فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (34):

الآية الثالثة عشرة:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34)}.
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}: قيل: هم المتقدم ذكرهم من الأحبار والرهبان، وأنهم كانوا يصنعون هذا الصنع.
وقيل: هم من يفعل ذلك من المسلمين. والأولى حمل الآية على عموم اللفظ فهو أوسع من ذلك.
وأصل الكنز في اللغة: الضم والجمع، ولا يختص بالذهب والفضة.
قال ابن جرير: الكنز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض، في بطن الأرض كان أو على ظهرها. انتهى.
واختلف أهل العلم في المال الذي أديت زكاته هل يسمى كنزا أم لا؟ فقال قوم: هو كنز، وقال آخرون: ليس بكنز. ومن القائلين بالقول الثاني عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وجابر وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، وهو الحق للأدلة المصرحة بأن ما أديت زكاته فليس بكنز، وإنما خصّ الذهب والفضة دون سائر الأموال بالذكر لأنها أثمان الأشياء وغالب ما يكنز، وإن كان غيرهما له حكمهما في تحريم الكنز.
{وَلا يُنْفِقُونَها}: كناية عن عدم أداء الزكاة ونحوها.
{فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34)}.

.تفسير الآية رقم (36):

الآية الرابعة عشرة:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)}.
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً}: أي في حكمه وقضائه وحكمته، وذلك أن اللّه سبحانه لما حكم في كل وقت بحكم خاص، غيّر الكفار تلك الأوقات بالنسيء والكبيسة، فأخبرنا بما هو حكمه.
{فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ}: في هذه الآية بيان أن اللّه سبحانه وضع هذه الشهور، وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف، يوم خلق اللّه السموات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء، ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها، ويجعلون بعضها ثلاثين يوما، وبعضها أكثر، وبعضها أقل.
{مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}: هي ذو العقدة وذو الحجة ومحرم، ورجب، ثلاثة متواليات وواحد فرد، كما ورد بيان ذلك في السنة المطهرة.
{ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}: أي كون هذه الشهور كذلك، ومنها أربعة حرم، هو الدين المستقيم، والحساب الصحيح، والعدد المستوفى.
{فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي في هذه الأشهر الحرم، بإيقاع القتال فيها، وانتهاك حرمتها.
وقيل: إن الضمير يرجع إلى الشهور كلها، الحرم وغيرها، وأن اللّه نهى عن الظلم فيها، والأول أولى.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ بهذه الآية ولقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ} [المائدة: 2] ولقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5].
ويجاب عنه بأن الأمر بقتل المشركين ومقاتلتهم مقيدة بانسلاخ الأشهر الحرم كما في الآية المذكورة، فتكون سائر الآيات المتضمنة للأمر بالقتال مقيدة بما ورد في تحريم القتال في الحرم، للأدلة الواردة في تحريم القتال فيه.
وأما ما استدلوا به من أنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حاصر أهل الطائف في شهر حرام- وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما- فقد أجيب عنه أنه لم يبتد محاصرتهم في ذي القعدة بل في شوال والمحرم إنما هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم، لا إتمامه، وبهذا يحصل الجمع.
{وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}: أي جميعا وهو مصدر في موضع الحال.
قال الزجاج: مثل هذا من المصادر كعامة وخاصة، لا تثنّى ولا تجمع.
{كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} وفيه دليل على وجوب قتال المشركين، وأنه فرض على الأعيان، إن لم يقم به البعض.

.تفسير الآية رقم (41):

الآية الخامسة عشرة:
{انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)}.
{انْفِرُوا} حال كونكم {خِفافاً وَثِقالًا}.
وقيل: المراد منفردين أو مجتمعين وقيل: نشاطا وغير نشاط، وقيل: فقراء وأغنياء، وقيل: مقلين من السلاح ومكثرين منه، وقيل: أصحاء ومرضى، وقيل: شبابا وشيوخا، وقيل: رجالا وفرسانا، وقيل: من لا عيال له ومن له عيال، وقيل: من سبق إلى الحرب كالطلائع ومن يتأخر كالجيش، وقيل: غير ذلك. ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني لأن معنى الآية: انفروا خفّت عليكم الحركة أو ثقلت.
قيل: وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى} [التوبة: 91]، وقيل: الناسخ لها قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ} [التوبة: 122] الآية.
وقيل: هي محكمة وليست بمنسوخة.
ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} [النور: 61]، وإخراج المريض والضعيف بقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى} [التوبة: 91]، من باب التخصيص لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله: {خِفافاً وَثِقالًا}، والظاهر عدم دخولهم تحت العموم.
{وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الأمر بالجهاد بالأموال والأنفس، وإيجابه على العباد: فالفقراء يجاهدون بأنفسهم، والأغنياء بأموالهم وأنفسهم، والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها، وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدو ويدفعه، فإن كان لا يقوم بالعدو إلا جميع المسلمين- في قطر من الأرض أو أقطار-، وجب عليهم ذلك وجوب عين.

.تفسير الآيات (44- 45):

الآيتان السادسة والسابعة عشرة:
{لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}.
{لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)}: معناه- على ما يقتضي ظاهر اللفظ- أنه لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف، ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك، فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف.
{إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ}: في القعود عن الجهاد، والتخلف عنه:
{الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: وهم المنافقون، وذكر الإيمان باللّه أولا، ثم باليوم الآخر ثانيا في الموضعين لأنهما الباعثان على الجهاد في سبيل اللّه.

.تفسير الآية رقم (60):

الآية الثامنة عشرة:
{إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}.
{إِنَّمَا الصَّدَقاتُ}: إنما من صيغ القصر، وتعريف الصدقات للجنس، أي جنس هذه الصدقات مقصورة على الأصناف الآتية لا تتجاوزها، بل هي لهم لا لغيرهم.
وقد اختلف أهل العلم: هل يجب تقسيط الصدقات على هذه الأصناف الثمانية، أو يجوز صرفها إلى البعض دون البعض على حسب ما يرى الإمام أو صاحب الصدقة؟
فذهب إلى الأول الشافعي وجماعة من أهل العلم.
وذهب إلى الثاني مالك وأبو حنيفة، وبه قال عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران.
قال ابن جرير: وهو قول أكثر أهل العلم.
احتج الأولون بما في الآية من القصر وبحديث زياد بن الحارث الصدائي عند أبي داود والدارقطني قال: «أتيت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فبايعته فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة؟
فقال له إن اللّه لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك»
.
وأجاب الآخرون بأن ما في الآية من القصر إنما هو لبيان الصرف والمصرف لا لوجوب استيعاب الأصناف وبأن في إسناد الحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وهو ضعيف.
ومما يؤيد ما ذهب إليه الآخرون قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271].
والصدقة تطلق على الواجبة كما تطلق على المندوبة.
وصحّ عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردّها في فقرائكم».
وقد ادّعى مالك الإجماع على القول الآخر.
قال ابن عبد البر: بإجماع الصحابة، فإنه لا يعلم مخالفا منهم.
{لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ}: قدّمهم لأنهم أحوج من البقية على المشهور، لشدة فاقتهم وحاجتهم.
وقد اختلف أهل العلم في الفرق بين الفقير والمسكين على أقوال:
فقال يعقوب بن السّكيت والقتيبي ويونس بن حبيب: إن الفقير أحسن حالا من المسكين قالوا: لأن الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه، والمسكين الذي لا شيء له. وذهب إلى هذا قوم من أهل الفقه منهم أبو حنيفة.
وقال آخرون بالعكس فجعلوا المسكين أحسن حالا من الفقير واحتجوا بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79]، فأخبر أن لهم سفينة من سفن البحر، وربما ساوت جملة من المال، ويؤيده تعوذ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من الفقر مع قوله: «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا».
وإلى هذا ذهب الأصمعي وغيره من أهل اللغة، وحكاه الطحاوي عن الكوفيين، وهو أحد قولي الشافعي، وإليه ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك، وبه قال أبو يوسف.
وقال قوم: الفقير: المحتاج للتعفف والمسكين: السائل. قاله الأزهري واختاره ابن شعبان، وهو مروي عن ابن عباس. وقد قيل غير هذه الأقوال مما لا يأتي الاستكثار منه بفائدة يعتد بها.
والأولى في بيان ماهيّة المسكين ما ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «ليس المسكين بهذه الطّواف، الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يا رسول اللّه؟ قال: الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا».
{وَالْعامِلِينَ عَلَيْها}: أي السّعاة الذين ينفقهم الإمام لتحصيل الزكاة فإنهم يستحقون منها قسطا.
واختلف في القدر الذي يأخذونه منها؟
فقيل: الثّمن، روي ذلك عن مجاهد والشافعي.
وقيل: على قدر أعمالهم من الأجرة، روي ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه.
وقيل: يعطون من بيت المال قدر أجرتهم، روي ذلك عن مالك. ولا وجه لهذا، فإن اللّه تعالى قد أخبر بأن لهم نصيبا من الصدقة، فكيف يمنعون منها ويعطون من غيرها؟! واختلفوا هل يجوز أن يكون العامل هاشميا أم لا؟ فمنعه قوم وأجازه آخرون.
قالوا: ويعطى من غير الصدقة.
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}: قوم كانوا في صدر الإسلام.
فقيل: هم الكفار الذين كان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتألفهم ليسلموا، وكانوا لا يدخلون في الإسلام بالقهر والسيف بل بالعطاء.
وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم يحسن إسلامهم، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتألفهم بالعطاء.
وقيل: هم من أسلم من اليهود والنصارى، وقيل: هم قوم من عظماء المشركين، ولهم أتباع، فأعطاهم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليتألفوا أتباعهم على الإسلام، وأعطى النبي عليه السلام جماعة ممن أسلم ظاهرا، كأبي سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى: أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل يؤلفهم بذلك، وأعطى آخرين دونهم.
وقد اختلف العلماء: هل سهم المؤلفة قلوبهم باق بعد ظهور الإسلام أم لا؟
فقال عمر والحسن والشعبي: قد انقطع هذا الصنف بعزة الإسلام وظهوره. وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأي. وقد ادعى بعض الحنفية أن الصحابة أجمعت على ذلك.
وقال جماعة من العلماء: سهمهم باق لأن الإمام ربما احتاج أن يتألف على الإسلام، وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين، وبه أفتى الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية، قال يونس: سألت الزهري عنهم؟ فقال: لا أعلم نسخ ذلك.
وعلى القول الأول يرجع سهمهم لسائر الأصناف.
{وَفِي الرِّقابِ}: أي في فكها بأن يشتري رقابا ثم يعتقها، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وبه قال مالك وابن حنبل وإسحاق وأبو عبيد.
وقال الحسن البصري ومقاتل بن حيان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والنخعي والزهري وابن زيد: إنهم المكاتبون يعانون من الصدقة على مال الكتابة، وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ورواية عن مالك. والأولى حمل ما في الآية على القولين جميعا، لصدق الرقاب على شراء العبد وإعتاقه، وعلى إعانة المكاتب على مال الكتابة.
{وَالْغارِمِينَ}: هم الذين ركبتهم الديون ولا وفاء عندهم بها، ولا خلاف في ذلك إلا من لزمه دين في سفاهة فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب. وقد أعان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من الصدقة من تحمل حمالة وأرشد إلى إعانته منها.
{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}: هم الغزاة والمرابطون يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم، وإن كانوا أغنياء. وهذا قول أكثر العلماء. قال ابن عمر: هم الحجاج والعمار.
وروي عن أحمد وإسحاق أنهما جعلا الحج من سبيل اللّه.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرا منقطعا به.
{وَابْنِ السَّبِيلِ}: هو المسافر.
والسبيل: الطريق ونسب إليها المسافر لملازمته إياها.
والمراد الذي انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ومستقره، فإنه يعطى منها وإن كان غنيا في بلده، وإن وجد من يسلفه.
وقال مالك: إذا وجد من يسلفه فلا يعطى.
قوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ}: يعني كون الصدقات مقصورة على هذه الأصناف هو حكم لازم فرضا للّه على عباده نهاهم عن مجاوزته.