فصل: الْمُضْطَرِبُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: ‏فتح المغيث شرح ألفية الحديث ***


الْمُضْطَرِبُ

209- مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ مَا قَدْ وَرَدَا *** مُخْتَلِفًا مِنْ وَاحِدٍ فَأَزْيَدَا

210- فِي مَتْنٍ أَوْ فِي سَنَدٍ إِنِ اتَّضَحْ فِيهِ *** تَسَاوِي الْخُلْفِ أَمَّا إِنْ رَجَحْ

211- بَعْضُ الْوُجُوهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا *** وَالْحُكْمُ لِلرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا

212- كَالْخَطِّ لِلسُّتْرَةِ جَمُّ الْخُلْفِ *** وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ‏.‏

‏[‏التَّعْرِيفُ بِالْحَدِيثِ الْمُضْطَرِبِ‏]‏‏:‏ لَمَّا انْتَهَى مِنَ الْمُعَلِّ الَّذِي شَرْطُهُ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْعِلَّةِ، نَاسَبَ إِرْدَافَهُ بِمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَرْجِيحُ ‏(‏مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ‏)‏ بِكَسْرِ الرَّاءِ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ اضْطَرَبَ ‏(‏مَا قَدْ وَرَدَا‏)‏ حَالَ كَوْنِهِ ‏(‏مُخْتَلِفًا مِنْ‏)‏ رَاوٍ ‏(‏وَاحِدٍ‏)‏ بِأَنْ رَوَاهُ مَرَّةً عَلَى وَجْهٍ، وَأُخْرَى عَلَى آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ ‏(‏فَأَزْيَدَا‏)‏ بِأَنْ يَضْطَرِبَ فِيهِ كَذَلِكَ رَاوِيَانِ فَأَكْثَرُ‏.‏

‏(‏فِي‏)‏ لَفْظِ ‏(‏مَتْنٍ أَوْ فِي‏)‏ صُورَةِ ‏(‏سَنَدٍ‏)‏ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إِمَّا بِاخْتِلَافٍ فِي وَصْلٍ وَإِرْسَالٍ، أَوْ فِي إِثْبَاتِ رَاوٍ وَحَذْفِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ مَعًا، هَذَا كُلُّهُ ‏(‏إِنِ اتَّضَحْ فِيهِ تَسَاوِي الْخُلْفِ‏)‏ أَيِ‏:‏ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِهَتَيْنِ أَوِ الْجِهَاتِ؛ بِحَيْثُ لَمْ يَتَرَجَّحْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ‏.‏

‏(‏أَمَّا إِنْ رَجَحَ بَعْضُ الْوُجُوهِ‏)‏ أَوِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى غَيْرِهِ بِأَحْفَظِيَّةٍ أَوْ أَكْثَرِيَّةٍ مُلَازِمَةٍ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ- ‏(‏لَمْ يَكُنْ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏مُضْطَرِبًا وَالْحُكْمُ لِلرَّاجِحِ مِنْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنَ الْوُجُوهِ أَوْ مِنَ الْوَجْهَيْنِ ‏(‏وَجَبَا‏)‏؛ إِذِ الْمَرْجُوحُ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ التَّمَسُّكِ بِالرَّاجِحِ، وَكَذَا لَا اضْطِرَابَ إِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ؛ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ مُعَبِّرًا بِاللَّفْظَيْنِ فَأَكْثَرَ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَوْ لَمْ يَتَرَجَّحْ شَيْءٌ‏.‏

وَلِمُضْطَرِبِي الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ، فَالَّذِي فِي السَّنَدِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، يُؤْخَذُ مِنَ الْعِلَلِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ‏.‏

وَمِمَّا الْتَقَطَهُ شَيْخُنَا مِنْهَا مَعَ زَوَائِدَ، وَسَمَّاهُ الْمُقْتَرِبَ فِي بَيَانِ الْمُضْطَرِبِ‏.‏

‏[‏أَمْثِلَةُ ضِرَابِ السَّنَدِ‏]‏‏:‏ ‏(‏كَـ‏)‏ حَدِيثِ ‏(‏الْخَطِّ‏)‏، مِنَ الْمُصَلِّي ‏(‏لِلسُّتْرَةِ‏)‏ الَّذِي لَفْظُهُ‏:‏ “ إِذَا لَمْ يَجِدْ عَصًا يَنْصِبُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَخُطَّ خَطًّا “؛ أَيْ يُدِيرُ دَارَةً مُنْعَطِفَةً كَالْهِلَالِ فِيمَا قَالَهُ أَحْمَدُ، أَوْ يَجْعَلُهُ بِالطُّولِ فِيمَا قَالَهُ مُسَدَّدٌ، فَإِنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ ‏(‏جَمُّ‏)‏ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ‏:‏ كَثِيرُ ‏(‏الْخُلْفِ‏)‏ أَيِ الِاخْتِلَافِ عَلَى رَاوِيهِ، وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ؛ فَإِنَّهُ قِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

وَلِذَا حَكَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ؛ كَالنَّوَوِيِّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَابْنِ عَبْدِ الْهَادِي وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِاضْطِرَابِ سَنَدِهِ، بَلْ عَزَاهُ النَّوَوِيُّ لِلْحُفَّاظِ‏.‏

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ لَا يَثْبُتُ‏.‏ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ‏:‏ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ‏.‏ وَتَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ فِي الْجَدِيدِ بَعْدَ أَنِ اعْتَمَدَهُ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ اضْطِرَابِ سَنَدِهِ، زَعَمَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَشُدُّهُ بِهِ‏.‏

لَكِنْ قَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَأَحْمَدُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمُ‏:‏ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَكَذَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعَمَدَ إِلَى التَّرْجِيحِ، فَرَجَّحَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَنَحْوُهُ حِكَايَةُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَلَا يُنَافِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي؛ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ نُسِبَ الرَّاوِي فِيهِ إِلَى جَدِّهِ، وَسُمِّيَ أَبًا لِظَاهِرِ السِّيَاقِ، وَكَذَا لَا يُنَافِيهِ الثَّالِثُ وَالتَّاسِعُ وَالثَّامِنُ إِلَّا فِي سُلَيْمَانَ مَعَ سُلَيْمٍ، وَكَأَنَّ أَحَدَهُمَا تَصَحَّفَ، أَوْ سُلَيْمًا لَقَبٌ، كَمَا لَا يُنَافِيهِ الرَّابِعُ إِلَّا بِالْقَلْبِ‏.‏

بَلْ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إِنَّ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا قَابِلَةٌ لِتَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالرَّاجِحَةُ مِنْهَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهَا، وَحِينَئِذٍ فَيَنْتَفِي الِاضْطِرَابُ عَنِ السَّنَدِ أَصْلًا وَرَأْسًا، وَلِذَلِكَ أَسْنَدَهُ الشَّافِعِيُّ مُحْتَجًّا بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ لِلْمُزَنِيِّ، وَمَا تَقَدَّمَ عَزْوُهُ إِلَيْهِ، فَفِيهِ نَظَرٌ‏.‏

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ لَا بَأْسَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

قَالَ النَّوَوِيُّ‏:‏ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ إِنَّ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي اسْمِ رَجُلٍ، أَوْ نَسَبِهِ لَا يُؤَثِّرُ؛ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ ثِقَةً- كَمَا هُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ مَنْ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ- فَلَا ضَيْرَ؛ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كُلٍّ مِنَ الْمُعَلِّ وَالْمُنْكَرِ‏.‏

لَا سِيَّمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى رَاوِيهِ جُمْلَةُ أَحَادِيثَ، وَبِذَلِكَ يُرَدُّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الضَّبْطِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيَضُرُّ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ رُوَاتُهُ ثِقَاتٍ، إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ الرَّاوِي الْمُخْتَلَفِ عَلَيْهِ عَنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ بِالطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، فَإِنَّهُ كَيْفَ مَا دَارَ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ‏.‏

وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَجْهُولِ مِنْ تَقْرِيبِهِ‏:‏ وَمَنْ عُرِفَتْ عَيْنُهُ وَعَدَالَتُهُ وَجُهِلَ اسْمُهُ، احْتُجَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، كَمَا هُوَ الْحَقُّ هُنَا؛ لِجَزْمِ شَيْخِنَا فِي تَقْرِيبِهِ بِأَنَّ شَيْخَ إِسْمَاعِيلَ مَجْهُولٌ، فَضَعْفُ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ ضَعْفِهِ، لَا مِنْ قِبَلِ اخْتِلَافِ الثِّقَاتِ فِي اسْمِهِ‏.‏

هَذَا مَعَ أَنَّ دَعْوَى ابْنِ عُيَيْنَةَ الْفَرْدِيَّةَ فِي الْمَتْنِ مُنْتَقَضَةٌ بِمَا رَوَيْنَا فِي “ فَوَائِدَ عَبْدَانَ الْجَوَالِيقِيِّ “ قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاهِرُ بْنُ نُوحٍ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ إِلَى مَا يَسْتُرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَخُطَّ خَطًّا “‏.‏

وَكَذَا رُوِّينَا فِي أَوَّلِ جُزْءِ ابْنِ فِيلٍ قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَسْقَلَانِيُّ ثَنَا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى مَسْجِدٍ، أَوْ إِلَى شَجَرَةٍ، أَوْ إِلَى بَعِيرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَلْيَخُطَّ خَطًّا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ “‏)‏‏.‏

وَرَوَاهُ أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ عَنْ أَيُّوبَ، فَقَالَ‏:‏ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، بَدَلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَادَّعَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ تَفَرُّدَ أَبِي مَالِكٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، بَلْ فِي الْبَابِ أَيْضًا، عَنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

فَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ “ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ قِبَلِ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، حَتَّى جَاءَ إِلَى وَجْهِ الْكَعْبَةِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَخَطَّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ خَطًّا عَرْضًا، ثُمَّ كَبَّرَ فَصَلَّى، وَالنَّاسُ يَطُوفُونَ بَيْنَ الْخَطِّ وَالْكَعْبَةِ “‏.‏

وَكَذَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضِيَ اللَّهُ عنهُ، وَفِي سَنَدِهِمَا ضَعْفٌ، لَكِنَّهُمَا مَعَ طَرِيقَيْنِ‏:‏ إِحْدَاهُمَا مُرْسَلَةٌ، وَالْأُخْرَى مَقْطُوعَةٌ، يَتَقَوَّى بِهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الِاضْطِرَابَ الْوَاقِعَ فِي هَذَا السَّنَدِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، فَلْنَذْكُرْ مِثَالًا لَا خَدْشَ فِيهِ، مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الثِّقَاتُ مَعَ تَسَاوِيهِمْ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا أَتَوْا بِهِ؛ وَهُوَ حَدِيثُ‏:‏ “ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا “ فَإِنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، فَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ بَيْنَهُمَا ابْنَ عَبَّاسٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عَنْهُ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَبْسُوطًا‏.‏

‏[‏أَمْثِلَةُ ضِرَابِ الْمَتْنِ‏]‏ وَأَمَّا أَمْثِلَةُ الِاضْطِرَابِ فِي الْمَتْنِ- وَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ مِثَالٌ سَالِمٌ لَهُ- كَحَدِيثِ نَفْيِ الْبَسْمَلَةِ؛ حَيْثُ زَالَ الِاضْطِرَابُ عَنْهُ بِالْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ فِي النَّوْعِ قَبْلَهُ، وَحَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي وَضْعِ الْخَاتَمِ؛ حَيْثُ زَالَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُنْكَرِ، وَحَدِيثِ فَاطِمَةَ‏:‏ “ إِنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ “، الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ؛ حَيْثُ زَالَ بِإِمْكَانِ سَمَاعِهَا لِلَّفْظَيْنِ، وَحَمْلِ الْمُثْبِتِ عَلَى التَّطَوُّعِ وَالنَّافِي عَلَى الْوَاجِبِ، وَيَتَأَيَّدُ بِزِيَادَةِ‏:‏ ثُمَّ قَرَأَ- أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏:‏ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ‏[‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 177‏]‏ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ آخَرَ‏:‏ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ‏:‏ قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ‏:‏ إِذَا زَكَّى الرَّجُلُ مَالَهُ، أَيَطِيبُ لَهُ مَالُهُ‏؟‏ فَقَرَأَ‏:‏ لَيْسَ الْبِرَّ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ‏.‏ هَذَا مَعَ ضَعْفِهِ بِغَيْرِ الِاضْطِرَابِ؛ فَإِنَّ أَبَا حَمْزَةَ شَيْخُ شَرِيكٍ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَوَرَاءَ هَذَا نَفَى بَعْضُهُمُ الِاضْطِرَابَ عَنْهُ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ سَوَاءٌ، وَهُوَ الْإِثْبَاتُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُصِبْ، وَإِنْ سَبَقَهُ لِنَحْوِهِ الْبَيْهَقِيُّ‏.‏

فَمِنْهَا الِاخْتِلَافُ فِي الصَّلَاةِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ‏:‏ فَمَرَّةً شَكَّ الرَّاوِي أَهِيَ الظُّهْرُ، أَوِ الْعَصْرُ‏؟‏ وَمَرَّةً قَالَ‏:‏ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، إِمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْعَصْرُ، وَمَرَّةً جَزَمَ بِالظُّهْرِ، وَأُخْرَى بِالْعَصْرِ، وَأُخْرَى قَالَ‏:‏ وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهَا الْعَصْرُ‏.‏

وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مَا يَشْهَدُ لِأَنَّ الشَّكَّ فِيهَا كَانَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ‏:‏ “ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ “، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ “ وَلَكِنِّي نَسِيتُ “‏.‏

قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَاهُ كَثِيرًا عَلَى الشَّكِّ، وَكَانَ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الظُّهْرُ فَجَزَمَ بِهَا، وَتَارَةً غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَجَزَمَ بِهَا، ثُمَّ طَرَأَ الشَّكُّ فِي تَعْيِينِهَا عَلَى ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا؛ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا، وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ الِاهْتِمَامَ بِمَا فِي الْقِصَّةِ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ‏.‏

وَأَبْعَدَ مَنْ جَمَعَ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ، وَلَكِنْ كَثِيرًا مَا يَسْلُكُ الْحُفَّاظُ؛ كَالنَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ- ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ؛ تَوَصُّلًا إِلَى تَصْحِيحِ كُلٍّ مِنَ الرِّوَايَاتِ؛ صَوْنًا لِلرُّوَاةِ الثِّقَاتِ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْغَلَطُ إِلَى بَعْضِهِمْ، وَقَدْ لَا يَكُونُ الْوَاقِعُ التَّعَدُّدَ، نَعَمْ قَدْ رَجَّحَ شَيْخُنَا فِي هَذَا الْمِثَالِ الْخَاصِّ رِوَايَةَ مَنْ عَيَّنَ الْعَصْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

‏(‏وَالِاضْطِرَابُ‏)‏ حَيْثُ وَقَعَ فِي سَنَدٍ أَوْ مَتْنٍ ‏(‏مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ‏)‏ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ ضَبْطِ رَاوِيهِ أَوْ رُوَاتِهِ‏.‏

الْمُدْرَجُ

213- الْمُدْرَجُ‏:‏ الْمُلْحَقُ آخِرَ الْخَبَرْ *** مِنْ قَوْلِ رَاوٍ مَا بَلَا فَصْلٍ ظَهَرْ

214- نَحْوُ “ إِذَا قُلْتَ التَّشَهُّدُ “ وَصَلْ *** ذَاكَ زُهَيْرٌ وَابْنُ ثَوْبَانَ فَصَلْ

215- قُلْتُ‏:‏ وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ قُلِبْ *** كَـ “ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ وَيْلٌ لِلْعَقِبْ “

216- وَمِنْهُ جَمْعٌ مَا أَتَى كُلُّ طَرَفْ مِنْهُ *** بِإِسْنَادٍ بِوَاحِدٍ سَلَفْ

217- كَوَائِلٍ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ قَدْ *** أَدْرَجَ ثُمَّ جِئْتُهُمْ وَمَا اتَّحَدْ

218- وَمِنْهُ أَنْ يُدْرَجَ بَعْضُ الْمُسْنَدِ *** فِي غَيْرِهِ مَعَ اخْتِلَافِ السَّنَدِ

219- نَحْوُ “ وَلَا تَنَافَسُوا “ فِي مَتْنِ “ لَا تَبَاغَضُوا “ فَمُدْرَجٌ قَدْ نُقِلَا

220- مِنْ مَتْنِ “ لَا تَجَسَّسُوا “ أَدْرَجَهُ *** ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ إِذْ أَخْرَجَهُ

221- وَمِنْهُ مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ *** وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضًا فِي السَّنَدْ

222- فَيَجْمَعُ الْكُلَّ بِإِسْنَادٍ ذُكِرْ *** كَمَتْنِ ‏(‏أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ‏)‏ الْخَبَرْ

223- فَإِنَّ عَمْرًا عِنْدَ وَاصِلٍ فَقَطْ بَيْنَ شَقِيقٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ سَقَطْ

224- وَزَادَ الْأَعْمَشُ كَذَا مَنْصُورُ وَعَمْدُ الْإِدْرَاجِ لَهَا مَحْظُورُ

‏[‏مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ‏]‏ لَمَّا انْتَهَى مِمَّا هُوَ قَسِيمُ الْمُعَلِّ مِنْ حَيْثِيَّةِ التَّرْجِيحِ وَالتَّسَاوِي كَمَا قَدَّمْتُ، وَكَانَ مِمَّا يُعَلُّ بِهِ إِدْخَالُ مَتْنٍ وَنَحْوِهِ فِي مَتْنٍ، نَاسَبَ الْإِرْدَافَ بِذَلِكَ ‏(‏الْمُدْرَجُ‏)‏ وَيَقَعُ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا أَقْسَامٌ اقْتَصَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الْمَتْنِ عَلَى أَحَدِهَا، هُوَ الْقَوْلُ ‏(‏الْمُلْحَقُ آخِرَ الْخَبَرْ‏)‏ الْمَرْفُوعِ ‏(‏مِنْ قَوْلِ رَاوٍ مَا‏)‏ مِنْ رُوَاتِهِ، إِمَّا الصَّحَابِيُّ أَوِ التَّابِعِيُّ أَوْ مَنْ بَعْدَهُ ‏(‏بِلَا فَصْلٍ ظَهَرْ‏)‏ بَيْنَ هَذَا الْمُلْحَقِ بِعَزْوِهِ لِقَائِلِهِ، وَبَيْنَ كَلَامِ النُّبُوَّةِ؛ بِحَيْثُ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْجَمِيعَ مَرْفُوعٌ‏.‏

ثُمَّ قَدْ يَكُونُ تَفْسِيرُ الْغَرِيبِ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ؛ كَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَنَظَائِرِهَا، أَوِ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا فَهِمَهُ مِنْهُ أَحَدُ رُوَاتِهِ؛ كَثَانِي حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، الْآتِيَيْنِ فِي الطَّرِيقِ لِمَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ، أَوْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا، وَرُبَّمَا يَكُونُ حَدِيثًا آخَرَ، كَأَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَالْأَمْرُ فِي أَوَّلِهَا سَهْلٌ؛ إِذِ الرَّاوِي أَعْرَفُ بِمَعْنَى مَا رَوَى‏.‏

وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَرْفُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِيِّ بِإِلْحَاقِ التَّابِعِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ، أَوْ فِي الْمَقْطُوعِ بِإِلْحَاقِ تَابِعِي التَّابِعِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ‏.‏

وَلَكِنَّ الْأَهَمَّ مِنْ ذَلِكَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ ‏(‏نَحْوُ‏)‏ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْهُ فِي تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ ‏(‏إِذَا قُلْتَ‏)‏ هَذَا ‏(‏التَّشَهُّدَ‏)‏ فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ‏)‏‏.‏

فَقَدْ ‏(‏وَصَلْ ذَاكَ‏)‏ بِالْمَرْفُوعِ ‏(‏زُهَيْرٌ‏)‏ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ أَبُو خَيْثَمَةَ، كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ، فِي رِوَايَتِهِ لَهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنِ الْقَاسِمِ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ، ‏(‏وَابْنُ ثَوْبَانَ‏)‏ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتٍ أَحَدُ مَنْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ الْحُرِّ ‏(‏فَصَلَ‏)‏ الْمَوْقُوفَ عَنِ الْمَرْفُوعِ بِقَوْلِهِ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، بَلْ رَوَاهُ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ- وَهُوَ ثِقَةٌ- عَنْ زُهَيْرٍ نَفْسِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ‏.‏

وَيَتَأَيَّدُ بِاقْتِصَارِ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ، وَابْنِ عَجْلَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ فِي رِوَايَتِهِمْ عَنِ ابْنِ الْحُرِّ، بَلْ وَكُلُّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى الْمَرْفُوعِ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِعَدَمِ رَفْعِهِ، بَلِ اتَّفَقُوا- كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى أَنَّهُ مُدْرَجٌ‏.‏

ثُمَّ إِنَّهُ لَوْ صَحَّ رَفْعُهُ، لَكَانَ ظَاهِرُهُ مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ “، مَعَ أَنَّ الْخَطَّابِيَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ فِي عَدَمِ الْإِدْرَاجِ بِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ “ فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ “ أَيْ‏:‏ مُعْظَمَهَا‏.‏

‏(‏قُلْتُ‏:‏ وَمِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَمِنَ الْمُدْرَجِ مِمَّا هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَتْنِ أَيْضًا ‏(‏مُدْرَجٌ قَبْلُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَبْلَ الْآخَرِ، بِأَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ أَثْنَائِهِ ‏(‏قُلِبَ‏)‏ بِالنِّسْبَةِ لِمَا الْإِدْرَاجُ فِي آخِرِهِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَمْثِلَةٌ ‏(‏كَـ‏)‏ حَدِيثِ ‏(‏أَسْبِغُوا‏)‏ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ‏:‏ أَكْمِلُوا ‏(‏الْوُضُوءَ وَيْلٌ لِلْعَقِبِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُؤَخَّرِ الْقَدَمِ، وَفِي لَفْظٍ وَهُوَ الْأَكْثَرُ‏:‏ “ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ “‏.‏

فَإِنَّ شَبَابَةَ بْنَ سَوَّارٍ، وَأَبَا قَطَنٍ عَمْرَو بْنَ الْهَيْثَمِ رَوَيَاهُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِرَفْعِ الْجُمْلَتَيْنِ مَعَ كَوْنِ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا فَصَّلَهُ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَنْ شُعْبَةَ، وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى تَخْرِيجِهِ كَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ بَعْضِهِمْ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَرْفُوعِ فَقَطْ، فَهُوَ مِثَالٌ لِمَا الْإِدْرَاجُ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ نَادِرٌ جِدًّا، حَتَّى قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ إِلَّا مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بُسْرَةَ الْآتِي‏.‏

ثُمَّ إِنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏(‏أَسْبِغُوا‏)‏ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ‏.‏

وَكَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ؛ حَيْثُ أَدْرَجَ فِيهِ الزُّهْرِيُّ‏:‏ “ وَالتَّحَنُّثُ‏:‏ التَّعَبُّدُ “‏.‏

وَحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رَفَعَهُ‏:‏ “ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ “؛ حَيْثُ أَدْرَجَ فِيهِ ابْنُ وَهْبٍ‏:‏ “ وَالزَّعِيمُ‏:‏ الْحَمِيلُ “‏.‏

وَحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرَةَ ابْنَةِ صَفْوَانَ مَرْفُوعًا‏:‏ “ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ “؛ فَإِنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ، وَكَذَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ هِشَامٍ كَذَلِكَ، مَعَ كَوْنِ الْأُنْثَيَيْنِ وَالرُّفْغِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ‏.‏

كَمَا فَصَّلَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْهُ، ثُمَّ جُمْهُورُ أَصْحَابِ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْهُ، وَاقْتَصَرَ عِشْرُونَ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ هِشَامٍ عَلَى الْمَرْفُوعِ فَقَطْ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ عُرْوَةَ، الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ، فَهِيَ أَمْثِلَةٌ لِمَا الْإِدْرَاجُ فِي وَسَطِهِ‏.‏

لَكِنْ قَدْ رَوَى آخِرَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ الطَّاحِيِّ عَنْ هِشَامٍ، فَقَدَّمَ الْمُدْرَجَ، وَلَفْظُهُ‏:‏ “ مَنْ مَسَّ رُفْغَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ “ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مَعَ تَكَلُّفٍ، مِثَالٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ أَيْضًا، كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ قَرِيبًا‏.‏

وَرَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ‏:‏ “ إِذَا مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ “ فَقَطْ، أَخْرَجَهُ ابْنُ شَاهِينَ فِي الْأَبْوَابِ‏.‏

وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ بِلَفْظِ‏:‏ “ إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ “، أَوْ قَالَ‏:‏ فَرْجَهُ، أَوْ قَالَ‏:‏ أُنْثَيَيْهِ، فَتَرَدُّدُهُ فِيهِ- كَمَا قَالَ شَيْخُنَا- يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا ضَبَطَهُ‏.‏

‏[‏طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ‏]‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ لِمَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ إِمَّا بِاسْتِحَالَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ‏:‏ “ لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ أَجْرَانِ “- مَا نَصُّهُ‏:‏ “ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبِرُّ أُمِّي، لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ “‏.‏

وَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ فِي حَدِيثِ‏:‏ “ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ “- مَا نَصُّهُ‏:‏ “ وَمَا مِنَّا إِلَّا “، أَوْ بِتَصْرِيحِ صَحَابِيِّهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ “ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ نِدًّا، دَخَلَ النَّارَ “ قَالَ‏:‏ وَأُخْرَى أَقُولُهَا وَلَمْ أَسْمَعْهَا مِنْهُ‏:‏ ‏(‏مَنْ مَاتَ لَا يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا، أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ‏)‏، أَوْ بِتَصْرِيحِ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِالْفَصْلِ بِإِضَافَتِهِ لِقَائِلِهِ، وَيَتَقَوَّى الْفَصْلُ بِاقْتِصَارِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَلَى الْأَصْلِ؛ كَحَدِيثِ التَّشَهُّدِ، وَثَالِثُهَا أَكْثَرُهَا‏.‏

وَمَا أَحْسَنَ صَنِيعَ مُسْلِمٍ؛ حَيْثُ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَجِيءِ دَاعِي الْجِنِّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَابِهِ مَعَهُمْ، وَقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ‏.‏

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ فَانْطَلَقَ بِنَا، فَأَرَانَا آثَارَهُمْ، وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ‏:‏ “ لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ‏.‏‏.‏‏.‏ “ إِلَى آخِرِهِ‏.‏

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ جِهَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ، وَقَالَ بِسَنَدِهِ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ‏)‏-‏:‏ قَالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ ‏(‏وَسَأَلُوهُ الزَّادَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إِلَى آخِرِهِ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ مُنْفَصِلَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ‏.‏

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ دَاوُدَ بِهِ بِدُونِ ذِكْرِ “ وَسَأَلُوهُ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ “ إِلَى آخِرِهِ، لَا مُتَّصِلًا وَلَا مُنْفَصِلًا‏.‏

وَلَكِنَّ الْحُكْمَ لِلْإِدْرَاجِ بِهَا مُخْتَلِفٌ، فَبِالْأَوَّلِ قَطْعًا، وَبِبَاقِيهَا بِحَسَبِ غَلَبَةِ الظَّنِّ لِلنَّاقِدِ، بَلْ أَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الِاقْتِرَاحِ إِلَى ضَعْفِهِ؛ حَيْثُ كَانَ أَوَّلُ الْخَبَرِ؛ كَقَوْلِهِ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ “، أَوْ “ مَنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ “ لَا سِيَّمَا إِنْ جَاءَ مَا بَعْدَهُ بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَكَذَا حَيْثُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ اللَّفْظِ الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْإِمَامِ لَهُ-‏:‏ إِنَّمَا يَكُونُ الْإِدْرَاجُ بِلَفْظٍ تَابِعٍ يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُهُ عَنِ اللَّفْظِ السَّابِقِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَكَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى عَدَمِ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِآخِرِ الْخَبَرِ تَجْوِيزُ كَوْنِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِنَ الرَّاوِي؛ لِظَنِّهِ الرَّفْعَ فِي الْجَمِيعِ، وَاعْتِمَادِهِ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى، فَبَقِيَ الْمُدْرَجُ حِينَئِذٍ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ وَأَثْنَائِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏

وَإِلَى نَحْوِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ‏:‏ وَإِنَّ الرَّاوِيَ رَأَى أَشْيَاءَ مُتَعَاطِفَةً، فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ؛ لِجَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَصَارَ الْمَوْقُوفُ لِذَلِكَ أَوَّلَ الْخَبَرِ أَوْ وَسَطَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَاصِلَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَهُوَ أَوْلَى، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَى مَا فِي الْأَوَّلِ أَوِ الْآخِرِ أَوِ الْوَسَطِ بِالْإِدْرَاجِ، إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ الْمُؤْثِرُ ‏[‏عَلَى‏]‏ غَلَبَةِ الظَّنِّ‏.‏

وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ كَانَ وَكِيعٌ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ‏:‏ يَعْنِي كَذَا وَكَذَا، وَرُبَّمَا طَرَحَ “ يَعْنِي “، وَذَكَرَ التَّفْسِيرَ فِي الْحَدِيثِ، وَكَذَا كَانَ الزُّهْرِيُّ يُفَسِّرُ الْأَحَادِيثَ كَثِيرًا، وَرُبَّمَا أَسْقَطَ أَدَاةَ التَّفْسِيرِ، فَكَانَ بَعْضُ أَقْرَانِهِ دَائِمًا يَقُولُ لَهُ‏:‏ افْصِلْ كَلَامَكَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَايَاتِ‏.‏

وَمِنْ مُدْرَجِ الْمَتْنِ أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ عَنْ شَيْخٍ فِي رِوَايَةٍ، وَيَكُونَ لِأَحَدِهِمْ زِيَادَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا، فَيَرْوِيَهُ عَنْهُمْ رَاوٍ بِالزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، كَرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- حَدِيثَ‏:‏ “ لَا يَزْنِي الزَّانِي “، وَفِيهِ‏:‏ “ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً “‏.‏

فَجُمْلَةُ “ النُّهْبَةُ “ إِنَّمَا رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ خَاصَّةً، بَلْ رَوَى الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُلْحِقُهَا فِي الْخَبَرِ، أَيْ مِنْ قَوْلِهِ‏.‏

‏[‏مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ‏]‏ ‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْمُدْرَجِ- وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي السَّنَدِ- ‏(‏جَمْعُ مَا أَتَى كُلُّ طَرَفٍ مِنْهُ‏)‏ عَنْ رَاوِيهِ ‏(‏بِإِسْنَادٍ‏)‏ غَيْرِ إِسْنَادِ الطَّرَفِ الْآخَرِ ‏(‏بِوَاحِدٍ سَلَفَ‏)‏ مِنَ السَّنَدَيْنِ‏.‏

‏(‏كَـ‏)‏ حَدِيثِ ‏(‏وَائِلٍ‏)‏ هُوَ ابْنُ حُجْرٍ ‏(‏فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ‏)‏ النَّبَوِيَّةِ الَّذِي رَوَاهُ زَائِدَةُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَشَرِيكٌ جَمِيعًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ ‏(‏قَدْ أَدْرَجَ‏)‏ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ فِي آخِرِهِ بِهَذَا السَّنَدِ‏.‏

‏(‏ثُمَّ جِئْتُهُمْ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ فِيهِ بَرْدٌ شَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ تَحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ تَحْتَ الثِّيَابِ ‏(‏وَمَا اتَّحَدْ‏)‏ شَيْخُ عَاصِمٍ فِي الْجُمْلَتَيْنِ، بَلِ الَّذِي عِنْدَهُ بِهَذَا السَّنَدِ صِفَةُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً‏.‏

وَأَمَّا الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّمَا رَوَاهَا عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ وَائِلٍ، فَبَيْنَهُمَا وَاسِطَتَانِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، كَذَلِكَ فَصَلَهُمَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَرَجَّحَ رِوَايَتَهُمَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَغْدَادِيُّ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ، عُرِفَ بِالْحَمَّالِ، وَقَضَى عَلَى الْأَوَّلِ- وَهُوَ جَمْعُهُمَا بِسَنَدٍ وَاحِدٍ- بِالْوَهْمِ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ إِنَّهُ الصَّوَابُ، وَنَحْوُ هَذَا الْقِسْمِ- وَأَفْرَدَهُ شَيْخُنَا عَنْهُ- أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ عِنْدَ رَاوِيهِ عَنْ شَيْخٍ لَهُ إِلَّا بَعْضَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَاكَ الشَّيْخِ، فَيُدْرِجُهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ بِلَا تَفْصِيلٍ؛ كَحَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ‏:‏ “ لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى إِبِلِنَا فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا “؛ فَإِنَّ لَفْظَةَ “ وَأَبْوَالِهَا “ إِنَّمَا سَمِعَهَا حُمَيْدٌ مِنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، كَمَا بَيَّنَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَآخَرُونَ؛ إِذْ رَوَوْهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ “ فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا “ فَعِنْدَهُمْ‏:‏ قَالَ حُمَيْدٌ‏:‏ قَالَ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ “ وَأَبْوَالِهَا “؛ فَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا فِيهَا إِدْرَاجٌ يَتَضَمَّنُ تَدْلِيسًا‏.‏

‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ وَهُوَ ثَانِي الثَّلَاثَةِ ‏(‏أَنْ يُدْرَجَ‏)‏ مِنَ الرَّاوِي ‏(‏بَعْضُ‏)‏ حَدِيثٍ ‏(‏مُسْنَدٍ فِي‏)‏ حَدِيثٍ ‏(‏غَيْرِهِ‏)‏ وَهُمَا عِنْدَ رَاوٍ وَاحِدٍ أَيْضًا، لَكِنْ ‏(‏مَعَ اخْتِلَافِ السَّنَدِ‏)‏ جَمِيعُهُ فِيهِمَا‏.‏

‏(‏نَحْوُ‏)‏ حَدِيثِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَنَافَسُوا‏)‏ حَيْثُ أُدْخِلَ ‏(‏فِي مَتْنِ لَا تَبَاغَضُوا‏)‏ الْمَرْفُوعِ الثَّابِتِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ‏:‏ “ لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا “ فَقَطْ‏.‏

فَـ‏(‏لَفْظُ‏)‏‏:‏ “ وَلَا تَنَافَسُوا “ ‏(‏مُدْرَجٌ‏)‏ فِيهِ ‏(‏قَدْ نُقِلَا‏)‏ مِنْ رَاوِيهِ ‏(‏مِنْ مَتْنِ لَا تَجَسَّسُوا‏)‏ بِالْجِيمِ أَوِ الْحَاءِ، الْمَرْفُوعِ الثَّابِتِ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، لَكِنْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ‏:‏ “ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا “ ‏(‏أَدْرَجَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ “ وَلَا تَنَافَسُوا “ فِي السَّنَدِ الْأُولَى مِنَ الثَّانِي‏.‏

‏(‏ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ‏)‏ هُوَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَكَمُ الْجُمَحِيُّ الْمِصْرِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ ‏(‏إِذْ أَخْرَجَهُ‏)‏ أَيْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَصَيَّرَهُمَا بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخَطِيبُ، وَصَرَّحَ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعًا بِأَنَّهُ خَالَفَ بِذَلِكَ جَمِيعَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَكَذَا قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ‏:‏ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا عَنْ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَكَذَا أَدْرَجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَخَالَفَ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَتِمُّ التَّمْثِيلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِحَدِيثِ مَالِكٍ ‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ وَهُوَ ثَالِثُ الثَّلَاثَةِ ‏(‏مَتْنٌ‏)‏ أَيْ حَدِيثٌ ‏(‏عَنْ جَمَاعَةٍ‏)‏ مِنَ الرُّوَاةِ ‏(‏وَرَدَ وَبَعْضُهُمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَالْحَالُ أَنَّ بَعْضَهُمْ ‏(‏خَالَفَ بَعْضًا‏)‏ بِالزِّيَادَةِ أَوِ النَّقْصِ ‏(‏فِي السَّنَدْ فَيَجْمَعُ‏)‏ بَعْضُ الرُّوَاةِ ‏(‏الْكُلَّ بِإِسْنَادٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏ذُكِرَ‏)‏ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ، بَلْ يُدْرِجُ رِوَايَتَهُمْ عَلَى الِاتِّفَاقِ‏.‏

كَمَتْنِ “ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ‏؟‏ “ قَالَ‏:‏ “ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا “ ‏(‏الْخَبَرُ‏)‏ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ،‏.‏‏.‏‏.‏وَذَكَرَهُ، ‏(‏فَإِنَّ عَمْرًا‏)‏ هُوَ ابْنُ شُرَحْبِيلَ أَبُو مَيْسَرَةَ أَحَدُ الْكِبَارِ مِنَ التَّابِعِينَ ‏(‏عِنْدَ وَاصِلٍ‏)‏ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ‏(‏فَقَطْ بَيْنَ‏)‏ شَيْخِهِ ‏(‏شَقِيقٍ‏)‏ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ أَبُو وَائِلٍ أَحَدُ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَيْضًا، بَلْ هُوَ مِمَّنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنْ لَمْ يَرَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏ابْنِ مَسْعُودٍ سَقَطْ، وَزَادَ الْأَعْمَشُ‏)‏ بِنَقْلِ الْهَمْزَةِ ‏(‏كَذَا مَنْصُورُ‏)‏ بْنُ الْمُعْتَمِرِ؛ حَيْثُ رَوَيَاهُ عَنْ شَقِيقٍ، فَلَمَّا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ حَسْبَمَا وَقَعَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْهُ عَنِ الثَّلَاثَةِ، أَعْنِي وَاصِلًا وَالْأَعْمَشَ وَمَنْصُورًا، أَثْبَتَهُ فِي رِوَايَتِهِمْ، وَصَارَتْ رِوَايَةُ وَاصِلٍ مُدْرَجَةً عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِينَ‏.‏

وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ وَاصِلٍ بِحَذْفِهِ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، وَشُعْبَةُ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، وَمَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، بَلْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ نَفْسِهِ بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ‏.‏

قَالَ الْفَلَّاسُ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ مَهْدِيٍّ- يَعْنِي لِكَوْنِهِ خِلَافَ مَا كَانَ حَدَّثَهُ، بَلْ وَحَدَّثَ غَيْرُهُ بِهِ- فَقَالَ‏:‏ دَعْهُ دَعْهُ فَقَوْلُهُ‏:‏ “ دَعْهُ “ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّمَسُّكِ بِمَا حَدَّثَهُ بِهِ، وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِخِلَافِهِ‏.‏

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِتَرْكِ عَمْرٍو مِنْ حَدِيثِ وَاصِلٍ لِكَوْنِهِ تَذَكَّرَ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ، أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ عِنْدَهُ مَحْمُولًا عَلَى رَفِيقَيْهِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ بِانْفِرَادِهِ أَخْبَرَهُ بِالْوَاقِعِ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ بُنْدَارٍ عَنِ ابْنِ الْمَهْدِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ وَاصِلٍ وَحْدَهُ بِإِثْبَاتِهِ‏.‏

وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ بَعْضِ الرُّوَاةِ؛ حَيْثُ ظَنَّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ حَدِيثَ الثَّلَاثَةِ بِالْإِثْبَاتِ اتِّفَاقَ طُرُقِهِمْ، وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَاصِلٍ خَاصَّةً أَثْبَتَهُ بِنَاءً عَلَى مَا ظَنَّهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ‏.‏

وَلِهَذَا لَا يَنْبَغِي- كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ- لِمَنْ يَرْوِي حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْ شَيْخٍ أَنْ يَحْذِفَ بَعْضَهُمْ، بَلْ يَأْتِي بِهِ عَنْ جَمِيعِهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ سَنَدًا أَوْ مَتْنًا لِأَحَدِهِمُ الَّذِي رُبَّمَا يَكُونُ هُوَ الْمَحْذُوفَ، وَرِوَايَةُ مَنْ عَدَاهُ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ عَلَى الْأَعْمَشِ أَيْضًا فِي إِثْبَاتِ عَمْرٍو وَحَذْفِهِ‏.‏

وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ؛ لِكَوْنِ شَقِيقٍ رَوَى عَنْ كُلٍّ مِنْ عَمْرٍو وَابْنِ مَسْعُودٍ، لَكِنْ قَدْ يَتَضَمَّنُ ارْتِكَابُ مِثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ إِيهَامَ وَصْلِ مُرْسَلٍ، أَوِ اتِّصَالِ مُنْقَطِعٍ، وَمَا أَحْسَنَ مُحَافَظَةَ الْإِمَامِ مُسْلِمٍ عَلَى التَّحَرِّي فِي ذَلِكَ، وَكَذَا شَيْخُهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ‏.‏

وَمِنْ أَقْسَامِ مُدْرَجِ الْإِسْنَادِ أَيْضًا وَهُوَ رَابِعٌ أَوْ خَامِسٌ أَلَّا يَذْكُرَ الْمُحَدِّثُ مَتْنَ الْحَدِيثِ، بَلْ يَسُوقَ إِسْنَادَهُ فَقَطْ، ثُمَّ يَقْطَعَهُ قَاطِعٌ فَيَذْكُرُ كَلَامًا فَيَظُنُّ بَعْضُ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ هُوَ مَتْنُ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ‏.‏

وَلَهُ أَمْثِلَةٌ، مِنْهُمَا قِصَّةُ ثَابِتِ بْنِ مُوسَى الزَّاهِدِ مَعَ شَرِيكٍ الْقَاضِي، فَقَدْ جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُدْرَجِ، وَمَثَّلَ بِهَا ابْنُ الصَّلَاحِ لِشَبَهِ الْوَضْعِ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَعَمْدُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَعَمُّدُ ‏(‏الْإِدْرَاجِ لَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ لِكُلِّ الْأَقْسَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَتْنِ وَالسَّنَدِ ‏(‏مَحْظُورٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَرَامٌ؛ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنْ عَزْوِ الشَّيْءِ لِغَيْرِ قَائِلِهِ، وَأَسْوَأُهُ مَا كَانَ فِي الْمَرْفُوعِ مِمَّا لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْغَرِيبِ الْمُتَسَامَحِ فِي خَلْطِهِ، أَوِ الِاسْتِنْبَاطِ‏.‏

وَقَدْ صَنَّفَ الْخَطِيبُ فِي هَذَا النَّوْعِ كِتَابًا سَمَّاهُ ‏(‏الْفَصْلَ لِلْوَصْلِ الْمُدْرَجِ فِي النَّقْلِ‏)‏ وَلَخَّصَهُ شَيْخُنَا مَعَ تَرْتِيبِهِ لَهُ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَزِيَادَةٍ لِعِلَلٍ وَعَزْوٍ، وَسَمَّاهُ ‏(‏تَقْرِيبَ الْمَنْهَجِ بِتَرْتِيبِ الْمُدْرَجِ‏)‏، وَقَالَ فِيهِ‏:‏ إِنَّهُ وَقَعَتْ لَهُ جُمْلَةُ أَحَادِيثَ عَلَى شَرْطِ الْخَطِيبِ، وَإِنَّهُ عَزَمَ عَلَى جَمْعِهَا وَتَحْرِيرِهَا وَإِلْحَاقِهَا بِهَذَا الْمُخْتَصَرِ أَوْ فِي آخِرِهِ مُفْرَدَةً كَالذَّيْلِ‏.‏ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّضْهَا فَمَا رَأَيْتُهَا بَعْدُ‏.‏