فصل: تفسير الآية رقم (42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (42):

الآية الحادية عشرة:
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)}.
{فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فيه تخيير لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بين الحكم بينهم والإعراض عنهم.
وقد استدل به على أن حكّام المسلمين مخيرون بين الأمرين.
وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم.
واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم: فذهب قوم إلى التخيير، وذهب آخرون إلى الوجوب، وقالوا: إن هذه الآية منسوخة بقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، وبه قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي، وهو الصحيح من قول الشافعي، وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء.

.تفسير الآية رقم (44):

الآية الثانية عشرة:
{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)}
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ} لفظ (من) من صيغ العموم، وتفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة، بل لكل من ولي الحكم.
وقيل: إنها مختصة بأهل الكتاب.
وقيل: بالكفار مطلقا، لأن المسلم لا يكفر بارتكاب الكبيرة.
وقيل: هو محمول على أن الحكم بغير ما أنزل اللّه وقع استخفافا أو استحلالا أو جحدا. والإشارة بقوله: {فَأُولئِكَ} إلى {مِنْ} والجمع باعتبار معناها، وكذلك ضمير الجماعة في قوله: {هُمُ الْكافِرُونَ (44)}.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله تعالى هذا قال: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه وإنه ليس كفرا ينقل من الملة بل كفر دون كفر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى هذا.
وقوله: {هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}، {هُمُ الْفاسِقُونَ (47)}، قال: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.

.تفسير الآية رقم (45):

الآية الثالثة عشرة:
{وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}.
{وَكَتَبْنا}: معناه فرضنا.
{عَلَيْهِمْ فِيها}: أي في التوراة.
{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}: بيّن اللّه سبحانه في هذه الآية فرضه على بني إسرائيل من القصاص، في النفس والعين والأنف والأذن والسن والجروح.
وقد استدلّ أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم بهذه الآية فقالوا: إن المسلم يقتل بالذمي لأنه نفس، وقال الشافعي وجماعة من أهل العلم: إن هذه الآية خبر عن شرع من قبلنا وليس بشرع لنا.
وقد قدمنا في البقرة في شرح قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى} [البقرة: 178] ما فيه كفاية.
وقد اختلف أهل العلم في شرع من قبلنا: هل يلزمنا أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنه يلزمنا إذا لم ينسخ وهو الحق.
وقد ذكر ابن الصباغ في الشامل إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلّت عليه.
قال ابن كثير في تفسيره: وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة لعموم هذه الآية الكريمة. انتهى.
وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في شرحه على المنتقى وغيره في غيره.
وفي هذه الآية توبيخ لليهود، وتقريع لكونهم يخالفون ما كتبه اللّه عليهم في التوراة- كما حكاه هنا- ويفاضلون بين الأنفس، كما سبق بيانه، وقد كانوا يقيدون بني النضير من بني قريظة، ولا يقيدون بني قريظة من بني النضير.
{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} الظاهر من النظم القرآني، أن العين إذا فقئت، حتى لم يبق فيها مجال للإدراك، أنها تفقأ عين الجاني بها.
{وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ}: أي إذا جدعت جميعها فإنها يجدع أنف الجاني بها.
{وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ}: إذا قطعت جميعها فإنها تقطع أذن الجاني بها. وكذلك {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}.
فأما لو كانت الجناية ذهبت ببعض إدراك العين، أو ببعض الأنف، أو ببعض الأذن، أو ببعض السن، فليس في هذه الآية ما يدل على ثبوت القصاص.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك إذا كان معلوم القدر يمكن الوقوف على حقيقته وكلامهم مدون في كتب الفروع. والظاهر من قوله: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} أنه لا فرق بين الثنايا والأنياب والأضراس والرباعيات، وأنه يؤخذ بعضها ببعض، ولا فضل لبعضها على بعض، وإليه ذهب أكثر أهل العلم كما قال ابن المنذر.
وخالف في ذلك عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ومن تبعه. وكلامهم مدون في مواطنه ولكنه ينبغي أن يكون المأخوذ في القصاص من الجاني هو المماثل للسن المأخوذة من المجني عليه، فإن كانت ذاهبة فما يليها.
{وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ} أي ذوات قصاص.
وقد ذكر أهل العلم، أنه لا قصاص في الجروح التي يخاف منها التلف، ولا فيما كان لا يعرف مقداره عمقا أو طولا أو عرضا.
وقد قدّر أئمة الفقه أرش كل جراحة بمقادير معلومة، وليس هذا موضع بيان كلامهم، ولا موضع استيفاء بيان ما ورد له أرش مقدر.
{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}: أي من تصدق من المستحقين للقصاص بالقصاص، بأن عفا عن الجاني، فهو كفارة للمتصدق، يكفر اللّه عنه به ذنوبه.
وقيل: إن المعنى هو كفارة للجارح، فلا يؤاخذ بجنايته في الآخرة لأن العفو يقوم مقام أخذ الحق منه، والأول أرجح لأن الضمير يعود- على هذا التفسير الآخر- إلى غير مذكور.

.تفسير الآية رقم (48):

الآية الرابعة عشرة:
{وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)}.
{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ}: أي بما أنزله إليك في القرآن، لاشتماله على جميع ما شرعه اللّه لعباده في جميع الكتب السابقة عليه.
{وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ}: أي أهواء أهل الملل السابقة.
{عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} متعلق بلا تتبع، على تضمينه معنى لا تعدل أو لا تنحرف عما جاءك من الحق متبعا لأهوائهم.
وقيل: متعلق بمحذوف، أي لا تتبع أهواءهم عادلا أو منحرفا عن الحق.
وفي النهي له صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن أن يتبع أهواء أهل الكتاب، ويعدل عن الحق الذي أنزله اللّه عليه فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه، وأدركوا عليه سلفهم، وإن كان باطلا منسوخا أو محرفا عن الحكم الذي أنزله اللّه على الأنبياء، كما وقع في الرجم ونحوه مما حرفوه من كتب اللّه.

.تفسير الآية رقم (87):

الآية الخامسة عشرة:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}: الطيبات: هي المستلذات مما أحله اللّه لعباده، نهى اللّه الذين آمنوا عن أن يحرموا على أنفسهم شيئا منها، إما لظنهم أن في ذلك طاعة للّه، وتقربا إليه، وأنه من الزهد في الدنيا، وقمع النفس عن شهواتها، أو لقصد أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحله لهم، كما يقع من كثير من العوام من قولهم: حرام عليّ، وحرمته على نفسي، ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني.
قال ابن جرير الطبري: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل اللّه لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح. ولذلك رد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التبتل على عثمان بن مظعون، فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله لعباده، وأن الفضل والبر، إنما هو في فعل ما ندب اللّه عباده إليه، وعمل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وسنّة لأمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون، إذ كان خير الهدي هدي نبينا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
فإذا كان ذلك كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشّعر والصوف على لباس القطن والكتان، إذا قدر على لباس ذلك من حله، وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء.
قال: فإن ظنّ ظانّ، أن الفضل في غير الذي قلنا، لأن في لباس الخشن وأكله، من المشقة على النفس، وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة طاعة فقد ظن خطأ وذلك أن الأولى بالإنسان صلاح نفسه، وعونه لها على طاعة ربها، فلا شيء أضر للجسم من المطاعم الرديئة، لأنها مفسدة لعقله، ومضعفة لأدواته التي جعلها اللّه سببا إلى طاعته.

.تفسير الآية رقم (89):

الآية السادسة عشرة:
{لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)}.
{لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ}: قد تقدم تفسير اللغو والخلاف فيه، في سورة البقرة.
{فِي أَيْمانِكُمْ} صلة {يُؤاخِذُكُمُ}. قيل: و(في) بمعنى (من).
والأيمان: جمع يمين.
وفي الآية دليل على أن أيمان اللغو لا يؤاخذ اللّه الحالف بها، ولا تجب فيها الكفارة. وقد ذهب الجمهور من الصحابة، ومن بعدهم إلى أنها قول الرجل: لا واللّه! وبلى واللّه في كلامه، غير معتقد لليمين، وبه فسّر الصحابة الآية، وهم أعرف بمعاني القرآن.
قال الشافعي: وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة.
{وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ} والعقد على ضربين: حسّي كعقد الحبل، وحكمي كعقد البيع واليمين، فاليمين المعقدة من عقد القلب ليفعلن أو لا يفعلن في المستقبل، أي ولكن يؤاخذكم بأيمانكم المعقدة، الموثقة بالقصد والنية، إذا حنثتم فيها.
وأما اليمين الغموس فهي يمين مكر وخديعة وكذب قد باء الحالف بإثمها وليست بمعقودة ولا كفارة فيها كما ذهب إليه الجمهور.
وقال الشافعي: هي يمين معقودة لأنها مكتسبة بالقلب، معقودة غير مقرونة باسم اللّه، والراجح الأول، وجميع الأحاديث الواردة في تكفير اليمين موجهة إلى المعقودة، ولا يدل شيء منها على الغموس بل ما ورد في الغموس إلا الوعيد والترهيب، وأنها من الكبائر، وفيها نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا} [آل عمران: 77] الآية.
{فَكَفَّارَتُهُ}: هي مأخوذة من التكفير، وهو التستر وكذلك الكفر: هو الستر، والكافر هو الساتر، لأنها تستر الذنب وتغطيه، والضمير في كفارته راجع إلى ما في قوله: {بِما عَقَّدْتُمُ}.
{إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}: المراد بالوسط هنا: المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير، وليس المراد به الأعلى- كما في غير هذا الموضع- أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه، ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه، وظاهره أنه يجزئ إطعام عشرة حتى يشبعوا.
وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال: لا يجزئ إطعام العشرة غداء دون عشاء، حتى يغديهم ويعشيهم.
قال ابن عمر: هو قول أئمة الفتوى بالأمصار.
وقال الحسن البصري وابن سيرين: يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة، خبزا وسمنا، أو خبزا ولحما.
وقال عمر بن الخطاب وعائشة ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وميمون بن مهران وأبو مالك والضحاك والحكم ومكحول وأبو قلابة ومقاتل: يدفع إلى كل واحد من العشرة نصف صاع من برّ أو تمر.
وروي ذلك عن عليّ عليه السلام.
وقال أبو حنيفة: نصف صاع بر، وصاع مما عداه.
وقد أخرج ابن ماجه وابن مردويه عن ابن عباس قال: كفّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بصاع من تمر، وأمر الناس به، ومن لم يجد فنصف صاع من بر.
وفي إسناده عمر بن عبد اللّه الثقفي وهو مجمع على ضعفه.
وقال الدارقطني: متروك.
{أَوْ كِسْوَتُهُمْ}: عطف على إطعام، قرئ بضم الكاف وكسرها، وهما لغتان مثل أسوة وإسوة.
والكسوة في الرجال: نصف على ما يكسو البدن ولو كان ثوبا واحدا، وهكذا في كسوة النساء، وقيل: الكسوة للنساء درع وخمار، وقيل: المراد بالكسوة ما تجزئ به الصلاة.
{أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}: أي إعتاق مملوك.
والتحرير: الإخراج من الرّق. ويستعمل التحرير في فك الأسير، وإعفاء المجهود بعمل عن عمله، وترك إنزال الضرر به، ولأهل العلم أبحاث في الرقبة التي تجزئ في الكفارة، وظاهر هذه الآية أنها تجزئ كل رقبة على أي صفة كانت! وذهب جماعة منهم الشافعي، إلى اشتراط الإيمان فيها قياسا على كفارة القتل.
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ}: أي من لم يجد شيئا من الأمور المذكورة، فكفارته صيام ثلاثة أيام، وقرئ متتابعات، حكي ذلك عن ابن مسعود وأبيّ، فتكون هذه القراءة مقيدة لمطلق الصوم، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وهو أحد قولي الشافعي.
وقال مالك والشافعي- في قوله الآخر: يجزئ التفريق.
{ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ}: أي ذلك المذكور كفارة أيمانكم إذا حنثتم.
{وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ}: أمرهم بحفظ الأيمان، وعدم المسارعة إليها والحنث بها.