فصل: الْمُتَّفِقُ والْمُفْتَرِقُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: ‏فتح المغيث شرح ألفية الحديث ***


الْمُتَّفِقُ والْمُفْتَرِقُ

926- ولهمُ الْمُتَّفْقُ والْمُفْتَرِقُ *** ما لَفْظُهُ وَخَطُّهُ مُتَّفِقُ

927- لكنْ مُسَمَّيَاتُهُ لعِدَّهْ *** نحوُ ابنِ أحمدَ الخليلِ سِتَّهْ

928- وأحمدُ بنُ جَعفرٍ وجَدُّهُ *** حَمدانُ هم أربعةٌ تَعُدُّهُ

929- ولَهُمُ الْجَوْنِي أبو عِمْرَانَا *** اثنانِ والآخَرُ مِن بَغْدَانَا

930- كذا مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ *** هما مِن الأنصارِ ذو اشْتِبَاهِ

931- ثم أبو بكْرِ بنُ عَيَّاشٍ لَهُمْ *** ثلاثةٌ قد بَيَّنُوا مَحَلَّهُمْ

932- وصالِحٌ أربعةٌ كُلُّهُمُ *** ابنُ أبي صالِحٍ اتْبَاعٌ هُمُ

933- ومنه ما في اسْمٍ فقَطْ ويُشْكِلُ *** كنحْوِ حمَّادٍ إذا ما يُهْمَلُ

934- فإنْ يَكُ ابنُ حَرْبٍ او عارِمُ قَدْ *** أَطْلَقَهُ فَهْوَ ابنُ زَيدٍ أو وَرَدْ

935- عن التَّبُوذَكِيِّ أو عَفَّانِ *** أو ابنِ مِنْهَالٍ فَذَاكَ الثانِي

936- ومنه ما في نَسَبٍ كالْحَنَفِي *** قَبيلاً او مَذْهَباً او بِالْيَا صِفِ

‏(‏المُتَّفِقُ والمُفْتَرِقُ‏)‏ وهي نوعٌ جليلٌ يَعْظُمُ الانتفاعُ به، صَنَّفَ فيه الخطيبُ كتاباً نفيساًَ شرَعَ شيخُنا في تلخيصِه فكَتَبَ منه حَسْبَما وقَفْتُ عليهِ يَسِيراً معَ قولِه في شرحِ النُّخْبةِ‏:‏ إنَّه لَخَّصَه وزادَ عليهِ أشياءَ كَثِيرةً، وقد شَرَعْتُ في تكملتِه معَ استدراكِ أشياءَ فاتَتْه، وفائدةُ ضَبْطِه‏:‏ الأمنُ من اللَّبْسِ، فرُبَّما ظَنَّ الأشخاصُ شَخْصاً واحداً عَكْسَ المذكورِ بنعوتٍ مُتعَدِّدةٍ، الماضي شَرْحُه‏,‏ وإنَّ للخطيبِ فيه

‏(‏المُوَضَّحَ لأوهامِ الجَمْعِ والتفريقِ‏)‏، ورُبَّما يكونُ أحدُ المُشتَرِكَيْنِ ثقةً والآخرُ ضعيفاً‏,‏ فيُضَعَّفُ ما هو صَحِيحٌ‏,‏ أو يُصَحَّحُ ما هو ضَعِيفٌ‏.‏

‏(‏ولهمُ‏)‏ أي‏:‏ للمُحدِّثِينَ ‏(‏المُتِّفِقُ‏)‏ و ‏(‏المُفْتَرِقُ‏)‏ من الأسماءِ والأنسابِ ونحوِهما‏,‏ وهو ‏(‏مَا لَفْظُه وخَطُّه مُتَّفِقُ لكنْ‏)‏ مُفترِقٌ إذ كانتْ ‏(‏مُسَمَّيَاتُهُ لعِدَّهْ‏)‏ وهو من قَبِيلِ ما يُسَمِّيهِ الأصوليُّونَ المُشترِكَ- أعني اللفظيَّ لا المعنويَّ- بل لهم في البلدانِ المشترِكُ وَضْعاً‏,‏ والمُفترِقُ صقعاً، وقد زَلَّ فيه جماعةٌ من الكبارِ كما هو شأنُ المُشترِكُ اللفظيُّ في كلِّ عِلْمٍ، والمُهِمُّ منه مَن يَكُونُ في مَظِنَّةِ الاشتباهِ لأجلِ التعاصُرِ أو الاشتراكِ في بعضِ الشيوخِ أو في الرواةِ‏,‏ ويَنْقَسِمُ إلى ثمانيةِ أقسامٍ‏:‏

الأولُ‏:‏ أنْ تَتَّفِقَ أسماؤُهم وأسماءُ آبائِهم خَاصَّةً نحوُ خَالِدِ بنِ الوليدِ اثنانِ في الصحابةِ؛ أشْهَرُهما القُرَشِيُّ المخزوميُّ المُلَقَّبِ سيفَ اللهِ، والآخرُ أنصاريٌّ شَهِدَ صِفِّينَ معَ عليٍّ وأبْلَى فيها بلاءً شديداً، وكذا فيمَن اسمُه خَالِدُ بنُ الوليدِ مَن أدْرَكَ الجاهليَّةَ وذُكِرَ لذلك في الصحابةِ، ولكنِ الصحيحُ أنَّه تابعِيٌّ وآخَرُ مُتأخِّرٌ عنهم، ولكنَّ الوليدَ جَدُّه إِلاَّ أنَّه وقَعَ في بعضِ الرواياتِ مَنسوباً إليه، وليسَتْ هذه الترجمةُ بكمالِها عندَ الخطيبِ‏.‏

ومالِكُ بنُ أَنَسٍ اثنانِ‏:‏ إمامُ المَذْهَبِ، وآخَرُ كُوفِيٌّ مُقِلٌّ قريبُ الطبقةِ منه‏,‏ لا يُؤْمَنُ التباسُه به على مَن لا خِبْرةَ له بالرجالِ، ومِن العجيبِ أنَّ الإمامَ سَمِعَ منه شيخُه الزُّهْرِيُّ حديثَ الفُرَيْعةِ‏,‏ ورواهُ عنه قائلاً‏:‏ حَدَّثَنِي فَتًى يقالُ له‏:‏ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ‏.‏ فقالَ بعضُ المُتأخِّرِينَ‏:‏ إنَّه مَن رَأَى مَالِكَ بنَ أنسٍ، وهو غيرُ مُتبَحِّرٍ في هذا الشأنِ‏,‏ جزَمَ بأنَّه الإمامُ‏,‏ وليسَ كذلك‏.‏

و‏(‏نحوُ ابنِ أحمدَ الخليلِ سِتَّهْ‏)‏ حَسْبَما ذَكَرَهم ابنُ الصلاحِ، اقتصَرَ منهم الخَطِيبُ على الأوَّلِينَ، فالأولُ اسمُ جَدِّه عمرُو بنُ تَمِيمٍ أبو عبدِ الرحمنِ الأزْدِيُّ الفَرَاهِيدِيُّ البَصْرِيُّ النحْوِيُّ صاحِبُ العروضِ وأوَّلُ مَن استخرَجَه، وكتابِ العينِ في اللُّغةِ وشيخُ سِيبوَيْهِ، كانَ مَوْلِدُه في سَنَةَ مائةٍ، يَرْوِي عن عاصمٍ الأحولِ وآخَرِينَ‏,‏ ذكَرَه ابنُ حِبَّانَ في الثقاتِ، وماتَ سَنَةَ سِتِّينَ أو بِضْعٍ وسِتِّينَ أو سبعينَ أو خمسٍ وسبعينَ ومائةٍ، وكانَ أبوه أوَّلَ مَن تَسَمَّى في الإسلامِ أحمدَ فيما قَالَه أبو بكرِ بنُ أبي خَيْثَمَةَ والمُبَرِّدُ، وعزَاه شيخُنا كما سيأتي قريباً؛ لاتِّفاقِ المُحَدِّثِينَ‏,‏ وتَعَقَّبَه بأحمدَ بنِ حفصِ بنِ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيِّ زَوْجِ فاطمةَ ابنةِ قَيْسٍ‏,‏ والمُكَنَّى بأبي عمرٍو، فقد سَمَّاه كذلك النسائيُّ عن إبراهيمَ بنِ يَعْقوبَ الجُوزْجانيُّ أنَّه سَأَلَ أبا هِشامٍ المَخْزومِيَّ وكانَ علامَّةً بأنسابِهم عنه‏,‏ وتَبِعَه الذَّهَبِيُّ، إِلاَّ أنه بكُنْيتِه أشهرُ‏,‏ بحيثُ ذكَرَه البخاريُّ فيمَن لا يُعْرَفُ اسمُه‏,‏ وبأحمدَ بنِ جَرِيرِ بنِ شِهَابٍ الأَوْسِيِّ، سَمِعَ منه الحسنُ البَصْرِيُّ حديثاً في السجودِ‏.‏

وبأحمدَ أبي محمدٍ الذي كانَ يَزْعُمُ أنَّ الوترَ واجِبٌ فيما حَكاهُ ابنُ حِبَّانَ، ولكنَّ المشهورَ أنَّه مسعودُ بنُ زَيْدِ بنِ سبيعٍ‏,‏ لا أحمدُ، وبأحمدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيِّ‏,‏ ذكَرَه الوَاقِدِيُّ فيمَن وَلَدَتْهُ أسماءُ لجعفرِ بنِ أبي طَالِبٍ الهَاشِمِيِّ‏,‏ كما حكاه أبو القاسمِ بنُ مَنْدَةَ، واستدرَكَه ابنُ فَتْحُونَ، وقالَ الذَّهَبِيُّ‏:‏ إنَّ الوَاقِدِيَّ تَفَرَّدَ به، وفيه أنَّ أسماءَ وَلَدَتْهُ بالحبشةِ‏,‏ وبأحمدَ وَالِدِ أبي السَّفْرِ سعيدٍ فيما سَمَّاهُ ابنُ مَعِينٍ‏,‏

لكنَّ الأكثرَ فيه يَحْمَدُ بالمُثنَّاِة التحتانيَّةِ بدَلَ الهمزةِ‏.‏

والثاني‏:‏ بَصْرِيٌّ اسمُ جَدِّه بِشْرُ بنُ المُستنيرِ أبو بِشْرٍ المُزَنِيِّ ويقالُ‏:‏ السُّلَمِيُّ‏.‏ روَى عنه محمدُ بنُ يَحْيَى بنِ أبي سَمِينةَ‏,‏ وعبدُ اللهِ بنُ محمدِ المُسْنَدِيُّ‏,‏ والعَبَّاسُ بنُ عبدِ العظيمِ العَنْبريُّ، ذكَرَه ابنُ حِبَّانَ أيضاً في الثِّقاتِ، ومِمَّن فَرَّقَ بينَهما غَيْرَه النَّسائِيُّ في الكُنَى وابنُ أبي حاتِمٍ والخطيبُ، وهو الظاهرُ‏,‏ كما قالَه المُؤَلِّفُ‏,‏ وقالَ شيخُنا‏:‏ إنَّه الصواب‏.‏ قالَ- وقول الخَطِيبُ-‏:‏ إنَّ المُسْنَدِيَّ ما أدرَكَ الأولَ‏.‏ وهو ظاهِرٌ بالنسبةِ إلى ما أرَّخَ به وفاةَ الأولِ؛ لأنَّ مُقْتضاهُ أنْ يَكُونَ أقدمَ شيخٍ للمُسْنَدِيِّ، وهو فُضَيلُ بنُ عِيَاضٍ، ماتَ بعدَ الخليلِ بمُدَّةٍ طويلةٍ تَزِيدُ على عَشَرَةِ سِنِينَ، لكنَّ البخاريَّ أعلَمُ بشيخِه المُسْنَدِيِّ من غيرِه‏,‏ وقدْ أثْبَتَه في الرواةِ عن الأولِ، هذا معَ أنَّ شيخَنا جَنَحَ إلى الافتراقِ؛ لكونِ اشتراكِه في الروايةِ عنهما لا يَمْنَعُه‏,‏ ويَتأيَّدُ بافتراقِهما في اسمِ الجَدِّ‏.‏

والثالِثُ‏:‏ بَصْرِيٌّ أيضاً يَرْوِي عن عِكْرِمَةَ، ذكَرَه أبو الفَضْلِ الهَرَوِيُّ الحافِظُ في كتابِه ‏(‏مُشْتَبِهِ أسماءِ المُحَدِّثِينَ‏)‏ فيما حَكاهُ ابنُ الجَوْزِيِّ في تَلْقِيحِه عن خَطِّ شيخِه عبدِ الوَهَّابِ الأنماطيِّ عنه، قالَ المُصنِّفُ‏:‏ وأخْشَى أنْ يَكُونَ الأولَ؛ فإِنَّه روَى عن غيرِ واحدٍ من التابِعِينَ‏.‏ بل قالَ شيخُنا‏:‏ أخْلَقُ بهِ أنْ يَكُونَ غلطاً؛ فإنَّ أقدمَ مَن يُقالُ له‏:‏ الخليلُ بنُ أحمدَ‏.‏ الأوَّلُ، ولم يذكُرْ أحدٌ في ترجمتِه أنَّه لَقِيَ عِكْرِمَةَ‏,‏ بل ذَكَروا أنَّه لَقِيَ أصحابَ عِكْرِمَةَ؛ كأيُّوبَ السِّخْتِيانِيِّ، فلَعلَّ الراوِيَ عنه أسقَطَ الواسطةَ بينَه وبينَ عكرمةَ‏,‏ فظَنَّه أبو الفضلِ آخرَ غيرَ الأولِ، وليسَ كما ظَنَّ؛ لأنَّ أصحابَ الحديثِ اتَّفَقوا على أنه لم يُوجَدْ أحدٌ تَسَمَّ أحمدَ مِن بعدِ قرنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إِلاَّ وَالِدُ الأولِ‏,‏ يعني كما تَقدَّمَ معَ ما فيه‏.‏

والرابِعُ‏:‏ اسمُ جَدِّه محمدُ بنُ الخليلِ أبو سَعِيدٍ السِّجْزِيُّ الفَقِيهُ الحَنَفِيُّ قاضي سَمَرْقَنْدَ حَدَّثَ عن ابنِ خُزَيْمَةَ وابنِ صاعدٍ والبغويِّ وغيرِهم، سَمِعَ منه الحاكمُ‏,‏ وذَكَرَه في ‏(‏تاريخِ نَيْسَابُورَ‏)‏، ماتَ بسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ ثمانٍ وسَبْعِينَ وثلاثمائةٍ‏.‏

والخامسُ‏:‏ اسمُ جَدِّه أيضاً محمدُ بنُ أحمدَ، ويُكَنَّى أيضاً أبا سعيدٍ‏,‏ البُسْتِيُّ المُهَلَّبِيُّ الشافعِيُّ القاضي‏,‏ ذكَرَ ابنُ الصلاحِ أنَّه سمِعَ من الذي قبلَه ومن أحمدَ بنِ المُظَفَّرِ البَكْرِيِّ وغيرِهما، حَدَّثَ عنه البيهقيُّ‏.‏

والسادِسُ‏:‏ اسمُ جَدِّه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ، ويُكَنَّى أيضاً أبا سعيدٍ‏,‏ وهو أيضاً بُسْتِيٌّ فَقِيهٌ شَافِعِيٌّ، فاشترَكَ معَ الذي قبلَه في أشياءَ؛ ولذا جَوَّزَ المُصنِّفُ أنْ يكونَ هو إِيَّاه‏,‏ ولكنَّ ابنَ الصلاحِ قد فَرَّقَ بينَهما، وقدْ ذكَرَه الحُمَيديُّ في تاريخِ الأندَلُسِ المُسَمَّى بالجَذْوَةِ، وابنُ بَشْكُوالَ في الصلةِ، وقالَ‏:‏ إنَّه قَدِمَ الأندلُسَ من العراقِ في سنةِ اثنتيْنِ وعِشْرِينَ وأربعمائةٍ، ورَوَى عن أبي مُحمدِ بنِ النَّحَّاسِ بمِصْرَ وأبي سَعِيدٍ المالينيِّ وأبي حامِدٍ الاسفرائينيِّ وغيرِهم، وحَكَى عن أبي مُحمدِ بنِ خَزْرَجَ أنَّ مَوْلِدَه سنةَ سِتِّينَ وثَلاثِمائةٍ، وروَى عنه أبو العَبَّاسِ أحمدُ بنُ عُمَرَ العُذْرِيُّ‏,‏ وكانَ أَدِيباً نَبِيلاً ثَبَتاً صَدوقاً مُتصَرِّفاً في علومٍ‏.‏

هكذا اقتصَرَ ابنُ الصلاحِ على سِتَّةٍ، ولكنَّ الراويَ عن عِكْرمةَ السابِقَ‏,‏ الترَدُّدُ فيه لم يقَعْ عندَه، وإنَّما عندَه بدَلَه آخرُ، أصبهانيٌّ رَوَى عن رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ‏,‏ وهو وَهْمٌ تَبِعَ فيهِ ابنَ الجوزيِّ، وهو تَبِعَ أبا الفضلِ الهَرَوِيَّ، والصوابُ في اسمِ أبيهِ محمدٌ‏,‏ لا أحمدُ‏,‏ فكذلك هو في تَارِيخَيْ أصبهانَ لأبي الشيخِ وأبي نُعَيمٍ، وهو أبو العَبَّاسِ العِجْلِيُّ‏,‏ ورَوَى ابنُ حِبَّانَ في النوعِ التاسعِ والمائةِ من القسمِ الثاني من صَحيحِه عن الخَليلِ بنِ أحمدَ بوَاسِطَ عن جابرِ بنِ الكُرْدِيِّ حَدِيثاً، قالَ المُصَنِّفُ‏:‏ والظاهِرُ أنَّه ابنُ مُحَمَّدٍ أيضاً، فإنَّه سَمِعَ منه بوَاسِطَ أحاديثَ أوْرَدَها مُفرَّقَةً في كتابِه على الصوابِ، فلا يُغْتَرُّ بما وقَعَ له في هذا الموضعِ‏.‏

وزادَ المُصَنِّفُ سَابعاً، هو بَغْدَادِيٌّ رَوَى عن سَيَّارِ بنِ حَاتِمٍ‏,‏ ذكَرَه ابنُ النجَّارِ في الذيلِ‏.‏

وثامناً‏:‏ وهو أبو القاسمِ المِصْرِيُّ الشاعرُ رَوَى عنه أبو القاسمِ ابنُ الطحَّانِ الحافِظُ، وذكَرَه في ذيلِه لتاريخِ مِصْرَ، وقالَ‏:‏ ماتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وخَمْسِينَ وثلاثمائةٍ‏.‏

وتاسعاً‏:‏ اسمُ جَدِّه عَلِيٌّ ويُكَنَّى أبا طاهِرٍ الجَوْسِقِيَّ الصَّرْصَرِيَّ الخطيبَ بها، سَمِعَ من أبيهِ وابنِ البطيِّ وشَهْدَةَ وغيرِهم‏,‏ روَى عنه ابنُ النجَّارِ وابنُ الدُّبَيْثِيِّ، وذَكَراه في ذَيْلِهما، وماتَ في سنةِ أربعٍ وثَلاثِينَ وسِتِّمائةٍ‏.‏

ووجدْتُ من نَمَطِ مَن ذَكَرَهم المُؤَلِّفُ جماعةً منهم واحدٌ اسمُ جَدِّه رُوزْبَةُ حَنَفِيٌّ تَفَقَّه بأبي عبدِ اللهِ الدامغانيِّ، وسَمِعَ بأصبهانَ من أبي القاسمِ المُظفَّرِ بنِ أحمدَ الخوارزميِّ، رَوَى عنه السَّلَفِيُّ، وآخرُ شَيْبَانِيٌّ أنشَدَ الباخرزيَّ في دُمْيَةِ القصرِ لوَلَدِه المُوَفَّقِ قصيدةً مَدَحَ بها نِظَامَ المَلِكِ، ويُحَرَّرُ كونُه غيرَ المُتقَدِّمِينَ، وآخرُ سَكُونِيٌّ لبلى مَغْرِبِيٌّ ماتَ سنةَ خَمْسِينَ وخَمْسِمائةٍ، وآخرُ اسمُ جَدِّه خليلُ بنُ بَادِرِ بنِ عُمَرَ ويُكَنَّى أبا الصَّفَا من شيوخِ الدمياطيِّ‏,‏ ماتَ سَنَةَ خَمْسٍ وخمسينَ وسِتِّمائةٍ، في آخَرِينَ مِمَّن عاصَرْناهم؛ كابنِ الغرزِ الشاعرِ المُسَمَّى جَدُّه خليلاً أيضاً، وابنِ جمعةَ الحُسَينيِّ العَدْلِ، وابنِ عِيسَى القَيْمُرِيِّ وقد كَتَبَ الكمالُ ابنُ البارزيِّ على ديوانِ صاحبِ حِصْنِ كيفا العادلِ خليلِ بنِ الأشرفِ أحمدَ بنِ العادلِ سُليمانَ الأيوبيِّ‏:‏

أبْحُرُ الشِّعْرِ إِنْ غَدَتْ مِنْكَ فِي قَبْضَةِ اليَدِ *** غَيْرُ بِدْعٍ فإِنَّها للخَليلِ بنِ أحْمَدِ‏.‏

وبالجملةِ فتَتَبُّعُ المتباعِدِينَ في الطبقةِ ليسَ فيه كبيرُ طَائِلٍ، وقدْ قالَ شيخُنا في ‏(‏مُختصرِ التهذيبِ‏)‏‏:‏ وأمَّا مَن يُقالُ له‏:‏ الخليلُ بنُ أحمدَ غيرُ العَرُوضِيِّ والمُزَنِيِّ ومَن قَرُبَ مِن عَصْرِهما‏,‏ لو صَحَّ فجماعةٌ تَزِيدُ عِدَّتُهم على العَشَرةِ، قد ذَكَرْتُهم فيما كَتَبْتُه على ‏(‏علومِ الحديثِ‏)‏ لابنِ الصلاحِ، سَبَقَنِي في النُّكَتِ إلى نحوِ النصفِ‏.‏ انتهى‏.‏ وما وقَفْتُ من النكتِ المشارِ إليها إلاَّ إلى المقلوبِ خَاصَّةً‏.‏

ومن أمثلتِه أيُّوبُ بنُ سُليمانَ سِتَّةَ عَشَرَ، وإبراهيمُ بنُ يَزِيدَ ثَلاَثَةَ عشَرَ، وإبراهيمُ بنُ موسى اثنا عشَرَ، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ تِسْعةٌ، وإبراهيمُ بنُ مُسلمٍ ثَمانيةٌ،

وعُمرُ بنُ خَطَّابٍ سبعةٌ، وأنسُ بنُ مالكٍ سِتَّةٌ، وأبانُ بنُ عُثْمَانَ خَمْسَةٌ، ويَحْيَى بنُ يَحْيَى أربعةٌ، وإبراهيمُ بنُ بَشَّارٍ ثلاثةٌ، وعثمانُ بنُ عفَّانَ اثنانِ‏.‏

‏(‏و‏)‏ الثاني أنْ تَتَّفقَ أسماؤُهم وأسماءُ آبائِهم وأجدادِهم‏,‏ فمنه ‏(‏أحمدُ بنُ جَعْفَرٍ وجَدُّهُ حَمْدَانُ هُمْ أرْبَعَةٌ‏)‏ مُتعاصرونَ من طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ ‏(‏تَعُدُّهُ‏)‏ أي‏:‏ المُسَمَّى‏,‏ كذلك أشهَرُهم اسمُ جدِّ أبيهِ مالكُ بنُ شَبيبٍ، ويُكَنَّى أبا بَكْرٍ البغداديَّ القطيعيَّ، لسُكْناهُ قطيعةَ الدقيقِ‏,‏ كانَ مُسْنَدَ العراقِ في زَمَنِه، روَى عن عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ المُسْنَدَ والتأريخَ والزُّهْدَ والمسائلَ كُلَّها لأبيهِ، وأخَذَ عنه الحُفَّاظُ؛ كالدارقُطْنِيِّ وابنِ شَاهِينَ والحاكِمِ والبَرْقَانِيِّ وأبي نُعَيْمٍ‏,‏ وماتَ في ذِي الحِجَّةِ سنةَ ثَمَانٍ وسِتِّينَ وثلاثِمائةٍ عن أربعٍ وتسعينَ سَنَةً، وثانيهم اسْمُ جدِّ أبيهِ عِيسَى‏,‏ ويُكنَّى أيضاً أبا بَكْرٍ السقطيَّ البصريَّ، يَرْوِي عن عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ الدَّورقيِّ والحَسَنِ بنِ المثَنَّى العنبريِّ، وعنه أيضاً أبو نُعَيْمٍ الحافظُ وآخرونَ‏,‏ ماتَ سَنَةَ أربعٍ وسِتِّينَ وقدْ جازَ المائةَ‏,‏ وقد تَجِيءُ رِوايتُه عن الدَّوْرقيِّ غيرَ منسوبٍ فيَشْتَدُّ اشتباهُه بالأولِ، وثالثُهم يُكَنَّى أبا الحَسَنِ الطَّرَسوسيَّ، روَى عن عبدِ اللهِ بنِ جَابِرٍ ومحمدِ بنِ حَسَنٍ الطَّرَسُوسِيَّيْنِ، وعنه القاضي أبو الحسنِ الخَصِيبُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ جعفرٍ الخَصِيبِيُّ المِصْرِيُّ وغيرُه، ورابعُهم الدِّينَوَرِيُّ حَدَّثَ عن عبدِ اللهِ بنِ مُحمدِ بنِ سِنَانٍ الرَّوْحيِّ نسبةً لشيخِه رَوْحٍ لإكثارِه عنه، وعنه عَلِيُّ بنُ القاسمِ بنِ شَاذَانَ الرازيُّ وغيرِه‏.‏

ومنه محمدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ محمدِ ثلاثةٌ مُتعاصِرونَ مَاتُوا في سَنَةِ سِتِّينَ وثلاثِمائةٍ‏,‏ وهم في عشر المائةِ، أَوَّلُهم اسمُ جَدِّ أبيهِ الهَيْثَمُ بنُ عِمْرانَ أبو بكرٍ الأنْبارِيُّ البُندارُ من شيوخِ أبي نُعَيمٍ، وثانيهم اسْمُ جَدِّ أبيه كِنَانَةُ‏,‏ ويُكَنَّى أبا بَكْرٍ أيضاً البغداديُّ المُؤدِّبُ شيخٌ لبِشْريِّ بنِ عبدِ اللهِ الفاتنيِّ‏,‏ وثالثُهم اسمُ جَدِّ أبيهِ مَطَرٌ‏,‏ ويُكَنَّى أبا عمرِو بنِ مَطَرٍ النَّيسابورِيَّ الحافِظَ من شيوخِ الحاكمِ‏.‏

وفي الحُفَّاظِ اثنانِ من المائةِ الرابعةِ أيضاً مِمَّن شَارَكَهم في الاسمِ والأبِ والجَدِّ، ومَاتَا في سَنَةِ سَبْعٍ وعِشْرِينَ أَوَّلُهما وأشْهَرُها اسمُ جَدِّ أبيهِ سَهْلُ بنُ شَاكِرٍ أبو بَكْرٍ الخَرَائِطِيُّ المُصَنِّفُ الشهيرُ، والآخرُ اسْمُ جَدِّ أبيهِ نُوحٌ أبو نُعَيْمٍ البغداديُّ‏,‏ وقريبٌ من طَبَقَتِهما آخرُ اسْمُ جَدِّ أبيهِ هِشَامُ بنُ قَسِيمِ بنِ ملاسٍ أبو العَبَّاسِ النُّمَيْرِيُّ الدِّمَشقِيُّ المُحَدِّثُ صاحبُ الجزءِ الشهيرِ‏,‏ ماتَ في سنةِ ثمانٍ وعشرينَ‏,‏ وقبلَهما بيَسيرٍ آخرُ اسمُ جَدِّ أبيهِ خازمٌ‏,‏ ويُكَنَّى أبا جعفرٍ الخازميَّ الجُرْجَانِيَّ أحَدَ أئمَّةِ الشافعيَّةِ من أصحابِ ابنِ سُرَيْجٍ‏,‏ ماتَ سَنَةَ أربعٍ وعِشْرِينَ‏,‏ وكذا في الرواةِ آخرُ اسمُ جَدِّ أبيهِ كامِلٌ أبو العَبَّاسِ الحَضْرَمِيُّ، ماتَ سَنَةَ إحْدَى وأربعِينَ، وآخرُ اسمُ جَدِّ أبيهِ جَعْفَرُ بنُ الحَسَنِ أبو الحَسَنِ العَلَوِيُّ، ويُعْرَفُ بأبي قيراطٍ، ماتَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ، وآخرُ اسمُ جَدِّ أبيهِ فَضالةُ بنُ عبدِ الملكِ أبو بَكْرٍ البغداديُّ القارِئُ، ماتَ في سنةِ ثَمانٍ وأربعينَ، وآخرانِ في حدودِ الأربعينَ اسمُ جَدِّ أبي أحَدِهما عصامٌ الأنصاريُّ النَّسَفِيُّ، والآخرُ المُستفاض أبو الحَسَنِ الفِرْيَابِيُّ في آخرين بعدَ ذلك وقبلَه مِمَّن كُلُّهم من المائةِ الرابعةِ‏,‏ لا نُطِيلُ بهم‏.‏

ومثلُ هذا القسمِ لكنْ معَ الاشتراكِ في النسبةِ أيضاً مِمَّا يَحْسُنُ أنْ يَكُونَ قِسْماً آخرَ؛ كمحمدِ بنِ يَعْقوبَ بنِ يُوسُفَ النَّيْسابوريِّ، اثنانِ في عصرٍ واحدٍ يَرْوِي الحاكِمُ عنهما؛ أحَدُهما أبو العَبَّاسِ الأصَمُّ، والآخرُ أبو عَبْدِ اللهِ بنِ الأخرمِ الشَّيبَانِيُّ الحَافِظُ، ومحمدُ بنُ أحمدَ بنِ عمرَ السعوديُّ، اثنانِ‏:‏ أحدُهما شافعيٌّ أخذْتُ عنه، والآخرُ حَنَفِيٌّ أخَذَ عنه الفِقْهَ بعضُ مَن أخذْتُ عنه، وهو أقدمُ وفاةً من الأولِ، ومعَ ذلك فقد أدخَلَ بعضُ أصحابِنا شيئاً من مسموعِه في سماعاتِ الأولِ‏,‏ ونَبَّهْتُ على ذلك في ترجمتِه‏.‏

والثالثُ‏:‏ أنْ تَتَّفِقَ الكُنيةُ والنسبةُ معاً ‏(‏وَلَهُمُ‏)‏ أي‏:‏ للمُحدِّثِينَ في أمثلتِه ‏(‏الجَوْنِي‏)‏ بفتحِ الجيمِ ثم واوٍ سَاكِنَةٍ ثم نُونٍ ‏(‏أبو عِمْرَانَا اثنانِ‏)‏ كلٌّ منهما بصريٌّ‏,‏ أحَدُهما اسمُه عبدُ الملكِ بنُ حَبِيبٍ تَابِعِيٌّ شَهِيرٌ‏,‏ ماتَ قبلَ الثلاثِينَ ومائةٍ‏,‏ ‏(‏والآخَرُ مِن بَغْدَانَا‏)‏ بنونٍ بعدَ معجمةٍ على إحْدَى اللغاتِ في بغدادَ، مدينةُ السلامِ وقُبَّةُ الإسلامِ ودَارُ الإمامِ فيما مَضَى من الأيَّامِ، واسْمُه مُوسَى بنُ سَهْلِ بنِ عبدِ الحميدِ، رَوى عن الربيعِ بنِ سُلَيمانَ وطَبَقَتِه، وعنه الإسماعيليُّ والطبرانيُّ في آخرينَ‏,‏ لكنَّهما معَ تَباعُدِهما نِسْبَتُهما مختلفةٌ، فالأولُ للجَوْنِ بطنٌ من الأزدِ‏,‏ والآخرُ ووُرُودُه كذلك قليلٌ تخفيفاً‏,‏ وإلاَّ فالأكثرُ فيه الجُوَيْنِيُّ بالتصغيرِ نسبتُه إلى ناحيةٍ‏,‏ وكذا من أمثلتِه أبو سُلَيمانَ الدَّارَانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ العَنْسيُّ اثنانِ‏,‏ أقْدَمُهما عبدُ الرحمنِ بنُ سُلَيمانَ بن أبي الجَوْنِ، بَقِيَ إلى قريبِ التسعينَ ومائةٍ، والآخرُ وهو الزاهِدُ الشهيرُ‏,‏ اسمُه أيضاً عبدُ الرحمنِ بنُ أحمدَ بنِ عَطِيَّةَ، تَعاصَرَ معَ الأولِ، فإنَّ مَوْلِدَه في حدودِ الأربعينَ ومِائةٍ أو قبلَ ذلك، وماتَ سَنَةَ اثنتي عشْرَةَ ومائتيْنِ، وكذا من أمثلتِه أبو عُمَرَ الحَوْضيُّ اثنانِ‏,‏ ذكَرَهما الخطيبُ‏.‏

‏(‏كذا‏)‏ أي‏:‏ مِمَّا هو مُتَّفَقٌ معَه في الاسمِ في الجملةِ وفي النسبةِ وهو الرابِعُ ‏(‏محمدُ بنُ عبدِ اللهِ، هُمَا من الأنصارِ‏)‏‏,‏ أحَدُهما بالنسبِ‏,‏ واسمُ جَدِّه المُثَنَّى بنُ عبدِ اللهِ بنِ أنسِ بنِ مالكٍ أبو عبدِ اللهِ القاضي الثِّقةُ صاحبُ الجزءِ العالي الشهيرِ وشيخُ البخاريِّ، ماتَ سنةَ خَمسَ عَشْرَةَ ومائتيْنِ عن سَبْعٍ وتسعينَ سنةً، والآخرُ بالولاءِ واسْمُ جَدِّه زِيادُ أبو سَلَمَةَ ضعيفٌ جِدًّا مُقِلٌّ يُقالُ‏:‏ إنَّه جازَ المائةِ‏.‏ وهما لانتسابِهما كذلك، بل ولكونِهما من البصرةِ، واشْتَرَكا في الروايةِ عن حُمَيدٍ الطويلِ وسليمانَ التيميِّ ومالكِ بنِ دينارٍ وقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ‏,‏ ‏(‏ذو اشتباهِ‏)‏ ومن أجلِ ذلك اقتصَرَ ابنُ الصلاحِ تَبَعاً للخطيبِ عليهما‏,‏ وإِلاَّ فلأوَّلِهما قريبٌ شَارَكَه في الاسمِ والأبِ والنسبةِ، وفي كونِه بَصْرِيًّا غيرَ أنَّه مِمَّن رَوَى عنه فهو مُتأخِّرٌ، واسمُ جدِّه حَفْصُ بنُ هِشَامِ بنِ زَيدِ بنِ أنسِ بنِ مالكٍ‏,‏ رَوَى عنه ابنُ مَاجَهْ وابنُ صَاعِدٍ وآخرونَ، ووَثَّقَه ابنُ حِبَّانَ، وكذا في الرُّواةِ آخَرُ إِلاَّ أنَّه مُتقدِّمٌ على الأوَّلِينَ فضلاً عن الثالثِ، تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ اسمُ جَدِّه زَيْدُ بنُ عبدِ رَبِّه، حَدِيثُه عندَ مسلمٍ‏,‏ ووَثَّقَه ابنُ حِبَّانَ والعِجْلِيُّ‏.‏

والخامسُ‏:‏ ولم يُفْرِدْه ابنُ الصلاحِ، بل أدْرَجَه في الثالثِ؛ لكونِه كما قالَ مِمَّا يُقارِبُه أنْ تَتَّفِقَ كُناهم وأسماءُ آبائِهم؛ كأبي بكرِ بنِ عبدِ اللهِ جَماعَةَ‏,‏ ‏(‏ثُمَّ أبو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ‏)‏ بالمُثنَّاةِ التحتانيَّةِ والشينِ المعجمةِ‏,‏ ‏(‏لَهُمْ‏)‏ أي‏:‏ للمُحَدِّثِينَ من الرواةِ كذلك ‏(‏ثَلاثَةٌ‏)‏ فقط لا رَابِعَ لهم‏,‏ ‏(‏قَدْ بَيَّنُوا مَحَلَّهُمْ‏)‏ أي‏:‏ في مَحلِّهِم، أَوَّلُهم الكوفيُّ القارئُ الشهيرُ راوي قراءةِ عاصمٍ‏,‏ واسمُ جَدِّه سالِمٌ الذي أسْلَفْتُ في الكُنَى الخلافَ في اسمِه‏,‏ وكونُ الصحيحِ أنَّ اسمَه كُنْيَتُه وأنَّه عُمِّرَ نحوَ مائةِ سنةٍ، وثانيهم حِمْصِيٌّ يَروِي عن عثمانَ بنِ شِبَاكٍ الشاميِّ، وعنه جَعْفَرُ بنُ عبدِ الواحدِ الهَاشِمِيُّ، وقالَ الخَطِيبُ‏:‏ إنَّه هو وشيخَه مجهولانِ‏,‏ والراوي عنه كانَ غيرَ ثِقَةٍ‏,‏ وثالثُهم سُلَمِيٌّ مولاهم باجدائيٌّ، واسمُه حُسَيْنٌ‏,‏ له مُصَنَّفٌ في الغريبِ كما أسلفتُه فيه‏,‏ رَوَى عن جعفرِ بنِ بُِرْقانَ، وعنه عَلِيُّ بنُ جَمِيلٍ الرقيُّ وغيرُه، قالَ الخطيبُ‏:‏ وكانَ فَاضِلاً أدِبياً، ماتَ سنَةَ أربعٍ ومائتيْنِ بباجدا، قالَه هلالُ بنُ العَلاءِ‏.‏

والسادِسُ ضِدُّ ما قبلَه‏,‏ وهو أنْ تَتَّفِقَ أسماؤُهم وكُنَى آبائِهم، ‏(‏و‏)‏ منه ‏(‏صَالِحٌ أربعةٌ كُلُّهُمُ ابنُ‏)‏ أي‏:‏ كلٌّ منهم وَلَدُ ‏(‏أَبِي صَالِحٍ اتْبَاعٌ‏)‏ بالنقْلِ ‏(‏هُمُ‏)‏‏,‏ فأوَّلُهم أبو محمدٍ المَدَنِيُّ مَوْلَى التوأمةِ ابنةِ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ الجُمَحِيِّ، واسمُ أبي صالِحٍ نَبْهانُ، وقيلَ‏:‏ إنَّ نَبْهانَ جَدُّه‏,‏ فعن أبي زُرْعَةَ قالَ‏:‏ هو صَالِحُ بنُ صَالِحِ بنِ نَبْهَانَ، ونَبْهَانُ يُكَنَّى أبا صَالِحٍ‏.‏ وكذا قالَ ابنُ أبي حَاتِمٍ‏:‏ نَبْهَانُ أبو صَالِحٍ مَوْلَى التوأمةِ‏,‏ هو جَدُّ صالحٍ مَوْلَى التوأمةِ؛ لأنَّه صَالِحُ بنُ صَالِحِ بنِ أَبِي صَالِحٍ‏.‏ قالَ شَيْخُنا‏:‏ ولم أرَ هذا لغيرِه‏.‏ كذا قالَ يَرْوِي عن جماعةٍ من الصحابةِ، واختُلِفَ في الاحتجاجِ به، ماتَ سَنَةَ خَمْسٍ وعشرينَ ومِائةٍ، وثانيهم أبو عبدِ الرحمنِ المَدَنِيُّ السمَّانُ، واسمُ أبي صالِحٍ ذَكْوانُ يروي عن أنسٍ‏,‏ وحديثُه عندَ مُسلِمٍ والتِّرْمِذِيِّ، وثالثُهم السَّدُوسيُّ، يَرْوِي عن عَلِيٍّ وعائشةَ، وعن خَلاَّدِ بنِ عَمْرٍو‏,‏ ذكَرَه البخاريُّ في تاريخِه وابنُ حِبَّانَ في ثِقاتِه، ورابعُهم الكُوفِيُّ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ المخزوميِّ‏,‏ واسمُ أبي صالحٍ مِهْرانُ، يَرْوِي عن أبي هُرَيرةَ، وعنه أبو بَكْرِ بنِ عَيَّاشَ، وحديثُه عندَ التِّرْمِذِيِّ، ذكَرَه البخاريُّ في تاريخِه وابنُ حِبَّانَ في ثِقَاتِه‏,‏ وضَعَّفَه ابنُ مَعِينٍ، وجَهَّلَه النسائيُّ، ولم يذكُرْه الخطيبُ، وفيمَن بعدَ هؤلاءِ الأربعةِ آخرُ أَسَدِيٌّ يَرْوِي عن الشَّعْبِيِّ، وعنه زكريَّا بنُ أبي زَائِدَةَ‏,‏ حديثُه في النسائيِّ، وذكَرَه البخاريُّ في تاريخِه، وتَرَكَه ابنُ الصلاحِ تَبَعاً للخطيبِ؛ لتأخُّرِه‏,‏ لا سِيَّما وبعضُهم سَمَّى والدَه صالحاً، لكنْ قالَ البخاريُّ‏:‏ إنَّ الأولَ أصَحُّ‏.‏ وكذا بعدَهم آخرُ يَرْوِي عن عبدِ خيرٍ، وعنه عَطَاءُ بنُ مسلمٍ الخَفَّافُ، ذكَرَه ابنُ أبي حَاتِمٍ وابنُ حِبَّانَ في الثِّقَاتِ، وفرَّقَ بينَه وبينَ الذي قبلَه، وهو الظاهرُ كما قالَ شيخُنا‏.‏

‏(‏ومنه‏)‏ أي‏:‏ هذا النوعِ وهو سَابِعُ الأقسامِ ‏(‏ما‏)‏ الاتِّفاقُ فيهِ ‏(‏في اسمٍ‏)‏ أو في كُنْيةٍ أو في نِسْبةٍ ‏(‏فقَطْ‏)‏ ويقَعُ في السَّنَدِ منهم واحدٌ باسمِه أو بكُنْيَتِه أو بنِسْبَتِه خَاصَّةً مهما مَن ذُكِرَ أبيهِ أو غيرُه مِمَّا يَتميَّزُ به عن المشاركةِ له فيما ورَدَ به فيُلْتَبَسُ ‏(‏ويُشْكِلُ‏)‏ مَرَّ فيه، وللخطيبِ فيه بخُصوصِه كتابٌ مُفِيدٌ سَمَّاهُ ‏(‏المُكْمَلَ في بيانِ المُهْمَلِ‏)‏؛ ولذا كانَ حَقُّه أنْ يُفْرَدَ بنوعٍ مُستقِلٍّ خُصوصاًَ، وقدْ قالَ شيخُنا‏:‏ إنَّه عَكْسُ المُتَّفِقِ والمُفْتَرِقِ في كونِه يُخْشَى منه ظَنُّ الواحدِ اثنيْنِ‏,‏ ‏(‏كنحوِ حَمَّادٍ إِذَا ما يُهْمَلُ‏)‏ من نسبةٍ أو غيرِها‏,‏ ولكنَّ ذلك يَتمَيَّزُ عندَ أهلِ الحديثِ بحَسَبِ مَن أطْلَقَه‏,‏ ‏(‏فإنْ يَكُ ابنُ حَرْبٍ‏)‏ هو سليمانُ ‏(‏او عَارِمُ‏)‏ بمُهملتيْنِ، وهو لَقَبٌ لمحمدِ بنِ الفضلِ السَّدُوسِيِّ شيخِ البخاريِّ ‏(‏قَدْ أطْلَقَهُ‏)‏ أي‏:‏ مُهْمَلاً ‏(‏فَهْوَ‏)‏ كما قالَ محمدُ بنُ يَحْيَى الذهليُّ والرَّامَهُرْمُزِيُّ ثم المِزِّيُّ ‏(‏ابنُ زَيْدٍ‏)‏ حَمَّادٌ ‏(‏أوْ وَرَدْ‏)‏ مطلقاً أيضاً ‏(‏عن‏)‏ واحدٍ من أبي سَلَمةَ مُوسَى بنِ إسماعيلَ ‏(‏التَّبُوذَكِيِّ‏)‏ بفتحِ المثنَّاةِ الفوقانيَّةِ وضَمِّ المُوحَّدَةِ وفتحِ الذالِ المعجمةِ، نِسْبةً في البصرةِ؛ لبيعِ السَّماذِ‏,‏ بفتحِ المهملةِ وآخرَه معجمةٌ، وهو السَّرْجِينُ والرَّمادُ يُسَمَّدُ به الأرضُ‏.‏

وقالَ ابنُ نَاصِرٍ‏:‏ هو عندَنا الذي يَبِيعُ ما في بُطونِ الدَّجاجِ من الكَبِدِ والقلبِ والقانصةِ، وكانَ يقولُ‏:‏ لا جُوزِيَ خيراً مَن نَسَبَنِي كذلك، أنا مَوْلَى لبَنِي مِنْقَرٍ، وإِنَّما نزَلَ داري قومٌ من أهلِها فنُسِبَتْ كذلك، وقالَ ابنُ أبي حَاتِمٍ‏:‏ إنَّه اشتَرَى بها دَاراً فنُسِبَتْ إليه‏,‏ ‏(‏أو‏)‏ عن ‏(‏عَفَّانِ‏)‏ هو ابنُ مسلمٍ الصَّفَّارُ ‏(‏أو ابنِ مِنْهالٍ‏)‏ هو حَجَّاجٌ أو عن هُدْبَةَ بنِ خَالِدٍ، ولكنْ لم يذكُرْه ابنُ الصلاحِ‏,‏ ولا نَظَمَه المُؤَلِّفُ‏,‏ ‏(‏فذَاكَ الثَّانِي‏)‏ أي‏:‏ حمادُ بنُ سَلَمَةَ المطويُّ في الذكْرِ‏,‏ ووُصِفَ بالثاني؛ لتأخُّرِه عن ابنِ زَيْدٍ بالإشارةِ وإِلاَّ فابنُ سَلَمَةَ أقدمُ وَفاةً منه، ومِمَّن نَصَّ على أنَّه المرادُ من التَّبُوذِكِيِّ، والرَّامَهُرْمُزِيِّ، وكذا ابنُ الجَوْزِيُّ، وزادَ أنَّ التَّبُوذكيَّ لا يَرْوِي إلاَّ عنه خاصَّةً، ومن ابنِ مِنهالٍ الذهليِّ والرامَهُرْمُزيِّ والمِزِّيِّ، ومن عَفَّانَ هو نَفْسُه كما رَواهُ الذهليُّ عنه‏,‏ ومَشَى عليه المِزِّيُّ، وقالَ المُصَنِّفُ‏:‏ إنَّه الصوابُ‏.‏ وقولُ الرَّامَهُرْمُزِيِّ‏:‏ إنَّه يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ أحَدَهما‏.‏ وإنْ كانَ صحيحاً في حَدِّ ذاتِه لا يَجِيءُ بعدَ نَصِّهِ على اصطلاحِه وإنْ مَشَى عليهِ ابنُ الصلاحِ بحكايةِ قوليْنِ ومن هديةِ المِزِّيِّ، وقد نَظَمَه البُرْهانُ الحَلَبِيُّ تلميذُ الناظمِ فقالَ‏:‏

كَذَا إِذَا أطْلَقَهُ هَدَّابُ *** هُوَ ابنُ خَالِدٍ فَلاَ يُرْتَابُ‏.‏

ومن أمثلةِ ذلك كما عندَ ابنِ الصلاحِ‏:‏ إطلاقُ عبدِ اللهِ وحُكِيَ عن سَلَمَةَ بنِ سُلَيْمانَ أنَّه حَدَّثَ يوماً فقالَ‏:‏ أنا عبدُ اللهِ‏.‏ فقيلَ له‏:‏ ابنُ مَن‏؟‏ فقالَ‏:‏ يا سبحانَ اللهِ‏,‏ أمَا تَرْضَوْنَ في كلِّ حديثٍ حَتَّى أقولَ‏:‏ ثنا عبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ أبو عَبْدِ الرحمنِ الحَنْظَلِيُّ الذي منزِلُه في سِكَّةِ صُغْدٍ، ثم قالَ سَلَمَةُ‏:‏ إذا قِيلَ‏:‏ عبدُ اللهِ بمَكَّةَ‏,‏ فهو ابنُ الزُّبَيْرِ أو بالمدينةِ فابنُ عُمَرَ، أو بالكوفةِ فابنُ مَسعودٍ، أو بالبصرةِ فابنُ عَبَّاسٍ، أو بخُرَاسَانَ فابنُ المُبارَكِ، قالَ ابنُ الصلاحِ‏:‏ وقالَ الحافِظُ أبو يَعْلَى الخليليُّ القَزْوينِيُّ‏:‏ إذا قالَه البصْرِيُّ فابنُ عَمرِو بنِ العاصِ أو المَكِّيُّ فابنُ عبَّاسٍ‏.‏ انتهى‏.‏

فاختَلَفَ القولانِ في إطلاقِ البصْرِيِّ والمَكِّيِّ، وقالَ النضْرُ بنُ شُمَيْلٍ‏:‏ إذا قالَه الشاميُّ فابنُ عَمرِو بنِ العاصِ‏,‏ أو المَدَنِيُّ فابنُ عُمَرَ، قالَ الخَطِيبُ‏:‏ وهذا القولُ صحيحٌ‏.‏ قالَ‏:‏ وكذلك يفعَلُ بعضُ المِصْرِيِّينَ في ِإطلاقِ عبدِ اللهِ وإرادتِه ابنَ عمرِو بنِ العاصِ، وإطلاقِ شعبةَ أبا جَمْرَةَ عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ فإنَّه يُرِيدُ نصْرَ بنَ عِمْرانَ الضبعيَّ، وهو بالجيمِ والراءِ، وإنْ كانَ يروي عن سبعةٍ مِمَّن يَرْوِي عن ابنِ عَبَّاسٍ كلُّهم بالحاءِ المهملةِ والزاءِ؛ لأنه إذا أرادَ واحداً منهم بَيَّنَه ونسَبَه‏,‏ كما نقَلَه ابنُ الصلاحِ عن بعضِ الحُفَّاظِ، ويَتَبَيَّنُ المهملُ ويَزُولُ الإشكالُ عندَ أهلِ المعرفةِ بالنظرِ في الرواياتِ، فكثيراً ما يأتي مُمَيَّزاً في بعضِها، أو باختصاصِ الراوي بأحَدِهما؛ إمَّا بأنْ لم يَرْوِ إلاَّ عنه فقط؛ كأحمدَ بنِ عَبْدَةَ الضَّبِّيِّ، وقُتَيبةَ ومُسَدَّدٍ، وأبي الربيعِ الزهرانيِّ؛ فإنهم لم يَرْووا إلاَّ عن حَمَّادِ بنِ زَيْدِ خاصَّةً، وبَهْزِ بنِ أَسَدٍ، فإنَّه لم يَرْوِ إِلاَّ عن ابنِ سَلَمَةَ، خَاصَّةً، أو بأنْ يكونَ من المكثرِينَ عندَ المُلازِمِينَ له دُونَ الآخرِ، وقدْ حَدَّثَ القاسِمُ المُطَرِّزُ يوماً بحديثٍ عن أبي هَمَّامٍ، أو غيرُه عن الوليدِ بنِ مسلمٍ‏,‏ عن سُفْيانَ، فقالَ لَه أبو طالبِ بنِ نَصْرٍ الحافِظُ‏:‏ مَن سُفْيانُ هذا‏؟‏ فقالَ‏:‏ الثَّوْرِيُّ‏.‏ فقالَ له أبو طَالبٍ‏:‏ بل هو ابنُ عُيَينَةَ‏.‏ فقالَ له المُطَرِّزُ‏:‏ من أينَ قلْتَ‏؟‏ فقالَ‏:‏ لأنَّ الوليدَ قد روَى عن الثَّوْرِيِّ أحاديثَ مَعْدودةً محفوظةً وهو مليءٌ بابنِ عُيَيْنَةَ، أو بكونِه كما أُشِيرَ إليه في معرفةِ أوطانِ الرواةِ بَلَدِيَّ شيخِه‏,‏ أو الراوي عنه إن لم يُعْرَفْ بالرحلةِ فإنَّ بذلك وبالذي قبلَه يَغْلِبُ على الظنِّ تَبْيِينُ المهملِ، ومتى لم يَتَبيَّنْ ذلك بواحدٍ منها، أو كانَ مُختَصًّا بهما معاً‏,‏ فإشكالُه شَدِيدٌ، فيُرْجَعُ فيه إلى القرائنِ والظنِّ الغالبِ‏,‏ قالَ ابنُ الصلاحِ‏:‏ وقد يُدْرَكُ بالنظرِ في حالِ الراوي والمرويِّ عنه، ورُبَّما قالوا في ذلك بظنٍّ لا يَقْوَى‏.‏

ومِمَّا اختُلِفَ فيه روايةُ البخاريِّ عن أحمدَ غيرِ مَنْسوبٍ عن ابنِ وَهْبٍ؛ فإنَّه إما أحمدُ بنُ صَالِحٍ أو أحمدُ بنُ عِيسَى، وكذا روايتُه عن محمدٍ غيرِ مَنْسوبٍ أيضاً عن أهلِ العراقِ، فإنَّه إِمَّا محمدُ بنُ سَلاَّمٍ البِيكَنْدِيُّ، أو محمدُ بنُ يحيى الذهليُّ، أو عن عبدِ اللهِ غيرِ مَنْسوبٍ، تارةً عن يَحْيَى بنِ مَعِينٍ، وتارةً عن سُلَيْمانَ بنِ عبدِ الرحمنِ؛ فإنَّه إِمَّا عبدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمليُّ كما قالَه الكلاباذيُّ، أو عبدُ اللهِ بنُ أبي الخَوَارِزْمِيُّ القاضي، وهو كما قالَ المُصنِّفُ الظاهرُ لروايتِه في كتابِه في الضعفاءِ عنه صَرِيحاً عِدَّةُ أحاديثَ عن سُلَيْمانَ المذكورِ وغيرِه، أو عن أبي أحمدَ غيرِ مُسَمًّى عن محمدِ بنِ يَحْيَى؛ فإِنَّه إِمَّا مَرَّارُ بنُ حَمُّويَهْ أو محمدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ الفرَّاءُ أو محمدُ بنُ يُوسُفَ البِيكَنديُّ‏.‏

‏(‏ومنه‏)‏ أي‏:‏ هذا النوعِِ، وهو ثامنُ الأقسامِ ‏(‏ما‏)‏ يحصُلُ الاتِّفاقُ فيه ‏(‏في‏)‏ لفظِ ‏(‏نسبٍ‏)‏ فقط، والافتراقُ في أنَّ ما نُسِبَ إليه أحَدُهما غيرُ ما نُسِبَ إليهِ الآخرُ، ولأبي الفَضْلِ بنِ طَاهِرٍ الحافِظِ فيه بخصوصِه تصنيفٌ حَسَنٌ‏,‏ ‏(‏كالحَنَفِي‏)‏ حيثُ يَكُونُ المَنْسوبُ إليهِ ‏(‏قبيلاً‏)‏ أي‏:‏ قبيلةً، وهم بنو حنيفةَ‏,‏ منهم أبو بكرِ عبدُ الكبيرِ‏,‏ وأبو عَلِيٍّ عُبَيدُ اللهِ ابْنَا عبدِ الحميدِ الحَنَفِيِّ، أخرَجَ لهما الشيخانِ‏,‏ ‏(‏او‏)‏ بالنقْلِ يَكونُ ‏(‏مَذْهباً‏)‏ وهم خلْقٌ يَدِينُونَ مذهَبَ أبي حنيفةَ النعمانِ بنِ ثَابتٍ الكُوفِيِّ، أفْرَدوا بالتصنيفِ من غيرِ واحدٍ، وأنت فيمَن يُنْسَبُ للمذهبِ بالخيارِ بينَ أنْ تقولَ‏:‏ حَنَفِيٌّ بلا ياءٍ‏,‏ ‏(‏او‏)‏ بالنقلِ ‏(‏بالياءِ‏)‏ المُثنَّاةِ التحتانيَّةِ وبالقصرِ‏,‏ كما ذهَبَ إليه جماعةٌ مِن المُحدِّثِينَ‏,‏ منهم ابنُ طَاهِرٍ المذكورُ‏,‏ ‏(‏صِفِ‏)‏؛ ليكونَ إثباتُها مُمَيِّزاً لهم عن الآخَرِينَ‏,‏ لكنْ قالَ ابنُ الصلاحِ‏:‏ إِنَّه لم يَجِدْ ذلك عن أحدٍ من النحْويِّينَ إلاَّ عن أبي بكرِ بنِ الأنباريِّ الإمامِ، قالَه في ‏(‏الكافي‏)‏‏.‏ انتهى‏.‏

وقد اشْتَبَهَ جماعةٌ مِمَّن نُسِبَ إلى القبيلةِ، على بعضِ مَن صَنَّفَ طبقاتِ الحَنفيَّةِ فأدخَلَهم فيها، ورُبَّما كانَ فيهم مَن تَقدَّمَ على إمامِ المذهبِ، كما اتَّفَقَ لابنِ شهردارَ الدَّيْلَمِيِّ صاحبِ ‏(‏الفردوسِ‏)‏؛ فإِنَّه أدخَلَ في تاريخِه- لهَمْدانَ كما قالَ الذَّهَبِيُّ- خَلْقاً من الهَمْدانِيِّينَ المَنْسوبِينَ إلى القبيلةِ، وكالآمليِّ فهو موضعانِ؛ آمُلُ طَبَرِسْتانَ، قالَ السمعانيُّ، وأكثرُ أهلِ العلمِ من أهلِ طَبَرِسْتانَ منه، وآمُلُ جَيْحُونَ، ومنهم عبدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلُيُّ أحَدُ شيوخِ البخاريِّ‏,‏ وقد جعَلَه الحافظانِ أبو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ ثم عِياضٌ من الأُولَى، قالَ ابنُ الصلاحِ‏:‏ وهو خَطَأٌ‏.‏

ومنه أنْ يَتَّفِقَ اسمُ أبِ الراوي واسمُ شيخِه معَ مَجِيئِهما معاً مُهْمَلَيْنِ من نسبةٍ يَتمَيَّزُ أحَدُهما بها عن الآخرِ؛ كالربيعِ بنِ أنسٍ‏,‏ عن أنسٍ، هكذا يأتي في الرواياتِ فيُظَنُّ أنَّه يروِي عن أبيه، كما وقَعَ في الصحيحِ عن عامرِ بنِ سعدٍ‏,‏ عن سعدٍ‏,‏ وهو أبوه، وليسَ أنسٌ شيخَ الربيعِ والدِه، بل أبوه بَكْرِيٌّ‏,‏ وشيخُه أنصاريٌّ‏,‏ وهو أنسُ بنُ مالكٍ الصحابيُّ الشهيرُ، وليسَ الربيعُ المذكورُ من أولادِه‏.‏

تلخيصُ المتشابِهِ

937- ولهمُ قِسْمٌ مِن النَّوْعَيْنِ *** مُرَكَّبٌ مُتَّفِقُ اللَّفْظَيْنِ

938- في الاسْمِ لكِنَّ أَبَاهُ اخْتَلَفَا *** أو عَكْسُهُ أو نحوُه وصَنَّفَا

939- فيه الْخَطيبُ‏,‏ نحوُ مُوسى بنِ عَلِي *** وابنِ عُلَيٍّ وحَنَانِ الأَسَدِي

‏(‏ولهم‏)‏ أي‏:‏ المُحدِّثِينَ ‏(‏قِسْمٌ‏)‏ آخرُ ‏(‏من النوعيْنِ‏)‏ السابقيْنِ‏,‏ ‏(‏مُرَكَّبٌ‏)‏ وهو إِمَّا ‏(‏مُتَّفِقُ اللفظَيْنِ‏)‏ أي‏:‏ نُطْقاً وخَطًّا‏,‏ ‏(‏في الاسمِ‏)‏ خَاصَّةً، مُفترِقٌ في المُسَمَّيْنِ، ‏(‏لكنَّ‏)‏ بالتشديدِ ‏(‏أبَاهُ‏)‏ أي‏:‏ المُتَّفِقُ أسماؤُهما ‏(‏اختَلَفا‏)‏ نُطْقاً معَ الائتلافِ خَطًّا، ‏(‏أو عَكْسُه‏)‏ بأنْ يَأْتَلِفَ الاسمانِ خَطًّا ويختلفانِ لفظاً‏,‏ ويَتَّفِقُ أسماءُ أبَوَيْهما لَفْظاً‏,‏ ‏(‏أو نحوُه‏)‏ أي‏:‏ المذكورُ بأنْ يَتَّفِقَ الاسمانِ أو الكُنْيتانِ لَفْظاً ويختَلِفُ نِسْبَتُهما نُطْقاً أو تَتَّفِقُ النسبةُ لَفْظاً، ويَخْتَلِفُ الاسمانِ أو الكُنْيتانِ لَفْظاً وما أشْبَهَ ذلك‏,‏ ‏(‏و‏)‏ قَدْ ‏(‏صَنَّفَا فيهِ‏)‏ الحافِظُ ‏(‏الخطيبُ‏)‏ السابقُ إلى غالِبِ ما صَنَّفَه في أنواعِ هذا الشأنِ كِتاباً جَلِيلاً سَمَّاهُ

‏(‏تَلْخيصَ المُتشابِهِ‏)‏، ثم ذَيَّلَ عليه أيضاً بما فَاتَه أوَّلاً وهو كثيرُ الفائدةِ، بل قالَ ابنُ الصلاحِ‏:‏ إِنَّه من أحسنِ كُتُبِه، لكنْ لم يُعْرِبْ باسمِه الذي سَمَّاه به عن مَوْضوعِه كما أعْرَبْنا عنه‏.‏ انتَهَى‏.‏

وهو كذلك فإنَّه لا تُعْلَمُ حقيقتُه من مُجرَّدِ التسميةِ، وفائدةُ ضَبْطِه الأمنُ من التصحيفِ وظَنِّ الاثنيْنِ واحداً، ولكلٍّ من هذهِ الأقسامِ أمثلةٌ أدخَلَ فيها الخطيبُ، ثم ابنُ الصلاحِ ما لا يَشْتَبِهُ غالباً، كثَوْرٍ اثنانِ‏:‏ ابنُ زيدٍ، وابنُ يَزِيدَ، وابنُ زُرَارَةَ اثنانِ‏:‏ عُمَرُ وعَمْرٌو، وابنُ أبي عبدِ اللهِ اثنانِ‏:‏ عُبَيدُ اللهِ وعَبْدُ اللهِ، معَ اعترافِ ابنِ الصلاحِ في أَوَّلِها بأنَّه مِمَّا يَتقارَبُ ويَشْتَبِهُ معَ الاختلافِ في الصورةِ‏.‏

فالأوَّلُ‏:‏ وهو ما حصَلَ الاتِّفاقُ فيه في الاسمِ والاختلافِ في الأبِ‏,‏ ‏(‏نحوُ مُوسَى بنِ عَلِي‏)‏ بفتحِ العينِ مُكَبَّرٌ كالجادةِ‏,‏ ‏(‏وابنِ عُلَيٍّ‏)‏ بالضمِّ مُصغَّرٌ مُوسَى أيضاً، فالأولُ جماعةٌ‏,‏ منهم مَن اسمُ جَدِّه عبدُ اللهِ‏,‏ ويُكَنَّى أبا عِيسَى الختليَّ الذي رَوَى عنه أبو بَكْرِ بنُ مُقْسِمٍ المُقْرِئُ، وأبو عَلِيِّ بنُ الصوَّافِ وغيرُهما، وماتَ بعدَ الثلاثِمائةِ، وكلُّهم مُتأخِّرونَ ليسَ في الكتبِ السِّتَّةِ، ولا في تاريخِ البُخارِيِّ ولا ‏(‏الجَرْحِ‏)‏ لابنِ أبي حَاتِمٍ منهم أحدٌ، والثاني فَرْدٌ اسْمُ جَدِّه رَبَاحٌ اللَّخْمِيُّ المِصْرِيُّ أميرُ مِصْرَ المُخرَّجُ له عندَ مسلمٍ‏,‏ بل والبخاريِّ‏,‏ لكنْ في الأدبِ المفردِ‏,‏ وأصحابِ السُّنَنِ الأربعةِ، والضمُّ فيه هو المشهورُ‏,‏ وعليه أهلُ العراقِ، ولكنَّ الذي صَحَّحَه البخاريُّ وصاحِبُ ‏(‏المَشارِقِ‏)‏ الفتحَ‏,‏ وعليه أهلُ مِصْرَ، وتَوَسَّطَ بعضُ الحُفَّاظِ فجعَلَه بالفتحِ اسماً له وبالضَّمِّ لَقَباً، وكانَ هو وأبوه يَكْرهانِ الضَّمَّ، ويقولُ كلٌّ منهما‏:‏ لا أجعَلُ قائلَه في حِلٍّ، واختُلِفَ في سَبَبِه فقالَ أبو عبدِ الرحمنِ المُقْرِئُ‏:‏ لأنَّ بَنِي أُمَيَّةَ كانتْ إذا سَمِعَتْ بمولودٍ اسمُه عَلِيٌّ- يعني بالفتحِ- قَتَلوه‏,‏ فقالوا أبوه هو عُلَيٌّ‏,‏ يعني بالضمِّ، وقالَ ابنُ حِبَّانَ في ثقاتِه‏:‏ كانَ أهلُ الشامِ يَجْعَلُونَ كلَّ عَلَمٍ عندَهم عُلَيًّا لبُغْضِهم عَلِيًّا رضِيَ اللهُ عنه‏,‏ ومحمدُ بنُ عَقِيلٍ بفتحِ العينِ‏,‏ ومحمدُ بنُ عُقَيْلٍ بضمِّها، الأولُ نَيْسابورِيُّ، والثاني فِرْيَابِيُّ، وهما مَشْهورانِ‏,‏ وطَبَقَتُهما مُتقارِبَةٌ‏.‏

والقسمُ الثاني‏:‏ وهو ضِدُّ الأولِ، ما حصَلَ الاختلافُ فيه في الاسمِ والاتِّفاقِ في الأبِ، نحوُ عَبَّاسٍ بالمُوحَّدةِ والمهملةِ، وعَيَّاشٍ بالمثنَّاةِ التحتانيَّةِ والمعجمةِ‏,‏ كلٌّ منهما ابنُ الوليدِ، وبَصْرِيٌّ أيضاً وفي عَصْرٍ واحدٍ بحيثُ تَشارَكاً في بعضِ الشيوخِ، وأخَذَ البُخاريُّ عن كلٍّ منهما، فالأولُ جماعةٌ‏,‏ منهم هذا، واسمُ جَدِّه نَصْرٌ ويُكَنَّى أبا الفضلِ‏,‏ نُرْسِيٌّ، والآخرُ فردٌ وهو الرقامُ يُكَنَّى أبا الوَليدِ، وسُرَيْجٌ بالمهملةِ والجيمِ، وشُرَيْحٌ بالمعجمةِ والمهملةِ، كلٌّ منهما ابنُ النعمانِ، فالأولُ شَيْخُ البخاريِّ وهو بَغْدَادِيٌّ لُؤلؤيٌّ اسمُ جَدِّه مَرْوَانُ، والآخَرُ من التابِعِينَ‏,‏ حَدِيثُه في السُّنَنِ الأربعةِ‏,‏ وهو صَائِدِيٌّ كوفيٌّ‏.‏

والقسمُ الثالِثُ‏:‏ وهو ما حصَلَ فيه الاتِّفاقُ في الاسمِ واسمِ الأبِ‏,‏ والاختلافُ نطقاً في النسبةِ، كمحمدِ بنِ عبدِ اللهِ اثنانِ‏:‏ أحدُهما‏:‏ مُخَرِّمِيٌّ بضمِّ الميمِ وفتحِ الخاءِ المعجمةِ وكسرِ الراءِ المُشدَّدَةِ نِسْبةً إلى المُخَرِّمِ من بغدادَ، واسمُ جَدِّه المُبارَكُ‏,‏ ويُكَنَّى أبا جَعْفَرٍ، قُرَشِيٌّ بغداديٌّ قاضي حُلْوانَ، وأحَدُ شيوخِ البخاريِّ الحفَّاظِ، والآخرُ مَخْرَمِيٌّ بفتحِ الميمِ، وسكونِ الخاءِ المعجمةِ وفتحِ الراءِ، قالَ ابنُ ماكولا‏:‏ لَعلَّه من وَلَدِ مَخْرَمَةَ بنِ نَوْفلٍ‏,‏ وهو مَكِّيٌّ‏,‏ يَرْوِي عن الشافعيِّ وعنه عبدُ العزيزِ بنُ محمدِ بنِ الحَسَنِ بنِ زَبَالةَ، ليسَ بالمشهورِ‏.‏

والرابِعُ‏:‏ وهو ما حصَلَ فيه الاتِّفاقُ في الكُنيةِ‏,‏ والاختلافُ نُطْقاً في النسبةِ؛ كأبي عَمْرٍو الشَّيْبانِيِّ بفتحِ الشينِ المعجمةِ وسكونِ المُثنَّاةِ التحتانيَّةِ ثم مُوحَّدَةٍ‏,‏ والسَّيْبانيُّ مثلُه لكنْ بمهملةٍ، فالأولُ جماعةٌ كُوفِيُّونَ‏,‏ أشهَرُهم سعدُ بنُ إياسٍ، تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ حَدِيثُه في السِّتَّةِ‏,‏ وهارونُ بنُ عَنْترةَ بنِ عبدِ الرحمنِ من أتباعِ التابعِينَ، حَدِيثُه عندَ أبي دَاوُدَ والنَّسائِيِّ، ووَهِمَ المِزِّيُّ فكَنَّاه أبا عبدِ الرحمنِ، وإسحاقُ بنُ مِرَارٍ بكسرِ الميمِ وتخفيفِ الراءِ كما لعبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ، أو كعَمَّارٍ كما للدارقطنيِّ، نحويٌّ لغويٌّ نزَلَ بغدادَ، له ذكْرٌ في ‏(‏صحيحِ مسلمٍ‏)‏ بكنيتِه فقط، والآخرُ شَامِيٌّ تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ‏,‏ اسمُه زُرْعَةُ‏,‏ وهو عَمُّ الأوزاعيِّ وَالِدُ يَحْيَى، حَدِيثُه عندَ البخاريِّ في الأدبِ المُفْرَدِ‏.‏

والخامسُ‏:‏ ما حصَلَ فيه الاتفاقُ في النسبةِ، والاختلافُ في الاسمِ نحوُ ‏(‏حَنَانِ‏)‏ بفتحِ المهملةِ والنونِ المخفَّفةِ وبتركِ الصرفِ‏,‏ وحَيَّانِ بفتحِ المهملةِ وتشديدِ المثنَّاةِ التحتانيَّةِ ‏(‏الأسَدِي‏)‏ كلٌّ منهما، فالأولُ نسبةً لبني أسَدِ بنِ شريكٍ بضَمِّ المعجمةِ، بَصْرِيٌّ يَرْوِي عن أبي عثمانَ النهْدِيِّ، وعنه حَجَّاجٌ الصوَّافُ، والآخرُ اثنانِ تابِعِيَّانِ‏:‏ أحدُهما كُوفِيٌّ يُكَنَّى أبا الهَيَّاجِ واسْمُ أبيهِ حُصَيْنٌ‏,‏ حَدِيثُه في مسلمٍ‏,‏ وثانيهما شَامِيٌّ ويُعْرَفُ بحَيَّانَ أبي النضْرِ، له في صحيحِ ابنِ حِبَّانَ عن واثلةِ حديثٌ‏.‏

والسادسُ‏:‏ ما حَصَلَ فيه الاتِّفاقُ في النسبةِ‏,‏ والاختلافُ في الكُنيةِ، نحوُ أبي الرِّجاءِ بكسرِ الراءِ وتخفيفِ الجيمِ، وأبي الرَّحَّالِ بفتحِ الراءِ وتشديدِ الحاءِ المهملةِ‏,‏ الأنصاريُّ كلٌّ منهما‏,‏ فالأولُ اسمُه محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ مَدَنِيٌّ يَرْوِي عن أُمِّه عَمْرَةَ ابنةِ عبدِ الرحمنِ وغيرِها، حَدِيثُه في الصحيحَيْنِ، والآخرَ اسمُه محمدُ بنُ خالدٍ أو خالِدُ بنُ مُحمدٍ‏,‏ وبه جزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ، تابِعِيٌّ ضَعِيفٌ حَدِيثُه في التِّرْمِذِيِّ، ونحوُه ابنُ عُفَيْرٍ بالمهملةِ وابنُ غُفَيرٍ بالمعجمةِ‏,‏ وهما بالتصغيرِ، مِصْرِيَّانِ؛ أَوَّلُهما سعيدُ بنُ كثيرِ بنِ عُفَيْرٍ، وقد يُنْسَبُ إلى جَدِّه، يُكَنَّى أبا عُثْمانَ، من شيوخِ البخاريِّ، والآخرُ اسمُه الحَسَنُ، بنُ غُفَيرٍ، قالَ الدارقطنيُّ مَرَّةً‏:‏ متروكٌ‏.‏ ومرَّةً‏:‏ منكرُ الحديثِ‏.‏ في أقسامٍ أُخَرَ يَطولُ الأمرُ فيها‏.‏

منها وهو أهَمُّها مما حَقَّقَه شيخُنا، أنْ يَحْصُلَ الاتِّفاقُ أو الاشتباهُ في الاسمِ واسمِ الأبِ مثلاً إِلاَّ في حرفٍ أو حرفيْنِ فأكثرَ من أحَدِهما أو منهما، وهي على قسميْنِ‏:‏ إمَّا بأنْ يَكُونَ الاختلافُ بالتغييرِ معَ أنَّ عددَ الحروفِ سواءٌ في الجهتيْنِ، أو يكونَ الاختلافُ بالتغييرِ معَ نُقْصانِ بعضِ الأسماءِ عن بعضٍ، فمِن أمثلةِ الأولِ محمدُ بنُ سِنَانٍ بكسرِ السينِ المهملةِ ونونيْنِ بينَهما ألِفٌ، وهم جَماعةٌ‏,‏ منهم العَوَقِيُّ‏,‏ بفتحِ العينِ والواوِ ثم القافِ‏,‏ شيخُ البخاريِّ، ومحمدُ بنُ سَيَّارٍ‏,‏ بفتحِ المهملةِ وتشديدِ الياءِ التحتانيَّةِ وبعدَ الألفِ رَاءٌ، وهم أيضاً جماعةٌ، منهم اليماميُّ شيخُ عمرَ بنِ يُونُسَ، ومحمدُ بنُ حُنَيْنٍ بضمِّ المهملةِ ونونيْنِ، الأُوَلَى مفتوحةٌ بينَهما ياءٌ تَحْتانِيَّةٌ، تَابِعِيٌّ يَرْوِي عن ابنِ عَبَّاسٍ وغيرِه، ومحمدُ بنُ جُبَيرٍ بجيمٍ بعدَها مُوَحَّدَةٌ وآخرَه راءٌ‏,‏

وهو محمدُ بنُ جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ، تَابِعِيٌّ مَشْهورٌ أيضاً، وعبدُ اللهِ بنُ مُنَيْنٍ بنونيْنِ مُصَغَّرٌ، وعبدُ اللهِ بنُ مُنِيرٍ آخرَه راءٌ كمُجِيرٍ، ومن ذلك مُعَرِّفُ بنُ وَاصِلٍ كُوفِيٌّ مَشْهورٌ، ومُطَرِّفُ بنُ وَاصِلٍ بالطَّاءِ بدَلَ العينِ شَيْخٌ آخرُ يَرْوِي عنه أبو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ، ومنهم أيضاً أحمدُ بنُ الحُسَيْنِ صاحِبُ إبراهيمَ بنِ سَعْدٍ‏,‏ وآخَرُونَ‏,‏ وأُحَيْدُ بنُ الحسينِ مثلُه، لكنْ بدَلَ الميمِ يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ وهو شَيْخُ بُخارَى‏,‏ يَرْوِي عنه عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ البِيكَنْدِيُّ‏.‏

ومن أمثلةِ الثاني مِمَّا أسْلَفْناه أوَّلاً، أنَّه لا يَشْتَبِهُ غالباً، أبو بَكْرِ بنُ أبي خَيْثَمَةَ، وأبو بكرِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وحَفْصُ بنُ مَيْسرةَ شيخٌ مشهورٌ من طَبَقَةِ مالكٍ‏,‏ وجعفرُ بنُ مَيْسَرَةَ شيخٌ لعُبَيدِ اللهِ بنِ مُوسَى الكوفيِّ، الأولُ بالحاءِ المهملةِ والفاءِ‏,‏ بعدَها صادٌ مهملةٌ، والثاني بالجيمِ والعَيْنِ المهملةِ بعدَها فاءٌ ثم راءٌ، وعبدُ اللهِ بنُ زيدٍ‏,‏ جماعةٌ‏,‏ منهم في الصحابةِ صاحِبُ الأذانِ واسمُ جَدِّه عبدُ رَبِّه، وراوي حديثِ الوضوءِ واسْمُ جَدِّه عاصِمٌ‏,‏ وهما أنصاريَّانِ، وعبدُ اللهِ بنُ يَزِيدَ بزيادةِ ياءٍ في أولِ اسمِ الأبِ‏,‏ والزاءُ مكسورةٌ، وهم أيضاً جماعةٌ‏,‏ منهم في الصحابةِ الخَطْمِيُّ يُكَنَّى أبا مُوسَى، وحديثُه في الصحيحيْنِ، والقارِئُ له ذِكْرٌ في حديثِ عَائِشَةَ، وقد زعَمَ بعضُهم أنه الخَطْمِيُّ، وفيه نَظَرٌ، وأحمدُ بنُ سُليمانَ بنِ سالمٍ‏,‏ وأحمدُ بنُ سَلْمانَ بنِ سَالِمٍ، وكلٌّ منهما قدْ سَمِعَ من ابنِ خطيبِ المِزَّةِ، فأوَّلُهما الحَوْرانِيُّ واسمُ جَدِّ أبيهِ عَبْدَانُ، وثانيهما ابنُ المطوعِ وهو أسَنُّهما، وعبدُ اللهِ بنُ يَحْيَى‏,‏ وهم جَماعةٌ، وعبدُ اللهِ بنُ نُجَيٍّ بضمِّ النونِ وفتحِ الجيمِ وتشديدِ الياءِ تَابِعِيٌّ مشهورٌ يَرْوِي عن عليٍّ‏.‏

المُشْتَبِهُ المَقْلُوبُ

940- ولهم الْمُشْتَبِهُ المقلوبُ *** صَنَّفَ فيه الحافِظُ الْخَطيبُ

941- كابنِ يَزيدَ الأسودِ الرَّبَّانِي *** وكابنِ الاسْوَدِ يَزيدَ اثنانِ

‏(‏ولهم‏)‏ أي‏:‏ المُحدِّثِينَ ما يَحْصُلُ الاتِّفاقُ فيهِ لراوييْنِ في اسميْنِ لفظاً وخَطًّا، لكنْ يحصُلُ الاختلافُ أو الاشتباهُ بالتقديمِ والتأخيرِ بأنْ يَكُونَ أحدُ الاسميْنِ في أحَدِهما للراوي وفي الآخرِ لأبيهِ‏,‏ وهو ‏(‏المُشْتَبِهُ المَقْلُوبُ‏)‏ وأُفْرِدَ عن المركَّبِ النوعُ قبلَه‏,‏ وإنْ كانَ أيضاً مركَّباً من مُتَّفِقٍ ومختلِفٍ؛ لأنَّ ما فيه من الاختلافِ ليسَ من نوعِ المُؤتلِفِ، وقد ‏(‏صَنَّفَ فيهِ الحافظُ الخطيبُ‏)‏ ‏(‏رَافِعَ الارتيابِ في المقلوبِ من الأسماءِ والأنسابِ‏)‏، وهو في مُجلَّدٍ ضَخمٍ، وفائدةُ ضَبْطِه الأمنُ من تَوَهُّمِ القلبِ خُصوصاً، وقد انقَلَبَ على بعضِ المُحدِّثِينَ، بل نُسِبَ شيءٌ من ذلك لإمامِ الصنعةِ البخاريِّ، وأمثلتُه كثيرةٌ؛ كمسلمِ بنِ الوليدِ المَدَنِيِّ والوليدِ بنِ مسلمٍ الدِّمَشْقِيِّ الشهيرِ الذي نبَّه ابنُ أبي حاتمٍ في كتابٍ أفرَدَه لخَطَأِ البخاريِّ في تاريخِه حكايةً عن أبيهِ على أنَّ البخاريَّ جعَلَ أوَّلَهما الثانِيَ، ولكنَّ هذه الترجمةَ لا تُوجَدُ في بعضِ نسخِ التاريخِ؛ وكعبدِ اللهِ بنِ يَزِيدَ، ويَزِيدَ بنِ عبدِ اللهِ‏.‏

و ‏(‏كابْنِ يَزِيدَ الأسْوَدِ‏)‏ أي‏:‏ كالأسودِ بنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ الزاهدِ الفقيهِ المُفْتِي‏,‏ ‏(‏الرَّبَّانِي‏)‏ أي‏:‏ العالمِ الراسخِ في العلمِ والدينِ أو الطَّالِبِ بعلمِه وَجْهَ اللهِ، أو المُرَبِّي المُتعلِّمِينَ بصغارِ العلومِ قبلَ كِبارِها، وكانَ جديراً بالاتِّصافِ بذلك؛ فإنَّه كانَ معَ كونِه من كبارِ التابِعِينَ وعلمائِهم، بل ذكَرَه جماعةٌ مِمَّن صَنَّفَ في الصحابةِ لإدراكِه في الجملةِ، وخالُ إبراهيمَ النَّخَعِيِّ يُصَلِّي كلَّ يومٍ سَبْعَمائةِ ركعةٍ ويَصومُ الدهْرَ حتى ذهبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ من الصومِ، وسافَرَ ثمانِينَ حِجَّةً وعُمْرَةً من الكوفةِ‏,‏ لم يَجْمَعْ بينَهما، ‏(‏وكابنِ الأسودِ يَزِيدَ‏)‏ أي‏:‏ يَزِيدَ بنِ الأسودِ ‏(‏اثنانِ‏)‏‏:‏ أحَدُهما الخُزاعِيُّ الحِجَازِيُّ المَكِّيُّ، وقيلَ‏:‏ المَدَنِيُّ الصَّحَابِيُّ المُخرَّجُ حديثُه في السُّنَنِ، والآخرُ الجُرَشِيُّ تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ‏,‏ يُكَنَّى أبا الأسودِ‏,‏ سَكَنَ الشامَ وأقعَدَه معاويةُ وهو يَستسقِي على المِنْبرِ عندَ رِجْلَيْهِ، وأمرَه أنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ ففَعَلَ، وفعلَ الناسُ مثلَه، وقالَ مُعاويةُ‏:‏ اللهُمَّ إِنَّا نَسْتَشفِعُ إِلَيْكَ بيَزِيدَ بنِ الأسودِ الجُرَشِيِّ‏.‏ فسُقُوا للوقتِ حتى كادوا لا يَبْلُغونَ مَنازِلَهم، وقد يقَعُ التقديمُ والتأخيرُ معَ ذلك في بعضِ حروفِ الاسمِ المُشْتَبِهِ؛ كأيُّوبَ بنِ سَيَّارٍ ويَسَارِ بنِ أيُّوبَ‏.‏

مَن نُسِبَ إلى غيرِ أبيهِ

942- ونَسَبُوا إلى سِوَى الآباءِ *** إمَّا لأُمٍّ كبَنِي عَفْرَاءِ

943- وجَدَّةٍ نحوُ ابنِ مُنْيَةٍ وجَدّْ *** كابنِ جُرَيْجٍ وجماعاتٍ وقَدْ

944- يُنْسَبُ كالْمِقدادِ بالتَّبَنِّي *** فليسَ للأَسْوَدِ أَصْلاً بابْنِ

‏(‏مَن نُسِبَ إلى غيرِ أبيهِ‏)‏ وهو نوعٌ مُهِمٌّ، وفائدةُ ضَبْطِه دفْعُ تَوَهُّمِ التعَدُّدِ عندَ نسبتِه لأبيهِ، أو دفْعُ ظَنِّ الاثنيْنِ واحداً عن موافقةِ اسْمَيْهما واسمِ أبي أحَدِهما اسمَ الجَدِّ الذي نُسِبَ إليه الآخرِ؛ كعبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ‏,‏ شيخٌ للزُّهْرِيِّ، نسَبَه ابنُ وَهْبٍ عبدُ الرحمنِ بنُ كَعْبٍ، وهو كذلك اسمُ راوٍ آخرَ هو عمٌّ للأولِ، لكنْ لم يَرْوِ عنه الزُّهْرِيُّ شَيْئاً، وكخالدِ بنِ إسماعيلَ بنِ الوليدِ المَخْزُومِيِّ‏,‏ رَاوٍ ضَعِيفٌ جِدًّا‏,‏ يروِي عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ؛ فإِنَّه قد يُنْسَبُ إلى جَدِّه فيُظَنُّ أنه الصحابيُّ الشهيرُ أو غيرُه مِمَّن قَدَّمْنا في المُتَّفِقِ‏.‏

‏(‏ونَسَبُوا‏)‏ أي‏:‏ أهلُ الحديثِ ‏(‏إلى سِوَى الآباءِ‏)‏ وذلك ‏(‏إِمَّا لأُمٍّ كَـ‏)‏ مُعاذٍ ومِعْوَذٍ وعَوْذٍ أو عرفٍ بالفاءِ في الأكثرِ‏,‏ كما قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ‏(‏بَنِي عَفْرَاءِ‏)‏ فعَفْرَاءُ أُمُّهم‏,‏ وهي بفتحِ العينِ المُهْملةِ‏,‏ ثم فاءٍ ساكنةٍ بعدَها راءٌ وهَمْزَةٌ‏,‏ ابنةُ عُبَيدِ بنِ ثَعْلَبَةَ من بَنِي النجَّارِ، واسْمُ أَبِيهِم الحَارِثُ بنُ رِفاعةَ بنِ الحارثِ مِن بَنِي النَّجَّارِ أيضاً، وثَلاثَتُهم مِمَّن شَهِدَ بَدْراً، وقُتِلَ مَن عَدَا أوَّلَهم بها، وتأخَّرَ أوَّلُهم إلى زمنِ عثمانَ أو عليٍّ‏,‏ بل قيلَ‏:‏ إنَّه جُرِحَ أيضاً ببدرٍ، وإنَّه ماتَ بعدَ رجوعِه منها بالمدينةِ، وكبلالِ ابنِ حَمَامةَ، فحَمَامَةَ- وهي بفتحِ المهملةِ- أُمُّه‏,‏ واسمُ أبيهِ رَبَاحٌ، والحارِثُ ابنُ بَرْصَاءَ، فالبَرْصاءُ- وهي بفتحِ الموحَّدةِ وآخرَه صادٌ مهملةٌ- أُمُّه أو أمُّ أبيهِ واسْمُ أبيهِ مَالِكُ بنُ قَيْسٍ، وسعدُ ابنُ حَبْتَةَ، فحَبْتَةُ- وهي بفتحِ المهملةِ وسُكونِ الموحَّدةِ بعدَها مُثنَّاةٌ فوقانيَّةٌ وهاءُ تأنيثٍ- ابنةُ مالِكٍ، من بني عمرِو بنِ عَوْفٍ، أمُّه، واسْمُ أبيهِ بَحِيرٌ ككَبِيرٍ، ابنُ مُعاويةَ بنِ قُحافَةَ بنِ نُفَيلِ بنِ سدوسٍ البَجَلِيُّ حَلِيفُ الأنصارِ، بَايَعَ تحتَ الشجرةِ، ومن ذُرِّيَّتِه القاضي أبو يُوسُفَ صاحِبُ أبي حَنِيفةَ، وسَهْلٌ وسُهَيْلٌ وصفوانُ بني بَيْضَاءَ، فبيضاءُ أُمُّهم واسْمُها دَعْدٌ، واسمُ أبيهِ وَهْبُ بنُ رَبِيعةَ بنِ عَمْرِو بنِ عامرِ بنِ ربيعةَ بنِ هلالِ بنِ مالكِ بنِ الحارثِ بنِ فِهْرٍ القُرَشِيُّ، وشُرَحْبِيلُ ابنُ حَسَنَةَ، وهي بفَتَحاتٍ أُمُّه‏,‏ كما جزَمَ به غيرُ واحدٍ خِلافاً لابنِ عَبْدِ البرِّ؛ فإنَّه قالَ‏:‏ إِنَّها تَبَنَّتْهُ، واسمُ أبيهِ عبدُ اللهِ بنُ المُطاعِ الكِنْدِيُّ، وابنُ أمِّ مَكْتومٍ‏,‏ فأُمُّ مَكْتومٍ هي أُمُّه‏,‏ واسمُها عَاتِكَةُ ابنةُ عبدِ اللهِ، واسمُ أبيهِ إمَّا زائدةُ أو قيسُ بنُ زَائِدَةَ، وأمَّا اسمُه هو فقِيلَ‏:‏ عبدُ اللهِ أو عمرٌو، أو غيرُهما، وعبدُ اللهِ ابنُ بُحَيْنَةَ‏,‏ وهي- بمُوحَّدةٍ ثم مُهملةٍ ثم مُثنَّاةٍ تحتانيَّةٍ بعدَها نونٌ وهاءُ تأنيثٍ مُصغَّرٌ- أُمُّه، واسمُ أبيهِ مالِكُ بنُ القِشْبِ الأزْدِيُّ الأسَدِيُّ، ورُبَّما يقَعُ في بعضِ الرواياتِ عبدُ اللهِ بنُ مَالِكٍ ابنُ بُحَيْنَةَ، وحينَئذٍ فيُقالُ‏:‏ عبدُ اللهِ بنُ مَالِكٍ بالجَرِّ مُنوَّناً، ويكونُ ابنُ بُحَيْنَةَ صِفَةً لعبدِ اللهِ‏,‏ لا لمالكٍ‏,‏ فيُعْرَبُ إعرابَه، ويُكْتَبُ ‏"‏ابنُ‏"‏ بالألفِ؛ لأنَّه ليسَ بينَ عَلَمَيْنِ؛ فإنَّه صِفَةٌ، وكذلك ما أشْبَهَه من عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولٍ؛ لأنَّ سَلُولَ أُمُّ عبدِ اللهِ، ومثلُه محمدُ ابنُ حَبِيبَ، لا يُنَوَّنُ حَبِيبُ؛ لأنَّه اسمُ أُمِّه‏,‏ فيه التأنيثُ والعَلَمِيَّةُ، وكذلك محمدُ ابنُ شَرَفَ القَيْرَوانِيُّ الأدِيبُ؛ فإنَّ شرَفَ اسمُ أمِّه، وغيرُ ذلك في آخَرِينَ من الصحابةِ فمَن بعدَهم، كمحمدِ ابنِ الحَنَفيَّةِ‏,‏ فهي أمُّه‏,‏ واسمُها خولةُ‏,‏ وأبوه عليُّ بنُ أبي طَالِبٍ، ومنصورُ ابنُ صَفِيَّةَ فهي أُمُّه، وهي ابنةُ شَيْبَةَ واسمُ أبيهِ عبدُ الرحمنِ بنُ ْطَلَحَةَ‏,‏ وإسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ هي أُمُّه وأبوه إبراهيمُ، وإبراهيمُ ابنُ هراسةَ، هي أمُّه وأبوه سَلَمَةُ، وللعَلاءِ مُغْلطايٌ في ذلك تَصنيفٌ حَسَنٌ حَصَّلْتُ جُلَّه من خَطِّه وعليهِ فيهِ مُؤاخذاتٌ‏,‏ ‏(‏و‏)‏ إِمَّا لـ ‏(‏جَدَّةٍ‏)‏ سواءٌ كانتْ دُنْيَا أو عُلْيَا‏,‏ ‏(‏نَحْوُ ابنِ مُنْيَةٍ‏)‏ يَعْلَى الصحابيِّ الشهيرِ، فمُنْيَةُ وهي بضَمِّ الميمِ ثم نونٍ سَاكِنَةٍ بعدَها مُثنَّاةٌ تَحْتانِيَّةٌ وهاءُ تأنيثٍ وبالصرْفِ للضرورةِ‏,‏ أُمُّ أبيهِ‏,‏ فيما قالَه الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ‏,‏ ثم ابنُ ماكولا، ولكنْ كَوْنُها جَدَّتَه ليسَ بالمُتَّفَقِ عليه‏,‏ بل لم يُصَوِّبْه ابنُ عبدِ البَرِّ وقيلَ‏:‏ إِنَّها أُمُّه فيما قالَه الطَّبَرِيُّ والجمهورُ ورَجَّحَه المِزِّيُّ‏,‏ ثم إنَّ في نَسَبِها خُلْفاً، فقيلَ‏:‏ ابنةُ الحارثِ بنِ جَابِرٍ قالَه ابنُ ماكولا، وقيلَ‏:‏ بدونِ الحارثِ‏.‏ وإنَّها عَمَّةُ عُتْبةَ بنِ غزوانَ‏,‏ قالَه الطَّبَرِيُّ، وقِيلَ‏:‏ ابنةُ غزوانَ‏.‏ وإنَّها أُخْتُ عُتْبَةَ، وهو الذي حَكَاه الدَّارَقُطْنِيُّ عن أصحابِ الحديثِ والتاريخِ ورَجَّحَه المِزِّيُّ، واسمُ أبي يَعْلَى أُمَيَّةُ بنُ أبي عُبَيدةَ، وقولُ ابنِ وضَّاحٍ‏:‏ إنَّ مُنْيَةَ أبوه وَهْمٌ‏.‏ حَكاه صَاحِبُ ‏(‏المشارقِ‏)‏، وكبشيرِ بنِ الخَصَاصِيَةِ السَّدوسيِّ الصحابيِّ الشهيرِ، فالخَصَاصِيَّةُ، وهي بفتحِ المعجمةِ وتخفيفِ المهملةِ؛ إمَّا أُمُّه فيما حكاهُ ابنُ الجَوْزِيِّ في ‏(‏التلقيحِ‏)‏، ومِن قبلِه ابنُ عبدِ البرِّ‏,‏ أو أُمُّ الثالثِ من أجدادِه فيما قالَه ابنُ الصلاحِ‏,‏ أو أُمُّ جَدٍّ أعْلَى له فيما قالَه غيرُه، واسمُها كَبْشَةُ أو مَاوِيَةُ ابنةُ عَمْرِو بنِ الحارثِ بنِ الغِطْرِيفِ، واسمُ أبي بشيرٍ مَعْبَدٌ أو نَذِيرٌ أو يَزِيدُ أو مَرْثَدُ أو شَرَاحِيلُ على الأقوالِ؛ وكابنِ سُكَيْنةَ المسندِ الشهيرِ في المتأخِّرِينَ، فسُكَينةُ وهي بمهملةٍ ثم كافٍ مُصَغَّرٌ أمُّ أبيهِ‏,‏ وهو عبدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَلِيٍّ، وابنُ تَيْمِيَّةَ مجدُ الدينِ صاحِبُ ‏(‏المُنْتَقَى‏)‏ فهي جَدَّتُه، ويُقالُ‏:‏ إِنَّها من وَادِي التيمِ في آخَرِينَ‏.‏

‏(‏و‏)‏ إِمَّا لـ ‏(‏جَدّْ‏)‏ ومنه قولُه‏:‏ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ‏:‏ ‏(‏أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ *** أنَا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ‏)‏‏.‏ وقولُ الأعرابيِّ‏:‏ أيُّكُم ابنُ عبدِ المطلبِ، وأمثلتُه كثيرةٌ كأبي عُبَيدةَ بنِ الجرَّاحِ، فهو عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ، وحملِ بنِ النابغةِ، فهو ابنُ مَالِكِ بنِ النابغةِ، ومُجَمِّعِ ابنِ جَارِيَةَ فهو ابنُ يَزِيدَ بنِ جَارِيَةَ، وأحْمَرُ بنُ جزءٍ‏,‏ فهو ابنُ سواءِ بنِ جزءٍ‏,‏

وكُلُّهم صَحابَةٌ‏.‏

‏(‏وكابنِ جُرَيْجٍ‏)‏ بجِيميْنِ بينَهما راءٌ‏,‏ مُصغَّرٌ‏,‏ فهو عبدُ الملكِ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ جُرَيْجٍ، ‏(‏وجَمَاعَاتٍ‏)‏ منهم ابنُ المَاجِشُونَ‏,‏ وابنُ أبي ذِئْبٍ وابنُ أبي لَيْلَى وابنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وأحمدُ بنُ حَنْبَلٍ وأبو بَكرٍ، وعُثْمَانُ والقاسِمُ بنو أبي شَيْبَةَ، وابنُ يُونُسَ صاحِبُ ‏(‏تاريخِ مِصْرَ‏)‏ وابنُ مِسْكِينٍ ‏(‏مِن بيوتِ المِصْرِيِّينَ اشتَهَروا ببَنِي مِسْكِينٍ من زَمَنِ النَّسائِيِّ وإلى وَقْتِنا‏,‏ وجَدُّهم الحارثُ بنُ مِسْكِينٍ أحدُ شيوخِ النسائيِّ‏.‏

‏(‏وقَدْ يُنْسَبُ كالمِقْدَادِ‏)‏ ابنِ الأسودِ الصحابيِّ إلى رَجُلٍ ‏(‏بالتَّبَنِّي فلَيْسَ‏)‏ المقدادُ ‏(‏للأسودِ‏)‏ وهو ابنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ‏,‏ ‏(‏أصلاً بابْنِ‏)‏ إنَّما كانَ في حِجْرِه فنُسِبَ إليه، واسمُ أبيهِ عَمْرُو بنُ ثَعْلَبةَ الكِنْدِيُّ، وكشُرَحْبِيلِ ابنِ حَسَنَةَ على القولِ المَرْجوحِ‏,‏ كما ذُكِرَ قريباً في أنَّ حَسَنَةَ ليسْتَ أُمِّه، وإنَّما تَبَنَّتْهُ، وكالحسنِ بنِ دِينارٍ أحَدِ الضعفاءِ، فدِينارٌ إنَّما هو زَوْجُ أُمِّه، واسمُ أبيهِ وَاصِلٌ، قالَه ابنُ مَعِينٍ والفلاسُ والجُوزْجَانِيُّ وابنُ حِبَّانَ وغيرُهم، قالَ ابنُ الصَّلاحِ‏:‏ وكأنَّه خَفِيٌّ على ابنِ أبي حاتِمٍ؛ فإنَّه قالَ فيهِ‏:‏ الحَسَنُ بنُ دِينَارِ بنِ وَاصِلٍ‏,‏ فجعَلَ وَاصِلاً جَدَّه‏.‏ انْتَهَى‏.‏ وجعَلَ يَحْيَى بنُ سَلاَّمٍ المُصنِّفُ الشهيرُ صاحِبُ التفسيرِ دِيناراً جَدَّه حيثُ قالَ‏:‏ الحَسَنُ بنُ وَاصِلِ بنِ دِينارٍ، وكالحافظِ أبي بكرِ محمدِ بنِ عبدِ الغَنِيِّ بنِ أبي بكرِ ابنِ نُقْطَةَ، فنُقطَةُ وهي بضَمِّ النونِ ثم قافٍ بعدَها طاءٌ مهملةٌ وهاءُ تأنيثٍ، امرأةٌ رَبَّتْ جَدَّه، وفي المتأخِّرِينَ ابنُ المُلَقِّنِ لم يَكُنْ أبوه مُلَقِّناً، وإنَّما نُسِبَ لزوجِ أُمِّه الذي كانَ يُلَقِّنُ القرآنَ بجامعِ عمرٍو بمِصْرَ؛ لكونِه رَبَّاه وهو صغيرٌ‏,‏ وبَلَغَنِي أنَّ الشيخَ كانَ يَغضَبُ منها‏.‏

الْمَنْسُوبُونَ إلى خِلافِ الظاهِرِ

945- ونَسَبُوا لعَارِضٍ كالْبَدْرِي *** نَزَلَ بَدْراً عُقْبَةَ بنِ عَمْرِو

946- كذلك التَّيْمِي سُليمانُ نَزَلْ *** تَيْمًا وخالِدٌ بحذَّاءٍ جَعَلْ

947- جَلوسَهُ ومِقْسَمٌ لَمَّا لَزِمْ *** مَجْلِسَ عبدِ اللهِ مَولاهُ وُسِمْ

‏(‏المَنْسُوبونَ إلى خلافِ الظاهرِ‏)‏ وأُفرِدَ عَمَّا قبلَه لكونِه في الأنسابِ خاصَّةً، وذاك في الأعلامِ وإنْ تَشابَهَا في المَعْنَى ‏(‏ونَسَبُوا‏)‏ أي‏:‏ المُحدِّثونَ، بعضَ الرواةِ إلى مكانٍ كانتْ به وَقْعَةٌ أو إلى بَلَدٍ أو قَبيلةٍ أو صَنْعةٍ أو صِفَةٍ أو ولاءٍ أو غيرِ ذلك مِمَّا ليسَ ظاهرُه الذي يَسبِقُ إلى الفَهمِ منه مراداً، بل النسبةُ لذلك ‏(‏لعارِضٍ‏)‏ عرَضَ، وأمثلةُ ذلك كثيرةٌ‏.‏

فالأولُ‏:‏ ‏(‏كالبَدْرِيِّ‏)‏ لمَن ‏(‏نزَلَ‏)‏ أي‏:‏ سكَنَ ‏(‏بَدْراً عُقبَةَ‏)‏ أي‏:‏ كعُقبةِ بضمِّ المهملةِ ثم قافٍ بعدَها مُوحَّدَةٌ، ابنُ عَمْرٍو أبي مسعودٍ الأنصاريُّ الخَزْرَجِيُّ الصحابيُّ؛ فإنَّه فيما قالَ إبراهيمُ الحَرْبِيُّ إنَّما سَكَنَها خاصَّةً، ونحوُه قولُ ابنِ سَعْدٍ عن الوَاقِدِيِّ‏:‏ إِنَّه نزَلَ ماءَ ببدرٍ فنُسِبَ إليه؛ إذْ ليسَ بينَ أصحابِنا اختلافٌ في أنَّه لم يَشْهَدِ الوقعةَ الشهيرَ بها، وكذا قالَ مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عن ابنِ شهابٍ‏:‏ إنَّه لم يَشْهَدْها، وهو قولُ ابنِ إسحاقَ وابنِ مَعينٍ ثم ابنِ عبدِ البَرِّ، وعبارتُه‏:‏ لا يَصِحُّ شُهودُه بدراً‏.‏ وبه جزَمَ ابنُ السمعانيِّ ومشَى عليهِ ابنُ الصلاحِ وأتباعُه؛ فإِنَّه قالَ‏:‏

لم يَشْهَدْ بَدْراً في قولِ الأكثرِ، ولكن نزَلَ بدراً فنُسِبَ إليها‏.‏ انتهَى‏.‏

وعدَّه البخاريُّ في البَدْريِّينَ كما في صَحيحِه واستدَلَّ بأحاديثَ في بعضِها التصريحُ بأنَّه شَهِدَها، منها حديثُ عُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ أنَّه قالَ‏:‏ أخَّرَ المغيرةُ بنُ شُعْبَةَ العَصْرَ وهو أميرُ الكوفةِ‏,‏ فدخَلَ عليهِ أبو مَسْعودٍ عُقْبَةُ بنُ عَمْرٍو جَدُّ زيدِ بنِ حَسَنٍ، وكانَ قد شَهِدَ بدراً فقالَ‏:‏ يا مُغِيرَةُ‏.‏‏.‏‏.‏ فذكَرَ الحديثَ‏,‏ سَمِعَه عُرْوةُ من بَشيرِ بنِ أبي مَسْعودٍ عن أبيهِ، وكذا قالَ مُسلِمٌ في الكُنَى إِنَّه شَهِدَها، ونحوُه قولُ شُعْبَةَ عن الحَكَمِ‏:‏ إِنَّه كانَ بَدْرِيًّا، وقالَ أبو القاسِمِ البغويُّ‏:‏ حَدَّثَني عَمِّي‏,‏ يعني عَلِيَّ بنَ عبدِ العزيزِ عن أبي عُبَيدِ‏,‏ يعني القاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ أنَّه شَهِدَها، وقالَ ابنُ البَرْقِيِّ‏:‏ لم يذكُرْه ابنُ إسحاقَ في أهلِ بَدْرٍ، وفي غيرِ حديثٍ أنَّه مِمَّن شَهِدَها وقالَ أبو القاسمِ الطبرانيُّ‏:‏ أهلُ الكوفةِ يقولونَ‏:‏ إنَّه شَهِدَها ولم يَذْكُرْه أهلُ المدينةِ فيهم‏,‏ وذكَرَه عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ فيمَن شَهِدَ العَقَبَةَ‏.‏ انتهَى‏.‏

وبالجملةِ فالمُثْبَتُ مُقدَّمٌ خصوصاًَ، وفيهم البخاريُّ ومسلمٌ، وقد استظَهَرَ له شيخُنا باتِّفاقِهم على شهودِ العَقَبةِ، وأنَّ مَن شَهِدَها لا مانِعَ من شُهودِه بدراًَ، قالَ‏:‏ والواقديُّ ولو قَبِلْنا قولَه في ‏(‏المَغازِي‏)‏ معَ ضعفِه لا تُرَدُّ به الأحاديثُ الصحيحةُ‏.‏ انتهَى‏.‏

ثم إنَّ أبا مسعودٍ لم يَنفرِدْ بذلك‏,‏ فقَدْ ذكَرَ ابنُ السمعانيِّ في الأنسابِ مِمَّن نُسِبَ بَدْرِيًّا لا لشهودِها، بل لنزولِه آبارَ بدرٍ‏,‏ أبو حِنَّةَ أو حَبَّةَ ثابتُ بنُ النعمانِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ امرِئ القيسِ صَحَابِيٌّ‏.‏

والثاني‏:‏ كإسماعيلَ بنِ محمدٍ المَكِّيِّ، نُسِبَ كذلك لإكثارِه التوَجُّهَ إليها للحَجِّ والمجاورةِ‏,‏ لا أنَّه منها، قالَه ابنُ مَعِينٍ، ومحمدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ بفتحِ المهملةِ والواوِ ثم قافٍ؛ لنزولِه العَوَقَةَ‏,‏ وإلا فهو بَصْرِيٌّ‏.‏

والثالثُ‏:‏ كأبي خَالِدِ الدالانيِّ نُسِبَ كذلك لنزولِه في بَنِي دالانَ‏,‏ ولم يكُنْ منهم‏,‏ وعبدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمانَ العَرْزَمِيُّ نُسِبَ كذلك لنُزُولِه جَبَّانَةَ عَرْزَمٍ بالكوفةِ‏,‏ ولم يكُنْ من القبيلةِ، و ‏(‏كذلك التَّيْمِي‏)‏ بالإسكانِ للوزنِ ‏(‏سُلَيْمَانُ‏)‏ بنُ طرخانَ أبو المُعْتَمِرِ نُسِبَ تَيْماً لكونِه ‏(‏نزَلَ تَيْماً‏)‏ بالقصرِ للوزنِ‏,‏ لا أنَّه من بني تَيْمٍ، بل هو مَوْلًى لبني مُرَّةَ‏,‏ قالَه البخاريُّ في تاريخِه، ونحوُه ما رواهُ ابنُ السمعانِيِّ من وَجْهَيْنِ عن وَلَدِه المُعْتَمِرِ أنَّه قالَ لأبيهِ، إِنَّكَ تَكْتُبُ التيميَّ ولسْتَ تَيْمِيًّا‏؟‏ فقالَ‏:‏ أنا تَيْمِيُّ الدارِ‏.‏ لكن قد روَى الأصمعيُّ عن المُعْتمرِ أيضاً أنه قالَ‏:‏ قالَ لي أبي‏:‏ إذا كَتَبْتَ فلا تَكْتُبِ التيميَّ، ولا تكتُبِ المُرِّيَّ، بل اكتُبِ القَيْسِيَّ؛ فإنَّ أبي كانَ مُكاتباً لبُجَيْرٍ بنِ حِمْرانَ وإنَّ أُمِّي كانتْ مولاةً لبني سُلَيْمٍ، فإنْ كانَ أبي أدَّى الكتابةَ، فالولاءُ لبني مُرَّةَ، وهو مُرَّةُ بنُ عَبَّادِ بنِ ضُبَيعةَ بنِ قَيْسٍ، وإنْ لم يَكُنْ أدَّاها فالولاءُ لبني سُلَيْمٍ‏,‏ وهو من قَيْسِ عَيْلانَ، فعلى كِلاَ الأمريْنِ أنا قَيْسِيٌّ‏.‏

والرابعُ‏:‏ ‏(‏و‏)‏ منه ‏(‏خَالِدٌ‏)‏ هو ابنُ مِهْرانَ البصريُّ، نُسِبَ حذَّاءً بالحاءِ المهملةِ المفتوحةِ والذالِ المعجمةِ المُشدَّدَةِ معَ المَدِّ ‏(‏بـ‏)‏ سَبَبِ رجُلٍ ‏(‏حَذَّاءٍ‏)‏ أي‏:‏ يَحْذُو النعْلَ؛ لكونِه ‏(‏جَعَلْ جُلُوسَهُ‏)‏ عندَه في دُكَّانِه كما قالَه يَزِيدُ بنُ هَارُونَ فيما حَكَاهُ البُخارِيُّ في تاريخِه‏,‏ وأنَّه ما حَذَا نَعْلاً قَطُّ، وكذا قالَه التِّرْمِذِيُّ في جامعِه عن البخاريِّ، وقالَ ابنُ سَعْدٍ‏:‏ إنَّه لم يَكُنْ بحَذَّاءٍ‏,‏ ولكنَّه كانَ يَجْلِسُ إليهم، وعن خالدِ بنِ عبدِ اللهِ الوَاسِطِيِّ أنَّه سَمعَه يقولُ‏:‏ ما حَذَوْتُ نَعْلاً قَطُّ ولا بِعْتُها، ولكنْ تَزَوَّجْتُ امرأتي في بَنِي مُجاشِعٍ‏,‏ فنزَلْتُ عليها في الحَذَّائِينَ‏,‏ فنُسِبْتُ إليهم‏,‏ رواه ابنُ السمعانيِّ، وهذا قد لا يُنافِي الأولَ، لكنْ قدْ حَكَى ابنُ سَعدٍ أيضاً عن فهدِ بنِ حَيَّانَ أنَّه قالَ‏:‏ لم يَحْذُ خالِدٌ قَطُّ، وإنما كانَ يقولُ‏:‏ احْذُ على هذا النحوِ‏.‏ فلُقِّبَ الحذَّاءَ، وكذا كانَ أبو عبدِ الرحمنِ عُبَيدةُ بنُ حميدٍ الكوفيُّ يُعْرَفُ بالحَذَّاءِ فقالَ ابنُ حِبَّانَ‏:‏ إِنَّه لم يَكُنْ حذَّاءً، إِنَّما كانَ يُجالِسُ الحذَّائِينَ فنُسِبَ إليهم‏.‏

والخامسُ‏:‏ كيَزِيدَ الفَقِيرِ أحدِ التابعِينَ، لم يكُنْ فَقِيراً، وإنَّما أُصِيبَ في فَقَارِ ظَهْرِه فكانَ يتألَّمُ منه حتى يَنْحَنِي له‏.‏

والسادسُ‏:‏ ‏(‏و‏)‏ منه ‏(‏مِقْسَمٌ‏)‏ بكسرِ الميمِ وفتحِ السينِ المهملةِ‏,‏ بينَهما قافٌ وآخرَه مِيمٌ معَ كونِه مَوْلَى لعبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نَوْفَلٍ فيما قالَه البخاريُّ وغيرُه‏,‏ ‏(‏لَمَّا لَزِمْ مَجْلِسَ عَبدِ اللهِ‏)‏ بنِ عَبَّاسٍ ‏(‏مَوْلاه وُسِمْ‏)‏ أي‏:‏ عُرِفَ، ووُصِفَ بأنَّه مولَى ابنِ عبَّاسٍ‏.‏

واعلَمْ أنه مما كثُرَ الاشتباهُ فيه وعَمَّ الضررُ به مَن يُنْسَبُ حُسَيْنِيًّا؛ لسُكْناهُ مَحَلاًّ من القاهرةِ أو بَلَداً أو غيرَهما فيُتَوهَّمُ أنَّها نسبةٌ للحسينِ بنِ عَلِيٍّ، ويُوصَفُ بالشرفِ؛ ولذا كانَ بعضُ مُتْقِنِي العلماءِ مِمَّن يَنْسُبُ كذلك يُقَيِّدُ بقولِه‏:‏ سُكْنَى، أو زُبَيْرِيًّا لمحلَّةٍ بنواحي الغربيَّةِ فيُتَوهَّمُ أنَّها للزبيرِ بنِ العوَّامِ حَوارِيِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أو جَعْفَرِيًّا لمَحَلَّةٍ أيضاً فيُتَوَهَّمُ أنَّها لجَعْفَرِ بنِ أبي طَالبٍ، أو قُرَشِيًّا لمَحلَّةٍ تُسمَّى القرشيَّةَ فيُتَوهَّمُ أنها لقُريشٍ أو جَرَّاحِيًّا لمحلَّةٍ أيضاً فيُتَوهَّمُ أنَّها لأبي عُبَيدَةَ بنِ الجرَّاحِ أو عَبَّاسِيًّا للعبَّاسَةِ من الشرقيَّةِ فيُظَنُّ أنه من ذُرِّيَّةِ العبَّاسِ عَمِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في أشباهٍ لذلك عَمَّ الضَّرَرُ بها‏.‏

الْمُبْهَمَاتُ

948- ومُبْهَمُ الرُّواةِ ما لم يُسْمَى *** كامرأةٍ في الْحَيْضِ وَهْيَ أَسْمَا

949- ومَن رَقَى سَيِّدَ ذاكَ الْحَيِّ *** راقٍ أبو سَعيدٍ للخُدْرِيِّ

950- ومنه نحوُ ابنِ فُلانٍ عَمِّهِ *** عَمَّتِهِ زَوجتِه ابنِ أُمِّهِ

‏(‏ومُبْهَمُ الرُّواةِ‏)‏ من الرجالِ والنساءِ ‏(‏مَا لَمْ يُسْمَى‏)‏ بإسكانِ ثانيه في بعضِ الرواياتِ أو جَمِيعِها؛ إمَّا اختصاراً أو شَكًّا أو نحوَ ذلك‏,‏ وهو مُهِمٌّ، وفائدةُ البحثِ عنه زَوالُ الجَهالةِ التي يَرِدُ الخَبَرُ معَها‏,‏ حيثُ يَكُونُ الإبهامُ في أصلِ الإسنادِ، كأنْ يُقالَ‏:‏ أخْبَرَنِي رجلٌ أو شيخٌ أو فلانٌ أو بعضُهم‏.‏ لأنَّ شرطَ قَبُولِ الخَبَرِ- كما عُلِمَ- عَدالَةُ راويهِ‏,‏ ومَن أُبْهِمَ اسمُه لا تُعْرَفُ عينُه فكيفَ عَدالَتُه‏؟‏‏!‏ بل ولو فُرِضَ تعديلُ الراوي عنه له معَ إبهامِه إِيَّاه لا يَكْفِي على الأصَحِّ كما تَقرَّرَ في بابِه، وما عَداه مِمَّا يقَعُ في أصْلِ المَتْنِ ونحوِه قالَ فيهِ ابنُ كَثِيرٍ‏:‏ إنَّه قليلُ الجَدْوَى بالنسبةِ إلى معرفةِ الحُكْمِ من الحديثِ، ولكنَّه شَيْءٌ يَتحَلَّى به كثيرٌ من المُحدِّثِينَ وغيرِهم‏.‏ كذا قالَ، بل من فوائدِه أنْ يَكُونَ المُبْهَمُ سائلاً عن حُكْمٍ عارَضَه حديثٌ آخرُ فيُستفادُ بمعرفتِه النسخُ وعَدَمُه إنْ عُرِفَ زمَنُ إسلامِ ذلك الصحابيِّ وكانَ قد أَخْبَرَ عن قِصَّةٍ قد شَاهَدَها وهو مسلمٌ‏.‏

وقدْ صَنَّفَ فيه عبدُ الغَنِيِّ بنُ سعيدٍ ثم الخطيبُ مُرَتِّباً له على الحروفِ في المُبْهَمِ ثم ابنُ بَشْكُوالٍ في الغوامضِ والمُبْهماتِ بدونِ تَرْتِيبٍ‏,‏ وهو أجْمَعُها، وقد اختَصَرَ النَّوَوِيُّ كتابَ الخطيبِ معَ نفائِسَ ضَمَّها إليهِ مُهَذِّباً مُحَسِّناً، لا سِيَّما في ترتيبِه على الحروفِ في راوي الخَبَرِ مِمَّا سَهُلَ به الكشفُ منه بالنسبةِ لأصلِه، وسَمَّاهُ الإشاراتِ إلى المُبْهماتِ، واخْتَصَرَ أبو الحسنِ عَلِيُّ بنُ السَّرَّاجِ بنِ المُلَقِّنِ والبُرْهانُ الحَلَبِيُّ كتابَ ابنِ بَشْكُوالٍ بحذفِ الأسانيدِ، وأتى أَوَّلُهما فيه بزياداتٍ‏.‏

وكذا صَنَّفَ فيه أبو الفَضْلِ بنُ طَاهِرٍ، واعْتَنَى ابنُ الأثيرِ في أواخرِ كتابِه ‏(‏جامعِ الأُصولِ‏)‏ بتحريرِها، وكذا أورَدَ ابنُ الجَوزيِّ في تَلْقيحِه منها جملةً، وللقُطْبِ القسطلانيِّ ‏(‏الإيضاحُ عن المُعْجَمِ من الغامضِ والمُبْهَمِ‏)‏ وللوَلِيِّ العراقيِّ ‏(‏المُسْتَفادُ من مُبْهماتِ المَتْنِ والإسنادِ‏)‏، ورَتَّبَه على الأبوابِ، واعتنَى شيخُنا بذلك لكنْ بالنسبةِ لصحيحِ البخاريِّ فأرْبَى فيه على مَن سَبَقَه، بحيثُ كانَ مُعَوَّلُ القاضي جلالِ الدينِ البُلْقِينيِّ في تصنيفِه المفردِ في ذلك‏,‏ عليه‏.‏

والأصلُ فيه قولُ ابنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏لم أزَلْ حَرِيصاً على أنْ أسألَ عُمرَ عن المرأتيْنِ اللتيْنِ قالَ اللهُ لهما‏:‏ ‏(‏إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ‏)‏‏.‏ إلى أنْ خَرَجَ حَاجًّا‏,‏ فخرَجَتْ معَه، فلَمَّا رَجَعْنا وكُنَّا ببعضِ الطريقِ عَدَلَ إلى الأراكِ لحاجةٍ له‏,‏ فوَقَفتُ له حتَّى فرَغَ ثم سِرْتُ معَه فقُلْتُ‏:‏ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ من اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من أزواجِه‏؟‏ قالَ‏:‏ هما حَفصَةُ وعَائِشَةُ‏.‏

ويُعْرَفُ تَعْيِينُ المُبْهَمِ بروايةٍ أُخْرَى مُصرِّحةٍ به أو بالتنصيصِ من أهلِ السِّيَرِ ونحوِهم إن اتَّفقتِ الطرقُ على الإبهامِ، ورُبَّما استُدِلَّ له بوُرودِ تلك القِصَّةِ المُبْهَمِ صَاحِبُها لمُعَيَّنٍ معَ احتمالِ تعدُّدِها كما سيأتي بعدُ، وأمثلتُه في المَتْنِ والإسنادِ كَثِيرَةٌ‏.‏

ففي المَتْنِ ‏(‏كامرأةٍ‏)‏ سألَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن غُسْلِها ‏(‏في الحَيْضِ‏)‏ فقالَ لها‏:‏ ‏(‏خُذْي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديثَ‏.‏ مُتَّفَقٌ عليه من روايةِ مَنْصورِ بنِ صَفِيَّة عنِ أُمِّه‏,‏ عن عَائِشَةَ ‏(‏وهْيَ‏)‏ كما أخْرَجَه مسلمٌ من روايةِ شُعْبَةَ عن إبراهيمَ بنِ مُهاجِرٍ عن صَفِيَّةَ‏,‏ عن عَائِشَةَ ‏(‏اسْمَا‏)‏‏,‏ لكنَّها مهملةٌ من نسبةٍ تَتمَيَّزُ بها؛ ولذا اختَلَفَ الحُفَّاظُ في تَعْيينِها فقالَ الخَطِيبُ‏:‏ هي ابنةُ يَزِيدَ بنِ السَّكَنِ الأنصاريَّةُ‏,‏ وقالَ ابنُ بشَكُوالٍ‏:‏ هي ابنةُ شكلٍ‏.‏ وصُوِّبَ لثُبوتِه في مسلمٍ أيضاً من حديثِ أبي الأحوصِ عن ابنِ مُهاجِرٍ، ولكنْ قالَ النَّوَوِيُّ‏:‏ يَجوزُ أنْ تَكُونَ القِصَّةُ وقَعَتْ لهما معاً في مجلسٍ أو مجلسيْنِ، ومالَ إليه شيخُنا فإنَّه بعدَ أنْ حَكَى أنَّ الدِّمياطيَّ يعني في حَاشيةِ نسختِه لصحيحِ مسلمٍ ادَّعى في روايةِ مسلمٍ المُعيَّنَةِ التصحِيفَ‏,‏ وأنَّ الصوابَ السَّكَنُ بالمهملةِ وآخرَه نونٌ؛ كما جَزَمَ به ابنُ الجَوزيِّ في تلقيحِه تبعاً للخطيبِ، وأنَّها نُسِبَتْ لجَدِّها فهي ابنةُ يَزِيدَ بنِ السَّكَنِ، قالَ‏:‏ إِنَّه رَدٌّ للأخبارِ الصحيحةِ بمُجرَّدِ التوَهُّمِ، وإِلاَّ فما المانِعُ أنْ تَكُونَا امرأتيْن، خُصوصاً وقدْ وقَعَ في مُصنَّفِ ابنِ أبي شَيْبَةَ كما في مُسلمٍ‏,‏ فانْتَفَى عنه الوهمُ، وبذلك جزَمَ ابنُ طَاهِرٍ وأبو موسى المدينيُّ وأبو عليٍّ الجَيَّانِيُّ، وكقولِ ابنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إنَّ رجُلاً قالَ‏:‏ يا رسولَ اللهِ‏,‏ الحَجُّ كُلَّ عَامٍ‏؟‏ فالرجُلُ هو الأقرعُ بنُ حَابسٍ‏.‏

‏(‏و‏)‏ مِنْهَا ‏(‏مَن رَقَى سَيِّدَ ذَاكَ الحَيِّ‏)‏ من العربِ الذينَ مَرَّ بهم أناسٌ من الصحابةِ حِينَ أُصِيبَ أو لُسِعَ بعدَ سؤالِ الحيِّ إيَّاهم‏:‏ أفِيكُم مَن يَرْقِي سَيِّدَنا‏؟‏ فامْتَنَعوا إلاَّ بجَعْلٍ؛ لكونِهم اسْتَضافُوهم فلم يُضَيِّفُوهم‏,‏ فـ ‏(‏رَاقٍ‏)‏ أي‏:‏ فاعلُ الرُّقْيةِ الذي لم يُسَمَّ في روايةِ الشيخيْنِ وسائرِ السِّتَّةِ، قالَ الخطيبُ‏:‏ هو ‏(‏أَبُو سَعِيدٍ للخُدْرِيِّ‏)‏ راوي القِصَّةِ يعني كما رواهُ التِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وأحمدُ وعَبْدٌ وغيرُهم مِمَّا صَحَّحَه ابنُ حِبَّانَ وغيرُه‏,‏ كُلُّهم من حديثِ الأعمشِ‏,‏ عن جَعْفَرِ بنِ إياسٍ‏,‏ عن أبي نَضْرَةَ‏,‏ عن أبي سَعِيدٍ، ولفظُ أحَدِهم‏:‏ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ أَنَا، ولكنْ لا أَرقِيهِ حَتَّى تُعْطُونَا غَنَماً‏)‏‏.‏ وفيه أيضاً‏:‏ ‏(‏إِنَّ عِدَّتَها ثَلاثونَ شَاةً وعِدَّةَ السَّرِيَّةِ كذلك‏)‏‏.‏ وفي روايةٍ عندَ أحمدَ والدارقطنيِّ من حديثِ سُلَيمانَ بنِ قَتَّةَ بفتحِ القافِ وتشديدِ المُثنَّاةِ‏,‏ عن أبي سَعِيدٍ‏:‏ ‏(‏فأتَيْتُه فَرَقَيْتُهُ بفَاتِحَةِ الكتابِ‏)‏‏.‏ ولا يَخْدِشُ في ذلك ما عندَ البزَّارِ من حديثِ جابرٍ‏:‏ ‏(‏فقالَ رجُلٌ من الأنصارِ‏:‏ أنا أَرْقِيهِ‏)‏، وكذا ما عندَ الشيخيْنِ من حديثِ مَعْبَدِ بنِ سِيرِينَ عن أبي سَعِيدٍ حيثُ قالَ‏:‏ ‏(‏فقامَ معَها- أي‏:‏ معَ المرأةِ التي أتَتْ تسأَلُ في ذلك- رجُلٌ ما كُنَّا نَأْبِنُه‏,‏ وهي بكسرِ المُوحَّدَةِ وضَمِّها‏,‏ أي‏:‏ نَتَّهِمُه- برُقْيَةٍ، وفي لفظٍ لمسلمٍ‏:‏ رجُلٌ مِنَّا ما كُنَّا نَظُنُّه يُحْسِنُ رُقْيَةً، ثم اتَّفَقْنا- واللفظُ للبخاريِّ- ‏(‏أنَّه لَمَّا رجَعَ قُلْنا له‏:‏ أكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أو كنتَ تَرْقِي‏؟‏ فقالَ‏:‏ لا، ما رَقَيْتُهُ إِلاَّ بفَاتِحَةِ الكتابِ‏)‏‏.‏ لأنَّه لا مَانِعَ مِن أنْ يُكَنَّى الرجُلُ عن نفسِه وأبو سَعيدٍ أنصاريٌّ، وحينَئذٍ فلَعَلَّه صَرَّحَ تارةً وكنَّى أُخْرَى، وأما احتمالُ التعَدُّدِ فقالَ شيخُنا في الفتحِ‏:‏ إنَّه بعيدٌ جِدًّا لا سِيَّما معَ اتحادِ المَخْرَجِ والسياقِ، والسببِ وكونِ الأصلِ عَدَمَه، لكنَّه معَ استبعادِه له جَوَّزَه في المُقدِّمةِ فقالَ معَ هذا الاستبعادِ‏:‏ وجاءَ في روايةٍ أُخْرَى وعَنَى التي أَوْرَدْتُها أنَّ الرَّاقِيَ غيرُ أبي سعيدٍ‏,‏ فيَحتمِلُ التعَدُّدَ‏.‏

واعلَمْ أنَّ أكثرَ نُسَخِ النظْمِ ‏(‏أبي سَعيدٍ‏)‏ بالجرِّ، ويظهَرُ في إعرابِه أنَّ ‏(‏رَاقٍ‏)‏ عطفٌ على كامرأةٍ، و ‏(‏أبي سَعِيدٍ‏)‏ بيانٌ منه‏,‏ وقولُه‏:‏ ‏(‏ومَن رَقَى‏)‏ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ‏,‏ أي‏:‏ هو مَن رَقَى إلى آخرِه، وما تَقدَّمَ، وقَعَ في بعضِ النسخِ، وهو أظهَرُ وإن اختلَفَ الرَّوِيُّ فيهِ فهو جَائِزٌ‏.‏

‏(‏ومنه‏)‏ أي‏:‏ المُبْهَمُ ‏(‏نحوُ ابنِ فُلانٍ‏)‏ كحديثِ‏:‏ ‏(‏ماتتْ إحْدَى بناتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ‏)‏ فهي زَيْنَبُ زوجةُ أبي العاصِ بنِ الربيعِ، وكابنِ مربعِ بنِ قَيْظِيِّ بنِ عَمْرِو بنِ زيدِ بنِ جُشَمِ بنِ حَارِثَةَ بنِ الحارثِ بنِ عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ أَوْسٍ الأنصاريِّ، وهو بكسرِ الميمِ وسكونِ الراءِ وفتحِ المُوحَّدَةِ وآخرَه عينٌ مهملةٌ، قيلَ‏:‏ اسمُه زيدٌ أو عبدُ اللهِ أو يَزِيدُ، وكابنِ اللُّتْبِيَّةِ أو الأُتْبِيَّةِ بضمِّ أوَّلِه على الروايتيْنِ‏,‏ فاسمُه- فيما قالَ ابنُ سَعْدٍ- عبدُ اللهِ‏.‏

ونحوُ ‏(‏عَمِّهِ‏)‏ كروايةِ خَارِجَةَ بنِ الصلتْ عن عَمِّه، هو عَلاقةُ بنُ صُحَارٍ‏,‏ وكرافعِ بنِ خَديجِ بنِ رَافِعٍ عن بعضِ عُمومَتِه، هو ظَهِيرُ بنُ رَافِعٍ، وكزيادِ بنِ علاقةَ عن عَمِّه، هو قُطْبَةُ بنُ مالكٍ، وكيَحْيَى بنِ خَلاَّدِ بنِ رَافِعٍ لحديثِ المُسِيءِ صَلاتَه‏,‏ عن عَمٍّ له بدريٍّ، فالعمُّ هو رِفاعَةُ بنُ رافعٍ الزرقيُّ‏.‏

ونحوُ ‏(‏عَمَّتِهِ‏)‏ كحُصَيْنِ بنِ مِحْصَنٍ عن عَمَّةٍ له‏,‏ فهي أسماءُ فيما قاله غيرُ واحدٍ، وكقولِ جابرٍ‏:‏ فجَعَلْتُ عَمَّتِي تَبْكِيهِ‏,‏ يعني أباه‏,‏ فهي فَاطِمَةُ أو هِنْدُ ابنةُ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ‏.‏

ونحوُ ‏(‏زَوْجَتِهِ‏)‏ كقولِ عُقْبَةَ بنِ الحارثِ‏:‏ تَزَوَّجْتُ امرأةً فهي أُمُّ يحيى غنيةُ أو زَيْنَبُ ابنةُ أبي إهابِ بنِ قَيْسٍ‏,‏ وكحديثِ‏:‏ جاءتِ امرأةُ رِفاعةَ القُرَظِيِّ فهي تَمِيمَةُ بالتكبيرِ أو تُمَيْمَةُ بالتصغيرِ أو سُهَيْمَةُ‏,‏ كذلك ابنةُ وَهْبٍ أو زَوْجُها كقولِ سبيعةَ الأسلميَّةِ‏:‏ إنَّها وُلِدَتْ بعدَ وَفاةِ زَوْجِها بليالٍ فزَوْجُها هو سعدُ بنُ خَوْلَةَ ونحوُ ‏(‏ابنِ أُمِّهِ‏)‏؛ كقولِ أمِّ هَانِئٍ‏:‏ زعَمَ ابنُ أُمِّي أنَّه قَاتَلَ رَجُلاً أجَرْتُهُ‏)‏ الحديثَ‏.‏ فابنُ أُمِّها هو أَخُوها عليُّ بنُ أبي طَالِبٍ‏,‏ ونحوُ ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فهو إمَّا عبدُ اللهِ أو عَمْرٌو‏,‏ كما تَقدَّمَ فيمَن نُسِبَ إلى أُمِّهِ‏.‏

هذا كُلُّه فيما يَكُونُ الراوي عن المُبْهَمِ مُعَيَّناً، وقد يكونُ مُبْهماً أيضاً‏,‏ كحديثِ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ عن امرأتِه عن أختِ حُذَيفَةَ، فأختُ حُذَيفَةَ هي فاطمةُ أو خولةُ ابنةُ اليَمَانِ، وامرأةُ رِبْعِيٍّ لم تُسَمَّ، وكإبراهيمَ بنِ مَيْسَرَةَ عن خالتِه‏,‏ عن امرأةٍ مُصدقةٍ، فالمرأةُ هي مَيْمونةُ ابنةُ كَرْدَمٍ، والخالةُ لم تُسَمَّ، وكهُنَيْدَةَ بنِ خالدٍ الخُزَاعِيِّ عن امرأتِه، وقيلَ‏:‏ أُمُّه عن بعضِ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بحديثِ ‏(‏إنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الحِجَّةِ‏)‏ فالزوجةُ أمُّ سَلَمَةَ والأُخْرَى لم تُسَمَّ، وبُسِطَ ذلك له غيرَ هذا المَحَلِّ‏.‏

ومن النُّكَتِ ما رُوِّيناه في خامسَ عَشَرَ المجالسةُ عن جِهَةِ سعيدِ بنِ عُثْمانَ، قالَ‏:‏ مَرَّ على الشَّعْبِيِّ حَمَّالٌ على ظَهْرِه دَنٌّ يَحْمِلُه، فلَمَّا رأَى الشَّعْبِيُّ وضَعَه فقالَ له‏:‏ ما اسْمُ امرأةِ إبليسَ، فقالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ ذاك نِكاحٌ لم نَشْهَدْهُ‏.‏