فصل: تفسير الآية رقم (38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (38):

الآية الرابعة:
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)}.
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا}: أمر اللّه سبحانه رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يقول للكفار هذا المعنى سواء قاله بهذه العبارة أو غيرها.
قال ابن عطية: ولو كان كما قال الكسائي إنه في مصحف عبد اللّه بن مسعود: قل للذين كفروا إن تنتهوا- يعني بالفوقية- لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها.
قال في الكشاف: أي قل لأجلهم هذا القول، وهو: إن ينتهوا. ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل: إن تنتهوا يغفر لكم وهي قراءة ابن مسعود ونحوه.
{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] خاطبوا به غيرهم لأجلهم ليسمعوه.
أي: إن ينتهوا عما هم عليه من عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وقتاله، بالدخول في الإسلام {يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ} لهم من العداوة. انتهى.
وقيل: معناه: إن ينتهوا عن الكفر.
قال ابن عطية: والحامل على ذلك، جواب الشرط فيغفر لهم ما قد سلف ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر وفي هذه الآية دليل على أن الإسلام يحبّ ما قبله.

.تفسير الآية رقم (39):

الآية الخامسة:
{وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)}.
{وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}: أي كفر وشرك.
{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}: تحريض للمؤمنين على قتال الكفار. وقد تقدم تفسير ذلك في البقرة مستوفى.

.تفسير الآية رقم (41):

الآية السادسة:
{وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)}.
{وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ}: قال القرطبي: اتفقوا على أن المراد بالغنيمة، في هذه الآية، مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون على وجه الغلبة والقهر.
قال: ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيّد اللفظ بهذا النوع.
وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية بعد قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ}، وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين، وأن قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ} نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر- على ما تقدمت الإشارة إليه.
وقيل: إنها- أعني {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ}- محكمة غير منسوخة، وأن الغنيمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وليست مقسومة بين الغانمين وكذلك لمن بعده من الأئمة. حكاه المازري عن كثير من المالكية.
قالوا: وللإمام أن يخرجها عنهم، واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين. وكان أبو عبيد يقول: افتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مكة عنوة، ومنّ على أهلها فردها عليهم، ولم يقسمها، ولم يجعلها فيئا.
وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم، على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، وممن حكى ذلك: ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري والقاضي عياض وابن العربي، والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة من الغانمين وكيفيتها كثيرة جدا.
قال القرطبي: ولم يقل أحد- فيما أعلم- إن قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ} الآية ناسخ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية بل قال الجمهور: إن قوله: {أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}، ناسخ، وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب اللّه.
وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها.
وأما قصة حنين، فقد عوض الأنصار لما قالوا: يعطي المغانم قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم نفسه؟! فقال لهم: «أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى بيوتكم؟» كما في مسلم وغيره. وليس لغيره أن يقول.
هذا القول بل ذلك خاص به.
وقوله: {أَنَّما غَنِمْتُمْ} يشمل كل شيء يصدق عليه اسم الغنيمة، إذ كان أصلها إصابة الغنم من العدو.
و{مِنْ شَيْءٍ} بيان لما الموصولة، وقد خصص الإجماع، ومن عموم الآية، الأسارى فإن الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف. وكذلك سلب المقتول إذا نادى به الإمام.
قيل: وكذلك الأرض المغنومة. وردّ بأنه لا إجماع على الأرض.
{فَأَنَّ}: أي فحق أو واجب أن: {لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}: قد اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس على أقوال ستة:
الأول: قالت طائفة: يقسم الخمس على ستة، فيجعل السدس: للكعبة وهو الذي للّه والثاني: لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، والثالث: لذوي القربى، والرابع: لليتامى، والخامس: للمساكين، والسادس: لابن السبيل.
القول الثاني: قال أبو العالية والربيع: إنها تقسم أي الغنيمة على خمسة، فيعزل منها سهم واحد، ويقسم أربعة على الغانمين، ثم يضرب يده في السهم الذي عزله، فما قبضه من شيء جعله للكعبة ويقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة، للرسول ومن بعده في الآية.
القول الثالث: عن زين العابدين علي بن الحسين أنه قال: إن الخمس لنا فقيل له: إن اللّه يقول: واليتامى والمساكين وابن السبيل؟ فقال: يتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا.
القول الرابع: قول الشافعي: إن الخمس يقسم على خمسة وإن سهم اللّه وسهم رسوله واحد، يصرف في مصالح المؤمنين، والأربعة الأخماس على الأصناف الأربعة المذكورة في الآية.
القول الخامس: قول أبي حنيفة: إنه يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وقد ارتفع حكم قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بموته، كما ارتفع حكم سهمه. قال: ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر، وبناء المساجد، وأرزاق القضاة والجند. وروي نحو هذا عن الشافعي.
القول السادس: قول مالك: أنه موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه بغير تقدير، ويعطي منه الغزاة باجتهاده، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
قال القرطبي: وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا، وعليه يدل قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ما لي مما أفاء اللّه عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» فإنه لم يقسمه أخماسا ولا أثلاثا، وإنما ذكر ما في الآية من ذكره على وجه التنبيه عليهم، لأنهم من أهم من يدفع إليه.
قال الزجاج محتجا لهذا القول: قال اللّه تعالى: {يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ} [البقرة: 215] وجائز، بالإجماع، أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك.
{وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}: قيل: إعادة اللام في ذي القربى دون من بعدهم يدفع توهم اشتراكهم في سهم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، والمعنى أن سهما من خمس الخمس لأقاربه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. وقد اختلف العلماء فيهم على أقوال:
الأول: أنهم قريش كلها، روي ذلك عن بعض السلف واستدل بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه لما صعد الصفا جعل يهتف ببطون قريش كلها قائلا: «يا بني فلان! يا بني فلان!».
الثاني: وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ومجاهد وقتادة وابن جريج ومسلم بن خالد: هم بنو هاشم وبنو المطلب، لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه» وهو في الصحيح.
الثالث: وقيل: هم بنو هاشم خاصة، وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم وهو مروي عن علي بن الحسين ومجاهد.
وكذا اختلف أهل العلم هل ثبت وبقي سهمهم اليوم، أم سقط بوفاته صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وصار الكل مصروفا إلى الثلاثة الباقية؟ فذهب الجمهور- ومنهم مالك والشافعي- إلى الثبوت واستواء الفقراء والأغنياء {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].
وقال أبو حنيفة وأهل الرأي بسقوط ذلك، والتفصيل يطلب من مواطنه.

.تفسير الآية رقم (46):

الآية السابعة:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}.
{وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا}: فيه النهي عن التنازع، وهو الاختلاف في الرأي، فإن ذلك يتسبب عنه الفشل وهو الجبن في الحرب.
وأما المنازعة بالحجة لإظهار الحق فجائزة كما قال: {وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، بل هي مأمور بها بشروط مقررة، والفاء جواب النهي، والفعل منصوب بإضمار أن. ويجوز أن يكون الفعل معطوفا على تنازعوا مجزوما. بجازمه.
{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} قرئ بنصب الفعل وجزمه عطفا على تفشلوا على الوجهين.
والريح: القوة والنصر كما يقال: الريح لفلان، إذا كان غالبا في الأمر.
وقيل: الريح الدولة، شبهت في نفوذ أمرها بالريح في هبوبها. ومنه قول الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها ** فعقبى كل خافقة سكون

وقيل: المراد بالريح ريح الصبا لأن بها كان ينصر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

.تفسير الآية رقم (58):

الآية الثامنة:
{وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58)}.
{وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ}: من المعاهدين وهم قريظة وبنو النضير.
{خِيانَةً} أي غشا ونقضا للعهد.
{فَانْبِذْ}: أي فاطرح.
{إِلَيْهِمْ}: العهد الذي بينك وبينهم.
{عَلى سَواءٍ}: أي على طريق مستوية، والمعنى أنه يخبرهم إخبارا ظاهرا مكشوفا بالنقض، ولا تناجزهم الحرب بغتة.
وقيل: معنى {عَلى سَواءٍ} على وجه يستوي في العلم بالنقض أقصاهم وأدناهم، أو تستوي أنت لئلا يتهموك بالغدر وهم فيه.
قال الكسائي: السواء: العدل وقد يكون بمعنى الوسط. ومنه قوله تعالى: {فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55)} [الصافات: 55] وقيل: معناه على جهر، لا على سر.
والظاهر أن هذه الآية عامة في كل معاهد يخاف من وقوع النقض منه.
قال ابن عطية: والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة انقضى عند قوله: {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية يأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58)}: تعليل لما قبلها، يحتمل أن يكون تحذيرا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من المناجزة قبل أن ينبذ إليهم على سواء، ويحتمل أن تكون عائدة إلى القوم الذين يخاف منهم الخيانة.

.تفسير الآية رقم (60):

الآية التاسعة:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)}.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}: أمر اللّه سبحانه بإعداد القوة: كل ما يتقوى به في الحرب، ومن ذلك السلاح والقسي.
وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهو على المنبر، يقول: «{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ألا أن القوة: الرمي». قالها ثلاث مرات.
وقيل: هي الحصون والمعاقل. والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم متعين.
{وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ}: قال أبو حاتم: الرباط من الخيل الخمس فما فوقها، وهي الخيل التي تربط بإزاء العدو، ومنه قول الشاعر:
أمر الإله بربطها لعدوه ** في الحرب إن اللّه خير موفق

قال في الكشاف: والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل اللّه، ويجوز أن يسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة، ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال. انتهى.
وقد فسّر القوة بكل ما يتقوى به في الحرب، جعل عطف الخيل عليها من عطف الخاص على العام.
{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}: في محل نصب على الحال.
والترهيب: التخويف، والضمير في (به) عائد إلى (ما) في {مَا اسْتَطَعْتُمْ} أو إلى المصدر المفهوم من {وَأَعِدُّوا}، وهو الإعداد، والمراد بعدو اللّه وعدوهم: هم المشركون من أهل مكة وغيرهم من مشركي العرب.