فصل: تفسير الآيات (226- 227):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآيات (226- 227):

الآيتان الثامنة والتاسعة والثلاثون:
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}.
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ} أي يحلفون. وقد اختلف أهل العلم في الإيلاء فقال الجمهور: الإيلاء هو أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف على أربعة أشهر فما دونها لم يكن موليا، وكانت عندهم يمينا محضا. وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور.
وقال الثوري والكوفيون: الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا، وهو قول عطاء.
وروي عن ابن عباس أنه لا يكون موليا حتى يحلف أن لا يمسها أبدا.
وقالت طائفة: إذا حلف أن لا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء، وبه قال ابن مسعود والنخعي وابن أبي ليلى والحاكم وحماد بن أبي سليمان وقتادة وإسحاق. قال ابن المنذر: وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم.
وقوله: {مِنْ نِسائِهِمْ} يشمل الحرائر والإماء إذا كنّ زوجات، وكذلك يدخل تحت قوله: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} العبد إذا حلف من زوجته. وبه قال أحمد والشافعي وأبو ثور.
قالوا: وإيلاؤه كالحر.
وقال مالك والزهري وعطاء وأبو حنيفة وإسحاق: إن أجله شهران، وقال الشعبي: إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة.
{تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}. التربص: التأني والتأخر قال الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلّها ** تطلّق يوما أو يموت حليلها

وقت اللّه سبحانه بهذه المدة دفعا للضرار عن الزوجة، وقد كان أهل الجاهلية يؤلون السنة والسنتين وأكثر من ذلك يقصدون بذلك ضرار النساء، وقد قيل: إن الأربعة الأشهر هي التي لا تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادة عليها.
{فَإِنْ فاؤُ} أي رجعوا، ومنه: {حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أي ترجع.
ومنه قيل للظل بعد الزوال: فيء لأنه رجع عن جانب المشرق إلى المغرب.
قال ابن المنذر: وأجمع كل من يحفظ عنه العلم أن الفيء الجماع لمن لا عذر له، فإن كان له عذر مرض أو سجن فهي امرأته، فإذا زال العذر فأبى الوطء فرّق بينهما إن كانت المدة قد انقضت. قاله مالك.
وقالت طائفة: إذا شهد على فيئه بقلبه في حال العذر أجزأه. وبه قال الحسن وعكرمة والنخعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل.
وقد أوجب الجمهور على المولي إذا فاء بجماع امرأته الكفارة، وقال الحسن والنخعي لا كفارة عليه.
{فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} للزوج إذا تاب من إضراره امرأته. {رَحِيمٌ (226)} بكل التائبين.
{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} العزم: العقد على الشيء فمعنى عزموا الطلاق عقدوا عليه قلوبهم.
والطلاق: حلّ عقد النكاح، وفي ذلك دليل على أنها لا تطلق بمضيّ أربعة أشهر- كما قال مالك- ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة، وأيضا فإنه قال: {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} والسماع يقتضي مسموعا بعد المضيّ. وقال أبو حنيفة سميع لإيلائه عليم بعزمه الذي دل مضيّ أربعة أشهر.
قال الشوكاني في فتح القدير واعلم أن أهل كل مذهب قد فسروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم وتكلفوا بما لم يدل عليه اللفظ، ولا دليل آخر ومعناها ظاهر واضح وهو أن اللّه جعل الأجل لمن يولي: أي يحلف من امرأته أربعة أشهر ثم قال مخبرا للعباد بحكم هذا المولي بعد هذه المدة {فَإِنْ فاؤُ} أي رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)} أي لا يؤاخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم، {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} العزم منهم عليه والقصد له {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لذلك منهم {عَلِيمٌ (227)} به. فهذا معنى الآية لا شك فيه ولا شبهة.
فمن حلف أن لا يطأ امرأته ولم يقيد بمدّة أو قيد بزيادة على أربعة أشهر كان علينا إمهاله أربعة أشهر فإن مضت فهو بالخيار: إما رجع إلى نكاح امرأته وكانت زوجته بعد مضي المدة كما كانت زوجته قبلها أو طلقها وكان له حكم المطلق امرأته ابتداء. وأما إذا وقت بدون أربعة أشهر فإن أراد أن يبرّ في يمينه اعتزل امرأته التي حلف منها حتى تنقضي المدة كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حين آلى من نسائه شهرا فإنه اعتزلهنّ حتى مضى الشهر، وإن أراد أن يطأ امرأته قبل مضي تلك المدّة التي هي دون أربعة أشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة، وكان ممتثلا لما صح عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من قوله: «من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه».
وللسلف في الفيء أقوال مختلفة فينبغي الرجوع إلى الفيء لغة وقد بيناه.
وللصحابة والتابعين في هذا أقوال مختلفة متناقضة والمتعين الرجوع إلى ما في الآية الكريمة وهو ما عرفناك فاشدد عليه يديك.
وأخرج عبد الرزاق عن عمر قال: إيلاء العبد شهران.
وأخرج مالك عن ابن شهاب قال: إيلاء العبد نحو إيلاء الحر.

.تفسير الآية رقم (228):

الآية الأربعون:
{وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}.
{وَالْمُطَلَّقاتُ} يدخل تحت عمومه المطلقة قبل الدخول، ثم خصّص بقوله: {فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها} [الأحزاب: 49] فوجب بقاء العام على الخاص وخرجت من هذا العموم المطلّقة قبل الدخول، وكذلك خرجت الحامل بقوله: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ} [الطلاق: 4] وكذلك خرجت الآيسة لقوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228].
التربص: الانتظار وقيل: هو خبر في معنى الأمر: أي ليتربصن، قصد بإخراجه مخرج الخبر تأكيد وقوعه وزاده تأكيدا وقوعه خبرا للمبتدأ.
قال ابن العربي: وهذا باطل وإنما هو خبر عن حكم الشرع فإن وجدت مطلقة لا تتربص فليس ذلك من الشرع ولا يلزم من ذلك وقوع خبر اللّه سبحانه على خلاف مخبره.
{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} جمع قرء، قاله الجمهور، وقال الأصمعي: الواحد قرء بضم القاف وتشديد الواو، وقال أبو زيد بالفتح: وكلاهما قال: أقرأت المرأة: حاضت، وأقرأت: طهرت. وقال الأخفش: أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض، فإذا حاضت قلت: قرأت بلا ألف.
وقال أبو عمرو بن العلاء: من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعها جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا.
وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل: الوقت يقال: هبت الرياح لقرئها: أي لوقتها. فيقال للحيض: قرء، وللطهر: قرء لأن كل واحد منهما له وقت معلوم، وقد أطلقته العرب تارة على الاطهار وتارة على الحيض.
فالحاصل أن القرء في لغة العرب مشتركة بين الحيض والطهر ولأجل هذا الاشتراك اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية، فقال أهل الكوفة: هو الحيض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسّدي وأحمد بن حنبل. ورجحه السيد محمد الأمير في سبل السلام وذكرناه في مسك الختام.
وقال أهل الحجاز: هي الأطهار وهو قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي.
قال الشوكاني في فتح القدير: واعلم أنه قد وقع الاتفاق بينهم على أن القرء الوقت فصار معنى الآية عند الجميع والمطلقات يتربص بأنفسهنّ ثلاثة أوقات فهي على هذا مفسرة في العدد مجملة في المعدود، فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها: فأهل القول الأول استدلوا على أن المراد في هذه الآية الحيض بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «دعي الصلاة أيام أقرائك» وبقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان» وبأن المقصود من العدّة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر.
واستدل أهل القول الثاني بقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق وقت الطهر، وبقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعمر: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر... فتلك العدة التي أمر اللّه بها النساء» وذلك لأن الطهر هو الذي تطلق فيه النساء.
قال أبو بكر بن عبد الرحمن: ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا يقول: الأقراء هي الأطهار، فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة ولو لحظة ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة خرجت من العدة.
انتهى.
وعندي أنه لا حجة في بعض ما احتج به أهل القولين جميعا.
أما قول الأولين إن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «دعي الصلاة أيام أقرائك» فغاية ما في هذا أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أطلق الأقراء على الحيض ولا نزاع في جواز ذلك- كما هو شأن اللفظ المشترك بأنه يطلق تارة على هذا وتارة على هذا- وإنما النزاع في الأقراء المذكورة في هذه الآية، وأما قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الأمة «وعدتها حيضتان» فهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم- وصححه- من حديث عائشة- مرفوعا- وأخرجه ابن ماجة والبيهقي من حديث ابن عمر- مرفوعا- أيضا ودلالته على ما قاله الأولون قوية، وأما قولهم إن المقصود من العدّة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر، فيجاب عنه بأنه يتم لو لم يكن في هذه العدّة شيء من الحيض على فرض تفسير الإقراء بالإطهار وليس كذلك بل هي مشتملة على الحيض كما هي مشتملة على الأطهار، وأما استدلال أهل القول الثاني بقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فيجاب بأن التنازع في اللام في قوله: {لِعِدَّتِهِنَّ} يصير ذلك محتملا، ولا تقوم الحجة بمحتمل. أما استدلالهم بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعمر «مره فليراجعها» الحديث فهو الصحيح ودلالته قوية على ما ذهبوا إليه. ويمكن أن يقال إنها تنقضي بالعدّة بثلاثة أطهار وبثلاث حيض ولا مانع من ذلك فقد جوز جمع من أهل العلم حمل المشترك على معنييه، وبذلك يجمع بين الأدلة ويرتفع الخلاف ويندفع النزاع.
وقد استشكل الزمخشري تمييز الثلاثة بقوله قروء وهي جمع كثرة دون أقراء التي هي من جموع القلة وأجاب بأنهم يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية.
{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} قيل: المراد به الحيض، وقيل: الحمل، وقيل: كلاهما.
ووجه النهي عن الكتمان ما فيه في بعض الأحوال من الإضرار بالزوج وإذهاب حقه فإذا قالت المرأة: حضت ولم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع وإذا قالت هي:
لم تحض وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فأضرت به. وكذلك الحمل ربما تكتمه لتقطع حقه من الارتجاع وربما تدعيه لتوجب عليه النفقة ونحو ذلك من المقاصد المستلزمة للإضرار بالزوج.
وقد اختلفت الأقوال في المدّة التي تصدّق فيها المرأة إذا ادعت انقضاء عدّتها.
وفي الآية دليل على قبول قولهن في ذلك نفيا وإثباتا.
وقوله: {إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فيه وعيد شديد للكتمان، وبيان أن من كتمت ذلك منهنّ لم تستحق اسم الإيمان.
{وَبُعُولَتُهُنَّ} جمع بعل وهو الزوج سمي بعلا لعلوّه على الزوجة لأنهم يطلقونه على الرب. ومنه قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات: 125] أي ربا، ويقال بعول وبعولة كما يقال في جمع الذكر: ذكور وذكورة، وهذه التاء لتأنيث الجمع وهو شاذ لا يقاس عليه بل يعتبر فيه السماع. والبعولة أيضا يكون مصدرا من بعل الرجل يبعل، مثل منع يمنع أي صار بعلا.
وقوله: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} أي برجعتهنّ والإتيان بصيغة التفضيل لإفادة أن الرجل إذا أراد الرجعة والمرأة تأباها وجب إيثار قوله على قولها وليس معناه أن لها حقا في الرجعة.
قاله أبو السعود، وذلك يختص بمن كان يجوز للزوج مراجعتها فيكون في حكم التخصيص لعموم قوله: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} لأنه يعم المثلثات وغيرهنّ في ذلك: يعني مدة التربص، فإذا انقضت مدّة التربص فهي أحق بنفسها، ولا تحلّ له إلا بنكاح مستأنف بوليّ وشهود ومهر جديد، ولا خلاف في ذلك. والرجعة تكون باللفظ وتكون بالوطء ولا يلزم المراجع شيء من أحكام النكاح بلا خلاف إن أرادوا إصلاحا أي بالمراجعة أي إصلاح حاله معها وحالها معه، فإن قصد الإضرار بها فهي محرّمة لقوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا} قيل: إذا قصد بالرجعة الضرار فهي صحيحة، وإن ارتكب بذلك محرما وظلم نفسه، وعلى هذا فيكون الشرط المذكور في الآية للحث للأزواج على قصد الصلاح والزجر لهم عن قصد الضرار وليس المراد به جعل قصد الإصلاح شرطا لصحة الرجعة.
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}: أي لهنّ من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهنّ، فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم، وهي كذلك تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهنّ يفعلنه لأزواجهنّ من طاعة وتزين وتحبب ونحو ذلك.
{وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}: أي منزلة ليست لهنّ وهي قيامه عليه في الإنفاق، وكونه من أهل الجهاد والعقل والقوّة وله من الميراث أكثر مما لها وكونه يجب عليها امتثال أمره والوقوف عند رضاه ولو لم يكن من فضيلة الرجال على النساء إلا كونهنّ خلقهن من الرجال لما ثبت أن حواء خلقت من ضلع آدم.
وقد أخرج أهل السنن عن عمرو بن الأحوص أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «ألا إن لكم على نسائكم حقا وإن لنسائكم عليكم حقا: أما حقكم على نسائكم فإن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» وصححه الترمذي.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم- وصححه- والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري أنه سأل النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ما حق المرأة على الزوج؟
قال: أن تطعمها إذا أطعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في البيت»
.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قال: فضل ما فضله اللّه به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها.