فصل: مَعرِفَةُ التَّابِعِينَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: ‏فتح المغيث شرح ألفية الحديث ***


مَعرِفَةُ التَّابِعِينَ

817- والتَّابِعُ اللاَّقِي لِمَنْ قدْ صَحِبَا *** وللخَطِيبِ حَدُّهُ أَنْ يَصْحَبَا

818- وهُم طِباقٌ، قِيلَ‏:‏ خَمْسَ عَشِرَهْ *** أوَّلُهُمْ رُوَاةُ كلِّ العَشَرَهْ

819- وقَيْسٌ الفَرْدُ بهذا الوَصْفِ *** وقِيلَ‏:‏ لم يَسمَعْ مِن ابْنِ عَوْفِ

820- وقَوْلُ مَنْ عَدَّ سَعيداً فَغَلَطْ *** بلْ قيلَ‏:‏ لم يَسْمَعْ سِوَى سَعْدٍ فَقَطْ

821- لكنَّهُ الأَفْضَلُ عِندَ أَحْمَدَا *** وعنهُ قَيْسٌ وسِوَاهُ وَرَدَا

822- وفَضَّلَ الحسَنَ أهلُ البَصرَةِ *** والقَرَنِي أُوَيْساً اهْلُ الكُوفَةِ

823- وفي نِساءِ التابعينَ الأَبْدَا *** حَفْصَةُ مَعْ عَمْرَةَ أُمُّ الدَّرْدَا

824- وفي الكِبارِ الفُقهاءُ السَّبْعَهْ *** خارِجَةُ القاسمُ ثمَّ عُرْوَهْ

825- ثمَّ سُليمانُ عُبَيْدُ اللَّهِ *** سَعيدُ والسابِعُ ذُو اشْتِبَاهِ

827- إمَّا أَبُو سَلَمَةٍ اوْ سَالِمُ *** أوْ فَأَبُو بكْرٍ خِلافٌ قائِمُ

827- الْمُدْرِكُونَ جاهليَّةً فَسَمّ *** مُخَضْرَمِينَ كَسُوَيْدٍ في أُمَمْ

828- وقدْ يُعَدُّ في الطِّباقِ التَّابِعُ *** في تابِعِيهِمْ إذْ يكونُ الشَّائِعُ

829- الْحَمْلُ عنهم كأبِي الزِّنَادِ *** والعكْسُ جاءَ وَهْوَ ذُو فَسَادِ

830- وقدْ يُعَدُّ تابِعِيًّا صاحِبُ *** كابْنَيْ مُقَرِّنٍ ومَنْ يُقَارِبُ

‏(‏مَعْرِفَةُ التابعِينَ‏)‏، وهوَ كالَّذِي قبلَهُ، أَصْلُهُ عظيمٌ في مَعْرفةِ المُرْسَلِ والمُتَّصِلِ؛ ولِذَا قالَ الحاكمُ‏:‏ ومَهْمَا غَفَلَ الإنسانُ عنْ هذا العلمِ لم يُفَرِّقْ بينَ الصحابةِ والتابعِينَ، ثمَّ لم يُفَرِّقْ بينَ التابعِينَ وأتْباعِهم‏.‏ ومِنْ مَظَانِّهم المَذْكُورُونَ فيها على التَّوَالِي ‏(‏الطَّبَقاتُ‏)‏ لمُسلمٍ، ولابنِ سَعْدٍ، ولخليفةَ بنِ خَيَّاطٍ، وأبي بَكْرٍ الْبَرْقِيِّ، وأبي الحسنِ بنِ سُمَيْعٍ‏.‏ بلْ أَفْرَدَهم أبو حاتِمٍ الرازيُّ وأبو القاسمِ بنُ مَنْدَهْ بالتأليفِ، وغيْرُها‏.‏ وكانَ يُمْكِنُ حَصْرُهم في عَدَدٍ تَقْريبِيٍّ بالنَّظَرِ لِمَا في كُتُبِ الرِّجَالِ، وإنْ كانَ قَلِيلَ الجَدْوَى‏.‏

‏[‏تعريف التابعي‏]‏ ‏(‏وَ‏)‏ فيهِ مسائِلُ‏:‏ الأُولَى‏:‏ في تعريفِهِ، فَـ‏(‏التابِعُ‏)‏ ويُقالَ لهُ‏:‏ التابِعِيُّ أيضاً، وكذا التَّبَعُ، ويُجْمَعُ عليهِ أيضاً، وكذا على أَتْبَاعٍ، هُوَ ‏(‏اللاَّقِي لِمَنْ قَدْ صَحِبَا‏)‏ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ واحداً فأَكْثَرَ، سَوَاءٌ كانتِ الرؤيَةُ من الصحابيِّ نفسِهِ، حيثُ كانَ التابعيُّ أَعْمَى أوْ بالعكسِ، أوْ كَانَا جميعاً كذلكَ؛ لصِدْقِ أنَّهما تَلاقَيَا، وسواءٌ كانَ مُمَيِّزاً أمْ لا، سَمِعَ منهُ أمْ لا؛ لِعَدِّ مُسلمٍ ثُمَّ ابنِ حِبَّانَ ثمَّ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ سعيدٍ فِيهِم الأعْمَشَ، معَ قولِ الترمذيِّ‏:‏ إنَّهُ لم يَسْمَعْ مِنْ أحدٍ من الصحابةِ‏.‏ وعبدِ الغَنِيِّ جَرِيرَ بنَ حَازِمٍ؛ لِكَوْنِهِ رأَى أَنَساً‏.‏ ومُوسَى بنَ أَبِي عَائِشَةَ معَ اقتصارِ البُخاريِّ وابنِ حِبَّانَ فيهِ على رُؤْيَةِ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ‏.‏ ويَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيرٍ معَ قَوْلِ أَبِي حَاتِمٍ‏:‏ إِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أحداً من الصحابةِ إِلاَّ أَنَساً رَآهُ رُؤْيَةً‏.‏ وهذا مَصِيرٌ منهم إلى الاكتفاءِ بالرؤيَةِ؛ إذْ رُؤْيَةُ الصالحِينَ- بلا شَكٍّ- لها أثَرٌ عظيمٌ، فكيفَ بالصحابةِ منهم‏؟‏‏!‏ كما قيلَ بمثلِهِ في الصحابيِّ مِمَّا أَسْلَفْتُهُ في أوَّلِ مَعْرِفَةِ الصحابةِ‏.‏ ولَكِنْ قَيَّدَهُ ابنُ حِبَّانَ بكونِهِ حِينَ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ في سِنِّ مَنْ يَحْفَظُ عنهُ، كما صَرَّحَ بذلكَ في تَرْجَمَةِ خَلَفِ بنِ خَلِيفَةَ الذي قالَ البخاريُّ فيهِ‏:‏ يُقالُ‏:‏ إنَّهُ ماتَ في سَنَةِ إحْدَى وثَمَانِينَ ومِائةٍ، وهوَ ابنُ مِائَةِ سَنَةٍ وسَنَةٍ‏.‏ وبذلكَ جَزَمَ ابنُ حِبَّانَ‏.‏ وقالَ فيهِ غَيْرُهما‏:‏ إنَّهُ آخِرُ التابعِينَ مَوْتاً؛ حيثُ ذكَرَهُ في أتباعِ التَّابعِينَ، وساقَ بسَنَدِهِ إليهِ قالَ‏:‏ كُنْتُ في حِجْرِ أَبِي إِذْ مَرَّ رجُلٌ على بَغْلٍ أوْ بغلةٍ، فقِيلَ‏:‏ هذا عمرُو بنُ حُرَيْثٍ صاحِبُ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ‏.‏ فقالَ‏:‏ لم نُدْخِلْ خَلَفاً في التابعِينَ وإنْ كانتْ لهُ رُؤْيَةٌ من الصحابةِ؛ لأنَّهُ رأَى عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ وهوَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ لم يَحْفَظْ عنهُ شيئاً، يَعْنِي فإنَّ عَمْراً تُوُفِّيَ- كما قالَ البخاريُّ وغيرُهُ- في سَنَةِ خمسٍ وثَمانِينَ‏.‏ وأدْخَلْنا الأعمشَ فيهم، معَ أنَّهُ إنَّما رأَى أيضاً فقطْ؛ لكَوْنِهِ حينَ رُؤْيَتِهِ لأنسٍ وهوَ بوَاسِطَ يَخْطُبُ كانَ بَالِغاً يَعْقِلُ، بحيثُ حَفِظَ منهُ خُطْبَتَهُ، بلْ حَفِظَ عنهُ حينَ رَآهُ بمَكَّةَ وهوَ يُصَلِّي عندَ المَقَامِ أَحْرُفاً معدودةً حَكَاهَا؛ إذْ لَيْسَ حُكْمُ البالغِ إذا رَأَى وحَفِظَ كحُكْمِ غيرِ البالغِ إذا رَأَى ولم يَحْفَظْ‏.‏ انتهَى‏.‏

وبهِ ظَهَرَ أنَّ ما نُقِلَ عنْ شيخِنا من احتمالِ أنْ يَكُونَ ابنُ حِبَّانَ إِنَّمَا عَدَّ خَلَفاً في أتْبَاعِ التابعِينَ لِمَا قِيلَ‏:‏ إنَّهُ إنَّما رأَى جَعْفَرَ بنَ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، لا عَمْراً نَفْسَهُ، وأنَّ هذا القولَ تَرَجَّحَ عندَهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ‏.‏

ثمَّ إنَّ إطلاقَ اللُّقَى يَشْمَلُ أيضاً مَنْ لم يَكُنْ حِينَئذٍ مُسلِماً ثمَّ أسْلَمَ بعدَ ذلكَ، وجَنَحَ إليهِ شيخُنا فيما نُقِلَ عنهُ‏.‏ ولا يُنافِيهِ قولُ ابنِ كثيرٍ‏:‏ إنَّ في كلامِ الحاكمِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ الاكتفاءِ باللِّقَاءِ، وأنَّهُ لا بُدَّ من الروايَةِ وإنْ لم يَصْحَبْهُ؛ إذ الروايَةُ لا يُشْتَرَطُ لِتَحَمُّلِها الإسلامُ‏.‏ على أنَّ ما نَسَبَهُ للحاكمِ فيهِ نَظَرٌ؛ فقدْ قالَ الحاكِمُ‏:‏ وطَبَقَةٌ تُعَدُّ في التابعِينَ ولَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ أحَدٍ منهم من الصحابةِ؛ يعني اكْتِفَاءً فيهم بالرؤيَةِ‏.‏ ثمَّ إِنَّ ظاهرَ كلامِ ابنِ كثيرٍ عَدَمُ انفرادِ الحاكمِ بما فَهِمَهُ عنهُ؛ فإنَّهُ قالَ‏:‏ فلم يَكْتَفُوا بمُجرَّدِ رؤيتِهِ الصَّحَابِيَّ، كما اكْتَفَوْا في إطلاقِ اسمِ الصحابيِّ على مَنْ رَآهُ عليهِ السلامُ لِشَرَفِ رُؤْيَتِهِ وعِظَمِها‏.‏ وهذا مُحْتَمِلٌ لاشتراطِهِ معَ الرؤيَةِ كَوْنَهُ في سِنِّ مَنْ يَحْفَظُ، كما لابنِ حِبَّانَ، أو الرِّوَايَةَ صريحاً‏.‏ وعلى كُلِّ حالٍ فهوَ قولٌ آخَرُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كذا ‏(‏للخطيبِ‏)‏ أيضاً‏:‏ التَّابِعيُّ ‏(‏حَدُّهُ أَنْ يَصْحَبَا‏)‏ الصحابيَّ‏.‏ ولكنَّ الأوَّلَ أصَحُّ، وعليهِ- كما قالَ المُصنِّفُ- عَمَلُ الأكثرينَ‏.‏ وقالَ شيخُنا‏:‏ إنَّهُ المُختارُ‏.‏ وقالَ النَّوَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ الأظْهَرُ‏.‏ وسبَقَهُ لترجيحِهِ ابنُ الصلاحِ فقالَ‏:‏ والاكتفاءُ في هذا بِمُجَرَّدِ اللقاءِ والرؤيَةِ أقْرَبُ منهُ في الصحابيِّ؛ نَظَراً إلى مُطْلَقِ اللفظِ فيهما؛ أيْ‏:‏ في الصحابيِّ والتابعيِّ، وإذا اكْتُفِيَ بهِ في الصحابيِّ فَهُنَا أَوْلَى‏.‏ وفيهِ نَظَرٌ، فاللُّغَةُ والاصطلاحُ في الصحابيِّ كما تَقدَّمَ مُتَّفِقَانِ، وكأنَّهُ نَظَرَ إلى أنَّهُ لا يُطْلَقُ عُرْفاً على الرؤيَةِ المُجرَّدَةِ بخلافِهِ في التابعِ، فالعُرْفُ واللغةُ فيهِ مُتَقَارِبَانِ، هذا معَ أنَّ الخطيبَ عَدَّ مَنْصورَ بنَ المُعْتَمِرِ في التابعِينَ معَ كونِهِ لم يَسْمَعْ منْ أحدٍ من الصحابةِ‏.‏ وقولُ الخطيبِ لهُ‏:‏ مِن الصحابةِ ابنُ أَبِي أَوْفَى، يُرِيدُ في الرؤيَةِ، لا في السَّماعِ والصُّحْبةِ‏.‏ واحتمالُ كونِ الخطيبِ يَرَى سَماعَهُ منهُ بَعِيدٌ، لا سِيَّما وقدْ قالَ المصنِّفُ‏:‏ لم أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ في التابعِينَ‏.‏

وقالَ النَّوَوِيُّ في ‏(‏شَرْحِ مُسْلِمٍ‏)‏‏:‏ إنَّهُ ليسَ بتَابِعِيٍّ، ولكنَّهُ منْ أَتْبَاعِ التابعِينَ‏.‏ ثمَّ إنَّهُ قدْ يُسْتأنَسُ للأوَّلِ بقولِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ‏:‏ ‏(‏طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وطُوبَى لِمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي‏)‏؛ حيثُ اكْتَفَى فيهما بمُجَرَّدِ الرؤيَةِ، وإذْ قدْ بانَ تعريفُهُ فمُطلَقُهُ يَنصرِفُ إليهِ، وإنْ قالَ ابنُ الصلاحِ‏:‏ إنَّهُ مُقَيَّدٌ بالتابعِ بإحسانٍ‏.‏

‏[‏مراتب التابعين‏]‏ الثانيَةُ‏:‏ في تَفَاوُتِهم بأَنَّ فيهم القديمَ المُلاقِيَ لِقُدَمَاءِ المُهاجِرِينَ، أو المُدْرِكَ للزَّمَنِ النبويِّ أوْ للجاهلِيَّةِ، والمُخْتَصَّ بمَزِيدِ الفضيلةِ عنْ سائرِهم، وبالعدالةِ، وبروايَةِ الصحابةِ عنهم، والمُتَصَدِّيَ للفَتْوَى، وإن اشْتَرَكُوا في الاسمِ‏.‏

‏(‏وهُمْ‏)‏ لتَفَاوُتِهم ‏(‏طِبَاقٌ‏)‏‏.‏ قيلَ‏:‏ ثَلاثٌ، كما في ‏(‏الطَّبَقاتِ‏)‏ لمُسلمٍ وابنِ سَعْدٍ، ورُبَّما بلَغَ بها أَرْبعاً‏.‏ ‏(‏وقِيلَ‏)‏ كما للحاكِمِ في ‏(‏عُلُوم الحديثِ‏)‏‏:‏ ‏(‏خَمْسَ عَشِرَهْ‏)‏ بكسرِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ كما كَتَبَهُ الناظِمُ بخَطِّهِ مَشْياً على لُغةِ تميمٍ؛ لِيَكُونَ مُغَايِراً معَ آخِرِ البيتِ، ولم يُفَصِّل الحاكمُ للطِّبَاقِ كُلِّها‏.‏ نَعَم، أَشْعَرَ تَصرُّفُهُ بأنَّ كلَّ مَنْ لَقِيَ مَنْ تَقدَّمَ كانَ من الطبقةِ الأُولَى، ثمَّ هكذا إلى آخرِها؛ بحيثُ يَكُونُ آخِرَها سُليمانُ بنُ نَافِعٍ إنْ صَحَّ أَنَّ وَالِدَهُ من الصحابةِ، وزيادُ بنُ طارِقٍ الرَّاوِي عنْ زُهَيْرِ بنِ صُرَدٍ، ونَحْوُهُما؛ كخَلَفِ بنِ خَلِيفَةَ المُتوَفَّى- كَمَا سلَفَ قَرِيباً- في سنةِ إحْدَى وثَمَانِينَ ومائةٍ، وَأَنَّهُ آخرُ التابعِينَ مَوْتاً‏.‏ وحينَئذٍ ‏(‏فَأَوَّلُهُمْ رُواةُ كُلِّ العَشَرَهْ‏)‏ المشهودِ لهم بالجنَّةِ، الذينَ سَمِعُوا منهم‏.‏ ‏(‏وقَيْسٌ‏)‏ هوَ ابنُ أبي حَازِمٍ، ‏(‏الفَرْدُ‏)‏ منهم ‏(‏بهذا الوَصْفِ‏)‏؛ أَيْ‏:‏ رِوَايَتُهُ عنْ كُلِّهم، كما نَصَّ عليهِ عبدُ الرحمنِ بنُ يُوسُفَ بنِ خِرَاشٍ، وعِبارتُهُ‏:‏ وهوَ كُوفيٌّ جليلٌ، وليسَ في التابعِينَ أحَدٌ رَوَى عن العَشَرَةِ غَيْرُهُ‏.‏ وكذا قالَ ابنُ حِبَّانَ في ثقاتِهِ‏:‏ رَوَى عن العشَرةِ‏.‏ ‏(‏وقِيلَ‏)‏ كما لأبي دَاوُدَ مِمَّا قالَهُ الآجُرُّيُّ عنهُ ويعقوبُ بنُ شَيْبَةَ‏:‏ إِنَّهُ ‏(‏لَمْ يَسْمَعْ مِن ابنِ عَوْفِ‏)‏ عبدِ الرحمنِ، أَحَدُهم‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أمَّا ‏(‏قَوْلُ مَنْ عَدَّ‏)‏ معَ قيسٍ فِيمَنْ سَمِعَ العَشَرَةَ ‏(‏سَعِيداً‏)‏، هوَ ابنُ المُسَيِّبِ، وهوَ الحاكِمُ في النوعِ الثامنِ والرابعَ عَشَرَ مَعاً منْ عُلُومِهِ، بَلْ وعَدَّ في ثاني الموضعَيْنِ غيرَهُ، ‏(‏فَغَلَطْ‏)‏ صريحٌ؛ لأنَّ سَعِيداً إنَّما وُلِدَ باتِّفاقٍ في خلافةِ عُمَرَ، فكيفَ يَسْمَعُ منْ أبي بكرٍ‏.‏ والحاكِمُ نفسُهُ مُعترِفٌ بذلكَ؛ حيثُ قالَ‏:‏ أدرَكَ عُمَرَ فَمَنْ بعدَهُ من العَشَرَةِ‏.‏ انتهى‏.‏

بلْ سَماعُهُ منْ عُمَرَ مُختلَفٌ فيهِ، ولكنْ مِمَّنْ جَزَمَ بسماعِهِ منهُ الإمامُ أحمدُ، وأيَّدَهُ شَيْخُنا براويَةٍ صحيحةٍ لا مَطْعَنَ فيها مُصَرِّحَةٍ بسَماعِ سعيدٍ منهُ‏.‏ وكذا في الصحيحِ سَماعُهُ منْ عثمانَ وعَلِيٍّ الاختلافَ في الإهلالِ بالحَجِّ والعُمْرةِ، وإِهْلالِ عَلِيٍّ بهِما‏.‏ وكذا جاءَ عنهُ قولُهُ‏:‏ أنا أَصْلَحْتُ بينَهما‏.‏ وأَثْبَتَ بعضُهم سماعَهُ منْ سعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ‏.‏ وبالجُملةِ، فلم يَسْمَعْ منْ أكثرِ العَشَرَةِ‏.‏ ‏(‏بَلْ قِيلَ‏)‏‏:‏ إنَّهُ ‏(‏لَمْ يَسْمَعْ سِوَى‏)‏؛ أيْ‏:‏ غَيْرَ، ‏(‏سَعْدٍ‏)‏، وهوَ ابنُ أَبِي وَقَّاصٍ، ‏(‏فَقَطْ‏)‏‏.‏ وكانَ مُستنَدُهُ قولَ قَتَادَةَ الذي روَاهُ مسلمٌ في مُقدِّمَةِ ‏(‏صحيحِهِ‏)‏ منْ روايَةِ هَمَّامٍ قالَ‏:‏ دخَلَ أبو دَاوُدَ الأعْمَى على قَتَادَةَ، فَلَمَّا قامَ قالُوا‏:‏ إنَّ هذا يَزْعُمُ أنَّهُ لَقِيَ ثَمانيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا‏.‏ فقالَ قَتَادةُ‏:‏ هذا كانَ سَائِلاً قبلَ الجَارِفِ، لا يَعْرِضُ في شيءٍ منْ هذا ولا يَتكلَّمُ فيهِ، فواللَّهِ ما حَدَّثَنا الحسَنُ عنْ بَدْرِيٍّ مُشافهةً، ولا حَدَّثَنا سعيدُ بنُ المُسَيِّبِ عنْ بَدْرِيٍّ مُشافَهَةً إلاَّ عنْ سَعْدِ بنِ مَالِكٍ، هوَ ابنُ أَبِي وَقَّاصٍ‏.‏ ولَكِنْ قدْ عَلِمْتَ بُطلانَهُ، والْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ على النَّافِي، لا سِيَّما وليسَت العبارةُ صريحةً في النفْيِ‏.‏ ‏(‏لكنَّهُ‏)‏؛ أيْ‏:‏ سَعِيداً، ‏(‏الأفضلُ‏)‏ منْ سائرِ التابعِينَ ‏(‏عندَ أحْمدَا‏)‏ كما سَمِعَهُ منهُ عثمانُ الحَارِثِيُّ‏.‏ وكذا قالَ ابنُ المَدِينِيِّ‏:‏ هوَ عِنْدِي أجَلُّ التابِعِينَ، لا أعلَمُ فيهم أوْسَعَ عِلْماً منهُ‏.‏ وقالَ أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ‏:‏ ليسَ في التابعِينَ أنْبَلُ منهُ‏.‏ وقالَ سُلَيْمانُ بنُ مُوسَى‏:‏ أفْقَهُ التابعِينَ‏.‏ وقالَ ابنُ حِبَّانَ‏:‏ سَيِّدُ التابعِينَ‏.‏ وعنهُ أيضاً‏:‏ كانَ مِنْ سَادَاتِ التابعِينَ فِقْهاً ودِيناً ووَرَعاً وعِبادةً وفَضْلاً، أَفْقَهُ أهْلِ الحِجَازِ، وأَعْبَرُ الناسِ للرُّؤْيا، ما نُودِيَ بالصَّلاةِ منْ أربعينَ سَنَةً إلاَّ وهوَ في المسجدِ‏.‏ ونحوُهُ قولُ مَيْمُونِ بنِ مِهْرانَ‏:‏ قَدِمْتُ المدينةَ فَسَأَلْتُ عنْ أَعْلَمِ أهلِ المدينةِ، فدُفِعْتُ إليهِ‏.‏ وفي روايَةٍ لأبي طالبٍ عنْ أحمدَ‏:‏ ومَنْ مِثْلُهُ‏؟‏‏!‏

‏(‏وَعَنْهُ‏)‏؛ أيْ‏:‏ عنْ أحمدَ قَوْلٌ آخَرُ، أنَّ الأفضلَ ‏(‏قَيْسٌ‏)‏ هوَ ابنُ أبي حَازِمٍ‏.‏ ‏(‏وَسِوَاهُ‏)‏، وهوَ أَبُو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ عبدُ الرحمنِ بنُ مَُِلٍّ، ومَسْروقُ بنُ الأجْدَعِ ‏(‏وَرَدَا‏)‏، ولكنَّهُ جَعَلهم على حَدٍّ سَوَاءٍ، ولَفْظُهُ‏:‏ أفضلُ التابعِينَ قَيْسٌ وأبو عُثْمانَ ومَسْروقٌ، هؤلاءِ كَانُوا فاضِلِينَ ومِنْ عِلْيَةِ التابعِينَ‏.‏ وفي لفظٍ آخَرَ‏:‏ لا أعلَمُ في التابعِينَ مثلَ أَبِي عُثْمانَ وقَيْسٍ‏.‏

‏(‏وَفَضَّلَ الحسَنَ‏)‏ البَصْرِيَّ ‏(‏أهلُ البَصْرَةِ‏)‏ بفتحِ الْمُوحَّدَةِ على المشهورِ كَمَا تَقدَّمَ قُبَيْلَ المُرْسَلِ، فيما قالَهُ أبو عبدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ خفيفٍ الشِّيرَازِيُّ‏.‏ والمرادُ غَالِبُهم، وإِلاَّ فسَيَأْتِي قريباً عنْ إيَاسِ بنِ مُعاويَةَ البَصْرِيِّ قَاضِيها أنَّهُ فَضَّلَ عليهِ حَفْصَةَ بْنَةَ سِيرِينَ‏.‏ ‏(‏وَ‏)‏ فَضَّلَ ‏(‏القَرَنِي‏)‏ بفتحِ القافِ والراءِ ثمَّ نونٍ وياءِ نِسْبَةٍ سَاكِنَةٍ ‏(‏أُوَيْساً اهْلُ الكُوفَةِ‏)‏ فيما قالَهُ ابنُ خَفيفٍ أيضاً‏.‏ وكلامُ ابنِ كثيرٍ يَقْتَضِي أنَّ جُمهورَهم فَضَّلَ عَلْقَمَةَ والأسودَ النَّخَعِيَّيْنِ‏.‏ وفَضَّلَ سعيدَ بنَ المُسيِّبِ أهلُ المدينةِ، فيما قالَهُ ابنُ خفيفٍ أيضا‌ً، وعَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ بعضُ أهلِ مَكَّةَ، وكُلٌّ اجتهَدَ فجزَمَ بما ظَنَّهُ‏.‏ واستحسَنَ ابنُ الصلاحِ حكايَةَ ابنِ خفيفٍ في ‏(‏التفصيلِ‏)‏، وصَوَّبَ المُصنِّفُ القائلِينَ بِأُوَيْسٍ بحديثِ عُمَرَ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لهُ‏:‏ أُوَيْسٌ‏)‏‏.‏ وقالَ‏:‏ فهذا الحديثُ قَاطِعٌ للنِّزَاعِ‏.‏ وتفضيلُ أحمدَ لابنِ المُسَيِّبِ لَعلَّهُ أرادَ الأفضليَّةَ في العِلْمِ، لا الخَيْرِيَّةَ؛ فقدْ فَرَّقَ بينَهما بعضُ شُيوخِ الخَطَّابِيِّ فيما حَكَاهُ الخَطَّابِيُّ عنهُ، يَعْنِي كما قَدَّمْتُهُ في الصحابةِ‏.‏ وبهذا جزَمَ النوويُّ في ‏(‏شرحِ مسلمٍ‏)‏، فقالَ‏:‏ مُرَادُهم أنَّ سعيداً أفضلُ في العلومِ الشرعيَّةِ؛ كالتفسيرِ والحديثِ والفِقْهِ ونَحْوِها، لا في الخَيْرِيَّةِ عندَ اللَّهِ‏.‏

وأمَّا قولُ المُصنِّفُ‏:‏ لَعلَّ أحمدَ لم يَبْلُغْهُ الحديثُ، أوْ لم يَصِحَّ عندَهُ، فلا يَحْسُنُ؛ فإنَّهُ قدْ أخْرَجَهُ في مُسندِهِ من الطريقِ التي أخْرَجَهُ مسلمٌ منها بلفظِ‏:‏ ‏(‏إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ‏:‏ أُوَيْسٌ‏)‏‏.‏ لكنْ قدْ أخرجَهُ في المُسندِ أيضاً بلفظِ‏:‏ ‏(‏إِنَّ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، فقالَ‏:‏ ثَنَا أبو نُعَيْمٍ، ثَنا شَرِيكٌ، عنْ يَزِيدَ بنِ أبي زِيادٍ، عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى قالَ‏:‏ نادَى رَجُلٌ مِنْ أهلِ الشامِ يَوْمَ صِفِّينَ‏:‏ أَفِيكُم أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ‏.‏‏.‏‏.‏ وذكَرَهُ‏.‏ وكذا رَواهُ جَماعةٌ عنْ شَرِيكٍ، فَزَالَ الحَصْرُ‏.‏

فهذهِ أَقْوَالُهم في أَفْضَلِ الرجالِ من التابعِينَ، وليسَ الخوضُ في ذلكَ بِمُمْتَنِعٍ؛

لانْضِبَاطِ التَّابِعِينَ؛ كالحُكْمِ لإسنادٍ مُعَيَّنٍ بالنظَرِ لِصَحَابِيٍّ خَاصٍّ، ولكتابٍ مُعَيَّنٍ بالأَصَحِّيَّةِ‏.‏ وقولُ ابنِ الصلاحِ في أفرادِ العلمِ‏:‏ الحَقُّ أنَّ هذا- يعني قَوْلَهم‏:‏ ليسَ في الرُّوَاةِ مَنْ يُسَمَّى كذا سِوَى فُلانٍ- فَنٌّ يَصْعُبُ الحُكْمُ فيهِ، والحاكِمُ فيهِ على خَطَرٍ من الخَطَأِ والانتقاضِ؛ فإنَّهُ حَصْرٌ في بابٍ وَاسِعِ الانتشارِ، قدْ يُشِيرُ إلى المَنْعِ منْ ذاكَ بِخُصُوصِهِ؛ كالحُكْمِ لِسَنَدٍ مُعَيَّنٍ بأنَّهُ أصَحُّ أسانيدِ الدُّنْيَا؛ لاتِّساعِهِ وانتشارِهِ، كما تَقرَّرَ في بابِهِ منْ أوَّلِ الكِتَابِ‏.‏

‏(‏وفِي نِسَاءِ التَّابِعِينَ الأَبْدَا‏)‏؛ أيْ‏:‏ أَبْدَأُهُنَّ، بمعنَى‏:‏ أَوَّلُهُنَّ في الفضلِ، ‏(‏حَفْصَةُ‏)‏ بْنَةُ سِيرِينَ؛ لِمَا رَوَاهُ أبو بكرِ بنُ أبي دَاوُدَ بسندِهِ إلى هشامِ بنِ حَسَّانَ عنْ إِيَاسِ بنِ معاويَةَ قالَ‏:‏ ما أدْرَكْتُ أحداً أُفَضِّلُهُ، يَعْنِي عَلَيْهَا‏.‏ فقِيلَ لهُ‏:‏ ولا الحَسَنُ وابنُ سِيرِينَ‏؟‏ فقَالَ‏:‏ أمَّا أنا فما أُفَضِّلُ عليها أحداً‏.‏ وكذا قالَ أبو بكرِ بنُ أبي دَاوُدَ نفسُهُ، لَكِنْ قَرَنَ معَها غيرَها؛ فإِنَّهُ قالَ‏:‏ سَيِّدَتَا التابعِينَ من النِّساءِ حَفْصَةُ ‏(‏مَعْ‏)‏ بإسكانِ العينِ ‏(‏عَمْرَةَ‏)‏ بْنَةِ عبدِ الرحمنِ‏.‏ ‏(‏وأُمُّ الدَّرْدَا‏)‏ بالقصرِ، يعني‏:‏ الصُّغْرَى، واسمُها هُجَيْمَةُ أوْ جُهَيْمَةُ، لا الكُبْرَى، فتلكَ صحابيَّةٌ واسمُها خَيْرَةُ‏.‏ وقدْ صَنَّفَ سعيدُ بنُ أسَدِ بنِ مُوسَى وغيرُهُ في فضائلِ التابعِينَ‏.‏ وكتابُ سعيدٍ في مُجلَّدَيْنِ‏.‏ ولم يَتعرَّضِ ابنُ الصلاحِ وأتباعُهُ لِحُكْمِهم في العدالةِ وغيرِها‏.‏ وقد اختُلِفَ في ذلكَ، فذهَبَ بعضُهم إلى القولِ بها في جميعِهم، وإنْ تَفاوتَتْ مَرَاتِبُهم في الفضيلةِ، مُتمَسِّكاً بحديثِ‏:‏ ‏(‏خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ‏)‏‏.‏ والجمهورُ على خلافِهِ فِيمَنْ بعدَ الصحابةِ، كما تقدَّمَ في المُرْسَلِ، وأنَّهُ لا بُدَّ من التَّنْصِيصِ على عَدَالَتِهم كغيرِهم‏.‏ قَالُوا‏:‏ والحديثُ مَحمولٌ في القَرْنَيْنِ بعدَ الأوَّلِ على الغالبِ والأكثريَّةِ؛ لأنَّهُ قدْ وُجِدَ فيهما مَنْ وُجِدَتْ فيهِ الصِّفَاتُ المذمومةُ، لَكِنْ بقلَّةٍ في أَوَّلِهما،

بخلافِ مَنْ بعدَهُ؛ فإنَّ ذلكَ كَثُرَ فيهِ واشتَهَرَ، وكانَ آخِرُ مَنْ كانَ في أَتْبَاعِ التابعِينَ مِمَّن يُقْبَلُ قولُهُ مَنْ عاشَ إلى حُدُودِ العِشْرِينَ ومائتيْنِ، وفي هذا الوقتِ ظَهَرَت البِدَعُ ظُهُوراً فاشياً، وأطلقَت المعتزلةُ ألسنتَها، ورفعَت الفَلاَّسةُ رُءوسَها، وامتُحِنَ أهلُ العلمِ لِيَقُولُوا بخَلْقِ القرآنِ، وتَغيَّرَت الأحوالُ تَغَيُّراً شديداً، ولم يَزَل الأمرُ في نَقْصٍ إلى الآنِ، نسألُ اللَّهَ السلامةَ‏.‏

وبالجُمْلَةِ، فخيرُ الناسِ قَرْناً بعدَ الصحابةِ مَنْ شَافَهَ الصحابةَ وحَفِظَ عنهم الدِّينَ والسُّنَنَ، أوْ لَقِيَهُم، وقدْ أَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ على التابعِينَ بإحسانٍ فقَالَ‏:‏ ‏(‏وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ‏)‏ الآيَةَ ‏[‏التوبة‏:‏ 100‏]‏‏.‏ وكانَ في التابعِينَ مَنْ رَوَى عنهُ بعضُ الصحابةِ؛ كرِوَايَةِ العَبَادِلَةِ الأربعةِ وغيرِهم مِن الصحابةِ عنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، على ما سيأتي في الأكابرِ عن الأصاغرِ‏.‏

‏[‏ذكر الفقهاء السبعة‏]‏ ‏(‏وَ‏)‏ كذا كانَ ‏(‏في الكِبَارِ‏)‏ السَّادَاتِ من التابعِينَ ‏(‏الفُقَهاءُ السَّبْعَهْ‏)‏ منْ أهلِ المدينةِ النبويَّةِ، الذينَ كَانُوا يَصْدُرُونَ عنْ آرَائِهم، ويُنْتَهَى إلى قَوْلِهم وإِفْتَائِهم مِمَّنْ عُرِفَ بالفِقْهِ والصلاحِ والفضلِ والفلاحِ‏.‏ قالَ ابنُ المبارَكِ‏:‏ وكانُوا إذا جَاءَتْهم المسألةُ دَخَلُوا فيها جميعاً فنظَرُوا فيها، ولا يَقْضِي القاضي حَتَّى تُرْفَعَ إليهم فَيَنْظُرونَ فيها فَيُصْدِرُونَ‏.‏ انتَهَى‏.‏

والفُقهاءُ، وإنْ كانُوا بكثرةٍ في التابعِينَ، فعندَ إطلاقِ هذا الوصْفِ معَ قَيْدِ العددِ المُعيَّنِ لا يَنْصَرِفُ إلاَّ إلى هؤلاءِ، كما قُلْنا في العَبادلةِ من الصحابةِ سَواءٌ‏.‏

وهم‏:‏ ‏(‏خَارِجَةُ‏)‏ بنُ زَيدِ بنِ ثَابِتٍ الأنصاريُّ‏.‏ قالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْريُّ‏:‏ كانَ هوَ وطَلْحَةُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عَوْفٍ- يَعْنِي قَاضِيَ المدينةِ وابنَ أَخِي عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ- يُقَسِّمانِ المواريثَ، ويَكْتُبانِ الوَثَائِقَ، ويَنْتَهِي الناسُ إلى قَوْلِهما‏.‏ وكذا قالَ ابنُ أبي خَيْثَمَةَ، وزادَ‏:‏ وأنَّهما كَانَا يُسْتَفْتَيَانِ في زَمانِهما‏.‏

والثاني‏:‏ ‏(‏القَاسِمُ‏)‏ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ‏.‏ قالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏:‏ ما أَدْرَكْنا بالمدينةِ أحَداً نُفَضِّلُهُ عليهِ‏.‏ وعنْ أبي الزِّنادِ‏:‏ ما رَأَيْتُ أحداً أعلَمَ بالسُّنَّةِ ولا أَحَدَّ ذِهْناً منهُ‏.‏ وفي ‏(‏صحيحِ البُخارِيِّ‏)‏‏:‏ ثَنَا عَلِيٌّ، ثنا ابنُ عُيَينةَ، ثَنا عبدُ الرحمنِ بنُ القَاسِمِ، وكانَ أَفْضَلَ أهلِ زمانِهِ، أنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، وكانَ أَفْضَلَ أهلِ زَمَانِهِ، فذكَرَ شَيْئاً‏.‏ وعنْ مالكٍ أنَّهُ كانَ منْ فُقَهَاءِ هذهِ الأُمَّةِ‏.‏

‏(‏ثُمَّ عُرْوَهْ‏)‏ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ الأسَدِيُّ‏.‏ قالَ ابنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ كانَ أَعْلَمَ الناسِ بحديثِ عائشةَ ثَلاثَةٌ، فبَدَأَ بهِ‏.‏ وعنهُ نفسِهِ قالَ‏:‏ لقَدْ رَأَيْتُنِي قَبْلَ مَوْتِها بأَرْبَعِ حِجَجٍ أوْ خَمْسٍ وأنا أَقُولُ‏:‏ لوْ ماتت اليومَ ما نَدِمْتُ على حديثٍ عندَها إلاَّ وقدْ وَعَيْتُهُ‏.‏ ‏(‏ثُمَّ سُلَيْمَانُ‏)‏ بنُ يَسَارٍ الهِلالِيُّ مَوْلَى مَيمونةَ أوْ مُكاتِبُ أُمِّ سَلَمَةَ فيما قيلَ‏.‏ قالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفيَّةِ‏:‏ إنَّهُ كانَ عندَنا أَفْهَمَ مِن ابنِ المُسَيِّبِ، وكانَ ابنُ المُسيِّبِ يقولُ للسائلِ‏:‏ اذهَبْ إليهِ؛ فإنَّهُ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ اليومَ‏.‏ وقالَ مَالِكٌ‏:‏ كانَ مِنْ عُلَمَاءِ الناسِ بعدَ ابنِ المُسَيِّبِ‏.‏

والخامسُ‏:‏ ‏(‏عُبَيدُ اللَّهِ‏)‏، هوَ ابنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسعودٍ‏.‏ قالَ العِجْليُّ‏:‏ كانَ أحدَ فقهاءِ المدينةِ‏.‏ وكذا قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ‏:‏ كانَ أحدَ الفقهاءِ العَشَرةِ ثمَّ السَّبْعَةِ الذينَ تَدُورُ عليهم الفَتْوَى، وكانَ عَالِماً فَاضِلاً مُقدَّماً في الفِقْهِ، شاعراً مُحْسِناً، لم يكُنْ بعدَ الصحابةِ إلى يَوْمِنا هذا فيما عَلِمْتُ فَقِيهٌ أَشْعَرَ منهُ، ولا شَاعِرٌ أَفْقَهَ منهُ‏.‏

والسادسُ‏:‏ ‏(‏سَعِيدُ‏)‏ بنُ المُسيِّبِ بنِ حَزْنٍ القُرَشِيُّ المَخْزومِيُّ، الماضِي قَرِيباً، وأنَّهُ أَفْضَلُ التابعِينَ‏.‏ قالَ مَكْحولٌ‏:‏ طُفْتُ الأرضَ كُلَّها في طَلَبِ العلمِ فما لَقِيتُ أعلَمَ منهُ‏.‏ وقالَ قَتادَةُ‏:‏ ما رَأَيْتُ أعلَمَ بالحلالِ والحرامِ منهُ‏.‏ وعنْ سعيدٍ نفسِهِ‏:‏ ما بَقِيَ أحدٌ أَعْلَمُ بكلِّ قضاءٍ قَضَاهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأَبُو بكرٍ وعُمَرُ مِنِّي‏.‏ قالَ الرَّاوِي‏:‏ وأحْسَبُهُ قالَ‏:‏ وعُثْمانُ‏.‏

‏(‏والسَّابِعُ ذُو اشْتِباهِ‏)‏ في تَعْيينِهِ، فهوَ ‏(‏إِمَّا أَبُو سَلَمَةٍ‏)‏ بالصرفِ للضرورةِ، ابنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ، كما عندَ أكثرِ عُلماءِ الحجازِ، حَسْبَما قالَهُ الحاكِمُ، وقدْ قَرَنَهُ الزُّهْرِيُّ بسعيدٍ وعُبَيدِ اللَّهِ وعُرْوةَ، فقالَ‏:‏ وَجَدْتُهم بُحُوراً، وقالَ‏:‏ إنَّ إبراهيمَ بنَ عبدِ اللَّهِ بنِ قَارِظٍ قالَ لهُ وهوَ بمِصْرَ‏:‏ لقدْ تَرَكْتَ رجُليْنِ منْ قَوْمِكَ لا أعلَمُ أَكْثَرَ حَدِيثاً مِنْهُمَا؛ عُرْوَةَ وأبَا سَلَمةَ‏.‏ وقيلَ لأبي سَلَمَةَ‏:‏ مَنْ أفْقَهُ مَنْ خَلَّفْتَ ببلادِكَ‏؟‏ فأشارَ إلى نفسِهِ‏.‏ ‏(‏اوْ‏)‏ هوَ ‏(‏سَالِمُ‏)‏، هُوَ ابنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، كما لابنِ المُبَارَكِ‏.‏ وقالَ مَالِكٌ‏:‏ إنَّهُ كانَ منْ أفضلِ زَمَانِهِ‏.‏ بلْ جَاءَ عنهُ أيضاً أنَّهُ لم يَكُنْ أحدٌ في زمانِهِ أشْبَهَ بمَنْ مَضَى من الصَّالحِينَ في الزُّهْدِ والفَضْلِ والعيشِ منهُ‏.‏ وقَرَنَهُ ابنُ أبي الزِّنادِ بالقاسمِ وعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ في كونِهم فَاقُوا أَهْلَ المدينةِ عِلْماً وتُقًى وعِبادةً ووَرَعاً‏.‏ ‏(‏أوْ فَـ‏)‏ـهُوَ ‏(‏أبو بَكْرٍ‏)‏، هوَ ابنُ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هِشَامٍ القُرَشِيُّ، كما لأبي الزِّنادِ؛ إذْ قالَ‏:‏ أدْرَكْتُ منْ فقهاءِ المدينةِ وعُلمائِهم ومَنْ يُرْتَضَى منهم ويُنْتَهَى إلى قَوْلِهم‏.‏‏.‏‏.‏ فذكَرَهُ في السبْعَةِ‏.‏ بلْ قالَ في مَشْيَخَةٍ منْ نُظرائِهم‏:‏ أهلُ فِقْهٍ وفَضْلٍ‏.‏ وقالَ ابنُ سَعْدٍ‏:‏ وسَأَلْتُ الواقديَّ عن السبْعةِ الذينَ كانَ أَبُو الزِّنَادِ يُحَدِّثُ عنهم فيَقولُ‏:‏ حَدَّثَنِي السَّبْعَةُ، فقالَ‏:‏ سَعِيدٌ‏.‏‏.‏‏.‏ وذَكَرَهم، وأحَدُهم أبو بَكْرٍ‏.‏ وكانَ مَكْفوفاً، وهوَ الذي كانَ يُقالُ لهُ‏:‏ رَاهِبُ قُرَيشٍ؛

لكثرةِ صَلاتِهِ‏.‏ وقالَ ابنُ خِرَاشٍ‏:‏ وهوَ أحدُ أئمَّةِ المسلمينَ‏.‏ وعنهُ أيضاً‏:‏ أَبُو بكرٍ وعُمَرُ وعِكْرِمَةُ وعبدُ اللَّهِ، بَنُو عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هِشَامٍ، أَجِلاَّءُ ثِقَاتُ، يُضْرَبُ بهم المَثَلُ، وكُلُّهم منْ شُيُوخِ الزُّهْرِيِّ إلاَّ عُمَرَ‏.‏

‏(‏خِلافٌ‏)‏؛ أيْ‏:‏ خُلْفٌ في السابعِ، ‏(‏قَائِمُ‏)‏؛ يعني‏:‏ قَوِيٌّ‏.‏ وجَمَعَهما- أَعْنِي أبا سَلَمَةَ وسَالِماً- عِوَضاً عنْ أبي بَكْرٍ وعُبَيدِ اللَّهِ، وزادَ مُحَمَّدَ بنَ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ الأنصاريَّ بحيثُ صَارُوا ثمانيَةً، الأُسْتَاذُ أبو مَنْصورٍ البغداديُّ كما هوَ رَأْيٌ لغيرِهِ أيضاً‏.‏ لكنْ في إِدْرَاجِ ابنِ حَزْمٍ فيهم نَظَرٌ؛ فإنَّهُ مُتقدِّمٌ على هؤلاءِ بكثيرٍ؛ إذْ مَوْتُهم قَرِيباً منْ سنةِ مائةٍ، وهوَ قُتِلَ يومَ الحَرَّةِ سنةَ ثلاثٍ وسِتِّينَ، وكانَ قَتْلُهُ سَبَبُ هَزِيمَةِ أَهْلِ المدينةِ، وبلَغَ بهم يحيى بنُ سعيدٍ فيما رَوَاهُ عَلِيُّ بنُ المَدِينيِّ عنهُ كما للحاكمِ في ‏(‏عُلُومِهِ‏)‏ اثْنَيْ عَشَرَ نَفْساً، فذكَرَ مِمَّن سبَقَ‏:‏ خَارِجَةَ، والقاسِمَ، وسَعِيداً، وأبا سَلَمَةَ، وسالِماً، ومِنْ غَيْرِهم‏:‏ حَمْزَةَ وزَيْداً وعُبَيْدَ اللَّهِ وبِلالاً بَنِي عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، إِخْوَةَ سَالِمٍ، وإسماعيلَ بنَ زَيْدِ بنِ ثابتٍ أَخَا خَارِجَةَ، وأبانَ بنَ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ، وقَبِيصَةَ بنَ ذُؤَيْبٍ‏.‏ وقَرَنَ غَيْرُهم معَ خارِجَةَ طلحةَ بنَ عبدِ اللَّهِ بنِ عَوْفٍ، كما تَقدَّمَ قريباً‏.‏ وقدْ نظَمَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ بنِ الخَضِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ الحَلَبِيُّ الحَنَفِيُّ المُتوَفَّى سَنَةَ أربعَ عَشْرَةَ وسِتِّمائةٍ ‏(‏614هـ‏)‏ السَّبْعَةَ المشهورينَ، واختارَ في السَّابِعِ قولَ أبي الزِّنادِ، فقالَ‏:‏

أَلا كُلُّ مَنْ لا يَقْتَدِي بِأَئِمَّةٍ *** فَقِسْمَتُهُ ضِيزَى عَن الحَقِّ خَارِجَهْ

فخُذْهُم‏:‏ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ *** سِعيِدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَارِجَهْ

وكُلُّهم منْ أبناءِ الصحابةِ إِلاَّ سُلَيْمَانَ، فَأَبُوهُ يَسَارٌ لا صُحْبَةَ لهُ‏.‏ ومُحَمَّدُ بنُ أبي بكرٍ وعبدُ اللَّهِ بنُ عُتْبَةَ وعبدُ الرحمنِ بنُ الحَارِثِ مِنْ صِغَارِهِم‏.‏ ويُقَالُ‏:‏ إنَّهُ ما كُتِبَتْ أسماؤُهم ووُضِعَتْ في شيءٍ من الزَّادِ أو القُوتِ إلاَّ بُورِكَ فيهِ وسَلِمَ من الآفةِ؛ كالسُّوسِ وشِبْهِهِ‏.‏ بَلْ ويُقالُ‏:‏ إنَّها أَمَانٌ للحِفْظِ في كلِّ شيءٍ‏.‏

‏[‏تعريف المخضرم وعدده‏]‏ ‏(‏وَ‏)‏ أمَّا ‏(‏المُدْرِكُونَ جَاهِلِيَّةً‏)‏ قبلَ البعثةِ أوْ بعدَها، صِغَاراً كانُوا أوْ كباراً، في حياةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مِمَّن لم يَرَهُ بعدَ البَعْثَةِ، أوْ رَآهُ لكنْ غيرَ مُسْلِمٍ، وأسْلَمَ في حياتِهِ أوْ بعدَهُ، ‏(‏فسَمّ‏)‏ هؤلاءِ ‏(‏مُخَضْرَمِينَ‏)‏ بالخاءِ والضادِ المُعْجمتيْنِ وفتحِ الراءِ، كما عَزَاهُ أبو مُوسَى المَدِينِيُّ في آخِرِ ذَيْلِهِ للمُحدِّثِينَ، على أنَّهُ اسمُ مفعولٍ‏.‏ وحكَى بعضُ اللُّغويِّينَ فيها بالكسرِ أيضاً‏.‏ وما حَكَاهُ الحاكمُ عنْ بعضِ أُدَبَاءِ مشايخِهِ منْ أنَّ اشتقاقَهُ- يعني أَخْذَهُ- منْ كَوْنِ أهلِ الجاهليَّةِ مِمَّنْ أسلَمَ ولم يُهاجِرْ كَانُوا يُخَضْرِمونَ آذانَ الإبلِ؛ أيْ‏:‏ يَقْطَعُونَها؛ لِتَكُونَ علامةً لإسلامِهم إنْ أُغِيرَ عليهم أوْ حُورِبُوا، مُحْتَمِلٌ لَهُمَا‏.‏ فللكسرِ منْ أَجْلِ أنَّهم خَضْرَمُوا آذانَ الإبِلِ، فَسُمُّوا- كما قالَ أبو موسى المَدِينِيُّ- مُخَضْرِمِينَ، يَعْنِي بكسرِ الراءِ على الفاعليَّةِ، ومُحْتَمِلٌ للفتحِ منْ أجْلِ أنَّهم خُضْرِمُوا؛ أيْ‏:‏ قُطِعُوا عنْ نُظرائِهم‏.‏ واقتصَرَ ابنُ خَلِّكانَ في الوَفَيَاتِ على كَسْرِ الراءِ، لكنْ منْ إهمالِ الحَاءِ، وأغْرَبَ في ذلكَ، ونَصُّهُ‏:‏ قدْ سُمِعَ مُحَضْرِمٌ بالحاءِ المهملةِ وبكسرِ الراءِ‏.‏ انتهَى‏.‏

وخَصَّهم ابنُ قُتَيبةَ بمَنْ أدْرَكَ الإسلامَ في الكِبَرِ ثمَّ أسْلَمَ بعدَ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؛ كجُبَيرِ بنِ نُفَيْرٍ؛ فإنَّهُ أسْلَمَ وهوَ بالِغٌ في خلافةِ أبي بَكْرٍ كما قالَهُ أبو حَسَّانَ الزِّيَادِيُّ‏.‏ وبعضُهم بمَنْ أَسْلَمَ في حياتِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؛ كَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ؛ فإنَّهُ رَحَلَ إلى النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فَقُبِضَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وهوَ في الطَّرِيقِ‏.‏ وكذا وقَعَ لقَيْسِ بنِ أبي حَازِمٍ وأبي مُسلمٍ الخَوْلانيِّ وأبي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، ماتَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ قُدُومِهم بِلَيَالٍ‏.‏ وأقربُ منْ هؤلاءِ سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، قدِمَ حينَ نُفِّضَت الأَيْدِي منْ دَفْنِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ على الأَصَحِّ، في آخَرِينَ‏.‏

وقالَ صاحِبُ ‏(‏المُحْكَمِ‏)‏‏:‏ رَجُلٌ مُخَضْرَمٌ إذا كانَ نِصْفُ عُمُرِهِ في الجاهليَّةِ، ونِصْفُهُ في الإسلامِ‏.‏ وشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أدْرَكَ الجاهليَّةَ والإسلامَ، فلم يُشْتَرَطْ نَفْيُ الصُّحْبَةِ‏.‏ ومُقْتَضَى هذا أنَّ حَكِيمَ بنَ حِزَامٍ وشِبْهَهُ في ذلكَ مُخْضَرَمٌ‏.‏ ونحوُهُ قولُ الجَوْهَرِيِّ‏:‏ المُخْضَرَمُ أيضاً الشاعِرُ الذي أدرَكَ الجاهليَّةَ والإسلامَ؛ مِثْلُ لَبِيدٍ‏.‏ فإنَّهُ، وإنْ كانَ مُطْلَقاً، فَتَمْثِيلُهُ بلَبِيدٍ أحَدِ الصَّحَابَةِ مُقَيِّدٌ لهُ معَ احتمالِهِ مُوَافَقَةَ الذي قبلَهُ‏.‏ وليسَ كذلكَ في الاصطلاحِ الموافقِ لمَدْلولِ الخَضْرمةِ؛ فقدْ قالَ صاحبُ ‏(‏المُحْكَمِ‏)‏‏:‏ مُخَضْرَمٌ‏:‏ نَاقِصُ الحَسَبِ‏.‏ وقيلَ‏:‏ هوَ الذي ليسَ بكريمِ الحَسَبِ‏.‏ وقيلَ‏:‏ هوَ الدَّعِيُّ‏.‏ وقيلَ‏:‏ هوَ الذي لا يُعْرَفُ أَبَوَاهُ‏.‏ وقيلَ‏:‏ مَنْ أَبُوهُ أبيضُ، وهُوَ أسْوَدُ‏.‏ وقيلَ‏:‏ هوَ الذي وَلَدَتْهُ السَّرَارِيُّ‏.‏ والخَضْرَمَةُ قَطْعُ إحْدَى الأُذنيْنِ‏.‏ وامرأةٌ مُخَضْرمةٌ‏:‏ مَخْتُونَةٌ‏.‏ ولحمٌ مُخَضْرَمٌ بفتحِ الراءِ‏:‏ لا يُدْرَى مِنْ ذَكَرٍ هوَ أوْ أُنْثَى‏.‏ وكذا قالَ في ‏(‏الصِّحاحِ‏)‏‏:‏ رجُلٌ مُخَضرَمُ النَّسَبِ؛ أيْ‏:‏ دَعِيٌّ‏.‏ ونَاقَةٌ مُخَضْرَمَةٌ؛ أيْ‏:‏ مَخْفوضةٌ‏.‏ ولحمٌ مُخَضرَمٌ‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخرِهِ‏.‏ والشاهدُ في جُمْلَةِ‏:‏ ولَحْمٌ مُخَضْرَمٌ‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخرِهِ‏.‏ وكثيرٌ مِمَّا في ‏(‏المُحْكَمِ‏)‏؛ إذ المُخَضْرَمونَ كذلكَ مُترَدِّدونَ بينَ الصحابةِ للمُعاصرةِ، وبينَ التابعِينَ لعَدَمِ الرؤيَةِ‏.‏ ونحوُهُ قولُ العَسكَرِيِّ في ‏(‏الدَّلائلِ‏)‏‏:‏ المُخَضْرَمَةُ من الإبلِ‏:‏ التي نُتِجَتْ بينَ العِرَابِ والبَخَاتِيِّ، فَقِيلَ‏:‏ رَجُلٌ مُخَضْرَمٌ‏:‏ إذا عَاشَ في الجاهليَّةِ والإسلامِ‏.‏ قالَ‏:‏ وهنا أَعْجَبُ الأمْرَيْنِ إِلَيَّ‏.‏ وكأنَّهُ مُترَدِّدٌ بينَ أَمْرَيْنِ‏:‏ هلْ هوَ منْ هذَا أوْ مِنْ هذا، وهوَ كما قالَ البُلقينِيُّ‏:‏ يَقْرُبُ منهُ ما اشتهَرَ في العُرْفِ منْ إطلاقِ هذا الاسمِ على مَنْ يَشْتَغِلُ بهذا الفَنِّ وهذا الفَنِّ، ولا يُمْعِنُ في واحدٍ منهما‏.‏ قالَ‏:‏ ويُطْلَقُ المُخَضْرَمُ على مَنْ لم يَحُجَّ‏.‏ وَسَبَقَهُ عمرُو بنُ بَحْرٍ الجاحِظُ فقالَ في كتابِ ‏(‏الحيوانِ‏)‏‏:‏ وقدْ عَلِمْنا أنَّ قولَهم‏:‏ مُخَضْرَمٌ لمَنْ لم يَحُجَّ صَرُورَةً، ولِمَنْ أدْرَكَ الجاهليَّةَ والإسلامَ‏.‏ وقالَ غيرُهُ‏:‏ ويجوزُ أنْ يَكُونَ مَأْخُوذاً من النَّقْصِ؛ لكونِهِ ناقصَ الرُّتْبَةِ عن الصحابةِ؛ لعَدَمِ وُجودِ ما يَصِيرُ بهِ صَحَابِيًّا، معَ إدراكِهِ ما يُمْكِنُ بهِ وُجُودُ ذلكَ‏.‏ ومنهُ‏:‏ ناقِصُ الحَسَبِ، ونحوُهُ مِمَّا تَقدَّمَ‏.‏ وفي النهايَةِ‏:‏ وأصْلُ الخَضْرَمَةِ أنْ يجعَلَ الشيءَ بَيْنَ بَيْنَ، فإذا قَطَعَ بعضَ الأُذُنِ فهيَ بينَ الوَافِرَةِ والناقصةِ‏.‏ وقيلَ‏:‏ هيَ المَنْتُوجَةُ بينَ النَّجَائِبِ والعُكَاظِيَّاتِ، قالَ‏:‏ وكانَ أهلُ الجاهليَّةِ يُخَضْرِمُونَ نَعَمَهم، فلَمَّا جاءَ الإسلامُ أمَرَهم النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ يُخَضْرِمُوا منْ غيرِ هذا الموضعِ الذي يُخَضْرِمُ منهُ أهلُ الجاهليَّةِ‏.‏ ومنهُ قيلَ لكلِّ مَنْ أدركَ الجاهليَّة والإسلامَ‏:‏ مُخَضْرِمٌ؛ لأنَّهُ أدرَكَ الخَضْرَمَتَيْنِ‏.‏

على أنَّ في كلامِ ابنِ حِبَّانَ في ‏(‏صَحيحِهِ‏)‏ ما قدْ يُوافِقُ قَولَ صاحبِ ‏(‏المُحْكَمِ‏)‏‏.‏ ومَنْ لَعلَّهُ وَافَقَهُ من اللُّغويِّينَ فإنَّهُ قالَ‏:‏ الرجُلُ إذا كانَ لهُ في الكُفْرِ سِتُّونَ سَنَةً، وفي الإسلامِ سِتُّونَ يُدْعَى مُخَضْرَماً‏.‏ ولكنْ لَعَلَّهُ أرَادَ مِمَّنْ لَيْسَتْ لهُ صُحْبَةٌ؛ لأنَّهُ ذكَرَ ذلكَ عندَ أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ‏.‏ أوْ أرادَ أنَّهُ يُسَمَّى مُخَضْرماً لُغَةً، لا اصطلاحاً‏.‏ ثمَّ إنَّ ظاهرَهُ التقَيُّدُ بهذا السِّنِّ المخصوصِ، وليسَ كذلكَ، بلْ مُجَرَّدُ إِدْرَاكِ الجاهليَّةِ ولوْ كانَ صَغِيراً كافٍ‏.‏ ولكنْ ما المرادُ بالجاهليَّةِ‏؟‏ أَهِيَ ما قبلَ البَعْثَةِ أمْ لا‏؟‏ قالَ النوويُّ في ‏(‏شرحِ مسلمٍ‏)‏ عندَ قولِ مسلمٍ‏:‏ وهذا أَبُو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ وأبو رَافِعٍ الصائِغُ، وهما مِمَّنْ أدرَكَ الجاهليَّةَ؛ أيْ‏:‏ كانَا رجُلَيْنِ قبلَ البَعْثةِ، ما نَصُّهُ‏:‏ والجاهليَّةُ ما قبلَ بَعْثتِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، سُمُّوا بذلكَ لكثرةِ جَهَالاتِهم‏.‏ وقيلَ‏:‏ ذلكَ إدْرَاكُ قَوْمِهِ أوْ غَيْرِهم على الكُفْرِ، لَكِنْ قبلَ فتحِ مَكَّةَ؛ لزَوَالِ أَمْرِ الجاهِلِيَّةِ حينَ خطَبَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ الفتحِ وأبطَلَ أُمُورَ الجاهليَّةِ، إِلاَّ ما كانَ مِنْ سِقايَةِ الحاجِّ وسَدَانَةِ الكعبةِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وصَنِيعُ مُسلمٍ وغيرِهِ يَقْتَضِي ما هوَ أعَمُّ منْ ذلكَ لذِكْرِهِ المُشَارِ إلَيْهِمَا فيهم‏.‏ وكذا يَسِيرُ بنُ عَمْرٍو، وهوَ إنَّما وُلِدَ بعدَ زمنِ الهجرةِ، وكانَ لهُ عندَ موتِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دُونَ عَشْرِ سِنينَ، فأدْرَكَ بعضَ زمنِ الجاهليَّةِ في قَوْمِهِ‏.‏ بلْ ذكَرَ شَيْخُنا تَبَعاً لغيرِهِ في القِسْمِ الذي عَقَدَ لهم منْ إصَابَتِهِ‏:‏ كُلُّ مَنْ لَهُ إِدْرَاكٌ ما للزَّمَنِ النبويِّ‏.‏ وهوَ ظاهرٌ، معَ أنَّهُ لا يُفْصِحُ غالباً بالوصْفِ بذلكَ في الترجمةِ إِلاَّ لِمَنْ طالَ إدراكُهُ، ومَنْ عَدَاهُم يَقْتَصِرُ على قولِهِ‏:‏ لهُ إِدْرَاكٌ‏.‏

وأمَّا الحاكِمُ، فجعَلَ الذينَ وُلِدُوا في الزمنِ النبويِّ مِمَّنْ لم يَسْمَعْ منهُ طَبَقَةً بعدَ المُخَضْرَمِينَ، وذكَرَ فيهم الصُّنَابِحِيَّ وعلقمةَ بنَ قَيْسٍ‏.‏ بلْ وأَدْرَجَ فيهم مَنْ لهُ رُؤْيَةٌ، وهوَ صَنِيعٌ مُنْتَقَدٌ، فمَنْ لهُ رؤيَةٌ إمَّا أنْ يُذْكَرَ في الصحابةِ، أوْ يكونَ طَبَقَةً أَعْلَى من المُخَضْرَمِينَ‏.‏ والمُخَضْرَمونَ باتِّفاقٍ منْ أهلِ العلمِ بالحديثِ لَيْسُوا صحابةً، بلْ مَعْدُودُنَ في كبارِ التابعِينَ‏.‏ وقدْ جَعَلَهم الحاكِمُ طبقةً مُستقِلَّةً من التابعِينَ، سَوَاءٌ أَعُرِفَ أنَّ الواحدَ منهم كانَ مُسلِماً في زمنِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؛ كالنَّجاشِيِّ، أمْ لا‏.‏ لكنْ مَنْ كانَ منهم مُؤْمِناً بهِ في زمنِ الإسراءِ يأتي فيهِ ما قَدَّمْتُهُ في تعريفِ الصحابيِّ عنْ شيخِنا‏.‏ وعَدُّ ابنِ عبدِ البَرِّ لهم في الصحابةِ، لا لكَوْنِهِ يقولُ‏:‏ إنَّهم صَحابةٌ، كما نَسَبَهُ إليهِ عِياضٌ وغيرُهُ، بلْ لكونِهِ كما أَفْصَحَ بهِ في خُطْبَةِ كتابِهِ رَامَ أنْ يَكُونَ كتابُهُ بهِ جَامِعاً مُستوعِباً لأهلِ القَرْنِ الأوَّلِ‏.‏ ونحوُهُ قولُ أبي حَفْصِ بنِ شاهِينَ مُعْتذِراً عنْ إخراجِهِ ترجمةَ النَّجاشِيِّ‏:‏ إنَّهُ صَدَّقَ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في حياتِهِ‏.‏ وغيرُ ذلكَ‏.‏ ولوْ كانَ مَنْ هذا سبيلُهُ يدخُلُ عندَهُ في الصحابةِ ما احتاجَ إلى اعْتِذَارٍ‏.‏

وكذا عَدَّ غيرُ وَاحِدٍ منْ مُصنِّفِي الصحابةِ جَماعةً منهم؛ لكونِ أَمْرِهم على الاحتمالِ، حتَّى إنَّ بعضَهم يُصرِّحُ بقولِهِ‏:‏ لا أَدْرِي ألَهُ رُؤْيَةٌ أمْ لا‏.‏ وأحاديثُهم عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مُرْسَلَةٌ بالاتِّفَاقِ بينَ أهلِ العلمِ بالحديثِ‏.‏ وقدْ صَرَّحَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ نفسُهُ بذلكِ في

‏(‏التمهيدِ‏)‏ وغيرِهِ منْ كُتُبِهِ‏.‏ نَعَمْ، لوْ حَفِظَ عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في حالِ رُؤْيَتِهِ لهُ، ثمَّ أَدَّاهُ بعدَ إسلامِهِ، كانَ مَحْكوماً لهُ بالاتِّصَالِ، كما قَدَّمْتُهُ في المُرْسَلِ‏.‏

وهم كثيرونَ؛ ‏(‏كسُوَيْدٍ‏)‏ بمهملةٍ مُصَغَّرٌ، وابنُ غَفَلَةَ بمُعجمةٍ وفَاءٍ مفتُوحَتَيْنِ، ‏(‏فِي أُمَمْ‏)‏ بلَغَ بهم مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ عِشْرِينَ، وَمُغْلَطَايْ أَزْيَدَ مِنْ مائةٍ‏.‏ ومَنْ طالَعَ ‏(‏الإصابةَ‏)‏ لشيخِنا وجَدَ منهم كما قَدَّمْتُ خَلْقاً‏.‏ وأفَرَدَهم البُرْهانُ الحَلَبِيُّ الحافِظُ في جُزْءٍ سَمَّاهُ ‏(‏تَذْكِرَةَ الطالبِ المُعَلِّمُ فيمَنْ يُقالُ‏:‏ إنَّهُ مُخَضْرَمٌ‏)‏‏.‏ ورأَيْتُ أنْ أَسْرُدَ منهم جُمْلَةً على الحروفِ أَسْتوعِبُ فيها مَنْ عندَ مسلمٍ، رَاقِماً لهُ ‏(‏م‏)‏‏.‏ الأحنفُ بنُ قَيْسٍ، بلْ يُرْوَى بسَنَدٍ لَيِّنٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دَعَا لهُ‏.‏ أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، الأسودُ بنُ هِلالٍ المُحاربِيُّ ‏(‏م‏)‏، الأسودُ بنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ ‏(‏م‏)‏، أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ، أَوْسَطٌ البَجَلِيُّ، ثُمَامَةُ بنُ حَزْمٍ القُشَيْرِيُّ ‏(‏م‏)‏، جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ الحَضْرَمِيُّ ‏(‏م‏)‏، حُجْرُ بنُ عَنْبَسٍ، خالِدُ بنُ عُمَيْرٍ العَدَوِيُّ ‏(‏م‏)‏، الرَّبِيعُ بنُ ضَبُعِ بنِ وَهْبٍ الفَزَارِيُّ الآتِي في المُعَمِّرِينَ بينَ الوَفَيَاتِ ‏(‏م‏)‏، ربيعةُ بنُ زُرَارَةَ، أَبُو الحَلالِ العَتَكِيُّ ‏(‏م‏)‏، زَيْدُ بنُ وَهْبٍ الجُهَنِيُّ ‏(‏م‏)‏، سَعْدُ بنُ أَيَاسٍ أبو عَمْرٍو الشَّيْبانِيُّ ‏(‏م‏)‏، سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ ‏(‏م‏)‏، شِبْلُ بنُ عَوْفٍ الأَحْمَسِيُّ ‏(‏م‏)‏، شُرَيْحُ بنُ الحارثِ القاضي، شُرَيحُ بنُ هَانِئٍ ‏(‏م‏)‏، شَقِيقُ بنُ سَلَمَةَ أَبُو وَائِلٍ، عبدُ اللَّهِ بنُ ثُوَبٍ أَبُو مُسلمٍ الخَوْلانيُّ، عبدُ اللَّهِ بنُ عُكَيْمٍ، عبدُ الرحمنِ بنُ عُسَيْلةَ أَبُو عبدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ، عبدُ الرحمنِ بنُ غَنْمٍ الأشْعَرِيُّ أحَدُ مَنْ تَفَقَّهَ بهِ أَهْلُ دِمَشْقَ، عبدُ الرحمنِ بنُ مَُِلٍّ أبو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ ‏(‏م‏)‏، عبدُ الرحمنِ بنُ يَرْبُوعٍ،

عَبْدُ خَيْرِ بنُ يَزِيدَ الْخَيْوَانِيُّ ‏(‏م‏)‏، عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، عَلْقَمَةُ بنُ قَيْسٍ، عِمْرانُ بنُ مِلْحَانَ أَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ ‏(‏م‏)‏، عمرُو بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ الأصَمِّ، عَمْرُو بنُ مَيْمونٍ الأَوْدِيُّ ‏(‏م‏)‏، غُنَيْمُ بنُ أبي قَيْسٍ ‏(‏م‏)‏، قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، كَعْبُ الأحبارِ، مالِكُ بنُ عُمَيْرٍ ‏(‏م‏)‏، مُرَّةُ بنُ شَرَاحِيلَ الطَّيِّبُ، مَسْرُوقُ بنُ الأجْدَعِ، مسعودُ بنُ حِرَاشٍ أَخُو رِبْعِيٍّ ‏(‏م‏)‏، المَعْرُورُ بنُ سُوَيْدٍ ‏(‏م‏)‏، نُفَيْعٌ أَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ ‏(‏م‏)‏، يُسَيْرُ أوْ أُسَيْرُ بنُ عمرِو بنِ جَابِرٍ ‏(‏م‏)‏، أبو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ‏.‏

وذِكْرُ مسلمٍ لمسعودِ بنِ حِرَاشٍ بِناءً على عَدَمِ صُحْبَتِهِ كما ذهَبَ إليهِ غَيْرُهُ، وإلاَّ فقَدْ أَثْبَتَها البخاريُّ‏.‏ كما أدخَلَ غَيْرُهُ في المُخَضْرَمِينَ جُبَيْرَ بنَ الحُوَيْرِثِ وَحَابِساً اليَمَامِيَّ وطَارِقَ بنَ شِهَابٍ الأحْمَسِيَّ وغيرَهم ممَّنْ لهُ رؤيَةٌ أوْ صُحْبَةٌ بناءً على عَدَمِ ثُبوتِهِ عندَهُ أوْ لعَدَمِ الاطِّلاعِ عليهِ‏.‏ وهذهِ مسألةٌ أُخْرَى لها تَعَلُّقٌ بكلٍّ من الصحابةِ والتابعِينَ؛ فَلِذَا أُخِّرَتْ عنهما‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ منْ فُروعِها أنَّهُ ‏(‏قَدْ يُعَدُّ في الطِّباقِ‏)‏ التي يُجْعَلُ كُلُّ طَبَقَةٍ منها للمُشْتَرِكِينَ في السَّنَدِ؛ كما سَيَأْتِي في طَبَقاتِ الرُّواةِ، ‏(‏التابِعُ‏)‏ لبعضِ الصحابةِ ‏(‏في تَابِعِيهمْ‏)‏؛ أيْ‏:‏ تَابِعِي التابعِينَ؛ ‏(‏إذْ يَكُونُ الشَّائِعُ‏)‏ الغالِبُ عنْ ذاكَ التَّابِعِيِّ ‏(‏الحَمْلُ عَنْهُم‏)‏؛ أيْ‏:‏ عن التابعِينَ؛ ‏(‏كأَبِي الزِّنادِ‏)‏ بكَسْرِ الزاءِ المعجمةِ المشدَّدةِ ثمَّ نونٍ خفيفةٍ، وآخِرُهُ دالٌ مهملةٌ، عبدِ اللَّهِ بنِ ذَكْوَانَ؛ فإنَّهُ كما قالَ خَلِيفَةُ بنُ خَيَّاطٍ‏:‏ قَدْ لَقِيَ ابنَ عُمَرَ وأَنَساً وأَبَا أُمامَةَ بنَ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، ومعَ ذلكَ فعِدادُهُ عندَ أكثرِ الناسِ في أتباعِ التابعِينَ‏.‏ نَعَمْ، قالَ العِجْلِيُّ‏:‏ تابِعِيٌّ ثِقَةٌ‏.‏ وذكَرَهُ مُسلمٌ في الطبقةِ الثالثةِ من التابعِينَ، وابنُ حِبَّانَ في التابِعِينَ‏.‏ وكهِشامِ بنِ عُرْوَةَ فَإِنَّهُ أُدْخِلَ على ابنِ عُمَرَ فَرَآهُ ومَسَحَ رأْسَهُ ودَعَا لهُ، ورَأَى جَابِراً وسَهْلَ بنَ سَعْدٍ وأنساً، ورَوَى عنْ عَمِّهِ عبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ‏.‏ وكمُوسَى بنِ عُقْبَةَ؛ فإِنَّهُ أدْرَكَ ابنَ عُمَرَ وسَهْلَ بنَ سَعْدٍ وأَنَساً، ورَوَى عنْ أُمِّ خالدٍ ابْنَةِ خَالِدِ بنِ سعيدِ بنِ العاصِ الصحابيَّةِ‏.‏ ومعَ ذلكَ فَهُمَا عندَهم كما أشارَ إليهِ الحاكِمُ في عِدَادِ أتباعِ التابعِينَ‏.‏ وكعمرِو بنِ شُعَيْبٍ؛ فإنَّهُ قَدْ سَمِعَ زَيْنَبَ ابْنَةَ أبي سَلَمَةَ والرُّبَيِّعَ ابْنَةَ مُعَوِّذِ بنِ عَفْراءَ الصَّحَابِيَّتَيْنِ معَ عَدِّ غيرِ واحدٍ لهُ في أَتْبَاعِ التابعِينَ؛ كَأَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ وعبدِ الغَنِيِّ بنِ سَعِيدٍ والدارَقُطْنِيِّ وأبي مُحَمَّدٍ عبدِ الرَّزَّاقِ الطَّبَسِيِّ وغيرِهم، بحيثُ أدْرَجَهُ ابنُ الصلاحِ في أمثلةِ روايَةِ الأكابرِ عن الأصاغرِ، فقالَ‏:‏ وعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ لم يَكُنْ من التابعِينَ، ورَوَى عنهُ أكثرُ مِنْ عِشْرِينَ نَفْساً من التابعِينَ‏.‏ وهوَ مُنْتقَدٌ بما قَرَّرْنَاهُ‏.‏ وحَاصِلُ هذا أَنَّهُ أُخْرِجَ من التابعِينَ مَنْ هوَ مَعدودٌ فيهم‏.‏ ‏(‏والعَكْسُ جَاءَ‏)‏، وهوَ عدُّ أصحابِ الطِّباقِ في التابعِينَ مَنْ لم يَصِحَّ سَماعُهُ، بلْ ولا لُقِيُّهُ لأحَدٍِ من الصحابةِ، وهوَ منْ أَتْبَاعِ التابعِينَ جَزْماً حَسْبَما أشارَ إليهِ الحاكمُ؛ كإبراهيمَ بنِ سُوَيْدٍ النَّخَعِيِّ، وليسَ بابْنِ يَزِيدَ الشَّهِيرِ، وكبُكَيْرِ بنِ أبي السميطِ المِسْمَعِيِّ، وسعيدٍ ووَاصِلٍ أَبِي حُرَّةَ ابْنَيْ عبدِ الرحمنِ البَصْرِيِّ‏.‏ ‏(‏وهْوَ‏)‏؛ أي‏:‏ العكسُ، الذي هوَ الإدْخَالُ في التابعِينَ لمَنْ ليسَ منهم، كما زَادَهُ الناظِمُ، ‏(‏ذُو فَسادِ‏)‏؛ يعني‏:‏ أشَدَّ من الذي قبلَهُ، وإلاَّ فذَاكَ أيضاً خَطَأٌ مِمَّنْ صَنَعَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ نحوُ الأوَّلِ، وهوَ الإخراجُ عن التابعِينَ لِمَنْ هوَ منهم، أنَّهُ ‏(‏قَدْ يُعَدُّ‏)‏ في الطِّباقِ أيضاً ‏(‏تَابِعِيًّا صَاحِبُ‏)‏؛ أيْ‏:‏ بأنْ يُذْكَرَ في التابعِينَ بعضُ الصحابةِ ‏(‏كَـ‏)‏ نُعْمانَ وسُوَيْدٍ ‏(‏ابْنَيْ مُقَرِّنٍ‏)‏ بضمِّ الميمِ وفتحِ القافِ وتشديدِ الراءِ المكسورةِ وآخِرُهُ نونٌ، المُزَنِيِّ؛ فقدْ عَدَّهُما الحاكمُ غَلَطاً في الآخِرَةِ من التابِعِينَ، وهُما صَحابِيَّانِ مَعْرُوفانِ منْ جُملةِ المُهاجِرِينَ، كما سيأتي في نَوْعِ الأُخْوةِ والأخواتِ‏.‏

قالَ ابنُ الصلاحِ‏:‏ وعَدُّهُ لهما في التابعِينَ منْ أَعْجَبِ ذلكَ، يعني‏:‏ الأمثلةِ فيهِ‏.‏ زادَ الناظِمُ‏:‏ ‏(‏و‏)‏ كَـ‏(‏مَنْ يُقَارِبُ‏)‏ التابعِينَ في طَبَقتِهم منْ أَجْلِ أنَّ روايتَهُ أوْ جُلَّها عن الصحابةِ؛ فقدْ عَدَّ مسلمٌ وابنُ سَعْدٍ في التابعِينَ مِنْ طَبَقَاتِهما يُوسُفَ بنَ عبدِ اللَّهِ بنِ سَلاَّمٍ ومحمودَ بنَ لَبِيدٍ‏.‏ وابنُ سَعْدٍ وحدَهُ محمودَ بنَ الرَّبِيعِ‏.‏ وعَكْسُهُ وهوَ عَدُّ بعضِ التابعِينَ صَحَابِيًّا؛ كَعَبْدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ الأشعريِّ؛ فقَدْ عَدَّهُ مُحَمَّدُ بنُ الربيعِ الجِيزِيُّ فيمَنْ دخَلَ مصرَ من الصحابةِ‏.‏ فوَهِمَ فيما قالَهُ المُصنِّفُ، وليسَ كذلكَ، وابنُ الربيعِ إنَّما نَقَلَهُ عنْ غَيْرِهِ، فقالَ‏:‏ أخْبَرَنِي يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ أنَّ ابنَ لَهِيعَةَ واللَّيْثَ قَالا‏:‏ لَهُ صُحْبَةٌ‏.‏ وكذا حَكاهُ ابنُ مَنْدَهْ عنْ يحيى بنِ بُكَيْرٍ عنهما، وأثبَتَها أيضاً البخاريُّ وابنُ يُونُسَ وغيرُهما، وأخرَجَ أحمدُ وغيرُهُ منْ أحاديثِهِ ما يَدُلُّ- كما قالَ شيخُنا- لصُحبتِهِ‏.‏ نَعَمْ، لهم عبدُ الرحمنِ بنُ غَنْمٍ الأشعريُّ آخَرُ تَفَقَّهَ بهِ أَهْلُ دِمَشْقَ، فلَعلَّهُ الذي ظَنَّهُ المُؤلِّفُ، ومعَ ذلكَ فلهُ إدراكٌ، بحيثُ عُدَّ في مُخَضْرَمِينَ، وقالَ فيهِ ابنُ حِبَّانَ‏:‏ زَعَمُوا أنَّ لهُ صُحْبَةً، وليسَ ذلكَ بصحيحٍ عندِي‏.‏ ولكنْ لذلكَ أمثلةٌ كثيرةٌ، منها إبراهيمُ بنُ عبدِ الرحمنِ العذرِيُّ رَاوِي حديثِ‏:‏ ‏(‏يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ‏)‏‏.‏ ذكَرَهُ ابنُ مَنْدهْ وغيرُهُ في الصحابةِ، وهوَ تَابِعِيٌّ أَرْسَلَ‏.‏ وكثيراً ما يقَعُ ذلكَ فيمَنْ يُرْسِلُ من التابِعِينَ؛ إذ اعتمادُهم غالباً إنَّما هوَ على ما يقَعُ لهم من الرواياتِ بحَسَبِ مَبْلَغِ عِلْمِهم واطِّلاعِهم، وفوقَ كلِّ ذِي علمٍ عليمٌ‏.‏

الأَكَابِرُ عن الأَصَاغِرِ

831- وقدْ رَوَى الكبيرُ عنْ ذِي الصُّغْرِ *** طَبَقَةً وسِنًّا اوْ فِي القَدْرِ

832- أوْ فِيهِمَا ومنهُ أَخْذُ الصَّحْبِ *** عنْ تابِعٍ كَعِدَّةٍ عنْ كَعْبِ

‏(‏الأكابِرُ‏)‏ الذينَ يَرْوُونَ ‏(‏عن الأصاغرِ‏)‏، وهوَ نَوْعٌ مُهِمٌّ تَدْعُو لفعلِهِ الهِمَمُ العَلِيَّةُ والأنفسُ الزكيَّةُ؛ ولذا قِيلَ كما تَقدَّمَ في مَحَلِّهِ‏:‏ لا يكونُ الرجُلُ مُحدِّثاً حتَّى يَأْخُذَ عمَّنْ فوقَهُ ومِثْلَهُ ودُونَهُ‏.‏ وفائدةُ ضَبْطِهِ الخوفُ مِنْ ظَنِّ الانقلابِ في السنَدِ معَ ما فيهِ من العملِ بقولِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ‏:‏ ‏(‏أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ‏)‏‏.‏

وإلى ذلكَ أشارَ ابنُ الصلاحِ بقولِهِ‏:‏ ومِن الفائدةِ فيهِ ألاَّ يُتَوَهَّمَ كَوْنُ المَرْوِيِّ عنهُ أَكْبَرَ وأفْضَلَ؛ نظراً إلى أنَّ الأغلبَ كونُ المَرْوِيِّ عنهُ كذلكَ، فَتُجْهَلُ بذلكَ مَنْزِلَتُهُما‏.‏

والأصلُ فيهِ روايَةُ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في خُطْبَتِهِ حديثَ الجَسَّاسَةِ عنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ كما في صحيحِ مُسلمٍ، وقولُهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في كتابِهِ إلى اليَمَنِ‏:‏ ‏(‏وَإِنَّ مَالِكاً- يَعْنِي ابْنَ مُرَارَةَ- حَدَّثَنِي بِكَذَا‏)‏، وَذَكَرَ شَيْئاً‏.‏ أخرَجَهُ ابنُ مَنْدَهْ‏.‏ وقولُهُ أيضاً‏:‏ ‏(‏حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّهُ مَا سَابَقَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلاَّ سَبَقَهُ‏)‏، أخْرَجَهُ الخطيبُ في تاريخِهِ والدَّيْلمِيُّ‏.‏ إلى غيرِ ذلكَ؛

كأَمْرِ الأَذَانِ، وما ذَكَرَهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنْ سعدِ بنِ عُبادَةَ‏.‏ وفيهِ تَأْلِيفٌ لإسحاقَ بنِ إبراهيمَ المَنْجَنِيقِيِّ سَمِعْتُهُ، ولمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدِ بنِ سَهْلٍ المَخْرَمِيِّ، وفي مُسْتخرَجِ ابنِ مَنْدهْ لَتَذْكِرَةُ أَشْيَاءَ نَفيسةٍ منْ ذلكَ‏.‏

‏(‏وقَدْ رَوَى الكَبِيرُ عنْ ذِي الصُّغْرِ‏)‏ بضمِّ الصادِ المهملةِ وتسكينِ الغينِ المعجمةِ؛ أيْ‏:‏ عن الصَّغِيرِ‏.‏ وذلكَ يَنقسِمُ أقساماً‏:‏ ‏(‏طَبَقةً وسِنًّا‏)‏؛ أيْ‏:‏ إمَّا أنْ تَكونَ الروايَةُ عنْ أصغرَ منهُ فِيهِما، وهُما لِتَلازُمِهما غالباً كالشيءِ الواحدِ، لا في الجَلالةِ والقَدْرِ؛ كروايَةِ كلٍّ من الزُّهْريِّ ويحيَى بنِ سَعيدٍ الأنصاريِّ عنْ تِلميذِهما الإمامِ الجليلِ مالِكِ بنِ أنَسٍ في خَلْقٍ غيرِهما مِمَّنْ رَوَى عنْ مالِكٍ منْ شُيوخِهِ، بحيثُ أفْرَدَهم الرشيدُ العَطَّارُ في مُصنَّفٍ سَمَّاهُ‏:‏ ‏(‏الإعلامَ بمَنْ حَدَّثَ عنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ الإِمَامِ منْ مشايخِهِ السَّادةِ الأعلامِ‏)‏‏.‏ ومِنْ قَبْلِهِ أَفْرَدَهم مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ الدُّورِيُّ، وهوَ في مَسْمُوعَاتِي‏.‏ وَكَرِوَايَةِ أبي القاسمِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ أحمدَ الأَزْهَرِيِّ من المُتَأَخِّرِينَ في بعضِ تَصانيفِهِ عنْ تلميذِهِ الحافظِ الجليلِ الخطيبِ، والخطيبُ إذْ ذَاكَ في عُنْفُوَانِ شَبابِهِ وطَلَبِهِ‏.‏

‏(‏اوْ‏)‏ بالنقلِ، رَوَى الحافظُ العالِمُ عَمَّنْ هوَ أصغَرُ منهُ ‏(‏في القَدْرِ‏)‏ فقطْ دُونَ السنِّ؛ كراويَةِ مَالِكٍ وابنِ أبي ذِئْبٍ عنْ شَيخِهما عبدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ وأشباهِهِ، وأحمدَ بنِ حنبلٍ وإسحاقَ ابنِ رَاهْويَهْ عنْ شيخِهما عُبيدِ اللَّهِ بنِ مُوسَى، معَ كَوْنِهم دُونَ الرُّواةِ عنهم في الحفظِ والعلمِ؛ لأَجْلِ رِوَايَتِهم‏.‏ وذلكَ كثيرٌ جِدًّا، فكَمْ منْ حافظٍ جَلِيلٍ أخَذَ عنْ مُسْنِدٍ مَحْضٍ كالحَجَّارِ، أوْ عَمَّنْ دُونَهُ في اللُّقَى خَاصَّةً دُونَ السِّنِّ أيضاً‏.‏ ‏(‏أوْ‏)‏ روَى عَمَّنْ هوَ أصغَرُ منهُ ‏(‏فِيهِمَا‏)‏؛ أيْ‏:‏ في السنِّ المُلازِمِ للطبقةِ كما مَرَّ، وفي القَدْرِ معاً؛ كروايَةِ كثيرٍ من الحُفَّاظِ والعلماءِ عنْ أصحابِهم وتلامذتِهم؛ مثلُ عبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الصُّورِيِّ، والخطيبِ عنْ أبي النَّصْرِ بنِ مَاكُولا، في نَظَائِرِهما‏.‏

وحاصِلُها يَرْجِعُ إلى روَايَةِ الرَّاوِي عَمَّنْ دونَهُ في اللُّقَى أوْ في السنِّ أوْ في المِقْدارِ‏.‏

‏(‏ومنْهُ‏)‏؛ أيْ‏:‏ ومنْ هذا النوعِ، ‏(‏أَخْذُ الصَّحْبِ‏)‏؛ أي‏:‏ الصَّحَابَةِ، ‏(‏عنْ تَابِعٍ‏)‏ لهم؛ ‏(‏كَـ‏)‏ روايَةِ ‏(‏عِدَّةٍ‏)‏ من الصحابةِ، فيهم العَبادِلةُ الأربعةُ وعُمَرُ وعَلِيٌّ وأنَسٌ ومعاويَةُ وأَبُو هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم ‏(‏عَنْ كَعْبِ‏)‏ الأحبارِ في أَشْبَاهٍ لذلكَ، أفرَدَها الخطيبُ في جُزْءِ روايَةِ الصحابةِ عن التابعِينَ، وقدْ رَتَّبْتُهُ ولَخَّصَهُ شَيْخُنا فيما أَخَذْتُ عنهُ‏.‏ ومنْ أمثلتِهِ ما رَوَاهُ التِّرمذِيُّ في ‏(‏جَامعِهِ‏)‏ منْ حديثِ صالحِ بنِ كَيْسانَ، عن الزُّهْريِّ، عنْ سَهْلِ بنِ سعدٍ، عنْ مَرْوانَ بنِ الحَكَمِ، عنْ زيدِ بنِ ثابتٍ، عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أَمْلَى عليهِ‏:‏ ‏(‏لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غير أولي الضرر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏)‏، قالَ‏:‏ فجَاءَهُ ابنُ أُمِّ مكتومٍ، الحديثَ‏.‏

وقالَ عَقِبَهُ‏:‏ وهذا الحديثُ يَرْوِيهِ رجلٌ من الصحابةِ، وهوَ سَهْلٌ، عنْ رجُلٍ من التابعِينَ، وَهُوَ مَرْوانُ‏.‏

ويَلْتَحِقُ بذلكَ ما في صحيحِ البخاريِّ منْ راويَةِ مُعاويَةَ بنِ أبي سُفْيانَ عنْ مالكِ بنِ يُخَامِرَ عنْ مُعَاذٍ لزيادةِ ‏(‏وَهُمْ بِالشَّامِ‏)‏ في حديثِ‏:‏ ‏(‏لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ‏)‏، فمالِكٌ المذكورُ كما قالَ أبو نُعَيمٍ‏:‏ لا يَثْبُتُ كَوْنُهُ صحابيًّا‏.‏ ورِوَايَةُ الصحابةِ عن التابِعِينَ، وكذا الآباءُ عن الأبناءِ، والشيخُ عن التلميذِ، وإنْ كانتْ منْ مسائلِ هذا النوعِ، فَهِيَ أخصُّ منْ مُطْلَقِهِ‏.‏

وكذا أَخْذُ التابِعِينَ عنْ أَتْبَاعِهم؛ كالزُّهْريِّ ويحيى بنِ سَعِيدٍ عنْ مالِكٍ، وكعمرِو بنِ دِينارٍ وأبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ وهشامِ بنِ عُروةَ ويحيى بنِ أبي كَثِيرٍ عنْ مَعْمَرٍ، وكقَتَادَةَ والزُّهْرِيِّ ويَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ عن الأَوْزَاعِيِّ‏.‏

ومن ظريفِ أمثلةِ هذا النوعِ أنَّ الشريفَ يَعْقوبَ المغربيَّ المالكِيَّ المُتوَفَّى في سنةِ ثَلاثٍ وثَمانِينَ وسَبْعِمائةٍ ‏(‏783هـ‏)‏ كانَ يُواظِبُ الحضورَ عندَ الوَلِيِّ ابنِ نَاظِمٍ في المدرسةِ الظاهريَّةِ القديمةِ؛ لكَوْنِهِ مُنَزَّلاً في طَلَبَتِها معَ كونِهِ في عدادِ شيوخِهِ‏.‏ بلْ ذكَرَ السراجُ بنُ المُلقِّنِ أنَّهُ قرَأَ عليهِ في مذهبِ مالكٍ؛ ولذا قالَ الوَلِيُّ‏:‏ فقدْ أَخَذَ المذكورُ عَنِّي، وأخَذَ عنهُ شَيْخِي‏.‏ قالَ‏:‏ وهذهِ ظَرِيفَةٌ‏.‏

ومن فوائدِ هذا النوعِ وما أشْبَهَهُ التنويهُ من الكبيرِ بذِكْرِ الصغيرِ، وإِلْفَاتُ الناسِ إليهِ في الأخذِ عنهُ‏.‏ وقدْ قالَ التاجُ السُّبْكِيُّ بعدَ إفادتِهِ‏:‏ إنَّ إمامَ الحَرَمَيْنِ نقَلَ في الوَصِيَّةِ منْ نِهايتِهِ عنْ تلميذِهِ أبي نصرِ بنِ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيِّ، وهذا أعظمُ ما عَظُمَ بهِ أبو نَصْرٍ، فهوَ فَخَارٌ لا يَعْدِلُهُ شيءٌ‏.‏ وكذا نقَلَ الجَمَّالُ الأَسْنَويُّ في المُهِمَّاتِ وغيرِها عن الناظِمِ وَاصِفاً لهُ بحافظِ العصرِ معَ كونِهِ منْ تلامذتِهِ، وهوَ وأمثالُهُ مِمَّا يُعَدُّ منْ مَفَاخِرِ كلٍّ من الرَّاوِي والمَرْوِيِّ عنهُ‏.‏ وذكَرْتُ مِمَّا وقَعَ لشيخِنا منْ ذلكَ معَ طَلَبَتِهِ في تَرْجَمَتِهِ جُمْلةً‏.‏

روايَةُ الأَقْرَانِ

833- والقُرَنَا مَن اسْتَوَوْا في السَّنَدِ *** والسِّنِّ غالباً وقِسمَيْنِ اعْدُدِ

834- مُدَبَّجاً وَهْوَ إذا كُلٌّ أَخَذْ *** عنْ آخَرٍ وغَيْرَهُ انْفِرَادُ فَذّ

وهوَ نوعٌ مُهِمٌّ، وفائدةُ ضَبْطِهِ الأَمْنُ منْ ظَنِّ الزيادةِ في الإسنادِ، أوْ إبدالِ الواوِ بـ ‏(‏عنْ‏)‏ إنْ كانَ بالعَنْعَنةِ‏.‏ ‏(‏والقُرَنَا‏)‏ بالقصرِ للضرورةِ ‏(‏مَن اسْتَوَوْا‏)‏؛ أيْ‏:‏ تَمَاثَلُوا أي‏:‏ تَقارَبُوا، ‏(‏فِي السَّنَدِ‏)‏؛ يعني‏:‏ الأخذِ عن الشيوخِ‏.‏ ‏(‏وَ‏)‏ كذا في ‏(‏السِّنِّ‏)‏، لكنْ ‏(‏غالباً‏)‏؛ لأنَّهم رُبَّما يَكْتَفُونَ- كالحاكمِ- بالتقارُبِ في الإسنادِ وإنْ تَفاوَتَت الأسنانُ، معَ أنَّ ظاهِرَ كلامِ شَيْخِنا أنَّهُ لوْ حَصَلَت المُقارنةُ في السِّنِّ دُونَ الإسنادِ كَفَى؛ فإنَّهُ قالَ‏:‏ فإنْ تَشَارَكَ الرَّاوي ومَنْ رَوَى عنهُ في أَمْرٍ من الأمورِ المُتعلِّقَةِ بالروايَةِ؛ مثلِ السنِّ واللُّقَى، وهوَ الأخْذُ عن المشايخِ، فهوَ النوعُ الذي يُقالُ لهُ‏:‏ رِوَايَةُ الأَقْرَانِ؛ لأنَّهُ حِينَئذٍ يَكُونُ رَاوِياً عنْ قرينِهِ‏.‏ ‏(‏وقِسمَيْنِ اعْدُدِ‏)‏؛ أيْ‏:‏ واعْدُدْ روايَةَ الأقرانِ قِسْمَيْنِ‏:‏ ‏(‏مُدَبَّجاً‏)‏ بضَمِّ الميمِ وفتحِ الدالِ المُهملةِ وتشديدِ الباءِ المُوحَّدةِ وآخِرُهُ جِيمٌ، ‏(‏وَهْوَ إذا كُلٌّ‏)‏ من القَرِينَيْنِ ‏(‏أَخَذْ عَنْ آخَرٍ‏)‏ بالتنوينِ للضرورةِ، وبذلكَ سَمَّاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَخْذاً منْ دِيبَاجَتَيِ الوَجْهِ، وهُما الخَدَّانِ؛ لِتَسَاوِيِهما وتَقَابُلِهما‏.‏ ولكنْ لم يَتقيَّد الدَّارَقُطْنِيُّ في مُصَنَّفِهِ الآتي ذكرُهُ بالقَرِينيْنِ، بلْ أَدْرَجَ فيهِ ما يَكُونُ منْ أمثلةِ القسمِ الآتي، وهذا هوَ القِسْمُ الأولُ‏.‏ ‏(‏وغَيْرَهُ‏)‏ بالنصْبِ عَطْفاً على ‏(‏مُدَبَّجاً‏)‏ فأُبدِلا منْ قِسْمَيْنِ؛ أيْ‏:‏ وغيرَ مُدَبَّجٍ، وهوَ القِسْمُ الثاني، وهوَ ‏(‏انفرادُ فَذّ‏)‏ بالفاءِ والذالِ المعجمةِ؛ أي‏:‏ انفرادُ أحدِ القَرِينيْنِ بالروايَةِ عن الآخَرِ، وعَدَمُ الوقوفِ على روايَةِ الآخَرِ عنهُ‏.‏ وحينَئذٍ فالأوَّلُ أخصُّ منهُ، فكُلُّ مُدَبَّجٍ أَقْرَانٌ، ولا عَكْسَ‏.‏ وفي الأوَّلِ صَنَّفَ الدارقُطْنِيُّ كتاباً حَافِلاً في مُجَلَّدٍ، وفي الثاني صَنَّفَ أبو الشيخِ ابنُ حَيَّانَ الأصبهانيُّ وأبو عبدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ يعقوبَ بنِ يُوسَفَ بنِ الأخْرَمِ الشَّيْبانِيُّ‏.‏ وفيهما شَيْخُنا مُلَخِّصاً لذلكَ منهما، فسَمَّى الأوَّلَ‏:‏ ‏(‏التَّعْرِيجَ على التَّدْبِيجِ‏)‏، والثانِيَ‏:‏ ‏(‏الأَفْنَانَ في رِوَايَةِ الأَقْرَانِ‏)‏، ويُسَمَّى أيضاً ‏(‏الْمُخَرَّجَ من المُدَبَّجِ‏)‏‏.‏

مثالُ الأوَّلِ في الصحابةِ‏:‏ أبو هُريرةَ وعائشةُ، روَى كلٌّ منهما عن الآخَرِ‏.‏ وفي التابعِينَ‏:‏ الزُّهْرِيُّ وأبو الزُّبَيْرِ كذلكَ‏.‏ وفي أَتْبَاعِهم‏:‏ مَالِكٌ والأوزاعِيُّ كذلكَ‏.‏ وفي أتباعِ الأتباعِ‏:‏ أحمدُ وابنُ المَدِينِيِّ كذلكَ معَ نِزَاعٍ في كَوْنِهما قَرِينيْنِ‏.‏ وفي المُتأخِّرِينَ‏:‏ المِزِّيُّ والبِرْزَالِيُّ كذلكَ، وشَيْخُنا والتَّقِيُّ الفَاسِيُّ كذلكَ‏.‏

ومثالُ الثاني‏:‏ روايَةُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عنْ مِسْعَرٍ؛ فقدْ قالَ الحاكِمُ‏:‏ لا أحْفَظُ لمِسْعَرٍ عن التَّيْمِيِّ روايَةً، على أنَّ غَيْرَهُ تَوقَّفَ في كَوْنِ التَّيمِيِّ منْ أقرانِ مِسْعَرٍ، بلْ هوَ أكبرُ منهُ، كما صَرَّحَ بهِ المِزِّيُّ وغيرُهُ‏.‏ نَعَمْ، رَوَى كلٌّ من الثوريِّ ومالكِ بنِ مِغْوَلٍ عنْ مِسْعَرٍ، وهم أَقْرَانٌ، والأعْمَشُ عن التَّيْمِيِّ، وهُما قَرِينَانِ، والزَّيْنُ رِضْوانُ عن الرَّشِيدِيِّ، وهما قَرينَانِ منْ شيوخِنا‏.‏ وقدْ يَجتمِعُ جماعةٌ من الأقرانِ في سلسلةٍ؛ كروايَةِ أحمدَ عنْ أبي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بنِ حَرْبٍ، عن ابنِ مَعِينٍ، عنْ عَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ، عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ مُعاذٍ لحديثِ أبي بَكْرِ بنِ حَفْصٍ عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ عَائِشَةَ‏:‏ ‏(‏كُنَّ أَزْوَاجُ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ شُعُورِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كالوَفْرَةِ‏)‏‏.‏ فالخمسةُ- كما قالَ الخَطِيبُ- أَقْرَانٌ‏.‏ وروايَةُ ابنِ المُسَيِّبِ عن ابنِ عَمْرٍو، عنْ عُمَرَ، عنْ عُثْمَانَ، عنْ أبي بَكْرٍ لحديثِ‏:‏ ‏(‏مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ‏)‏‏.‏ ففيهِ أربعةٌ من الصحابةِ في نَسَقٍ‏.‏ وكذا اجتمَعَ أربعةٌ من الصحابةِ في عِدَّةِ أحَادِيثَ بَعْضُها في الصحيحَيْنِ وغيرِهما‏.‏ وأفرَدَ فيهِ كُلٌّ منْ عبدِ الغَنِيِّ بنِ سعيدٍ المِصريِّ وأبي الحَجَّاجِ يُوسُفَ بنِ خَليلٍ الدِّمَشْقِيِّ فيما سَمِعْناهُ جُزْءاً‏.‏ بل اجتمَعَ منهم خمسةٌ في حديثِ‏:‏ ‏(‏الْمَوْتُ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ‏)‏، وذلكَ منْ روايَةِ عَمْرِو بنِ العاصِ عنْ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عنْ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، عنْ بلالٍ‏.‏ وهوَ غَرِيبٌ؛ لاجتماعِ الخلفاءِ الثلاثةِ فيهِ‏.‏ ويدخُلُ في النوعِ قبلَهُ ودونَ هذَيْنِ العدديْنِ مِمَّا أَمْثِلَتُهُ أكثرُ مِمَّا اجتمَعَ فيهِ ثلاثةٌ من الصحابةِ؛ كمعاويَةَ بنِ أبي سُفْيانَ عنْ مالكِ بنِ يُخَامِرَ- على القولِ بصُحْبَتِهِ- عنْ مُعاذٍ، و كمُعَاوِيَةَ بنِ خَدِيجٍ عنْ مُعاويَةَ بنِ أبي سُفْيانَ عنْ أُخْتِهِ أُمِّ حَبِيبةَ‏.‏ ثمَّ مِمَّا أمثلتُهُ أكثرُ مِمَّا يدخُلُ في هذا النوعِ وما لا يدخُلُ؛ كابنِ عُمَرَ عنْ كلٍّ مِنْ أَبِيهِ وأُخْتِهِ وحَفْصَةَ‏.‏

وأمَّا رِوايَةُ اللَّيْثِ عنْ يَحْيَى بنِ سعيدٍ، عنْ سعدِ بنِ إبراهيمَ، عنْ نافعِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، عنْ عُرْوةَ بنِ المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ، عنْ أبيهِ لحديثِ‏:‏ ‏(‏اتَّبَعْتُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بإِدَاوَةٍ‏)‏‏.‏ وروايَةُ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلانَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ يحيى بنِ حِبَّانَ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ مُحَيْرِيزٍ، عن الصُّنَابِحِيِّ، عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامتِ، فَفِيهِمَا أربعةٌ من التابِعِينَ في نَسَقٍ‏.‏ ودونَ هذا العددِ مِمَّا أمثلتُهُ أكثرُ ما اجتمَعَ فيهِ ثلاثةٌ منهم؛ كالزُّهْرِيِّ عنْ عبدِ الملكِ بنِ أَبِي بكرِ بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ، عنْ خَارِجَةَ بنِ زيدِ بنِ ثَابِتٍ الأنصاريِّ، عنْ أبيهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ‏.‏ وكذا الزُّهْرِيُّ عنْ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ إبْرَاهِيمَ بنِ قَارِظٍ، عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ‏.‏ ثمَّ ما اشتَمَلَ على اثنيْنِ، وأكثرُ ما وُجِدَ منهم حَسْبَما أشرْتُ إليهِ في المُرْسَلِ في نَسَقٍ؛ إمَّا سِتَّةٌ أوْ سَبْعَةٌ‏.‏ وفي أَشْبَاهِ ما ذكرْتُهُ طُولٌ‏.‏ وللخطيبِ روايَةُ التابعِينَ بعضِهم عنْ بعضٍ، وهوَ معَ روايَةِ الصحابةِ بعضِهم عنْ بعضٍ، الذي عَلِمْتَ إِفْرَادَ نوعٍ منهُ بالتأليفِ أيضاً مِمَّا لم يَذْكُرْهُ ابنُ الصلاحِ وأتباعُهُ، ولكنْ قد اسْتَدْرَكَهما بعضُ المُتأخِّرينَ عليهِ‏.‏ ومنْ فَوَائِدِهما سِوَى ما تَقدَّمَ الحرصُ على إضافةِ الشيءِ لِرَاوِيهِ، والرغبةُ في التَّوَاضُعِ في العلمِ‏.‏

الإخوةُ والأخواتُ

835- وأَفْرَدُوا الإِخْوَةَ بالتصنيفِ *** فذُو ثلاثةٍ بَنُو حُنَيْفِ

836- أرْبَعَةٍ أَبُوهُمُ السَّمَّانُ *** وخَمسةٍ أَجَلُّهُمْ سُفيانُ

837- وسِتَّةٍ نَحْوُ بَنِي سِيرِينَا *** واجْتَمَعُوا ثلاثةً يَرْوُونَا

838- وسَبْعَةٍ بَنُو مُقَرِّنٍ وهُمْ *** مُهاجِرُونَ ليسَ فيهم عَدُّهُمْ

839- والأَخَوَانِ جُملةٌ كَعُتْبَةِ *** أَخِي ابنِ مَسعودٍ هُمَا ذُو صُحْبَةِ

‏(‏الإخوةُ والأخواتُ‏)‏، وهوَ نوعٌ لطيفٌ‏.‏ وفائدةُ ضَبْطِهِ الأمنُ منْ ظَنِّ مَنْ لَيْسَ بأخٍ أخاً؛ للاشتراكِ في اسمِ الأبِ، كأحمدَ بنِ أَشْكَابَ وعَلِيِّ بنِ أَشْكَابَ، ومُحَمَّدِ بنِ أَشْكَابَ، أوْ ظَنِّ الغَلَطِ‏.‏ ‏(‏وأفْرَدُوا‏)‏؛ أيْ‏:‏ أَئِمَّةُ هذا الشأنِ من المُتقدِّمِينَ فمَنْ بَعْدَهم؛ كابنِ المَدينيِّ ومُسلمٍ وأبي دَاوُدَ والنَّسائِيِّ وأبي العَبَّاسِ السِّراجِ والجِعَابِيِّ ثمَّ الدِّمياطِيِّ، ‏(‏الإخوةَ‏)‏ من الرُّواةِ والعلماءِ ‏(‏بالتصنيفِ‏)‏‏.‏ وكذا صَنَّفَ في خُصوصِ أولادِ المُحدِّثِينَ أبو بكرِ بنُ مَرْدُويَهْ، وفي خُصُوصِ الإخوةِ مِنْ وَلَدِ كُلٍّ مِنْ عبدِ اللَّهِ وعُتْبَةَ ابْنَيْ مسعودٍ، الدَّارَقُطْنِيُّ‏.‏ وفي خُصوصِ رِوَايَةِ الإخوةِ بَعْضِهم عنْ بعضٍ الحافظُ أبو بكرِ بنُ السُّنِّيُّ‏.‏ وأمثلتُهُ في الاثنيْنِ فما فَوْقَهما كثيرةٌ‏.‏

‏(‏فَذُو ثَلاثَةٍ‏)‏ من الصحابةِ‏:‏ سَهْلٌ وعَبَّادٌ وعُثْمَانُ ‏(‏بَنُو حُنَيْفِ‏)‏ بضمِّ الحاءِ المُهملةِ ثمَّ نونٍ، وآخِرُهُ فاءٌ، مُصَغَّرٌ‏.‏ ومن التابِعِينَ‏:‏ عَمْرُو وعُمَرُ وشُعَيْبُ بَنُو شُعَيْبِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ‏.‏ وذُو ‏(‏أَرْبَعَةٍ‏)‏ من الصحابةِ‏:‏ عبدُ الرحْمنِ ومُحَمَّدُ وعائشةُ وأَسْمَاءُ بَنُو أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ‏.‏ ومن التابعِينَ‏:‏ سُهَيْلٌ ومُحَمَّدٌ وصالحٌ وعبدُ اللَّهِ المُلَقَّبُ عَبَّاداً‏.‏ ‏(‏أَبُوهُمُ‏)‏ ذَكْوَانُ أَبُو صَالِحٍ ‏(‏السَّمَّانُ‏)‏، ويقالُ لهُ‏:‏ الزَّيَّاتُ أيضاً‏.‏

وَوَهِمَ أبو أحمدَ بنُ عَدِيٍّ في كاملِهِ حيثُ جعَلَ عبدَ اللَّهِ وعَبَّاداً اثنيْنِ، وأَبْدَلَ مُحَمَّداً بيَحْيَى مُصَرِّحاً بأنَّهُ ليسَ فيهم مُحَمَّدٌ‏.‏ ومنْ غَيْرِهما شَرِيكٌ وأبو بَكْرٍ عبدُ الكَبِيرِ وأبو عَلِيٍّ عُبَيْدُ اللَّهِ وأبو المُغِيرَةِ عُمَيْرٌ بَنُو عبدِ المجيدِ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ شَرِيكٍ البَصْرِيِّ‏.‏ ‏(‏وَ‏)‏ ذُو ‏(‏خَمْسةٍ‏)‏ من الصحابةِ‏:‏ عَلِيٌّ وجَعْفَرٌ وعَقِيلٌ وأُمُّ هانِئٍ فَاخِتَةُ على المشهورِ وجُمَانَةُ بَنُو أبي طَالِبٍ‏.‏ ومِمَّن بعدَهم‏:‏ سُفْيانُ وآدَمُ وعِمْرانُ ومُحَمَّدٌ وإبراهيمُ بَنُو عُيَيْنَةَ‏.‏ و‏(‏أَجَلُّهم‏)‏ في العِلْمِ ‏(‏سُفْيانُ‏)‏‏.‏ وهؤلاءِ بِقَيْدِ مَنْ رَوَى؛ فَقَدْ قالَ الحَاكِمُ‏:‏ سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا عَلِيٍّ الحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ- يعني النَّيْسَابُورِيَّ- يقولُ‏:‏ كُلُّهم حَدَّثُوا، وإِلاَّ فقَدْ ذَكَرَ غيرُ واحدٍ أنَّهم عَشَرَةٌ‏.‏

ومِمَّا يُسْتَغْرَبُ في الخمسةِ ما حَكَاهُ الشافِعِيُّ عنْ شيخٍ أخْبَرَهُ باليَمَنِ أنَّهُ وُلِدَ لهُ خَمْسَةُ أولادٍ في بَطْنٍ وَاحِدٍ‏.‏ وفي الأربعةِ بَنُو رَاشِدٍ أبي إسماعيلَ السُّلَمِيِّ وُلِدوا كذلكَ في بَطْنٍ، وكانُوا علماءَ، وهم‏:‏ مُحَمَّدٌ وعُمَرُ وإسماعيلُ، ولم يُسَمِّ البُخاريُّ والدَّارَقُطْنِيُّ الرابِعَ، وسَمَّاهُ ابنُ الحاجبِ في آخرِ مُخْتصَرِهِ الفرعيِّ عَلِيًّا، وأفادَ أنَّهُ هوَ ومُحَمَّدٌ وعُمَرُ بَلَغُوا ثَمانِينَ عَاماً‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ ذُو ‏(‏سِتَّةٍ‏)‏ من الصحابةِ‏:‏ حَمْزَةُ والعَبَّاسُ وصَفِيَّةُ وأُمَيْمَةُ وأَرْوَى وعَاتِكَةُ بَنُو عبدِ المُطَّلبِ على القَوْلِ بإسلامِ الثلاثِ الأَخِيرَاتِ‏.‏ ومن التابعِينَ‏:‏ ‏(‏نَحْوُ‏)‏ مُحَمَّدٍ وأنسٍ ويَحْيَى ومَعْبَدٍ وحَفْصَةَ وكريمةَ ‏(‏بَنِي سِيرِينَا‏)‏ بكسرِ المهملةِ ثمَّ مُثنَّاتَيْنِ تَحْتانِيَّتيْنِ بينَهما راءٌ وآخِرُهُ نُونٌ، وكُلُّهم ثِقَاتٌ‏.‏ وكانَ مَعْبَدٌ أكبرَهم سِنًّا وأقْدَمَهُم مَوْتاً، وحَفْصَةُ أَصْغَرَهم‏.‏ ومِمَّن عَدَّهم سِتًّا ابنُ مَعِينٍ والنَّسائيُّ في ‏(‏الكُنَى‏)‏،

والحاكِمُ في ‏(‏عُلُومِهِ‏)‏‏.‏ وكذا أَبُو عَلِيٍّ الحافظُ فيما نَقَلَهُ الحاكمُ في تاريخِهِ عنهُ، لكنَّهُ جعَلَ مَكَانَ كَرِيمَةَ خَالِداً، وجَعَلَهُ ابنُ سَعْدٍ في الطبقاتِ سَابِعاً، وزادَ فيهم أيضاً عَمْرَةَ وسَوْدَةَ، وأُمُّهما كانتْ أُمَّ وَلَدٍ لأنَسِ بنِ مَالِكٍ، وأُمَّ سُلَيْمٍ، وأُمُّهَا هيَ ومُحَمَّدُ ويَحْيَى وحَفْصَةُ وكَرِيمَةُ وصَفِيَّةُ، فصَارُوا عَشَرَةً‏.‏ وقدْ ضَبَطَهم البرماويُّ بالنظْمِ فقالَ‏:‏

لِسِيرِينَ أَوْلادٌ يُعَدُّونَ سِتَّةً *** علَى الأشهرِ المعروفِ منهم مُحمَّدُ

وثِنْتَانِ مِنهُمْ حَفْصَةٌ وكَرِيمَةٌ *** كَذَا أَنَسٌ مِنْهُمُ ويَحْيَى ومَعْبَدُ

فزَادَ ابنُ سَعْدٍ خَالِداً ثُمَّ عَمْرَةَ *** وأُمَّ سُلَيْمٍ سَوْدَةَ لا تَفْنَدُ

وعنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ فيما حكاهُ النَّوويُّ قالَ‏:‏ حَجَجْنَا فدَخَلْنا المدينةَ على زيدِ بنِ ثابتٍ ونحنُ سَبعةُ ولَدِ سِيرِينَ، فقالَ‏:‏ هَذَانِ لأُمٍّ، وهذانِ لأُمٍّ، وهذانِ لأُمٍّ، وهذا لأمٍّ، فما أخطَأَ‏.‏ بلْ عَدَّهم ابنُ قُتَيْبةَ في ‏(‏المَعَارِفِ‏)‏ إجمالاً ثلاثةً وعشرينَ منْ أُمَّهَاتِ أَوْلادٍ، ولَكِن اقتصَرَ على أَشْهَرِهم إنْ كانَ لأحِدٍ من الزائدِ رِوَايَةٌ‏.‏ ‏(‏واجْتَمَعوا ثَلاثةً‏)‏ من السِّتَّةِ في إسنادِ حديثٍ واحدٍ ‏(‏يَرْوُونَا‏)‏؛ أيْ‏:‏ يَرْوِي بعضُهم عنْ بعضٍ، وذلكَ فيما رَواهُ الدَّارقُطْنِيُّ في ‏(‏العِلَلِ‏)‏ منْ روايَةِ هِشَامٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ، عنْ أَخِيهِ يَحْيَى، عنْ أَخِيهِ أَنَسٍ، عنْ أنسِ بنِ مَالِكٍ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ‏:‏ ‏(‏لَبَّيْكَ حَجًّا حَقًّا تَعَبُّداً وَرِقًّا‏)‏‏.‏ قالَ ابنُ الصلاحِ‏:‏ وهذهِ غَريبَةٌ‏.‏ بلْ أفادَ أبو الفضلِ بنُ طاهرٍ الحافِظُ روايَةَ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ لهُ عنْ أَخِيهِ يحيى، عنْ أَخِيهِ مَعْبَدٍ، عنْ أخيهِ أنسٍ‏.‏ ورُوِّيناهُ كذلكَ في مَشْيَخَةِ أبي الْغَنَائِمِ النَّرْسِيِّ المعروفِ بِأُبَيٍّ، وأَمْلاهُ علينا شَيْخُنا‏.‏ وحينَئذٍ فقد اجتمَعَ إخوةٌ أربعةٌ في إسنادٍ واحدٍ، وهوَ نَادِرٌ تُستحسَنُ المُطَارَحَةُ بهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ ذُو ‏(‏سَبْعةٍ‏)‏ بمُهْمَلَةٍ ثمَّ مُوحَّدَةٍ من الصحابةِ‏:‏ النُّعْمَانُ ومَعْقِلُ وعَقِيلُ وسُوَيْدُ وسِنَانُ وعبدُ الرحمنِ وعبدُ اللَّهِ ‏(‏بَنُو مُقَرِّنٍ‏)‏ بضمِّ الميمِ وفتحِ القافِ وتشديدِ الراءِ المكسورةِ وآخِرُهُ نونٌ‏.‏ ولم يُسَمِّ ابنُ الصلاحِ السابِعَ، وسَمَّاهُ الطَّبَرِيُّ وابنُ فتحونَ في ‏(‏ذَيْلِ الاستعيابِ‏)‏‏.‏ ‏(‏وَهُمْ‏)‏؛ أَيْ‏:‏ بَنُو مُقَرِّنٍ، ذُكورٌ ‏(‏مُهاجِرُونَ لَيْسَ‏)‏‏.‏ وفي نسخةٍ‏:‏ صحابةٌ، وليسَ ‏(‏فيهمْ‏)‏؛ أيْ‏:‏ في الصحابةِ كما قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ وجماعةٌ وتَبِعَهم ابنُ الصلاحِ مِمَّنْ هاجَرَ وحَصَّلَ هذهِ المَكْرُمَةَ من الإخوةِ، ‏(‏عَدُّهُمْ‏)‏؛ أيْ‏:‏ سَبْعَةٌ‏.‏ ويَشْهَدُ لِعَدِّهم كذلكَ ما رَوَى شُعْبَةُ قالَ‏:‏ قالَ لي مُحَمَّدُ بنُ المُنكَدِرِ‏:‏ ما اسْمُكَ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ شُعْبَةُ، قالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو شُعْبَةَ عنْ سُوَيدِ بنِ مُقَرِّنٍ، أنَّهُ رَأَى رَجُلاً لَطَمَ غُلاماً لهُ، فقالَ لهُ‏:‏ أَمَا عَلِمْتَ أنَّ الصُّورَةَ مُحَرَّمَةٌ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي سابِعَ سَبْعَةِ إخوةٍ على عهدِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ما لَنَا إلاَّ خَادِمٌ فلَطَمَها أحَدُنا، فأَمَرَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ يُعْتِقَها‏.‏ وحَكَى الطَّبَرِيُّ وابنُ فتحونَ إجمالاً أَنَّهم عَشَرَةٌ، ومنهم ضِرَارٌ ونُعَيْمٌ، ولم أَقِفْ على اسمِ العَاشِرِ‏.‏

ثمَّ إنَّ دَعْوَى انفرادِ بَنِي مُقَرِّنٍ بذلكَ مُنْتَقِضَةٌ ببِشْرٍ أوْ سَهْمٍ وتَمِيمٍ أوْ نُمَيْرٍ والحَارِثِ والحَجَّاجِ والسائِبِ وسَعِيدِ وعَبْدِ اللَّهِ ومَعْمَرٍ أوْ مَعْبَدٍ وأبي قُبَيْسٍ بَنِي الحَارِثِ بنِ قُبَيْسٍ السَّهمِيِّ، فَكُلُّهُم مِمَّنْ صَحِبَ وهاجَرَ إلى الحبشةِ معَ خُلْفٍ في بعضِهم‏.‏ وكذا بأسماءَ وحُمْرانَ وخِرَاشٍ وذُؤَيْبٍ وَسَلَمَةَ وفَضَالَةَ ومَالِكٍ وهِنْدٍ بَنِي حَارِثَةَ الأسْلَمِيِّ، فَكُلُّهم مِمَّنْ صَحِبَ وشَهِدَ بيعةَ الرضوانِ فيما نقَلَهُ ابنُ سعدٍ عنْ بعضِ أهلِ العلمِ‏.‏ وكذا حكاهُ الطَّبَرِيُّ‏.‏ وقالَ البَغَوِيُّ وابنُ السَّكَنِ وابنُ عَبْدِ البَرِّ أيضاً‏:‏ إنَّهم شَهِدوا بيعةَ الرضوانِ، لكنَّهم حَذَفُوا واحداً‏.‏ وأُجِيبَ بأنَّ السَّبْعَةَ مِمَّن هَاجَرَ، والتِّسْعَةَ وإنْ هَاجَرُوا فَبِقَيْدِ الحبشةِ معَ الخُلْفِ في بعضِهم، والثمانيَةَ فبقيدِ بيعةِ الرضوانِ‏.‏ وعلى كُلِّ حالٍ فهم مُنفرِدونَ بذلكَ‏.‏ نَعَمْ، في الصَّحابةِ إِخْوَةٌ سَبْعةٌ شَهِدُوا بَدْراً، لَكِنْ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَبٍ، وثلاثةٌ منْ آخَرَ، وهُم‏:‏ مُعاذٌ ومُعَوَّذٌ وعَوْذٌ أَوْ عَوْفٌ- وهوَ أَصَحُّ- بَنُو الحارثِ بنِ رِفَاعَةَ الأنصاريِّ‏.‏ وإِيَاسٌ وخَالِدٌ وعَاقِلٌ وعامِرٌ بَنُو البُكَيْرِ بنِ عبدِ يَالَيْلَ بنِ نَاشِبٍ، أُمُّهم كُلُّهم عَفْراءُ ابْنَةُ عُبَيْدٍ‏.‏ ومن التابعِينَ في السبعةِ‏:‏ سالِمٌ وعبدُ اللَّهِ وحَمْزَةُ وعُبَيدُ اللَّهِ وزَيْدٌ ووَاقِدٌ وعبدُ الرحمنِ بَنُو عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرِ‏.‏ وذكَرَهم كذلكَ ابنُ سَعْدٍ، لكنَّهُ جعَلَ بلالاً مكانَ عبدِ الرحمنِ‏.‏ وبِلالٌ بلا شَكٍّ منْ وَلَدِ عبدِ اللَّهِ، وقدْ سَمِعَ وَالِدُهُ شاعراً يُنْشِدُ‏:‏

بِلالُ بنُ عبدِ اللَّهِ خَيْرُ بِلالِ

فقالَ‏:‏ بلْ بِلالُ نَبِيِّ اللَّهِ‏.‏

فإنْ صحَّ كونُ عبدِ الرحمنِ منهم، كانَ معَ بَنِي حارثةَ الماضي ذِكْرُهم منْ أمثلةِ الثمانيَةِ‏.‏ وذُو التِّسْعَةِ بَنُو الحارثِ الماضي ذِكْرُهم، وذُو العَشَرَةِ بَنُو العَبَّاسِ اعتماداً على قولِهِ‏:‏

تَمُّوا بِتَمَّامٍ فَصَارُوا عَشَرَهْ *** يَا رَبِّ فَاجْعَلْهُمْ كِراماً بَرَرَهْ

واجْعَلْ لَهُم ذِكْراً وأَنْمِ الثَّمَرَهْ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ولعَلَّ ذلكَ كانَ قَبْلَ وجودِ زائدٍ عليهم، وإلاَّ فَهُم‏:‏ الفَضْلُ وعبدُ اللَّهِ وعُبَيدُ اللَّهِ وعبدُ الرحمنِ وقُثَمُ ومَعْبَدٌ وعَوْنٌ والحَارِثُ وكَثِيرٌ وتَمَّامٌ ومِسْهَرٌ وصبحٌ، وأنكَرَهما الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ، وأُمُّ كُلْثومٍ وأُمُّ حَبيبٍ وأُمَيمةُ وأُمُّ قُثَمَ، وسَبْعَةٌ مِنهم هم السِّتَّةُ الأوَّلونَ وأُمُّ حَبِيبٍ أُمُّهم أمُّ الفضلِ لُبَابَةُ الكُبْرَى ابنةُ الحارثِ الهلاليَّةُ؛ ولذا قالَ الشاعرُ‏:‏

مَا وَلَدَتْ نَجِيبَةُ مِنْ فَحْلِ *** كسَبْعَةٍ مِنْ بَطْنِ أُمِّ الفَضْلِ

وأخواتُ جَابِرٍ على القولِ بأنَّهُنَّ تسعةٌ، قالَ أبو موسى المَدِينِيُّ‏:‏ لِكُلِّهِنَّ صُحْبَةٌ‏.‏ وبَنُو عبدِ اللَّهِ بنِ أبي طَلْحَةَ، بِنَاءً على قولِ ابنِ عبدِ البَرِّ وغَيْرِهِ‏.‏ ولكنْ عَدَّهم ابنُ الجَوزيِّ اثْنَيْ عَشَرَ، وهم‏:‏ إبراهيمُ وإسحاقُ وإسماعيلُ وزيدٌ وعبدُ اللَّهِ وعمارةُ وعُمَرُ وعُمَيْرٌ والقَاسِمُ ومُحَمَّدٌ ويعقوبُ ويَعْمَرُ‏.‏ قالَ أبو نُعَيمٍ‏:‏ وكُلُّهم حُمِلَ عنهُ العِلْمُ‏.‏ في أمثلةٍ للعشَرةِ كبَنِي الحسنِ بنِ عَرَفَةَ صَاحِبِ الجزءِ الشهيرِ؛ فَقدْ قالَ نُعَيمٌ‏:‏ كانَ لهُ عَشَرَةُ أولادٍ سَمَّاهم بأسماءِ العَشَرَةِ‏.‏ بلْ ثَمَّ أَمْثِلَةٌ كثيرةٌ لكلِّ ما تَقدَّمَ من الأعدادِ‏.‏ بلْ ولِزِيَادَةٍ على ذلكَ أَوْدَعَ العلاءُ مُغْلَطَايْ في استدراكِهِ على ابنِ الصلاحِ مِن الزائدِ جُمْلةً معَ قولِ ابنِ الصلاحِ، ولم نُطَوِّلْ بما زَادَ على السبعةِ؛ لِنُدْرَتِهِ ولعَدَمِ الحاجةِ إليهِ في غَرَضِنا ههنا‏.‏ وقالَ ابنُ حَزْمٍ في ‏(‏المِللِ والنِّحلِ‏)‏‏:‏ ولم يَبْلُغْنا عنْ أحدٍ من الأُمَمِ مِنْ عددِ الأولادِ إِلاَّ منْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فأقَلَّ، وأمَّا ما زادَ على العشرينَ فنَادِرٌ‏.‏ هذا في بلادِ الإسلامِ والرُّومِ والصَّقالبةِ والتُّرْكِ والهِنْدِ والسُّودانِ قَدِيماً وحديثاً‏.‏ وأمَّا ما زادَ على الثلاثِينَ فَبَلَغَنا عنْ عددٍ يَسِيرٍ جِدًّا، منهم أَنَسُ بنُ مَالِكٍ وخَلِيفَةُ بنُ بَوٍّ السَّعْدِيُّ وأبو بَكْرَةَ؛ فإنَّهم لم يَمُوتُوا حتَّى مَشَى بينَ يَدَيْ كلِّ واحدٍ منهم مائةُ ذَكَرٍ منْ وَلَدِهِ‏.‏ وعُمَرُ بنُ الوليدِ بنِ عبدِ الملكِ كانَ يَرْكَبُ معَهُ سِتُّونَ رَجُلاً مِنْ وَلَدِهِ، وجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ كانَ لهُ أربعونَ ذَكَراً سِوَى أولادِهم، وعبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ الحَكَمِ بنِ هِشَامِ بنِ عبدِ الرحمنِ الدَّاخِلُ وُلِدَ لهُ خَمْسَةٌ وأربعونَ ذَكَراً، ومُوسَى بنُ إبراهيمَ بنِ مُوسَى بنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بلَغَ لهُ مَبْلَغَ الرجالِ أحَدٌ وثلاثونَ ذَكَراً‏.‏ وذَكَرَ آخَرِينَ يَطُولُ ذِكْرُهم‏.‏ وسَمَّى ابنُ الجَوْزِيِّ لسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ خَمْسَةً وثلاثِينَ وَلَداً، رَوَى عنهُ مِمَّنْ في رجالِ السِّتَّةِ إبراهيمُ وعَامِرٌ وعُمَرُ ومُحَمَّدٌ ومُصْعَبٌ وعَائِشَةُ‏.‏ وأغْرَبُ منْ هذا كُلِّهِ ما رُوِّيناهُ في ‏(‏تَارِيخِ بُخَارَا‏)‏ لِغُنْجَارَ منْ حديثِ مُحَمَّدِ بنِ الهَيْثَمِ بنِ خالدٍ البَجَلِيِّ الحافظِ بِبُخارا، أنَّهُ قالَ‏:‏ كانَ ببغدادَ قائِدٌ‌‌ مِنْ بعضِ قُوَّادِ المُتوَكِّلِ، وكانَت امْرَأَتُهُ تَلِدُ البَناتِ، فحَمَلَت المرأةُ مَرَّةً فَحَلَفَ زَوْجُها إنْ وَلَدَتْ هذهِ المرأةُ بِنْتاً فَإِنِّي أَقْتُلُكِ بالسيفِ، فلَمَّا قَرُبَتْ وِلادتُها وجَعَلَت القَابِلَةُ، أَلْقَت المرأةُ مثلَ الجَرِيبِ وهوَ يَضْطَرِبُ، فشَقُّوهُ فخرَجَ منهُ أَرْبَعُونَ ابْناً وعَاشُوا كُلُّهم‏.‏ قالَ مُحَمَّدُ بنُ الهَيْثَمِ‏:‏ وأنا رَأَيْتُهم ببغدادَ رُكْباناً خَلْفَ أَبِيهِم، وكانَ اشْتَرَى لكلِّ واحدٍ منهم ظِئْراً‏.‏ ودُونَهُ ما حَكاهُ صاحبُ المطلبِ عن ابنِ المَرْزُبَانِ، أنَّ امرأةً بالأنبارِ أَلْقَتْ كِيساً فيهِ اثنا عشَرَ وَلَداً‏.‏ ودُونَهُ ما تَقدَّمَ عن الشافعيِّ‏.‏

‏(‏والأَخَوانِ‏)‏ في الصحابةِ وغَيْرِهم ‏(‏جُمْلَةٌ‏)‏ يَطُولُ عَدُّهم؛ ‏(‏كعُتْبَةِ‏)‏ بالصَّرْفِ للضرورةِ ‏(‏أَخِي ابنِ مَسعودٍ‏)‏ عبدِ اللَّهِ، و‏(‏هُمَا ذُو صُحْبَةِ‏)‏ للنبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ‏.‏ وعُتْبَةُ أَوَّلُهما مَوْتاً، وكمُوسَى وعبدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُبَيدةَ الرَّبَذِيِّ، وبينَهما في العُمُرِ ثَمَانُونَ سَنَةً، وهوَ غَرِيبٌ‏.‏

ومنْ أهمِّ هذا النوعِ ما يقَعُ الاتِّفاقُ فيهِ بينَ الأخوَيْنِ أو الإخوةِ في الاسمِ، وهوَ في المُتأخِّرِينَ كثيرٌ، ومنهم أحمدُ بنُ يَحْيَى بنِ فَضْلِ اللَّهِ العُمَرِيُّ أَخَوَانِ، ويَتمَيَّزُ غالباً باللَّقَبِ ونحوِهِ‏.‏

ومن العجيبِ أنَّهُ للنَّاصرِ مُحَمَّدِ بنِ المنصورِ قَلاوُنَ من الأولادِ ثمانيَةٌ، وُلُّوا السلطنةَ على الوَلاءِ في مُدَّةِ ثلاثَ عَشَرَ سَنَةً، أَوَّلُهم المنصورُ أبو بَكْرٍ، ثمَّ الأشرفُ كجك، ثمَّ الناصِرُ أحمدُ، ثمَّ الصَّالِحُ إسماعيلُ، ثمَّ الكَامِلُ شَعْبَانُ، ثمَّ المُظَفَّرُ حاجي، ثمَّ الناصِرُ حَسَنٌ، ثمَّ الصَّالِحُ صَالِحٌ، وبَعْدَهُ أُعِيدَ الذي قبلَهُ فطَالَتْ مُدَّتُهُ بالنِّسبةِ لإخوتِهِ‏.‏ ولهُ مِمَّنْ لم يَلِ جَماعةٌ، منهم الأمْجَدُ حُسَيْنٌ، وهوَ آخِرُ أولادِ أبيهِ موتاً‏.‏ وأنجَبَ الأشرفُ شَعْبانُ وَالِدَ المنصورِ عَلِيٍّ، وحاجي المُلَقَّبَ أَوَّلاً الصالِحَ ثمَّ المَنْصورَ، وبهِ خُتِمَتْ ذُرِّيَةُ المَنصورِ، خَلَعَهُ الظاهِرُ بَرْقوقٌ‏.‏