فصل: تفسير الآية رقم (98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (98):

الآية الثالثة:
{فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98)}.
{فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ}: الفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح.
وقيل: هذه الآية متصلة بقوله: {وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ}، والتقدير فإذا أخذت في قراءته {فَاسْتَعِذْ}.
قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ وليس معناه استعذ بعد أن تقرأ القرآن. ومثله: إذا أكلت فقل: بسم اللّه.
قال الواحدي: وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة إلا ما روي عن أبي هريرة وابن سيرين وداود ومالك وحمزة من القراء فإنهم قالوا: الاستعاذة بعد القراءة، وقد ذهبوا إلى ظاهر الآية.
ومعنى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} اسأله سبحانه أن يعيذك.
{مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98)}: أي من وساوسه، وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها كسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها لهم لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كانت عند إرادة غيرها أوفى، كذا قيل.
وكذا توجيه الخطاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للإشعار بأن غيره أولى منه بفعل الاستعاذة، لأنه إذا أمر بها لدفع وساوس الشيطان- مع عصمته- فكيف بسائر أمته.
وقد ذهب الجمهور إلى أن الأمر في الآية للندب، وروي عن عطاء الوجوب أخذا بظاهر الأمر.

.تفسير الآية رقم (106):

الآية الرابعة:
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)}.
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ}: قال القرطبي: أجمع أهل العلم أن من أنكره على الكفر، حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر.
وحكي عن محمد بن الحسن أنه إذا أظهر الكفر كان مرتدا في الظاهر، وفيما بينه وبين اللّه على الإسلام، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلما. وهذا القول مردود على قائله مدفوع بالكتاب والسنة.
وذهب الحسن البصري والأوزاعي والشافعي وسحنون إلى أن هذه الرخصة مثل أن يكره على السجود لغير اللّه. ويدفعه ظاهر الآية فإنها عامة في من أكره، من غير فرق بين القول والفعل، ولا دليل للقاصرين للآية على القول، وخصوص السبب لا اعتبار به مع عموم اللفظ كما تقرر في علم الأصول.
{وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً}: أي اختاره وطابت به نفسه.
{فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ}: ليس بعد هذا الوعيد العظيم- وهو الجمع للمرتدين بين غضب اللّه وعظم عذابه بقوله: {وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)} وعيد.

.تفسير الآية رقم (116):

الآية الخامسة:
{وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116)}.
{وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ}: قال الكسائي والزجاج: (ما) هنا مصدرية، وانتصاب الكذب بلا تقولوا، أي لا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم. ومعناه لا تحللوا ولا تحرموا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة.
ويجوز أن تكون (ما) موصولة والكذب منتصبا بتصف، أي لا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه هذا حلال وهذا حرام، فحذف لفظة فيه لكونه معلوما، فيكون قوله: هذا حلال وهذا حرام بدل من الكذب.
ويجوز أن يكون في الكلام حذف بتقدير القول، أي ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم فتقول هذا حلال وهذا حرام وقائله هذا حرام وهذا حلال.
ويجوز أن ينتصب الكذب أيضا بتصف وتكون ما مصدرية، أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب.
واللام في قوله: {لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} هي لام العاقبة لا لام العرض، أي فيعقب ذلك افتراؤكم على اللّه الكذب بالتحليل والتحريم، وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل: {وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ} إلى آخر الآية، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا.
قال الشوكاني في فتح القدير: قلت: صدق رحمه اللّه فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فينا من أفتى بخلاف ما في كتاب اللّه أو سنة رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كما يقع كثيرا من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية، أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة وإنهم لحقيقيون بأن يحال بينهم وبين فتواهم ويمنعوا من جهالاتهم، فإنهم أفتوا بغير علم من اللّه ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل:
كبهيمة عمياء قاد زمامها ** أعمى على عوج الطريق الجائر

وقال الطبراني: عن ابن مسعود قال: عسى رجل يقول: إن اللّه أمر كذا ونهى عن كذا، فيقول اللّه له: كذبت! أو يقول: إن اللّه حرم كذا وأحل كذا، فيقول اللّه له: كذبت! انتهى.
وقال الحافظ ابن القيم رحمه اللّه في إعلام الموقعين: لا يجوز للمفتي أن يشهد على اللّه ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه، أو أوجبه أو كرهه إلا بما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص اللّه ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهته.
وأما ما وجده في كتابه الذي تلقى عمن قلدوا فيه، فليس له أن يشهد على اللّه ورسوله ويغير الناس بذلك ولا علم له بحكم اللّه ورسوله.
قال غير واحد من السلف: ليحذر أحدكم أن يقول أحل اللّه كذا، وحرم كذا فيقول له اللّه كذبت لم أحل كذا ولم أحرمه.
وثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إذا حاصرت حصنا فسألوك أن تنزلهم على حكم اللّه ورسوله فإنك لا تدري أتصيب حكم اللّه فيهم أم لا، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك».
وسمعت شيخ الإسلام- يعني الشيخ ابن تيمية رضي اللّه عنه- قال: حضرت مجلسا فيه القضاة وغيرهم، فجرت حكومة حكم فيها أحدهم بقول زفر، فقلت له: ما هذه الحكومة؟ فقال: هذا حكم اللّه! فقلت له: صار قول زفر حكم اللّه الذي حكم به وألزم به الأمة! قل: هذا حكم زفر وقوله، ولا تقل حكم اللّه ونحو هذا من الكلام. انتهى.

.تفسير الآية رقم (125):

الآية السادسة:
{ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}.
{ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ}: حذف المفعول للتعميم لكونه بعث إلى الناس كافة.
وسبيل اللّه: هو الإسلام.
{بِالْحِكْمَةِ}: أي بالمقالة المحكمة الصحيحة.
قيل: وهي الحجج القطعية المفيدة لليقين.
{وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}: وهي المقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها.
قيل: وهي الحجج الظنية الإقناعية الموجبة للتصديق بمقدمات مقبولة.
قيل: وليس للدعوة إلا هاتان الطريقتان. ولكن الداعي قد يحتاج مع الخصم الألد إلى استعمال المعارضة والمناقضة ونحو ذلك من الجدل، ولهذا قال سبحانه: {وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: أي بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة، وإنما أمر اللّه سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الداعي محقا وغرضه صحيحا وكان خصمه مبطلا وغرضه فاسدا.

.تفسير الآية رقم (126):

الآية السابعة:
{وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)}.
{وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ}: أي بمثل ما فعل بكم لا تجاوزوا ذلك.
قال ابن جرير: نزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة أن لا ينال من ظالمه إذا تمكن إلا مثل ظلامته، لا يتعداها إلى غيرها، وهذا صواب لأن الآية وإن قيل: إن لها سببا خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ، وعمومه يؤدي هذا المعنى الذي ذكره. وسمى سبحانه الفعل الأول الذي هو فعل البادئ بالشر عقوبة، مع أن العقوبة ليست إلا فعل الثاني وهو المجازي، للمشاكلة وهي باب معروف وقع في كثير من آيات الكتاب العزيز، ثم حث سبحانه على العفو فقال: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)} أي لئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل فالصبر خير لكم من الانتصار، ووضع الصابرين الظاهر موضع الضمير ثناء من اللّه عليهم بأنهم صابرون على الشدائد.
وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية محكمة لأنها واردة في الصبر عن المعاقبة والثناء على الصابرين على العموم.
وقيل: هي منسوخة بآيات القتال ولا وجه لذلك.

.سورة الإسراء:

مائة وإحدى عشرة آية.
وهي مكيّة: قاله ابن عباس، ومثله عن ابن الزبير إلا أنه استثنى: إلا ثلاث آيات، قوله عز وجل: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ} [الإسراء: 76] نزلت حين جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وفد ثقيف، حين قالت اليهود: ليست هذه بأرض الأنبياء، وقوله تعالى: {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80]، وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء: 60]، وزاد مقاتل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} [الإسراء: 107].

.تفسير الآية رقم (29):

الآية الأولى:
{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29)}.
{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ}: هذا النهي يتناول كل مكلف، وقد وجه الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تعريفا للأمة وتعليما لهم، وإن كان الخطاب لكل فمن يصلح له من المكلفين.
والمراد النهي للإنسان أن يمسك إمساكا يصير به مضيقا على نفسه وعلى أهله، ولا يوسع في الإنفاق توسيعا لا حاجة إليه بحيث يكون به مسرفا، فهو نهي عن جانبي الإفراط والتفريط، ويحصل من ذلك مشروعية التوسط وهو العدل الذي ندب اللّه إليه.
ولا تك فيها مفرطا أو مفرّطا ** كلا طرفي قصد الأمور ذميم

وقد مثّل اللّه سبحانه في هذه الآية حال الشحيح بحال من كانت يده مغلولة إلى عنقه بحيث لا يستطيع التصرف بها ومثّل حال من يجاوز الحد في التصرف بحال من يبسط يده بسطا لا يتعلق بسببه فيها شيء مما تقبض الأيدي عليه، وفي هذا التصوير مبالغة بليغة.
ثم بين سبحانه غاية الطرفين المنهي عنهما فقال: {فَتَقْعُدَ مَلُوماً}: عند الناس بسبب ما أنت عليه من الشح.
{مَحْسُوراً (29)}: بسبب ما فعلته من الإسراف، أي منقطعا عن المقاصد بسبب الفقر.
والمحسور في الأصل: المنقطع عن السير.
وقيل: معناه نادما على ما سلف.

.تفسير الآية رقم (33):

الآية الثانية:
{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33)}.
{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً}: أي لا لسبب من الأسباب المسوغة لقتله شرعا.
{فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً}: أي لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين، والسلطان التسلّط على القاتل إن شاء قتل وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.
{فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}: أي لا يجاوز ما أباحه اللّه له، فيقتل بالواحد الاثنين أو الجماعة، أو يمثّل بالقاتل أو يعذبه.
{إِنَّهُ}، أي الولي.
{كانَ مَنْصُوراً (33)} أي مؤيدا معانا، فإن اللّه سبحانه نصره بإثبات القصاص له بما أبرزه من الحجج وأوضحه من الأدلة، وأمر أهل الولايات فبمعونته والقيام بحقه حتى يستوفيه.
وقيل: هذه الآية من أول ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكيّة.