فصل: باب لَا تُحْتَلَبُ مَاشِيَةُ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا وجد تمرة في الطريق‏)‏ أي يجوز له أخذها وأكلها وكذا نحوها من المحقرات، وهو المشهور المجزوم به عند الأكثر، وأشار الرافعي إلى تخريج وجه فيه‏.‏

وقد روى ابن أبي شيبة من طريق ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت‏:‏ لا يحب الله الفساد، تعني أنها لو تركت فلم تؤخذ فتؤكل فسدت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا وَقَالَ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ وَقَالَ زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن طلحة‏)‏ هو ابن مصرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأكلتها‏)‏ ظاهر في جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في الطرقات، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لم يمتنع من أكلها إلا تورعا لخشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه، لا لكونها مرمية في الطريق فقط‏.‏

وقد أوضح ذلك قوله في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب ‏"‏ على فراشي ‏"‏ فإنه ظاهر في أنه ترك أخذها تورعا لخشية أن تكون صدقة، فلو لم يخش ذلك لأكلها، ولم يذكر تعريفا فدل على أن مثل ذلك يملك بالأخذ ولا يحتاج إلى تعريف، لكن هل يقال إنها لقطة لأن اللقطة ما من شأنه أن يتملك دون ما لا قيمة له‏؟‏ وقد استشكل بعضهم تركه صلى الله عليه وسلم التمرة في الطريق مع أن الإمام يأخذ المال الضائع للحفظ وأجيب باحتمال أن يكون أخذها كذلك لأنه ليس في الحديث ما ينفيه، أو تركها عمدا لينتفع بها من يجدها ممن تحل له الصدقة، وإنما يجب على الإمام حفظ المال الذي يعلم تطلع صاحبه له، لا ما جرت به العادة بالإعراض عنه لحقارته‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال يحيى‏)‏ أي ابن سعيد القطان، وقد وصله مسدد في مسنده عنه، أخرجه الطحاوي من طريق مسدد‏.‏

قلت‏:‏ ولسفيان فيه إسناد آخر أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عنه بهذا الإسناد إلى طلحة فقال‏:‏ ‏"‏ عن ابن عمر أنه وجد تمرة فأكلها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال زائدة الخ‏)‏ وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن زائدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أوائل البيوع‏.‏

*3*باب كَيْفَ تُعَرَّفُ لُقَطَةُ أَهْلِ مَكَّةَ

وَقَالَ طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَقَالَ خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا زكَرِيَّاءُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُعْضَدُ عِضَاهُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ

الشرح‏:‏

باب ‏(‏كيف تعرف لقطة أهل مكة‏)‏ كأنه أشار بذلك إلى إثبات لقطة الحرم، فلذلك قصر الترجمة على الكيفية، ولعله أشار إلى ضعف الحديث الوارد في النهي عن لقطة الحاج، أو إلى تأويله بأن المراد النهي عن التقاطها للتملك لا للحفظ، وأما الحديث فقد صححه مسلم من رواية عبد الرحمن بن عثمان التيمي‏.‏

ثم ليس فيما ساقه المؤلف من حديثي ابن عباس وأبي هريرة كيفية التعريف التي ترجم لها‏.‏

وكأنه أشار إلى أن ذلك لا يختلف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يلتقط لقطتها إلا من عرفها‏)‏ هو طرف من حديث وصله المؤلف في الحج في ‏"‏ باب لا يحل القتال بمكة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال خالد‏)‏ هو الحذاء ‏(‏عن عكرمة الخ‏)‏ هو طرف أيضا، وصله في أوائل البيوع في ‏"‏ باب ما قيل في الصواغ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد بن سعيد‏)‏ هو الرباطي فيما حكاه ابن طاهر والدارمي فيما ذكره أبو نعيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا روح‏)‏ هو ابن عبادة، وزكريا هو ابن إسحاق، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي العباس بن عبد العظيم، وأبو نعيم من طريق خلف بن سالم، كلاهما عن روح بن عبادة بهذا الإسناد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيي بن موسى‏)‏ هو البلخي، وفي الإسناد لطيفة وهي تصريح كل واحد من رواته بالتحديث مع أن فيه ثلاثة من المدلسين في نسق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس‏)‏ ظاهره أن الخطبة وقعت عقب الفتح، وليس كذلك بل وقعت قبل الفتح عقب قتل رجل من خزاعة رجلا من بني ليث، ففي السياق حذف هذا بيانه، وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القتل‏)‏ بالقاف والمثناة للأكثر، وللكشميهني بالفاء والتحتانية والثاني هو الصواب، وقد تقدم الخلاف فيه أيضا في العلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد‏)‏ أي معرف وأما الطالب فيقال له الناشد، تقول نشدت الضالة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها، وأصل الإنشاد والنشيد رفع الصوت، والمعنى لا تحل لقطتها إلا لمن يريد أن يعرفها فقط، فأما من أراد أن يعرفها ثم يتملكها فلا، وقد تقدم الكلام على ما عدا هذه الجملة في الحج إلا قوله‏:‏ ‏"‏ ومن قتل له قتيل ‏"‏ فأحيل به على كتاب الديات، وإلا قوله‏:‏ ‏"‏ اكتبوا لأبي شاه ‏"‏ فتقدم الكلام عليه في العلم، والقائل ‏"‏ قلت للأوزاعي ‏"‏ هو الوليد بن مسلم الراوي، واستدل بحديثي ابن عباس وأبي هريرة المذكورين في هذا الباب على أن لقطة مكة لا تلتقط للتمليك بل للتعريف خاصة وهو قول الجمهور، وإنما اختصت بذلك عندهم لإمكان إيصالها إلى ربها، لأنها إن كانت للمكي فظاهر، وإن كانت للآفاقي فلا يخلو أفق غالبا من وارد إليها، فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها، قاله ابن بطال‏.‏

وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية‏:‏ هي كغيرها من البلاد، وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط بها إلى المبالغة في التعريف‏.‏

واحتج ابن المنير لمذهبه بظاهر الاستثناء، لأنه نفى الحل واستثنى المنشد فدل على أن الحل ثابت للمنشد لأن الاستثناء من النفي إثبات، قال‏:‏ ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء، والقياس يقتضي تخصيصها‏.‏

والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم، والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق إلى الآفاق البعيدة، فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة فلا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها إلا من عرفها، وفارقت في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم فإنها لا تعرف في غيرهم باتفاق، بخلاف لقطة مكة فيشرع تعريفها لإمكان عود أهل أفق صاحب اللقطة إلى مكة فيحصل متوصل إلى معرفة صاحبها وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ إلا لمنشد ‏"‏ أي لمن سمع ناشدا يقول‏:‏ من رأى لي كذا‏؟‏ فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يعرفها ليردها على صاحبها، وهو أضيق من قول الجمهور لأنه قيده بحالة للمعرف دون حالة، وقيل‏:‏ المراد بالمنشد الطالب حكاه أبو عبيد، وتعقبه بأنه لا يجوز في اللغة تسمية الطالب منشدا‏.‏

قلت‏:‏ ويكفي في رد ذلك قوله في حديث ابن عباس ‏"‏ لا يلتقط لقطتها إلا معرف ‏"‏ والحديث يفسر بعضه بعضا، وكأن هذا هو النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث ابن عباس، وأما اللغة فقد أثبت الحربي جواز تسمية الطالب منشدا وحكاه عياض أيضا، واستدل به على أن لقطة عرفة والمدينة النبوية كسائر البلاد لاختصاص مكة بذلك، وحكى الماوردي في ‏"‏ الحاوي ‏"‏ وجها في عرفة أنها تلتحق بحكم مكة لأنها تجمع الحاج كمكة ولم يرجح شيئا، وليس الوجه المذكور في ‏"‏ الروضة ‏"‏ ولا أصلها، واستدل به على جواز تعريف الضالة في المسجد الحرام بخلاف غيره من المساجد، وهو أصح الوجهين عند الشافعية‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب لَا تُحْتَلَبُ مَاشِيَةُ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذنه‏)‏ هكذا أطلق الترجمة على وفق ظاهر الحديث إشارة إلى الرد على من خصصه أو قيده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن نافع‏)‏ في ‏"‏ موطأ محمد بن الحسن ‏"‏ عن مالك أخبرنا نافع‏.‏

وفي رواية أبي قطن في ‏"‏ الموطآت للدار قطني ‏"‏ قلت لمالك أحدثك نافع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية يزيد بن الهاد عن مالك عند الدار قطني أيضا أنه ‏"‏ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحلبن‏)‏ كذا في البخاري وأكثر الموطآت بضم اللام‏.‏

وفي رواية ابن الهاد المذكورة ‏"‏ لا يحتلبن بكسرها وزيادة المثناة قبلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماشية امرئ‏)‏ في رواية ابن الهاد وجماعة من رواة الموطأ ‏"‏ ماشية رجل ‏"‏ وهو كالمثال وإلا فلا اختصاص لذلك بالرجال، وذكره بعض شراح الموطأ بلفظ ‏"‏ ماشية أخيه ‏"‏ وقال‏:‏ هو للغالب إذ لا فرق في هذا الحكم بين المسلم والذمي، وتعقب بأنه لا وجود لذلك في الموطأ وبإثبات الفرق عند كثير من أهل العلم كما سيأتي في فوائد هذا الحديث، وقد رواه أحمد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ ‏"‏ نهى أن يحتلب مواشي الناس إلا بإذنهم ‏"‏ والماشية تقع على الإبل والبقر والغنم، ولكنه في الغنم يقع أكثر قاله في النهاية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشربته‏)‏ بضم الراء وقد تفتح أي غرفته، والمشربة مكان الشرب بفتح الراء خاصة والمشربة بالكسر إناء الشرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خزانته‏)‏ الخزانة المكان أو الوعاء الذي يخزن فيه ما يراد حفظه‏.‏

وفي رواية أيوب عند أحمد ‏"‏ فيكسر بابها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فينتقل‏)‏ بالنون والقاف وضم أوله يفتعل من النقل أي تحول من مكان إلى آخر، كذا في أكثر الموطآت عن مالك، ورواه بعضهم كما حكاه ابن عبد البر، وأخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة وغيره بلفظ ‏"‏ فينتثل ‏"‏ بمثلثة بدل القاف، والنثل النثر مرة واحدة بسرعة، وقيل الاستخراج وهو أخص من النقل، وهكذا أخرجه مسلم من رواية أيوب وموسى بن عقبة وغيرهما عن نافع، ورواه عن الليث عن نافع بالقاف، وهو عند ابن ماجة من هذا الوجه بالمثلثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تخزن‏)‏ بالخاء المعجمة الساكنة والزاي المضمومة بعدها نون‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ تحرز ‏"‏ بضم أوله وإهمال الحاء وكسر الراء بعدها زاي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضروع‏)‏ الضرع للبهائم كالثدي للمرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أطعماتهم‏)‏ هو جمع أطعمة والأطعمة جمع طعام والمراد به هنا اللبن، قال ابن عبد البر‏:‏ في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئا إلا بإذنه، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه به على ما هو أولى منه، وبهذا أخذ الجمهور، لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام، واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه، وإن لم يقع منه إذن خاص ولا عام، وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقا في الأكل والشرب سواء علم بطيب نفسه أو لم يعلم، والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعا ‏"‏ إذا أتى أحدكم على ماشية فإن لم يكن صاحبها فيها فليصوت ثلاثا فإن أجاب فليستأذنه فإن أذن له وإلا فليحلب وليشرب ولا يحمل ‏"‏ إسناده صحيح إلى الحسن، فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومن لا أعله بالانقطاع، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد مرفوعا ‏"‏ إذا أتيت على راع فناده ثلاثا، فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أنيت على حائط بستان ‏"‏ فذكر مثله أخرجه ابن ماجة والطحاوي وصححه ابن حبان والحاكم، وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح، فهو أولى بأن يعمل به، وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا يلتفت إليه، ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع‏:‏ منها حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه، والنهي على ما إذا لم يعلم‏.‏

ومنها تخصيص الإذن بابن السبيل دون عمره أو بالمضطر أو بحال المجاعة مطلقا وهي متقاربة، وحكى ابن بطال عن بعض شيوخه أن حديث الإذن كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وحديث النهي أشار به إلى ما سيكون بعده من التشاح وترك المواساة‏.‏

ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار لحديث أبي هريرة ‏"‏ بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة فثبنا إليها فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم، أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب‏؟‏ قلنا‏:‏ لا، قال‏:‏ فإن ذلك كذلك ‏"‏ أخرجه أحمد وابن ماجة واللفظ له‏.‏

وفي حديث أحمد ‏"‏ فابتدرها القوم ليحلبوها ‏"‏ قالوا فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجا، وحديث النهي على ما إذا كان مستغنيا‏.‏

ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة والنهي على ما إذا كانت مصرورة لهذا الحديث، لكن وقع عند أحمد في آخره ‏"‏ فإن كنتم لا بد فاعلين فاشربوا ولا تحملوا ‏"‏ فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره، لكن بقيد عدم الحمل ولا بد منه‏.‏

واختار ابن العربي الحمل على العادة قال‏:‏ وكانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا، قال‏:‏ ورأى بعضهم أن مهما كان على طريق لا يعدل إليه ولا يقصد جاز للمار الأخذ منه، وفيه إشارة إلى قصر ذلك على المحتاج‏.‏

وأشار أبو داود في ‏"‏ السنن ‏"‏ إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو، وآخرون إلى قصر الأذن على ما كان لأهل الذمة والنهي على ما كان للمسلمين، واستؤنس بما شرطه الصحابة على أهل الذمة من ضيافة المسلمين وصح ذلك عن عمر‏.‏

وذكر ابن وهب عن مالك في المسافر ينزل بالذمي قال‏:‏ لا يأخذ منه شيئا إلا بإذنه، قيل له‏:‏ فالضيافة التي جعلت عليهم‏؟‏ قال‏:‏ كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها؛ وأما الآن فلا‏.‏

وجنح بعضهم إلى نسخ الأذن وحملوه على أنه كان قبل إيجاب الزكاة، قالوا‏:‏ وكانت الضيافة حينئذ واجبة ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة‏.‏

قال الطحاوي‏:‏ وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة ثم نسخت فنسخ ذلك الحكم وأورد الأحاديث في ذلك‏.‏

وسيأتي الكلام على حكم الضيافة في المظالم قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ اختلف العلماء فيمن مر ببستان أو زرع أو ماشية، قال الجمهور‏:‏ لا يجوز أن يأخذ منه شيئا إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور‏.‏

وقال بعض السلف‏:‏ لا يلزمه شيء‏.‏

وقال أحمد‏:‏ إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين ولو لم يحتج لذلك، وفي الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالين، وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث، قال البيهقي‏:‏ يعني حديث ابن عمر مرفوعا ‏"‏ إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبيئة ‏"‏ أخرجه الترمذي واستغربه، قال البيهقي‏:‏ لم يصح، وجاء من أوجه أخر غير قوية‏.‏

قلت‏:‏ والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها، وقد بينت ذلك في كتابي ‏"‏ المنحة فيما علق الشافعي القول به على الصحة‏"‏‏.‏

وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للإفهام وتمثيل ما قد يخفى بما هو أوضح منه، واستعمال القياس في النظائر، وفيه ذكر الحكم بعلته وإعادته بعد ذكر العلة تأكيدا وتقريرا، وأن القياس لا يشترط في صحته مساواة الفرع للأصل بكل اعتبار، بل ربما كانت للأصل مزية لا يضر سقوطها في الفرع إذا تشاركا في أصل الصفة، لأن الضرع لا يساوي الخزانة في الحرز كما أن الصر لا يساوي القفل فيه، ومع ذلك فقد ألحق الشارع الضرع المصرور في الحكم بالخزانة المقفلة في تحريم تناول كل منهما بغير إذن صاحبه، أشار إلى ذلك ابن المنير‏.‏

وفيه إباحة خزن الطعام واحتكاره إلى وقت الحاجة إليه خلافا لغلاة المتزهدة المانعين من الادخار مطلقا قاله القرطبي‏.‏

وفيه أن اللبن يسمى طعاما فيحنث به من حلف لا يتناول طعاما إلا أن يكون له نية في إحراج اللبن قاله النووي‏.‏

قال‏:‏ وفيه أن بيع لبن الشاة بشاة في ضرعها لبن باطل، وبه قال الشافعي والجمهور، وأجازه الأوزاعي‏.‏

وفيه أن الشاة إذا كان لها لبن مقدور على حلبه قابله قسط من الثمن قاله الخطابي؛ وهو يؤيد خبر المصراة ويثبت حكمها في تقويم اللبن‏.‏

وفيه أن من حلب من ضرع ناقة أو غيرها في مصرورة محرزة بغير ضرورة ولا تأويل ما تبلغ قيمته ما يجب فيه القطع أن عليه القطع إن لم يأذن له صاحبها تعضهم أو إجمالا، لأن الحديث قد أفصح بأن ضروع الأنعام خزائن الطعام، وحكى القرطبي عن بعضهم وجوب القطع ولو لم تكن الغنم في حرز اكتفاء بحرز الضرع للبن، وهو الذي يقتضيه طاهر الحديث‏.‏

*3*باب إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنه ردها عليه لأنها وديعة عنده‏)‏ أورد فيه حديث زيد بن خالد من طريق إسماعيل بن جعفر عن ربيعة، وليس فيه ذكر الوديعة فكأنه أشار إلى رجحان رفع رواية سليمان بن بلال الماضية قبل خمسة أبواب وقد تقدم بيانها‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ استراب البخاري بالشك المذكور فترجمه بالمعنى‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ أسقطها لفظا وضمنها معنى لأن قوله‏:‏ ‏"‏ فإن جاء صاحبها فأدها إليه ‏"‏ يدل على بقاء ملك صاحبها خلافا لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ولتكن وديعة عندك ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بعد الاستنفاق، وهو ظاهر السياق، فتجوز بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها، لأن حقيقة الوديعة أن تبقى عينها، والجامع وجوب رد ما يجد المرء لغيره وإلا فالمأذون في استنفاقه لا تبقى عينه، ويحتمل أن تكون الواو في قوله‏:‏ ‏"‏ ولتكن ‏"‏ بمعنى أو، أي إما أن تستنفقها وتغرم بدلها وأما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها فتعطيها له، ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ يستدل به لأحد الأقوال عند العلماء إذا أتلفها الملتقط بعد التعريف وانقضاء زمنه ثم أخرج بدلها ثم هلكت أن لا ضمان عليه في الثانية، وإذا ادعى أنه أكلها ثم غرمها ثم ضاعت قبل قوله أيضا وهو الراجح من الأقوال، وتقدم الكلام على بقية فوائده قبل أربعة أبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ قَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا

الشرح‏:‏

وقوله هنا‏:‏ ‏"‏ حتى احمرت وجنتاه أو احمر وجهه ‏"‏ شك من الراوي، والوجنة ما ارتفع من الخدين، وفيها أربع لغات‏:‏ بالواو والهمزة والفتح فيهما والكسر‏.‏

*3*باب هَلْ يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ وَلَا يَدَعُهَا تَضِيعُ حَتَّى لَا يَأْخُذَهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق‏)‏ كذا للأكثر، وسقطت ‏"‏ لا ‏"‏ بعد حتى عند ابن شبويه، وأظن الواو سقطت من قبل حتى، والمعنى لا يدعها فتضيع ولا يدعها حتى يأخذها من لا يستحق وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره اللقطة، ومن حجتهم حديث الجارود مرفوعا ‏"‏ ضالة المسلم حرق النار ‏"‏ أخرجه النسائي بإسناد صحيح، وحمل الجمهور ذلك على من لا يعرفها، وحجتهم حديث زيد بن خالد عند مسلم ‏"‏ من آوى الضالة فهو ضال، ما لم يعرفها ‏"‏ وأما ما أخذه من حديث الباب فمن جهة أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي أخذه الصرة فدل على أنه جائز شرعا، ويستلزم اشتماله على المصلحة وإلا كان تصرفا في ملك الغير، وتلك المصلحة تحصل بحفظها وصيانتها عن الخونة وتعريفها لتصل إلى صاحبها، ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فمتى رجح أخذها وجب أو استحب، ومتى رجح تركها حرم أو كره، وإلا فهو جائز‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ فَوَجَدْتُ سَوْطًا فَقَالَا لِي أَلْقِهِ قُلْتُ لَا وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بِهَذَا قَالَ فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ فَقَالَ لَا أَدْرِي أَثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سويد بن غفلة‏)‏ بفتح المعجمة والفاء أبو أمية الجعفي، تابعي كبير مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وكان في زمنه رجلا وأعطى الصدقة في زمنه ولم يره على الصحيح، وقيل إنه صلى خلفه ولم يثبت، وإنما قدم المدينة حين نفضوا أيديهم من دفنه صلى الله عليه وسلم، ثم شهد الفتوح ونزل الكوفة ومات بها سنة ثمانين أو بعدها وله مائة وثلاثون سنة أو أكثر لأنه كان يقول‏:‏ أنا لدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر منه بسنتين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر عن علي في ذكر الخوارج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مع سلمان بن ربيعة‏)‏ هو الباهلي يقال له صحبة، ويقال له سلمان الخيل لخبرته بها، وكان أميرا على بعض المغازي في فتوح العراق في عهد عمر وعثمان، وكان أول من ولي قضاء الكوفة، واستشهد في خلافته في فتوح العراق، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزيد بن صوحان‏)‏ بضم المهملة وسكون الواو بعدها مهملة أيضا العبدي، تابعي كبير مخضرم أيضا، وزعم ابن الكلبي أن له صحبة‏.‏

وروى أبو يعلى من حديث علي مرفوعا ‏"‏ من سره أن ينظر إلى من سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان ‏"‏ وكان قدوم زيد في عهد عمر وشهد الفتوح، وروى ابن منده من حديث بريدة قال‏:‏ ‏"‏ ساق النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال‏:‏ زيد زيد الخير، فسئل عن ذلك فقال رجل تسبقه يده إلى الجنة ‏"‏ فقطعت يد زيد بن صوحان في بعض الفتوح، وقتل مع علي يوم الجمل‏.‏

قوله ‏(‏في غزاة‏)‏ زاد أحمد من طريق سفيان عن سلمة ‏"‏ حتى إذا كنا بالعذيب ‏"‏ وهو بالمعجمة والموحدة مصغر‏:‏ موضع، وله من طريق يحيى القطان عن شعبة ‏"‏ فلما رجعنا من غزاتنا حججت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مائة دينار‏)‏ استدل به لأبي حنيفة في تفرقته بين قليل اللقطة وكثيرها فيعرف الكثير سنة والقليل أياما، وحد القليل عنده ما لا يوجب القطع وهو ما دون العشرة، وقد ذكرنا الخلاف في مدة التعريف في الباب الأول، والخلاف في القدر الملتقط قبل أربعة أبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتيته الرابعة فقال اعرف عدتها‏)‏ هي رابعة باعتبار مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وثالثة باعتبار التعريف، ولهذا قال في الرواية الماضية أول أبواب اللقطة ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ وقال فيها ‏"‏ فلا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا ‏"‏ وقد تقدم اختلاف رواته في ذلك بما يغني عن إعادته‏.‏

*3*باب مَنْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يرفعها ‏"‏ بالراء بدل الدال، وكأنه أشار بالترجمة إلى رد قول الأوزاعي في التفرقة بين القليل والكثير فقال‏:‏ ‏"‏ إن كان قليلا عرفه وإن كان مالا كثيرا رفعه إلى بيت المال ‏"‏ والجمهور على خلافه، نعم فرق بعضهم بين اللقطة والضوال، وبعض المالكية والشافعية بين المؤتمن وغيره فقال‏:‏ يعرف المؤتمن؛ وأما غير المؤتمن فيدفعها إلى السلطان ليعطيها المؤتمن ليعرفها‏.‏

ومال بعض المالكية إن كانت اللقطة بين قوم مأمونين والسلطان جائز فالأفضل أن لا يلتقطها فإن التقطها لا يدفعها له، وإن كان عادلا فكذلك ويخير في دفعها له، وإن كانت بين قوم مأمونين والإمام جائر تخير الملتقط وعمل بما يترجح عنده، وإن كان عادلا فكذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ أَخْبَرَنِي الْبَرَاءُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي قَالَ نَعَمْ فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنْ الْغُبَارِ ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالْأُخْرَى فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا بغير ترجمة، وسقط من رواية أبي ذر فهو إما من الباب أو كالفصل منه فيحتاج إلى مناسبة بينهما على الحالين، فإنه ساق فيه طرفا من رواية البراء بن عازب عن أبي بكر الصديق في قصة الهجرة إلى المدينة، والغرض منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر من لبن الشاة التي وجدت مع الراعي، وليس في ذلك مناسبة ظاهرة لحديث اللقطة لكن قال ابن المنير‏:‏ مناسبة هذا الحديث لأبواب اللقطة الإشارة إلى أن المبيح للبن هنا أنه في حكم الضائع إذ ليس مع الغنم في الصحراء سوى راع واحد فالفاضل عن شربه مستهلك، فهو كالسوط الذي اغتفر التقاطه، وأعلى أحواله أن يكون كالشاة الملتقطة في الضيعة وقد قال فيها‏:‏ ‏"‏ هي لك أو لأخيك أو للذئب ‏"‏ ا هـ ولا يخفى ما فيه من التكلف، ومع ذلك فلم تظهر مناسبته للترجمة بخصوصها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ هل في غنمك من لبن ‏"‏ بفتح الموحدة للأكثر وحكى عياض رواية بضم اللام وسكون الموحدة أي شاة ذات لبن، وحكى ابن بطال عن بعض شيوخه أن أبا بكر استجاز أخذ ذلك اللبن لأنه مال حربي فكان حلالا له، وتعقبه المهلب بأن الجهاد وحل الغنيمة إنما وقع بعد الهجرة بالمدينة، ولو كان أبو بكر أخذه على أنه مال حربي لم يستفهم الراعي هل تحلب أم لا، ولكان ساق الغنم غنيمة وقتل الراعي أو أسره قال‏:‏ ولكنه كان بالمعني المتعارف عندهم في ذلك الوقت على سبيل المكرمة، وكأن صاحب الغنم قد أذن للراعي أن يسقي من مر به، وسيأتي بقية الحديث واستيفاء شرحه في علامات النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ساق المصنف حديث أبي بكر عاليا عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل، ونازلا عن إسحاق عن النضر عن إسرائيل، لتصريح أبي إسحاق في الرواية النازلة بأن البراء أخبره، وقد أورد رواية عبد الله بن رجاء في ‏"‏ فضل أبي بكر ‏"‏ وأغفل المزي ذكر طريق عبد الله بن رجاء في اللقطة‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب اللقطة من الأحاديث المرفوعة على أحد وعشرين حديثا، المعلق منها خمسة والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية عشر حديثا والخالص ثلاثة وافقه مسلم على تخريجها‏.‏

وفيه من الآثار أثر واحد لزيد مولى المنبعث‏.‏

والله أعلم‏.‏