فصل: باب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصائم يصبح جنبا‏)‏ أي هل يصح صومه أو لا‏؟‏ وهل يفرق بين العامد والناسي أو بين الفرض والتطوع‏؟‏ وفي كل ذلك خلاف للسلف، والجمهور على الجواز مطلقا، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ح و حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَتْ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلَا مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُنَّ أَعْلَمُ وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة‏)‏ كذا أورده البخاري من رواية مالك مختصرا، وعقبه بطريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن فأوهم أن سياقهما واحد، لكنه ساق لفظ مالك بعد بابين وليس فيه ذكر مروان ولا قصة أبي هريرة، نعم قد أخرجه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن سمي مطولا، ولمالك فيه شيخ آخر أخرجه في الموطأ عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن مختصرا، وأخرجه مسلم من هذا الوجه أيضا، وأخرجه مسلم أيضا من رواية ابن جريج عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أتم منه، وله طرق أخرى كثيرة أطنب النسائي في تخريجها وفي بيان اختلاف نقلتها، وسأذكر محصل فوائدها إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله في رواية شعيب ‏(‏أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان‏)‏ أي ابن الحكم، وإخبار عبد الرحمن بما ذكر لمروان كان بعد أن أرسله مروان إلى عائشة وأم سلمة، بين ذلك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وهو عند مسلم أيضا من طريقه ولفظه ‏"‏ كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم، فقال مروان‏:‏ أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة ‏"‏ فساق القصة‏.‏

وبين النسائي في رواية له أن عبد الرحمن بن الحارث إنما سمعه من ذكوان مولى عائشة عنها ومن نافع مولى أم سلمة عنها، فأخرج من طريق عبد ربه بن سعيد عن أبي الحديث عياض عن عبد الرحمن بن الحارث قال ‏"‏ أرسلني مروان إلى عائشة، فأتيتها فلقيت غلامها ذكوان فأرسلته إليها، فسألها عن ذلك فقالت ‏"‏ فذكر الحديث مرفوعا قال ‏"‏ فأتيت مروان فحدثته بذلك فأرسلني إلى أم سلمة، فأتيتها فلقيت غلامها نافعا فأرسلته إليها فسألها عن ذلك ‏"‏ فذكر مثله‏.‏

وفي إسناده نظر، لأن أبا عياض مجهول، فإن كان محفوظا فيجمع بأن كلا من الغلامين كان واسطة بين عبد الرحمن وبين كل منهما في السؤال كما في هذه الرواية، وسمع عبد الرحمن وابنه أبو بكر كلاهما من وراء الحجاب كما في رواية المصنف وغيره، وسأذكره من رواية أبي حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عند النسائي ففيه ‏"‏ أن عبد الرحمن جاء إلى عائشة فسلم على الباب فقالت عائشة‏:‏ يا عبد الرحمن ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم‏)‏ في رواية مالك المشار إليها ‏"‏ كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ‏"‏ وفي رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة ‏"‏ كان يدركه الفجر في رمضان جنبا من غير حلم ‏"‏ وستأتي بعد بابين، وللنسائي من طريق عبد الملك ابن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عنهما ‏"‏ كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم ‏"‏ وله من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال ‏"‏ قال مروان لعبد الرحمن بن الحارث‏:‏ اذهب إلى أم سلمة فسلها، فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا مني فيصوم ويأمرني بالصيام‏"‏‏.‏

قال القرطبي‏:‏ في هذا فائدتان، إحداهما أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز‏.‏

الثاني أن ذلك كان من جماع لا من احتلام لأنه كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه‏.‏

وقال غيره‏:‏ في قولها ‏"‏ من غير احتلام ‏"‏ إشارة إلى جواز الاحتلام عليه، وإلا لما كان للاستثناء معنى، ورد بأن الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه، وأجيب بأن الاحتلام يطلق على الإنزال وقد وقع الإنزال بغير رؤية شيء في المنام، وأرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدا يفطر، وإذا كان فاعل ذلك عمدا لا يفطر فالذي ينسى‏.‏

الاغتسال أو ينام عنه أولى بذلك‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ لما كان الاحتلام يأتي للمرء على غير اختياره فقد يتمسك به من يرخص لغير المتعمد الجماع، فبين في هذا الحديث أن ذلك كان من جماع لإزالة هذا الاحتمال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث أقسم بالله‏)‏ في رواية النسائي من طريق عكرمة ابن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن ‏"‏ فقال مروان لعبد الرحمن‏:‏ الق أبا هريرة فحدثه بهذا، فقال‏:‏ إنه لجاري، وإنه لأكره أن أستقبله بما يكره‏.‏

فقال‏:‏ أعزم عليك لتلقينه ‏"‏ ومن طريق عمر بن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن أبيه ‏"‏ فقال عبد الرحمن لمروان‏:‏ غفر الله لك، إنه لي صديق، ولا أحب أن أرد عليه قوله ‏"‏ وبين ابن جريج في روايته عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه سبب ذلك ففيه ‏"‏ عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول في قصصه‏:‏ ومن أدركه الفجر جنبا فلا يصم‏.‏

قال فذكرته لعبد الرحمن، فانطلق وانطلقت معه حتى دخلنا على مروان ‏"‏ فذكر القصة، أخرجه عبد الرزاق عنه ومن طريقه مسلم والنسائي وغيرهما‏.‏

وفي رواية مالك عن سمي عن أبي بكر ‏"‏ أن أبا هريرة قال‏:‏ من أصبح جنبا أفطر ذلك يوم ‏"‏ وللنسائي من طريق المقبري ‏"‏ كان أبو هريرة يفتي الناس أنه أصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم ‏"‏ وله من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول ‏"‏ من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم‏"‏، ومن طريق أبي قلابة عن عبد الرحمن بن الحارث ‏"‏ أن أبا هريرة كان يقول‏:‏ من أصبح جنبا فليفطر ‏"‏ فاتفقت هذه الروايات على أنه كان يفتي بذلك، وسيأتي بيان من روى ذلك عنه مرفوعا في آخر الكلام على هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لتفزعن‏)‏ كذا للأكثر بالفاء والزاي من الفزع وهو الخوف أي لتخيفنه بهذه القصة التي تخالف فتواه، وللكشميهني ‏"‏ لتقرعن ‏"‏ بفتح فقاف وراء مفتوحة، أي تقرع بهذه القصة سمعه، يقال قرعت بكذا سمع فلان إذا أعلمته به إعلاما صريحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومروان يومئذ على المدينة‏)‏ أي أمير من جهة معاوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكره ذلك عبد الرحمن‏)‏ قد بينا سبب كراهته، قيل ويحتمل أن يكون كره أيضا أن يخالف مروان لكونه كان أميرا واجب الطاعة في المعروف، وبين أبو حازم عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه سبب تشديد مروان في ذلك، فعند النسائي من هذا الوجه قال ‏"‏ كنت عند مروان مع عبد الرحمن، فذكروا قول أبي هريرة فقال‏:‏ اذهب فاسأل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قال فذهبنا إلى عائشة فقالت‏:‏ يا عبد الرحمن، أما لكم في رسول الله أسوة حسنة ‏"‏ فذكرت الحديث ‏"‏ ثم أتينا أم سلمة كذلك، ثم أتينا مروان فاشتد عليه اختلافهم تخوفا أن يكون أبو هريرة يحدث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مروان لعبد الرحمن‏:‏ عزمت عليك لما أتيته فحدثته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة‏)‏ أي المكان المعروف وهو ميقات أهل المدينة، وقوله ‏(‏وكان لأبي هريرة هناك أرض‏)‏ فيه رفع توهم من يظن أنهما اجتمعا في سفر، وظاهره أنهما اجتمعا من غير قصد، لكن في رواية مالك المذكورة ‏"‏ فقال مروان لعبد الرحمن‏:‏ أقسمت عليك لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق، فلتخبرنه‏.‏

قال فركب عبد الرحمن وركبت معه ‏"‏ فهذا ظاهر في أنه قصد أبا هريرة لذلك، فيحمل قوله ‏"‏ ثم قدر لنا أن نجتمع معه ‏"‏ على المعنى الأعم من التقدير لا على معنى الاتفاق، ولا تخالف بين قوله ‏"‏ بذي الحليفة ‏"‏ وبين قوله ‏"‏ بأرضه بالعقيق ‏"‏ لاحتمال أن يكونا قصداه إلى العقيق فلم يجداه ثم وجداه بذي الحليفة وكان له أيضا بها أرض‏.‏

ووقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر ‏"‏ فقال مروان عزمت عليكما لما ذهبتما إلى أبي هريرة، قال فلقينا أبا هريرة عند باب المسجد ‏"‏ والظاهر أن المراد بالمسجد هنا مسجد أبي هريرة بالعقيق لا المسجد النبوي جمعا بين الروايتين، أو يجمع بأنهما التقيا بالعقيق فذكر له عبد الرحمن القصة مجملة أو لم يذكرها بل شرع فيها ثم لم يتهيأ له ذكر تفصيلها وسماع جواب أبي هريرة إلا بعد أن رجعا إلى المدينة وأراد دخول المسجد النبوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني ذاكر لك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إني أذكر ‏"‏ بصيغة المضارعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم أذكره لك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لم أذكر ذلك ‏"‏ وفيه حسن الأدب مع الأكابر وتقديم الاعتذار قبل تبليغ ما يظن المبلغ أن المبلغ يكرهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكر قول عائشة وأم سلمة فقال كذلك حدثني الفضل‏)‏ ظاهره أن الذي حدثه به الفضل مثل الذي ذكره له عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة، وليس كذلك لما قدمناه من مخالفة قول أبي هريرة لقول عائشة وأم سلمة، والسبب في هذا الإبهام أن رواية شعيب في حديث الباب لم يذكر في أولها كلام أبي هريرة كما قدمناه فلذلك أشكل أمر الإشارة بقوله كذلك‏.‏

ووقع كلام أبي هريرة في رواية معمر وفي رواية ابن جريج كما قدمناه فلذلك قال في آخره ‏"‏ سمعت ذلك - أي القول الذي كنت أقوله - من الفضل ‏"‏ وفي رواية مالك عن سمي ‏"‏ فقال أبو هريرة لا علم لي بذلك ‏"‏ وفي رواية معمر عن ابن شهاب ‏"‏ فتلون وجه أبي هريرة ثم قال‏:‏ هكذا حدثني الفضل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو أعلم‏)‏ أي بما روى والعهدة عليه في ذلك لا علي‏.‏

ووقع في رواية النسفي عن البخاري ‏"‏ وهن أعلم ‏"‏ أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في رواية معمر‏.‏

وفي رواية ابن جريج ‏"‏ فقال أبو هريرة أهما قالتاه‏؟‏ قال‏:‏ هما أعلم ‏"‏ وهذا يرجح رواية النسفي، وللنسائي من طريق عمر بن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن أبيه ‏"‏ هي - أي عائشة - أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا ‏"‏ وزاد ابن جريج في روايته ‏"‏ فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك ‏"‏ وكذلك وقع في رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عند النسائي أنه رجع، وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رجع عن فتياه‏:‏ من أصبح جنبا فلا صوم له، وللنسائي من طريق عكرمة بن خالد ويعلى بن عقبة وعراك بن مالك كلهم عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أحال بذلك على الفضل بن عباس، لكن عنده من طريق عمر بن أبي بكر عن أبيه ‏"‏ أن أبا هريرة قال في هذه القصة إنما كان أسامة بن زيد حدثني ‏"‏ فيحمل على أنه كان عنده عن كل منهما‏.‏

ويؤيده رواية أخرى عند النسائي من طريق أخرى عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه قال فيها ‏"‏ إنما حدثني فلان وفلان ‏"‏ وفي رواية مالك المذكورة ‏"‏ أخبر نية مخبر ‏"‏ والظاهر أن هذا من تصرف الرواة، منهم من أبهم الرجلين ومنهم من اقتصر على أحدهما تارة مبهما وتارة مفسرا، ومنهم من لم يذكر عن أبي هريرة أحدا، وهو عند النسائي أيضا من طريق أبي قلابة عن عبد الرحمن بن الحارث ففي آخره ‏"‏ فقال أبو هريرة‏:‏ هكذا كنت أحسب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال همام وابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالفطر والأول أسند‏)‏ أما رواية همام فوصلها أحمد وابن حبان من طريق معمر عنه بلفظ ‏"‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم حينئذ ‏"‏ وأما رواية ابن عبد الله بن عمر فوصلها عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن ابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة به ‏"‏ وقد اختلف على الزهري في اسمه فقال عنه شعيب عنه ‏"‏ أخبرني عبد الله بن عمر قال لي أبو هريرة‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا ‏"‏ أخرجه النسائي والطبراني في ‏"‏ مسند الشاميين‏"‏‏.‏

وقال عقيل عنه ‏"‏ عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به ‏"‏ فاختلف على الزهري هل هو عبد الله مكبرا أو عبيد الله مصغرا، وأما قول المصنف‏:‏ والأول أسند فاستشكله ابن التين قال‏:‏ لأن إسناد الخبر رفعه فكأنه قال‏:‏ إن الطريق الأولى أوضح رفعا، قال‏:‏ لكن الشيخ أبو الحسن قال‏:‏ معناه أن الأول أظهر اتصالا‏.‏

قلت‏:‏ والذي يظهر لي أن مراد البخاري أن الرواية الأولى أقوى إسنادا، وهي من حيث الرجحان كذلك لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاءا عنهما من طرق كثيرة جدا بمعنى واحد حتى قال ابن عبد البر أنه صح وتواتر، وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتى به، وجاء عنه من طريق هذين أنه كان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكذلك وقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن ‏"‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره، أخرجه عبد الرزاق، وللنسائي من طريق عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال‏:‏ بلغ مروان أن أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وله من طريق المقبري قال بعثت عائشة إلى أبي هريرة لأتحدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأحمد من طريق عبد الله بن عمرو القاري ‏"‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدرك الصبح وهو جنب فلا يصم، محمد ورب الكعبة قاله ‏"‏ لكن بين أبو هريرة كما مضى أنه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه بواسطة الفضل وأسامة، وكأنه كان لشدة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك‏.‏

وأما ما أخرجه ابن عبد البر من رواية عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أنه قال ‏"‏ كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر، وأن ذلك من كيس أبي هريرة ‏"‏ فلا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك‏.‏

نعم قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك إما لرجحان رواية أمي المؤمنين في جواز ذلك صريحا على رواية غيرهما مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال، إذ يمكن أن يحمل الأمر بذلك على الاستحباب في غير الفرض، وكذا النهي عن صوم ذلك اليوم، وإما لاعتقاده أن يكون خبر أمي المؤمنين ناسخا لخبر غيرهما‏.‏

وقد بقي على مقالة أبي هريرة هذه بعض التابعين كما نقله الترمذي، ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على خلافه كما جزم به النووي‏.‏

وأما ابن دقيق العيد فقال‏:‏ صار ذلك إجماعا أو كالإجماع لكن من الآخذين بحديث أبي هريرة من فرق بين من تعمد الجنابة وبين من احتلم كما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه وكذا حكاه ابن المنذر عن طاوس أيضا‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وهو أحد قولي أبي هريرة‏.‏

قلت‏:‏ ولم يصح عنه، فقد أخرج ذلك ابن المنذر من طريق أبي المهزم وهو ضعيف عن أبي هريرة، ومنهم من قال‏:‏ يتم صومه ذلك اليوم ويقضيه حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر‏.‏

قلت‏:‏ وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن ذلك فقال اختلف أبو هريرة وعائشة فأرى أن يتم صومه ويقضى ا هـ، وكأنه لم يثبت عنده رجوع أبي هريرة عن ذلك، وليس ما ذكره صريحا في إيجاب القضاء‏.‏

ونقل بعض المتأخرين عن الحسن بن صالح بن حي إيجاب القضاء أيضا، والذي نقله الطحاوي عنه استحبابه، ونقل ابن عبد البر عنه وعن النخعي إيجاب القضاء في الفرض والإجزاء في التطوع، ووقع لابن بطال وابن التين والنووي والفاكهي وغير واحد في نقل هذه المذاهب مغايرات في نسبتها لقائلها والمعتمد ما حررته‏.‏

ونقل الماوردي أن هذا الاختلاف كله إنما هو في حق الجنب، وأما المحتلم فأجمعوا على أنه يجزئه، وهذا النقل معترض بما رواه النسائي بإسناد صحيح عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أنه احتلم ليلا في رمضان فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر ثم نام قبل أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح قال فاستفتيت أبا هريرة فقال أفطر، وله من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم، وهذا صريح في عدم التفرقة‏.‏

وحمل القائلون بفساد صيام الجنب حديث عائشة على أنه من الخصائص النبوية، أشار إلى ذلك الطحاوي بقوله‏:‏ وقال آخرون يكون حكم النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرت عائشة وحكم الناس على ما حكى أبو هريرة‏.‏

وأجاب الجمهور بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وبأنه قد ورد صريحا ما يدل على عدمها، وترجم بذلك ابن حبان في صحيحة حيث قال ‏"‏ ذكر البيان بأن هذا الفعل لم يكن المصطفى مخصوصا به ‏"‏ ثم أورد ما أخرجه هو ومسلم والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من طريق أبي يونس مولى عائشة عن عائشة ‏"‏ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب، فقال‏:‏ يا رسول الله تدركني الصلاة - أي صلاة الصبح - وأنا جنب، أفأصوم‏؟‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم‏.‏

فقال‏:‏ لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏.‏

فقال‏:‏ والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى ‏"‏ وذكر ابن خزيمة أن بعض العلماء توهم أن أبا هريرة غلط في هذا الحديث ثم رد عليه بأنه لم يغلط بل أحال على رواية صادق، إلا أن الخبر منسوخ، لأن الله تعالى عند ابتداء فرض الصيام كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم قال فيحتمل أن يكون خبر الفضل كان حينئذ ثم أباح الله ذلك كله إلى طلوع الفجر فكان للمجامع أن يستمر إلى طلوعه فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر، فدل على أن حديث عائشة ناسخ لحديث الفضل ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ فاستمر أبو هريرة على الفتيا به، ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه‏.‏

قلت‏:‏ ويقويه أن في حديث عائشة هذا الأخير ما يشعر بأن ذلك كان بعد الحديبية لقوله فيها ‏"‏ قد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر ‏"‏ وأشار إلى آية الفتح وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية، وإلى دعوى النسخ فيه ذهب ابن المنذر والخطابي وغير واحد، وقرره ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى ‏(‏أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم‏)‏ يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا ولا يفسد صومه فإن إباحة التسبب للشيء إباحة لذلك الشيء‏.‏

قلت‏:‏ وهذا أولى من سلوك الترجيح بين الخبرين كما تقدم من قول البخاري والأول أسند ‏"‏ وكذا قال بعضهم‏:‏ إن حديث عائشة أرجح لموافقة أم سلمة لها على ذلك، ورواية اثنين تقدم على رواية واحد، ولا سيما وهما زوجتان وهما أعلم بذلك من الرجال، ولأن روايتهما توافق المنقول وهو ما تقدم من مدلول الآية، والمعقول وهو أن الغسل شيء وجب بالإنزال، وليس في فعله شيء يحرم على صائم، فقد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يحرم عليه بل يتم صومه إجماعا، فكذلك إذا احتلم ليلا بل هو من باب الأولى، وإنما يمنع الصائم من تعمد الجماع نهارا‏.‏

وهو شبيه بمن يمنع من التطيب وهو محرم لكن لو تطيب وهو حلال ثم أحرم فبقي عليه لونه أو ريحه لم يحرم عليه‏.‏

وجمع بعضهم بين الحدثين‏.‏

أن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل، فإن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز، ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز ونقل النووي هذا عن أصحاب الشافعي، وفيه نظر، فإن الذي نقله البيهقي وغيره عن نص الشافعي سلوك الترجيح وعن ابن المنذر وغيره سلوك النسخ، ويعكر على حمله على الإرشاد التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر وبالنهي الصيام فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان‏؟‏ وقيل هو محمول على من أدركه مجامعا فاستدام بعد طلوعه عالما بذلك، ويعكر عليه ما رواه النسائي من طريق أبي حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه ‏"‏ أن أبا هريرة كان يقول‏:‏ من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم ‏"‏ وحكى ابن التين عن بعضهم أنه سقط ‏"‏ لا ‏"‏ من حديث الفضل، وكان في الأصل ‏"‏ من أصبح جنبا في رمضان فلا يفطر ‏"‏ فلما سقط ‏"‏ لا ‏"‏ صار ‏"‏ فليفطر ‏"‏ وهذا بعيد بل باطل، لأنه يستلزم عدم الوثوق بكثير من الأحاديث وأنها يطرقها مثل هذا الاحتمال، وكأن قائله ما وقف على شيء من طرق هذا الحديث إلا على اللفظ المذكور‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم دخول العلماء على الأمراء ومذاكرتهم إياهم بالعلم‏.‏

وفيه فضيلة لمروان ابن الحكم لما يدل عليه الحديث من اهتمامه بالعلم ومسائل الدين‏.‏

وفيه الاستثبات في النقل والرجوع في المعاني إلى الأعلم، فإن الشيء إذا نوزع فيه رد إلى من عنده علمه، وترجيح مروي النساء فيما لهن عليه الاطلاع دون الرجال على مروي الرجال كعكسه، وأن المباشر للأمر أعلم به من المخبر عنه، والائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله ما لم يقم دليل الخصوصية، وأن للمفضول إذا سمع من الأفضل خلاف ما عنده من العلم أن يبحث عنه حتى يقف على وجهه، وأن الحجة عند الاختلاف في المصير إلى الكتاب والسنة‏.‏

وفيه الحجة بخبر الواحد وأن المرأة فيه كالرجل‏.‏

وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه إليه‏.‏

وفيه استعمال السلف من الصحابة والتابعين الإرسال عن العدول من غير نكير بينهم لأن أبا هريرة اعترف بأنه لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يمكنه أن يرويه عنه بلا واسطة وإنما بينها لما وقع من الاختلاف‏.‏

وفيه الأدب مع العلماء، والمبادرة لامتثال أمر ذي الأمر إذا كان طاعة، ولو كان فيه مشقة على المأمور‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ في معنى الجنب الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلا ثم طلع الفجر قبل اغتسالها، قال النووي في شرح مسلم‏:‏ مذهب العلماء كافة صحة صومها إلا ما حكي عن بعض السلف مما لا يعلم صح عنه أو لا، وكأنه أشار بذلك إلى ما حكاه في شرح المهذب عن الأوزاعي، لكن حكاه ابن عبد البر عن الحسن بن صالح أيضا، وحكى ابن دقيق العيد أن في المسألة في مذهب مالك قولين، وحكاه القرطبي عن محمد بن مسلمة من أصحابهم ووصف قوله بالشذوذ، وحكى ابن عبد البر عن عبد الملك بن الماجشون أنها إذا أخرت غسلها حتى طلع الفجر فيومها يوم فطر لأنها في بعضه غير طاهرة، قال‏:‏ وليس كالذي يصبح جنبا لأن الاحتلام لا ينقض الصوم والحيض ينقضه‏.‏

*3*باب الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المباشرة للصائم‏)‏ أي بيان حكمها وأصل المباشرة التقاء البشرتين ويستعمل في الجماع سواء أولج أو لم يولج‏.‏

وليس الجماع مرادا بهذه الترجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة رضي الله عنه يحرم عليه فرجها‏)‏ وصله الطحاوي من طريق أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال قال ‏"‏ سألت عائشة ما يحرم على من امرأتي وأنا صائم‏؟‏ قالت فرجها ‏"‏ إسناده إلى حكيم صحيح، ويؤدي معناه أيضا ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق ‏"‏ سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائما‏؟‏ قالت كل شيء إلا الجماع‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ وَقَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَآرِبُ حَاجَةٌ قَالَ طَاوُسٌ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ الْأَحْمَقُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سليمان بن حرب عن شعبة‏)‏ كذا للأكثر، ووقع للكشميهني عن سعيد بمهملة وآخره دال، وهو غلط فاحش فليس في شيوخ سليمان بن حرب أحد اسمه سعيد حدثه عن الحكم، الحكم المذكور هو ابن عتيبة، وإبراهيم هو النخعي‏.‏

وقد وقع عند الإسماعيلي عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عن شعبة على الصواب، لكن وقع عنده عن إبراهيم ‏"‏ أن علقمة وشريح بن أرطاة رجلان من النخع كانا عند عائشة، فقال أحدهما لصاحبه سلها عن القبلة للصائم، قال‏:‏ ما كنت لأرفث عند أم المؤمنين‏.‏

فقالت ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ رواه غندر وابن أبي عدي وغير واحد عن شعبة فقالوا ‏"‏ عن علقمة ‏"‏ وحدث به البخاري عن سليمان بن حرب عن شعبة فقال ‏"‏ عن الأسود ‏"‏ وفيه نظر، وصرح أبو إسحاق بن حمزة فيما ذكره أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ عنه بأنه خطأ‏.‏

قلت‏:‏ وليس ذلك من البخاري، فقد أخرجه البيهقي من طريق محمد بن عبد الله بن معبد عن سليمان بن حرب كما قال البخاري، وكأن سليمان بن حرب حدث به على الوجهين، فإن كان حفظه عن شعبة فلعل شعبة حدث به على الوجهين، وإلا فأكثر أصحاب شعبة لم يقولوا فيه من هذا الوجه عن الأسود، وإنما اختلفوا‏:‏ فمنهم من قال كرواية يوسف المتقدمة وصورتها الإرسال، وكذا أخرجه النسائي بطريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة‏.‏

ومنهم من قال عن إبراهيم عن علقمة وشريح، وقد ترجم النسائي في سننه الاختلاف فيه على إبراهيم، والاختلاف على الحكم وعلى الأعمش وعلى منصور وعلى عبد الله ابن عون كلهم عن إبراهيم، وأورده من طريق إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال ‏"‏ خرج نفر من النخع فيهم رجل يدعى شريحا فحدث أن عائشة قالت ‏"‏ فذكر الحديث، قال فقال له رجل‏:‏ لقد هممت أن أضرب رأسك بالقوس، فقال قولوا له فليكف عني حتى نأتي أم المؤمنين؛ فلما أتوها ‏"‏ قالوا لعلقمة‏:‏ سلها، فقال‏:‏ ما كنت لأرفث عندها اليوم، فسمعته فقالت ‏"‏ فذكر الحديث، ثم ساقه من طريق عبيدة عن منصور فجعل شريحا هو المنكر وأبهم الذي حدث بذلك عن عائشة، ثم استوعب النسائي طرقه، وعرف منها أن الحديث كان عند إبراهيم عن علقمة والأسود ومسروق جميعا فلعله كان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وتارة يجمع وتارة يفرق، وقد قال الدار قطني بعد ذكر الاختلاف فيه على إبراهيم‏:‏ كلها صحاح وعرف من طريق إسرائيل سبب تحديث عائشة بذلك واستدراكها على من حدث عنها به على الإطلاق بقولها ‏"‏ ولكنه كان أملككم لإربه ‏"‏ فأشارت بذلك إلى أن الإباحة لمن يكون مالكا لنفسه دون من لا يأمن من الوقوع فيما يحرم‏.‏

وفي رواية حماد عند النسائي ‏"‏ قال الأسود قلت لعائشة أيباشر الصائم‏؟‏ قالت‏:‏ لا‏.‏

قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم‏؟‏ قالت‏:‏ إنه كان أملككم لإربه ‏"‏ وظاهر هذا أنها اعتقدت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قاله القرطبي‏.‏

قال‏:‏ وهو اجتهاد منها‏.‏

وقول أم سلمة - يعني الآتي ذكره - أولى أن يؤخذ به لأنه نص في الواقعة‏.‏

قلت‏:‏ قد ثبت عن عائشة صريحا إباحة ذلك كما تقدم، فيجمع بين هذا وبين قولها المتقدم أنه ‏"‏ يحل له كل شيء إلا الجمع ‏"‏ بحمل النهي هنا على كراهة التنزيه فإنها لا تنافي الإباحة‏.‏

وقد رويناه في كتاب الصيام ليوسف القاضي من طريق حماد بن سلمة عن حماد بلفظ ‏"‏ سألت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها، وكأن هذا هو السر في تصدير البخاري بالأثر الأول عنها لأنه يفسر مرادها بالنفي المذكور في طريق حماد وغيره والله أعلم‏.‏

ويدل على أنها لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص ما رواه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن أبي النضر ‏"‏ أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر فقالت له عائشة‏:‏ ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها‏؟‏ قال أقبلها وأنا صائم‏؟‏ قالت نعم ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏كان يقبل ويباشر وهو صائم‏)‏ التقبيل أخص من المباشرة، فهو من ذكر العام بعد الخاص، وقد رواه عمرو بن ميمون عن عائشة بلفظ ‏"‏ كان يقبل في شهر الصوم ‏"‏ أخرجه مسلم والنسائي‏.‏

وفي رواية لمسلم ‏"‏ يقيل في رمضان وهو صائم ‏"‏ فأشارت بذلك إلى عدم التفرقة بين صوم الفرض والنفل‏.‏

وقد اختلف في القبلة والمباشرة للصائم‏:‏ فكرهها قوم وهو مطلقا وهو مشهور عند المالكية، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر ‏"‏ أنه كان يكره القبلة والمباشرة ‏"‏ ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها، واحتجوا بقوله تعالى ‏(‏فالآن باشروهن‏)‏ الآية‏.‏

فمنع المباشرة في هذه الآية نهارا، والجواب عن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، هو المبين عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة نهارا فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها، والله أعلم‏.‏

وممن أفتى بإفطار من قبل وهو صائم عبد الله بن شبرمة أحد فقهاء الكوفة، ونقله الطحاوي عن قوم لم يسمهم وألزم ابن حزم أهل القياس أن يلحقوا الصيام بالحج في المباشرة ومقدمات النكاح للاتفاق على إبطالهما بالجماع، وأباح القبلة قوم مطلقا وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة، بل بالغ بعض أهل الظاهر فاستحبها، وفرق آخرون بين الشاب والشيخ فكرهها للشاب وأباحها للشيخ وهو مشهور عن ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما، وجاء فيه حديثان مرفوعان فيهما ضعف أخرج أحدها أبو داود من حديث أبي هريرة والآخر أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وفرق آخرون بين من يملك نفسه ومن لا يملك كما أشارت إليه عائشة وكما تقدم ذلك في مباشرة الحائض في كتاب الحيض‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ ورأى بعض أهل العلم أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإلا فلا؛ ليسلم له صومه، وهو قول سفيان الشافعي، ويدل على ذلك ما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم أنه ‏"‏ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم‏؟‏ فقال‏:‏ سل هذه - لأم سلمة - فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏.‏

فقال‏:‏ أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له ‏"‏ فدل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء، لأن عمر حينئذ كان شابا، ولعله كان أول ما بلغ وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار ‏"‏ عن رجل من الأنصار أنه قبل امرأته وهو صائم، فأمر امرأته أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فسألته فقال إني أفعل ذلك، فقال زوجها‏:‏ يرخص الله لنبيه فيما يشاء‏.‏

فرجعت فقال‏:‏ أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم ‏"‏ وأخرجه مالك، لكنه أرسله قال ‏"‏ عن عطاء أن رجلا ‏"‏ فذكر نحوه مطولا‏.‏

واختلف فيما إذا باشر أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى، فقال الكوفيون والشافعي‏:‏ يقضي إذا أنزل في غير النظر، ولا قضاء في الإمذاء‏.‏

وقال مالك وإسحاق‏:‏ يقضي في كل ذلك ويكفر، إلا في الإمذاء فيقضي فقط‏.‏

واحتج له بأن الإنزال أقصى ما يطلب بالجماع من الالتذاذ في كل ذلك‏.‏

وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع ولو لم يكن إنزال فافترقا‏.‏

وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك وجوب القضاء فيمن باشر أو قبل فأنعظ ولم يمذ ولا أنزل، وأنكره غيره عن مالك‏.‏

وأبلغ من ذلك ما روى عبد الرزاق عن حذيفة ‏"‏ من تأمل خلق امرأته وهو صائم بطل صومه ‏"‏ لكن إسناده ضعيف‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف‏.‏

كذا قال وفيه نظر، فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل، وقوى ذلك وذهب إليه‏.‏

وسأذكر في الباب الذي يليه زيادة في هذه المسألة إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأربه‏)‏ بفتح الهمزة والراء وبالموحدة أي حاجته، ويروي بكسر الهمزة وسكون الراء أي عضوه، والأول أشهر، وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏.‏

مأرب حاجة‏)‏ مأرب بسكون الهمزة وفتح الراء، وهذا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ولي فيها مآرب أخرى‏)‏ قال‏:‏ حاجة أخرى، كذا فيه، وهو تفسير الجمع بالواحد، فلعله كان فيها حاجات أو حوائج فقد أخرجه أيضا من طريق عكرمة عنه بلفظ ‏"‏ مآرب أخرى ‏"‏ قال ‏"‏ حوائج أخرى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال طاوس ‏(‏غير أولي الإربة‏)‏ الأحمق لا حاجة له في النساء‏)‏ وصله عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله‏:‏ ‏(‏غير أولى الإربة‏)‏ قال‏:‏ هو الأحمق الذي ليس له في النساء حاجة‏.‏

وقد وقع لنا هذا الأثر بعلو في ‏"‏ جزء محمد بن يحيى الذهلي‏"‏؛ المروي من طريق السلفي، وقد تقدم في الحيض بيان الاختلاف في قوله ‏"‏ لأربه ‏"‏ ورأيت بخط مغلطاي في شرحه هنا قال‏:‏ وقال ابن عباس - أي في تفسير أولى الإربة - المقعد‏.‏

وقال ابن جبير المعتوه‏.‏

وقال عكرمة العنين، ولم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري‏.‏

وإنما أوقعه في ذلك أن القطب لما أخرج أثر طاوس قال بعده ‏"‏ وعن ابن عباس المعقد الخ ‏"‏ ولم يرد القطب أن البخاري ذكر ذلك، وإنما أورده القطب من قبل نفسه من كلام أهل التفسير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال جابر بن زيد‏:‏ إن نظر فأمنى يتم صومه‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق عمر بن هرم ‏"‏ سئل جابر بن زيد عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر‏؟‏ قال‏:‏ لا، ويتم صومه ‏"‏ وقد تقدم نقل الخلاف فيه قريبا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هذا الأثر في رواية أبي ذر وحده هنا، ووقع في رواية الباقين في أول الباب الذي بعده، وذكره ابن بطال في البابين معا، ومناسبته للبابين من جهة التفرقة بين من يقع منه الإنزال باختياره بين من يقع منه بغير اختياره كما سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ

الشرح‏:‏

قوله، ‏(‏باب القبلة للصائم‏)‏ أي بيان حكمها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضَحِكَتْ

الشرح‏:‏

قوله، ‏(‏حدثني يحيى‏)‏ هو القطان، وهشام هو ابن عروة، وقد أحال المصنف بالمتن على طريق مالك عن هشام وليس بين لفظهما مخالفة، فقد أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان بلفظ ‏"‏ قال إني لم أر القبلة بعض أزواجه وهو صائم ‏"‏ وزاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي بن يحيى قال هشام ‏"‏ قال إني لم أر القبلة تدعو إلى خير‏"‏، ورواه سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بلفظ ‏"‏ كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت‏"‏، فقال عروة لم أر القبلة تدعو إلى خير، وكذا ذكره مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن هشام عقب الحديث، لكن لم يقل فيه ثم ضحكت‏.‏

وقوله ثم ضحكت يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا، وقيل تعجبت من نفسها إذ تحدث بمثل هذا مما يستحيي من ذكر النساء مثله للرجال، ولكنها ألجأتها الضرورة في تبليغ العلم إلى ذكر ذلك، وقد يكون الضحك خجلا لإخبارها عن نفسها بذلك، أو تنبيها على أنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بها، أو سرورا بمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم وبمنزلتها منه ومحبته لها‏.‏

وقد روى ابن أبي شيبة عن شريك عن هشام في هذا الحديث ‏"‏ فضحكت، فظننا أنها هي ‏"‏ وروى النسائي من طريق طلحة بن عبد الله التيمي عن عائشة قالت ‏"‏ أهوى إلي النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت إني صائمة، فقال وأنا صائم، فقبلني ‏"‏ وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل، لا للتفرقة بين الشاب والشيخ، لأن عائشة كانت شابة، نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق‏.‏

وقال المازري‏:‏ ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه، وإن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه، ومن رأى أن لا قضاء قال يكره، وإن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة‏.‏

قال‏:‏ ومن بديع ما روي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عنها ‏"‏ أرأيت لو تمضمضت ‏"‏ فأشار إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه، كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع، وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع ا هـ‏.‏

والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عمر، قال النسائي منكر، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد سبق الكلام على حديث أم سلمة في كتاب الحيض، والغرض منه هنا قولها ‏"‏ وكان يقبلها وهو صائم ‏"‏ وقد ذكرنا شاهده من رواية عمر بن أبي سلمة في الباب الذي قبله‏.‏

وقال النووي‏:‏ القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها، وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح وقيل مكروهة، وروى ابن وهب عن مالك إباحتها في النفل دون الفرض‏.‏

قال النووي‏:‏ ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ روى أبو داود وحده من طريق مصدع بن يحيى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها وإسناده ضعيف، ولو صح فهو محمول على من لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها، والله أعلم‏.‏

*3*باب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ

وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا وَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَلَا يَبْلَعُ رِيقَهُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لَا أَقُولُ يُفْطِرُ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ قِيلَ لَهُ طَعْمٌ قَالَ وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اغتسال الصائم‏)‏ أي بيان جوازه‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ أطلق الاغتسال ليشمل الأغسال المسنونة والواجبة والمباحة، وكأنه يشير إلى ضعف ما روى عن علي من النهي عن دخول الصائم الحمام أخرجه عبد الرزاق وفي إسناده ضعف، واعتمده الحنفية فكرهوا الاغتسال للصائم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبل ابن عمر ثوبا فألقى عليه وهو صائم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فألقاه ‏"‏ وهذا وصله المصنف في التاريخ وابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي عثمان أنه رأى ابن عمر يفعل ذلك، ومناسبته للترجمة من جهة أن بلل الثوب إذا طالت إقامته على الجسد حتى جف ينزل ذلك منزلة الدلك بالماء، وأراد البخاري بأثر ابن عمر هذا معارضة ما جاء عن إبراهيم النخعي بأقوى منه، فإن وكيعا روي عن الحسن بن صالح عن مغيرة عنه أنه كان يكره للصائم بل الثياب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ودخل الشعبي الحمام وهو صائم‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق قال‏:‏ رأيت الشعبي يدخل الحمام وهو صائم، ومناسبته للترجمة ظاهرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس لا بأس أن يتطعم القدر‏)‏ بكسر القاف أي طعام القدر أو الشيء، وصله ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عنه بلفظ ‏"‏ لا بأس أن يتطاعم القدر ‏"‏ ورويناه في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشيء ‏"‏ يعني المرقة ونحوها‏.‏

ومناسبته للترجمة من طريق الفحوى، لأنه إذا لم يناف الصوم إدخال الطعام في الفم وتطعمه وتقريبه من الازدراد لم ينافه إيصاله الماء إلى بشرة الجسد من باب الأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم‏)‏ وصله عبد الرزاق بمعناه، ووقع بعضه في حديث مرفوع أخرجه مالك وأبو داود من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على رأسه - وهو صائم - من العطش أو من الحر ‏"‏ ومناسبته للترجمة ظاهرة، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالمضمضة في الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن مسعود إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ مناسبته للترجمة من جهة أن الإدهان من الليل يقتضي استصحاب أثره في النار، وهو مما يرطب الدماغ ويقوي النفس فهو أبلغ من الاستعانة ببرد الاغتسال لحظة من النهار ثم يذهب أثره‏.‏

قلت‏:‏ وله مناسبة أخرى، وذلك أن المانع من الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام كما ورد مثله في الحج، والإدهان والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال‏.‏

وقال ابن المنير الكبير‏:‏ أراد البخاري الرد على من كره الاغتسال للصائم لأنه إن كرهه خشية وصول الماء حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة والسواك وبذوق القدر ونحو ذلك، وإن كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل بالترجل والإدهان والكحل ونحو ذلك فلذلك ساق هذه الآثار في هذه الترجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏:‏ إن لي أبزن أتقحم فيه وأنا صائم‏)‏ الأبزن بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي بعدها نون‏:‏ حجر منقور شبه الحوض، وهي كلمة فارسية ولذلك لم يصرفه‏.‏

وأتقحم فيه أي أدخل‏.‏

وهذا الأثر وصله قاسم بن ثابت في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ له من طريق عيسى بن طهمان سمعت أنس بن مالك يقول ‏"‏ إن لي أبزن إذا وجدت الحر تقحمت فيه وأنا صائم ‏"‏ وكأن الأبزن كان ملآن ماء فكان أنس إذا وجد الحر دخل فيه يتبرد بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر‏:‏ يستاك أول النهار وآخره‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عنه بمعناه ولفظه ‏"‏ كان ابن عمر يستاك إذا أراد أن يروح إلى الظهر وهو صائم ‏"‏ ومناسبته للترجمة قريبة مما تقدم في أثر ابن عباس في تطعم القدر‏.‏

ووقع في نسخة الصغاني بعد قوله وآخره ‏"‏ ولا يبلع ريقه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين‏:‏ لا بأس بالسواك الرطب، قيل له طعم‏.‏

قال‏:‏ والماء له طعم وأنت تمضمض به‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي حمزة المازني قال ‏"‏ أتى ابن سيرين رجل فقال‏:‏ ما ترى في السواك للصائم‏؟‏ قال لا بأس به‏.‏

قال‏:‏ إنه جريد وله طعم ‏"‏ قال فذكر مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا‏)‏ أما أنس فروى أبو داود في السنن من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم، ورواه الترمذي من طريق أبي عاتكة عن أنس مرفوعا وضعفه، وأما الحسن فوصله عبد الرزاق بإسناد صحيح عنه قال ‏"‏ لا بأس بالكحل للصائم‏"‏‏.‏

وأما إبراهيم فاختلف عنه‏:‏ فروى سعيد بن منصور عن جرير عن القعقاع بن يزيد ‏"‏ سألت إبراهيم أيكتحل الصائم‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت أجد طعم الصبر في حلقي‏.‏

قال ليس بشيء‏"‏‏.‏

وروى أبو داود من طريق يحيى بن عيسى عن الأعمش قال ‏"‏ ما رأيت أحدا من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر ‏"‏ وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم قال ‏"‏ لا بأس بالكحل للصائم ما لم يجد طعمه ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بعد الفجر ويصوم، وأورده أيضا من حديثها وحديث أم سلمة وهو مطابق لما ترجم له، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل بابين بحمد الله تعالى‏.‏

*3*باب الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا

وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لَا بَأْسَ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا‏)‏ أي هل يجب عليه القضاء أو لا‏؟‏ وهي مسألة خلاف مشهورة، فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، وعن مالك يبطل صومه ويجب عليه القضاء‏.‏

قال عياض هذا هو المشهور عنه وهو قول شيخه ربيع وجميع أصحاب مالك، لكن فرقوا بين الفرض والنفل‏.‏

وقال الداودي‏:‏ لعل مالكا لم يبلغه الحديث، أو أوله على رفع الإثم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء‏:‏ إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك‏)‏ أي دفع الماء بأن غلبه، فإن ملك دفع الماء فلم يدفعه حتى دخل حلقه أفطر‏.‏

ووقع في رواية أبي ذر والنسفي ‏"‏ لا بأس، لم يملك ‏"‏ بإسقاط ‏"‏ إن ‏"‏ وهي على هذا جملة مستأنفة كالتعليل لقوله ‏"‏ لا بأس ‏"‏ وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ قلت لعطاء إنسان يستنثر فدخل الماء في حلقه‏.‏

قال لا بأس بذلك ‏"‏ قال عبد الرزاق‏.‏

وقاله معمر عن قتادة‏.‏

وقال ابن أبي شيبة حدثنا مخلد عن ابن أبي جريج ‏"‏ إن إنسانا قال لعطاء‏:‏ أمضمض فيدخل الماء في حلقي‏.‏

قال‏:‏ لا بأس، لم يملك ‏"‏ وهذا يقوي رواية أبي ذر والنسفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ إن دخل الذباب في حلقه فلا شيء عليه‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق ابن أبي نجيح ‏"‏ عن مجاهد عن ابن عباس في الرجل يدخل في حلقه الذباب وهو صائم قال لا يفطر ‏"‏ وعن وكيع عن الربيع عن الحسن قال ‏"‏ لا يفطر ‏"‏ ومناسب هذين الأثرين للترجمة من جهة أن المغلوب بدخول الماء حلقه أو الذباب لا اختيار له في ذلك كالناسي، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أدخل المغلوب في ترجمة الناسي لاجتماعهما في ترك العمد وسلب الاختيار‏.‏

ونقل ابن المنذر الاتفاق على أن من دخل في حلقه الذباب وهو صائم أن لا شيء عليه، لكن نقل غيره عن أشهب أنه قال‏:‏ أحب إلي أن يقضى؛ حكاه ابن التين‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ دخول الذباب أقعد بالغلبة وعدم الاختيار من دخول الماء لأن الذباب يدخل بنفسه بخلاف الاستنشاق والمضمضة فإنما تنشأ عن تسببه، وفرق إبراهيم بين من كان ذاكرا لصومه حال المضمضة فأوجب عليه القضاء دون الناسي، وعن الشعبي إن كان لصلاة فلا قضاء وإلا قضى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن ومجاهد‏.‏

إن جامع ناسيا فلا شيء عليه‏)‏ هذان الأثران وصلهما عبد الرزاق قال ‏"‏ أخبرنا ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ لو وطئ رجل امرأته وهو صائم ناسيا في رمضان لم يكن عليه فيه شيء‏"‏، ‏"‏ وعن الثوري عن رجل عن الحسن قال‏:‏ هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسيا ‏"‏ وظهر بأثر الحسن هذا مناسبة ذكر هذا الأثر للترجمة، وروي أيضا ‏"‏ عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن رجل أصاب امرأته ناسيا في رمضان، قال لا ينسى، هذا كله عليه القضاء ‏"‏ وتابع عطاء على ذلك الأوزاعي والليث ومالك وأحمد وهو أحد الوجهين للشافعية، وفرق هؤلاء كلهم بين الأكل والجماع‏.‏

وعن أحمد في المشهور عنه‏:‏ تجب عليه الكفارة أيضا، وحجتهم قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الآكل، وألحق به بعض الشافعية من أكل كثيرا لندور نسيان ذلك، قال ابن دقيق العيد‏:‏ ذهب مالك إلى إيجاب القضاء على من أكل أو شرب ناسيا وهو القياس، فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات، والقاعدة أن النسيان لا يؤثر في المأمورات‏.‏

قال‏:‏ وعمدة من لم يوجب القضاء حديث أبي هريرة لأنه أمر بالإتمام، وسمي الذي يتم صوما، وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية فيتمسك به حتى يدل دليل على أن المراد بالصوم هنا حقيقته اللغوية‏.‏

وكأنه يشير بهذا إلى قول ابن القصار‏:‏ إن معنى قوله ‏"‏ فليتم صومه ‏"‏ أي الذي كان دخل فيه وليس فيه نفي القضاء‏.‏

قال وقوله ‏"‏ فإنما أطعمه الله وسقاه ‏"‏ مما يستدل به على صحة الصوم لإشعاره بأن الفعل الصادر منه مسلوب الإضافة إليه فلو كان أفطر لأضيف الحكم إليه، قال‏:‏ وتعليق الحكم بالأكل والشرب للغالب لأن نسيان الجماع نادر بالنسبة إليهما، وذكر الغالب لا يقتضي مفهوما، وقد اختلف فيه القائلون بأن أكل الناسي لا يوجب قضاء، واختلف القائلون بالإفساد هل يوجب مع القضاء الكفارة أو لا مع اتفاقهم على أن أكل الناسي لا يوجبها، ومدار كل ذلك على قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الآكل، ومن أراد إلحاق الجماع بالمنصوص عليه فإنما طريقه القياس والقياس مع وجود الفارق متعذر، إلا أن بين القائس أن الوصف الفارق ملغي ا هـ‏.‏

وأجاب بعض الشافعية بأن عدم وجوب القضاء عن المجامع مأخوذ من عموم قوله في بعض طرق الحديث ‏"‏ من أفطر في شهر رمضان ‏"‏ لأن الفطر أعم من أن يكون بأكل أو شرب أو جماع، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر في الطريق الأخرى لكونهما أغلب وقوعا ولعدم الاستغناء عنهما غالبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا نسى فأكل‏)‏ في رواية مسلم من طريق إسماعيل عن هشام ‏"‏ من نسى وهو صائم فأكل ‏"‏ وللمصنف في النذر من طريق عوف عن ابن سيرين ‏"‏ من أكل ناسيا وهو صائم ‏"‏ ولأبي داود من طريق حبيب بن الشهيد وأيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة ‏"‏ جاء رجل فقال‏:‏ يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم‏"‏، وهذا الرجل هو أبو هريرة راوي الحديث، أخرجه الدار قطني بإسناد ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليتم صومه‏)‏ في رواية الترمذي من طريق قتادة عن ابن سيرين ‏"‏ فلا يفطر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما أطعمه الله وسقاه‏)‏ في رواية الترمذي ‏"‏ فإنما هو رزق رزقه الله ‏"‏ وللدار قطني من طريق ابن علية عن هشام ‏"‏ فإنما هو رزق ساقه الله تعالى إليه ‏"‏ قال ابن العربي‏:‏ تمسك جميع فقهاء الأمصار بظاهر هذا الحديث، وتطلع مالك إلى المسألة من طريقها فأشرف عليه، لأن الفطر ضد الصوم والإمساك ركن الصوم فأشبه ما لو نسى ركعة من الصلاة‏.‏

قال‏:‏ وقد روى الدار قطني فيه ‏"‏ لا قضاء عليك ‏"‏ فتأوله علماؤنا على أن معناه لا قضاء عليك الآن وهذا تعسف، وإنما أقول ليته صح فنتبعه ونقول به، إلا على أصل مالك في أن خبر الواحد إذا جاء بخلاف القواعد لم يعمل به، فلما جاء الحديث الأول الموافق للقاعدة في رفع الإثم عملنا به، وأما الثاني فلا يوافقها فلم نعمل به‏.‏

وقال القرطبي احتج به من أسقط القضاء، وأجيب بأنه لم يتعرض فيه للقضاء فيحمل على سقوط المؤاخذة، لأن المطلوب صيام يوم لا خرم فيه، لكن روى الدار قطني فيه سقوط القضاء وهو نص لا يقبل الاحتمال، لكن الشأن في صحته، فإن صح وجب الأخذ به وسقط القضاء ا هـ‏.‏

وأجاب بعض المالكية بحمل الحديث على صوم التطوع كما حكاه ابن التين عن ابن شعبان، وكذا قال ابن القصار، واعتل بأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان فيحمل على التطوع‏.‏

وقال المهلب وغيره‏:‏ لم يذكر في الحديث إثباتا لقضاء فيحمل على سقوط الكفارة عنه وإثبات عذره ورفع الإثم عنه وبقاء نيته التي بيتها اهـ‏.‏

والجواب عن ذلك كله بما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة ‏"‏ فعين رمضان وصرح بإسقاط القضاء‏.‏

قال الدار قطني‏:‏ تفرد به محمد بن مرزوق عن الأنصاري، وتعقب بأن ابن خزيمة أخرجه أيضا عن إبراهيم ابن محمد الباهلي وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري فهو المنفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة، والمراد أنه انفرد بذكر إسقاط القضاء فقط لا بتعيين رمضان، فإن النسائي أخرج الحديث من طريق علي بن بكار عن محمد بن عمرو ولفظه ‏"‏ في الرجل يأكل في شهر رمضان ناسيا فقال‏:‏ الله أطعمه وسقاه ‏"‏ وقد ورد إسقاط القضاء من وجه آخر عن أبي هريرة أخرجه الدار قطني من رواية محمد بن عيسى ابن، الطباع عن ابن علية عن هشام عن ابن سيرين ولفظه ‏"‏ فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه ‏"‏ وقال بعد تخريجه‏:‏ هذا إسناد صحيح وكلهم ثقات‏.‏

قلت‏:‏ لكن الحديث عند مسلم وغيره من طريق ابن علية وليس فيه هذه الزيادة‏.‏

وروى الدار قطني أيضا إسقاط القضاء من رواية أبي رافع وأبي سعيد المقبري والوليد بن عبد الرحمن وعطاء بن يسار كلهم عن أبي هريرة‏.‏

وأخرج أيضا من حديث أبي سعيد رفعه ‏"‏ من أكل في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ‏"‏ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه صالح للمتابعة، فأقل‏.‏

درجات الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا فيصلح للاحتجاج به، وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة، ويعتضد أيضا بأنه قد أفتى به جماعة من الصحابة من غير مخالفة لهم منهم - كما قاله ابن المنذر وابن حزم وغيرها - علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عمر، ثم هو موافق لقوله تعالى ‏(‏ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم‏)‏ فالنسيان ليس من كسب القلب، وموافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الأكل لا بنسيانه فكذلك الصيام، وأما القياس الذي ذكره ابن العربي فهو في مقابلة النص فلا يقبل، ورده للحديث مع صحته بكونه خبر واحد خالف القاعدة ليس بمسلم، لأنه قاعدة مستقلة بالصيام فمن عارضه بالقياس على الصلاة أدخل قاعدة في قاعدة، ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لما بقي من الحديث إلا القليل، وفي الحديث لطف الله بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهما، وقد روى أحمد لهذا الحديث سببا فأخرج من طريق أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أنها ‏"‏ كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه، ثم تذكرت أنها كانت صائمة، فقال لها ذو اليدين‏:‏ الآن بعدما شبعت‏؟‏ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك ‏"‏ وفي هذا رد على من فرق بين قليل الأكل وكثيره‏.‏

ومن المستظرفات ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار‏:‏ أن إنسانا جاء إلى أبي هريرة فقال أصبحت صائما فنسيت فطعمت، قال لا بأس‏.‏

قال‏:‏ ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت، قال‏.‏

لا بأس الله أطعمك وسقاك‏.‏

ثم قال‏:‏ دخلت على آخر فنسيت فطعمت، فقال أبو هريرة‏:‏ أنت إنسان لم تتعود الصيام‏.‏

*3*باب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ

وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ يَبْتَلِعُ رِيقَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سواك الرطب واليابس للصائم‏)‏ كذا للأكثر وهو كقولهم مسجد الجامع، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ باب السواك الرطب واليابس ‏"‏ وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب كالمالكية والشعبي، وقد تقدم قبل بباب قياس ابن سيرين السواك الرطب على الماء الذي يتمضمض به، ومنه تظهر النكتة في إيراد حديث عثمان في صفة الوضوء في هذا الباب فإن فيه أنه تمضمض واستنشق وقال فيه ‏"‏ من توضأ وضوئي هذا ‏"‏ ولم يفرق بين صائم ومفطر، ويتأيد ذلك بما ذكر في حديث أبي هريرة في الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن عامر بن ربيعة قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد‏)‏ وصله أحمد وأبو داود والترمذي من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر ابن ربيعة عن أبيه، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وقال كنت لا أخرج حديث عاصم، ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه، وروى يحيى وعبد الرحمن عن الثوري عنه، وروى مالك عنه خبرا في غير الموطأ‏.‏

قلت‏:‏ وضعفه ابن معين والذهلي والبخاري وغير واحد، ومناسبته للترجمة إشعاره بملازمة السواك ولم يخص رطبا من يابس، وهذا على طريقة المصنف في أن المطلق يسلك به مسلك العموم، أو أن العام في الأشخاص عام في الأحوال، وقد أشار إلى ذلك بقوله في أواخر الترجمة المذكورة ‏"‏ ولم يخص صائما من غيره ‏"‏ أي ولم يخص أيضا رطبا من يابس، وهذا التقرير تظهر مناسبة جميع ما أورده في هذا الباب للترجمة، والجامع لذلك كله قوله في حديث أبي هريرة لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء، فإنه يقتضي إباحته في كل وقت وعلى كل حال، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أخذ البخاري شرعية السواك للصائم بالدليل الخاص، ثم انتزعه من أعم الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال ما يستاك به، ثم انتزع ذلك من أعم من السواك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب‏)‏ وصله أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه عنها رواه عن عبد الرحمن هذا يزيد بن زريع والدراوردي وسليمان بن بلال وغير واحد، وخالفهم حماد بن سلمة فرواه عن عبد الرحمن بن أبي عتيق عن أبيه عن أبي بكر الصديق أخرجه أبو يعلى والسراج في مسنديهما عن عبد الأعلى بن حماد عن حماد بن سلمة‏.‏

قال أبو يعلى في روايته قال عبد الأعلى‏:‏ هذا خطأ إنما هو عن عائشة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء وقتادة يبتلع ريقه‏)‏ كذا للأكثر وللمستملي يبلع بغير مثناة، وللحموي يتبلع بتقديم المثناة بعدها موحدة ثم مشددة، فأما قول عطاء فوصله سعيد بن منصور وسيأتي في الباب الذي بعده، وأما أثر قتادة فوصله عبد بن حميد في التفسير عن عبد الرزاق عن معمر عنه نحوه، ومناسبته للترجمة من جهة أن أقصى ما يخشى من السواك الرطب أن يتحلل منه في الفم شيء وذلك الشيء كماء المضمضة فإذا قذفه من فيه لا يضره بعد ذلك أن يبتلع ريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء‏)‏ وصله النسائي من طريق بشر بن عمر عن مالك عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة بهذا اللفظ، ووقع لنا بعلو في ‏"‏ جزء الذهلي‏"‏، وأخرجه ابن خزيمة من طريق روح بن عبادة عن مالك بلفظ ‏"‏ لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ‏"‏ والحديث في الصحيحين بغير هذا اللفظ من غير هذا الوجه، وقد أخرجه النسائي أيضا من طريق عبد الرحمن السراج عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أما حديث جابر فوصله أبو نعيم في كتاب السواك من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عنه بلفظ ‏"‏ مع كل صلاة سواك ‏"‏ وعبد الله مختلف فيه، ووصله ابن عدي من وجه آخر عن جابر بلفظ ‏"‏ لجعلت السواك عليهم عزيمة ‏"‏ وإسناده ضعيف، وأما حديث زيد بن خالد فوصله أصحاب السنن وأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه بلفظ ‏"‏ عند كل صلاة ‏"‏ وحكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد فقال‏:‏ رواية محمد بن إبراهيم أصح، قال الترمذي‏:‏ كلا الحديثين صحيح عندي‏.‏

قلت‏:‏ رجح البخاري طريق محمد بن إبراهيم لأمرين، أحدهما‏:‏ أن فيه قصة وهي قول أبي سلمة فكان زيد بن خالد يضع السواك منه موضع القلم من أذن الكاتب فكلما قام إلى الصلاة استاك‏.‏

ثانيهما‏:‏ أنه توبع فأخرج الإمام أحمد من طريق يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة عن يزيد بن خالد فذكر نحوه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية غير أبي ذر في سياق هذه الآثار والأحاديث تقديم وتأخير والخطب فيه يسير، ثم أورد المصنف في الباب حديث عثمان في صفة الوضوء وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الوضوء وفي أوائل الصلاة وذكرت ما يتعلق بمناسبته للترجمة قبل‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ

وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ وَيَكْتَحِلُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لَا يَضِيرُهُ إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ وَلَا يَمْضَغُ الْعِلْكَ فَإِنْ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ لَا أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ فَإِنْ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ لَا بَأْسَ لَمْ يَمْلِكْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء‏)‏ هذا الحديث بهذا اللفظ من الأصول التي لم يوصلها البخاري، وقد أخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة، ورويناه في مصنف عبد الرزاق وفي نسخة همام من طريق الطبراني عن إسحاق عنه عن معمر عن همام ولفظه ‏"‏ إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخره الماء ثم ليستنثر ‏"‏ وقول المصنف ‏"‏ ولم يميز الصائم من غيره‏"‏‏.‏

قاله تفقها، وهو كذلك في أصل الاستنشاق، لكن ورد تمييز الصائم من غيره في المبالغة في ذلك كما رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق عاصم بن لقيط بن صيرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما‏"‏؛ وكأن المصنف أشار بإيراد أثر الحسن عقبه إلى هذا التفصيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل الماء إلى حلقه‏)‏ وصله ابن أبي شيبة نحوه‏.‏

وقال الكوفيون والأوزاعي وإسحاق‏:‏ يجب القضاء على من استعط‏.‏

وقال مالك والشافعي‏:‏ لا يجب إلا إن وصل الماء إلى حلقه‏.‏

وقوله ‏"‏ويكتحل ‏"‏ هو من قول الحسن أيضا وقد تقدم ذكره قبل بابين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء الخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن ابن جريج ‏"‏ قلت لعطاء الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم‏؟‏ قال‏:‏ لا يضره، وماذا بقي في فيه ‏"‏ وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج، ووقع في أصل البخاري ‏"‏ وما بقي في فيه‏؟‏ ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ ظاهره إباحة الازدراد لما بقي في الفم من ماء المضمضمة، وليس كذلك لأن عبد الرزاق رواه بلفظ ‏"‏ وماذا بقي في فيه ‏"‏ وكأن ‏"‏ ذا ‏"‏ سقطت من رواية البخاري‏.‏

انتهى‏.‏

و ‏"‏ ما ‏"‏ على ظاهر ما أورده البخاري موصولة، وعلى ما وقع من رواية ابن جريج استفهامية، وكأنه قال‏:‏ وأي شيء يبقى في فيه بعد أن يمج الماء إلا أثر الماء، فإذا بلع ريقه لا يضره‏.‏

وقوله في الأصل ‏"‏ لا يضره ‏"‏ وقع في رواية المستملي ‏"‏ لا يضيره ‏"‏ بزيادة تحتانية والمعنى واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يمضغ العلك الخ‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ ويمضغ العلك ‏"‏ والأول أولى فكذلك أخرجه عبد الرازق عن ابن جريج ‏"‏ قلت لعطاء يمضغ الصائم العلك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قلت إنه يمج ريق العلك ولا يزدرده ولا يمصه قال‏.‏

وقلت له‏:‏ أيتسوك الصائم‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت له أيزدرد ريقه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

فقلت ففعل أيضره‏؟‏ قال لا‏.‏

ولكن ينهى عن ذلك ‏"‏ وقد تقدم الخلاف في المضمضة في ‏"‏ باب من أكل ناسيا ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على إخراجه، وكان أبو حنيفة يقول‏:‏ إذا كان بين أسنانه لحم‏.‏

فأكله متعمدا فلا قضاء عليه‏.‏

وخالفه الجمهور لأنه معدود من الأكل‏.‏

ورخص في مضغ العلك أكثر العلماء إن كان لا يتحلب منه شيء، فإن تحلب منه شيء فازدرده فالجمهور على أنه يفطر‏.‏

انتهى‏.‏

والعلك بكسر المهملة وسكون اللام بعدها كاف‏:‏ كل ما يمضغ ويبقى في الفم كالمصطكى واللبان، فإن كان يتحلب منه شيء في الفم فيدخل الجوف فهو مفطر، وإلا فهو مجفف ومعطش فيكره من هذه الحيثية‏.‏

*3*باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ

وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا جامع في رمضان‏)‏ أي عامدا عالما وجبت عليه الكفارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي هريرة رفعه‏:‏ من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه‏)‏ وصله أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة نحوه‏.‏

وفي رواية شعبة ‏"‏ في غير رخصة رخصها الله تعالى له لم يقض عنه وإن صام الدهر كله ‏"‏ قال الترمذي سألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال‏:‏ أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث‏.‏

وقال البخاري في التاريخ أيضا‏:‏ تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا‏.‏

قلت‏:‏ واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافا كثيرا فحصلت فيه ثلاث علل‏:‏ الاضطراب والجهل بحال أبي المطوس والشك في سماع أبيه من أبي هريرة، وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء، وذكر ابن حزم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مثله موقوفا‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ أشار بهذا الحديث إلى إيجاب الكفارة على من أفطر بأكل أو شرب قياسا على الجماع، والجامع بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا‏.‏

وقرر ذلك الزين بن المنير بأنه ترجم بالجماع لأنه الذي ورد فيه الحديث المسند، وإنما ذكر آثار الإفطار ليفهم أن الإفطار بالأكل والجماع واحد‏.‏

انتهى‏.‏

والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالآثار التي ذكرها إلى أن إيجاب القضاء مختلف فيه بين السلف، وأن الفطر بالجماع لا بد فيه من الكفارة، وأشار بحديث أبي هريرة إلى أنه لا يصح لكونه لم يجزم به عنه، وعلى تقدير صحته فظاهره يقوي قول من ذهب إلى عدم القضاء في الفطر بالأكل بل يبقى ذلك في ذمته زيادة في عقوبته لأن مشروعية القضاء تقتضي رفع الإثم، لكن لا يلزم من عدم القضاء عدم الكفارة فيما ورد فيه الأمر بها وهو الجماع، والفرق بين الانتهاك بالجماع والأكل ظاهر فلا يصح القياس المذكور‏.‏

قال ابن المنير في الحاشية ما محصله‏:‏ إن معنى قوله في الحديث ‏"‏ لم يقض عنه صيام الدهر ‏"‏ أي لا سبيل إلى استدراك كمال فضيلة الأداء بالقضاء، أي في وصفه الخاص، وإن كان يقضي عنه في وصفه العام فلا يلزم من ذلك إهدار القضاء بالكلية‏.‏

انتهى‏.‏

ولا يخفى تكلفه، وسياق أثر ابن مسعود الآتي يرد هذا التأويل، وقد سوى بينهما البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه قال ابن مسعود‏)‏ أي بما دل عليه حديث أبي هريرة، وأثر ابن مسعود وصله البيهقي ورويناه عاليا في ‏"‏ جزء هلال الحفار ‏"‏ من طريق منصور عن واصل عن المغيرة بن عبد الله اليشكري قال‏:‏ ‏"‏ حدثت أن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ من أفطر يوما من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله، فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه ‏"‏ وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة من وجه آخر عن واصل عن المغيرة عن فلان بن الحارث عن ابن مسعود، ووصله الطبراني والبيهقي أيضا من وجه آخر عن عرفجة قال قال عبد الله بن مسعود ‏"‏ من أفطر يوما في رمضان متعمدا من غير علة ثم قضى طول الدهر لم يقبل منه ‏"‏ وبهذا الإسناد عن على مثله، وذكر ابن حزم من طريق ابن المبارك بإسناد له فيه انقطاع أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب فيما أوصاه به ‏"‏ من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سعيد بن المسيب والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وحماد‏:‏ يقضى يوما مكانه‏)‏ أما سعيد بن المسيب فوصله مسدد وغيره عنه في قصة المجامع قال ‏"‏ يقضى يوما مكانه ويستغفر الله ‏"‏ ولم أر عنه التصريح بذلك في الفطر بالأكل، بل روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم قال ‏"‏ كتب أبو قلابة إلى سعيد بن المسيب يسأله عن رجل أفطر يوما من رمضان متعمدا، قال‏:‏ يصوم شهرا‏.‏

قلت‏:‏ فيومين‏؟‏ قال صيام شهر‏.‏

قال فعددت أياما قال‏:‏ صيام شهر ‏"‏ قال ابن عبد البر كأنه ذهب إلى وجوب التتابع في رمضان، فإذا تخلله فطر يوم عمدا بطل التتابع ووجب استئناف صيام شهر كمن لزمه صوم شهر متتابع بنذر أو غيره‏.‏

وقال غيره يحتمل أنه أراد عن كل يوم شهر، فقوله ‏"‏ فيومين قال صيام شهر ‏"‏ أي عن كل يوم، والأول أظهر‏.‏

وروى البزار والدار قطني مقتضى هذا الاحتمال مرفوعا عن أنس وإسناده ضعيف‏.‏

وأما الشعبي فقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في رجل أفطر يوما في رمضان عامدا قال‏:‏ يصوم يوما مكانه ويستغفر الله عز وجل ‏"‏ وأما سعيد بن جبير فوصله ابن أبي شيبة من طريق يعلى بن حكيم عنه فذكر مثله‏.‏

وأما إبراهيم النخعي فقال سعيد بن منصور‏:‏ حدثنا هشيم‏.‏

وقال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا شريك كلاهما عن مغيرة عن إبراهيم فذكر مثله‏.‏

وأما قتادة فذكره عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قصة المجامع في رمضان‏.‏

وأما حماد وهو ابن أبي سليمان فذكره عبد الرزاق عن أبي حنيفة عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ احْتَرَقَ قَالَ مَا لَكَ قَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِكْتَلٍ يُدْعَى الْعَرَقَ فَقَالَ أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ قَالَ أَنَا قَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعد الأنصاري وفي إسناده هذا أربعة من التابعين في نسق كلهم من أهل المدينة‏:‏ يحيى وعبد الرحمن تابعيان صغيران من طبقة واحدة، وفوقهما قليلا محمد بن جعفر، وأما ابن عمه عباد فمن أواسط التابعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رجلا‏)‏ قيل هو سلمة بن صخر البياضي ولا يصح ذلك كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنه احترق‏)‏ سيأتي في حديث أبي هريرة أنه عبر بقوله ‏"‏ هلكت ‏"‏ ورواية الاحتراق تفسر رواية الهلاك، وكأنه لما اعتقد أن مرتكب الإثم يعذب بالنار أطلق على نفسه أنه احترق لذلك، وقد أثبت‏.‏

النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف فقال ‏"‏ أين المحترق ‏"‏ إشارة إلى أنه لو أصر على ذلك لاستحق ذلك وفيه دلالة على أنه كان عامدا كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تصدق بهذا‏)‏ هكذا وقع مختصرا، وأورده مسلم وأبو داود من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم وفيه ‏"‏ قال أصبت أهلي، قال تصدق، قال والله ما لي شيء، قال اجلس فجلس، فأقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام، فقال أين المحترق آنفا‏؟‏ فقام الرجل، فقال تصدق بهذا‏.‏

فقال أعلى غيرنا‏؟‏ فوالله إنا لجياع‏.‏

قال كلوه ‏"‏ وقد استدل به لمالك حيث جزم في كفارة الجماع في رمضان بالإطعام دون غيره من الصيام والعتق، ولا حجة فيه لأن القصة واحدة وقد حفظها أبو هريرة وقصها على وجهها وأوردتها عائشة مختصرة، أشار إلى هذا الجواب الطحاوي، والظاهر أن الاختصار من بعض الرواة، فقد رواه عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير بهذا الإسناد مفسرا ولفظه ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل فارع - يعني بالفاء والمهملة - فجاءه رجل من بني بياضة فقال‏:‏ احترقت، وقعت بامرأتي في رمضان‏.‏

قال أعتق رقبة، قال لا أجدها، قال أطعم ستين مسكينا، قال ليس عندي ‏"‏ فذكر الحديث، أخرجه أبو داود ولم يسق لفظه، وساقه ابن خزيمة في صحيحه والبخاري في تاريخه ومن طريقه البيهقي، ولم يقع في هذه الرواية أيضا ذكر صيام شهرين، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ اختلفت الرواية عن مالك في ذلك، فالمشهور ما تقدم، وعنه يكفر في الأكل بالتخيير وفي الجماع بالإطعام فقط، وعنه التخيير مطلقا، وقيل يراعى زمان الخصب والجدب، وقيل يعتبر حالة المكفر، وقيل غير ذلك‏.‏

*3*باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا جامع في رمضان‏)‏ أي عامدا عالما ‏(‏ولم يكن له شيء‏)‏ يعتق أو يطعم ولا يستطيع الصيام ‏(‏فتصدق عليه‏)‏ أي بقدر ما يجزيه ‏(‏فليكفر‏)‏ أي به لأنه صار واجدا، وفيه إشارة إلى أن الإعسار لا يسقط الكفارة عن الذمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني حميد بن عبد الرحمن‏)‏ أي ابن عوف، هكذا توارد عليه أصحاب الزهري وقد جمعت منهم في جزء مفرد لطرق هذا الحديث أكثر من أربعين نفسا، منهم‏:‏ ابن عيينة والليث ومعمر ومنصور عند الشيخين، والأوزاعي وشعيب وإبراهيم بن سعد عند البخاري ومالك، وابن جريج عند مسلم، ويحيى بن سعيد وعراك بن مالك عند النسائي، وعبد الجبار بن عمر عند أبي عوانة، والجوزقي وعبد الرحمن بن مسافر عند الطحاوي، وعقيل عند ابن خزيمة، وابن أبي حفصة عند أحمد، ويونس وحجاج بن أرطاة وصالح بن أبي الأخضر عند الدار قطني، ومحمد بن إسحاق عند البزار، وسأذكر ما عند كل منهم من زيادة فائدة إن شاء الله تعالى‏.‏

وخالفهم هشام بن سعد فرواه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أخرجه أبو داود وغيره‏.‏

قال البزار وابن خزيمة وأبو عوانة‏:‏ أخطأ فيه هشام بن سعد‏.‏

قلت‏:‏ وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن أبي حفصة، فرواه عن الزهري أخرجه الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ والمحفوظ عن ابن أبي حفصة كالجماعة‏.‏

كذلك أخرجه أحمد وغيره من طريق روح بن عبادة عنه، ويحتمل أن يكون الحديث عند الزهري عنهما، فقد جمعهما عنه صالح بن أبي الأخضر، أخرجه الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ من طريقه، وسيأتي في الباب الذي بعده حكاية خلاف آخر فيه على منصور وكذلك في الكفارات حكاية خلاف فيه على سفيان بن عيينة إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا هريرة قال‏)‏ في رواية ابن جريج عند مسلم وعقيل عند ابن خزيمة وابن أبي أويس عند الدار قطني التصريح بالتحديث بين حميد وأبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينما نحن جلوس‏)‏ أصلها ‏"‏ بين ‏"‏ وقد ترد بغير ‏"‏ ما ‏"‏ فتشبع الفتحة، وهن خاصة ‏"‏ بينما ‏"‏ أنها تتلقى بإذ وبإذا حيث تجيء للمفاجأة، بخلاف بينا فلا تتلقى بواحدة منهما، وقد وردا في هذا الحديث كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عند النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيه حسن الأدب في التعبير لما تشعر العندية بالتعظيم، بخلاف ما لو قال مع، لكن في رواية الكشميهني ‏"‏ مع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ جاءه رجل‏)‏ لم أقف على تسميته، إلا أن عبد الغني في المبهمات - وتبعه ابن بشكوال - جزما بأنه سليمان أو سلمة بن صخر البياضي، واستند إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق سليمان ابن يسار ‏"‏ عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته في رمضان وأنه وطئها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ حرر رقبة، قلت ما أملك رقبة غيرها وضرب صفحة رقبته‏.‏

قال فصم شهرين متتابعين‏.‏

قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام‏؟‏ قال فأطعم ستين مسكينا‏.‏

قال والذي بعثك بالحق ما لنا طعام‏.‏

قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك ‏"‏ والظاهر أنهما واقعتان فإن في قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائما كما سيأتي، وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلا فافترقا، ولا يلزم من اجتماعهما - في كونهما من بني بياضة وفي صفة الكفارة وكونها مرتبة وفي كون كل منهما كان لا يقدر على شيء من خصالها - اتحاد القصتين، وسنذكر أيضا ما يؤيد المغايرة بينهما‏.‏

وأخرج ابن عبد البر في ترجمة عطاء الخراساني من ‏"‏ التمهيد ‏"‏ من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على امرأته في رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو سليمان بن صخر‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ أظن هذا وهما، لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ووقع عليها في الليل لا أن ذلك كان منه بالنهار ا ه‏.‏

ويحتمل أن يكون قوله في الرواية المذكورة ‏"‏ وقع على امرأته في رمضان ‏"‏ أي ليلا بعد أن ظاهر فلا يكون وهما ولا يلزم الاتحاد، ووقع في مباحث العام من ‏"‏ شرح ابن الحاجب ‏"‏ ما يوهم أن هذا الرجل هو أبو بردة بن يسار وهو وهم يظهر من تأمل بقية كلامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا رسول الله‏)‏ زاد عبد الجبار بن عمر عن الزهري ‏"‏ جاء رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد ‏"‏ ولمحمد بن أبي حفصة ‏"‏ يلطم وجهه ‏"‏ ولحجاج بن أرطاة ‏"‏ يدعو ويله ‏"‏ وفي مرسل ابن المسيب عند‏.‏

الدار قطني ‏"‏ ويحثي على رأسه التراب ‏"‏ واستدل بهذا على جواز هذا الفعل والقول من وقعت له معصية، ويفرق بذلك بين مصيبة الدين والدنيا فيجوز في مصيبة الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم وصحة الإقلاع، ويحتمل أن تكون هذه الواقعة قبل النهي عن لطم الخدود وحلق الشعر عند المصيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال هلكت‏)‏ في رواية منصور في الباب الذي يليه ‏"‏ فقال إن الأخر هلك ‏"‏ والأخر بهمزة مفتوحة وخاء معجمة مكسورة بغير مد هو الأبعد، وقيل الغائب، وقيل الأرذل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هلكت‏)‏ في حديث عائشة كما تقدم ‏"‏ احترقت ‏"‏ وفي رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ ما أراني إلا قد هلكت ‏"‏ واستدل به على أنه كان عامدا لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك، فكأنه جعل المتوقع كالواقع، وبالغ فعبر عنه بلفظ الماضي، وإذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي وهو مشهور قول مالك والجمهور، وعن أحمد وبعض المالكية يجب على الناسي، وتمسكوا بترك استفساره عن جماعة هل كان عن عمد أو نسيان، وترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول كما اشتهر، والجواب أنه قد تبين حاله بقوله هلكت واحترقت فدل على أنه كان عامدا عارفا بالتحريم، وأيضا فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد، واستدل بهذا على أن من ارتكب معصية لا حد فيها وجاء مستفتيا أنه لا يعزر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه اعترافه بالمعصية، وقد ترجم لذلك البخاري في الحدود وأشار إلي هذه القصة، وتوجهه أن مجيئه مستفتيا يقتضي الندم والتوبة، والتعزير إنما جعل للاستصلاح ولا استصلاح من الصلاح، وأيضا فلو عوقب المستفتي لكان سببا لترك الاستفتاء وهي مفسدة فاقتضى ذلك أن لا يعاقب، هكذا قرره الشيخ تفي الدين، لكن وقع في ‏"‏ شرح السنة للبغوي ‏"‏ أن من جامع متعمدا في رمضان فسد صومه وعليه القضاء والكفارة ويعزر على سوء صنيعه، وهو محمول على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة، وبناه بعض المالكية على الخلاف في تعزير شاهد الزور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال مالك‏)‏ ‏؟‏ بفتح اللام استفهام عن حاله‏.‏

وفي رواية عقيل ‏"‏ ويحك ما شأنك‏؟‏ ‏"‏ ولابن أبي حفصة ‏"‏ وما الذي أهلكك‏؟‏ ‏"‏ ولعمرو ‏"‏ ما ذاك‏؟‏ ‏"‏ وفي رواية الأوزاعي ‏"‏ ويحك ما صنعت‏؟‏ ‏"‏ أخرجه المصنف في الأدب وترجم ‏"‏ باب ما جاء في قول الرجل ويلك ويحك ‏"‏ ثم قال عقبه ‏"‏ تابعه يونس عن الزهري ‏"‏ يعني في قوله ‏"‏ ويحك ‏"‏ وقال عبد الرحمن بن خالد عن الزهري ‏"‏ ويلك‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وسأذكر من وصلهما هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد تابع ابن خالد في قوله ‏"‏ ويلك ‏"‏ صالح بن أبي الأخضر، وتابع الأوزاعي في قوله ‏"‏ ويحك ‏"‏ عقيل وابن إسحاق وحجاج بن أرطاة فهو أرجح وهو اللائق بالمقام، فإن ويح كلمة رحمة وويل كلمة عذاب والمقام يقتضي الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقعت على امرأتي‏)‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ أصبت أهلي ‏"‏ وفي حديث عائشة ‏"‏ وطئت امرأتي ‏"‏ ووقع في رواية مالك وابن جريج وغيرهما كما سيأتي بيانه بعد قليل في الكلام على الترتيب والتخيير في أول الحديث ‏"‏ أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث واستدل به على إيجاب الكفارة على من أفسد صيامه مطلقا بأي شيء كان وهو قول المالكية، وقد تقدم نقل الخلاف فيه، والجمهور حملوا قوله ‏"‏ أفطر ‏"‏ هنا على المقيد في الرواية الأخرى وهو قوله ‏"‏ وقعت على أهلي ‏"‏ وكأنه قال أفطر بجماع، وهو أولى من دعوى القرطبي وغيره تعدد القصة‏.‏

واحتج من أوجب الكفارة مطلقا بقياس الآكل على المجامع بجامع ما بينهما من انتهاك حرمة الصوم، وبأن من أكره على الأكل فسد صومه كما يفسد صوم من أكره على الجماع بجامع ما بينهما، وسيأتي بيان الترجيح بين الروايتين في الكلام على الترتيب‏.‏

وقد وقع في حديث عائشة نظير ما وقع في حديث أبي هريرة فمعظم الروايات فيها ‏"‏ وطئت ‏"‏ ونحو ذلك‏.‏

وفي رواية ساق مسلم إسنادها وساق أبو عوانة في مستخرجه متنها أنه قال ‏"‏ أفطرت في رمضان ‏"‏ والقصة واحدة ومخرجها متحد فيحمل على أنه أراد أفطرت في رمضان بجماع، وقد وقع في مرسل ابن المسيب عند سعيد ابن منصور ‏"‏ أصبت امرأتي ظهرا في رمضان ‏"‏ وتعيين رمضان معمول بمفهومه، وللفرق في وجوب كفارة المجامع في الصوم بين رمضان وغيره من الواجبات كالنذر، وفي كلام أبي عوانة في صحيحه إشارة إلى وجوب ذلك على من وقع منه في رمضان نهارا سواء كان الصوم واجبا عليه أو غير واجب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا صائم‏)‏ جملة حالية من قوله ‏"‏ وقعت ‏"‏ فيؤخذ منه أنه لا يشترط في إطلاق اسم المشتق بقاء المعنى المشتق منه حقيقة لاستحالة كونه صائما مجامعا في حالة واحدة، فعلى هذا قوله ‏"‏ وطئت ‏"‏ أي شرعت في الوطء أو أراد جامعت بعد إذ أنا صائم، ووقع في رواية عبد الجبار بن عمر ‏"‏ وقعت على أهلي اليوم وذلك في رمضان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل تجد رقبة تعتقها‏)‏ في رواية منصور ‏"‏ أتجد ما تحرر رقبة ‏"‏ وفي رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ أتستطيع أن تعتق رقبة ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد والأوزاعي فقال ‏"‏ أعتق رقبة ‏"‏ زاد في رواية مجاهد عن أبي هريرة فقال ‏"‏ بئسما صنعت أعتق رقبة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لا‏)‏ في رواية ابن مسافر ‏"‏ فقال لا والله يا رسول الله ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ ليس عندي ‏"‏ وفي حديث ابن عمر ‏"‏ فقال والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط ‏"‏ واستدل بإطلاق الرقبة على جواز إخراج الرقبة الكافرة كقول الحنفية، وهو ينبني على أن السبب إذا اختلف واتحد الحكم هل يقيد المطلق أو لا‏؟‏ وهل تقييده بالقيام أو لا‏؟‏ والأقرب أنه بالقياس، ويؤيده التقييد في مواضع أخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين‏؟‏ قال‏:‏ لا‏)‏ وفي رواية إبراهيم عن سعد ‏"‏ قال فصم شهرين متتابعين ‏"‏ وفي حديث سعد ‏"‏ قال لا أقدر ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام‏؟‏ ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ لا إشكال في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام، لكن رواية ابن إسحاق هذه اقتضت أن عدم استطاعته لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فنشأ للشافعية نظر‏:‏ هل يكون ذلك عذرا - أي شدة الشبق - حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أو لا‏؟‏ والصحيح عندهم اعتبار ذلك، ويلتحق به من يجد رقبة لا غنى به عنها فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم غير الواجد، وأما ما رواه الدار قطني من طريق شريك عن إبراهيم بن عامر عن سعيد بن المسيب في هذه القصة مرسلا أنه قال في جواب قوله هل تستطيع أن تصوم ‏"‏ إني لأدع الطعام ساعة فما أطيق ذلك ‏"‏ ففي إسناده مقال، وعلى تقدير صحته فلعله اعتل بالأمرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهل تجد إطعام ستين مسكينا‏؟‏ قال لا‏)‏ زاد ابن مسافر ‏"‏ يا رسول الله‏"‏‏.‏

ووقع في رواية سفيان ‏"‏ فهل تستطيع إطعام‏؟‏ ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد وعراك بن مالك ‏"‏ فتطعم ستين مسكينا‏؟‏ قال لا أجد ‏"‏ وفي رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا‏؟‏ قال لا ‏"‏ وذكر الحاجة‏.‏

وفي حديث ابن عمر ‏"‏ قال والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا، ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفي، والمراد بالإطعام الإعطاء لا اشتراط حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في الفم بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف، وفي إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة، بخلاف زكاة الفرض فإن فيها النص على الإيتاء وصدقة الفطر فإن فيها النص على الأداء، وفي ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم كقول الحنفية، ونظر الشافعي إلى النوع فقال‏:‏ يسلم لوليه، وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد عليها، ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالإجماع على ذلك‏.‏

وذكر في حكمة هذه الخصال من المناسبة أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه، وقد صح أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار‏.‏

وأما الصيام فمناسبته ظاهره لأنه كالمقاصة بجنس الجناية، وأما كونه شهرين فلأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده‏.‏

وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابلة كل يوم بإطعام مسكين‏.‏

ثم إن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله وهو الصوم، وحق الأحرار بالإطعام، وحق الأرقاء بالإعتاق، وحق الجاني بثواب الامتثال‏.‏

وفيه دليل على إيجاب الكفارة بالجماع خلافا لمن شذ فقال لا تجب مستندا إلى أنه لو كان واجبا لما سقط بالإعسار، وتعقب بمنع الإسقاط كما سيأتي البحث فيه‏.‏

وقد تقدم في آخر ‏"‏ باب الصائم يصبح جنبا ‏"‏ نقل الخلاف في إيجاب الكفارة بالقبلة والنظر والمباشرة والإنعاظ، واختلفوا أيضا هل يلحق الوطء في الدبر بالوطء في القبل، وهل يشترط في إيجاب الكفارة كل وطء في أي فرج كان‏؟‏ وفيه دليل على جريان الخصال الثلاث المذكورة في الكفارة‏.‏

ووقع في ‏"‏ المدونة ‏"‏ ولا يعرف مالك غير الإطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهي معضلة لا يهتدي إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت، غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال، ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بأن الله ذكره في القرآن رخصة للقادر ثم نسخ هذا الحكم، ولا يلزم منه نسخ الفضيلة فيترجح الإطعام أيضا لاختيار الله له في حق المفطر بالعذر، وكذا أخبر بأنه في حق من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، ولمناسبة إيجاب الإطعام لجبر فوات الصيام الذي هو إمساك عن الطعام، ولشمول نفعه للمساكين، وكل هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الإطعام سواء قلنا الكفارة على الترتيب أو التخيير فإن هذه البداءة إن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضي استحبابه‏.‏

واحتجوا أيضا بأن حديث عائشة لم يقع فيه سوى الإطعام، وقد تقدم الجواب عن ذلك قبل، وأنه ورد فيه من وجه آخر ذكر العتق أيضا‏.‏

ومن المالكية من وافق على هذا الاستحباب، ومنهم من قال إن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات‏:‏ ففي وقت الشدة يكون بالإطعام وفي غيرها يكون بالعتق أو الصوم ونقلوه عن محققي المتأخرين، ومنهم من قال‏:‏ الإفطار بالجماع يكفر بالخصال الثلاث، وبغيره لا يكفر إلا بالإطعام وهو قول أبي مصعب‏.‏

وقال ابن حرير الطبري‏:‏ هو مخير بين العتق والصوم ولا يطعم إلا عند العجز عنهما، وفي الحديث أنه لا مدخل لغير هل هذه الخصال الثلاث في الكفارة‏.‏

وجاء عن بعض المتقدمين إهداء البدنة عند تعذر الرقبة، وربما أيده بعضهم بإلحاق إفساد الصيام بإفساد الحج، وورد ذكر البدنة في مرسل سعيد بن المسيب عند مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عطاء الخراساني عنه، وهو مع إرساله قد رده سعيد بن المسيب وكذب من نقله عنه كما روى سعيد بن منصور عن ابن علية عن خالد الحذاء عن القاسم ابن عاصم ‏"‏ قلت لسعيد بن المسيب ما حدث حدثناه عطاء ا الخراساني عنك في الذي وقع على امرأته في رمضان أنه يعتق رقبة أو يهدي بدنة‏؟‏ فقال‏:‏ كذب ‏"‏ فذكر الحديث، وهكذا رواه الليث عن عمرو ابن الحارث عن أيوب عن القاسم بن عاصم، وتابعه همام عن قتادة عن سعيد، وذكر ابن عبد البر أن عطاء لم ينفرد بذلك فقد ورد من طريق مجاهد عن أبي هريرة موصولا، ثم ساقه بإسناده لكنه من رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد، وليث ضعيف وقد اضطرب في روايته سندا ومتنا فلا حجة فيه‏.‏

وفي الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر وليس هذا شأن التخيير، ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك فقال‏:‏ إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير، وقرره ابن المنير في الحاشية بأن شخصا لو حنث فاستفتى فقال له المفتي‏:‏ أعتق رقبة فقال لا أجد، فقال صم ثلاثة أيام الخ، لم يكن مخالفا لحقيقة التخيير، بل يحمل على أن إرشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفارة‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم، وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير، وتعقبه ابن التين بأن الذين رووا الترتيب ابن عيينة ومعمر والأوزاعي، والذين رووا التخيير مالك وابن جريج وفليح بن سليمان وعمرو بن عثمان المخزومي، وهو كما قال في الثاني دون الأول، فالذين رووا الترتيب في البخاري الذي نحن في شرحه أيضا إبراهيم بن سعد والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة ومنصور، ورواية هذين في هذا الباب الذي نشرحه وفي الذي يليه، فكيف غفل ابن التين عن ذلك وهو ينظر فيه‏؟‏ بل روى الترتيب عن الزهري كذلك تمام ثلاثين نفسا أو أزيد، ورجح الترتيب أيضا بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من صورة الواقعة، وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث فدل على أنه من تصرف بعض الرواة إما لقصد الاختصار أو لغير ذلك‏.‏

ويترجح الترتيب أيضا بأنه أحوط لأن الأخذ به مجزئ سواء قلنا بالتخيير أو لا بخلاف العكس وجمع بعضهم بين الروايتين كالمهلب والقرطبي بالحمل على التعدد وهو بعيد لأن القصة واحدة والمخرج متحد والأصل عدم التعدد، وبعضهم حمل الترتيب على الأولوية والتخيير على الجواز، وعكسه بعضهم فقال ‏"‏ أو ‏"‏ في الرواية الأخرى ليست للتخيير وإنما هي للتفسير والتقدير، أمر رجلا أن يعتق رقبة أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عنهما‏.‏

وذكر الطحاوي أن سبب إتيان بعض الرواة بالتخيير أن الزهري راوي الحديث قال في آخر حديثه ‏"‏ فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين أو الإطعام‏"‏‏.‏

قال فرواه بعضهم مختصرا مقتصرا على ما ذكر الزهري أنه آل إليه الأمر، قال وقد قص عبد الرحمن بن خالد ابن مسافر عن الزهري القصة على وجهها ثم ساقه من طريقه مثل حديث الباب إلى قوله ‏"‏ أطعمه أهلك ‏"‏ قال فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا‏.‏

قلت‏:‏ وكذلك رواه الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري وقال في آخره ‏"‏ فصارت سنة عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمكث عند النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا هنا بالميم والكاف المفتوحة، ويجوز ضمها والثاء المثلثة‏.‏

وفي رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من وجهين عن أبي اليمان ‏"‏ فسكت ‏"‏ بالمهملة والكاف المفتوحة والمثناة، وكذا ابن مسافر وابن أبي الأخضر‏.‏

وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اجلس فجلس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبينا نحن على ذلك‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ فبينما هو جالس كذلك ‏"‏ قال بعضهم يحتمل أن يكون سبب أمره له بالجلوس انتظار ما يوحي إليه في حقه، ويحتمل أنه كان عرف أنه سيؤتي بشيء يعينه به، ويحتمل أن يكون أسقط عنه الكفارة بالعجز‏.‏

وهذا الثالث ليس بقوى لأنها لو سقطت ما عادت عليه حيث أمره بها بعد إعطائه إياه المكتل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا للأكثر بضم أوله على البناء للمجهول وهو جواب ‏"‏ بينا ‏"‏ في هذه الرواية‏.‏

وأما رواية ابن عيينة المشار إليها فقال فيها ‏"‏ إذ أتى ‏"‏ لأنه قال فيها ‏"‏ فبينما هو جالس ‏"‏ وقد تقدم تقرير ذلك، والآتي المذكور لم يسم لكن وقع في رواية معمر كما سيأتي في الكفارات ‏"‏ فجاء رجل من الأنصار ‏"‏ وعند الدار قطني من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب مرسلا ‏"‏ فأتى رجل من ثقيف ‏"‏ فإن لم يحمل على أنه كان حليفا للأنصار أو إطلاق الأنصار بالمعنى الأعم وإلا فرواية الصحيح أصح، ووقع في رواية ابن إسحاق ‏"‏ فجاء رجل بصدقته يحملها ‏"‏ وفي مرسل الحسن عند سعيد بن منصور ‏"‏ بتمر من تمر المصدقة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعرق‏)‏ بفتح المهملة والراء بعدها قاف‏.‏

قال ابن التين كذا لأكثر الرواة‏.‏

وفي رواية أبي الحسن يعني القابسي بإسكان الراء‏.‏

قال عياض والصواب الفتح‏.‏

وقال ابن التين أنكر بعضهم الإسكان لأن الذي بالإسكان هو العظم الذي عليه اللحم‏.‏

قلت‏:‏ إن كان الإنكار من جهة الاشتراك مع العظم فلينكر الفتح لأنه يشترك مع الماء الذي يتحلب من الجسد، نعم الراجح من حيث الرواية الفتح ومن حيث اللغة أيضا، إلا أن الإسكان ليس بمنكر بل أثبته بعض أهل اللغة كالقزاز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعرق المكتل‏)‏ بكسر الميم وسكون الكاف وفتح المثناة بعدها لام، زاد ابن عيينة عند الإسماعيلي وابن خزيمة‏:‏ المكتل الضخم‏.‏

قال الأخفش‏:‏ سمي المكتل عرقا لأنه يضفر عرقة عرقة جمع فالعرق جمع عرقة كعلق وعلقة، والعرقة الضفيرة من الخوص‏.‏

وقوله والعرق المكتل تفسير من أحد رواته، وظاهر هذه الرواية أنه الصحابي، لكن في رواية ابن عيينة ما يشعر بأنه الزهري‏.‏

وفي رواية منصور في الباب الذي يلي هذا ‏"‏ فأتى بعرق فيه تمر وهو الزبيل ‏"‏ وفي رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ فأتى بزبيل وهو المكتل ‏"‏ والزبيل بفتح الزاي وتخفيف الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام بوزن رغيف هو المكتل، قال ابن دريد يسمى زبيلا لحمل الزبل فيه، وفيه لغة أخرى زنبيل بكسر الزاي أوله وزيادة نون ساكنة وقد تدغم النون فتشدد الباء مع بقاء وزنه، وجمعه على اللغات الثلاث زنابيل، ووقع في بعض طرق عائشة عند مسلم ‏"‏ فجاءه عرقان ‏"‏ والمشهور في غيرها عرق ورجحه البيهقي، وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة، وهو جمع لا نرضاه لاتحاد مخرج الحديث والأصل عدم التعدد، والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل، فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر، فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال ومن قال عرق أراد ما آل إليه، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أين السائل‏؟‏‏)‏ زاد ابن مسافر ‏"‏ آنفا ‏"‏ أطلق عليه ذلك لأن كلامه متضمن للسؤال فإن مراده هلكت فينجيني وما يخلصني مثلا، وفي حديث عائشة ‏"‏ أين المحترق آنفا ‏"‏‏؟‏ وقد تقدم توجيهه، ولم يعين في هذه الرواية مقدار ما في المكتل من التمر بل ولا في شيء من طرق الصحيحين في حديث أبي هريرة، ووقع في رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ فيه خمسة عشر صاعا ‏"‏ وفي رواية مؤمل عن سفيان ‏"‏ فيه خمسة عشر أو نحو ذلك ‏"‏ وفي رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري عن ابن خزيمة ‏"‏ فيه خمسة عشر أو عشرون ‏"‏ وكذا هو عند مالك وعبد الرزاق في مرسل سعيد بن المسيب، وفي مرسله عند الدار قطني الجزم بعشرين صاعا، ووقع في حديث عائشة عند ابن خزيم ‏"‏ فأتى بعرق فيه عشرون صاعا ‏"‏ قال البيهقي قوله عشرون صاعا بلاغ بلغ محمد بن جعفر يعني بعض رواته، وقد بين ذلك محمد بن إسحاق عنه فذكر الحديث وقال في آخره‏:‏ قال محمد بن جعفر فحدثت بعد أنه كان عشرين صاعا من تمر‏.‏

قلت‏:‏ ووقع في مرسل عطاء بن أبي رباح وغيره عند مسدد ‏"‏ فأمر له ببعضه ‏"‏ وهذا يجمع الروايات، فمن قال إنه كان عشرين أراد أصل ما كان فيه، ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة، ويبين ذلك حديث على عند الدار قطني ‏"‏ تطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد ‏"‏ وفيه ‏"‏ فأتى بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا ‏"‏ وكذا في رواية حجاج الزهري عند الدار قطني في حديث أبي هريرة، وفيه رد على الكوفيين في قولهم إن واجبه من القمح ثلاثون صاعا ومن غيره ستون صاعا، ولقول عطاء‏:‏ إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعا، وعلى أشهب في قوله لو غداهم أو عشاهم كفي تصدق الإطعام، ولقول الحسن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا أو بالجماع أطعم خمسة عشر، وفيه رد على الجوهري حيث قال في الصحاح المكتل يشبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعا لأنه لا حصر في ذلك، وروي عن مالك أنه قال يسع خمسة عشر أو عشرين ولعله قال ذلك في هذه القصة الخاصة فيوافق رواية مهران وإلا فالظاهر أنه لا حصر في ذلك والله أعلم‏.‏

وأما ما وقع في رواية عطاء ومجاهد عن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط أنه ‏"‏ أتى بمكتل فيه عشرون صاعا فقال تصدق بهذا ‏"‏ وقال قبل ذلك تصدق بعشرين صاعا أو بتسع عشرة أو بإحدى وعشرين فلا حجة فيه لما فيه من الشك، ولأنه من رواية ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد اضطرب فيه، وفي الإسناد إليه مع ذلك من لا يحتج به‏.‏

ووقع في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم ‏"‏ فجاءه عرقان فيهما طعام ‏"‏ ووجهه إن كان محفوظا ما تقدم قريبا والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خذ هذا فتصدق به‏)‏ كذا للأكثر ومنهم من ذكره بمعناه، وزاد ابن إسحاق ‏"‏ فتصدق به عن نفسك ‏"‏ ويؤيده رواية منصور في الباب الذي يليه بلفظ ‏"‏ أطعم هذا عنك ‏"‏ ونحوه في مرسل سعيد ابن المسيب من رواية داود بن أبي هند عنه عند الدار قطني، وعنده من طريق ليث عن مجاهد عن أبي هريرة ‏"‏ نحن نتصدق به عنك ‏"‏ واستدل بإفراده بذلك على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة، وكذا قوله في المراجعة ‏"‏ هل تستطيع ‏"‏ و ‏"‏ هل تجد ‏"‏ وغير ذلك، وهو الأصح من قولي الشافعية وبه قال الأوزاعي‏.‏

وقال الجمهور وأبو ثور وابن المنذر تجب الكفارة على المرأة أيضا على اختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها أو على الرجل عنها، واستدل الشافعية بسكوته عليه الصلاة والسلام عن إعلام المرأة بوجوب الكفارة مع الحاجة، وأجيب بمنع وجود الحاجة إذ ذاك لأنها لم تعترف ولم تسأل واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكما ما لم تعترف، وبأنها قضية حال فالسكوت عنها لا يدل على الحكم لاحتمال أن تكون المرأة لم تكن صائمة لعذر من الأعذار‏.‏

ثم إن بيان الحكم للرجل بيان في حقها لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم كما لم يأمره بالغسل‏.‏

والتنصيص على الحكم في حق بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين، ويحتمل أن يكون سبب السكوت عن حكم المرأة ما عرفه من كلام زوجها بأنها لا قدرة لها على شيء‏.‏

وقال القرطبي اختلفوا في الكفارة هل هي على الرجل وحده على نفسه فقط أو عليه وعليها أو عليه كفارتان عنه وعنها أو عليه عن نفسه وعليها عنها، وليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك لأنه ساكت عن المرأة فيؤخذ حكمها من دليل آخر مع احتمال أن يكون سبب السكوت أنها كانت غير صائمة، واستدل بعضهم بقوله في بعض طرق هذا الحديث ‏"‏ هلكت وأهلكت ‏"‏ وهي زيادة فيها مقال، فقال ابن الجوزي‏:‏ في قوله وأهلكت تنبيه على أنه أكرهها ولولا ذلك لم يكن مهلكا لها، قلت‏:‏ ولا يلزم من ذلك تعدد الكفارة بل لا يلزم من قوله وأهلكت إيجاب الكفارة عليها، بل يحتمل أن يريد بقوله هلكت أثمت وأهلكت أي كنت سببا في تأثيم من طاوعتني فواقعها إذ لا ريب في حصول الإثم على المطاوعة ولا يلزم من ذلك إثبات الكفارة ولا نفيها، أو المعنى هلكت أي حيث وقعت في شيء لا أقدر على كفارته، وأهلكت أي نفسي بفعلي الذي جر على الإثم، وهذا كله بعد ثبوت الزيادة المذكورة، وقد ذكر البيهقي أن للحاكم في بطلانها ثلاثة أجزاء، ومحصل القول فها أنها وردت من طريق الأوزاعي ومن طريق ابن عيينة، أما الأوزاعي فتفرد بها محمد بن المسيب عن عبد السلام بن عبد الحميد عن عمر بن عبد الواحد والوليد بن مسلم وعن محمد بن عقبة عن علقمة عن أبيه ثلاثتهم عن الأوزاعي قال البيهقي رواه جميع أصحاب الأوزاعي بدونها وكذلك جميع الرواة عن الوليد وعقبة وعمر، ومحمد ابن المسيب كان حافظا مكثرا إلا أنه كان في آخر أمره عمى فلعل هذه اللفظة أدخلت عليه، وقد رواه أبو علي النيسابوري عنه بدونها، ويدل على بطلانها ما رواه العباس بن الوليد عن أبيه قال‏:‏ سئل الأوزاعي عن رجل جامع امرأته في رمضان قال‏:‏ عليهما كفارة واحدة إلا الصيام، قيل له فإن استكرهها‏؟‏ قال عليه الصيام وحده‏.‏

وأما ابن عيينة فتفرد بها أبو ثور عن معلى بن منصور عنه، قال الخطابي‏:‏ المعلى ليس بذاك الحافظ‏.‏

وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يعرف أحدا طعن في المعلى، وغفل عن قول الإمام أحمد إنه كان يخطئ كل يوم في حديثين أو ثلاثة، فلعله حدث من حفظه بهذا فوهم، وقد قال الحاكم‏:‏ وقفت على ‏"‏ كتاب الصيام للمعلى ‏"‏ بخط موثوق به وليست هذه اللفظة فيه، وزعم ابن الجوزي أن الدار قطني أخرجه من طريق عقيل أيضا، وهو غلط منه فإن الدار قطني لم يخرج طريق عقيل في ‏"‏ السنن ‏"‏ وقد ساقه في ‏"‏ العلل ‏"‏ بالإسناد الذي ذكره عنه ابن الجوزي بدونها‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ القائل بوجوب كفارة واحدة على الزوج عنه وعن موطوءته يقول يعتبر حالهما فإن كانا من أهل العتق أجزأت رقبة، وإن كانا من أهل الإطعام أطعم ما سبق، وإن كانا من أهل الصيام صاما جميعا، فإن اختلف حالهما ففيه تفريع محله كتب الفروع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال الرجل على أفقر مني‏)‏ أي أتصدق به على شخص أفقر مني‏؟‏ وهذا يشعر بأنه فهم الإذن له في التصدق على من يتصف بالفقر، وقد بين ابن عمر في حديثه ذلك فزاد فيه ‏"‏ إلى من أدفعه‏؟‏ قال إلى أفقر من تعلم ‏"‏ أخرجه البزار والطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ أعلى أفقر من أهلي ‏"‏‏؟‏ ولابن مسافر ‏"‏ أعلى أهل بيت أفقر مني ‏"‏‏؟‏ وللأوزاعي ‏"‏ أعلى غير أهلي ‏"‏‏؟‏ ولمنصور ‏"‏ أعلى أحوج منا ‏"‏ ولابن إسحاق ‏"‏ وهل الصدقة إلا لي وعلي ‏"‏‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏فوالله ما بين لابتيها‏)‏ تثنية لابة وقد تقدم شرحها في أواخر كتاب الحج والضمير للمدينة، وقوله ‏"‏يريد الحرتين ‏"‏ من كلام بعض رواته، زاد في رواية ابن عيينة ومعمر ‏"‏ والذي بعثك بالحق ‏"‏ ووقع في حديث ابن عمر المذكور ‏"‏ ما بين حرتيها ‏"‏ وفي رواية الأوزاعي الآتية في الأدب ‏"‏ والذي نفسي بيده ما بين طنبي المدينة ‏"‏ تثنية طنب - وهو بضم الطاء المهملة بعدها نون - والطنب أحد أطناب الخيمة فاستعاره للطرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهل بيت أفقر من أهل بيتي‏)‏ زاد يونس ‏"‏ مني ومن أهل بيتي ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ أفقر منا ‏"‏ وأفقر بالنصب على أنها خبر ما النافية، ويجوز الرفع على لغة تميم‏.‏

وفي رواية عقيل ‏"‏ ما أحد أحق به من أهلي، ما أحد أحوج إليه مني ‏"‏ وفي أحق وأحوج ما في أفقر‏.‏

وفي مرسل سعيد من رواية داود عنه ‏"‏ والله ما لعيالي من طعام ‏"‏ وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة ‏"‏ ما لنا عشاء ليلة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ حتى بدت نواجذه ‏"‏ ولأبي قرة في ‏"‏ السنن ‏"‏ عن ابن جريج ‏"‏ حتى بدت ثناياه ‏"‏ ولعلها تصحيف من أنيابه فإن الثنايا تبين بالتبسم غالبا وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم، ويحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم أن ضحكه كان تبسما على غالب أحواله، وقيل كان لا يضحك إلا في أمر يتعلق بالآخرة فإن كان في أمر الدنيا لم يزد على التبسم، قيل وهذه القضية تعكر عليه وليس كذلك فقد قيل إن سبب ضحكه صلى الله عليه وسلم كان من تباين حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة، وقيل ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحسن تأتيه وتلطفه في الخطاب وحسن توسله في توصله إلى مقصوده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال أطعمه أهلك‏)‏ تابعه معمر وابن أبي حفصة‏.‏

وفي رواية لابن عيينة في الكفارات ‏"‏ أطعمه عيالك ‏"‏ ولإبراهيم بن سعد ‏"‏ فأنتم إذا ‏"‏ وقدم على ذلك ذكر الضحك، ولأبي قرة عن ابن جريج ‏"‏ ثم قال كله ‏"‏ ونحوه ليحيى بن سعيد وعراك، وجمع بينهما ابن إسحاق ولفظه ‏"‏ خذها وكلها وأنفقها على عيالك ‏"‏ ونحوه في رواية عبد الجبار وحجاج وهشام بن سعد كلهم عن الزهري، ولابن خزيمة في حديث عائشة ‏"‏ عد به عليك وعلى أهلك ‏"‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ تباينت في هذه القصة المذاهب فقيل إنه دل على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره، وهو أحد قولي الشافعية وجزم به عيسى ابن دينار من المالكية‏.‏

وقال الأوزاعي‏:‏ يستغفر الله ولا يعود‏.‏

ويتأيد ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها وهو هلال الفطر، لكن الفرق بينهما أن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة، وليس في الخبر ما يدل على إسقاطها بل فيه ما يدل على استمرارها على العاجز‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ لا تسقط الكفارة بالإعسار، والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة‏.‏

ثم اختلفوا فقال الزهري‏:‏ هو خاص بهذا الرجل، وإلى هذا نحا إمام الحرمين، ورد بأن الأصل عدم الخصوصية‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هو منسوخ، ولم يبين قائله ناسخه، وقيل‏:‏ المراد بالأهل الذين أمر بصرفها إليهم من لا تلزمه نفقته من أقاربه، وهو قول بعض الشافعية، وضعف بالرواية الأخرى التي فيها عيالك، وبالرواية المصرحة بالإذن له في الأكل من ذلك، وقيل لما كان عاجزا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم، وهذا هو ظاهر الحديث، وهو الذي حمل أصحاب الأقوال الماضية على ما قالوه بأن المرء لا يأكل من كفارة نفسه‏.‏

قال الشيخ تقي الدين‏:‏ وأقوى من ذلك أن يجعل الإعطاء لا على جهة الكفارة بل على جهة التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم، وأما الكفارة فلم تسقط بذلك، ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذا من هذا الحديث‏.‏

وأما ما اعتلوا به من تأخير البيان فلا دلالة فيه، لأن العلم بالوجوب قد تقدم، ولم يرد في الحديث ما يدل على الإسقاط لأنه لما أخبره بعجزه ثم أمره بإخراج العرق دل على أن لا سقوط عن العاجز، ولعله أخر البيان إلى وقت الحاجة وهو القدرة ا ه‏.‏

وقد ورد ما يدل على إسقاط الكفارة أو على إجزائها عنه بإنفاقه إياها على عياله وهو قوله في حديث علي ‏"‏ وكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك ‏"‏ ولكنه حديث ضعيف لا يحتج بما انفرد به، والحق أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم خذ هذا فتصدق به لم يقبضه بل اعتذر بأنه أحوج إليه من غيره فأذن له حينئذ في أكله، فلو كان قبضه لملكه ملكا مشروطا بصفة وهو إخراجه عنه في كفارته فينبني على الخلاف المشهور في التمليك المقيد بشرط، لكنه لما لم يقبضه لم يملكه، فلما أذن له صلى الله عليه وسلم في إطعامه لأهله وأكله منه كان تمليكا مطلقا بالنسبة إليه وإلى أهله وأخذهم إياه بصفة الفقر المشروحة، وقد تقدم أنه كان من مال الصدقة، وتصرف النبي صلى الله عليه وسلم فيه تصرف الإمام في إخراج مال الصدقة، واحتمل إنه كان تمليكا بالشرط الأول ومن ثم نشأ الإشكال، والأول أظهر فلا يكون فيه إسقاط ولا أكل المرء من كفارة نفسه ولا إنفاقه على من تلزمه نفقتهم من كفارة نفسه‏.‏

وأما ترجمة البخاري الباب الذي يليه ‏"‏ باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج ‏"‏ فليس فيه تصريح بما تضمنه حكم الترجمة‏.‏

وإنما أشار إلى الاحتمالين المذكورين بإتيانه بصيغة الاستفهام والله أعلم‏.‏

واستدل به على جواز إعطاء الصدقة جميعها في صنف واحد، وفيه نظر لأنه لم يتعين أن ذلك القدر هو جميع ما يجب على ذلك الرجل الذي أحضر التمر، وعلى سقوط قضاء اليوم الذي أفسده الجامع اكتفاء بالكفارة، إذ لم يقع التصريح في الصحيحين بقضائه وهو محكي في مذهب الشافعي، وعن الأوزاعي يقضي إن كفر بغير الصوم وهو وجه للشافعية أيضا، قال ابن العربي‏:‏ إسقاط القضاء لا يشبه منصب الشافعي إذ لا كلام في القضاء لكونه أفسد العبادة وأما الكفارة فإنما هي لما اقترف من الإثم، قال‏:‏ وأما كلام الأوزاعي فليس بشيء‏.‏

قلت‏:‏ وقد ورد الأمر بالقضاء في هذا الحديث في رواية أبي أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري، وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري، وحديث إبراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة، وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها، ووقعت الزيادة أيضا في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن جبير والحسن ومحمد بن كعب، وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلا، ويؤخذ من قوله ‏"‏ صم يوما ‏"‏ عدم اشتراط الفورية للتنكير في قوله ‏"‏ يوما‏"‏‏.‏

وفي الحديث من الفوائد - غير ما تقدم - السؤال عن حكم ما يفعله المرء مخالفا للشرع، والتحدث بذلك لمصلحة معرفة الحكم، واستعمال الكناية فيما يستقبح ظهوره بصريح لفظه لقوله واقعت أو أصبت، على أنه قد ورد في بعض طرقه - كما تقدم - وطئت، والذي يظهر أنه من تصرف الرواة‏.‏

وفيه الرفق بالمتعلم والتلطف في التعليم والتألف على الدين، والندم على المعصية، واستشعار الخوف‏.‏

وفيه الجلوس في المسجد لغير الصلاة من المصالح الدينية كنشر العلم، وفيه جواز الضحك عند وجود سببه، وإخبار الرجل بما يقع منه مع أهله للحاجة‏.‏

وفيه الحلف لتأكيد الكلام، وقبول قول المكلف مما لا يطلع عليه إلا من قبله لقوله في جواب قوله أفقر منا أطعمه أهلك ويحتمل أن يكون هناك قرينة لصدقه‏.‏

وفيه التعاون على العبادة والسعي في إخلاص المسلم وإعطاء الواحد فوق حاجته الراهنة، وإعطاء الكفارة أهل بيت واحد، وأن المضطر إلى ما بيده لا يجب عليه أن يعطيه أو بعضه لمضطر آخر‏.‏