فصل: تفسير الآية رقم (222):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (222):

الآية الرابعة والثلاثون:
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}.
هو الحيض، وهو مصدر.
وقيل: الاسم.
وقيل: المحيض: عبارة عن الزمان والمكان وهو مجاز فيهما. وأصل هذه الكلمة من السيلان والانفجار يقال: حاض السيل وفاض ومنه الحوض لأن الماء يحوض إليه أي يسيل.
{قُلْ هُوَ أَذىً} أي شيء يتأذى به أي برائحته. والأذى هو كناية عن القذر ويطلق على القول المكروه، ومنه قوله تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى} [البقرة: 264]. ومنه قوله تعالى: {وَدَعْ أَذاهُمْ} [الأحزاب: 48].
{فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ} أي فاجتنبوهنّ في زمان الحيض، إن حمل الحيض على المصدر، أو في محل الحيض إن حمل على الاسم.
والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك.
وأما ما يروى عن ابن عباس وعبيدة السلماني أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك شيئا.
ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين.
{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} والطهر: انقطاع الحيض، والتطهر: الاغتسال.
وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء.
وقال محمد بن كعب القرضي ويحيى بن بكير: إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل.
وقال مجاهد وعكرمة: إن انقطع الدم يحلها لزوجها ولكن تتوضأ.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة. وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد.
قال الشوكاني في فتح القدير والأولى أن يقال إن اللّه سبحانه جعل للحلّ غايتين- كما تقتضيه القراءتان- إحداهما انقطاع الدم، والأخرى التطهر منه، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى، فيجب المصير إليها.
وقد دلّ على أن الغاية الأخرى هي المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك: {فَإِذا تَطَهَّرْنَ} فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر لا مجرد انقطاع الدم. وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة العمل بتلك الزيادة، كذلك يجب الجمع بين القراءتين. انتهى.
{فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} أي فجامعوهن. وكنى عنه بالإتيان والمراد أنهم يجامعون في المأتي الذي أباحه اللّه وهو القبل. قيل: {مِنْ حَيْثُ} بمعنى في حيث كما في قوله تعالى: {إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]. وقوله: {ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [فاطر: 40] أي في الأرض وقيل: إن المعنى من الوجه الذي أذن اللّه لكم فيه: أي من غير صوم وإحرام واعتكاف.
وقيل: إن المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض، وقيل: من قبل الإحلال لا من قبل الزنا.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} قيل: المراد التوابون عن الذنوب، والمتطهرون من الجنابة والأحداث، وقيل: التوابون من إتيانهن في الحيض والأول أظهر.

.تفسير الآية رقم (223):

الآية الخامسة والثلاثون:
{نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}.
لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة إذ هو مزرع الذرية كما أن الحرث من زرع النبات، فقد شبه ما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبت بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه. وهذه الجملة بيان للجملة الأولى أعني قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} وقوله: {أَنَّى شِئْتُمْ} أي من أي جهة شئتم: من خلف وقدام وباركة ومستلقية ومضطجعة إذا كان في موضع الحرث وأنشد:
إنما الأرحام أرضو ** ن لنا محترثات

فعلينا الزرع فيها ** وعلى اللّه النبات

وإنما عبر سبحانه: {أَنَّى} لكونها أعم في اللغة من أين وكيف ومتى. وأما سيبويه ففسرها هنا بكيف، وقد ذهب السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة إلى ما ذكرنا من تفسير الآية إلى أن إتيان الزوجة في دبرها حرام.
وروي عن سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون أنه يجوز ذلك، حكاه القرطبي في تفسيره، قال: وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى كتاب السر وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ومالك أجلّ من أن يكون له كتاب سرّ! ووقع هذا القول في العتبية.
وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز ذلك إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن وقال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} ثم قال: فأي شيء أبين من هذا؟
وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك. وفي أسانيدها ضعف.
وقد روى الطحاوي عن محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال.
وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب. قال ابن الصباغ: كان الربيع يحلف باللّه الذي لا إله إلا هو لقد كذب ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك!! فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة من كتبه. وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة في شرحنا لبلوغ المرام فليرجع إليه. والحق هو التحريم.
وقد أخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق خزيمة بن ثابت أن سائلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن إتيان النساء في أدبارهن؟ فقال: حلال ولا بأس فلما ولّى دعاه فقال: كيف قلت؟ أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا إن اللّه لا يستحي من الحق. «لا تأتوا النساء في أدبارهن».
وعن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لا ينظر اللّه إلى رجل أتى امرأته في الدبر» أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان.
وعن ابن عمر أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى» أخرجه أحمد والبيهقي في سننه.
وعن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ملعون من أتى امرأته في دبرها» أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.
وقد ورد النهي عن ذلك من طرق كثيرة. وقد ثبت نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين مرفوعا وموقوفا. وقد روي القول بحل ذلك عن جماعة كما سلف.
قال الشوكاني في فتح القدير: وليس في أقوال هؤلاء حجة البتة: ولا يجوز لأحد أن يعمل على أقوالهم، فإنهم لم يأتوا بدليل يدلّ على الجواز فمن زعم منهم أنه فهم ذلك من الآية فقد أخطأ في فهمه وقد فسرها لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأكابر الصحابة بخلاف ما قاله هذا المخطئ في فهمه كائنا من كان. ومن زعم منهم أن سبب نزول هذه الآية أن رجلا أتى امرأته في دبرها فليس هذا ما يدل على أن الآية أحلت ذلك ومن زعم ذلك فقد أخطأ بل الذي تدل عليه الآية أن ذلك حرام فيكون ذلك هو السبب لا يستلزم أن تكون الآية نازلة في تحليله فإن الآيات النازلة على أسباب تأتي تارة بتحليل هذا وتارة بتحريمه.
وقد روي عن ابن عباس أنه فسر هذه الآية فقال: معناها إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا.
روى ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والضياء في المختارة وروي نحو ذلك عن ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة، وعن سعيد بن المسيب أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير. انتهى.

.تفسير الآية رقم (224):

الآية السادسة والثلاثون:
{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}.
العرضة: النصبة. قاله الجوهري.
وقيل: من الشدة والقوّة، ومنه قولهم للمرأة: عرضة للنكاح: إذا صلحت له وقويت عليه، ولفلان عرضة: أي قوة.
ويطلق على الهمة، ويقال: فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه.
فعلى المعنى الأول يكون اسما لما تعرضه دون الشيء: أي لا تجعلوا اللّه حاجزا ومانعا لما حلفتم عليه، وذلك لأن الرجل كان يحلف على بعض الخير من صلة رحم أو إحسان إلى الغير أو إصلاح بين الناس بأن لا يفعل ذلك، ثم يمتنع من فعله معللا لذلك الامتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله. وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية فنهاهم اللّه أن يجعلوه عرضة لأيمانهم أي حاجزا لما حلفوا عليه ومانعا منه وسمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين.
وعلى هذا يكون قوله: {أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} عطف بيان لأيمانكم: أي لا تجعلوا اللّه مانعا منه للأيمان التي هي بركم وتقواكم فإصلاحكم بين الناس: ويتعلق قوله: {لِأَيْمانِكُمْ} بقوله: {وَلا تَجْعَلُوا}، أي: لا تجعلوا اللّه لأيمانكم مانعا وحاجزا، ويجوز أن يتعلق بعرضة أي: لا تجعلوه سببا متعرضا بينكم وبين البرّ وما بعده.
وعلى المعنى الثاني، وهو أن العرضة: الشدة والقوة يكون معنى الآية: لا تجعلوا اليمين باللّه قوة لأنفسكم وعدّة في الامتناع من الخير.
ولا يصلح تفسير الآية على المعنى الثالث وهو الهمة.
وأما على المعنى الرابع وهو فلان لا يزال عرضة للناس فيكون معنى الآية لا تجعلوا اللّه معرضا لأيمانكم فتبتذلونه بكثرة الحلف به. ومنه: {وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ} [المائدة: 89] وقد ذمّ اللّه المكثرين للحلف فقال: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)} [القلم: 10]. وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان.
وعلى هذا فيكون قوله: {أَنْ تَبَرُّوا} علة للنهي أي لا تجعلوا اللّه معرضا لأيمانكم إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن من يكثر الحلف باللّه يجترئ على الحنث ويفجر في يمينه.
وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلى هذه الوجوه التي ذكرناها وهي مذكورة في فتح القدير وغيره.

.تفسير الآية رقم (225):

الآية السابعة والثلاثون:
{لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}.
اللّغو: مصدر لغا يلغو لغوا، ولغى يلغو لغيا: إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام أو بما لا خير فيه، وهو الساقط الذي لا يعتدّ به. فاللغو من اليمين هو الساقط الذي لا يعتدّ به فمعنى الآية لا يعاقبكم اللّه بالساقط من أيمانكم ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم: أي اقترفته بالقصد إليه وهي اليمين المعقودة، مثله قوله تعالى: {وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ} [المائدة: 89]. ومثله قول الشاعر:
ولست بمأخوذ بلغو تقوله ** إذا لم تعمد عاقدات العزائم

وقد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو: فذهب ابن عباس وعائشة وجمهور العلماء إلى أنها قول الرجل: لا واللّه وبلى واللّه في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريدا لها.
قال المروزي: هذا معنى لغو اليمين الذي اتفق عليه عامة العلماء.
وقال أبو هريرة وجماعة من السلف: هو أن يحلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه أتاه فإذا ليس هو ما ظنه. وإلى هذا ذهبت الحنفية وبه قال مالك في الموطأ.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. وبه قال طاووس ومكحول، وروي عن مالك.
وقيل: إن اللغو هو يمين المعصية. قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد اللّه بن الزبير وأخوه عروة: كالذي يقسم ليشر بن الخمر أو ليقطعن الرحم.
وقيل: لغو اليمين هو دعاء الرجل على نفسه كأن يقول: أعمى اللّه بصره أذهب اللّه ماله هو يهودي، هو مشرك. قاله زيد بن أسلم.
وقال مجاهد: لغو اليمين أن يتبايع الرجلان فيقول أحدهما واللّه لأبيعك بكذا ويقول الآخر واللّه لأشتريه بكذا.
وقال الضحاك لغو اليمين هي المكفرة: أي إذا كفرت سقطت وصارت لغوا، والراجح القول الأول لمطابقته للمعنى اللغوي ولدلالته على الأدلة.