فصل: التَّسْمِيعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّانِ وَالْمُصَحِّفِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: ‏فتح المغيث شرح ألفية الحديث ***


التَّسْمِيعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّانِ وَالْمُصَحِّفِ

639- وَلْيَحْذَرِ اللَّحَّانَ وَالْمُصَحِّفَا *** عَلَى حَدِيثِهِ بِأَنْ يُحَرَّفَا

640- فَيُدْخِلَا فِي قَوْلِهِ مَنْ كَذَبَا *** فَحَقٌّ النَّحْوُ عَلَى مَنْ طَلَبَا

641- وَالْأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لَا الْكُتُبِ *** أُدْفَعُ لِلتَّصْحِيفِ فَاسْمَعْ وَادْأَبِ

‏[‏حُكْمُ اجْتِنَابِ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ‏]‏‏:‏

الْفَصْلُ الْخَامِسُ ‏(‏التَّسْمِيعُ‏)‏ مِنَ الشَّيْخِ ‏(‏بِقِرَاءَةِ اللَّحَّانِ وَالْمُصَحِّفِ‏)‏، وَالْحَثُّ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ أَفْوَاهِ الشُّيُوخِ‏:‏ ‏(‏وَلْيَحْذَرِ‏)‏ الشَّيْخُ الطَّالِبَ ‏(‏اللَّحَّانَ‏)‏ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيِ‏:‏ الْكَثِيرَ اللَّحْنِ فِي أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ، وَكَذَا لِيَحْذَرِ ‏(‏الْمُصَحِّفَا‏)‏ فِيهَا وَفِي أَسْمَاءِ الرُّوَاةِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَلْحِنُ ‏(‏عَلَى حَدِيثِهِ بِأَنْ يُحَرِّفَا‏)‏ أَيْ‏:‏ خَوْفَ التَّحْرِيفِ فِي حَرَكَاتِهِ أَوْ ضَبْطِهِ ‏(‏مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا‏)‏ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ ‏(‏فَيُدْخِلَا‏)‏ أَيِ‏:‏ الشَّيْخُ، وَكَذَا الطَّالِبُ مِنْ بَابِ أَوْلَى ‏(‏فِي‏)‏ جُمْلَةِ ‏(‏قَوْلِهِ‏)‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏مَنْ كَذَبَا‏)‏ أَيْ‏:‏ ‏(‏كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ‏.‏

قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ‏:‏ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَنِ الْأَصْلِ مُعْرَبَةً، يَتَأَكَّدُ الْوَعِيدُ مَعَ اخْتِلَالِ الْمَعْنَى فِي اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ‏.‏ وَإِلَى الدُّخُولِ أَشَارَ الْأَصْمَعِيُّ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ‏:‏ سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ‏)‏‏.‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، فَمَهْمَا رَوَيْتَ عَنْهُ وَلَحَنْتَ فِيهِ فَقَدْ كَذَبْتَ عَلَيْهِ‏.‏

وَعَنْ سَالِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ قَالَ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ الْأَكْبَرِ، فَجَرَى ذِكْرُ الْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ‏:‏ وَاللَّهِ مَا اسْتَوَى رَجُلَانِ دِينُهُمَا وَاحِدٌ وَحَسَبُهُمَا وَاحِدٌ وَمُرُوءَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، أَحَدُهُمَا يَلْحَنُ، وَالْآخَرُ لَا يَلْحَنُ؛ لِأَنَّ أَفْضَلَهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الَّذِي لَا يَلْحِنُ‏.‏

فَقُلْتُ‏:‏ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، هَذَا أَفْضَلُ فِي الدُّنْيَا لِفَضْلِ فَصَاحَتِهِ وَعَرَبِيَّتِهِ، أَرَأَيْتَ الْآخِرَةَ مَا بَالُهُ أَفْضَلُ فِيهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِنَّهُ يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ الَّذِي يَلْحِنُ يَحْمِلُهُ لَحْنُهُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَيُخْرِجَ مَا هُوَ فِيهِ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ صَدَقَ الْأَمِيرُ وَبَرَّ‏.‏

وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ لِإِنْسَانٍ‏:‏ إِنْ لَحَنْتَ فِي حَدِيثِي فَقَدْ كَذَبْتَ عَلَيَّ‏.‏ فَإِنِّي لَا أَلْحَنُ‏.‏ وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ مُقَدَّمًا فِي ذَلِكَ، بِحَيْثُ إِنَّ سِيبَوَيْهِ شَكَى إِلَى الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي رَجُلٍ رَعُفَ،- يَعْنِي بِضَمِ الْعَيْنِ عَلَى لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ- فَانْتَهَرَهُ، وَقَالَ لَهُ‏:‏ أَخْطَأْتَ، إِنَّمَا هُوَ رَعَفَ- يَعْنِي بِفَتْحِهَا- فَقَالَ لَهُ الْخَلِيلُ‏:‏ صَدَقَ، أَتَلْقَى بِهَذَا الْكَلَامِ أَبَا أُسَامَةَ‏؟‏ وَهُوَ مِمَّا ذُكِرَ فِي سَبَبِ تَعَلُّمِ سِيبَوَيْهِ الْعَرَبِيَّةَ، وَيُقَالُ‏:‏ إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَيْضًا كَانَتْ سَبَبًا لِتَعَلُّمِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَحَدِ التَّابِعِينَ مِنْ شُيُوخِ حَمَّادٍ هَذَا لَهَا‏.‏

كَمَا رُوِّينَا فِي ‏(‏الْعِلْمِ‏)‏ لِلْمَوْهِبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ‏:‏ سَأَلَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَقُولُ فِي “ رَعُفَ “‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ وَمَا “ رَعُفَ “‏؟‏ أَتَعْجِزُ أَنْ تَقُولَ‏:‏ رَعَفَ‏؟‏ فَاسْتَحَى ثَابِتٌ وَطَلَبَ الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى قِيلَ لَهُ مِنَ انْهِمَاكِهِ فِيهَا‏:‏ ثَابِتٌ الْعَرَبِيُّ‏.‏

وَكَذَا كَانَ سَبَبُ اشْتِغَالِ أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ بِهِ لَفْظَةً، فَإِنَّهُ دَخَلَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهُ‏:‏ ادْنُهْ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ أَنَا دَنِيٌّ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ يَا بُنَيَّ، لَا تَقُلْ‏:‏ أَنَا دَنِيٌّ‏.‏ وَلَكِنْ قُلْ‏:‏ أَنَا دَانٍ‏.‏

وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الدُّخُولِ فِي الْوَعِيدِ مَنْ قَرَأَ الْحَدِيثَ بِالْأَلْحَانِ وَالتَّرْجِيعِ الْبَاعِثِ عَلَى إِشْبَاعِ الْحَرْفِ الْمُكْسِبِ لِلَّفْظِ سَمَاجَةً وَرَكَاكَةً، فَسَيِّدُ الْفُصَحَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِشَخْصٍ كَانَ يُطَرِّبُ فِي أَذَانِهِ‏:‏ إِنِّي أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ‏.‏

‏[‏وُجُوبُ تَعَلُّمِ عِلْمِ النَّحْوِ‏]‏‏:‏

وَلِلْخَوْفِ مِنَ الْوَعِيدِ ‏(‏فَحَقٌّ النَّحْوُ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ الَّذِي حَقِيقَتُهُ عِلْمٌ بِأُصُولٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنَ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وُضِعَتْ حِينَ اخْتِلَاطِ الْعَجَمِ وَنَحْوِهِمْ بِالْعَرَبِ، وَاضْطِرَابِ الْعَرَبِيَّةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، يُعْرَفُ بِهَا أَحْوَالُ الْكَلِمَةِ الْعَرَبِيَّةِ إِفْرَادًا وَتَرْكِيبًا، وَكَذَا اللُّغَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَعَانِي لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَيْهَا تَكَلُّمًا، ‏(‏عَلَى مَنْ طَلَبَا‏)‏ الْحَدِيثَ، وَأَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ عَنْ شَيْنِ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ‏.‏

وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ فِي أَوَاخِرِ ‏(‏الْقَوَاعِدِ‏)‏‏:‏ الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، فَالْوَاجِبَةُ كَالِاشْتِغَالِ بِالنَّحْوِ الَّذِي يُفْهَمُ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِذَلِكَ، فَيَكُونُ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ‏.‏ وَلِذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ ‏(‏النَّحْوُ فِي الْعِلْمِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَسْتَغْنِي شَيْءٌ عَنْهُ‏)‏‏.‏

ثُمَّ قَالَ الْعِزُّ‏:‏ وَكَذَا مِنَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ شَرْحُ الْغَرِيبِ، وَتَدْوِينُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالتَّوَصُّلُ إِلَى تَمْيِيزِ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ‏.‏ يَعْنِي بِذَلِكَ عِلْمَ الْحَدِيثِ‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُحَرَّمَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ وَالْمُبَاحَةَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ ذَلِكَ- يَعْنِي مَا ذَكَرَ فِي الْمُبَاحَةِ- مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى‏.‏ وَكَذَا صَرَّحَ غَيْرُهُ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا‏.‏

لَكِنْ لَا يَجِبُ التَّوَغُّلُ فِيهِ، بَلْ يَكْفِيهِ تَحْصِيلُ مُقَدِّمَةٍ مُشِيرَةٍ لِمَقَاصِدِهِ بِحَيْثُ يَفْهَمُهَا وَيُمَيِّزُ بِهَا حَرَكَاتِ الْأَلْفَاظِ وَإِعْرَابِهَا، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فَاعِلٌ بِمَفْعُولٍ، أَوْ خَبَرٌ بِأَمْرٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخَطِيبُ قَالَ فِي ‏(‏جَامِعِهِ‏)‏‏:‏ ‏(‏إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّحْنَ فِي رِوَايَتِهِ، وَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ دُرْبَةِ النَّحْوِ، وَمُطَالَعَتِهِ عِلْمَ الْعَرَبِيَّةِ‏)‏‏.‏ ثُمَّ سَاقَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَيْسَ يَتَّقِي مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي‏)‏‏.‏

وَمِمَّنْ أَشَارَ لِذَلِكَ شَيْخُنَا فَقَالَ‏:‏ وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي مَنْ يُرِيدُ قِرَاءَةَ الْحَدِيثَ أَنْ يَعْرِفَ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ أَلَّا يَلْحِنَ‏.‏

وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْمَرُونَ، أَوْ قَالَ الْقَائِلُ‏:‏ كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ السُّنَّةَ، ثُمَّ الْفَرَائِضَ، ثُمَّ الْعَرَبِيَّةَ الْحُرُوفَ الثَّلَاثَةَ‏.‏ وَفَسَّرَهَا بِالْجَرِّ وَالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوَغُّلَ فِيهِ قَدْ يُعَطِّلُ عَلَيْهِ إِدْرَاكَ هَذَا الْفَنِّ الَّذِي صَرَّحَ أَئِمَّتُهُ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَقُ إِلَّا بِمَنْ قَصَرَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَضُمَّ غَيْرَهُ إِلَيْهِ‏.‏

وَقَدْ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ فِي جُزْءِ “ ذَمِّ الْغِيبَةِ “‏:‏ إِنَّ غَايَةَ عِلْمِ النَّحْوِ وَعِلْمِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهُ أَنْ يَقْرَأَ فَلَا يَلْحَنَ، وَيَكْتُبَ فَلَا يَلْحَنَ، فَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ، فَمَشْغَلَةٌ عَنِ الْعِلْمِ وَعَنْ كُلِّ خَيْرٍ‏.‏ وَنَاهِيكَ بِهَذَا مِنْ مِثْلِهِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو الْعَيْنَاءِ لِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الصُّولِيِّ‏:‏ ‏(‏النَّحْوُ فِي الْعُلُومِ كَالْمِلْحِ فِي الْقِدْرِ، إِذَا أَكْثَرْتَ مِنْهُ صَارَ الْقِدْرُ زُعَاقًا‏)‏‏.‏

وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِلْمَانِ‏:‏ عِلْمٌ لِلدِّينِ، وَعِلْمٌ لِلدُّنْيَا، فَالَّذِي لِلدِّينِ الْفِقْهُ، وَالْآخَرُ الطِّبُّ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الشِّعْرِ وَالنَّحْوِ فَهُوَ عَنَاءٌ وَتَعَبٌ‏.‏ رَوِّينَاهُ فِي “ جُزْءِ ابْنِ حَكَمَانَ “، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَالُ مَنْ وُصِفَ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِاللَّحْنِ، كَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَسِيِّ، وَعَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَهُشَيْمٍ، وَوَكِيعٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ‏.‏

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى عَبْدَانُ حَالَ تَحْدِيثِهِ وَابْنُ سُرَيْجٍ يَسْمَعُ‏:‏ “ مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يَجِبْ “‏.‏ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ‏:‏ أَرَأَيْتَ أَنْ تَقُولَ‏:‏ يُجِبُ‏.‏ يَعْنِي‏:‏ بِضَمِّهَا، فَأَبَى أَنْ يَقُولَ، وَعَجِبَ مِنْ صَوَابِ ابْنِ سُرَيْجٍ، كَمَا عَجِبَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ خَطَئِهِ فِي آخَرِينَ مِمَّنْ لَا أُطِيلُ بِإِيرَادِ أَخْبَارِهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ شَرَعْتُ فِي جُزْءٍ فِي ذَلِكَ، وَإِلَيْهِمْ أَشَارَ 5السِّلَفِيُّ لَمَّا اجْتَمَعَ بِأَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَذَّاءِ الْقَيْسِيِّ الصَّقَلِّيِّ بِالثَّغْرِ، وَالْتَمَسَ مِنْهُ السَّمَاعَ وَتَعَلَّلَ بِأُمُورٍ عُمْدَتُهُ فِيهَا التَّحَرُّزُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ قِرَاءَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَقَدْ كَانَ فِي الرُّوَاةِ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ قَوْمٌ، وَاحْتُجَّ بِرِوَايَاتِهِمْ فِي الصِّحَاحِ، وَلَا يَجُوزُ تَخْطِئَتُهُمْ وَتَخْطِئَةُ مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ‏)‏‏.‏ وَسَبَقَهُ النَّسَائِيُّ فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي ‏(‏الْكِفَايَةِ‏)‏ مِنْ طَرِيقِهِ‏:‏ إِنَّهُ لَا يُعَابُ اللَّحْنُ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ، وَقَدْ كَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ يَلْحَنُ وَسُفْيَانُ‏.‏ وَذَكَرَ ثَالِثًا‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ‏.‏

وَقَالَ السِّلَفِيُّ أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَادِشٍ الْحَنْبَلِيِّ‏:‏ إِنَّهُ كَانَ قَارِئَ بَغْدَادَ، وَالْمُسْتَمْلَى بِهَا عَلَى الشُّيُوخِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ كَثِيرُ السَّمَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أُنْسٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يَلْحَنُ لَحْنَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَيْمُونٍ الصَّدَفِيُّ‏:‏ أَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ الْحَافِظُ قَالَ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَى الْقَاضِي أَبِي الطَّاهِرِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ الذُّهْلِيِّ كِتَابَ ‏(‏الْعِلْمِ‏)‏ لِيُوسُفَ الْقَاضِي، فَلَمْا فَرَغْتُ قُلْتُ لَهُ‏:‏ قَرَأْتُهُ عَلَيْكَ كَمَا قَرَأْتَهُ أَنْتَ‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، إِلَّا اللَّحْنَةَ بَعْدَ اللَّحْنَةَ‏.‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ أَيُّهَا الْقَاضِي، أَفَسَمِعْتَهُ أَنْتَ مُعْرَبًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا‏.‏ قُلْتُ‏:‏ هَذِهِ بِهَذِهِ، وَقُمْتُ مِنْ لَيْلَتِي فَجَلَسْتُ عِنْدَ ابْنِ الْيَتِيمِ النَّحْوِيِّ‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَدَّادِ الْفَقِيهُ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ حَرْبٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ حَرْبَوَيْهِ جُزْءًا مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، فَلَمْا قَرَأْتُ قُلْتُ‏:‏ قَرَأْتُ كَمَا قُرِئَتْ عَلَيْكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، إِلَّا الْإِعْرَابَ، فَإِنَّكَ تُعْرِبُ، وَمَا كَانَ يُوسُفَ يُعْرِبُ‏.‏

وَفِي ‏(‏اللُّقَطِ‏)‏ لِلْبَرْقَانِيِّ، وَعَنْهُ رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي ‏(‏الْكِفَايَةِ‏)‏ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ اللَّحْنِ فِي الْحَدِيثِ- يَعْنِي إِذَا لَمْ يُغَيِّرِ الْمَعْنَى- فَقَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ بِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنَ الذَّمِّ الشَّدِيدِ لِمَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُبْصِرِ الْعَرَبِيَّةَ، كَقَوْلِ شُعْبَةَ‏:‏ إِنَّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ وَلَيْسَ لَهُ رَأْسٌ‏.‏ وَقَوْلِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ‏:‏ إِنَّهُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ عَلَيْهِ مِخْلَاةٌ لَا شَعِيرَ فِيهَا‏.‏ الَّذِي نَظَمَهُ جَعْفَرٌ السَّرَّاجُ شَيْخُ السِّلَفِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏

مَثَلُ الطَّالِبِ الْحَدِيثَ وَلَا *** يُحْسِنُ نَحْوًا وَلَا لَهُ آلَاتُ

كَحِمَارٍ قَدْ عُلِّقَتْ لَيْسَ فِيهَا *** مِنْ شَعِيرٍ بِرَأْسِهِ مِخْلَاتُ

فَذَاكَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهَا عَمَلٌ أَصْلًا، عَلَى أَنَّ رُبَّ شَخْصٍ يَزْعُمُ مَعْرِفَتَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ إِنْ قَرَأَ لَحَّنَهُ النُّحَاةُ،وَخَطَّأَهُ لِتَصْحِيفِهِ الرُّوَاةُ، فَهُوَ كَمَا قِيلَ‏:‏

هُوَ فِي الْفِقْهِ فَاضِلٌ لَا يُجَارَى *** وَأَدِيبٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأُدَبَاءِ

لَا إِلَى هَؤُلَاءِ إِنْ طَالَبُوهُ *** وَجَدُوهُ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ

وَقَدْ كَانَ لِعَمْرِو بْنِ عَوْنٍ الْوَاسِطِيِّ مُسْتَمْلٍ يَلْحَنُ كَثِيرًا فَقَالَ‏:‏ أَخِّرُوهُ‏.‏ وَتَقَدَّمَ إِلَى وَرَّاقٍ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْأَدَبِ وَالشِّعْرِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لِكَوْنِهِ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ يُصَحِّفُ فِي الرُّوَاةِ كَثِيرًا، فَقَالَ عَمْرٌو‏:‏ رُدُّونَا إِلَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَلْحَنُ فَلَيْسَ يَمْسَخُ‏.‏ وَنَحْوُ هَذَا الصَّنِيعِ تَرْجِيحُ شَيْخِنَا مَنْ عَرَفَ مُشْكِلَ الْأَسْمَاءِ وَالْمُتُونِ دُونَ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى مَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ فَقَطْ‏.‏

‏[‏سَبِيلُ السَّلَامَةِ مِنَ اللَّحْنِ‏]‏‏:‏

‏(‏وَالْأَخْذُ‏)‏ لِلْأَسْمَاءِ وَالْأَلْفَاظِ ‏(‏مِنْ أَفْوَاهِهِمْ‏)‏؛ أَيِ‏:‏ الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ الضَّابِطِينَ لَهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ أَيْضًا عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ شُيُوخِهِ، وَهَلُمَّ جَرًّا، ‏(‏لَا‏)‏ مِنْ بُطُونِ ‏(‏الْكُتُبِ‏)‏ أَوِ الصُّحُفِ مِنْ غَيْرِ تَدْرِيبِ الْمَشَايِخِ‏.‏

‏(‏أَدْفَعُ لِلتَّصْحِيفِ‏)‏ وَأَسْلَمُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، ‏(‏فَاسْمَعْ‏)‏ أَيُّهَا الطَّالِبُ مَا أَقُولُهُ لَكَ، ‏(‏وَادْأَبِ‏)‏ أَيْ‏:‏ جِدَّ فِي تَلَقِّيهِ عَنِ الْمُتْقِنِينَ الْمُتَّقِينَ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كَانَ يُقَالُ‏:‏ لَا تَأْخُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ مُصْحَفِيٍّ، وَلَا الْعِلْمَ مِنْ صُحُفِيٍّ‏.‏ وَقَالَ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ‏:‏ لَا يُفْتِي النَّاسَ صُحُفِيٌّ، وَلَا يُقْرِئُهُمْ مُصْحَفِيٌّ‏.‏ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ‏:‏

وَمِنْ بُطُونِ كَرَارِيسَ رِوَايَتُهُمْ *** لَوْ نَاظَرُوا بَاقِلًا يَوْمًا لَمَا غَلَبُوا

وَالْعِلْمُ إِنْ فَاتَهُ إِسْنَادُ مُسْنِدِهِ *** كَالْبَيْتِ لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ وَلَا طُنُبُ

فِي أَهَاجِي كَثِيرَةٍ لِلْمُتَّصِفِ بِذَلِكَ أَوْرَدَ مِنْهَا الْعَسْكَرِيُّ فِي ‏(‏التَّصْحِيفِ‏)‏ نُبْذَةً، وَكَذَا أَوْرَدَ فِيهِ مِمَّا مُدِحَ بِهِ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ‏:‏

لَا يَهِمُ الْحَاءَ بِالْقِرَاءَةِ بِالْخَاءِ وَلَا يَأْخُذُ إِسْنَادَهُ مِنَ الصُّحُفِ

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- لَمَّا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَالَ لَهُ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ‏:‏ ‏(‏إِنَّ فِي الْحِكْمَةِ كَذَا-‏:‏ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُنِي عَنِ الصُّحُفِ‏)‏‏.‏ لِذَلِكَ، وَرُوِّينَا فِي ‏(‏مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ‏)‏ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَا زَالَ هَذَا الْعِلْمُ عَزِيزًا يَتَلَقَّاهُ الرِّجَالُ حَتَّى وَقَعَ فِي الصُّحُفِ، فَحَمَلَهُ أَوْ دَخَلَ فِيهِ غَيْرُ أَهْلِهِ‏.‏

إِذَا عُلِمَ هَذَا فَاللَّحْنُ- كَمَا قَالَ صَاحِبُ ‏(‏الْمَقَايِيسِ‏)‏‏:‏- بِسُكُونِ الْحَاءِ، إِمَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ الصَّحِيحَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، يُقَالُ‏:‏ لَحَنَ لَحْنًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهُوَ عِنْدَنَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَلَّدِ؛ لِأَنَّ اللَّحْنَ مُحْدَثٌ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ، وَاللَّحَنُ بِالتَّحْرِيكِ الْفِطْنَةُ، يُقَالُ‏:‏ لَحَنَ لَحْنًا فَهُوَ لَحِنٌ وَلَاحِنٌ، وَفِي الْحَدِيثِ‏:‏ ‏(‏لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ‏)‏‏.‏

وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ مِثْلَهُ وَقَالَ‏:‏ يُقَالُ فِي الْفِطْنَةِ‏:‏ لَحِنَ بِكَسْرِ الْحَاءِ يَلْحَنُ بِفَتْحِهَا، وَفِي ‏(‏الزَّيْغِ عَنِ الْإِعْرَابِ‏)‏‏:‏ لَحَنَ بِفَتْحِ الْحَاءِ‏.‏

إِصْلَاحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ

642- وَإِنْ أَتَى فِي الْأَصْلِ لَحْنٌ أَوْ خَطَا *** فَقِيلَ يُرْوَى كَيْفَ جَاءَ غَلَطَا

643- وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِينَ يُصْلِحُ *** وَيَقْرَأُ الصَّوَابَ وَهْوَ الْأَرْجَحُ

644- فِي اللَّحْنِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ *** وَصَوَّبُوا الْإِبْقَاءَ مَعْ تَضْبِيبِهِ

645- وَيَذْكُرُ الصَّوَابَ جَانِبًا كَذَا *** عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ نَقْلًا أُخِذَا

646- وَالْبَدْءُ بِالصَّوَابِ أَوْلَى وَأَسَدْ *** وَأَصْلَحُ الْإِصْلَاحِ مِنْ مَتْنٍ وَرَدْ

647- وَلْيَأْتِ فِي الْأَصْلِ بِمَا لَا يَكْثُرُ *** كَابْنٍ وَحَرْفٍ حَيْثُ لَا يُغَيِّرُ

648- وَالسَّقْطُ يَدْرِي أَنَّ مَنْ فَوْقَ أَتَى *** بِهِ يُزَادُ بَعْدَ، يَعْنِي مُثْبِتَا

649- وَصَحَّحُوا اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ فِي *** كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ

650- صِحَّتَهُ مِنْ بَعْضِ مَتْنٍ أَوْ سَنَدْ *** كَمَا إِذَا ثَبَّتَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ

651- وَحَسَّنُوا الْبَيَانَ كَالْمُسْتَشْكِلِ *** كِلْمَةً فِي أَصْلِهِ فَلْيَسْأَلِ

الْفَصْلُ السَّادِسُ‏:‏ ‏(‏إِصْلَاحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ‏)‏‏:‏ الْوَاقِعَيْنِ فِي الرِّوَايَةِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ، وَهِيَ مِنْ فُرُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاغْتِفَارُ اللَّحَقِ الْيَسِيرِ الَّذِي عُلِمَ سَهْوُ الْكَاتِبِ فِي حَذْفِهِ، وَكِتَابَةُ مَا دَرَسَ مِنْ كِتَابِهِ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى، وَنَحْوُ ذَلِكَ‏.‏

‏[‏الْخِلَافُ فِي إِصْلَاحِ اللَّحْنِ وَإِبْقَاءَهُ‏]‏‏:‏

‏(‏وَإِنْ أَتَى فِي الْأَصْلِ‏)‏ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، ‏(‏لَحْنٌ‏)‏ فِي الْإِعْرَابِ، ‏(‏أَوْ خَطَا‏)‏ مِنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى الصَّوَابِ وَإِصْلَاحِهِ، ‏(‏فَقِيلَ‏)‏‏:‏ إِنَّهُ ‏(‏يُرْوَى كَيْفَ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ كَمَا ‏(‏جَاءَ‏)‏ اللَّفْظُ بِلَحْنِهِ أَوْ خَطَئِهِ، حَالَ كَوْنِهِ ‏(‏غَلَطَا‏)‏، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِإِصْلَاحٍ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، كَرَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، فَقَدَ رُوِّينَا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ حُرُوفٍ، يَعْنِي‏:‏ يَحْكُونَ أَلْفَاظَ شُيُوخِهِمْ حَتَّى فِي اللَّحْنِ‏.‏

وَكَذَا كَانَ أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ يَلْحَنُ اقْتِفَاءً لِمَا سَمِعَ، وَأَبَى نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ إِلَّا أَنْ يَلْحَنَ كَمَا سَمِعَ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَعَنْ آخَرِينَ مِثْلَهُ، لَكِنْ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ لَحْنٌ‏.‏

قَالَ زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ عَقِبَ رِوَايَتِهِ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ بِلَفْظِ ‏(‏أَتَرْوُنَهَا لِلْمُتَّقِينَ‏؟‏ لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ‏)‏‏:‏ أَمَا إِنَّهَا لَحْنٌ، وَلَكِنْ هَكَذَا حَدَّثَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا‏.‏

رُوِّينَاهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ ‏(‏مُسْنَدِ أَحْمَدَ‏)‏، وَنَحْوُهُ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا‏.‏

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَهَذَا غُلُوٌّ فِي مَذْهَبِ اتِّبَاعِ اللَّفْظِ وَالْمَنْعِ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمْ- كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ فِي ‏(‏جَامِعِهِ‏)‏- يَرَوْنَ اتِّبَاعَ اللَّفْظِ وَاجِبًا‏.‏ وَقِيلَ- وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ‏(‏الِاقْتِرَاحِ‏)‏‏:‏ إِنَّهُ يَتْرُكُ رِوَايَتَهُ إِيَّاهُ عَنْ ذَاكَ الشَّيْخِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ تَبِعَهُ فِيهِ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، وَإِنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى الصَّوَابِ فَهْوَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ كَذَلِكَ‏.‏ وَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ لَكِنَّهُ أَبْهَمَ قَائِلَهُ‏.‏

قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْعِزِّ، وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَاسَهُ غَيْرُهُ عَلَى إِذَا مَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ الْفَاسِدَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلَا الصَّحِيحَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ‏.‏

‏[‏الْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ فِي إِصْلَاحِ اللَّحْنِ‏]‏‏:‏

‏(‏وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِينَ‏)‏ وَالْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ فِي ‏(‏جَامِعِهِ‏)‏، وَمِنْهُمْ هَمَّامٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَعَفَّانُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ رَاهَوَيْهِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ سَأَحْكِيهِ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ، وَصَوَّبَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ ‏(‏يُصْلِحُ‏)‏ فَيُغَيِّرُ ‏(‏وَيَقْرَأُ الصَّوَابَ‏)‏ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ‏.‏ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ‏:‏ أَعْرِبُوا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عَرَبًا‏.‏

وَعَنْهُ أَيْضًا‏:‏ لَا بَأْسَ بِإِصْلَاحِ اللَّحْنِ فِي الْحَدِيثِ‏.‏ وَمِمَّنْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ الشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَيْثُ سُئِلُوا عَنِ الرَّجُلِ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ فَيَلْحَنُ؛ أَيَرْوِيهِ السَّامِعُ لَهُ كَذَلِكَ أَمْ يُعْرِبُهُ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ بَلْ يُعْرِبُهُ‏.‏ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي كِتَابِ ‏(‏الْإِعْرَابِ‏)‏ لَهُ‏.‏

وَعَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ‏:‏ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَلْحَنْ، فَقَوِّمُوهُ‏.‏ وَرُوِّينَا فِي “ جُزْءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْخِرَقِيِّ “ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ‏:‏ يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ لَحْنٌ، نُقَوِّمُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، الْقَوْمُ لَمْ يَكُونُوا يَلْحَنُونَ، اللَّحْنُ مِنَّا‏.‏ وَعَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ مَعِينٍ‏:‏ مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُقَوِّمُ لِلرَّجُلِ حَدِيثَهُ، يَعْنِي يَنْزِعُ مِنْهُ اللَّحْنَ، فَقَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ بِهِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ‏:‏ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ يُقَوِّمُ كُلَّ لَحْنٍ فِي الْحَدِيثِ‏.‏ قَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ إِصْلَاحَ اللَّحْنِ جَائِزٌ‏.‏

وَقَالَ فِي ‏(‏الْجَامِعِ‏)‏‏:‏ إِنَّ الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ عَلَى الصَّوَابِ، وَتَرْكُ اللَّحْنِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سُمِعَ مَلْحُونًا؛ لِأَنَّ مِنَ اللَّحْنِ مَا يُحِيلُ الْأَحْكَامَ، وَيُصَيِّرُ الْحَرَامَ حَلَالًا، وَالْحَلَالَ حَرَامًا، فَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُ السَّمَاعِ فِيمَا هَذِهِ سَبِيلُهُ‏.‏ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى وَغَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيِ الْإِصْلَاحُ ‏(‏الْأَرْجَحُ فِي اللَّحْنِ‏)‏ الَّذِي ‏(‏لَا يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ‏)‏ وَفِي أَمْثَالِهِ، أَمَّا الَّذِي يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ فَيُصْلَحُ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ جَزْمًا‏.‏ وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى‏:‏ لَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ لَهُ اتِّفَاقًا‏.‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ‏:‏ مَا زَالَ الْقَلَمُ فِي يَدِ أَبِي حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ يَقُولُ‏:‏ إِذَا لَمْ يَتَصَرَّفِ الشَّيْءُ فِي مَعْنًى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْلَحَ‏.‏ أَوْ كَمَا قَالَ‏.‏

وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنَيِّرِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ‏:‏ ‏(‏نَضَّرَ اللَّهُ‏)‏‏:‏ ‏(‏فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ‏)‏‏.‏ يَعْنِي لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى عَدَمِ تَقْلِيدِ الرَّاوِي فِي كُلِّ مَا يَجِيءُ بِهِ‏.‏

وَكَذَا احْتَجَّ لَهُ ابْنُ فَارِسٍ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ‏:‏ ‏(‏فَبَلَّغَهَا كَمَا سَمِعَ‏)‏ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ‏:‏ كَمَا سَمِعَ مِنْ صِحَّةِ الْمَعْنَى وَاسْتِقَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ‏.‏

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا رُوِّينَا فِي ‏(‏جَامِعِ الْخَطِيبِ‏)‏‏:‏ إِذَا كَتَبَ لَحَّانٌ، وَعَنِ اللَّحَّانِ آخَرُ مِثْلُهُ‏.‏

وَعَنِ الثَّانِي ثَالِثٌ مِثْلُهُ صَارَ الْحَدِيثُ بِالْفَارِسِيَّةِ‏.‏ وَنَحْوُهُ مَا قِيلَ فِي تَرْكِ الْمُقَابَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَالْقَوْلُ بِهِ، أَيْ بِالرِّوَايَةِ عَلَى الصَّوَابِ مَعَ الْإِصْلَاحِ، لَازِمٌ عَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ فِي تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى‏.‏ فَقَوْلُهُ‏:‏ لَازِمٌ‏.‏ يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ التَّغْيِيرُ فِي صَوَابِ اللَّفْظِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجِبَ فِي خَطَئِهِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ إِلْزَامِهِمُ الْقَوْلَ بِهِ لِكَوْنِهِ هُنَا آكَدُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْخَطِيبُ بِالْجَوَازِ فَقَالَ‏:‏ وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُذْكَرَ الْخَطَأُ الْحَاصِلُ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَ مُتَيَقَّنًا، بَلْ يُرْوَى عَلَى الصَّوَابِ‏.‏

بَلْ كَلَامُهُ فِي ‏(‏الْكِفَايَةِ‏)‏ قَدْ يُشِيرُ إِلَى الِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ اللَّحْنُ يُحِيلُ الْمَعْنَى فَلَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِهِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ يُحَرِّفُونَ الْكَلَامَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيُزِيلُونَ الْخِطَابَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ أَخَذَ عَمَّنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ أَنْ يَحْكِيَ لَفْظَهُ إِذَا عَرَفَ وَجْهَ الصَّوَابِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَعْرُوفًا، وَلَفْظُ الْعَرَبِ بِهِ ظَاهِرًا مَعْلُومًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحَدِّثَ لَوْ قَالَ‏:‏ لَا يَؤُمُّ الْمُسَافِرَ الْمُقِيمُ‏.‏ بِنَصْبِ الْمُسَافِرِ وَرَفْعِ الْمُقِيمِ، كَانَ قَدْ أَحَالَ الْمَعْنَى‏؟‏ فَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُ لَفْظِهِ‏.‏

وَنَحْوُهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ‏:‏ كَانَ إِذَا مَرَّ بِأَبِي لَحْنٌ فَاحِشٌ غَيَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْلًا تَرَكَهُ وَقَالَ‏:‏ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ‏.‏

وَكَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَى الْخَطَأِ فِيهِ، إِمَّا بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ لِلِسَانِ الْعَرَبِ، أَوْ بِوُضُوحِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ حَزْمٍ فِي ‏(‏الْإِحْكَامِ‏)‏ لَهُ فِيمَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْوَاقِعَ فِي الرِّوَايَةِ إِنْ كَانَ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ حَرُمَ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ مَلْحُونًا، لِتَيَقُّنِنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَلْحَنْ قَطُّ، وَإِنَّ جَازَ وَلَوْ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ أَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ‏.‏

وَنَحْوُهُ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ الْفَسَوِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَابِسِيُّ‏:‏ إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ قُرِئَ عَلَى الصَّوَابِ وَأُصْلِحَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ، فَلَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِلُغَتِهِمْ‏.‏ يَعْنِي كَقَوْلِهِ عَلَى لُغَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ فِي قَلْبِ اللَّامِ مِيمًا‏:‏ ‏(‏لَيْسَ مِنَ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ‏)‏‏.‏

وَمِنْ ثَمَّ أَشَارَ ابْنُ فَارِسٍ إِلَى التَّرَوِّي فِي الْحُكْمِ عَلَى الرِّوَايَةِ بِالْخَطَأِ، وَالْبَحْثِ الشَّدِيدِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ وَاسِعَةٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ إِنَّ كَثِيرًا مَا نَرَى مَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَطَأً، وَرُبَّمَا غَيَّرُوهُ، صَوَابًا ذَا وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ خَفِيَ وَاسْتُغْرِبَ، لَا سِيَّمَا فِيمَا يَعُدُّونَهُ خَطَأً مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ‏.‏

وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَتَشَعُّبِهَا، هَذَا أَبُو الْوَلِيدِ الْوَقْشِيُّ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي اللُّغَةِ وَكَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ وَافْتِنَانِهِ وَثُقُوبِ فَهْمِهِ وَحِدَّةِ ذِهْنِهِ، كَانَ يُبَادِرُ إِلَى الْإِصْلَاحِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ الصَّوَابَ فِيمَا كَانَ فِي الرِّوَايَةِ، كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّمْرِيضِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ‏:‏ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لُغَةٌ، وَلِأَهْلِ الْحَدِيثِ لُغَةٌ، وَلُغَةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَقْيَسُ، وَلَا نَجِدُ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِ لُغَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ السَّمَاعِ‏.‏

وَرُئِيَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الْمَنَامِ وَكَأَنَّهُ قَدْ مَرَّ مِنْ شَفَتِهِ أَوْ لِسَانِهِ شَيْءٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ لَفْظَةٌ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرْتُهَا بِرَأْيِي، فَفُعِلَ بِي هَذَا‏.‏

‏[‏كَيْفِيَّةُ إِصْلَاحِ اللَّحْنِ أَوِ الْخَطَأِ‏]‏‏:‏

وَلِذَا كُلِّهِ ‏(‏صَوَّبُوا‏)‏ أَيْ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ ‏(‏الْإِبْقَاءَ‏)‏ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَتَقْرِيرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ حَتَّى إِنَّهُمْ سَلَكُوهُ فِي أَحْرُفٍ مِنَ الْقُرْآنِ جَاءَتْ عَلَى خِلَافِ مَا فِي التِّلَاوَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، بِحَيْثُ لَمْ يُقْرَأْ بِهَا فِي الشَّوَاذِّ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا، كَمَا وَقَعَ فِي ‏(‏الصَّحِيحَيْنِ‏)‏ وَ‏(‏الْمُوَطَّأِ‏)‏ وَغَيْرِهَا‏.‏ كُلُّ ذَلِكَ ‏(‏مَعْ تَضْبِيبِهِ‏)‏ أَيِ اللَّفْظِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مِنَ الْعَارِفِ مِنْهُمْ بِالْعَلَامَةِ الْمُنَبِّهَةِ عَلَى خَلَلِهِ فِي الْجُمْلَةِ، ‏(‏وَيَذْكُرُ‏)‏ مَعَ ذَلِكَ ‏(‏الصَّوَابَ‏)‏ الَّذِي ظَهَرَ ‏(‏جَانِبًا‏)‏، أَيْ بِجَانِبِ اللَّفْظِ الْمُخْتَلِّ مِنْ هَامِشِ الْكِتَابِ‏.‏

‏(‏كَذَا عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ‏)‏ حَالَ كَوْنِهِ ‏(‏نَقْلًا‏)‏ لِعِيَاضٍ عَنْهُمْ ‏(‏أُخِذَا‏)‏ مِمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُهُمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ أَيْضًا عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانِ رَاوِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَلَى مَا سَمِعَهُ لَحْنًا، وَيَكْتُبُ عَلَى حَاشِيَةِ كِتَابِهِ‏:‏ كَذَا قَالَ، يَعْنِي الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ، وَالصَّوَابُ كَذَا‏.‏ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ‏:‏ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمَيَّانِشِيِّ‏:‏ صَوَّبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذَا، وَأَنَا أَسْتَحْسِنُهُ، وَبِهِ آخُذُ‏.‏ وَأَشَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ إِلَى أَنَّهُ أَبْقَى لِلْمَصْلَحَةِ وَأَنْفَى لِلْمَفْسَدَةِ‏.‏ يَعْنِي لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَنَفْيِ التَّسْوِيدِ عَنِ الْكِتَابِ أَنْ لَوْ وُجِدَ لَهُ وَجْهٌ، حَيْثُ تُجْعَلُ الضَّبَّةُ تَصْحِيحًا‏.‏

كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ، قَالَ‏:‏ وَالْأَوْلَى سَدُّ بَابِ التَّغْيِيرِ وَالْإِصْلَاحِ لِئَلَّا يَجْسُرَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ، وَهُوَ أَسْلَمُ مَعَ التَّبْيِينِ، فَيَذْكُرُ ذَلِكَ عِنْدَ السَّمَاعِ كَمَا وَقَعَ، ثُمَّ يَذْكُرُ وَجْهَ صَوَابِهِ، إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ‏.‏ وَمِمَّنْ فَعَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَيْثُ أَدَّى كَمَا سَمِعَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الصَّوَابَ كَذَا‏.‏

وَصَرَّحَ الْخَطِيبُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي ‏(‏الْكِفَايَةِ‏)‏‏:‏ إِنَّ الْوَاجِبَ الرِّوَايَةُ عَلَى مَا حُمِلَ مِنْ خَطَأٍ وَتَصْحِيفٍ، ثُمَّ بَيَانُ صَوَابِهِ‏.‏ ‏(‏وَالْبَدْءُ بـِ‏)‏ قِرَاءَةِ ‏(‏الصَّوَابِ‏)‏ أَوَّلًا، ثُمَّ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ، بِأَنْ يُقَالَ مَثَلًا‏:‏ وَقَعَ عِنْدَ شَيْخِنَا، أَوْ فِي رِوَايَتِنَا، أَوْ مِنْ طَرِيقِ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، ‏(‏أَوْلَى‏)‏ مِنَ الْأَوَّلِ الَّذِي ابْتُدِئَ فِيهِ بِالْخَطَأِ تَبَعًا لِلرِّوَايَةِ، ‏(‏وَأَسَدّ‏)‏ بِالْمُهْمَلَةِ، أَيْ أَقْوَمُ، كَيْلَا يُتَقَوَّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏(‏وَأَصْلَحُ الْإِصْلَاحِ‏)‏ أَنْ يَكُونَ مَا يُصْلَحُ بِهِ ذَلِكَ الْفَاسِدُ مَأْخُوذًا ‏(‏مِنْ مَتْنٍ‏)‏ آخَرَ ‏(‏وَرَدْ‏)‏ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الطُّرُقِ فَضْلًا عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ آمَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَقَوَّلًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أَنَّ خَيْرَ مَا يُفَسَّرُ بِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ‏.‏

‏[‏طَرِيقَةُ إِصْلَاحِ اللَّحْنِ الْيَسِيرِ‏]‏‏:‏

هَذَا كُلُّهُ فِي الْخَطَأِ النَّاشِئِ عَنِ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ، وَأَمَّا النَّاشِئُ عَنْ سَقْطٍ خَفِيفٍ ‏(‏فَلْيَأْتِ فِي الْأَصْلِ‏)‏ وَنَحْوِهِ رِوَايَةً وَإِلْحَاقًا، ‏(‏بِمَا لَا يَكْثُرُ‏)‏ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْوَاقِفِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَيْهِ، ‏(‏كَابْنٍ‏)‏ مِنْ مِثْلِ‏:‏ ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏.‏ وَ “ أَبِي “ فِي الْكُنْيَةِ وَنَحْوِهِمَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنَ الْكِتَابِ فَقَطْ لَا مِنْ شَيْخِهِ، ‏(‏وَ‏)‏ كَـ ‏(‏حَرْفٍ حَيْثُ لَا يُغَيِّرُ‏)‏ إِسْقَاطُهُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا كُلِّهِ لَا بَأْسَ بِرِوَايَتِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إِلْحَاقِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَى سُقُوطِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ السُّنَنِ‏:‏ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي حَجَّاجٌ، عَنْ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ؛ يَجُوزُ لِي أَنْ أُصْلِحَهُ ابْنَ جُرَيْجٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ‏.‏

وَسَأَلَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَيَسْقُطُ مِنْ كِتَابِهِ الْحَرْفُ مِثْلُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَيُصْلِحُهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُصْلِحَهُ‏.‏ وَنَحْوُهُ أَنَّهُ قِيلَ لِمَالِكٍ‏:‏ أَرَأَيْتَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُزَادُ فِيهِ الْوَاوُ وَالْأَلِفُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا‏.‏

وَعَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنَادِي قَالَ‏:‏ كَانَ جَدِّي لَا يَرَى بِإِصْلَاحِ الْغَلَطِ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي غَلَطِهِ بَأْسًا‏.‏ وَرُبَّمَا نَبَّهَ فَاعِلَهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّقِيقِيُّ بِحَدِيثٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، وَقَالَ‏:‏ كَذَا فِي كِتَابِي، وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ‏.‏

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ شَيْخٍ لَهُ حَدِيثًا قَالَ فِيهِ‏:‏ عَنْ بُحَيْنَةَ‏.‏ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ‏:‏ إِنَّمَا هُوَ ابْنُ بُحَيْنَةَ، وَلَكِنَّهُ كَذَا قَالَ‏.‏

‏(‏وَالسَّقْطُ‏)‏ أَيِ‏:‏ السَّاقِطُ مِمَّا ‏(‏يَدْرِي أَنَّ مِنْ فَوْقُ‏)‏ بِضَمِّ آخِرِهِ مِنَ الرُّوَاةِ ‏(‏أَتَى بِهِ يُزَادُ‏)‏ أَيْضًا فِي الْأَصْلِ لَكِنْ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ لَفْظِ ‏(‏يَعْنِي‏)‏ حَالَ كَوْنِهِ لَهَا ‏(‏مُثْبِتَا‏)‏ فَقَدْ فَعَلَهُ الْخَطِيبُ، إِذْ رَوَى حَدِيثَ عَائِشَةَ ‏(‏كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ‏)‏‏.‏

عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْمَحَامِلِيِّ، بِسَنَدِهِ إِلَى عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، فَقَالَ‏:‏ يَعْنِي عَنْ عَائِشَةَ‏.‏

وَنَبَّهَ عَقِبَهُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ شَيْخِهِ مَعَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ، وَأَنَّهُ لِكَوْنِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا، مَعَ اسْتِحَالَةِ كَوْنِ عَمْرَةَ صَحَابِيَّةً، أَلْحَقَهُ، وَلَكِنْ لِكَوْنِ شَيْخِهِ لَمْ يَقُلْهُ لَهُ زَادَ “ يَعْنِي “ اقْتِدَاءً بِشُيُوخِهِ، فَقَدْ رَأَى غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَعَلَهُ فِي مِثْلِهِ‏.‏ بَلْ قَالَ وَكِيعٌ‏:‏ أَنَا أَسْتَعِينُ فِي الْحَدِيثِ بِـ “ يَعْنِي “‏.‏ وَصَنِيعُ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَكَذَا أَبُو نُعَيْمٍ وَالدَّقِيقِيُّ فِي الْبَيَانِ حَسَنٌ‏.‏

وَلِذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْإِصْلَاحُ بِالزِّيَادَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنًى مُغَايِرٍ لِمَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ، تَأَكَّدَ فِيهِ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ يَذْكُرُ مَا فِي الْأَصْلِ مَقْرُونًا بِالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا سَقَطَ لِيَسْلَمَ مِنْ مَعَرَّةِ الْخَطَأِ، وَمِنْ أَنْ يَقُولَ عَلَى شَيْخِهِ مَا لَمْ يَقُلْ‏.‏ وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيمَا إِذَا سَقَطَ مِنْ كِتَابِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أَسْلَفْتُهُ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَضَبْطِهِ‏.‏

‏[‏كَيْفَ يَسْتَدْرِكُ مَا دَرَسَ فِي الْكِتَابِ‏؟‏‏]‏‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏صَحَّحُوا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَهْلُ الْحَدِيثِ، ‏(‏اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ فِي كِتَابِهِ‏)‏ بِتَقْطِيعٍ أَوْ بَلَلٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، ‏(‏مِنْ‏)‏ كِتَابٍ آخَرَ ‏(‏غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ‏)‏ الْمُسْتَدْرِكُ ‏(‏صِحَّتَهُ‏)‏ أَيْ ذَاكَ الْكِتَابِ، بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ ثِقَةً مِمَّنْ أَخَذَهُ عَنْ شَيْخِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، بِحَيْثُ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّاقِطُ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَدْ فَعَلَهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ وَغَيْرُهُ، إِذَا كَانَ السَّاقِطُ ‏(‏مِنْ بَعْضِ مَتْنٍ أَوْ‏)‏ بَعْضِ ‏(‏سَنَدْ‏)‏ كَمَا قَيَّدَهُ الْخَطِيبُ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَكَذَا وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ حَيْثُ اتَّحَدَ الطَّرِيقُ فِي الْمَرْوِيِّ، وَلَمْ تَتَنَوَّعِ الْمَرْوِيَّاتُ، بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ فِي الْمُقَابَلَةِ وَالرِّوَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ‏.‏

وَامْتَنَعَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَاسِيٍّ مِنْ مُطْلَقِ الِاسْتِدْرَاكِ، فَإِنَّهُ احْتَرَقَتْ بَعْضُ كُتُبِهِ، وَأَكَلَتِ النَّارُ بَعْضَ حَوَاشِيهَا، وَوَجَدَ نُسَخًا مِنْهَا فَلَمْ يَرَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ الْمُحْتَرِقَ مِنْهَا‏.‏

قَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ وَاسْتِدْرَاكُ مِثْلِ هَذَا عِنْدِي جَائِزٌ‏.‏ يَعْنِي بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ‏.‏ ‏(‏كَمَا‏)‏ يَجُوزُ فِيمَا ‏(‏إِذَا‏)‏ شَكَّ الرَّاوِي فِي شَيْءٍ، وَ ‏(‏ثَبَّتَهُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏مَنْ يُعْتَمَدْ‏)‏ عَلَيْهِ ثِقَةً وَضَبْطًا، مِنْ حِفْظِهِ أَوْ كِتَابِهِ، أَوْ أَخَذَهُ هُوَ مِنْ كِتَابِهِ، حَسْبَمَا فَعَلَهُ عَاصِمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، إِذْ لَا فَرْقَ، ‏(‏وَحَسَّنُوا‏)‏ فِيهِمَا ‏(‏الْبَيَانَ‏)‏ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ فِي الْأَوْلَى، وَحَكَاهُ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ أَنَا عَاصِمٌ، وَثَبَّتَنِي فِيهِ شُعْبَةُ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، وَثَبَّتَنِي فِيهِ مَعْمَرٌ‏.‏ وَمِمَّنْ فَعَلَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ‏.‏

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا فُلَيْحٌ‏.‏ وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَاخْتُلِفَ‏:‏ هَلْ أَحْمَدُ رَفِيقُ أَبِي الرَّبِيعِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ فُلَيْحٍ، وَيَكُونُ الْبُخَارِيُّ حَمَلَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ رَفِيقُ الْبُخَارِيِّ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ‏؟‏ وَلَكِنْ لَسْنَا بِصَدَدِ بَيَانِهِ هُنَا‏.‏

وَفِي بَابِ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ قُبَيْلِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ الْمَدِينَةِ مِنْ ‏(‏صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ‏)‏ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ- هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ، يَعْنِي أَخَاهُ، عَنْ أَبِيهِ- هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ- قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي- هُوَ زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ- يَعْنِي أَبَاهُ-‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ‏؟‏‏)‏، وَفِي بَابِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ‏)‏ مِنَ الْأَدَبِ أَوْرَدَ حَدِيثًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ‏:‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ‏.‏

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، لَكِنَّهُ عَكَسَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ‏:‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ فَهِمْتُ إِسْنَادَهُ مِنَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَفْهَمَنِي الْحَدِيثَ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ، أَرَاهُ ابْنَ أَخِيهِ‏.‏

وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ابْنَ يُونُسَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ‏.‏

وَفِي بَابِ ‏(‏قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ‏)‏ مِنَ الِاسْتِئْذَانِ سَاقَ حَدِيثًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ‏:‏ أَفْهَمَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ‏.‏ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ‏)‏ لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَصَارَ يَرْوِي هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَنْ غَيْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ سَمِعَهَا، لَكِنْ لَمْ يَفْقَهْهَا‏.‏

وَفِي ‏(‏الْبُخَارِيِّ‏)‏ أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ الْأَحْكَامِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا‏)‏ فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي‏:‏ إِنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ‏)‏‏.‏

وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ‏:‏ ‏(‏لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً‏)‏ قَالَ‏:‏ فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا، فَقَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً، وَفِي لَفْظٍ‏:‏ كَلَامًا لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي‏:‏ يَا أَبَهْ، مَا قَالَ‏؟‏ فَذَكَرَهُ‏.‏

وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا‏)‏‏.‏

وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ‏:‏ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُبَيٍّ فِي أُنَاسٍ، فَأَثْبَتُوا لِيَ الْحَدِيثَ‏.‏

عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِدُونِ بَيَانٍ، وَلَكِنَّ هَذَا أَرْجَحُ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ كَثِيرٍ نَحْوَهُ‏.‏

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ فِي الصَّرْفِ بِلَفْظِ‏:‏ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنَ الْغَابَةِ‏.‏ أَوْ قَالَ‏:‏ جَارِيَتِي‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَنَا شَكَكْتُ، وَقَدْ قَرَأْتُهُ عَلَى مَالِكٍ صَحِيحًا لَا شَكَّ فِيهِ، ثُمَّ طَالَ عَلَيَّ الزَّمَانُ وَلَمْ أَحْفَظْ حِفْظًا، فَشَكَكْتُ فِي جَارِيَتِي أَوْ خَازِنِي، وَغَيْرِي يَقُولُ عَنْهُ‏:‏ خَازِنِي‏.‏

وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ مِنَ الْفُرُوعِ التَّالِيَةِ لِثَانِي أَقْسَامٍ التَّحَمُّلِ، وَهَذَا الْفَرْعُ مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الرِّوَايَةُ مَعَ الشَّهَادَةِ، وَإِنِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى‏}‏ فَإِنْ بَيَّنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَنْ ثَبَّتَهُ فَلَا بَأْسَ، كَمَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي ‏(‏سُنَنِهِ‏)‏ عَقِبَ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيِّ فَقَالَ‏:‏ ثَبَّتَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا‏.‏

‏(‏وَكـَ‏)‏ مَسْأَلَةِ ‏(‏الْمُسْتَشْكِلِ كِلْمَةً‏)‏ مِنْ غَرِيبِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِكَوْنِهِ وَجَدَهَا ‏(‏فِي أَصْلِهِ‏)‏ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ، ‏(‏فَلْيَسْأَلِ‏)‏ أَيْ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَسْأَلُ عَنْهَا أَهْلَ الْعِلْمِ بِهَا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ، وَلْيَرْوِهَا عَلَى مَا يُخْبَرُ بِهِ، وَقَدْ أَمَرَ أَحْمَدُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَرْفٍ فَقَالَ‏:‏ سَلُوا عَنْهُ أَصْحَابِ الْغَرِيبِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّنِّ‏.‏ وَسَيَأْتِي فِي الْغَرِيبِ‏.‏

وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي ذَلِكَ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَكْتُبُ الْحَرْفَ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يَدْرِي أَيُّ شَيْءٍ هُوَ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَتَبَهُ صَحِيحًا؛ أَيُرِيهِ إِنْسَانًا فَيُخْبِرَهُ بِهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ‏.‏

وَعَنْ أَبِي حَاتِمٍ سَهْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيِّ النَّحْوِيِّ قَالَ‏:‏ كَانَ عَفَّانُ يَجِيءُ إِلَى الْأَخْفَشِ وَإِلَى أَصْحَابِ النَّحْوِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْحَدِيثَ يُعْرِبُهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَخْفَشُ‏:‏ عَلَيْكَ بِهَذَا‏.‏ يَعْنِي أَبَا حَاتِمٍ‏.‏

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ‏:‏ فَكَانَ عَفَّانُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجِيئُنِي حَتَّى عَرَضَ عَلَيَّ حَدِيثًا كَثِيرًا‏.‏

وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي كُتُبَهُ إِذَا كَانَ فِيهَا لَحْنٌ لِمَنْ يُصَحِّحُهَا‏.‏

وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ‏:‏ إِذَا سَمِعْتُمْ مِنِّي الْحَدِيثَ فَاعْرِضُوهُ عَلَى أَصْحَابِ الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ أَحْكِمُوهُ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا شَكَّ فِي الْكَلِمَةِ يَقُولُ‏:‏ أَهَاهُنَا فُلَانٌ‏؟‏ كَيْفَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ‏.‏

وَسَمِعَ سَعِيدُ بْنُ شَيْبَانَ- وَكَانَ عَالِمًا بِالْعَرَبِيَّةِ- ابْنَ عُيَيْنَةَ وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ “ تَعْلَقُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ “‏.‏ بِفَتْحِ اللَّامِ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ “ تَعْلُقُ “ يَعْنِي بِضَمِّهَا مِنْ “ عَلَقَ “، يَعْنِي بِفَتْحِ اللَّامِ، فَرَجَعَ ابْنُ عُيَيْنَةَ إِلَيْهِ‏.‏

وَسَمِعَ الْأَصْمَعِيُّ شُعْبَةَ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ يَقُولُ‏:‏ “ فَيَسْمَعُونَ جَرَشَ طَيْرِ الْجَنَّةِ “ قَالَهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ،‏.‏

فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِيُّ‏:‏ جَرَسَ‏.‏ يَعْنِي بِالْمُهْمَلَةِ‏.‏

فَقَالَ شُعْبَةُ‏:‏ خُذُوهَا عَنْهُ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنَّا‏.‏

وَسَمِعَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَافِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ أَبَا الْقَاسِمِ الدَّارَكِيَّ أَحَدَ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا يَقُولُ فِي تَدْرِيسِهِ‏:‏ إِذَا أَزِفَتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ‏.‏

فَسَأَلَ عَنْهَا ابْنَ جِنِّيٍّ النَّحْوِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهَا، فَسَأَلَ الْمُعَافَى بْنَ زَكَرِيَّا فَقَالَ‏:‏ أُرِفَّتْ، يَعْنِي بِالرَّاءِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَالْأُرَفُ الْمَعَالِمُ، يُرِيدُ إِذَا ثَبَتَتِ الْحُدُودُ وَعُيِّنَتِ الْمَعَالِمُ وَمُيِّزَتْ فَلَا شُفْعَةَ‏.‏

إِذَا عُلِمَ هَذَا فَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِثْبَاتَ مِنْ غَيْرِهِ عَنْ شَيْءٍ عَرَضَ لَهُ فِيهِ شَكٌّ، فَلَا يَذْكُرَ لَهُ الْمَحَلَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ ابْتِدَاءً خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَشَكَّكَ فِيهِ أَيْضًا، بَلْ يَذْكُرُ لَهُ طَرَفَ ذَاكَ الْحَدِيثِ فَهُوَ غَالِبًا أَقْرَبُ فِي حُصُولِ الْأَرَبِ‏.‏

اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ

652- وَحَيْثُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ سَمِعْ *** مَتْنًا بِمَعْنًى لَا بِلَفْظٍ فَقَنِعْ

653- بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَسَمَّى الْكُلَّ صَحْ *** عِنْدَ مُجِيزِي النَّقْلِ مَعْنًى وَرَجَحْ

654- بَيَانُهُ مَعْ قَالَ أَوْ مَعْ قَالَا *** وَمَا بِبَعْضٍ ذَا وَذَا وَقَالَا

655- اقْتَرَبَا فِي اللَّفْظِ أَوْ لَمْ يَقُلِ *** صَحَّ لَهُمْ وَالْكُتْبُ إِنْ تُقَابَلِ

656- بِأَصْلِ شَيْخٍ مِنْ شُيُوخِهِ فَهَلْ *** يُسْمِي الْجَمِيعَ مِعْ بَيَانِهِ احْتَمَلْ

‏[‏كَيْفِيَّةُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ‏]‏‏:‏

الْفَصْلُ السَّابِعُ‏:‏ ‏(‏اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ‏)‏ فِي مَتْنٍ وَكِتَابٍ، أَوِ اقْتِصَارُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ عَلَى بَعْضِهَا، ‏(‏وَحَيْثُ‏)‏ كَانَ الرَّاوِي ‏(‏مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ‏)‏ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ‏(‏سَمِعَ مَتْنًا‏)‏ أَيْ‏:‏ حَدِيثًا ‏(‏بِمَعْنًى‏)‏ وَاحِدٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ‏(‏لَا بِلَفْظٍ‏)‏ وَاحِدٍ، بَلْ هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، ‏(‏فَقَنِعْ‏)‏ حِينَ إِيرَادِهِ إِيَّاهُ ‏(‏بِلَفْظٍ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمْ، ‏(‏وَسَمَّى‏)‏ مَعَهُ ‏(‏الْكُلَّ‏)‏ حَمْلًا لِلَفْظِهِمْ عَلَى لَفْظِهِ، بِأَنْ يَقُولَ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ اللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مَثَلًا‏:‏ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالُوا‏:‏ حَدَّثَنَا فُلَانٌ‏.‏

‏(‏صَحْ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏عِنْدَ مُجِيزِي النَّقْلِ مَعْنًى‏)‏ أَيْ بِالْمَعْنَى، وَهُمُ الْجُمْهُورُ كَمَا سَلَفَ فِي بَابِهِ، سَوَاءٌ بَيَّنَ ذَلِكَ أَوْ لَا، وَمِمَّنْ فَعَلَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ قِيلَ‏:‏ إِنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أَلْفَاظَ جَمَاعَةٍ يَسْمَعُ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ عَلَى لَفْظِ أَحَدِهِمْ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي لَفْظِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏رَجَحْ بَيَانُهُ‏)‏ عِنْدَهُمْ، أَيْ‏:‏ هُوَ أَحْسَنُ بِأَنْ يُعَيَّنَ صَاحِبُ اللَّفْظِ الَّذِي اقْتُصِرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ‏.‏ وَنَحْوَ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ سِيَاقِ الْمَتْنِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ بَعْدَ سِيَاقِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَمْيِيزَ لَفْظِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، فَالرَّاجِحُ بَيَانُهُ أَيْضًا‏.‏

كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ- زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يَحْفَظْ حَدِيثَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ هَذَا، وَلَا حَدِيثَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ هَذَا- قَالَا‏:‏ قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ- يَعْنِي عَائِشَةَ-‏:‏ ‏(‏بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَدْيِ‏)‏‏.‏ وَذَكَرَ حَدِيثًا‏.‏

وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا‏:‏ ثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ، دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ‏.‏ ثُمَّ هُوَ فِي سُلُوكِهِ الْبَيَانَ حَيْثُ مَيَّزَ، بِالْخِيَارِ بَعْدَ تَعْيِينِ صَاحِبِ اللَّفْظِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ‏(‏مَعْ‏)‏ إِفْرَادِ ‏(‏قَالَ أَوْ مَعْ‏)‏ بِسُكُونِ الْعَيْنِ فِيهِمَا ‏(‏قَالَا‏)‏ إِنْ كَانَ أَخَذَهُ عَنِ اثْنَيْنِ، أَوْ قَالُوا، إِنْ كَانُوا أَكْثَرَ‏.‏

‏[‏اعْتِنَاءُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏]‏‏:‏

وَقَدِ اشْتَدَّتْ عِنَايَةُ مُسْلِمٍ بِبَيَانِ ذَلِكَ حَتَّى فِي الْحَرْفِ مِنَ الْمَتْنِ وَصِفَةِ الرَّاوِي وَنَسَبِهِ، وَرُبَّمَا، كَمَا قَدَّمْتُهُ، فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى كَانَ بَعْضُهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ مَعْنًى، وَرُبَّمَا كَانَ فِي بَعْضِهِ تَغَيُّرٌ، وَلَكِنَّهُ خَفِيٌّ لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ إِلَّا مَنْ هُوَ فِي الْعُلُومِ بِمَكَانٍ‏.‏

وَاسْتُحْسِنَ لَهُ قَوْلُهُ‏:‏ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ‏.‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ‏.‏ مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِعَادَتَهُ ثَانِيًا ذِكْرَ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً يُشْعِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَهُ‏.‏

وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ‏.‏ قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ‏:‏ ثَنَا حَفْصٌ‏.‏ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ‏:‏ كُنْتُ مَمْلُوكًا، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ بِشَيْءٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏نَعَمْ، وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ‏)‏‏.‏

فَإِنَّ لَفْظَ أَبِي بَكْرٍ- كَمَا فِي ‏(‏مُصَنَّفِهِ‏)‏- حَفْصٌ، بِدُونِ صِيغَةٍ، وَسَاقَ سَنَدَهُ قَالَ‏:‏ كُنْتُ عَبْدًا مَمْلُوكًا، وَكُنْتُ أَتَصَدَّقُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَوْلَايَ يَنْهَانِي، أَوْ سَأَلَهُ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا‏)‏‏.‏ وَلَفْظُ زُهَيْرٍ كَمَا عِنْدَ أَبِي يَعْلَى فِي ‏(‏مُسْنَدِهِ‏)‏ عَنْهُ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصٌ‏.‏ وَسَاقَ سَنَدَهُ، قَالَ‏:‏ كُنْتُ مَمْلُوكًا، وَكُنْتُ أَتَصَدَّقُ بِلَحْمٍ مِنْ لَحْمِ مَوْلَايَ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏تَصَدَّقْ، وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ‏)‏‏.‏

وَعَنْ أَبِي يَعْلَى أَوْرَدَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ‏(‏صَحِيحِهِ‏)‏، فَانْحَصَرَ كَوْنُ اللَّفْظِ لِمَنْ أَعَادَهُ ثَانِيًا، فِي أَمْثِلَةٍ لِذَلِكَ لَا نُطِيلُ بِهَا، وَرُبَّمَا لَا يُصَرِّحُ بِرِوَايَةِ الْجَمِيعِ عَنْ شَيْخِهِمْ، كَقَوْلِهِ‏:‏ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ‏:‏ ثَنَا حَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ‏.‏

وَرُبَّمَا تَكُونُ الْإِعَادَةُ لِأَجْلِ الصِّيغَةِ حَيْثُ يَكُونُ بَعْضُهُمْ بِالْعَنْعَنَةِ، وَبَعْضُهُمْ بِالتَّحْدِيثِ أَوِ الْإِخْبَارِ، وَعَلَيْهِ؛ فَتَارَةً يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَّفِقًا، وَتَارَةً مُخْتَلِفًا‏.‏

وَكَثِيرًا مَا يُنَبِّهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَلَى التَّوَافُقِ فِي الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ صَاحِبِ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ثَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُسَدَّدٌ، الْمَعْنَى‏.‏ وَرُبَّمَا قَالَ‏:‏ الْمَعْنَى وَاحِدٌ‏.‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ‏.‏ وَهِيَ أَوْضَحُ، فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ كَوْنَهُ الْمَعْنِيَّ، بِكَسْرِ النُّونِ نِسْبَةً لِمَعْنٍ‏.‏ وَيَتَأَكَّدُ حَيْثُ لَمْ يَقْرِنْ مَعَ الرَّاوِي غَيْرَهُ‏.‏

وَقَدْ يَكُونُ فِي حَدِيثِ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ أَتْقَنَ، كَقَوْلِ أَبِي دَاوُدَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَأَنَا لِحَدِيثِهِ أَتْقَنُ‏.‏

وَمِمَّنْ سَبَقَ مُسْلِمًا لِنَحْوِ صَنِيعِهِ شَيْخُهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى تَمْيِيزِ الْأَلْفَاظِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ‏.‏

وَقَدْ يَنْشَأُ عَنْ بَعْضِهِ لِمَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ إِثْبَاتُ رَاوٍ لَا وُجُودَ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَحْمَدَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ‏.‏ وَعَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، قَالَا‏:‏ أَنَا هِشَامٌ، قَالَ عَبَّادٌ‏:‏ ابْنُ زِيَادٍ‏.‏ حَيْثُ ظَنَّ بَعْضُ الْحُفَّاظِ أَنَّ زِيَادًا هُوَ وَالِدُ عَبَّادٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ وَالِدُ هِشَامٍ، اخْتُصَّ عَبَّادٌ بِزِيَادَتِهِ عَنْ رَفِيقِهِ يَزِيدَ‏.‏

وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي الْأَبْيَضِ- قَالَ حَجَّاجٌ‏:‏ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ- عَنْ أَنَسٍ‏.‏ فَذَكَرَ حَدِيثًا‏.‏ فَلَيْسَ قَوْلُهُ‏:‏ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَصْفًا لِحَجَّاجٍ، بَلْ هُوَ مَقُولُهُ وَصَفَ بِهِ أَبَا الْأَبْيَضِ، انْفَرَدَ بِوَصْفِهِ لَهُ بِذَلِكَ عَنْ رَفِيقِهِ، وَحَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ أَحَدُ شَيْخَيْ أَحْمَدَ فِيهِ، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ‏.‏

‏[‏حُكْمُ خَلْطِ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ‏]‏‏:‏

وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا اخْتِصَاصَ لِلصِّحَّةِ حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ بِمَا يَخُصُّ فِيهِ الرَّاوِي وَاحِدًا بِجَمِيعِ الْمَتْنِ، بَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ ‏(‏مَا‏)‏ يَأْتِي فِيهِ ‏(‏بِبَعْضِ‏)‏ لَفْظِ ‏(‏ذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ، ‏(‏وَ‏)‏ بَعْضِ لَفْظِ ‏(‏ذَا‏)‏ أَيِ‏:‏ الْآخَرِ مِمَّا اتَّحَدَ عِنْدَهُمَا الْمَعْنَى فِيهِ، مَيَّزَ الرَّاوِي لَفْظَ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ، أَوْ لَمْ يُمَيِّزْ، ‏(‏وَقَالَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّاوِي لَفْظَ‏:‏ ‏(‏اقَتَرَبَا‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلٌّ مِنَ الشَّيْخَيْنِ ‏(‏فِي اللَّفْظِ‏)‏ أَوْ قَالَ‏:‏ الْمَعْنَى وَاحِدٌ‏.‏ وَمَا أَشَبَهَهُمَا، ‏(‏أَوْ لَمْ يَقُلْ‏)‏ شَيْئًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَيْضًا قَدْ ‏(‏صَحَّ لَهُمْ‏)‏ أَيْ لِمُجِيزِي النَّقْلِ بِالْمَعْنَى، وَالْأَحْسَنُ أَيْضًا الْبَيَانُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ عِيبَ بِتَرْكِهِ الْبُخَارِيُّ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِيمَا قَالَهُ غَيْرُهُ، حَتَّى إِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخْرِجْ لَهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ ‏(‏صَحِيحِهِ‏)‏، بَلْ وَاقْتَصَرَ مُسْلِمٌ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ عَلَى خُصُوصِ رِوَايَتِهِ عَنْ ثَابِتٍ‏.‏

‏[‏الْكَلَامُ عَلَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ‏]‏‏:‏

لَكِنْ قَدْ رُدَّ عَلَى مَا عَابَ الْبُخَارِيَّ بِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجِبُ إِسْقَاطًا إِذَا كَانَ فَاعِلُهُ يَسْتَجِيزُ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى‏.‏

هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ لَمْ يَتَأَخَّرِ الْبُخَارِيُّ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَنِ التَّخْرِيجِ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الِاحْتِجَاجَ بِحَمَّادٍ مَعَ كَوْنِهِ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ مِنَ الْأَبْدَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَاءَ حِفْظُهُ، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ صَنِيعِهِ وَصَنِيعِ ابْنِ وَهْبٍ، بِأَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَتْقَنُ لِمَا يَرْوِيهِ وَأَحْفَظُ‏.‏ وَبِهِ يُجَابُ عَنِ الْبُخَارِيِّ، عَلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُعَرِّجُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ هُوَ- كَمَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ- فِي الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَقَدَ تَعَاطَى الْبَيَانَ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ كَقَوْلِهِ فِي تَفْسِيرِ “ الْبَقَرَةِ “‏:‏ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، ثَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، وَاللَّفْظُ لِجَرِيرٍ‏.‏ فَذَكَرَ حَدِيثًا‏.‏

وَفِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ‏:‏ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ أَيْضًا، ثَنَا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَاللَّفْظُ لِيَزِيدَ‏.‏ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِكَوْنِهِ مِنَ الْبُخَارِيِّ، إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْخِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى‏.‏

وَرُبَّمَا يَسْلُكُ مَسْلَكًا دَقِيقًا يَرْمُزُ فِيهِ لِلْبَيَانِ، كَقَوْلِهِ فِي الْحَجِّ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ- هُوَ الزُّهْرِيِّ- عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ- هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ- أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ‏)‏‏.‏

فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَدَلَ عَنْ أَنْ يَقْطَعَ السَّنَدَ الْأَوَّلَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ مِنَ الثَّانِي‏:‏ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ‏.‏ لِكَوْنِ اللَّفْظِ لِلثَّانِي فَقَطْ، وَيَتَأَيَّدُ بِجَزْمِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِأَنَّ سَتْرَ الْكَعْبَةِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ خَاصَّةً دُونَ عُقَيْلٍ، وَحِينَئِذٍ فَرِوَايَةُ عُقَيْلٍ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَابِ الَّذِي أَوْرَدَهَا فِيهِ، وَهُوَ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

وَلِذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ‏:‏ إِنَّ عَادَةَ الْبُخَارِيِّ التَّجَوُّزُ فِي مِثْلِ هَذَا‏.‏ وَقَوْلُ أَبِي دَاوُدَ فِي ‏(‏سُنَنِهِ‏)‏‏:‏ ثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَبُو تَوْبَةَ، الْمَعْنَى قَالَا‏:‏ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ‏.‏ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِهِمَا مَعًا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ‏:‏ وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ‏.‏ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَبِي تَوْبَةَ فَقَطْ، وَيَكُونَ اللَّفْظُ لِلْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ‏:‏ وَاللَّفْظُ لِفُلَانٍ‏.‏

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَلَّا يَكُونَ رَوَاهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَا إِذَا قَالَ‏:‏ أَنَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ‏.‏ لَا انْحِصَارَ لَهُ فِي أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْمَعْنَى، وَأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ لَفْظٌ ثَالِثٌ غَيْرُ لَفْظَيْهِمَا‏.‏

وَالْأَحْوَالُ كُلِّهَا آيِلَةٌ فِي الْغَالِبِ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسُوقَ الْحَدِيثَ عَلَى لَفْظٍ مَرْوِيٍّ لَهُ بِرِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْبَاقِيَ بِمَعْنَاهُ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ، فَيَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ مُلَفَّقًا مِنْهُمَا، إِذْ مِنْ فُرُوعِ هَذَا الْقِسْمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ مَا إِذَا سَمِعَ مِنْ كُلِّ شَيْخٍ قِطْعَةً مِنْ مَتْنٍ، فَأَوْرَدَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ بِدُونِ تَمْيِيزٍ‏.‏

‏[‏حُكْمُ السَّمَاعِ مِنْ جَمَاعَةٍ وَالْمُقَابَلَةِ بِأَصْلِ بَعْضِهِمْ‏]‏‏:‏

‏(‏وَالْكُتْبُ‏)‏ بِسُكُونِ التَّاءِ، الْمُصَنَّفَةُ، كَـ ‏(‏الْمُوَطَّأِ‏)‏ وَ‏(‏الْبُخَارِيِّ‏)‏، الْمَسْمُوعَةُ عِنْدَ الرَّاوِي مِنْ شَيْخَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي ‏(‏إِنْ تُقَابَلْ بِأَصْلِ شَيْخٍ‏)‏ خَاصَّةً ‏(‏مِنْ شُيُوخِهِ‏)‏ أَوْ شَيْخَيْهِ دُونَ مَنْ عَدَاهُ‏.‏

‏(‏فَهَلْ يُسْمِي‏)‏ بِسُكُونِ ثَانِيهِ، عِنْدَ رِوَايَتِهِ لِذَلِكَ الْكِتَابِ الْجَمِيعَ مَعَ بَيَانِهِ أَنَّ اللَّفْظَ لِفُلَانٍ الَّذِي قَابَلَ بِأَصْلِهِ‏؟‏ ‏(‏احْتَمَلْ‏)‏ الْجَوَازَ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ قَدْ سَمِعَهُ بِنَصِّهِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ بِلَفْظِهِ، وَاحْتَمَلَ عَدَمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِكَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ مَنْ عَدَاهُ حَتَّى يُخْبِرَ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّهُ اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمَعْنَى‏.‏

وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي إِطْلَاقِ الِاحْتِمَالِ، وَقَالَ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِمَا إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ حِينَ الرِّوَايَةِ الْوَاقِعَ، أَمَّا إِذَا بَيَّنَ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، فَالْأَصْلُ فِي الْكُتُبِ عَدَمُ الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ فُرِضَ فَهُوَ يَسِيرٌ غَالِبًا تَجْبُرُهُ الْإِجَازَةُ، هَذَا إِذَا لَمْ يُعْلَمُ الِاخْتِلَافُ، فَإِنْ عَلِمَهُ فَقَدْ قَالَ الْبَدْرُ بْنُ جَمَاعَةَ‏:‏ إِنَّهُ إِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ فِي أَلْفَاظٍ، أَوْ فِي لُغَاتٍ، أَوِ اخْتِلَافِ ضَبْطٍ، جَازَ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَادِيثَ مُسْتَقِلَّةٍ فَلَا‏.‏

الزِّيَادَةُ فِي نَسَبِ الشَّيْخِ

657- وَالشَّيْخُ إِنْ يَأْتِ بِبَعْضِ نَسَبٍ *** مِنْ فَوْقِهِ فَلَا تَزِدْ وَاجْتَنِبِ

658- إِلَّا بِفَصْلٍ نَحْوَ هُوَ أَوْ يَعْنِي *** أَوْ جِئْ بِأَنَّ وَانْسِبَنَّ الْمَعْنِيَّ

659- أَمَّا إِذَا الشَّيْخُ أَتَمَّ النَّسَبَا *** فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ فَقَطْ فَذَهَبَا

660- الْأَكْثَرُونَ لِجَوَازِ أَنْ يُتَمْ *** مَا بَعْدَهُ وَالْفَصْلُ أَوْلَى وَأَتَمْ

الْفَصْلُ الثَّامِنُ‏:‏ ‏(‏الزِّيَادَةُ‏)‏ عَلَى الرِّوَايَةِ ‏(‏فِي نَسَبِ الشَّيْخِ‏)‏ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا أَصْلًا، أَوْ وَقَعَ لَكِنْ بِأَوَّلِ الْمَرْوِيِّ دُونَ بَاقِي أَحَادِيثِهِ‏.‏

‏(‏وَالشَّيْخُ إِنْ يَأْتِ‏)‏ فِي حَدِيثِهِ لَكَ ‏(‏بِبَعْضِ نَسَبٍ مِنْ فَوْقِهِ‏)‏ شَيْخِهِ أَوْ غَيْرِهِ، كَأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الِاسْمِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ اسْمِ الْأَبِ، أَوْ عَلَى الْأَبِ فَقَطْ، أَوْ عَلَى الْكُنْيَةِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَتِمُّ الْمَعْرِفَةُ بِهِ لِكُلٍّ أَوْ تَتِمُّ‏.‏

‏(‏فَلَا تَزِدْ‏)‏ أَيُّهَا الرَّاوِي عَلَى مَا حَدَّثَكَ بِهِ شَيْخُكَ، ‏(‏وَاجْتَنِبِ‏)‏ إِدْرَاجَهُ فِيهِ ‏(‏إِلَّا بِفَصْلٍ‏)‏ يَتَمَيَّزُ بِهِ الزَّائِدُ ‏(‏نَحْوَ هُوَ‏)‏ ابْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، ‏(‏أَوْ يَعْنِي‏)‏ ابْنَ فُلَانٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا رَوَى الْخَطِيبُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ غَيْرَ مَنْسُوبٍ قَالَ‏:‏ يَعْنِي ابْنَ فُلَانٍ‏.‏

وَهُوَ فِي ‏(‏الصَّحِيحَيْنِ‏)‏ وَغَيْرِهِمَا كَثِيرٌ، ‏(‏أَوْ جِئْ بِأَنَّ‏)‏ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ‏.‏

‏(‏وَانْسِبَنَّ‏)‏ بِنُونٍ التَّأْكِيدِ الْمُشَدَّدَةِ ‏(‏الْمَعْنِي‏)‏ بِالْإِشَارَةِ، كَمَا رَوَى الْبَرْقَانِيُّ فِي ‏(‏اللُّقْطِ‏)‏ لَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ‏:‏ إِذَا حَدَّثَكَ الرَّجُلُ فَقَالَ‏:‏ ثَنَا فُلَانٌ‏.‏ وَلَمْ يَنْسِبْهُ، وَأَحْبَبْتَ أَنْ تَنْسِبَهُ فَقُلْ‏:‏ ثَنَا فُلَانٌ، أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ حَدَّثَهُ‏.‏

وَمِمَّنْ لَا يَسْتَجِيزُ إِيرَادَهُ إِلَّا بِـ “ هُوَ “ أَوْ “ يَعْنِي “ مُسْلِمٌ؛ لِكَوْنِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِخْبَارًا عَنْ شَيْخِهِ بِمَا لَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُمَا أَوْلَى مِنْ “ أَنَّ “؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِشْعَارِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَإِنِ اصْطَلَحَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي أَسْمَاءِ الرُّوَاةِ وَأَنْسَابِهِمْ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، وَبِزِيَادَةِ تَعْيِينِ تَارِيخِ السَّمَاعِ، وَالْقَارِئِ، وَالْمُخَرِّجِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَصِلُوا إِلَى الْمُصَنِّفِينَ، بَلْ وَرُبَّمَا لَقَّبُوا الرَّاوِيَ بِمَا لَا يَسْمَحُ بِهِ الرَّاوِي عَنْهُ الْمُضَافُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، كَأَنْ يُقَالَ‏:‏ أَنَا ابْنُ الصَّلَاحِ، أَنَا الْعَلَّامَةُ الْإِمَامُ أَوْحَدُ الزَّمَانِ فُلَانٌ‏.‏ مَعَ كَوْنِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ هَذَا فِي حَقِّ شَيْخِهِ لَأَبَاهُ، وَهُوَ تَوَسُّعٌ أَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إِلَى مَنْعِهِ‏.‏

‏(‏أَمَّا‏)‏ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي ‏(‏إِذَا الشَّيْخُ‏)‏ الَّذِي حَدَّثَكَ ‏(‏أَتَمَّ النَّسَبَا‏)‏ لِشَيْخِهِ أَوْ مَنْ فَوْقَهُ ‏(‏فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ‏)‏ أَوِ الْكِتَابِ ‏(‏فَقَطْ‏)‏، وَاقْتَصَرَ فِي بَاقِيهِ عَلَى اسْمِهِ خَاصَّةً، أَوْ نَسَبِهِ، كَمَا يَقَعُ فِي “ حَدِيثِ الْمُخَلِّصِ “ حَيْثُ يُقَالُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، ابْنُ بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ‏.‏ ثُمَّ يَقْتَصِرُ فِيمَا بَعْدَهُ عَلَى‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ‏.‏

‏(‏فَذَهَبَا الْأَكْثَرُونَ‏)‏ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ عَنْهُمْ ‏(‏لِجَوَازِ أَنْ يُتِمْ مَا بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ كَذَلِكَ أَوَّلًا، سَوَاءٌ فَصَلَ، يَعْنِي بِمَا تَقَدَّمَ، أَمْ لَا‏.‏

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَذْكُرِ الْمُدْرَجَ أَصْلًا، فَهُوَ إِدْرَاجٌ لِشَيْءٍ لَمْ يَسْمَعْهُ، فَوَجَبَ الْفَصْلُ فِيهِ، ‏(‏وَالْفَصْلُ‏)‏ هُنَا ‏(‏أَوْلَى‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِفْصَاحِ بِصُورَةِ الْحَالِ، وَعَدَمِ الْإِدْرَاجِ، ‏(‏وَأَتَمْ‏)‏ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ‏.‏

وَقَدْ صَرَّحَ بِالْأَوْلَوِيَّةِ بَعْضُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْخَطِيبُ، وَاسْتَحْسَنَهُ، وَخَدَشَ مَا حَكَاهُ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ نَزِيلِ نَيْسَابُورَ، وَأَحَدِ الْحُفَّاظِ الْمُجَوِّدِينَ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالدِّينِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ رَوَاهَا لَنَا قَالَ فِيهَا‏:‏ أَنَا أَبُو عَمْرِو ابْنُ حِمْدَانَ، أَنَّ أَبَا يَعْلَى أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيَّ أَخْبَرَهُمْ، وَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ، أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ نَافِعٍ حَدَّثَهُمْ، وَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مُحَمَّدَ بْنَ سُفْيَانَ الصَّفَّارَ أَخْبَرَهُمْ‏.‏ فَذَكَرَ لِي أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ سَمَّعَهَا عَلَى شُيُوخِهِ فِي جُمْلَةِ نُسَخٍ نَسَبُوا الَّذِينَ حَدَّثُوهُ بِهَا فِي أَوَّلِهَا، وَاقْتَصَرُوا فِي بَقِيَّتِهَا عَلَى ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ‏.‏ بِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الرُّوَاةِ كَانُوا يَقُولُونَ فِيمَا أُجِيزَ، يَعْنِي لِشُيُوخِهِمْ‏:‏ أَنَا فُلَانٌ، أَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُمْ‏.‏ كَمَا تَقَدَّمَ فِي‏:‏ كَيْفَ يَقُولُ مَنْ رَوَى بِالْمُنَاوَلَةِ‏؟‏ قُبَيْلَ قِسْمِ الْمُكَاتَبَةِ، مَعَ حِكَايَةِ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الصَّنِيعَ‏.‏

وَقَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ فَاسْتَعْمِلْ مَا ذَكَرْتُ، فَإِنَّهُ أَنْفَى لِلظِّنَّةِ‏.‏ يَعْنِي فِي كَوْنِهِ إِجَازَةً، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدًا، وَحِينَئِذٍ، فَأَوْلَاهَا- كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ- هُوَ، ثُمَّ “ يَعْنِي “، ثُمَّ “ إِنَّ “، ثُمَّ إِيرَادُ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا، وَمَنْ مَنَعَ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى لَا يُجِيزُ الْأَخِيرَ‏.‏

الرِّوَايَةُ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي إِسْنَادُهَا وَاحِدٌ

661- وَالنُّسَخُ الَّتِي بِإِسْنَادٍ قَطُ *** تَجْدِيدُهُ فِي كُلِّ مَتْنٍ أَحْوَطُ

662- وَالْأَغْلَبُ الْبَدْءُ بِهِ وَيُذْكَرُ *** مَا بَعْدَهُ مَعْ وَبِهِ وَالْأَكْثَرُ

663- جَوَّزَ أَنْ يُفْرِدَ بَعْضًا بِالسَّنَدْ *** لِآخِذٍ كَذَا وَالْإِفْصَاحُ أَسَدْ

664- وَمَنْ يُعِيدُ سَنَدَ الْكِتَابِ مَعْ *** آخِرِهِ احْتَاطَ وَخُلْفًا مَا رَفَعْ

‏[‏تَجْدِيدُ الْإِسْنَادِ عِنْدَ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ النُّسَخِ‏]‏‏:‏

الْفَصْلُ التَّاسِعُ‏:‏ ‏(‏الرِّوَايَةُ مِنْ‏)‏ أَثْنَاءِ ‏(‏النُّسَخِ الَّتِي إِسْنَادُهَا وَاحِدٌ‏)‏‏.‏

‏(‏وَالنُّسَخُ‏)‏ وَالْأَجْزَاءُ ‏(‏الَّتِي‏)‏ مُتُونُهَا ‏(‏بإِسْنَادٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏قَطُ‏)‏ أَيْ‏:‏ فَقَطْ، كَنُسْخَةِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ، وَنُسْخَةِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنُسْخَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ‏(‏تَجْدِيدُهُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْإِسْنَادِ ‏(‏فِي كُلِّ مَتْنٍ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏أَحْوَطُ‏)‏ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَيُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ الْقَدِيمَةِ، بَلْ أَوْجَبَهُ بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَكِنِ ‏(‏الْأَغْلَبُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْأَكْثَرُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، ‏(‏الْبَدْءُ بِهِ‏)‏ أَيْ بِالْإِسْنَادِ فِي أَوَّلِهَا، أَوْ فِي أَوَّلِ كُلِّ مَجْلِسٍ مِنْ سَمَاعِهَا، ‏(‏وَيُذْكَرُ مَا بَعْدَهُ‏)‏ مِنَ الْأَحَادِيثِ ‏(‏مَعْ‏)‏ بِالسُّكُونِ، قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا‏:‏ ‏(‏وَبِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَبِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ أَوِ السَّنَدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، ‏(‏وَالْأَكْثَرُ‏)‏ وَمِنْهُمْ وَكِيعٌ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ، ‏(‏جَوَّزَ أَنْ يُفْرِدَ بَعْضًا‏)‏ مِنْ أَحَادِيثِهَا مِنْ أَيِ مَكَانٍ شَاءَ ‏(‏بِالسَّنَدْ‏)‏ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ‏(‏لِآخِذٍ كَذَا‏)‏ أَيْ جَوَّزَ ذَلِكَ لِمَنْ سَمِعَهَا كَذَلِكَ‏.‏

أَمَّا وَكِيعٌ فَإِنَّهُ قِيلَ لَهُ‏:‏ الْمُحَدِّثُ يَقُولُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ‏.‏ ثُمَّ يَقُولُ فِيمَا بَعْدَهُ‏:‏ وَعَنْ مَنْصُورٍ‏.‏ فَهَلْ يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ‏:‏ حَدَّثَنَا فُلَانٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِهِ‏.‏

وَأَمَّا ابْنُ مَعِينٍ فَقَالَ‏:‏ أَحَادِيثُ هَمَّامٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَهَا‏.‏ وَقَالَ- إِذْ قِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّ وَرْقَاءَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ‏:‏ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏.‏ يَعْنِي ثُمَّ يَعْطِفُ عَلَيْهِ، فَهَلْ تَرَى بَأْسًا أَنْ يُخْرِجَهَا إِنْسَانٌ فَيَكْتُبَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ‏:‏ وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏؟‏-‏:‏ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ‏.‏

وَأَمَّا الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ يَجُوزُ إِذَا جُعِلَ إِسْنَادٌ وَاحِدٌ لِعِدَّةٍ مِنَ الْمُتُونِ أَنْ يُجَدَّدَ الْإِسْنَادُ لِكُلِّ مَتْنٍ‏.‏

وَمَنَعَ مِنْهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيُّ فِي الْأَسْئِلَةِ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا الْحَافِظُ أَبُو سَعْدِ بْنُ عَلِيَّكَ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ الْإِسْنَادُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا لِمَنْ سَمَاعُهُ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ‏.‏

وَكَذَا مَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ وَرَآهُ تَدْلِيسًا، يَعْنِي مِنْ جِهَةِ إِيهَامِهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ سَمِعَ بِتَكْرَارِ السَّنَدِ، وَأَنَّهُ كَانَ مُكَرَّرًا تَحْقِيقًا لَا حُكْمًا وَتَقْدِيرًا، إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ كَيْفِيَّةَ التَّحَمُّلِ‏.‏ وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ لَهُ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ تَقْطِيعِ الْمَتْنِ الْوَاحِدِ فِي أَبْوَابٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْمَتْنِ، وَقَرِيبُ الشَّبَهِ بِالنَّقْلِ مِنْ أَثْنَاءِ الْكُتُبِ الَّتِي يَقَعُ إِيرَادُ السَّنَدِ بِهَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَوِ الْمَجْلِسِ، وَكَذَا فِي آخِرِهِ غَالِبًا لِأَجْلِ مَنْ يَتَجَدَّدُ مِنَ السَّامِعِينَ، وَيُكْتَفَى فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ وَبِهِ‏.‏ حَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ، بَلْ لَا فَرْقَ‏.‏

قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْعُ عَلَى التَّنْزِيهِ وَمَا يُخَالِفُ الْأَوْلَى، لَا عَلَى التَّحَتُّمِ؛ إِذْ لَا وَجْهَ لِلْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ‏:‏ بَابُ الرِّوَايَةِ اتِّبَاعٌ لَا ابْتِدَاعٌ، وَهُوَ لَمْ يُرْوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنَ التَّفْرِقَةِ فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مُبْتَدَعَاتِهَا لَا مِنَ اتِّبَاعَاتِهَا‏.‏

‏[‏صَنِيعُ الشَّيْخَيْنِ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ صَحِيفَةِ هَمَّامٍ‏]‏‏:‏

‏(‏وَالْإِفْصَاحُ‏)‏ بِصُورَةِ الْحَالِ وَإِنْ جَازَ مَا تَقَدَّمَ ‏(‏أَسَدْ‏)‏ بِالْمُهْمَلَةِ، أَيْ أَقْوَمُ وَأَحْسَنُ، كَمَا يَفْعَلُهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيفَةِ هَمَّامٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ سِيَاقِ إِسْنَادِهِ إِلَى هَمَّامٍ‏:‏ إِنَّهُ قَالَ‏:‏ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَصُّهُ‏.‏ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا‏.‏ وَيَسُوقُ الْمَتْنَ الَّذِي يَرُومُ إِيرَادَهُ، وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْ هَذَا فِيمَا يُورِدُهُ مِنَ النُّسْخَةِ الْمَذْكُورَةِ‏.‏

وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَرُبَّمَا قَدَّمَ أَوَّلَ حَدِيثٍ مِنَ الصَّحِيفَةِ، وَهُوَ حَدِيثُ ‏(‏نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ‏)‏‏.‏ ثُمَّ يَعْطِفُ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ الَّذِي يُرِيدُهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْضَحُ، وَلِذَا قَلَّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى مَقْصِدِ الْبُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى التَّكْلِيفِ بَيْنَ مُطَابَقَةِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِلتَّرْجَمَةِ، وَاسْتَعْمَلَ قُوَاهُ فِي ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ لَمْ يَطَّرِدْ عَمَلُهُ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا يُورِدُهُ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ، بَلْ أَوْرَدَ مِنْهَا فِي الطَّهَارَةِ، وَفِي الْبُيُوعِ، وَفِي النَّفَقَاتِ، وَالشَّهَادَاتِ، وَالصُّلْحِ، وَقِصَّةِ مُوسَى، وَالتَّفْسِيرِ، وَخَلْقِ آدَمَ، وَالِاسْتِئْذَانِ، وَفِي الْجِهَادِ فِي مَوَاضِعَ، وَفِي الطِّبِّ، وَاللِّبَاسِ، وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يُصْدِرْ شَيْئًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِالْحَدِيثِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ‏.‏

وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ جَوَازَ كُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، لَكِنْ قَدْ فَعَلَهُ الْبُخَارِيُّ أَحْيَانًا فِي تَرْجَمَةِ شُعَيْبٍ أَيْضًا‏.‏

وَمِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ “ لَا تَبُولُوا فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ “ قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، ثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ‏)‏‏.‏ وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ‏)‏ الْحَدِيثَ‏.‏

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَتَا فِي ابْتِدَائِهِمَا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يُوجَدَ حَدِيثٌ فِي إِحْدَاهُمَا إِلَّا وَهُوَ فِي الْأُخْرَى، وَسَبَقَهُمَا إِلَى نَحْوِهِ مَالِكٌ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ فِي بَابِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ مِنْ ‏(‏مُوَطَّئِهِ‏)‏ مُتُونًا بِسَنَدٍ وَاحِدٍ، أَوَّلُهَا‏:‏ ‏(‏مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَوْكٍ‏)‏، وَآخِرُهَا‏:‏ ‏(‏لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا‏)‏ وَلَيْسَ غَرَضُهُ إِلَّا الْأَخِيرَ، وَلَكِنَّهُ أَدَّاهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمِعَهَا بِهِ، وَكَذَا وَافَقَ عَلَى مُطْلَقِ الْبَيَانِ آخَرُونَ‏.‏

‏(‏وَمَنْ يُعِيدُ سَنَدَ الْكِتَابِ‏)‏ أَوِ الْجُزْءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا، ‏(‏مَعْ آخِرِهِ‏)‏ أَيْ فِي آخِرِ الْكِتَابِ، فَقَدِ ‏(‏احْتَاطَ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ وَتَضَمُّنِ إِجَازَةٍ بَالِغَةٍ مِنْ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ، وَلَكِنْ ‏(‏خُلْفًا مَا رَفَعَ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ الْخِلَافَ، مِنْ أَجْلِ عَدَمِ اتِّصَالِ السَّنَدِ بِكُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا، بَلِ الْخِلَافُ الْمَاضِي فِي إِفْرَادِ كُلِّ حَدِيثٍ لَمْ يَزُلْ بِذَلِكَ‏.‏

تَقْدِيمُ الْمَتْنِ عَلَى السَّنَدِ

665- وَسَبْقُ مَتْنٍ لَوْ بِبَعْضِ سَنَدٍ *** لَا يَمْنَعُ الْوَصْلَ وَلَا أَنْ يَبْتَدِيَ

666- رَاوٍ كَذَا بِسَنَدٍ فَمُتَّجِهْ *** وَقَالَ خُلْفُ النَّقْلِ مَعْنًى يَتَّجِهْ

667- فِي ذَا كَبَعْضِ الْمَتْنِ قَدَّمْتَ عَلَى *** بَعْضٍ فَفِيهِ ذَا الْخِلَافُ نُقِلَا

‏[‏تَقْدِيمُ الْمَتْنِ عَلَى السَّنَدِ لَا يَمْنَعُ الْوَصْلَ‏]‏‏:‏ الْفَصْلُ الْعَاشِرُ‏:‏ ‏(‏تَقْدِيمُ الْمَتْنِ عَلَى السَّنَدِ‏)‏ جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ‏.‏ ‏(‏وَسَبْقُ مَتْنٍ‏)‏ عَلَى جَمِيعِ سَنَدِهِ كَمَا جَاءَ مِنَ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيِّ، بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ‏.‏ أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏مَنْ قَالَ‏:‏ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ‏)‏‏.‏ الْحَدِيثَ‏.‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ‏.‏ يَعْنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ‏.‏

وَكَقَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَاخِرِ الْعِلْمِ مِنْ ‏(‏صَحِيحِهِ‏)‏‏:‏ وَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ ‏(‏حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ‏.‏ جَائِزٌ، وَ‏(‏لَوْ‏)‏ كَانَ سَبْقُهُ مُقْتَرِنًا ‏(‏بِبَعْضِ سَنَدِ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ الْبَعْضُ السَّابِقُ مِمَّا يَلِي الرَّاوِيَ كَقَوْلِ أَحْمَدَ‏:‏ سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏إِذَا كَفَى الْخَادِمُ أَحَدَكُمُ طَعَامَهُ فَلْيُجْلِسْهُ فَلْيَأْكُلْ مَعَهُ‏)‏ الْحَدِيثَ‏.‏

وَقُرِئَ عَلَيْهِ إِسْنَادُهُ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ‏.‏

وَقَوْلِهِ أَيْضًا‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ ‏(‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَارْمُوهَا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ‏)‏‏.‏ وَقُرِئَ عَلَيْهِ إِسْنَادُهُ‏:‏ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ، عَنْ أُمِّهِ، يَعْنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ‏.‏

وَحَكَى أَحْمَدُ أَنَّ شَرِيكًا لَمْ يَكُنْ يُحَدِّثُ إِلَّا هَكَذَا، كَانَ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ فَيَقُولُ‏:‏ فُلَانٌ‏.‏ فَيُقَالُ‏:‏ عَمَّنْ‏؟‏ فَيَقُولُ‏:‏ عَنْ فُلَانٍ‏.‏

أَوْ مِمَّا يَلِي الْمَتْنَ كَأَنْ يَقُولَ‏:‏ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا‏.‏ أَنَا بِهِ فُلَانٌ‏.‏ وَيَسُوقُ سَنَدَهُ إِلَى عَمْرٍو‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ، كَمَا حَكَى مَالِكٌ قَالَ‏:‏ كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى الزُّهْرِيِّ فَيَقُولُ‏:‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَا‏.‏ ثُمَّ نَجْلِسُ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَقُولُ لَهُ‏:‏ الَّذِي ذَكَرْتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ مَنْ أَخْبَرَكَ بِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ابْنُهُ سَالِمٌ‏.‏

وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ ذَلِكَ أَحْمَدُ، بَلْ وَفَعَلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ‏.‏ وَ‏(‏لَا يَمْنَعُ‏)‏ السَّبْقُ فِي ذَلِكَ ‏(‏الْوَصْلَ‏)‏، بَلْ يُحْكَمُ بِاتِّصَالِهِ كَمَا إِذَا قَدَّمَ السَّنَدَ عَلَى الْمَتْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏لَا‏)‏ يَمْنَعُ ‏(‏أَنْ يَبْتَدِي‏)‏ رَاوٍ تَحَمَّلَ مِنْ شَيْخِهِ هَـ ‏(‏كَذَا‏)‏ الْمَتْنَ ‏(‏بِسَنَدٍ‏)‏ وَيُؤَخِّرُ الْمَتْنَ كَالْجَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ ‏(‏فَـ‏)‏ هَذَا ‏(‏مُتَّجِهْ‏)‏ كَمَا جَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ‏.‏ وَكَلَامُ أَحْمَدَ يُشْعِرُ بِهِ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ سَأَلَهُ‏:‏ هَلْ لِمَنْ سَمِعَ كَذَلِكَ أَنْ يُؤَلِّفَ بَيْنَهُمَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ‏:‏ الْأَشْبَهُ عِنْدِي جَوَازُهُ‏.‏

وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ تَقْدِيمُ اسْمِ شَيْخِهِ عَلَى الصِّيغَةِ، كَأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَثَلًا‏:‏ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي‏.‏

‏(‏وَقَالَ‏)‏ ابْنُ الصَّلَاحِ وَ ‏(‏خُلْفُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْخِلَافُ فِي ‏(‏النَّقْلِ مَعْنًى‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْمَعْنَى ‏(‏يَتَّجِهْ‏)‏ مَجِيئُهُ ‏(‏فِي ذَا‏)‏ الْفَرْعِ ‏(‏كَبَعْضِ الْمَتْنِ‏)‏ إِذَا ‏(‏قَدَّمْتَ‏)‏ بِهِ ‏(‏عَلَى بَعْضٍ فَفِيهِ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏ذَا الْخِلَافُ‏)‏ كَمَا عَنِ الْخَطِيبِ قَدْ ‏(‏نُقِلَا‏)‏، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ‏.‏

وَلَكِنْ قَدْ مَنَعَ الْبُلْقِينِيُّ مَجِيءَ الْخِلَافِ فِي فَرْعِنَا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ تَقْدِيمَ

بَعْضِ الْمَتْنِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى خَلَلٍ فِي الْمَقْصُودِ فِي الْعَطْفِ وَعَوْدِ الضَّمِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْمَتْنِ عَلَى السَّنَدِ‏.‏

وَسَبَقَهُ إِلَى الْإِشَارَةِ لِذَلِكَ النَّوَوِيُّ، فَقَالَ فِي ‏(‏إِرْشَادِهِ‏)‏‏:‏ وَالصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ جَوَازُ هَذَا، وَلَيْسَ كَتَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَتْنِ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْمَعْنَى بِخِلَافِ هَذَا‏.‏

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ الْقَطْعُ بِجِوَازِهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ فِيهِ خِلَافٌ كَتَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَتْنِ عَلَى بَعْضٍ‏.‏ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ‏:‏ إِنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ إِنَّمَا أَطْلَقَ اسْتِغْنَاءً بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ شُرُوطِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى، لَكِنْ قَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ‏:‏ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِجَوَازِهِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَتْنُ الْمُتَقَدَّمُ مُرْتَبِطًا بِالْمُؤَخَّرِ‏.‏ ثُمَّ إِنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنَ الْجَوَازِ مَا يَقَعُ لِابْنِ خُزَيْمَةَ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُ إِذَا كَانَ فِي السَّنَدِ مَنْ فِيهِ مَقَالٌ حَيْثُ يَبْتَدِئُ مِنَ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْمَتْنِ يَذْكُرُ أَوَّلَ السَّنَدِ، وَقَالَ‏:‏ إِنَّ مَنْ رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ فِي حِلٍّ مِنْهُ‏.‏

وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ الْقَائِلَ بِالرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى لَا يُجَوِّزُ مِثْلَ هَذَا‏.‏ يَعْنِي حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ‏.‏ وَكَذَا مَيَّزَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بَيْنَ مَا يُخْرِجُهُ فِي ‏(‏مُسْتَخْرَجِهِ‏)‏ مِنْ طَرِيقِ مَنْ يَعْرِضُ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَبَيْنَ الصَّحِيحِ عَلَى شَرْطِهِ، بِذِكْرِ الْخَبَرِ مِنْ فَوْقُ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنِيهِ فُلَانٌ، عَنْ فُلَانٍ‏.‏ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي ‏(‏الْمَدْخَلِ‏)‏‏.‏

وَمِمَّنْ مَنَعَ تَقْدِيمَ بَعْضِ الْمَتْنِ عَلَى بَعْضٍ ابْنُ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ‏.‏ ‏(‏بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ‏)‏‏.‏ وَفِيهِ ‏(‏حَجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ‏)‏‏.‏ فَأَعَادَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ بِتَقْدِيمِ الصِّيَامِ، فَقَالَ‏:‏ لَا، اجْعَلِ الصِّيَامَ آخِرَهُنَّ كَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَرُبَّمَا شَكَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَرَوَاهُ مَعَ التَّرَدُّدِ كَحَدِيثِ‏:‏ ‏(‏أَهْلُ بَيْتِي وَالْأَنْصَارُ عَيْبَتِي وَكَرِشِي‏)‏‏.‏ أَوْ‏:‏ ‏(‏كَرِشِي وَعَيْبَتِي‏)‏‏.‏ وَكَحَدِيثِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ أَوْ غِفَارَ وَأَسْلَمَ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِالشَّكِّ كَقَوْلِ عَاصِمٍ فِي حَدِيثِ‏:‏ ‏(‏فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏)‏‏.‏ أَوْ‏:‏ ‏(‏إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ‏)‏‏:‏ لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا بَدَأَ‏.‏

أَوْرَدَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْخَطِيبُ فِي بَابِ الْمَنْعِ مِنْ تَقْدِيمِ كَلِمَةٍ عَلَى أُخْرَى مِنْ ‏(‏كِفَايَتِهِ‏)‏، وَكَذَا بَوَّبَ لِهَذَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، وَحَكَى فِيهِ الْجَوَازَ إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَعْنَى عَنِ الْحَسَنِ وَسُلَيْمَانَ التَّمِيمِيِّ وَالِدِ الْمُعْتَمِرِ‏.‏

إِذَا قَالَ الشَّيْخُ‏:‏ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ

668- وَقَوْلُهُ مِعْ حَذْفِ مَتْنٍ مِثْلَهُ *** أَوْ نَحْوَهُ يُرِيدُ مَتْنًا قَبْلَهُ

669- فَالْأَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ أَنْ يُكَمِّلَهْ بِسَنَدِ الثَّانِي وَقِيلَ بَلْ لَهْ

670- إِنْ عُرِفَ الرَّاوِيُ بِالتَّحَفُّظِ *** وَالضَّبْطِ وَالتَّمْيِيزِ لِلتَّلَفُّظِ

671- وَالْمَنْعُ فِي نَحْوٍ فَقَطْ قَدْ حُكِيَا *** وَذَا عَلَى النَّقْلِ بِمَعْنًى بُنِيَا

672- وَاخْتِيرَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَتْنِ *** قَبْلُ وَمَتْنُهُ كَذَا وَيَبْنِي

673- وَقَوْلُهُ إِذْ بَعْضُ مَتْنٍ لَمْ يَسُقْ *** وَ “ ذَكَرَ الْحَدِيثَ “ فَالْمَنْعُ أَحَقْ

674- وَقِيلَ إِنْ يَعْرِفْ كِلَاهُمَا الْخَبَرْ *** يُرْجَى الْجَوَازُ وَالْبَيَانُ الْمُعْتَبَرْ

675- وَقَالَ إِنْ نُجِزْ فَبِالْإِجَازَهْ *** لِمَا طَوَى وَاغْتَفَرُوا إِفْرَازَهْ

‏[‏حُكْمُ إِيرَادِ اللَّفْظِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِنَحْوِهِ أَوْ مِثْلِهِ‏]‏‏:‏ الْفَصْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ‏:‏ ‏(‏إِذَا قَالَ الشَّيْخُ‏:‏ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ‏)‏‏.‏ ‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الشَّيْخِ الرَّاوِيِ ‏(‏مَعْ حَذْفِ مَتْنٍ‏)‏ أَوْرَدَ إِسْنَادَهُ مَا نَصُّهُ، فَذَكَرَ ‏(‏مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ يُرِيدُ مَتْنًا قَبْلَهُ‏)‏ فَرَغَ مِنْ سِيَاقِهِ، هَلْ يَسُوغُ إِيرَادُ اللَّفْظِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالسَّنَدِ الثَّانِي الْمَطْوِيِّ مَتْنُهُ‏؟‏ اخْتُلِفَ فِيهِ، ‏(‏فَالْأَظْهَرُ‏)‏ عِنْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالنَّوَوِيِّ وَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ‏.‏

‏(‏الْمَنْعُ‏)‏ لِمَنْ سَمِعَهُ كَذَلِكَ ‏(‏مِنْ أَنْ‏)‏ بِالنَّقْلِ ‏(‏يُكَمِّلَهْ بِسَنَدِ الثَّانِي‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالسَّنَدِ الثَّانِي فَقَطْ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ تَمَاثُلِهِمَا فِي اللَّفْظِ وَفِي الْقَدْرِ الْمُتَفَاوِتَيْنِ فِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ الْإِفْكِ مِنْ رِوَايَةِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ وَجَمَاعَةٍ بِطُولِهِ، ثُمَّ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ‏:‏ مِثْلَهُ مَعَ تَفَاوُتٍ كَثِيرٍ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ حَسْبَمَا عُلِمَ مِنْ خَارِجٍ‏.‏

وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ فَكَأَنَّ فُلَيْحًا تَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ ‏(‏صَحِيحِهِ‏)‏ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَمُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا‏:‏ ‏(‏كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا‏)‏‏.‏ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ شُعْبَةَ، فَوَصَلَهُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، بَلْ قَالَ‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏ هَذَا مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ لِي مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ إِلَّا بِلَفْظِ ‏(‏إِثْمًا‏)‏ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمٌ لَمْ يُشَدِّدْ لِكَوْنِهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ، أَوْ وَقَعَ لَهُ بِلَفْظِهِ‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَفِي أَنَّهُ الْأَظْهَرُ نَظَرٌ إِذَا مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ جَوَازُ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مِثْلَهُ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ لَفْظِهِ، لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَاهُ، بَلْ هُوَ فِيمَا يَظْهَرُ دَائِرٌ بَيْنَ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى لَا سِيَّمَا إِذَا اقْتَرَنَ بِمِثْلِهِ لَفْظُ سَوَاءٍ، بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى كَوْنِهِ بِلَفْظِهِ‏.‏

وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى الْمَنْعِ شُعْبَةُ، فَكَانَ لَا يَرَى بِالتَّحْدِيثِ بِهِ عَلَى لَفْظِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ‏:‏ قَوْلُ الرَّاوِي‏:‏ فُلَانٌ، عَنْ فُلَانٍ، مِثْلَهُ‏.‏ لَا يُجْزِئُ، وَقَوْلُهُ‏:‏ نَحْوَهُ‏.‏ شَكٌّ، أَيْ‏:‏ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْهُ قَالَ‏:‏ مِثْلَهُ وَنَحْوَهُ حَدِيثٌ‏.‏ أَيْ‏:‏ غَيْرُ الْأَوَّلِ‏.‏ وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ قُرَادٍ أَبِي نُوحٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مِثْلَهُ لَيْسَ بِحَدِيثٍ‏.‏

ثُمَّ إِنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَذْفِ الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ مَعَ ذَلِكَ وَإِثْبَاتِهِ‏.‏ وَلِإِثْبَاتِهِ أَحْوَالٌ‏:‏ فَتَارَةً يَذْكُرُ الْمَتْنَ عَقِبَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَتَارَةً يَذْكُرُهُ عَقِبَ ثَانِيهِمَا، وَتَارَةً يَعْكِسُ مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ، فَيُؤَخِّرُ الْإِسْنَادَ الَّذِي لَهُ اللَّفْظُ، وَيُرْدِفُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏

‏(‏وَقِيلَ بَلْ‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏لَهْ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِلسَّامِعِ كَذَلِكَ إِكْمَالُهُ ‏(‏إِنْ عَرَفَ‏)‏ الْمُحَدِّثُ ‏(‏الرَّاوِيَ بِالتَّحَفُّظِ وَالضَّبْطِ‏)‏‏.‏

وَعَدِّ الْحُرُوفِ، ‏(‏وَالتَّمْيِيزِ لِلتَّلَفُّظِ‏)‏ الْوَاقِعِ مِنَ الرُّوَاةِ، بِحَيْثُ لَا يَحْمِلُ لَفْظَ رَاوٍ عَلَى آخَرَ، مِثْلَ مُسْلِمٍ صَاحِبِ ‏(‏الصَّحِيحِ‏)‏ فَإِنَّهُ يَزُولُ الِاحْتِمَالُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَا‏.‏ حَكَاهَا الْخَطِيبُ فِي ‏(‏الْكِفَايَةِ‏)‏ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَأَسْنَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حِبَّانَ قَالَ‏:‏ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي‏:‏ قِيلَ لِأَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ‏:‏ يُحَدِّثُ الْمُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ، ثُمَّ يُحَدِّثُ بِآخَرَ فِي أَثَرِهِ فَيَقُولُ‏:‏ مِثْلَهُ، يَجُوزُ لِي أَنْ أَقُصَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْمُحَدِّثُ‏:‏ مِثْلَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قُلْتُ لَهُ‏:‏ إِنَّمَا قَالَ الْمُحَدِّثُ‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏ فَكَيْفَ أَقُصُّ أَنَا الْكَلَامَ فِيهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَذَا جَائِزٌ إِذَا قَالَ‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏ فَقَصَصْتَ أَنْتَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ قَالَ الثَّوْرِيُّ‏:‏ إِذَا كَانَ “ مِثْلَهُ “ يَعْنِي حَدِيثًا قَدْ تَقَدَّمَ، فَقَالَ‏:‏ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ‏.‏ فَإِنْ شِئْتَ فَحَدِّثْ بِالْمِثْلِ عَلَى لَفْظِ الْأَوَّلِ‏.‏

وَقَوَّى الْبُلْقِينِيُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَاسْتَظْهَرَ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ صَنَعَهُ حَتَّى فِي الْمَوْضِعِ الْمُحْتَمِلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ أَخْرَجَ فِي ‏(‏سُنَنِهِ‏)‏ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ‏:‏ “ تَقُولُ الْمَرْأَةُ‏:‏ أَنْفِقْ عَلَيَّ وَإِلَّا طَلِّقْنِي “‏.‏

ثُمَّ خَرَّجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ؛ قَالَ‏:‏ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا‏.‏

ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

فَهَذَا مَعَ احْتِمَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْمَوْقُوفِ وَأَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْمَرْفُوعِ، خَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَفِيهِ لَفْظُ الْمَرْفُوعِ، فَرَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا أَعْسَرَ الرَّجُلُ بِنَفَقَةِ امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا‏)‏‏.‏ وَلَمْ يَقَعْ فِي كِتَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَلَا فِي كِتَابِ مَنْ أَخَذَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ إِلَّا بِلَفْظَةِ “ مِثْلَهُ “ الْمُحْتَمِلَةِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَحَدِيثُ ‏(‏تَقُولُ الْمَرْأَةُ‏)‏ فِي “ الدَّارَقُطْنِيِّ “ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ رَوَى أَثَرًا مَقْطُوعًا مِنْ وَجْهَيْنِ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الرَّجُلِ يَعْجِزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ‏:‏ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا‏.‏

ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ، قَالَ‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ زِيَادَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثَرِ سَعِيدٍ خَطَأٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ الْمَرْفُوعِ، لِكَوْنِهِمَا مُتَّحِدَيْنِ فِي السَّنَدِ وَالرَّفْعِ‏.‏

‏[‏جَوَازُ إِيرَادِ اللَّفْظِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي نَحْوِهِ لَا فِي مِثْلِهِ‏]‏‏:‏

‏(‏وَالْمَنْعُ‏)‏ وَهُوَ قَوْلٌ مُفَصَّلٌ ‏(‏فِي نَحْوٍ‏)‏ بِالتَّنْوِينِ، أَيْ‏:‏ فِي نَحْوِهِ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ “ مِثْلِهِ “، قَدْ حُكِيَا فِيمَا رَوَاهُ عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ حَيْثُ قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ مِثْلَهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْوِيَهُ إِذَا قَالَ‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏ إِلَّا أَنْ يَقُولَ‏:‏ نَحْوَهُ‏.‏

يَعْنِي عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظَيْنِ إِذْ “ مِثْلَهُ “ يُعْطِي التَّسَاوِيَ فِي اللَّفْظِ بِخِلَافِ “ نَحْوِهِ “، حَتَّى قَالَ الْحَاكِمُ‏:‏ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمَا عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَيَحِلُّ أَنْ يَقُولَ‏:‏ نَحْوَهُ‏.‏ إِذَا كَانَ عَلَى مِثْلِ مَعَانِيهِ‏.‏

قَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ ‏(‏وَذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ مَعِينٍ ‏(‏عَلَى‏)‏ عَدَمِ جَوَازِ ‏(‏النَّقْلِ بِمَعْنًى‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْمَعْنَى ‏(‏بُنِيَا‏)‏ فَأَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ‏(‏وَاخْتِيرَ‏)‏ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ حِينَ رِوَايَةِ مَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ‏(‏أَنْ‏)‏ يُورِدَ الْإِسْنَادَ ‏(‏وَيَقُولَ‏)‏‏:‏ فَذَكَرَ ‏(‏مِثْلَ‏)‏ أَوْ نَحْوَ أَوْ مَعْنَى ‏(‏مَتْنٍ‏)‏ ذُكِرَ ‏(‏قَبْلُ وَمَتْنُهُ كَذَا وَيَبْنِي‏)‏ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ عَلَى السَّنَدِ الثَّانِي بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ‏.‏

قَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْتَارُهُ‏.‏ يَعْنِي لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِيَاطِ بِالتَّعْيِينِ وَإِزَالَةِ الْإِيهَامِ وَالِاحْتِمَالِ بِحِكَايَةِ صُورَةِ الْحَالِ‏.‏ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي ‏(‏شَرْحِ مُسْلِمٍ‏)‏‏:‏ إِنَّهُ لَا شَكَّ فِي حُسْنِهِ- انْتَهَى‏.‏

وَمَا لَعَلَّهُ يُقَالُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الصَّنِيعِ يُوهِمُ سَمَاعَ الْمَتْنِ الثَّانِي، وَأَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ لِغَرَضٍ مَا لَيْسَ بِقَادِحٍ، وَقَدْ فَعَلَهُ بِنَحْوِهِ أَحْمَدُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ مِنْ مُسْنَدِهِ‏.‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ- هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ- ثَنَا عَامِرٌ- هُوَ الشَّعْبِيُّ- حَ، وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ- يَعْنِي الطَّنَافِسِيَّ- ثَنَا إِسْمَاعِيلُ- يَعْنِي الْمَذْكُورَ- عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ مَرَّ عُمَرُ بِطَلْحَةَ‏.‏ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، قَالَ‏:‏ مَرَّ عُمَرُ بِطَلْحَةَ فَرَآهُ مُهْتَمَّا قَالَ‏:‏ لَعَلَّهُ شَاكٍ إِمَارَةَ ابْنِ عَمِّكَ‏.‏ وَسَاقَهُ، فَقَوْلُهُ‏:‏ قَالَ‏:‏ مَرَّ الثَّانِي هُوَ لَفْظُ السَّنَدِ الْأَوَّلِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِأَنَّ لَفْظَ السَّنَدِ الثَّانِي بِمَعْنَاهُ‏.‏

وَكَذَا الْبُخَارِيُّ، لَكِنْ حَيْثُ لَمْ يَسُقْ لِلْمَتْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِـ “ نَحْوٍ “ طَرِيقًا يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ فِي خَلْقِ آدَمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ نَحْوَهُ‏.‏

وَقَالَ عَقِبَهُ مَا نَصُّهُ‏:‏ يَعْنِي‏:‏ ‏(‏لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يُخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا‏)‏‏.‏ وَكَأَنَّهُ لِكَوْنِ الرِّوَايَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهَا لَمْ يَسْمَعْهَا، أَوْ سَمِعَهَا بِسَنَدٍ عَلَى غَيْرِ شَرْطِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ‏.‏

وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إِيرَادُهُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ يَعْنِي‏:‏ ‏(‏إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا‏)‏‏.‏ بَلْ هَذَا أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّهُ رَوَى مَا أَوْرَدَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى‏.‏

‏[‏حُكْمُ سِيَاقِ تَمَامٍ لِلْحَدِيثِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الِاقْتِصَارُ‏]‏ إِذَا عُلِمَ هَذَا فَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إِذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ، ‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا ‏(‏قَوْلُهُ‏)‏ أَيِ الرَّاوِي ‏(‏إِذْ بَعْضُ مَتْنٍ لَمْ يَسُقْ‏)‏ بَلْ حَذَفَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ، وَوَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَى طَرَفٍ مِنْهُ مَا نَصُّهُ‏.‏

‏(‏وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏)‏ أَوْ‏:‏ وَذَكَرَهُ، أَوْ نَحْوَهُمَا، كَقَوْلِهِ‏:‏ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ أَوْ بِطُولِهِ، أَوْ‏:‏ إِلَى آخِرِهِ‏.‏ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنَ الرُّوَاةِ ‏(‏فَالْمَنْعُ‏)‏ مِنْ سِيَاقِ تَمَامِ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ‏(‏أَحَقْ‏)‏ مِنْهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَيَقْتَصِرُ حِينَئِذٍ عَلَى الْقَدْرِ الْمُثْبَتِ مِنْهُ فَقَطْ إِلَّا مَعَ الْبَيَانِ‏.‏ وَمِمَّنْ صَرَّحَ فِيهَا بِالْمَنْعِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ‏.‏

‏(‏وَقِيلَ إِنْ يَعْرِفْ‏)‏ الْمُحَدِّثُ وَالطَّالِبُ ‏(‏كِلَاهُمَا‏)‏ مَعَ هَذِهِ الْإِشَارَةِ ‏(‏الْخَبَرْ‏)‏ بِتَمَامِهِ ‏(‏يُرْجَى‏)‏ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ‏(‏الْجَوَازُ‏)‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏وَالْبَيَانُ‏)‏ مَعَ ذَلِكَ لِلْوَاقِعِ بِأَنْ يَقْتَصَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَدِّثُ مِنَ الْحَدِيثِ ثُمَّ يَقُولَ‏:‏ وَتَمَامُهُ كَذَا وَكَذَا‏.‏ وَيَسُوقَهُ هُوَ ‏(‏الْمُعْتَبَرْ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْأَوْلَى، وَيَتَأَكَّدُ فِيمَا إِذَا كَانَ سَمَّعَ الطَّالِبُ الْمَتْنَ عَلَى الْمُحَدِّثِ‏.‏

وَلِذَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ‏:‏ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالَ‏:‏ إِنْ كَانَ سَمَّعَ الْحَدِيثَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَتَجُوزُ الرِّوَايَةُ، وَتَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ قَدْ سَلَفَ بَيَانُهُ وَتَحَقَّقَ سَمَاعُهُ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

‏(‏وَقَالَ‏)‏ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ ‏(‏إِنْ يَجُزْ‏)‏ فِي الصُّورَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ‏(‏فَـ‏)‏ رِوَايَتُهُ ‏(‏بِالْإِجَازَهْ لِمَا طَوَى‏)‏ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ التَّحْقِيقُ‏.‏ قَالَ‏:‏ لَكِنَّهَا إِجَازَةٌ أَكِيدَةٌ قَوِيَّةٌ‏.‏ يَعْنِي لِأَنَّهَا إِجَازَةُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِمُعَيَّنٍ، وَفِي الْمَسْمُوعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُجَازِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، فَأُدْرِجَ فِيهِ‏.‏ ‏(‏وَاغْتَفَرُوا‏)‏ أَيْ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ ‏(‏إِفْرَازَهْ‏)‏ عَنِ الْمَسْمُوعِ بِصِيغَةٍ تَدُلُّ لَهَا‏.‏ قُلْتُ‏:‏ أَوْ لَعَلَّ فَاعِلَهُ مِمَّنْ يَذْهَبُ إِلَى جَوَازِ أَدَاءِ الْمُجَازِ بِـ “ أَخْبَرَنَا “ وَ “ ثَنَا “ كَمَا سَلَفَ‏.‏