فصل: فصل: اضطر بأن خاف التلف إن لم يأكل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


شرح منتهى الإرادات

الجزء السادس

كتاب‏:‏ الأطعمة

‏(‏وَاحِدُهَا طَعَامٌ، وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ‏)‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهْرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي‏}‏ ‏(‏وَأَصْلُهَا الْحِلُّ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ‏}‏ ‏(‏فَيَحِلُّ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ‏)‏ لَا نَجِسٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ ‏(‏لَا مَضَرَّةَ فِيهِ‏)‏ بِخِلَافِ نَحْوِ‏:‏ سُمُومٍ ‏(‏حَتَّى الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً كَقِشْرِ بَيْضٍ وَقَرْنِ حَيَوَانٍ مُذَكًّى إذَا دُقَّا وَنَحْوِهِ‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ نَجِسٌ كَدَمٍ وَمَيْتَةٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏مُضِرٌّ كَسُمٍّ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ وَالسُّمُّ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَلِذَا عُدَّ مُطْعِمُهُ لِغَيْرِهِ قَاتِلًا‏.‏

وَفِي الْوَاضِحِ الْمَشْهُورُ أَنَّ السُّمَّ نَجِسٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ وَنَحْوِ السَّقَمُونْيَا وَالزَّعْفَرَانِ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ، وَيَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ لِقِلَّةٍ أَوْ إضَافَةِ مَا يُصْلِحُهُ ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ حُمُرٌ أَهْلِيَّةٌ‏)‏ لِحَدِيثِ جَابِرٍ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَفِيلٍ‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَطْعِمَةِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ هُوَ مَسْخٌ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِهَا نَابًا، وَلِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏مَا يَفْتَرِسُ بِنَابِهِ‏)‏ أَيْ يَنْهَشُ ‏(‏كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَفَهْدٍ وَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَقِرْدٍ وَدُبٍّ وَنِمْسٍ وَابْنِ آوَى وَابْنِ عِرْسٍ وَسِنَّوْرٍ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ بَرِّيًّا، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ التَّفَّة لِلْحَدِيثَيْنِ ‏(‏وَثَعْلَبٌ وَسِنْجَابٌ وَسَمُّورٌ وَفَنَكٌ‏)‏ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ لِأَنَّهَا مِنْ السِّبَاعِ ذَوَاتِ النَّابِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ ‏(‏سِوَى ضَبُعٍ‏)‏ لِعُمُومِ الرُّخْصَةِ فِيهِ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ‏"‏ مَا زَالَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ الضَّبُعَ لَا تَرَى بِأَكْلِهِ بَأْسًا ‏"‏ وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ ‏{‏أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِ الضَّبُعِ قُلْت هِيَ صَيْدٌ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏}‏ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ تُؤَدِّي ذَلِكَ‏.‏ وَرَوَى بَعْضَهَا أَبُو دَاوُد وَبَعْضَهَا التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا يُخَصِّصُ النَّهْيَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَمَا رُوِيَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ‏:‏ وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ‏؟‏‏}‏ فَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ يَنْفَرِدُ بِهِ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ‏.‏

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ إنْ عُرِفَ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ فَكَالْجَلَّالَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏مِنْ طَيْرٍ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ كَعُقَابٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينِ وَحِدَأَةٍ وَبُومَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ‏}‏ وَحَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَرْفُوعًا ‏{‏حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ‏}‏ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَهُوَ مُخَصِّصُ عُمُومَ الْآيَاتِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ مِنْ طَيْرٍ ‏(‏مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَنِسْرٍ وَرَخَمٍ وَلَقْلَقٍ‏)‏ طَائِرٌ نَحْوِ الْإِوَزَّة طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ ‏(‏وَعَقْعَقٍ وَهُوَ الْقَاقُ‏)‏ طَائِرٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ ‏(‏وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ‏)‏ قَالَ عُرْوَةُ وَمَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسِقًا وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ‏.‏

وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ قَتْلَ الْغُرَابِ بِالْحَرَمِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ كُلُّ ‏(‏مَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ ذَوُو الْيَسَارِ‏)‏ وَهُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ لِأَنَّهُمْ أُولُو النُّهَى وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ وَخُوطِبُوا بِهِ وَبِالسُّنَّةِ فَرَجَعَ فِي مُطْلَقِ أَلْفَاظِهِمَا إلَى عُرْفِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الْجُفَاةِ‏.‏

مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي لِأَنَّهُمْ- لِلْمَجَاعَةِ- يَأْكُلُونَ كُلَّ مَا وَجَدُوهُ ‏(‏كَوَطْوَاطٍ وَيُسَمَّى خُفَّاشًا وَخُشَافًا‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ وَمَنْ يَأْكُلُ الْخُشَافَ‏؟‏ ‏(‏وَفَأْرٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ ‏(‏وَزُنْبُورٍ وَنَحْلٍ وَذُبَابٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَفَرَاشٍ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ غَيْرُ مُسْتَطَابَةٍ وَلِحَدِيثِ ‏"‏ إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ ‏"‏ حَيْثُ أَمَرَ بِطَرْحِهِ وَلَوْ جَازَ أَكْلُهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِطَرْحِهِ وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالصُّرَدُ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ طَائِرٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ يَصْطَادُ الْعَصَافِيرَ وَهُوَ أَوَّلُ طَائِرٍ صَامَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْجَمْعُ صِرْدَانُ بِكَسْرِ الصَّادِ كَجُرْذٍ وَجُرْذَانٍ وَهُوَ الْفَأْرَةُ أَوْ الذَّكَرُ مِنْهَا ‏(‏وَغُدَافٍ‏)‏ وَهُوَ غُرَابُ الْغَيْطِ ‏(‏وَ خُطَّافٍ‏)‏ طَائِرٌ أَسْوَدُ مَعْرُوفٌ ‏(‏وَقُنْفُذٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏{‏ذُكِرَ الْقُنْفُذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هُوَ خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِثْلُهُ النَّيْصُ ‏(‏وَحَيَّةٍ وَحَشَرَاتٍ‏)‏ كَدِيدَانٍ وَجِعْلَانٍ وَبَنَاتِ وَرْدَانِ وَخَنَافِسَ وَوَزَغٍ وَحِرْبَاءَ وَعَقْرَبٍ وَجُرْدَانَ وَخُلْدٍ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ كَالسَّمَكَةِ تَسْكُنُ الْبَرَّ إذَا رَأَتْ الْإِنْسَانَ غَابَتْ فَهِيَ حَرَامٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏كُلُّ مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِقَتْلِهِ‏)‏ كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ ‏(‏أَوْ نَهَى عَنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَتْلِهِ وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ كَبَغْلٍ‏)‏ مُتَوَلِّدٍ مِنْ خَيْلٍ وَحُمُرٍ أَهْلِيَّةٍ وَكَحِمَارٍ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏سِمْعٍ‏)‏ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ‏(‏وَلَدِ ضَبُعٍ‏)‏ بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَجَمْعُهُ ضِبَاعٌ ‏(‏مِنْ ذِئْبٍ وَعِسْبَارٍ وَلَدِ ذِئْبَةٍ مِنْ ضِبْعَانِ‏)‏ بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَجَمْعُهُ ضُبَاعِينَ كَمَسَاكِينَ ذَكَرُ الضُّبَاعِ فَهُوَ عَكْسُ السِّمْعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَمَيَّزَ كَحَيَوَانٍ مِنْ نَعْجَةٍ وَكَلْبٍ نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ وَعُلِمَ مِنْهُ حِلُّ بَغْلٍ تَوَلَّدَ بَيْنَ خَيْلٍ وَحُمُرٍ وَحْشِيَّةٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

‏(‏وَمَا يَجْهَلُهُ الْعَرَبُ‏)‏ مِنْ الْحَيَوَانِ ‏(‏وَلَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ‏)‏ بِالْحِجَازِ فَإِنْ أَشْبَهَ مُحَرَّمًا أَوْ حَلَالًا أُلْحِقَ بِهِ ‏(‏وَلَوْ أَشْبَهَ‏)‏ حَيَوَانًا ‏(‏مُبَاحًا‏)‏ وَحَيَوَانًا ‏(‏مُحَرَّمًا غُلِّبَ التَّحْرِيمُ‏)‏ احْتِيَاطًا لِحَدِيثِ ‏{‏دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ‏}‏ وَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ اُشْتُبِهَ عَلَيْكَ فَدَعْهُ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ شَيْئًا بِالْحِجَازِ فَمُبَاحٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ‏.‏

‏(‏وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ كَذُبَابِ بَاقِلَّا وَدُودِ خَلٍّ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَدُودِ جُبْنٍ وَنَبْقٍ ‏(‏يُؤْكَلُ‏)‏ جَوَازًا ‏(‏تَبَعًا لَا أَصْلًا‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا مُنْفَرِدًا وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْبَاقِلَاءِ الْمُدَوِّدَةِ تَجَنُّبُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَتَقَذَّرْهُ فَأَرْجُو، وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوَّدِ لَا بَأْسَ بِهِ ‏(‏وَمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْمَأْكُولَيْنِ مَغْصُوبٌ فَكَأُمِّهِ‏)‏ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَغْصُوبَةً لَمْ تَحِلَّ هِيَ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَوْلَادِهَا لِغَاصِبٍ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ الْفَحْلَ وَالْأُمُّ مِلْكٌ لِلْغَاصِبِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَوْلَادِهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ بهيمة الأنعام

وَيُبَاحُ مَا عَدَا هَذَا الْمُتَقَدِّمَ تَحْرِيمُهُ لِعُمُومِ نُصُوصِ الْإِبَاحَةِ ‏(‏كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ‏)‏ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ‏}‏ ‏(‏وَالْخَيْلِ‏)‏ كُلِّهَا عِرَابِهَا وَبَرَاذِينِهَا نَصًّا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَتْ أَسْمَاءُ ‏{‏نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَحَدِيثُ خَالِدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةِ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُهَا‏}‏ فَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏بَاقِي الْوَحْشِ كَزَرَافَةٍ‏)‏ بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْبَعِيرَ لَكِنَّ عُنُقَهَا أَطْوَلُ مِنْ عُنُقِهِ وَجِسْمَهَا أَلْطَفُ مِنْ جِسْمِهِ وَيَدَاهَا أَطْوَلُ مِنْ رِجْلَيْهَا لِعُمُومِ النُّصُوصِ الْمُبِيحَةِ وَاسْتِطَابَتِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏أَرْنَبٍ‏)‏ أَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ ‏{‏أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بِوَرِكِهَا أَوْ قَالَ فَخِذِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَوَبْرٍ‏)‏ لِأَنَّهَا تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَمُسْتَطَابٍ يَأْكُلُ النَّبَاتَ كَالْأَرْنَبِ ‏(‏وَيَرْبُوعٍ‏)‏ نَصًّا لِحُكْمِ عُمَرَ فِيهِ بِجَفْرَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ‏(‏وَبَقَرِ وَحْشٍ‏)‏ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا كَأَيْلٍ وثيتل وَوَعَلٍ وَمَهَا ‏(‏وَحُمُرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَحْشِ ‏(‏وَضَبٍّ‏)‏ رُوِيَ حِلُّهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ ‏{‏كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يُهْدَى إلَى أَحَدِنَا ضَبٌّ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ دَجَاجَةٍ وَأَكَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَظِبَاءٍ‏)‏ وَهِيَ الْغِزْلَانُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا؛ لِأَنَّ هَا تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ‏.‏

‏(‏وَبَاقِي الطَّيْرِ كَنَعَامٍ وَدَجَاجٍ وَطَاوُوسٍ وَبَبَّغَاءَ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ‏(‏وَهِيَ الدُّرَّةُ وَزَاغٍ‏)‏ طَائِرٌ صَغِيرٌ أَغْبَرُ ‏(‏وَغُرَابِ زَرْعٍ‏)‏ يَطِيرُ مَعَ الزَّاغِ يَأْكُلُ الزَّرْعَ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلِ لِأَنَّ مَرْعَاهُمَا الزَّرْعُ أَشْبَهَا الْحَجَلَ وَكَالْحَمَامِ بِأَنْوَاعِهِ مِنْ فَوَاخِتَ وَقَمَارِيٍّ وَجَوَازِلَ وَرَقَطِيٍّ وَدُقَاسٍ وَحَجَلٍ وَقَطَا وَحُبَارَى قَالَ سَفِينَةُ ‏{‏أَكَلْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبَارَى‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَعَصَافِيرَ وَقَنَابِرَ وَكَرْكِيٍّ وَبَطٍّ وَإِوَزٍّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يَلْتَقِطُ الْحَبَّ أَوْ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّ أَكْلَهُ مُسْتَطَابٌ فَيَتَنَاوَلُهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ‏}‏ ‏(‏وَيَحِلُّ كُلُّ حَيَوَانٍ بَحْرِيٍّ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ‏}‏ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ‏:‏ ‏{‏هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ‏}‏ رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ ‏(‏غَيْرَ ضُفْدَعٍ‏)‏ فَيَحْرُمُ نَصًّا وَاحْتُجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَلِاسْتِخْبَاثِهَا فَتَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ غَيْرَ ‏(‏حَيَّةٍ‏)‏ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُسْتَخْبَثَاتِ ‏(‏وَ‏)‏ غَيْرَ ‏(‏تِمْسَاحٍ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّ لَهُ نَابًا يَفْتَرِسُ بِهِ وَيُؤْكَلُ الْقِرْشُ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ وَإِنْسَانِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ‏"‏ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَكِبَ عَلَى سَرْجٍ عَلَيْهِ مِنْ جُلُودِ كَلْبِ الْمَاءِ ‏"‏‏.‏

‏(‏وَتَحْرُمُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا نَجَاسَةٌ وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَنَهَى عَنْ رُكُوبِ جَلَّالَةِ الْإِبِلِ‏.‏

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُرْبِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَبَيْضُهَا كَلَبَنِهَا لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ لَمْ تَحْرُمْ وَلَا لَبَنُهَا وَلَا بَيْضُهَا ‏(‏حَتَّى تُحْبَسَ ثَلَاثًا‏)‏ مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا يَحْبِسُهَا ثَلَاثًا ‏(‏وَتُطْعَمُ الطَّاهِرَ فَقَطْ‏)‏ لِزَوَالِ مَانِعِ حِلِّهَا ‏(‏وَيُكْرَهُ رُكُوبُهَا‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيُبَاحُ أَنْ يَعْلِفَ النَّجَاسَةَ مَا لَا يُذْبَحُ‏)‏ قَرِيبًا ‏(‏أَوْ‏)‏ لَا ‏(‏يَحْلِبُ قَرِيبًا‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الْمَرْعَى عَلَى اخْتِيَارِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا تَعْلِفُ النَّجَاسَةَ‏.‏

قَالَهُ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ ‏(‏وَمَا سُقِيَ‏)‏ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ بِنَجِسٍ ‏(‏أَوْ سُمِّدَ‏)‏ أَيْ جُعِلَ فِيهِ السَّمَادُ أَيْ السِّرْجِينُ بِرَمَادٍ ‏(‏بِنَجِسٍ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ مُحَرَّمٌ‏)‏ نَصًّا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏{‏كُنَّا نُكْرِي أَرَاضِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا بِعُذْرَةِ النَّاسِ‏}‏ وَلَوْلَا تَأْثِيرُ ذَلِكَ لِمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ وَلِأَنَّهُ تَتَرَبَّى أَجْزَاؤُهُ بِالنَّجَاسَةِ كَالْجَلَّالَةِ وَقَوْلُهُ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا أَيْ‏:‏ يَسْرِقُوهَا ‏(‏حَتَّى يُسْقَى‏)‏ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ النَّجَسِ الَّذِي سُقِيَهُ أَوْ سُمِّدَ بِهِ ‏(‏بِ‏)‏ مَاءٍ ‏(‏طَاهِرٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ طَهُورٍ ‏(‏يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ‏)‏ فَيَطْهُرُ وَيَحِلُّ كَالْجَلَّالَةِ إذَا حُبِسَتْ وَأُطْعِمَتْ الطَّاهِرَاتِ‏.‏

‏(‏وَيُكْرَهُ أَكْلُ تُرَابٍ وَفَحْمٍ وَطِينٍ‏)‏ لَا يُتَدَاوَى بِهِ لِضَرَرِهِ نَصًّا بِخِلَافِ الْأَرْمِنِيِّ لِلدَّوَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ أَكْلُ ‏(‏غُدَّةٍ وَأُذُنِ قَلْبٍ‏)‏ نَصًّا قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الْغُدَّةِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ نَهْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُذُنِ الْقَلْبِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَكْلُ ‏(‏بَصَلٍ وَثُومٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَكُرَّاثٍ وَفُجْلٍ ‏(‏مَا لَمْ يُنْضَجْ بِطَبْخٍ‏)‏ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَكْلُ ‏(‏حَبٍّ دِيسَ بِحُمُرٍ‏)‏ أَهْلِيَّةٍ نَصًّا وَقَالَ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدُوسُوهُ بِهَا وَقَالَ حَرْبٌ كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى، وَلَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُغْسَلَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏مُدَاوَمَةُ أَكْلِ لَحْمٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يُورِثُ قَسْوَةً‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏مَاءُ بِئْرٍ بَيْنَ قُبُورٍ وَبَقْلُهَا وَشَوْكِهَا‏)‏ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ كَمَاءٍ سُمِّدَ بِنَجَسٍ وَالْجَلَّالَةِ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏لَحْمٌ نِيءٌ وَمُنْتِنٍ‏)‏ نَصًّا‏.‏

وَيَحْرُمُ تِرْيَاقٌ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ أَوْ الْحُمُرِ وَتَدَاوٍ بِأَلْبَانِ حُمُرٍ وَكُلُّ مُحَرَّمٍ غَيْرُ بَوْلِ إبِلٍ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْجُبْنِ فَقَالَ‏:‏ يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَقِيلَ لَهُ عَنْ الْجُبْنِ الَّذِي تَصْنَعُهُ الْمَجُوسِ فَقَالَ مَا أَدْرِي وَذَكَرَ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُبْنِ وَقِيلَ لَهُ يُعْمَلُ فِيهِ إنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ فَقَالَ سَمُّوا اسْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكُلُوا‏"‏‏.‏

فصل‏:‏ اضطر بأن خاف التلف إن لم يأكل

نَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ تَكَادُ تَتْلَفُ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ أَوْ مَرَضًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ أَيْ‏:‏ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلِكُ كَمَا فِي الرِّعَايَةِ ‏(‏أَكَلَ وُجُوبًا‏)‏ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ قَالَ مَسْرُوقٌ مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ ‏(‏مِنْ غَيْرِ سُمٍّ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا يَضُرُّ ‏(‏مِنْ مُحَرَّمٍ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَقِيَّةُ رُوحِهِ أَوْ قُوَّتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ فَلَيْسَ لَهُ الشِّبَعُ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ تَحِلَّ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ‏(‏إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ‏)‏ كَسَفَرٍ لِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ زِنًا أَوْ لِوَاطٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ ‏(‏وَلَمْ يَتُبْ فَلَا‏)‏ أَيْ‏:‏ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ أَكْلَهَا رُخْصَةٌ وَالْعَاصِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ‏}‏‏.‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُضْطَرِّ فِي غَيْرِ سَفَرٍ مُحَرَّمٍ ‏(‏التَّزَوُّدُ إنْ خَافَ‏)‏ الْحَاجَةَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ كَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إنْ خَافَ عَطَشًا بِاسْتِعْمَالِهِ وَأَوْلَى‏.‏

‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ عَلَى مُضْطَرٍّ ‏(‏تَقْدِيمُ السُّؤَالِ عَلَى أَكْلِهِ‏)‏ الْمُحَرَّمَ نَصًّا وَقَالَ لِلسَّائِلِ قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَكَ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ فَإِنْ تَوَقَّفَ قَالَ مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وَجَدَ‏)‏ مُضْطَرٌّ ‏(‏مَيْتَةً وَطَعَامًا مَا يَجْهَلُ مَالِكَهُ‏)‏ قَدَّمَ الْمَيْتَةَ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ اللَّهِ‏.‏

وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى رَبِّهِ بِعَيْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا قَدَّمَ أَكْلَهُ عَلَى الْمَيْتَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مُحَرَّمًا ‏(‏مَيْتَةً وَصَيْدًا حَيًّا أَوْ‏)‏ وَجَدَ مَيْتَةً و‏(‏بَيْضَ صَيْدٍ سَلِيمًا‏)‏ أَيْ الْبَيْضَ ‏(‏وَهُوَ مُحَرَّمٌ قَدَّمَ الْمَيْتَةَ‏)‏ لِأَنَّ فِيهَا جِنَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ‏(‏وَيُقَدِّمُ‏)‏ مُضْطَرٌّ ‏(‏عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَيْتَةِ ‏(‏لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٍ‏)‏ خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَتَمَيَّزُ ذَبْحُ الْمُحَرَّمِ بِالِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُذَكًّى ‏(‏وَيُقَدِّمُ‏)‏ مُضْطَرٌّ مُحَرَّمًا ‏(‏عَلَى صَيْدٍ حَيٍّ طَعَامًا يَجْهَلُ مَالِكَهُ‏)‏ إنْ لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً بِشَرْطِ ضَمَانِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاحُ لَهُ فِي حَالِ بَيْعِ مَالِكِهِ لَهُ وَنَحْوِهِ فَهُوَ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ الصَّيْدِ إذْ لَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ بِحَالٍ‏.‏

‏(‏وَيُقَدِّمُ مُضْطَرٌّ مُطْلَقًا‏)‏ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏مَيْتَةً مُخْتَلَفًا فِيهَا‏)‏ كَمَتْرُوكَةِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ ثَعْلَبٍ ذُبِحَ ‏(‏عَلَى‏)‏ مَيْتَةٍ ‏(‏مُجْمَعٍ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا مُبَاحَةٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ‏)‏ فَهِيَ أَحَقُّ ‏(‏وَيَتَحَرَّى‏)‏ مُضْطَرٌّ ‏(‏فِي مُذَكَّاةٍ اشْتَبَهَتْ بِمَيْتَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَقْدُورِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، وَيَكُفُّ عَنْهُمَا قَادِرٌ عَلَى غَيْرِهِمَا حَتَّى يَعْلَمَ الْمُذَكَّاةَ‏.‏

‏(‏وَمَنْ لَمْ يَجِدْ‏)‏ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ ‏(‏إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ فَرَبُّهُ الْمُضْطَرُّ أَوْ الْخَائِفُ أَنْ يُضْطَرَّ أَحَقُّ بِهِ‏)‏ لِمُسَاوَاتِهِ الْآخَرِ فِي الِاضْطِرَارِ وَانْفِرَادِهِ بِالْمِلْكِ أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبِّ الطَّعَامِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ ‏(‏إيثَارُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِهِ بِهِ لِئَلَّا يُلْقِيَ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ‏.‏

وَفِي الْهَدْيِ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ يَجُوزُ وَإِنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ‏}‏ وَلِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ وَعُدَّ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ لِعِلْمِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ رَبُّ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا وَلَا خَائِفًا أَنْ يُضْطَرَّ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبَّ الطَّعَامِ ‏(‏بَذْلُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضْطَرِّ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ لِمَعْصُومٍ مِنْ الْهَلَكَةِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّعَامِ نَصًّا لَا مَجَّانًا ‏(‏وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ‏)‏ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ ‏(‏فَإِنْ أَبَى‏)‏ رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ ‏(‏أَخَذُهُ‏)‏ مُضْطَرٌّ ‏(‏بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ ثُمَّ‏)‏ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ بِالْأَسْهَلِ أَخَذَهُ مِنْهُ ‏(‏قَهْرًا‏)‏ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ ‏(‏وَيُعْطِيهِ عِوَضَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَوَاتُ الْعَيْنِ وَالْبَدَلِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ مُتَقَوِّمٍ ‏(‏يَوْمَ أَخْذِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَلَفِهِ ‏(‏فَإِنْ مَنَعَهُ‏)‏ رَبُّ الطَّعَامِ مِنْ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضْطَرِّ ‏(‏قِتَالُهُ عَلَيْهِ‏)‏ لِكَوْنِهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَهُوَ يَمْنَعُهُ ‏(‏فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ ضَمِنَهُ رَبُّ الطَّعَامِ‏)‏ لِقَتْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏(‏بِخِلَافِ عَكْسِهِ‏)‏ بِأَنْ قُتِلَ رَبُّ الطَّعَامِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُضْطَرُّ أَشْبَهَ الصَّائِلَ ‏(‏وَإِنْ مَنَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّعَامَ مِنْ الْمُضْطَرِّ رَبُّهُ ‏(‏إلَّا بِمَا فَوْقَ الْقِيمَةِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِذَلِكَ‏)‏ الَّذِي طَلَبَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ ‏(‏كَرَاهَةَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا دَمٌ أَوْ عَجْزًا عَنْ قِتَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضْطَرَّ ‏(‏إلَّا الْقِيمَةُ‏)‏ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ وَالزَّائِدِ أُكْرِهَ عَلَى الْتِزَامِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ بِهِ‏.‏

‏(‏وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَ‏)‏ كَانَ ‏(‏عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَ‏)‏ كَانَ ‏(‏لَهُ طَلَبُ ذَلِكَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏}‏‏.‏

وَمَتَى وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيه لَمْ يُبَحْ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَلَا الْعُدُولُ إلَى الْمَيْتَةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يُسَمَّ فِيهِ أَوْ كَانَ الطَّعَامُ مِمَّا يَضُرُّ أَكْلُهُ‏.‏

وَإِذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ مَجَاعَةٍ وَعِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ فَقَطْ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ شَيْءٍ مِنْهُ لِلْمُضْطَرِّينَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ كَرْهًا لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الضَّرُورَةِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْدَفِعَ عَنْ الْمُضْطَرِّينَ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ فَقَطْ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ غَرِيقٍ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِ كَثِيَابٍ لِدَفْعِ بَرْدٍ وَمَقْدَحَةِ وَنَحْوِهَا وَدَلْوٍ وَحَبْلٍ لِاسْتَقَاءَ مَاءٍ ‏(‏وَجَبَ‏)‏ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ‏(‏بَذْلُهُ‏)‏ لِمَنْ اُضْطُرَّ لِنَفْعِهِ ‏(‏مَجَّانًا‏)‏ بِلَا عِوَضٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ عَلَى مَنْعِهِ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ وَمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ لَا يُذَمُّ عَلَى مَنْعِهِ وَمَا وَجَبَ فِعْلُهُ لَا يَقِفُ عَلَى بَذْلِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَلِرَبِّهَا مَنْعُهَا بِدُونِ عِوَضٍ وَلَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ وَمَحَلُّ وُجُوبِ بَذْلِ نَحْوِ مَاعُونٍ ‏(‏مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبِّهِ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِتَمَيُّزِهِ بِالْمِلْكِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ لَمْ يَجِدْ‏)‏ مِنْ مُضْطَرِّينَ ‏(‏إلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ‏)‏ وَمُرْتَدٍّ ‏(‏فَلَهُ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ أَشْبَهَ السِّبَاعَ وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ مَيْتًا‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ ‏(‏أَكْلُ مَعْصُومٍ مَيِّتٍ‏)‏ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ كَالْحَيِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُرْمَةِ لِحَدِيثِ ‏{‏كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ‏}‏ وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ ‏(‏عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ نَفْسِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَوْجُودٍ لِتَحْصِيلِ مَوْهُومٍ‏.‏

وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ مَعْصُومٍ وَأَكْلُهُ وَإِتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُضْطَرِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْقَاءُ نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ مِثْلِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في الأكل من بستان لا حارس له‏]‏

وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ وَلَا نَاظِرَ لَهُ أَيْ‏:‏ حَارِسَ ‏(‏فَلَهُ أَكْلٌ‏)‏ مِنْهَا سَاقِطَةً كَانَتْ أَوْ بِشَجَرِهَا ‏(‏وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ إلَى أَكْلِهَا ‏(‏مَجَّانًا‏)‏ بِلَا عِوَضٍ عَمَّا يَأْكُلُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي زَيْنَبَ التَّمِيمِيُّ قَالَ‏:‏ ‏"‏ سَافَرْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي بَرْزَةَ فَكَانُوا يَمُرُّونَ بِالثِّمَارِ فَيَأْكُلُونَ فِي أَفْوَاهِهِمْ ‏"‏ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ عُمَرُ يَأْكُلُ وَلَا يَتَّخِذُ خُبْنَةً وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَا يَحْمِلُهُ فِي حِضْنِهِ وَكَوْنُ سَعْدٍ أَبَى الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ غِنًى عَنْهُ أَوْ تَوَرُّعًا فَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ مَحُوطًا لَمْ يَجُزْ الدُّخُولُ إلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَهُوَ حِرْزٌ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَلَا بَأْسَ وَكَذَا إنْ كَانَ ثَمَّ حَارِسٌ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى شُحِّ صَاحِبِهِ بِهِ وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏صُعُودُ شَجَرِهِ‏)‏ أَيْ الثَّمَرِ ‏(‏وَلَا ضَرْبُهُ أَوْ رَمْيُهُ بِشَيْءٍ‏)‏ نَصًّا وَلَوْ كَانَ الْبُسْتَانُ غَيْرَ مَحُوطٍ وَلَا حَارِسَ لِحَدِيثِ الْأَثْرَمِ ‏{‏وَكُلْ مَا وَقَعَ أَشْبَعَكَ اللَّهُ وَأَرْوَاكَ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ وَالرَّمْيَ يُفْسِدُ الثَّمَرَ ‏(‏وَلَا يَحْمِلُ‏)‏ مِنْ الثَّمَرِ مُطْلَقًا كَغَيْرِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ وَلَا تَتَّخِذْ خُبْنَةً‏.‏

‏(‏وَلَا يَأْكُلُ‏)‏ أَحَدٌ ‏(‏مِنْ‏)‏ ثَمَرٍ ‏(‏مُجْنًى مَجْمُوعٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ‏)‏ بِأَنْ كَانَ مُضْطَرًّا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ كَثَمَرَةِ الشَّجَرِ ‏(‏زَرْعٌ قَائِمٌ‏)‏ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَكْلِ الْفَرِيكِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏شُرْبُ لَبَنِ مَاشِيَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَسْتَحْلِبْ وَيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏(‏وَأَلْحَقَ جَمَاعَةٌ‏)‏ وَهُوَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ ‏(‏بِذَلِكَ‏)‏ الزَّرْعِ الْقَائِمِ ‏(‏بَاقِلَّا وَحِمْصًا أَخْضَرَيْنِ‏)‏ وَشَبَهَهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا‏.‏

قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ وَهُوَ قَوِيٌّ‏)‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

وَهُوَ حَسَنٌ بِخِلَافِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِأَكْلِهِ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُ مُسْلِمًا‏)‏ لَا ذِمِّيًّا لِمَفْهُومِ حَدِيثِ ‏{‏مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ‏}‏ ‏(‏ضِيَافَةُ مُسْلِمٍ‏)‏ لَا ذِمِّيٍّ ‏(‏مُسَافِرٍ‏)‏ لَا مُقِيمٍ ‏(‏فِي قَرْيَةٍ‏)‏ لَا مِصْرٍ ‏(‏يَوْمًا وَلَيْلَةً قَدْرَ كِفَايَتِهِ مَعَ أُدْمٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ‏.‏

قِيلَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ كَيْفَ يُؤْثِمُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَقْرِيهِ‏}‏ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا فَمَا تَرَى‏؟‏ فَقَالَ إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا‏.‏

وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الضِّيَافَةُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْأَخْذِ وَاخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ وَبِالْمُسَافِرِ لِقَوْلِ عُقْبَةَ إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ وَبِأَهْلِ الْقُرَى لِقَوْلِهِ‏:‏ بِقَوْمٍ‏.‏

وَالْقَوْمُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمَاعَاتِ دُونَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَى الضِّيَافَةِ وَالْإِيوَاءِ لِبُعْدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِخِلَافِ الْمِصْرِ فَفِيهِ السُّوقُ وَالْمَسَاجِدُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ عَلَيْهِ ‏(‏إنْزَالُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الضَّيْفِ ‏(‏بِبَيْتِهِ مَعَ عَدَمِ مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ‏)‏ كَخَانٍ وَرِبَاطٍ يَنْزِلُ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِيوَاءِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ‏(‏فَإِنْ أَبَى‏)‏ الْمُضِيفُ الضِّيَافَةَ ‏(‏فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِمَا وَجَبَ لَهُ ‏(‏عِنْدَ الْحَاكِمِ‏)‏ لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ‏.‏

أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ عَلَى ضَيْفٍ مَنَعَهُ مُضِيفٌ حَقَّهُ طَلَبُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ ‏(‏جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ‏)‏ بِقَدْرِ مَا وَجَبَ لَهُ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ ‏(‏وَتُسْتَحَبُّ‏)‏ الضِّيَافَةُ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ أَيْ‏:‏ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا وَالْمُرَادُ يَوْمَانِ مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ‏(‏وَمَا زَادَ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏صَدَقَةٌ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ ‏(‏وَلَيْسَ لِضِيفَانٍ قِسْمَةُ طَعَامٍ قُدِّمَ لَهُمْ‏)‏ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ وَلِلضَّيْفِ الشُّرْبُ مِنْ إنَاءِ رَبِّ الْبَيْتِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ بِمِرْحَاضِهِ بِلَا إذْنِهِ لَفْظًا كَطَرْقِ بَابِهِ وَحَلَقَتِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏مُبْتَدِعٌ‏)‏ مَذْمُومٌ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ‏}‏ فَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ كَطَيِّبٍ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا بِدَعَ ‏(‏وَمَا نُقِلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَقَلَهُ وُعَّاظُ الْعِرَاقِ ‏(‏عَنْ‏)‏ إمَامِنَا ‏(‏أَحْمَدَ‏)‏ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ‏(‏أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ‏)‏ أَكْلِ ‏(‏الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ لِلْبِطِّيخِ ‏(‏فَكَذِبٌ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلَى أَحْمَدَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏.‏

باب‏:‏ الذكاة

وَهِيَ تَمَامُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ الذَّكَاةُ فِي السِّنِّ أَيْ‏:‏ تَمَامِهِ سُمِّيَ الذَّبْحُ ذَكَاةً لِأَنَّهُ إتْمَامُ الزُّهُوقِ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏ أَيْ‏:‏ أَدْرَكْتُمُوهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ فَأَتْمَمْتُمُوهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الذَّبْحِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ جُرْحٍ سَابِقٍ أَوْ ابْتِدَاءٍ ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ يُقَالُ ذَكَّى الشَّاةَ وَنَحْوَهَا تَذْكِيَةً أَيْ‏:‏ ذَبَحَهَا وَالِاسْمُ الذَّكَاةُ وَالْمَذْبُوحُ ذَكِيٌّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الذَّكَاةُ شَرْعًا ‏(‏ذَبْحُ‏)‏ حَيَوَانٍ ‏(‏أَوْ نَحْرُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مُبَاحٌ أَكْلُهُ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ لَا جَرَادٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَالدُّبَّاءِ ‏(‏بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ أَوْ عَقْرُ مُمْتَنِعٍ‏)‏ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَمَا لَمْ يُذَكَّ فَهُوَ مَيْتَةٌ فَذَبْحُ نَحْوِ كَلْبٍ وَسَبُعٍ لَا يُسَمَّى ذَكَاةً‏.‏

‏(‏وَيُبَاحُ جَرَادٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ بِدُونِهَا ‏(‏وَ‏)‏ يُبَاحُ ‏(‏سَمَكٌ وَمَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ بِدُونِهَا‏)‏ أَيْ الذَّكَاةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَسَوَاءٌ مَاتَ الْجَرَادُ بِسَبَبٍ كَكَبْسِهِ وَتَغْرِيقِهِ أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ مَا صَادَهُ مَجُوسِيٌّ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ وَصَادَهُ غَيْرُهُ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يُبَاحُ ‏(‏مَا يَعِيشُ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ ‏(‏وَفِي بَرٍّ‏)‏ كَسُلَحْفَاةٍ وَكَلْبِ مَاءٍ ‏(‏إلَّا بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الذَّكَاةِ قَالَ أَحْمَدُ كَلْبُ الْمَاءِ نَذْبَحُهُ وَلَا أَرَى بَأْسًا بِالسُّلَحْفَاةِ إذَا ذُبِحَ إلْحَاقًا لِذَلِكَ بِحَيَوَانِ الْبَرِّ لِكَوْنِهِ يَعِيشُ فِيهِ احْتِيَاطًا‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ بَلْعُ سَمَكٍ حَيًّا‏)‏ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا ‏(‏وَكُرِهَ شَيُّهُ‏)‏ أَيْ السَّمَكِ ‏(‏حَيًّا‏)‏ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَمُوتُ بِسُرْعَةٍ ‏(‏لَا‏)‏ شَيُّ ‏(‏جَرَادٍ‏)‏ حَيًّا لِأَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ وَفِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كَعْبًا كَانَ مُحْرِمًا فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلُ جَرَادٍ فَنَسِيَ وَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ فَأَلْقَاهُمَا فِي النَّارِ فَشَوَاهُمَا وَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَلَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ تَرْكَهَا فِي النَّارِ وَيَجُوزُ أَكْلُ سَمَكٍ وَجَرَادٍ فِيهَا بِأَنْ يُلْقَى أَوْ يُشْوَى بِلَا شَقِّ بَطْنٍ كَدُودِ فَاكِهَةٍ تَبَعًا‏.‏

‏(‏وَشُرُوطُ‏)‏ صِحَّةِ ‏(‏ذَكَاةٍ‏)‏ ذَبْحًا كَانَتْ أَوْ نَحْرًا أَوْ عَقْرَ الْمُمْتَنِعِ ‏(‏أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا كَوْنُ فَاعِلٍ‏)‏ لِذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ عَقْرٍ ‏(‏عَاقِلًا لِيَصِحَّ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏قَصْدُ التَّذْكِيَةِ‏)‏ فَلَا يُبَاحُ مَا ذَكَّاهُ مَجْنُونٌ أَوْ طِفْلٌ لَمْ يُمَيِّزْ لِأَنَّهُمَا لَا قَصْدَ لَهُمَا كَمَا لَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بِسَيْفٍ فَقَطَعَ عُنُقَ شَاةٍ‏.‏

وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْعَقْلُ كَالْغُسْلِ فَتَصِحُّ ذَكَاةُ عَاقِلٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُعْتَدِيًا‏)‏ كَغَاصِبٍ فَيُبَاحُ مَغْصُوبٌ ذَكَّاهُ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ لِرَبِّهِ وَغَيْرُهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ نَصًّا ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُكْرَهًا‏)‏ بِأَنْ أَكْرَهَ مَالِكٌ عَاقِلًا عَلَى ذَكَاةٍ نَحْوِ شَاتِهِ فَذَكَّاهَا أَوْ أُكْرِهَ رَبُّهَا عَلَى ذَلِكَ فَفَعَلَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُمَيِّزًا‏)‏ فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ كَالْبَالِغِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏قِنًّا‏)‏ فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ كَالْحُرِّ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏أُنْثَى‏)‏ وَلَوْ حَائِضًا ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏جُنُبًا‏)‏ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ ‏{‏أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَأَمَرَ مَنْ سَأَلَهُ وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فَفِيهِ إبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ وَالْحَائِضِ وَالْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْهَا وَفِيهِ أَيْضًا إبَاحَةُ الذَّبْحِ بِالْحَجَرِ وَمَا خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَحِلُّ مَا يَذْبَحُهُ غَيْرُ مَالِكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِبَاحَةُ ذَبْحِهِ عِنْدَ خَوْفِهِ عَلَيْهِ الْمَوْتَ‏.‏

وَكَذَا حِلُّ ذَكَاةِ الْأَقْلَفِ وَالْفَاسِقِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏كِتَابِيًّا وَلَوْ حَرْبِيًّا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَطَعَامُ الَّذِينَ‏.‏

أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ‏}‏ قَالَ الْبُخَارِيُّ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏"‏ طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ ‏"‏ وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْكِتَابِيُّ ‏(‏مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ‏)‏ لِعُمُومِ الْآيَةِ و‏(‏لَا‏)‏ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ ‏(‏مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرَ كِتَابِيٍّ‏)‏ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ ‏(‏وَلَا‏)‏ ذَبِيحَةُ ‏(‏وَثَنِيٍّ وَلَا مَجُوسِيٍّ وَلَا زِنْدِيقٍ وَلَا مُرْتَدٍّ‏)‏ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ‏}‏ وَإِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ تَقْتَضِي تَحْرِيمَ دِمَائِهِمْ فَلَمَّا غُلِّبَ التَّحْرِيمُ فِيهَا غُلِّبَ عَدَمُ الْكِتَابِ فِي تَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ احْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ ‏(‏سَكْرَانٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ ‏(‏فَلَوْ احْتَكَّ‏)‏ حَيَوَانٌ ‏(‏مَأْكُولٌ بِمُحَدَّدٍ بِيَدِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّكْرَانِ أَوْ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّذْكِيَةَ فَانْقَطَعَ بِانْحِكَاكِهِ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ ‏(‏لَمْ يَحِلَّ‏)‏ لِعَدَمِ قَصْدِ التَّذْكِيَةِ و‏(‏لَا‏)‏ يُعْتَبَرُ فِي التَّذْكِيَةِ ‏(‏قَصْدُ الْأَكْلِ‏)‏ اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ التَّذْكِيَةِ لِتَضَمُّنِهَا إيَّاهَا‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي الْآلَةُ‏)‏ بِأَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ بِمُحَدَّدٍ يَقْطَعُ أَيْ‏:‏ يَنْهَرُ الدَّمُ بِحَدِّهِ ‏(‏فَتَحِلُّ‏)‏ الذَّكَاةُ ‏(‏بِكُلِّ مُحَدَّدٍ حَتَّى حَجَرٍ وَقَصَبٍ وَخَشَبٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَظْمٍ غَيْرَ سِنٍّ وَظُفُرٍ‏)‏ نَصًّا لِحَدِيثِ ‏{‏مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمُحَدَّدُ ‏(‏مَغْصُوبًا‏)‏ لِعُمُومِ الْخَبَرِ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّالِثُ قَطْعُ حُلْقُومٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَجْرَى النَّفَسِ ‏(‏وَمَرِيءٍ‏)‏ بِالْمَدِّ أَيْ‏:‏ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ فَوْقَ الْغَلْصَمَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ النَّاتِئُ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ دُونَهَا و‏(‏لَا‏)‏ يُعْتَبَرُ قَطْعُ ‏(‏شَيْءٍ غَيْرِهِمَا‏)‏ لِأَنَّهُ قَطْعٌ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ مَا لَا يَعِيشُ‏.‏

الْحَيَوَانُ مَعَ قَطْعِهِ أَشْبَهَ قَطْعَهُمَا مَعَ الْوَدَجَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏إبَانَتُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ بِالْقَطْعِ ‏(‏وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الذَّابِحِ ‏(‏إنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ عَلَى الْفَوْرِ‏)‏ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْفَعْهُمَا فَإِنْ تَرَاخَى وَوَصَلَ الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَأَتَمَّهَا لَمْ يَحِلَّ ‏(‏وَالسُّنَّةُ نَحْرُ إبِلٍ بِطَعْنٍ بِمُحَدَّدٍ فِي لَبَّتِهَا‏)‏ وَهِيَ الْوَهْدَةُ بَيْنَ أَصْلِ الصَّدْرِ وَالْعُنُقِ ‏(‏وَ‏)‏ السُّنَّةُ ‏(‏ذَبْحُ غَيْرِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِبِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏ وَثَبَتَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بَدَنَةً وَضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ عَكَسَ‏)‏ أَيْ‏:‏ ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ غَيْرَهَا ‏(‏أَجْزَأَهُ‏)‏ ذَلِكَ لِحَدِيثِ ‏{‏أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ‏}‏ وَقَالَتْ أَسْمَاءُ ‏{‏نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ‏}‏ وَعَنْ عَائِشَةَ ‏{‏نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً‏}‏ ‏(‏وَذَكَاةُ مَا عُجِزَ عَنْهُ كَوَاقِعٍ فِي بِئْرٍ وَمُتَوَحِّشٍ بِجَرْحِهِ حَيْثُ كَانَ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي أَيْ‏:‏ مَوْضِعٍ أَمْكَنَ جَرْحُهُ فِيهِ مِنْ بَدَنِهِ‏.‏

رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ‏.‏

قَالَ ‏{‏كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَدَّ بَعِيرٌ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرُ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ كَذَا‏}‏‏.‏

وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاعْتِبَارُ‏.‏

الْحَيَوَانِ بِحَالِ الذَّكَاةِ لَا بِأَصْلِهِ بِدَلِيلِ الْوَحْشِيِّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ وَالْمُتَرَدِّي إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَذْكِيَتِهِ يُشْبِهُ الْوَحْشِيَّ فِي الْعَجْزِ عَنْ تَذْكِيَتِهِ ‏(‏فَإِنْ أَعَانَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحَ عَلَى قَتْلِهِ ‏(‏غَيْرُهُ كَكَوْنِ رَأْسِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ بِئْرٍ ‏(‏بِمَاءٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ ‏(‏لَمْ يَحِلَّ‏)‏ لِحُصُولِ قَتْلِهِ بِمُبِيحٍ وَحَاظِرٍ فَغُلِّبَ الْحَظْرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فِي ذَبْحِهِ ‏(‏وَمَا ذُبِحَ مِنْ قَفَاهُ وَلَوْ عَمْدًا إنْ أَتَتْ الْآلَةُ‏)‏ الَّتِي ذُبِحَ بِهَا مِنْ نَحْوِ سِكِّينٍ ‏(‏عَلَى مَحَلِّ ذَبْحِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ‏(‏وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ‏)‏ لِبَقَاءِ الْحَيَاةِ مَعَ الْجَرْحِ فِي الْقَفَا وَإِنْ كَانَ غَائِرًا مَا لَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَكَأَكِيلَةِ السَّبُعِ إذَا أُدْرِكْت وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذُبِحَتْ حَلَّتْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ مَعَ ذَلِكَ غَالِبًا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَأْتِ الْآلَةُ عَلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَحِلُّ وَتُعْتَبَرُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ بِالْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ‏.‏

فَإِنْ شُكَّ هَلْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ‏؟‏ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ بَقَاء ذَلِكَ لِحِدَّةِ الْآلَةِ وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ حَلَّ وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ كَالَّةً وَأَبْطَأَ قَطْعُهُ وَطَالَ تَعْذِيبُهُ لَمْ يُبَحْ‏.‏

‏(‏وَلَوْ أَبَانَ رَأْسَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَأْكُولِ مُرِيدًا بِذَلِكَ تَذْكِيَتَهُ ‏(‏حَلَّ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِيمَنْ ضَرَبَ وَجْهَ ثَوْرٍ بِالسَّيْفِ تِلْكَ ذَكَاةٌ وَأَفْتَى بِأَكْلِهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا‏.‏

وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ قَطْعُ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ مَعَ الذَّبْحِ ‏(‏وَ‏)‏ حَيَوَانٌ ‏(‏مُلْتَوٍ عُنُقُهُ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ‏)‏ لِلْعَجْزِ عَنْ الذَّبْحِ فِي مَحَلِّهِ كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ ‏(‏وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ الْمَوْتِ‏)‏ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ ‏(‏مِنْ مُنْخَنِقَةٍ‏)‏‏.‏

الَّتِي تُخْنَقُ فِي حَلْقِهَا ‏(‏وَمَوْقُوذَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَضْرُوبَةٍ حَتَّى تُشْرِفَ عَلَى الْمَوْتِ ‏(‏وَمُتَرَدِّيَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَاقِعَةٍ مِنْ عُلْوٍ كَجَبَلٍ وَحَائِطٍ وَسَاقِطَةٍ فِي نَحْوِ بِئْرٍ ‏(‏وَنَطِيحَةٍ‏)‏ بِأَنْ نَطَحَتْهَا نَحْوُ بَقَرَةٍ ‏(‏وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ بِأَنْ أَكَلَ بَعْضَهَا نَحْوُ نَمِرٍ أَوْ ذِئْبٍ ‏(‏وَمَرِيضَةٍ وَمَا صِيدَ بِشَبَكَةٍ أَوْ شَرَكٍ أَوْ أُحْبُولَةٍ أَوْ فَخٍّ‏)‏ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدٍّ لَا يَعِيشُ مَعَهُ ‏(‏أَوْ أَنْقَذَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَيَوَانٌ ‏(‏مِنْ مُهْلِكَةٍ‏)‏ وَلَمْ يَصِلْ إلَى مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ ‏(‏فَذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ تُمْكِنُ زِيَادَتُهَا عَلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ حَلَّ‏)‏ أَكْلُهُ‏.‏

وَلَوْ انْتَهَى قَبْلَ الذَّبْحِ إلَى حَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مَعَهُ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ تَحَرُّكِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏ مَعَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَسْبَابٌ لِلْمَوْتِ ‏(‏وَالِاحْتِيَاطُ‏)‏ أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا ذُبِحَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا ‏(‏مَعَ تَحَرُّكِهِ وَلَوْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَحَرُّكِهِ وَضَرْبِ الْأَرْضِ بِهِ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَتَحْرِيكِ أُذُنِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَمَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الذَّبْحِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ ذَبْحِهِ دَلَّ عَلَى إمْكَانِ الزِّيَادَةِ قَبْلَهُ‏)‏ فَيَحِلُّ نَصًّا وَمَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ لَا يَحِلُّ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ‏:‏ وَعِنْدِي أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ مَا ظُنَّ بَقَاؤُهَا زِيَادَةً عَلَى أَمَدِ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ سِوَى أَمَدِ الذَّبْحِ ‏(‏وَمَا قُطِعَ حُلْقُومُهُ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَنَحْوُهَا‏)‏ مِمَّا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ ‏(‏فَوُجُودُ حَيَاتِهِ كَعَدَمِهَا‏)‏ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةٍ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ حَرَكَةِ يَدِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الذَّابِحِ ‏(‏بِذَبْحٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ‏}‏ وَالْفِسْقُ الْحَرَامُ وَذَكَرَ‏.‏

جَمَاعَةٌ‏:‏ وَعِنْدَ الذَّبْحِ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَوْ فَصَلَ بِكَلَامٍ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَاخْتُصَّ بِلَفْظِ اللَّهِ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَيُجْزِي‏)‏ أَنْ يُسَمِّيَ ‏(‏بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَلَوْ أَحْسَنَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيَاسُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ‏.‏

فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَفْظُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِي ‏(‏أَنْ يُشِيرَ أَخْرَسُ‏)‏ بِالتَّسْمِيَةِ بِرَأْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ إلَى السَّمَاءِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِ النَّاطِقِ ‏(‏وَيُسَنُّ مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَعَ قَوْلِ بِسْمِ اللَّهِ ‏(‏التَّكْبِيرُ‏)‏ لِمَا ثَبَتَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ذَبَحَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ‏}‏ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَ بِسْمِ اللَّهِ يُجْزِيهِ و‏(‏لَا‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ عِنْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ وَلَا تَلِيقُ بِالْمَقَامِ كَزِيَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏(‏وَمَنْ بَدَا لَهُ ذَبْحُ غَيْرِ مَا سَمَّى عَلَيْهِ‏)‏ بِأَنْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ مَثَلًا ثُمَّ أَرَادَ ذَبْحَ غَيْرِهَا ‏(‏أَعَادَ التَّسْمِيَةَ‏)‏ فَإِنْ ذَبَحَ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ ‏(‏وَتَسْقُطُ‏)‏ التَّسْمِيَةُ ‏(‏سَهْوًا لَا جَهْلًا‏)‏ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ‏}‏ أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ وَلِحَدِيثِ ‏{‏عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ‏}‏ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمْدِ جَمْعًا بَيْنَ الْإِخْبَارِ‏.‏

وَمَتَى لَمْ يُعْلَمْ هَلْ سَمَّى الذَّابِحُ أَوْ لَا فَالذَّبِيحَةُ حَلَالٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏{‏أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرُوا قَالَ سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا‏}‏ رَوَاهُ‏.‏

الْبُخَارِيُّ ‏(‏وَيَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرَكَهَا‏)‏ أَيْ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ ‏(‏إنْ حَرُمَتْ‏)‏ بِأَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا قَالَ فِي النَّوَادِرِ لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ لِحِلِّهَا لَهُ‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ ‏(‏وَمَنْ ذَكَرَ‏)‏ عِنْدَ الذَّبْحِ ‏(‏مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى اسْمَ غَيْرِهِ حَرُمَ‏)‏ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شِرْكٌ ‏(‏وَلَمْ تَحِلَّ‏)‏ الذَّبِيحَةُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ذكاة الجنين

وَذَكَاةُ جَنِينٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُحَرَّمِ كَجَنِينِ فَرَسٍ مِنْ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَجَنِينِ ضَبُعٍ مِنْ ذِئْبٍ ‏(‏خَرَجَ‏)‏ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ الْمُذَكَّاةِ ‏(‏مَيِّتًا أَوْ مُتَحَرِّكًا كَ‏)‏ حَرَكَةِ ‏(‏مَذْبُوحٍ أَشْعَرَ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَبَتَ شَعْرُ الْجَنِينِ ‏(‏أَوْ لَا بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ‏)‏ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏{‏ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِاتِّصَالِ الْجَنِينِ بِأُمِّهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا أَشْبَهَ أَعْضَاءَهَا ‏(‏وَاسْتَحَبَّ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏أَحْمَدُ‏)‏ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏ذَبْحَهُ‏)‏ لِيَخْرُجَ دَمُهُ ‏(‏وَلَمْ يُبَحْ‏)‏ جَنِينٌ خَرَجَ ‏(‏مَعَ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ إلَّا بِذَبْحِهِ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ نَفْسٌ أُخْرَى وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ بِحَيَاتِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ ذَكَاةُ أُمِّهِ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ‏.‏

وَالنَّصْبُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ عَلَى مَعْنَى ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الرَّفْعِ الْمَشْهُورَةِ ‏(‏لَا يُؤَثِّرُ‏)‏ جَنِينٌ ‏(‏مُحَرَّمُ‏)‏ الْأَكْلِ ‏(‏كَسَبُعٍ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ‏)‏ الْمُبَاحَةِ وَهِيَ الضَّبُعُ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ فَلَا يَمْنَعُ حِلَّ مَتْبُوعِهِ ‏(‏وَمَنْ وَجَأَ بَطْنَ أُمِّ جَنِينٍ‏)‏ بِمُحَدَّدٍ ‏(‏مُسَمِّيًا فَأَصَابَ مَذْبَحَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَنِينِ ‏(‏فَهُوَ مُذَكًّى‏)‏ لِوُجُودِ الذَّكَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ ‏(‏وَالْأُمُّ مَيِّتَةٌ‏)‏ لِفَوَاتِ شَرْطِ الذَّكَاةِ وَهُوَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعَ الْقُدْرَةِ‏.‏

فصل‏:‏ الذبح بآلة كَالَّةٍ

وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ بِالْكَالَّةِ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏حَدُّهَا‏)‏ أَيْ الْآلَةِ ‏(‏وَالْحَيَوَانُ يَرَاهُ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ وَأَنْ تُوَارَى عَنْ الْبَهَائِمِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏سَلْخُهُ‏)‏ أَيْ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ ‏(‏أَوْ كَسْرُ عُنُقِهِ قَبْلَ زُهُوقِ نَفْسِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدَيْلُ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى بِكَلِمَاتٍ مِنْهَا‏:‏ لَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَكَسْرُ الْعُنُقِ إعْجَالٌ لِزُهُوقِ الرُّوحِ، وَفِي مَعْنَاهُ السَّلْخُ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي حِلِّهَا لِتَمَامِ الذَّكَاةِ بِالذَّبْحِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏نَفْخُ لَحْمٍ يُبَاعُ‏)‏ لِأَنَّهُ غِشٌّ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ تَوْجِيهُهُ‏)‏ أَيْ الْمُذَكَّى بِجَعْلِ وَجْهِهِ ‏(‏لِلْقِبْلَةِ‏)‏ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا حَلَّ وَلَوْ عَمْدًا وَسُنَّ كَوْنُهُ ‏(‏عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَرِفْقٌ بِهِ وَحَمْلٌ عَلَى الْآلَةِ بِقُوَّةٍ وَإِسْرَاعٌ بِالشَّحْطِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَطْعِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ‏}‏‏.‏

‏(‏وَمَا ذُبِحَ فَغَرِقَ‏)‏ عِنْدَ ذَبْحِهِ ‏(‏أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلْوٍ‏)‏ كَجَبَلٍ أَوْ حَائِطٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ بِخِلَافِ طَائِرٍ ‏(‏أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتُلُ مِثْلُهُ لَمْ يَحِلَّ‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ يُعِينُ عَلَى زُهُوقِ رُوحِهِ فَيَحْصُلُ الزُّهُوقُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وَسَبَبٍ مُحَرَّمٍ، فَغُلِّبَ التَّحْرِيمُ‏.‏

وَقَالَ الْأَكْثَرُ يَحِلُّ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ يَقِينًا كَذِي الظُّفُرِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا لَيْسَ بِمُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ مِنْ إبِلٍ وَنَعَامَةٍ وَبَطٍّ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا لِوُجُودِ الذَّكَاةِ وَقَصْدُهُ حِلَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏(‏ظَنًّا فَكَانَ‏)‏ كَمَا ظَنَّ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا ظَنَّ ‏(‏كَحَالِ الرِّئَةِ‏)‏ وَهُوَ أَنَّ الْيَهُودَ إذَا وَجَدُوا رِئَةَ الْمَذْبُوحِ لَاصِقَةً بِالْأَضْلَاعِ امْتَنَعُوا عَنْ أَكْلِهِ زَاعِمِينَ التَّحْرِيمَ، وَيُسَمُّونَهَا اللَّازِقَةَ، وَإِنْ وَجَدُوهَا غَيْرَ لَاصِقَةٍ بِالْأَضْلَاعِ أَكَلُوهَا ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا يَرَى الْكِتَابِيُّ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ‏)‏ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ ‏(‏لِعِيدِهِ أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى شَيْءٍ يُعَظِّمُهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا إذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ طَعَامِهِمْ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَلِقَصْدِهِ الذَّكَاةَ وَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ فَإِنْ ذَكَرَ عَلَيْهَا غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ أَوْ مَعَ اسْمِهِ تَعَالَى لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ‏(‏وَإِنْ ذَبَحَ‏)‏ كِتَابِيٌّ ‏(‏مَا يَحِلُّ لَهُ‏)‏ مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ‏(‏لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ وَهِيَ شَحْمُ الثَّرْبِ‏)‏ بِوَزْنِ فَلْسٍ أَيْ‏:‏ الشَّحْمُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُغَشِّي الْكَرِشَ وَالْأَمْعَاءَ ‏(‏وَ‏)‏ شَحْمُ ‏(‏الْكُلْيَتَيْنِ‏)‏ وَاحِدُهَا كُلْيَةٌ أَوْ كُلْوَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ فِيهِمَا وَالْجَمْعُ كُلْيَاتٌ وَكُلًى وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ‏}‏ وَإِنَّمَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ الشَّحْمَانِ ‏(‏كَذَبْحِ حَنَفِيٍّ حَيَوَانًا‏)‏ مَأْكُولًا ‏(‏فَيَبِينُ حَامِلًا‏)‏ فَيَحِلُّ لَنَا جَنِينُهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَعَ اعْتِقَادِ الْحَنَفِيِّ تَحْرِيمَهُ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَذَبْحِ مَالِكِيٍّ فَرَسًا مُسَمِّيًا فَتَحِلُّ لَنَا، وَإِنْ‏.‏

اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهَا ‏(‏وَيَحْرُمُ عَلَيْنَا إطْعَامُهُمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْيَهُودِ ‏(‏شَحْمًا‏)‏ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ ‏(‏مِنْ ذَبِيحَتِنَا لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ‏)‏ عَلَيْهِمْ نَصًّا لِثُبُوتِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ بِنَصٍّ كِتَابِنَا فَإِطْعَامُهُمْ مِنْهُ حَمْلٌ لَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَإِطْعَامٍ مُسْلِمٍ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏(‏وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُنَا لَهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ‏}‏‏.‏

‏(‏وَيَحِلُّ‏)‏ حَيَوَانٌ ‏(‏مَذْبُوحٌ مَنْبُوذٌ بِمَحَلٍّ يَحِلُّ ذَبْحُ أَكْثَرَ أَهْلِهِ‏)‏ بِأَنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُسْلِمِينَ أَوْ كِتَابِيِّينَ ‏(‏وَلَوْ جُهِلَتْ تَسْمِيَةُ ذَابِحٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ‏.‏

وَتَقَدَّمَ وَتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى كُلِّ ذَابِحٍ لِيُعْلَمَ هَلْ سَمَّى أَوْ لَا‏.‏

‏(‏وَيَحِلُّ مَا وُجِدَ بِبَطْنِ سَمَكٍ أَوْ‏)‏ بِبَطْنِ ‏(‏مَأْكُولٍ مُذَكًّى أَوْ‏)‏ وُجِدَ ‏(‏بِحَوْصَلَتِهِ أَوْ فِي رَوْثِهِ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ وَحَبٍّ‏)‏ أَمَّا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَلِحَدِيثِ ‏{‏أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ‏}‏ الْخَبَرَ وَأَمَّا الْحَبُّ، فَلِأَنَّهُ طَعَامٌ طَاهِرٌ وُجِدَ فِي مَحَلٍّ طَاهِرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَ مُلْقًى ‏(‏وَيَحْرُمُ بَوْلُ‏)‏ حَيَوَانٍ ‏(‏طَاهِرٍ‏)‏ مَأْكُولٍ ‏(‏كَرَوْثٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَمَا يَحْرُمُ رَوْثُهُ كَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ رَجِيعٌ مُسْتَخْبَثٌ وَتَقَدَّمَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ إبِلٍ لِلْخَبَرِ، وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ الذَّبِيحُ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

كتاب‏:‏ الصيد

وَهُوَ مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ‏.‏

وَشَرْعًا‏:‏ ‏(‏اقْتِنَاصُ حَيَوَانٍ حَلَالٍ مُسْتَوْحَشٍ طَبْعًا غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ‏)‏ وَلَا مَمْلُوكٍ فَاقْتِنَاصُ نَحْوِ ذِئْبٍ وَنَمِرٍ وَمَا نَدَّ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ‏.‏

وَمَا تَأَهَّلَ مِنْ نَحْوِ غِزْلَانٍ أَوْ مُلِكَ مِنْهَا لَيْسَ صَيْدًا ‏(‏وَالْمُرَادُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ ‏(‏هُنَا الْمَصْيُودُ وَهُوَ حَيَوَانٌ مُقْتَنَصٌ‏)‏ بِفَتْحِ النُّونِ يَعْنِي اسْمَ مَفْعُولٍ ‏(‏حَلَالٌ إلَى آخِرِ الْحَدِّ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُتَوَحِّشَةٌ طَبْعًا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ؛ وَلَا مَمْلُوكٍ وَهُوَ مُبَاحٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ‏}‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ‏}‏ وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ ‏{‏أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا بِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَخْبِرْنِي مَاذَا يَصْلُحُ لِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ الصَّيْدُ ‏(‏لِقَاصِدِهِ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ الصَّيْدُ ‏(‏لَهْوًا‏)‏ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، فَإِنْ ظُلِمَ النَّاسُ فِيهِ بِالْعُدْوَانِ عَلَى زُرُوعِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَحَرَامٌ‏.‏

‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدُ ‏(‏أَفْضَلُ مَأْكُولٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ اكْتِسَابِ الْحَلَالِ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ ‏(‏وَالزِّرَاعَةُ أَفْضَلُ مُكْتَسَبٍ‏)‏ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ لِخَبَرِ ‏{‏لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ‏.‏

‏(‏وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ‏}‏ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَأَفْضَلُ الْمَعَاشِ التِّجَارَةُ ‏(‏وَأَفْضَلُ التِّجَارَةِ التِّجَارَةُ فِي بَزٍّ وَعِطْرٍ وَزَرْعٍ وَغَرْسٍ وَمَاشِيَةٍ وَأَبْغَضُهَا فِي رَقِيقٍ وَحِرَفٍ‏)‏ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِيهِمَا ‏(‏وَأَفْضَلُ الصِّنَاعَةِ خِيَاطَةٌ وَنَصَّ‏)‏ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ ‏(‏إنَّ كُلَّ مَا نُصِحَ فِيهِ فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏حَسَنٌ‏)‏ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى لُزُومِ الصَّنْعَةِ لِلْخَبَرِ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ لَمْ أَرَ مِثْلَ الْغِنَى عَنْ النَّاسِ وَقَالَ فِي قَوْمٍ لَا يَعْمَلُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ‏:‏ هَؤُلَاءِ مُبْتَدِعَةٌ ‏(‏وَأَرْدَؤُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصِّنَاعَةِ ‏(‏حِيَاكَةٌ وَحِجَامَةٌ وَنَحْوُهُمَا‏)‏ كَقُمَامَةِ وَزُبَالَةٍ وَدَبْغٍ‏.‏

وَفِي الْحَدِيثِ ‏{‏كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ‏}‏ ‏(‏وَأَشَدُّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّنَائِعِ ‏(‏كَرَاهَةً صَبْغٌ وَصِيَاغَةٌ وَحِدَادَةٌ وَنَحْوُهَا‏)‏ كَجِزَارَةِ لِمَا يَدْخُلُهَا مِنْ الْغِشِّ وَمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَالْمُرَادُ مَعَ إمْكَانِ مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهَا وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَدْرَكَ‏)‏ صَيْدًا ‏(‏مَجْرُوحًا مُتَحَرِّكًا فَوْقَ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ لَمْ يُبَحْ إلَّا بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِتَذْكِيَتِهِ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ وَفِي حُكْمِ الْحَيِّ حَتَّى ‏(‏وَلَوْ خَشَى مَوْتَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَعَ وُجُودِ آلَتِهَا، فَكَذَا مَعَ عَدَمِهَا كَسَائِرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ امْتَنَعَ‏)‏ صَيْدٌ جُرِحَ ‏(‏بِعَدْوِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏حَلَالٌ‏)‏ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَذْكِيَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ مَيْتًا وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ، لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْإِتْعَابَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ كَمَا لَوْ تَرَدَّى فِي مَاءٍ بَعْدَ جُرْحِهِ‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ شُرُوطُ حِلِّ صَيْدٍ وُجِدَ مَيْتًا‏]‏

‏(‏وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ لَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ لِتَذْكِيَتِهِ ‏(‏فَكَمَيِّتٍ‏)‏ يَحِلُّ ‏(‏بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا كَوْنُ صَائِدٍ أَهْلًا لِذَكَاةٍ‏)‏ أَيْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالصَّائِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكِّي‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الصَّائِدُ ‏(‏أَعْمَى‏)‏ فَيَحِلُّ صَيْدُهُ كَذَكَاتِهِ ‏(‏فَلَا يَحِلُّ صَيْدٌ‏)‏ يَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ بِخِلَافِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ ‏(‏شَارَكَ فِي قَتْلِهِ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ كَمَجُوسِيٍّ وَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَيْنَ مَجُوسِيٍّ ‏(‏وَبَيْنَ كِتَابِيٍّ وَلَوْ‏)‏ قَتَلَهُ ‏(‏بِجَارِحَةٍ حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ‏)‏ الْمَجُوسِيُّ وَنَحْوُهُ ‏(‏بَعْدَ إرْسَالِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِرْسَالِ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ سَبَبُ إبَاحَةٍ وَسَبَبُ تَحْرِيمٍ فَغُلِّبَ التَّحْرِيمُ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُصِبْ مَقْتَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ إلَّا ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَحَدُ جَارِحَيْ الْمُسْلِمُ وَنَحْوَ الْمَجُوسِيُّ ‏(‏عَمِلَ بِهِ‏)‏ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ مَقْتَلَهُ جَارِحٌ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ حَلَّ وَبِالْعَكْسِ لَا يَحِلُّ ‏(‏وَلَوْ أَثْخَنَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدَ ‏(‏كَلْبُ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَتَلَهُ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَرُمَ‏)‏ الصَّيْدُ ‏(‏وَيَضْمَنُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَجُوسِيُّ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِلْمُسْلِمِ بِقِيمَتِهِ مَجْرُوحًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ‏)‏ لِصَيْدٍ ‏(‏فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَادَ عَدْوُهُ‏)‏ بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ لَهُ فَقَتَلَ صَيْدًا حَلَّ لِأَنَّ الصَّائِدَ هُوَ الْمُسْلِمُ ‏(‏أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلَى كَلْبِ مُسْلِمٍ ‏(‏كَلْبُ مَجُوسِيٍّ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ‏)‏ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ لِانْفِرَادِ جَارِحِ الْمُسْلِمِ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ مَجُوسِيٌّ شَاةٌ فَذَبَحَهَا مُسْلِمٌ ‏(‏أَوْ ذَبَحَ‏)‏ مُسْلِمٌ ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ صَيْدًا ‏(‏أَمْسَكَهُ لَهُ مَجُوسِيٌّ بِكَلْبِهِ وَقَدْ جَرَحَهُ‏)‏ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ جُرْحًا ‏(‏غَيْرَ مُوحٍ‏)‏ حَلَّ لِحُصُولِ ذَكَاتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ ‏(‏أَوْ ارْتَدَّ‏)‏ مُسْلِمٌ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَةِ سَهْمِهِ ‏(‏أَوْ مَاتَ‏)‏ الْمُسْلِمُ ‏(‏بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ حَلَّ‏)‏ الصَّيْدُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّمْيِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ رَمَى‏)‏ مُسْلِمٌ ‏(‏صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ رَمَاهُ‏)‏ ثَانِيًا ‏(‏أَوْ‏)‏ رَمَاهُ ‏(‏آخَرُ فَقَتَلَهُ أَوْ أَوْحَاهُ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏بَعْدَ إيحَاءِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحِلَّ‏)‏ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِذَبْحِهِ ‏(‏وَلِمُثْبِتِهِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا‏)‏ عَلَى رَامِيهِ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ ‏(‏حَتَّى وَلَوْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يُذَكِّهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَ‏)‏ الرَّامِي ‏(‏الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ‏)‏ كَحُلْقُومِهِ أَوْ قَلْبِهِ فَيَحِلُّ ‏(‏أَوْ‏)‏ يُصِيبُ الرَّامِي ‏(‏الثَّانِي مَذْبَحَهُ فَيَحِلُّ‏)‏ لِأَنَّهُ مُذَكًّى‏.‏

‏(‏وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ خَرْقِ جِلْدِهِ‏)‏ لِتَنْقِيصِهِ لَهُ وَإِنْ وَجَدَاهُ مَيِّتًا حَلَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ ‏(‏وَلَوْ كَانَ الْمَرْمِيُّ قِنًّا‏)‏ لِلْغَيْرِ ‏(‏أَوْ شَاةَ الْغَيْرِ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِ الرَّامِيَيْنِ ‏(‏وَلَمْ يُوحِيَاهُ وَسَرَيَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُرْحَانِ ‏(‏فَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ قِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَرْمِيِّ ‏(‏مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ‏)‏ لِأَنَّهُ مُشَارِكٌ فِي قَتْلِهِ بَعْدَ جَرْحِ الْأَوَّلِ لَهُ ‏(‏وَيُكَمِّلُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ قِيمَةَ الْمَرْمِيِّ حَالَ كَوْنِهِ ‏(‏سَلِيمًا الْأَوَّلِ‏)‏ لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِهِ وَلَا جِرَاحَةَ بِهِ حَالَ جِنَايَتِهِ ‏(‏وَصَيْدٌ قُتِلَ بِإِصَابَتِهِمَا‏)‏ أَيْ إصَابَةِ اثْنَيْنِ يَحِلُّ ذَبْحُهُمَا ‏(‏مَعًا‏)‏ أَيْ فِي آنٍ وَاحِدٍ ‏(‏حَلَالٌ بَيْنَهُمَا‏)‏ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إصَابَتِهِ ‏(‏كَذَبْحِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَأْكُولِ ‏(‏مُشْتَرِكَيْنِ‏)‏ فِي آنٍ وَاحِدٍ فَيَحِلُّ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ أَصَابَهُ ‏(‏وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَوَجَدَاهُ مَيِّتًا وَجُهِلَ قَاتِلُهُ‏)‏ مِنْهُمَا فَهُوَ حَلَالٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ بَعْدَ إصَابَةِ الْأَوَّلِ وَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِهِ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ‏.‏

‏(‏فَإِنْ قَالَ‏)‏ الرَّامِي ‏(‏الْأَوَّلُ أَنَا أَثْبَتُّهُ ثُمَّ قَتَلْتَهُ أَنْتَ فَتَضْمَنُهُ فَقَالَ الْآخَرِ مِثْلَهُ لَمْ يَحِلَّ‏)‏ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ ‏(‏وَيَتَحَالَفَانِ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ‏(‏وَلَا ضَمَانَ‏)‏ عَلَى أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏أَنَا قَتَلْتُهُ وَلَمْ تُثْبِتْهُ أَنْتَ‏)‏ فَيَحِلُّ لِي وَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ ‏(‏صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدُ ‏(‏لَهُ‏)‏ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى مُدَّعِي إثْبَاتِهِ لِاعْتِرَافِهِ بِالتَّحْرِيمِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ صيد وجد ميتا

الشَّرْطُ الثَّانِي لِحِلِّ صَيْدٍ وُجِدَ مَيْتًا أَوْ فِي حُكْمِهِ‏:‏

‏(‏الْآلَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ‏)‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏مُحَدَّدُ فَهُوَ كَآلَةِ ذَبْحٍ‏)‏ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ‏(‏وَشَرْطُ جَرْحِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُحَدَّدِ لِحَدِيثِ ‏{‏مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ‏}‏ وَحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَرَقَتْ فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْمِعْرَاضِ إلَّا مَا ذَكَّيْتَ وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقِ إلَّا مَا ذَكَّيْتَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ ‏(‏فَإِنْ قَتَلَهُ‏)‏ أَيْ الصَّيْدَ ‏(‏بِثِقَلِهِ كَشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَعَصَا وَبُنْدُقَةٍ وَلَوْ مَعَ شَدْخٍ أَوْ قَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ أَوْ بِعَرْضِ مِعْرَاضٍ وَهُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرَفِ‏)‏ وَرُبَّمَا جَعَلَ فِي رَأْسِهِ حَدِيدَةً ‏(‏وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُبَحْ‏)‏ أَكْلُهُ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ ‏{‏قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ فَقَالَ إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ نَصَبَ مِنْجَلًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ نَحْوَهُمَا‏)‏ كَخِنْجَرٍ ‏(‏مُسَمِّيًا حَلَّ مَا قَتَلَهُ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏بِجُرْحٍ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ نَاصِبٍ أَوْ رِدَّتِهِ‏)‏ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ النَّصْبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّمْيِ بِالسَّهْمِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَقْتُلُهُ ذَلِكَ بِجَرْحِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ عِنْدَ النَّصْبِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَحِلُّ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ ‏(‏وَالْحَجَرُ إنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ فَكَمِعْرَاضٍ‏)‏ يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ لَا بِعَرْضِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ ‏(‏فَكَبُنْدُقَةٍ‏)‏ لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ ‏(‏وَلَوْ خَرَقَ‏)‏ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ ‏(‏وَلَمْ يُبَحْ مَا قُتِلَ بِمُحَدَّدٍ فِيهِ سُمٌّ مَعَ احْتِمَالِ إعَانَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّمِّ ‏(‏عَلَى قَتْلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ ‏(‏وَمَا رُمِيَ‏)‏ مِنْ صَيْدٍ ‏(‏فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلْوٍ أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوُقُوعُ مِنْ عُلْوٍ‏.‏

وَالتَّرَدِّي فِي مَاءٍ وَوَطْءِ شَيْءٍ عَلَيْهِ ‏(‏يَقْتُلُ مِثْلُهُ لَمْ يَحِلَّ‏)‏ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ ‏{‏سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّيْدِ فَقَالَ‏:‏ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي‏:‏ الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّرَدِّي وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ كَالْمَاءِ فِي ذَلِكَ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُهُ مِثْلُ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْحَيَوَانِ خَارِجَ الْمَاءِ أَوْ كَانَ مِنْ طَيْرِهِ حَلَّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَقْتُلْهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ذَلِكَ ‏(‏مَعَ إيحَاءِ جُرْحٍ‏)‏ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَقِيَامِ الِاحْتِمَالِ ‏(‏وَإِنْ رَمَاهُ‏)‏ أَيْ الصَّيْدَ ‏(‏بِالْهَوَاءِ‏)‏ أَوْ ‏(‏عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏حَائِطٍ فَسَقَطَ فَمَاتَ‏)‏ حَلَّ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالرَّمْيِ وَوُقُوعَهُ بِالْأَرْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَوْ حَرُمَ بِهِ أَدَّى إلَى أَنْ لَا يَحِلَّ طَيْرٌ أَبَدًا ‏(‏أَوْ‏)‏ رَمَى صَيْدًا فَعَقَرَهُ ثُمَّ ‏(‏غَابَ مَا عَقَرَ أَوْ‏)‏ غَابَ مَا ‏(‏أُصِيبَ‏)‏ بِرَمْيِهِ ‏(‏يَقِينًا وَلَوْ‏)‏ كَانَ ذَلِكَ ‏(‏لَيْلًا ثُمَّ وَجَدَ‏)‏ الصَّيْدَ‏.‏

‏(‏وَلَوْ بَعْدَ يَوْمِهِ‏)‏ الَّذِي رَمَاهُ فِيهِ ‏(‏مَيْتًا حَلَّ‏)‏ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ ‏{‏سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضُنَا أَرْضُ صَيْدٍ فَيَرْمِي أَحَدُنَا الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَيَجِدُ فِيهِ سَهْمَهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي لَفْظٍ قَالَ ‏{‏قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْمِي الصَّيْدَ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ فَقَالَ إذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ‏(‏كَمَا لَوْ وَجَدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدَ ‏(‏بِفَمِ جَارِحِهِ أَوْ وَهُوَ يَعْبَثُ بِهِ أَوْ فِيهِ سَهْمُهُ‏)‏ فَيَحِلُّ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَذَلِكَ بِلَا أَثَرٍ‏.‏

لِغَيْرِهِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ مَوْتِهِ بِجَارِحِهِ أَوْ سَهْمِهِ ‏(‏وَلَا يَحِلُّ مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ صَيْدٌ ‏(‏وُجِدَ بِهِ أَثَرٌ آخَرَ‏)‏ لِغَيْرِ جَارِحِهِ أَوْ سَهْمِهِ ‏(‏يُحْتَمَلُ إعَانَتُهُ فِي قَتْلِهِ‏)‏ كَأَكْلِ سَبُعٍ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ‏"‏ بِخِلَافِ أَثَرٍ لَا يَحْتَمِلُ الْإِعَانَةَ عَلَى ذَلِكَ كَأَكْلِ هِرٍّ ‏(‏وَمَا غَابَ‏)‏ مِنْ صَيْدٍ ‏(‏قَبْلَ عَقْرِهِ‏)‏ ثُمَّ وَجَدَهُ وَفِيهِ سَهْمُهُ ‏(‏أَوْ عَلَيْهِ جَارِحُهُ حَلَّ‏)‏ كَمَا لَوْ غَابَ بَعْدَ عَقْرِهِ‏.‏

‏(‏فَلَوْ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ‏)‏ جَارِحًا ‏(‏آخَرَ وَجَهِلَ هَلْ سَمَّى عَلَيْهِ‏)‏ أَوْ لَا لَمْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ قَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ آخَرَ وَجَهِلَ هَلْ ‏(‏اسْتَرْسَلَ‏)‏ الْجَارِحَ الْآخَرُ ‏(‏بِنَفْسِهِ أَوْ لَا‏)‏ لَمْ يُبَحْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّيْدِ الْحَظْرُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُبِيحَ وَإِرْسَالَ الْآلَةِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ وَلِذَلِكَ اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِهَا ‏(‏أَوْ جَهِلَ حَالَ مُرْسِلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحِ الَّذِي وَجَدَهُ مَعَ جَارِحِهِ ‏(‏هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ أَوْ لَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْ‏:‏‏)‏ الْجَارِحَيْنِ ‏(‏قَتَلَهُ‏)‏ أَيْ الصَّيْدَ لَمْ يُبَحْ ‏(‏أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ مَعًا أَوْ‏)‏ عَلِمَ ‏(‏أَنَّ مَنْ جَهِلَ هُوَ الْقَاتِلُ لَمْ يُبَحْ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ‏}‏ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ وَقَدْ شَكَّ فِي الْمُبِيحِ ‏(‏وَإِنْ عَلِمَ وُجُودَ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ‏)‏ فِي الْجَارِحِ الَّذِي وَجَدَهُ مَعَ جَارِحِهِ بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّ مُرْسِلَهُ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ وَأَنَّهُ سَمَّى عَلَيْهِ عِنْدَ إرْسَالٍ ‏(‏حَلَّ ثُمَّ إنْ كَانَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحَانِ ‏(‏قَتَلَاهُ مَعًا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي آنٍ وَاحِدٍ ‏(‏فَ‏)‏ الصَّيْدُ ‏(‏بَيْنَ صَاحِبَيْهِمَا أَيْ‏:‏ الْجَارِحَيْنِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ‏.‏

لِأَحَدِهِمَا ‏(‏وَإِنْ قَتَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدَ ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحَيْنِ ‏(‏فَ‏)‏ الصَّيْدُ ‏(‏لِصَاحِبِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحِ الْقَاتِلِ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ لَهُ ‏(‏وَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ‏)‏ فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ قَتَلَهُ الْجَارِحَانِ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَجُهِلَتْ عَيْنُهُ‏.‏

‏(‏فَإِنْ وُجِدَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ صَاحِبَيْ الْجَارِحَيْنِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ جَارِحَيْهِمَا قَتَلَاهُ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحَيْنِ ‏(‏مُتَعَلِّقًا بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِصَاحِبِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الَّذِي قَتَلَهُ ‏(‏وَيَحْلِفُ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالصَّيْدِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَى الْآخَرِ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحَانِ ‏(‏نَاحِيَةً‏)‏ مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ ‏(‏وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ‏(‏فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ لِتَأَخُّرِ صُلْحِهِمَا ‏(‏بِيعَ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَاعَهُ الْحَاكِمُ ‏(‏وَاصْطَلَحَا عَلَى ثَمَنِهِ‏)‏ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ‏(‏وَيَحْرُمُ عُضْوٌ أَبَانَهُ صَائِدٌ‏)‏ مِنْ صَيْدٍ ‏(‏بِمُحَدَّدٍ مِمَّا بِهِ‏)‏ أَيْ الْمُبَانِ مِنْهُ ‏(‏حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ‏}‏ ‏(‏لَا إنْ مَاتَ‏)‏ الصَّيْدُ الْمُبَانُ مِنْهُ ‏(‏فِي الْحَالِ‏)‏ فَيَحِلُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏مَا قُطِعَتْ مِنْ الْحَيِّ مَيْتَةٌ‏}‏ إذَا قُطِعَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ تَمْشِي وَتَذْهَبُ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ وَالْمَوْتُ جَمِيعًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْمَوْتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى الَّذِي يَذْبَحُ رُبَّمَا مَكَثَ سَاعَةً وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ وَكَمَا لَوْ قَدَّهُ الصَّائِدُ نِصْفَيْنِ ‏(‏أَوْ كَانَ‏)‏ الْمُبَانُ ‏(‏مِنْ حَوْتٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا تَحِلُّ مَيْتَةً لِأَنَّ‏.‏

قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً وَمَيْتَةُ السَّمَكِ مُبَاحَةٌ‏.‏

‏(‏وَإِنْ بَقِيَ‏)‏ الْمَقْطُوعُ مِنْ غَيْرِ الْحُوتِ وَنَحْوِهِ ‏(‏مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ بِحِلِّهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِنْ ‏(‏النَّوْعُ الثَّانِي‏)‏ مِنْ آلَةِ الصَّيْدِ ‏(‏جَارِحٌ فَيُبَاحُ مَا قَتَلَ‏)‏ جَارِحٌ ‏(‏مُعَلَّمٌ‏)‏ مِمَّا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَالْفُهُودِ وَالْكِلَابِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ مِنْ الطَّيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ وَكُلُّ طَيْرٍ تَعَلَّمَ الصَّيْدَ وَالْفُهُودُ وَالصُّقُورُ وَأَشْبَاهُهُمَا وَالْجَارِحُ لُغَةً الْكَاسِبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ‏}‏ أَيْ‏:‏ كَسَبْتُمْ وَيُقَالُ فُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ أَيْ‏:‏ كَاسِبُهُمْ، وَمُكَلِّبِينَ مِنْ التَّكْلِيبِ وَهُوَ الْإِغْرَاءُ ‏(‏غَيْرُ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ‏)‏ نَصًّا ‏(‏فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَقَالَ إنَّهُ شَيْطَانٌ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏اقْتِنَاؤُهُ‏)‏ وَتَعْلِيمُهُ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ وَالْحِلُّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِكَوْنِهِ شَيْطَانًا وَمَا قَتَلَهُ الشَّيْطَانُ لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ كَالْمُنْخَنِقَةِ ‏(‏وَيُبَاحُ قَتْلُهُ‏)‏ أَيْ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ نَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَتْلِ الْخِنْزِيرِ لَا بَأْسَ ‏(‏وَيَجِبُ قَتْلُ‏)‏ كَلْبٍ ‏(‏عَقُورٍ‏)‏ لِدَفْعِ شَرِّهِ عَنْ النَّاسِ ‏(‏لَا إنْ عَقَرَتْ كَلْبَةٌ مَنْ قَرُبَ مِنْ وَلَدِهَا أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبَهُ‏)‏ فَلَا يُبَاحُ قَتْلُهَا بِذَلِكَ لِأَنَّ عَقْرَهَا لَيْسَ عَادَةً لَهَا ‏(‏بَلْ تُنْقَلُ‏)‏ بِأَوْلَادِهَا لِمَحَلٍّ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُرُورِ ‏(‏وَلَا يُبَاحُ قَتْلُ غَيْرِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَالْعَقُورِ ‏(‏ثُمَّ تَعْلِيمُ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَفَهْدٍ وَكَلْبٍ‏)‏ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ‏(‏أَنْ يُسْتَرْسَلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ‏)‏ قَالَ فِي‏.‏

الْمُغْنِي لَا فِي وَقْتِ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ وَمَعْنَاهُ فِي الْوَجِيزِ ‏(‏وَإِذَا أَمْسَكَ‏)‏ صَيْدًا ‏(‏لَمْ يَأْكُلْ‏)‏ مِنْهُ لِحَدِيثِ ‏{‏فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ عَادَةَ الْمُعَلَّمَ أَنْ يَنْتَظِرَ صَاحِبَهُ لِيُطْعِمَهُ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُعْتَبَرُ ‏(‏تَكَرُّرُ ذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ صَنْعَةً أَشْبَهَ سَائِرَ الصَّنَائِعِ ‏(‏فَلَوْ أَكَلَ بَعْدَ‏)‏ أَنْ صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ‏(‏لَمْ يَخْرُجْ‏)‏ بِذَلِكَ ‏(‏عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا‏)‏ لِأَنَّ أَكْلَهُ إذَنْ قَدْ يَكُونُ لِجُوعٍ أَوْ تَوَحُّشٍ ‏(‏وَلَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَادَهُ حَالَ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُحَرِّمُهُ ‏(‏وَلَمْ يُبَحْ مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ صَيْدٌ ‏(‏أُكِلَ مِنْهُ‏)‏ لِلْخَبَرِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ‏}‏ وَهَذَا إنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إنْ صَادَ بَعْدَ حِلِّ مَا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِمَّا أَكَلَ مِنْهُ لَا لِعَدَمِ تَعَلُّمِهِ بَلْ لِجُوعٍ أَوْ تَوَحُّشٍ‏.‏

‏(‏وَلَوْ شَرِبَ‏)‏ الصَّائِدُ ‏(‏دَمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ ‏(‏لَمْ يَحْرُمْ‏)‏ بِذَلِكَ نَصًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ‏(‏وَيَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ فَمُ كَلْبٍ‏)‏ لِتَنَجُّسِهِ كَمَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ وَنَحْوَهُ ‏(‏وَتَعْلِيمُ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ‏)‏ بِكَسْرِ الْمِيمِ ‏(‏كَبَازٍ وَصَقْرٍ وَعُقَابٍ بِ‏)‏ أَمْرَيْنِ ‏(‏أَنْ يُسْتَرْسَلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَرْجِعَ إذَا دُعِيَ لَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ‏)‏ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ أَكَلَ الصَّقْرُ فَكُلْ ‏"‏ رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَلِأَنَّ تَعْلِيمَهُ بِالْأَكْلِ وَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيمُهُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ ‏(‏وَيُعْتَبَرُ‏)‏ لِحِلِّ صَيْدِ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ ‏(‏جَرْحُهُ‏)‏ لِلصَّيْدِ لِأَنَّهُ آلَةُ الْقَتْلِ كَالْمُحَدَّدِ ‏(‏فَلَوْ قَتَلَهُ‏)‏ الْجَارِحُ أَيْ‏:‏ الصَّيْدَ ‏(‏بِصَدْمٍ أَوْ خَنْقٍ لَمْ يُبَحْ‏)‏ لِعَدَمِ جَرْحِهِ كَالْمِعْرَاضِ إذَا قَتَلَ بِثِقَلِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ قصد الصيد

الشَّرْطُ الثَّالِثُ قَصْدُ الْفِعْلِ بِأَنْ يَرْمِيَ السَّهْمَ أَوْ يَنْصِبَ نَحْوَ الْمِنْجَلِ أَوْ يُرْسِلَ الْجَارِحَ قَاصِدًا الصَّيْدَ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ فَاعْتُبِرَ لَهُ الْقَصْدُ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ ‏(‏وَهُوَ إرْسَالُ الْآلَةِ لِقَصْدِ صَيْدٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ إرْسَالَ الْجَارِحِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ مَعَهُ ‏(‏فَلَوْ احْتَكَّ صَيْدٌ بِمُحَدَّدٍ‏)‏ فَعَقَرَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَحِلَّ ‏(‏أَوْ سَقَطَ‏)‏ مُحَدَّدٌ عَلَى صَيْدٍ ‏(‏فَعَقَرَهُ بِلَا قَصْدٍ‏)‏ لَمْ يَحِلَّ ‏(‏أَوْ اسْتَرْسَلَ الْجَارِحُ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ وَلَوْ زَجَرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحَ رَبُّهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ ‏(‏مَا لَمْ يَزِدْ‏)‏ الْجَارِحُ ‏(‏فِي طَلَبِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ ‏(‏بِزَجْرِهِ‏)‏ فَيَحِلُّ حَيْثُ سَمَّى عِنْدَ زَجْرِهِ وَجَرَحَ الصَّيْدَ لِأَنَّ زَجْرَهُ أَثَّرَ فِي عَدْوِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ رَمَى هَدَفًا‏)‏ أَيْ مُرْتَفِعًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ كَثِيبِ رَمْلٍ أَوْ جَبَلٍ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَمَى ‏(‏رَائِدًا صَيْدًا وَلَمْ يَرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَعْلَمْهُ لِحِلِّ صَيْدِ الْأَعْمَى إذَا عَلِمَهُ بِالْحِسِّ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَمَى ‏(‏حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا‏)‏ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَمَى ‏(‏مَا عَلِمَهُ‏)‏ غَيْرَ صَيْدٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَمَى مَا ‏(‏ظَنَّهُ غَيْرَ صَيْدٍ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ‏)‏ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَصْدُ الصَّيْدِ ‏(‏وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ‏)‏ حَلَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَمَى صَيْدًا ‏(‏وَاحِدًا‏)‏ مِنْ صُيُودٍ ‏(‏فَأَصَابَ عَدَدًا حَلَّ الْكُلُّ‏)‏ وَكَذَا جَارِحٌ‏)‏ أُرْسِلَ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَ غَيْرَهُ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلَ عَدَدًا فَيَحِلُّ الْجَمِيعُ نَصًّا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ بِقَصْدِ الصَّيْدِ فَحَلَّ مَا صَادَهُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى كِبَارٍ فَتَفَرَّقَتْ عَنْ صِغَارٍ أَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي طَرِيقِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَعَانَتْ رِيحُ مَا رَمَى بِهِ‏)‏ مِنْ سَهْمٍ ‏(‏فَقَتَلَ وَلَوْلَاهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّيحُ ‏(‏مَا وَصَلَ‏)‏ إلَيْهِمْ لَمْ يَحْرُمْ الصَّيْدُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْ الرِّيحِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَرَمْيُ السَّهْمِ لَهُ حُكْمُ الْحِلِّ ‏(‏أَوْ رَدَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا رَمَى بِهِ الصَّائِدُ مِنْ نَحْوِ سَهْمٍ ‏(‏حَجَرٌ أَوْ نَحْوُهُ‏)‏ عَلَى الصَّيْدِ ‏(‏فَقَتَلَ لَمْ يَحْرُمْ‏)‏ الصَّيْدُ لَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَتَحِلُّ طَرِيدَةٌ وَهِيَ الصَّيْدُ بَيْنَ قَوْمٍ يَأْخُذُونَهُ قَطْعًا‏)‏ حَتَّى يُؤْتَى عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالطَّرِيدَةِ بَأْسًا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَغَازِيهِمْ ‏(‏وَمَا زَالَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهمْ‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ يَقَعُ بَيْنَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَكَاتِهِ فَيَأْخُذُونَهُ قَطْعًا‏.‏

‏(‏وَكَذَا النَّادِ‏)‏ نَصًّا ‏(‏وَمَنْ أَثْبَتَ صَيْدًا مَلَكَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ بِإِثْبَاتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فَإِنْ تَحَامَلَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ ‏(‏وَيَرُدُّهُ آخِذُهُ‏)‏ لِمَنْ أَثْبَتَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَدَخَلَ مَحَلَّ غَيْرِهِ‏)‏ غَيْرِ رَامِيهِ الَّذِي لَمْ يُثْبِتْهُ ‏(‏فَأَخَذَهُ رَبُّ الْمَحَلِّ‏)‏ مَلَكَهُ بِأَخْذُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ ‏(‏أَوْ وَثَبَ حُوتٌ فَوَقَعَ بِحِجْرِ شَخْصٍ وَلَوْ بِسَفِينَةٍ‏)‏ مَلَكَهُ بِذَلِكَ لِسَبْقِهِ إلَى مُبَاحٍ وَحِيَازَتِهِ لَهُ ‏(‏أَوْ دَخَلَ ظَبْيٌ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهَا وَ‏)‏ لَوْ ‏(‏جَهِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ‏)‏ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ فَتَحَ حِجْرَهُ لِأَخْذِهِ فَإِنْ لَمْ يُغْلِقْ بَابَهَا عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْهُ ‏(‏أَوْ فَرْخٌ فِي بُرْجِهِ طَائِرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ‏)‏ مَلَكَهُ صَاحِبُ الْبُرْجِ وَلَوْ مُسْتَأْجِرًا لَهُ أَوْ مُسْتَعِيرًا لِحِيَازَتِهِ لَهُ ‏(‏وَفَرْخٌ‏)‏ طَيْرٌ ‏(‏مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِهَا‏)‏ نَصًّا كَالْوَلَدِ يَتْبَعُ أُمَّهُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ‏:‏ وَلَوْ تَحَوَّلَ طَيْرٌ مِنْ بُرْجٍ زَيْدٍ إلَى بُرْجٍ عَمْرٍو لَزِمَ عَمْرًا رَدُّهُ وَإِنْ اخْتَلَطَ وَلَمْ‏.‏

يَتَمَيَّزْ مُنِعَ عَمْرٌو مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ حَتَّى يَصْطَلِحَا وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرِ حَقَّهُ أَوْ وَهَبَهُ صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ ‏(‏أَوْ أَحْيَا أَرْضًا بِهَا كَنْزٌ مَلَكَهُ‏)‏ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَنَقَلَهُ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ الْفُرُوعِ قَالَ‏:‏ فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ انْتَهَى‏.‏

وَتَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ مِنْهَا وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْدِنِ الْجَامِدِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏كَنَصْبِ خَيْمَتِهِ‏)‏ لِذَلِكَ ‏(‏وَفَتْحِ حِجْرِهِ لِذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِلصَّيْدِ ‏(‏وَكَعَمَلِ بِرْكَةٍ لِ‏)‏ صَيْدِ ‏(‏سَمَكٍ‏)‏ فَمَا حَصَلَ مِنْهُ بِهَا مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهُ ‏(‏وَ‏)‏ كَنَصْبِ ‏(‏شَبَكَةٍ وَشَرَكٍ وَفَخٍّ‏)‏ نَصًّا ‏(‏وَ‏)‏ نَصْبِ ‏(‏مِنْجَلٍ‏)‏ لِصَيْدٍ ‏(‏وَحَبْسِ جَارِحٍ لِصَيْدٍ وَبِإِلْجَائِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحِ لِلصَّيْدِ ‏(‏لِمَضِيقٍ لَا يَفْلِتُ مِنْهُ‏)‏ فَيَمْلِكُ الصَّيْدَ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ أَثْبَتَهُ ‏(‏وَمَنْ وَقَعَ بِشَبَكَةِ صَيْدٍ فَذَهَبَ‏)‏ الصَّيْدُ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّبَكَةِ ‏(‏فَصَادَهُ آخَرُ‏)‏ غَيْرُ صَاحِبِ الشَّبَكَةِ ‏(‏فَ‏)‏ الصَّيْدُ ‏(‏لِلثَّانِي‏)‏ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ لِبَقَاءِ امْتِنَاعِهِ وَتُرَدُّ الشَّبَكَةُ لِرَبِّهَا وَكَذَا لَوْ وَقَعَ بِشَرَكٍ أَوْ فَخٍّ فَذَهَبَ بِهِ فَصَادَهُ آخَرُ وَإِنْ كَانَ يَمْشِي بِالشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِمَّنْ يَقْصِدُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ أَمْسَكَهُ الصَّائِدُ مِنْ نَحْوِ شَبَكَةٍ وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْفَلَتْ مِنْهُ لَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِأَخْذِ غَيْرِهِ كَدَابَّةٍ شَرَدَتْ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وَقَعَتْ سَمَكَةٌ بِسَفِينَةٍ لَا بِحِجْرِ أَحَدٍ‏)‏ مِمَّنْ فِيهَا ‏(‏فَ‏)‏ السَّمَكَةُ ‏(‏لِرَبِّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا لَكِنْ إنْ وَثَبَتْ السَّمَكَةُ بِفِعْلِ إنْسَانٍ لِقَصْدِ الصَّيْدِ فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ‏.‏

السَّفِينَةِ وَدُونَ مَنْ وَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ فِيهَا لِأَنَّ الصَّائِدَ أَثْبَتَهَا بِذَلِكَ ‏(‏وَمَنْ حَصَلَ‏)‏ بِمِلْكِهِ صَيْدٌ لِمَدِّ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ تَوَحَّلَ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ ‏(‏أَوْ عَشَّشَ بِمِلْكِهِ صَيْدٌ أَوْ طَائِرٌ لَمْ يَمْلِكْهُ‏)‏ بِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ لِأَنَّ الدَّارَ وَنَحْوَهَا لَمْ تُعَدَّ لِلصَّيْدِ كَالْبِرْكَةِ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الِاصْطِيَادَ ‏(‏وَإِنْ سَقَطَ‏)‏ مِمَّا عَشَّشَ بِمِلْكِهِ ‏(‏يَرْمِي بِهِ فَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِرَبِّ الْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّامِي مِنْ أَهْلِ الدَّارِ أَوْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ دَارَهُمْ حَرِيمُهُمْ ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ هُوَ لِرَامِيهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ ‏(‏وَيَحْرُمُ صَيْدُ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يَأْكُلُهَا فَيَصِيرُ كَالْجَلَّالَةِ وَكَرِهَ أَحْمَدُ الصَّيْدَ بِبَنَاتِ وَرْدَانَ وَقَالَ مَأْوَاهَا الْحُشُوشُ وَكَذَا بِالضَّفَادِعِ وَقَالَ الضُّفْدَعُ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ ‏(‏وَيُكْرَهُ صَيْدُ‏)‏ الطَّيْرِ ‏(‏بَشْبَاشٍ وَهُوَ طَائِرٌ‏)‏ كَالْبُومَةِ ‏(‏تُخَيَّطُ عَيْنَاهُ وَيُرْبَطُ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَنْ يُصَادَ صَيْدٌ ‏(‏مِنْ وَكْرِهِ‏)‏ لِخَوْفِ الْأَذَى و‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ صَيْدُ ‏(‏الْفَرْخِ‏)‏ مِنْ وَكْرِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏الصَّيْدُ لَيْلًا أَوْ بِمَا يُسْكِرُ‏)‏ الصَّيْدَ نَصًّا ‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ الصَّيْدُ ‏(‏بِشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَدِبْقٍ وَكُلِّ حِيلَةٍ‏)‏ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ بِمِثْقَلٍ كَبُنْدُقٍ وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الرَّمْيَ بِبُنْدُقٍ مُطْلَقًا لِنَهْيِ عُثْمَانَ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُنْدُقِ يُرْمَى بِهَا الصَّيْدُ لَا لِلَّعِبِ و‏(‏لَا‏)‏ يُبَاحُ الصَّيْدُ ‏(‏بِمَنْعِ مَاءٍ عَنْهُ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِ فَإِنْ فَعَلَ حَلَّ أَكْلُهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا وَقَالَ أَعْتَقْتُك أَوْ لَمْ يَقُلْ‏)‏ ذَلِكَ عِنْدَ إرْسَالٍ ‏(‏لَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ‏)‏ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا كَفِعْلِهِ ذَلِكَ بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ‏(‏وَكَانْفِلَاتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّيْدِ بِلَا إرْسَالٍ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَا يَجُوزُ أَعْتَقْتُك فِي حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

فَلَا يَمْلِكُهُ آخِذُهُ بِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ ‏(‏بِخِلَافِ نَحْوِ كِسْرَةٍ أَعْرَضَ عَنْهَا فَ‏)‏ إنَّهُ ‏(‏يَمْلِكُهَا آخِذُهَا‏)‏ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ وَعَادَةُ النَّاسِ الْإِعْرَاضُ عَنْ مِثْلِهَا ‏(‏وَمَنْ وَجَدَ فِيمَا صَادَهُ عَلَامَةَ مِلْكٍ كَقِلَادَةٍ بِرَقَبَةٍ وَ‏)‏ كَ ‏(‏حَلْقَةٍ بِأُذُنٍ وَقَصِّ جَنَاحِ طَائِرٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ‏)‏ يُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ بِاصْطِيَادِهِ لِلْقَرِينَةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ قول بسم الله عند رمي الصيد

الشَّرْطُ الرَّابِعُ‏:‏ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ لَا مِنْ أَخْرَسَ ‏(‏عِنْدَ إرْسَالِ جَارِحَةٍ أَوْ‏)‏ عِنْدَ ‏(‏رَمْيٍ‏)‏ لِنَحْوِ سَهْمٍ أَوْ مِعْرَاضٍ أَوْ نَصْبِ نَحْوِ مِنْجَلٍ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَوْجُودُ مِنْ الصَّائِدِ فَاعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ ‏(‏كَمَا‏)‏ تُعْتَبَرُ ‏(‏فِي ذَكَاتِهِ‏)‏ وَتُجْزِي بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ‏(‏إلَّا أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ هُنَا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الصَّيْدِ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ لِنُصُوصِهِ الْخَاصَّةِ وَلِكَثْرَةِ الذَّبِيحَةِ فَيَكْثُرُ فِيهَا السَّهْوُ وَأَيْضًا الذَّبِيحَةُ يَقَعُ فِيهَا الذَّبْحُ فِي مَحَلِّهِ فَجَازَ أَنْ يُسَامَحَ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ ‏(‏وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمٌ يَسِيرٌ‏)‏ عُرْفًا لِلتَّسْمِيَةِ عَلَى الْإِرْسَالِ أَوْ الرَّمْيِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَا يَضُرُّ ‏(‏تَأْخِيرٌ كَثِيرٌ‏)‏ لِلتَّسْمِيَةِ ‏(‏فِي جَارِحٍ إذَا زَجَرَهُ فَانْزَجَرَ‏)‏ إقَامَةً لِذَلِكَ مَقَامَ ابْتِدَاءِ إرْسَالِهِ ‏(‏وَلَوْ سَمَّى عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ لَا إنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَرَمَى بِغَيْرِهِ‏)‏ فَلَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ لِمَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ اُعْتُبِرَتْ عَلَى آلَتِهِ ‏(‏بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمَّى عَلَى سِكِّينٍ ثُمَّ أَلْقَاهَا وَذَبَحَ بِغَيْرِهَا‏)‏ لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ بِعَيْنِهَا وَتَقَدَّمَ لَوْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَإِنْ رَأَى قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ أَخَذَ شَاةٍ فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لَمْ تَحِلَّ وَلَوْ جَهْلًا لِأَنَّ الْجَاهِلَ يُؤَاخَذُ بِخِلَافِ النَّاسِي‏.‏