودلكه. انتهى.
وأما المضمضة والاستنشاق فإذا لم يكن لفظ الوجه يشتمل باطن الفم والأنف، فقد ثبت غسلهما بالسنة الصحيحة، والخلاف في الوجوب وعدمه معروف. وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في مؤلفاته ك المختصر وشرحه ونيل الأوطار.
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ}: إلى الغاية. وأما كون ما بعدها يدخل فيما قبلها فمحل خلاف، وقد ذهب سيبويه وجماعة إلى أن ما بعدها إن كان من نوع ما قبلها دخل وإلا فلا.
وقيل: إنها هنا بمعنى مع. وذهب قوم إلى أنها تفيد الغاية مطلقا، وأما الدخول وعدمه فأمر يدور مع الدليل.
وقد ذهب الجمهور أن المرافق تغسل، واستدلوا بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عقيل عن جده عن جابر بن عبد اللّه قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه». ولكن القاسم هذا متروك، وجده ضعيف.
{وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}: قيل الباء زائدة، والمعنى امسحوا رؤوسكم وذلك يقتضي تعميم المسح لجميع الرأس، وقيل: هي للتبعيض، وذلك يقتضي أنه يجزئ مسح بعضه.
واستدل القائلون بالتبعيض بقوله تعالى في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء: 43] ولا يجزئ مسح بعض الوجه اتفاقا، وقيل: إنها للإلصاق، أي ألصقوا أيديكم برؤوسكم، وعلى كل حال فقد ورد في السنة المطهرة ما يفيد أنه يكفي مسح بعض الرأس، كما أوضح الشوكاني ذلك في مؤلفاته، فكان هذا دليلا على المطلوب غير محتمل كاحتمال الآية، على فرض أنها محتملة، ولا شك أن من أمر غيره أن يمسح رأسه كان ممتثلا بفعل ما يصدق عليه مسمى المسح وليس في لغة العرب ما يقتضي أنه لابد في مثل هذا الفعل من مسح جميع الرأس، وهكذا سائر الأفعال المتعدية نحو:
اضرب زيدا أو أطعنه. فإنه يؤخذ المعنى العربي بوقوع الضرب أو الطعن على عضو من أعضائه ولا يقول قائل من أهل اللغة ومن هو عالم بها، إنه لا يكون ضاربا إلا بإيقاع الضرب على كل جزء من أجزاء زيد، وكذلك الطعن وسائر الأفعال. فاعرف هذا المعنى يتبين لك ما هو الصواب من الأقوال في مسح الرأس.
فإن قلت: يلزم مثل هذا في غسل الوجه واليدين والرجلين؟ قلت: تلزم لو لا البيان من السنة في الوجه، والتحديد بالغاية في اليدين والرجلين، بخلاف الرأس، فإنه ورد في السنة مسح الكل ومسح البعض.
{وَأَرْجُلَكُمْ}: قرأ نافع بنصب الأرجل، وهي قراءة الحسن البصري والأعمش، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة بالجر، فقراءة النصب تدل على أنه يجب غسل الرجلين، لأنها معطوفة على الوجوه والأيدي، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء، والفصل بالممسوح بين المغسولات يفيد وجوب الترتيب في تطهير هذه الأعضاء، وعليه الشافعي.
وقراءة الجر تدل على أنه يجوز الاقتصار على مسح الأرجل، لأنها معطوفة على الرؤوس، وإليه ذهب ابن جرير الطبري، وهو مروي عن ابن عباس.
قال داود الظاهري: يجب الجمع بين الأمرين على اقتضاء القراءتين.
وقال ابن العربي: اتفقت الأمة على وجوب غسلهما، وما علمت من ردّ ذلك إلا الطبري من فقهاء المسلمين، والرافضة من غيرهم! وتعلق الطبري بقراءة الجر!.
قال القرطبي: قد روي عن ابن عباس أنه قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.
قال: وكان عكرمة يمسح رجليه، وقال: ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح.
وقال عامر الشعبيّ: نزل جبرئيل بالمسح.
قال: وقال قتادة: افترض اللّه مسحتين وغسلتين.
قال: وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح، وجعل القراءتين كالروايتين، وقوّاه النحاس، ولكنه قد ثبت في السنة المطهرة بالأحاديث الصحيحة من فعله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقوله غسل الرجلين فقط.
وثبت عنه أنه قال: «ويل للأعقاب من النار» وهو في الصحيحين وغيرهما، فأفاد وجوب غسل الرجلين، وأنه لا يجزئ مسحهما لأن شأن المسح أن يصيب ما أصاب، ويخطئ ما أخطأ، فلو كان مجزيا لما قال: «ويل للأعقاب من النار».
وقد ثبت أنه قال بعد أن توضأ وغسل رجليه: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به».
وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رجلا توضأ فترك على قدمه مثل موضع الظفر فقال له: «ارجع فأحسن وضوءك».
وأما المسح على الخفين فهو ثابت بالأحاديث المتواترة.
وقوله: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ}: معناه معهما، كما بينت السنة، والكلام فيه كالكلام في قوله: {إِلَى الْمَرافِقِ}، وقد قيل في وجه جمع المرافق وتثنية الكعاب إنه لما كان في كل رجل كعبان ولم يكن في كل يد إلّا مرفق واحد لم يتوهم وجود غيره- ذكر معنى هذا ابن عطية.
وقال الكواشي: ثنى الكعبين وجمع المرافق، لنفي توهم أن في كل واحد من الرجلين كعبين، وإنما في كل واحدة كعب واحد، له طرفان من جانبي الرجل، بخلاف المرافق فهي أبعد عن الوهم. انتهى.
فهذه الفروض الأربعة في الوضوء، وبقي من فرائضه النية والتسمية، ولم يذكرا في هذه الآية، بل وردت بهما السنة.
وقيل: إن في هذه الآية ما يدل على النية لأنه لما قال: {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} كان تقدير الكلام فاغسلوا وجوهكم لها، وذلك هو النية المعتبرة، لا ما تعارف اليوم بين الناس، من التلفظ بعبارات مبتدعة! فقد صرح غير واحد بإنكار ذلك، وعدم وروده عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بل ولا عن أحد من الصحابة وتابعيهم ومن بعدهم من الأئمة المعتبرين رضوان اللّه عليهم أجمعين.
{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً}: المراد بالجنابة هي الحاصلة بدخول حشفة، أو نزول مني الاحتلام، ونحو ذلك.
{فَاطَّهَّرُوا}: أي فاغتسلوا بالماء.
وقد ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود إلى أن الجنب لا يتيمم البتة، بل يدع الصلاة حتى يجد الماء، استدلالا بهذه الآية.
وذهب الجمهور إلى وجوب التيمم للجنابة مع عدم الماء. وهذه الآية هي للواجد، على أن التطهر هم أعمل من الحاصل بالماء، أو بما هو عوض عنه مع عدمه وهو التراب.
وقد صح عن عمر وابن مسعود الرجوع إلى ما قاله الجمهور، للأحاديث الصحيحة الواردة في تيمم الجنب مع عدم الماء.
{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}: قد قدم تفسير المرض والسفر والمجيء من الغائط في سورة النساء مستوفى، وكذلك تقدم الكلام على ملامسة النساء، وعلى التيمم وعلى الصعيد.
ومن قوله: {مِنْكُمْ} لابتداء الغاية، وقيل: للتبعيض.
قيل: وجه تكرير هذا هو استيفاء الكلام في أنواع الطهارة.
{ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}: أي ما يريد بأمركم بالطهارة بالماء، أو بالتراب التضييق عليكم في الدّين، ومنه قوله تعالى: {ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} من الذنوب والخطايا لأن الوضوء من كفارتها كما في الحديث.
وقيل: من الأصغر والأكبر.