فصل: باب الِاحْتِبَاءِ بِالْيَدِ وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْمُصَافَحَةِ

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المصافحة‏)‏ هي مفاعلة من الصفحة والمراد بها الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد، وقد أخرج الترمذي بسند ضعيف من حديث أبي أمامة رفعه ‏"‏ تمام تحيتكم بينكم المصافحة ‏"‏ وأخرج المصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وأبو داود بسند صحيح من طريق حميد عن أنس رفعه ‏"‏ قد أقبل أهل اليمن وهم أول من حيانا بالمصافحة ‏"‏ وفي ‏"‏ جامع ابن وهب ‏"‏ من هذا الوجه ‏"‏ وكانوا أول من أظهر المصافحة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن مسعود‏:‏ علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد وكفى بين كفيه‏)‏ سقط هذا التعليق من رواية أبي ذر وحده وثبت للباقين، وسيأتي موصولا في الباب الذي بعده‏.‏

قوله ‏(‏وقال كعب بن مالك دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني‏)‏ هو طرف من قصة كعب بن مالك الطويل في غزوة تبوك في قصة توبته، وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله، وجاء ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي ذر كما سيأتي في أثناء ‏"‏ باب المعانقة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسٍ أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن قتادة قلت لأنس بن مالك‏:‏ أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏)‏ زاد الإسماعيلي في روايته عن همام ‏"‏ قال قتادة وكان الحسن يعني البصري يصافح ‏"‏ وجاء من وجه آخر عن أنس ‏"‏ قيل يا رسول الله الرجل يلقي أخاه أينحني له‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فيأخذ بيده ويصافحه‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏"‏ أخرجه الترمذي وقال حسن‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ المصافحة حسنة عند عامة العلماء، وقد استحبها مالك بعد كراهته‏.‏

وقال النووي‏:‏ المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي‏.‏

وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن البراء رفعه ‏"‏ ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ‏"‏ وزاد فيه ابن السني ‏"‏ وتكاشرا بود ونصيحة ‏"‏ وفي رواية لأبي داود، وحمدا الله واستغفراه، وأخرجه أبو بكر الروياني في مسنده من وجه آخر عن البراء ‏"‏ لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصافحني، فقلت‏:‏ يا رسول الله كنت أحسب أن هذا من زي العجم، فقال‏:‏ نحن أحق بالمصافحة ‏"‏ فذكر نحو سياق الخبر الأول‏.‏

وفي مرسل عطاء الخراساني في الموطأ ‏"‏ تصافحوا يذهب الغل ‏"‏ ولم نقف علنه موصولا، واقتصر ابن عبد البر على شواهده من حديث البراء وغيره، قال النووي‏:‏ وأما تخصيص المصافحة بما بعد صلاتي الصبح والعصر فقد مثل ابن عبد السلام في ‏"‏ القواعد ‏"‏ البدعة المباحة منها‏.‏

قال النووي‏:‏ وأصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة‏.‏

قلت‏:‏ للنظر فيه مجال، فإن أصل صلاة النافلة سنة مرغب فيها، ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت، ومنهم من أطلق تحريم مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها، ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية والأمرد الحسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرني حيوة‏)‏ بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة وآخرها هاء تأنيث هو ابن شريح المصري‏.‏

قوله ‏(‏سمع جده عبد الله بن هشام‏)‏ أي ابن زهرة بن عثمان من بني تميم بن مرة‏.‏

قوله ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب‏)‏ كذا اختصره، وكذا أورده في مناقب عمر بن الخطاب، وساقه بتمامه في الأيمان والنذور، وسيأتي البحث فيه هناك‏.‏

وأغفل المزي ذكره هنا‏.‏

ولم يقع في رواية النسفي أيضا‏.‏

وذكره الإسماعيلي هنا من رواية رشدين بن سعد وابن لهيعة جميعا عن زهرة بن معبد بتمامه، وأسقطه من كتاب الأيمان والنذور‏.‏

وابن لهيعة ورشدين لميسا من شرط الصحيح، ولم يقع لأبي نعيم أيضا من طريق ابن وهب عن حيوة، فأخرجه في الأيمان والنذور بتمامه من طريق البخاري‏.‏

وأخرج القدر المختصر هنا من رواية أبي زرعة وهب الله بن راشد عن زهرة بن معبد، ووهب الله هذا مختلف فيه، وليس من رجال الصحيح، ووجه إدخال هذا الحديث في المصافحة أن الأخذ باليد يستلزم التقاء صفحة اليد بصفحة اليد غالبا ومن ثم أفردها بترجمة تلي هذه لجواز وقوع الأخذ باليد من غير حصول المصافحة، قال ابن عبد البر‏:‏ روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة، وذهب إلى هذا سحنون وجماعة، وقد جاء عن مالك جواز المصافحة، وهو الذي يدل عليه صنيعه في الموطأ، وعلى جوازه جماعة العلماء سلفا وحلفا، والله أعلم‏.‏

*3*باب الْأَخْذِ بِالْيَدَيْنِ وَصَافَحَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ابْنَ الْمُبَارَكِ بِيَدَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الأخذ باليد‏)‏ كذا في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي، وللباقين ‏"‏ باليدين ‏"‏ وفي نسخة ‏"‏ باليمين ‏"‏ وهو غلط‏.‏

وسقطت هذه الترجمة وأثرها وحديثها من رواية النسفي‏.‏

قوله ‏(‏وصافح حماد بن زيد ابن المبارك بيديه‏)‏ وصله غنجار في ‏"‏ تاريخ بخاري ‏"‏ من طريق إسحاق بن أحمد بن خلف قال‏:‏ سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمع أبي من مالك، ورأى حماد بن زيد يصافح ابن المبارك بكلتا يديه‏.‏

وذكر البخاري في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ في ترجمة أبيه نحوه وقال في ترجمة عبد الله بن سلمة المرادي حدثني أصحابنا يحيى وغيره عن أبي إسماعيل بن إبراهيم قال‏:‏ رأيت حماد بن زيد وجاءه ابن المبارك بمكة فصافحه بكلتا يديه، ويحيى المذكور هو ابن جعفر البيكندي، وقد أخرج الترمذي من حديث ابن مسعود رفعه ‏"‏ من تمام التحية الأخذ باليد ‏"‏ وفي سنده ضعف، وحكى الترمذي عن البخاري أنه رجح أنه موقوف على عبد الرحمن بن يزيد النخعي أحد التابعين‏.‏

وأخرج ابن المبارك في ‏"‏ كتاب البر والصلة ‏"‏ من حديث أنس ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل لا ينزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرفه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى بين كفيه التشهد‏)‏ كذا عنده بتأخير المفعول عن الجملة الحالية‏.‏

وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة الآتي التنبيه عليها بتقديم المفعول وهو لفظ التشهد‏.‏

قوله في آخره ‏(‏وهو بين ظهرانينا‏)‏ بفتح النون وسكون التحتانية ثم نون أصله ظهرنا والتثنية باعتبار المتقدم عنه والمتأخر أي كائن بيننا والألف والنون زيادة للتأكيد ولا يجوز كسر النون الأولى قاله الجوهري وغيره‏.‏

قوله ‏(‏فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هكذا جاء في هذه الرواية، وقد تقدم الكلام على حديث التشهد هذا في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة من رواية شقيق بن سلمة عن ابن مسعود وليست فيه هذه الزيادة، وتقدم شرحه مستوفى وأما هذه الزيادة فظاهرها أنهم كانوا يقولون ‏"‏ السلام عليك أيها النبي ‏"‏ بكاف الخطاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تركوا الخطاب وذكروه بلفظ الغيبة فصاروا يقولون ‏"‏ السلام على النبي ‏"‏ وأما قوله في آخره ‏"‏ يعني على النبي ‏"‏ فالقائل ‏"‏ يعني ‏"‏ هو البخاري، وإلا فقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ومصنفه عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال في آخره ‏"‏ فلما قبض صلى الله عليه وسلم قلنا السلام على النبي ‏"‏ وهكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق أبي بكر، وقد أشبعت القول في هذا عند شرح الحديث المذكور، قال ابن بطال‏:‏ الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة وذلك مستحب عند العلماء، وإنما اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك وأنكر ما روى فيه، وأجازه آخرون واحتجوا بما روى عن عمر أنهم ‏"‏ لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا نحن الفرارون، فقال‏:‏ بل أنتم العكارون أنا فئة المؤمنين، قال فقبلنا يده ‏"‏ قال ‏"‏ وقبل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليهم ‏"‏ ذكره الأبهري، وقبل أبو عبيدة يد عمر حين قدم، وقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه، قال الأبهري‏:‏ وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظم، وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال ‏"‏ أن يهوديين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات ‏"‏ الحديث وفي آخره ‏"‏ فقبلا يده ورجله ‏"‏ قال الترمذي حسن صحيح قلت‏:‏ حديث ابن عمر أخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وأبو داود، وحديث أبي لبابة أخرجه البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ وابن المقري، وحديث كعب وصاحبيه أخرجه ابن المقري، وحديث أبي عبيدة أخرجه سفيان في جامعه، وحديث ابن عباس أخرجه الطبري وابن المقري، وحديث صفوان أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وصححه الحاكم‏.‏

وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقري جزءا في تقبيل اليد سمعناه، أورد فيه أحاديث كثيرة وآثارا، فمن جيدها حديث الزارع العبدي وكان في وقد عبد القيس قال ‏"‏ فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله ‏"‏ أخرجه أبو داود، ومن حديث مزيدة العصري مثله، ومن حديث أسامة بن شريك قال ‏"‏ قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده ‏"‏ وسنده قوي ومن حديث جابر ‏"‏ أن عمر قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل يده ‏"‏ ومن حديث بريدة في قصة الأعرابي والشجرة فقال ‏"‏ يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له ‏"‏ وأخرج البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من رواية عبد الرحمن بن رزين قال ‏"‏ أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفا له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها ‏"‏ وعن ثابت أنه قبل يد أنس‏.‏

وأخرج أيضا أن عليا قبل يد العباس ورجله، وأخرجه ابن المقري؛ وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي قال‏:‏ قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فناولنيها فقبلتها‏.‏

قال النووي‏:‏ تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة وقال أبو سعيد المتولي‏:‏ لا يجوز‏.‏

*3*باب الْمُعَانَقَةِ

وَقَوْلِ الرَّجُلِ كَيْفَ أَصْبَحْتَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت‏)‏ كذا للأكثر، وسقط لفظ ‏"‏ المعانقة ‏"‏ وواو العطف من رواية النسفي ومن رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي وضرب عليها الدمياطي في أصله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَالِبٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ فَقَالَ أَلَا تَرَاهُ أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ عَبْدُ الْعَصَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيُتَوَفَّى فِي وَجَعِهِ وَإِنِّي لَأَعْرِفُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَوْتَ فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسْأَلَهُ فِيمَنْ يَكُونُ الْأَمْرُ فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا قَالَ عَلِيٌّ وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَمْنَعُنَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ أَبَدًا وَإِنِّي لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه كما بينته في الوفاة النبوية‏.‏

وقال الكرماني لعله ابن منصور لأنه روى عن بشر بن شعيب في ‏"‏ باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهو استدلال على الشيء بنفسه لأن الحديث المذكور هناك وهنا واحد والصيغة في الموضعين واحدة فكان حقه إن قام الدليل عنده على أن المراد بإسحاق هناك ابن منصور أن يقول هنا كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية‏.‏

قوله ‏(‏وحدثنا أحمد بن صالح‏)‏ هو إسناد آخر إلى الزهري يرد على من ظن انفراد شعيب به، وقد بينت هناك أن الإسماعيلي أخرجه أيضا من رواية صالح بن كيسان، ولم أستحضر حينئذ رواية يونس هذه، فهم على هذا ثلاثة من حفاظ أصحاب الزهري رووه عنه، وسياق المصنف على لفظ أحمد بن صالح هذا، وسياقه هناك على لفظ شعيب، والمعنى متقارب وقد ذكرت شرحه هناك‏.‏

قال ابن بطال عن المهلب‏:‏ ترجم للمعانقة ولم يذكرها في الباب، وإنما أراد أن يدخل فيه معانقة النبي صلى الله عليه وسلم للحسن الحديث الذي تقدم ذكره في ‏"‏ باب ما ذكر من الأسواق ‏"‏ في كتاب البيوع فلم يجد له سندا غير السند الأول فمات قبل أن يكتب فيه شيئا فبقي الباب فارغا من ذكر المعانقة، وكان بعده ‏"‏ باب قول الرجل كيف أصبحت ‏"‏ وفيه حديث على، فلما وجد ناسخ الكتاب الترجمتين متواليتين ظنهما واحدة إذ لم يجد بينهما حديثا‏.‏

وفي الكتاب مواضع من الأبواب فارغة لم يدرك أن يتمها بالأحاديث، منها في كتاب الجهاد انتهى، وفي جزمه بذلك نظر، والذي يظهر أنه أراد ما أخرجه في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ فإنه ترجم فيه ‏"‏ باب المعانقة ‏"‏ وأورد فيه حديث جابر أنه بلغه حديث عن رجل من الصحابة قال ‏"‏ فابتعت بعيرا فشددت إليه رحلي شهرا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس فبعثت إليه فخرج، فاعتنقني واعتنقته ‏"‏ الحديث فهذا أولى بمراده‏.‏

وقد ذكر طرفا منه في كتاب العلم معلقا فقال ‏"‏ ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر في حديث واحد ‏"‏ وتقدم الكلام على سنده هناك‏.‏

وأما جزمه بأنه لم يجد لحديث أبي هريرة سندا آخر ففيه نظر ‏"‏ لأنه أورده في كتاب اللباس بسند آخر وعلقه في مناقب الحسن فقال‏:‏ وقال نافع بن جبير عن أبي هريرة، فذكر طرفا منه، فلو كان أراد ذكره لعلق منه موضع حاجته أيضا بحذف أكثر السند أو بعضه كأن يقول‏:‏ وقال أبو هريرة، أو قال عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة، وأما قوله إنهما ترجمتان خلت الأولى عن الحديث فضمهما الناسخ فإنه محتمل - ولكن في الجزم به نظر‏.‏

وقد ذكرت في المقدمة عن أبي ذر راوي الكتاب ما يؤيد ما ذكره من أن بعض من سمع الكتاب كان يضم بعض التراجم إلى بعض ويسد البياض وهي قاعدة يفزع إليها عند العجز عن تطبيق الحديث على الترجمة، ويؤيده إسقاط لفظ المعانقة من رواية من ذكرنا، وقد ترجم في الأدب ‏"‏ باب كيف أصبحت ‏"‏ وأورد فيه حديث ابن عباس المذكور وأفرد باب المعانقة عن هذا الباب وأورد فيه حديث جابر كما ذكرت، وقوى ابن التين ما قال ابن بطال بأنه وقع عنده في رواية ‏"‏ باب المعانقة ‏"‏ قول الرجل كيف أصبحت بغير واو فدل على أنهما ترجمتان‏.‏

وقد أخذ ابن جماعة كلام ابن بطال جازما به واختصره وزاد عليه فقال‏:‏ ترجم بالمعانقة ولم يذكرها وإنما ذكرها في كتاب البيوع، وكأنه ترجم ولم يتفق له حديث يوافقه في المعنى ولا طريق آخر لسند معانقة الحسن، ولم ير أن يرويه بذلك السند لأنه ليس من عادته إعادة السند الواحد، أو لعله أخذ المعانقة من عادتهم عند قولهم كيف أصبحت فاكتفى بكيف أصبحت لاقتران المعانقة به عادة‏.‏

قلت‏:‏ وقد قدمت الجواب عن الاحتمالين الأولين، وأما الاحتمال الأخير فدعوى العادة تحتاج إلى دليل وقد أورد البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ في ‏"‏ باب كيف أصبحت ‏"‏ حديث محمود بن لبيد ‏"‏ أن سعد بن معاذ لما أصيب أكحله كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول‏:‏ كيف أصبحت ‏"‏ الحديث، وليس فيه للمعانقة ذكر، وكذلك أخرج النسائي من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال ‏"‏ دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ كيف أصبحت‏؟‏ فقال‏:‏ صالح من رجل لم يصبح صائما ‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة من طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن أبي عمر نحوه‏.‏

وأخرج البخاري أيضا في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من حديث جابر قال ‏"‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت‏؟‏ قال بخير ‏"‏ الحديث‏.‏

ومن حديث مهاجر الصائغ ‏"‏ كنت أجلس إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا قيل له كيف أصبحت‏؟‏ قال‏:‏ لا نشرك بالله ‏"‏ ومن طريق أبي الطفيل قال ‏"‏ قال رجل لحذيفة‏:‏ كيف أصبحت، أو كيف أمسيت يا أبا عبد الله‏؟‏ قال‏:‏ أحمد الله ‏"‏ ومن طريق أنس أنه ‏"‏ سمع عمر سلم عليه رجل فرد ثم قال له‏:‏ كيف أنت‏؟‏ قال أحمد الله‏.‏

قال هذا الذي أردت منك ‏"‏ وأخرج الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ نحو هذا من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا، فهذه عدة أخبار لم تقترن فيها المعانقة بقول كيف أصبحت ونحوها بل ولم يقع في حديث الباب أن اثنين تلاقيا فقال أحدهما للآخر كيف أصبحت حتى يستقيم الحمل على العادة في المعانقة حينئذ، وإنما فيه أن من حضر باب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأوا خروج علي من عند النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن حاله في مرضه فأخبرهم، فالراجح أن ترجمة المعانقة كانت خالية من الحديث كما تقدم، وقد ورد في المعانقة أيضا حديث أبي ذر أخرجه أحمد وأبو داود من طريق رجل من عنزة لم يسم قال ‏"‏ قلت لأبي ذر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه‏.‏

قال‏:‏ ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم فلم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلى فأتيته وهو على سريره فالتزمني، فكانت أجود وأجود ‏"‏ ورجاله ثقات، إلا هذا الرجل المبهم‏.‏

وأخرج الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من حديث أنس ‏"‏ كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ‏"‏ وله في الكبير ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي أصحابه لم يصافحهم حتى يسلم عليهم ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ اختلف الناس في المعانقة، فكرهها مالك، وأجازها ابن عيينة‏.‏

ثم ساق قصتهما في ذلك من طريق سعيد بن إسحاق وهو مجهول عن علي بن يونس الليثي المدني وهو كذلك، وأخرجها ابن عساكر في ترجمة جعفر من تاريخه من وجه آخر عن علي بن يونس قال‏:‏ استأذن سفيان بن عيينة على مالك فأذن له فقال‏:‏ السلام عليكم فردوا عليه، ثم قال‏:‏ السلام خاص وعام، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته، فقال‏:‏ وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاته‏.‏

ثم قال‏:‏ لولا أنها بدعة لعانقتك‏.‏

قال قد عانق من هو خير منك قال جعفر‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ذاك خاص قال‏:‏ ما عمه يعمنا‏.‏

ثم ساق سفيان الحديث عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ‏"‏ لما قدم جعفر من الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث‏.‏

قال الذهبي في ‏"‏ الميزان ‏"‏‏:‏ هذه الحكاية باطلة، وإسنادها مظلم‏.‏

قلت‏:‏ والمحفوظ عن ابن عيينة بغير هذا الإسناد، فأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن الأجلح عن الشعبي ‏"‏ أن جعفرا لما قدم تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل جعفرا بين عيينة ‏"‏ وأخرج البغوي في ‏"‏ معجم الصحابة ‏"‏ من حديث عائشة ‏"‏ لما قدم جعفر استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل ما بين عينيه ‏"‏ وسنده موصول لكن في سنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف‏.‏

وأخرج الترمذي عن عائشة قالت ‏"‏ قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فقرع الباب، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه فاعتنقه وقبله ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏

وأخرج قاسم بن أصبغ ‏"‏ عن أبي الهيثم بن التيهان أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فاعتنقه وقبله ‏"‏ وسنده ضعيف‏.‏

قال المهلب‏:‏ في أخذ العباس بيد على جواز المصافحة والسؤال عن حال العليل كيف أصبح، وفيه جواز اليمين على غلبة الظن، وفيه أن الخلافة لم تذكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أصلا لأن العباس حلف أنه يصير مأمورا لا آمرا لما كان يعرف من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم بها إلى غيره، وفي سكوت على دليل على علم علي بما قال العباس، قال‏:‏ وأما قول علي لو صرح النبي صلى الله عليه وسلم بصرفها عن بني عبد المطلب لم يمكنهم أحد بعده منها فليس كما ظن، لأنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ مروا أبا بكر فليصل بالناس ‏"‏ وقيل له لو أمرت عمر فامتنع ثم لم يمنع ذلك عمر من ولايتها بعد ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وهو كلام من لم يفهم مراد علي‏.‏

وقد قدمت في شرح الحديث في الوفاة النبوية بيان مراده، وحاصله أنه إنما خشي أن يكون منع النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الخلافة حجة قاطعة بمنعهم منها على الاستمرار تمسكا بالمنع الأول لو رده بمنع الخلافة نصا، وأما منع الصلاة فليس فيه نص على منع الخلافة وإن كان في التنصيص على إمامة أبي بكر في مرضه إشارة إلى أنه أحق بالخلافة فهو بطريق الاستنباط لا النص، ولولا قرينة كونه في مرض الموت ما قوى، وإلا فقد استناب في الصلاة قبل ذلك غيره في أسفاره والله أعلم‏.‏

وأما ما استنبطه أو لا ففيه نظر، لأن مستند العباس في ذلك الفراسة وقرائن الأحوال، ولم ينحصر ذلك في أن معه من النبي صلى الله عليه وسلم النص علي منع علي من الخلافة، وهذا بين من سياق القصة، وقد قدمت هناك أن في بعض طرق هذا الحديث أن العباس قال لعلي بعد أن مات النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ابسط يدك أبايعك فيبايعك الناس فلم يفعل، فهذا دال على أن العباس لم يكن عنده في ذلك نص والله أعلم‏.‏

وقول العباس في هذه الرواية لعلي ‏"‏ ألا تراه‏:‏ أنت والله بعد ثلاث إلخ ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ الضمير في تراه للنبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن الأظهر أنه ضمير الشأن وليست الرؤية هنا الروية البصرية، وقد وقع في سائر الروايات ‏"‏ ألا ترى ‏"‏ بغير ضمير‏.‏

وقوله ‏"‏لو لم تكن الخلافة فينا آمرناه ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ فهو بمد الهمزة أي شاورناه، قال وقرأناه بالقصر من الأمر‏.‏

قلت‏:‏ وهو المشهور‏.‏

والمراد سألناه، لأن صيغة الطلب كصيغة الأمر، ولعله أراد أنه يؤكد عليه في السؤال حتى يصير كأنه آمر له بذلك‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ فيه دلالة على أن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء‏.‏

وحكى ابن التين عن الداودي أن أول ما استعمل الناس ‏"‏ كيف أصبحت ‏"‏ في زمن طاعون عمواس، وتعقبه بأن العرب كانت تقوله قبل الإسلام‏.‏

وبأن المسلمين قالوه في هذا الحديث‏.‏

قلت‏:‏ والجواب حمل الأولية على ما وقع في الإسلام، لأن الإسلام جاء بمشروعية السلام للمتلاقيين، ثم حدث السؤال عن الحال، وقل من صار يجمع بينهما، والسنة البداءة بالسلام، وكأن السبب فيه ما وقع من الطاعون فكانت الداعية متوفرة على سؤال الشخص من صديقه عن حاله فيه ثم كثر ذلك حتى اكتفوا به عن السلام، ويمكن الفرق بين سؤال الشخص عمن عنده ممن عرف أنه متوجع وبين سؤال من حاله يحتمل الحدوث‏.‏

*3*باب مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من أجاب بلبيك وسعديك‏)‏ ذكر فيه حديث أنس عن معاذ قال ‏(‏أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا معاذ، قلت‏:‏ لبيك وسعديك‏)‏ وقد تقدم شرح هاتين الكلمتين في كتاب الحج وتقدم شرح بعض حديث معاذ في كتاب العلم وفي الجهاد ويأتي مستوفى في كتاب الرقاق، وكذلك حديث أبي ذر المذكور في الباب بعده وقوله فيه ‏"‏ قلت لزيد ‏"‏ أي ابن وهب، والقائل هو الأعمش وهو موصول بالإسناد المذكور، وقد بين في الرواية التي تليها أن الأعمش رواه عن أبي صالح عن أبي الدرداء، وقوله ‏"‏وقال أبو شهاب عن الأعمش ‏"‏ يعني عن زيد بن وهب عن أبي ذر كما تقدم موصولا في كتاب الاستقراض، والمراد أنه أتى بقوله ‏"‏ يمكث عندي فوق ثلاث ‏"‏ بدل قوله في رواية هذا الباب ‏"‏ تأتي على ليلة أو ثلاث عندي منه دينار ‏"‏ وبقية سياق الحديث سواء إلا الكلام الأخير في سؤال الأعمش زيد بن وهب إلى آخره، وقوله ‏"‏أرصده ‏"‏ بضم أوله، وقوله ‏"‏فقمت ‏"‏ أي أقمت في موضعي وهو كقوله تعالى ‏(‏وإذا أظلم عليهم قاموا‏)‏ وقد ورد ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج النسائي وصححه ابن حبان من حديث محمد بن حاطب قال ‏"‏ انطلقت بي أمي إلى رجل جالس فقالت له‏:‏ يا رسول الله قال‏:‏ لبيك وسعديك‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وأمه هي أم جميل بالجيم بنت المحلل بمهملة ولامين الأولى ثقيلة‏.‏

*3*باب لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه‏)‏ هكذا ترجم بلفظ الخبر وهو خبر معناه النهي، وقد رواه ابن وهب بلفظ النهي ‏"‏ لا يقم ‏"‏ وكذا رواه ابن الحسن، ورواه القاسم بن يزيد وطاهر بن مدرار بلفظ ‏"‏ لا يقيمن ‏"‏ وكذا وقع في رواية الليث عند مسلم بلفظ النهي الموكد، وكذا عنده من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسماعيل بن عبد الله‏)‏ هو ابن أبي أويس ‏"‏ وهذا الحديث ليس في الموطأ إلا عند ابن وهب ومحمد بن الحسن، وقد أخرجه الدار قطني من رواية إسماعيل وابن وهب وابن الحسن والوليد بن مسلم والقاسم بن يزيد وطاهر بن مدرار كلهم عن مالك، وأخرجه الإسماعيلي من رواية القاسم بن يزيد الجرمي وعبد الله بن وهب جميعا عن مالك؛ وضاق على أبي نعيم فأخرجه من طريق البخاري نفسه، وقد تقدم في كتاب الجمعة من رواية ابن جريج عن نافع، ويأتي في الباب الذي يليه من رواية عبد الله بن عمر العمري عن نافع وسياقه أتم ويأتي شرحه فيه‏.‏

*3*باب إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشِزُوا فَانْشِزُوا الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا‏)‏ كذا لأبي ذر، وزاد غيره ‏(‏وإذا قيل انشزوا فانشزوا‏)‏ الآية‏.‏

اختلف في معنى الآية فقيل إن ذلك خاص بمجلس النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن بطال قال بعضهم‏:‏ هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة عن مجاهد وقتادة قلت‏:‏ لفظ الطبري عن قتادة ‏"‏ كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأوه مقبلا ضيقوا مجلسهم، فأمرهم الله تعالى أن يوسع بعضهم لبعض‏.‏

قلت‏:‏ لا يلزم من كون الآية نزلت في ذلك الاختصاص‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان بفتح المهملة والتحتانية الثقيلة قال ‏"‏ نزلت يوم الجمعة أقبل جماعة من المهاجرين والأنصار من أهل بدر فلم يجدوا مكانا، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم ناسا ممن تأخر إسلامه فأجلسهم في أماكنهم، فشق ذلك عليهم، وتكلم المنافقون في ذلك، فأنزل الله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا‏)‏ وعن الحسن البصري‏:‏ المراد بذلك مجلس القتال، قال‏:‏ ومعنى قوله ‏(‏انشزوا‏)‏ انهضوا للقتال‏.‏

وذهب الجمهور إلى أنها عامة في كل مجلس من مجالس الخير، وقوله ‏(‏افسحوا يفسح الله‏)‏ أي وسعوا يوسع الله عليكم الدنيا والآخرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ آخَرُ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسَ مَكَانَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله ‏(‏أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر‏)‏ كذا في رواية سفيان، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر بلفظ ‏"‏ لا يقم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ولكن تفسحوا وتوسعوا‏)‏ هو عطف تفسيري، ووقع في رواية قبيصة عن سفيان عند ابن مردويه ‏"‏ ولكن ليقل افسحوا وتوسعوا ‏"‏ وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية قبيصة وليس عنده ‏"‏ ليقل ‏"‏ وهذه الزيادة أشار مسلم إلى أن عبيد الله بن عمر تفرد بها عن نافع، وأن مالكا والليث وأيوب وابن جريج رووه عن نافع بدونها، وأن ابن جريج زاد قلت لنافع‏:‏ في الجمعة‏؟‏ قال‏:‏ وفي غيرها، وقد تقدمت زيادة ابن جريج هذه في كتاب الجمعة ووقع في حديث جابر عند مسلم ‏"‏ لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول افسحوا ‏"‏ فجمع بين الزيادتين ورفعهما، وكان ذلك سبب سؤال ابن جريج لنافع‏.‏

قال ابن أبي جمرة‏:‏ هذا اللفظ عام في المجالس، ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة إما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم، وإما على الخصوص كمن يدعو قوما بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها، وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها، ثم هو في المجالس العامة، وليس عاما في الناس بل هو خاص بغير المجانين ومن يحصل منه الأذى كآكل الثوم النيء إذا دخل المسجد، والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو الحكم‏.‏

قال‏:‏ والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم المقتضي للضغائن، والحث على التواضع المقتضي للمواددة، وأيضا فالناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقه، ومن استحق شيئا فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام، فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة وبعضه على سبيل التحريم، قال‏:‏ فأما قوله ‏"‏ تفسحوا وتوسعوا ‏"‏ فمعنى الأول أن يتوسعوا فيما بينهم ومعنى الثاني أن ينضم بعضهم إلى بعض حتى يفضل من الجمع مجلس للداخل‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

قوله ‏(‏وكان ابن عمر‏)‏ هو موصول بالسند المذكور‏.‏

قوله ‏(‏يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه‏)‏ أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن قبيصة عن سفيان وهو الثوري بلفظ ‏"‏ وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه‏"‏، وكذا أخرجه مسلم من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وقوله ‏"‏يجلس ‏"‏ في روايتنا بفتح أوله، وضبطه أبو جعفر الغرناطي في نسخته بضم أوله على وزن ‏"‏ يقام ‏"‏ وقد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعا أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب بفتح المعجمة وكسر المهملة آخره موحدة بوزن عظيم واسمه زياد بن عبد الرحمن عن ابن عمر ‏"‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه، فذهب ليجلس فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وله أيضا من طريق سعيد بن أبي الحسن ‏"‏ جاءنا أبو بكرة فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا ‏"‏ وأخرجه الحاكم وصححه من هذا الوجه لكن لفظه مثل لفظ ابن عمر الذي في الصحيح، فكأن أبا بكرة حمل النهي على المعنى الأعم، وقد قال البزار إنه لا يعرف له طريق إلا هذه، وفي سنده أبو عبد الله مولى أبي بردة بن أبي موسى وقيل مولى قريش وهو بصري لا يعرف، قال ابن بطال‏:‏ اختلف في النهي فقيل للأدب، وإلا فالذي يجب للعالم أن يليه أهل الفهم والنهي، وقيل هو على ظاهره، ولا يجوز لمن سبق إلى مجلس مباح أن يقام منه، واحتجوا بالحديث يعني الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ‏"‏ قالوا فلما كان أحق به بعد رجوعه ثبت أنه حقه قبل أن يقوم، ويتأيد ذلك بفعل ابن عمر المذكور فإنه راوي الحديث وهو أعلم بالمراد منه‏.‏

وأجاب من حمله على الأدب أن الموضع في الأصل ليس ملكه قبل الجلوس ولا بعد المفارقة فدل على أن المراد بالحقية في حالة الجلوس الأولوية، فيكون من قام تاركا له قد سقط حقه جملة، ومن قام ليرجع يكون أولى‏.‏

وقد سئل مالك عن حديث أبي هريرة فقال‏:‏ ما سمعت به، وإنه لحسن إذا كانت أوبته قريبة، وإن بعد فلا أرى ذلك له ولكنه من محاسن الأخلاق‏.‏

وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏‏:‏ هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه، وما احتج به من حمله على الأدب لكونه ليس ملكا له لا قبل ولا بعد ليس بحجة، لأنا نسلم أنه غير ملك له لكن يختص به إلى أن يفرغ غرضه، فصار كأنه ملك منفعته فلا يزاحمه غيره عليه، قال النووي‏:‏ قال أصحابنا هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم فارقه ليعود إليه كإرادة الوضوء مثلا أو لشغل يسير ثم يعود لا يبطل اختصاصه به، وله أن يقيم من خالفه وقعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه‏.‏

واختلف هل يجب عليه‏؟‏ على وجهين أصحهما الوجوب، وقيل يستحب وهو مذهب مالك، قال أصحابنا‏:‏ وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة دون غيرها، قال‏:‏ ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا والله أعلم‏.‏

وقال عياض‏:‏ اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى، فحكى عن مالك أنه أحق به إذا عرف به قال‏:‏ والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بحق واجب، ولعله مراد مالك‏.‏

وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة، قالوا‏:‏ من اعتاد بالجلوس في شيء منها فهو أحق به حتى يتم غرضه‏.‏

قال‏:‏ وحكاه الماوردي عن مالك قطعا للتنازع‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب‏.‏

وقال النووي‏:‏ استثنى، أصحابنا من عموم قول ‏"‏ لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ‏"‏ من ألف من المسجد موضعا يفتي فيه أو يقرئ فيه قرآنا أو علما فله أن يقيم من سبقه إلى القعود فيه‏.‏

وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة‏.‏

قال النووي‏:‏ وأما ما نسب إلى ابن عمر فهو ورع منه، وليس قعوده فيه حراما إذا كان ذلك برضا الذي قام ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيى منه فقام عن غير طيب قلبه فسد الباب ليسلم من هذا أو رأى أن الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى، فكان يمتنع لأجل ذلك لئلا يرتكب ذلك أحد بسببه‏.‏

قال علماء أصحابنا‏:‏ وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفس وأمور الدنيا‏.‏

*3*باب مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ بَيْتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَصْحَابَهُ أَوْ تَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ لِيَقُومَ النَّاسُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه، أو تهيأ للقيام ليقوم الناس‏)‏ ذكر فيه حديث أنس في قصة زواج زينب بنت جحش ونزول آية الحجاب، وفيه ‏"‏ فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام معه من الناس وبقي ثلاثة ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة الأحزاب‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ فيه أنه لا ينبغي لأحد أن يدخل بيت غيره إلا بإذنه، وأن المأذون له لا يطيل الجلوس بعد تمام ما أذن له فيه لئلا يؤذي أصحاب المنزل ويمنعهم من التصرف في حوائجهم‏.‏

وفيه أن من فعل ذلك حتى تضرر به صاحب المنزل أن لصاحب المنزل أن يظهر التثاقل به وأن يقوم بغير إذن حتى يتفطن له، وأن صاحب المنزل إذا خرج من منزله لم يكن للمأذون له في الدخول أن يقيم إلا بإذن جديد، والله أعلم‏.‏

*3*باب الِاحْتِبَاءِ بِالْيَدِ وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الاحتباء باليد وهو‏)‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ وهي ‏"‏ ‏(‏القرفصاء‏)‏ بضم القاف والفاء بينهما راء ساكنة ثم صاد مهملة ومد‏.‏

وقال الفراء‏:‏ إن ضممت القاف والفاء مددت وإن كسرت قصرت، والذي فسر به البخاري الاحتباء أخذه من كلام أبي عبيدة فإنه قال‏:‏ القرفصاء جلسة المحتبى، ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه‏.‏

وقال عياض‏:‏ قيل هي الاحتباء، وقيل جلسة الرجل المستوفز، وقيل جلسة الرجل على أليتيه‏.‏

قال‏:‏ وحديث قيلة يدل عليه لأن فيه ‏"‏ وبيده عسيب نخلة ‏"‏ فدل على أنه لم يحتب بيديه‏.‏

قلت‏:‏ ولا دلالة فيه على نفي الاحتباء فإنه تارة يكون باليدين وتارة بثوب، فلعله في الوقت الذي رأته قيلة كان محتبيا بثوبه، وقد قال ابن فارس وغيره‏:‏ الاحتباء أن يجمع ثوبه ظهره وركبتيه‏.‏

قلت‏:‏ وحديث قيلة وهي بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها لام أخرجه أبو داود والترمذي في ‏"‏ الشمائل ‏"‏ والطبراني وطوله بسند لا بأس به أنها قالت‏.‏

فذكر الحديث وفيه ‏"‏ قالت فجاء رجل قال السلام عليك يا رسول الله، فقال‏:‏ وعليك السلام ورحمة الله، وعليه أسمال مليتين قد كانتا بزعفران فنفضتا، وبيده عسيب نخلة مقشرة قاعدا القرفصاء‏.‏

قالت‏:‏ فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال له جليسه‏:‏ يا رسول الله أرعدت المسكينة، فقال ولم ينظر إلى‏:‏ يا مسكينة عليك السكينة، فذهب عني ما أجد من الرعب ‏"‏ الحديث‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ وعليه أسمال ‏"‏ بمهملة جمع سمل بفتحتين وهو الثوب البالي و ‏"‏ مليتين ‏"‏ بالتصغير تثنيه ملاءة وهي الرداء‏.‏

وقيل القرفصاء الاعتماد على عقبيه ومس أليتيه بالأرض، والذي يتحرر من هذا كله أن الاحتباء قد يكون بصورة القرفصاء، لا أن كل احتباء قرفصاء والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدِهِ هَكَذَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني محمد بن أبي غالب‏)‏ هو القومسي بضم القاف وسكون الواو وبالسين المهملة، نزل بغداد، وهو من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بست سنين، وليس له عنده سوى هذا الحديث وحديث آخر في كتاب التوحيد‏.‏

ولهم شيخ آخر يقال له محمد بن أبي غالب الواسطي نزيل بغداد، قال أبو نصر الكلاباذي سمع من هشيم ومات قبل القومسي بست وعشرين سنة‏.‏

قوله ‏(‏محمد بن فليح عن أبيه‏)‏ هو فليح بن سليمان المدني، وقد نزل البخاري في حديثه هذا درجتين لأنه سمع الكثير من أصحاب فليح مثل يحيى بن صالح ونزل في حديث إبراهيم بن المنذر درجة لأنه سمع منه الكثير وأخرج عنه بغير واسطة‏.‏

قوله ‏(‏بفناء الكعبة‏)‏ بكسر الفاء ثم نون ثم مد أي جانبها من قبل الباب‏.‏

قوله ‏(‏محتبيا بيده هكذا‏)‏ كذا وقع عنده مختصرا، ورويناه في الجزء السادس من ‏"‏ فوائد أبي محمد بن صاعد ‏"‏ عن محمود بن خالد عن أبي غزية وهو بفتح المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتانية وهو محمد بن موسى الأنصاري القاضي عن فليح نحوه وزاد ‏"‏ فأرانا فليح موضع يمينه على يساره موضع الرسغ ‏"‏ وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي غزية بسند آخر قال ‏"‏ حدثنا إبراهيم بن سعد عن عمر بن محمد بن زيد عن نافع ‏"‏ فذكر نحو حديث الباب دون كلام فليح، وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن أبي غزية عن فليح ولم يذكر كلام فليح أيضا، والذي يظهر أن لأبي غزية فيه شيخين، وأبو غزية ضعفه ابن معين وغيره، ووقع عند أبي داود من حديث أبي سعيد ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيديه ‏"‏ زاد البزار ‏"‏ ونصب ركبتيه ‏"‏ وأخرج البزار أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ جلس عند الكعبة فضم رجليه فأقامهما واحتبى بيديه ‏"‏ ويستثنى من الاحتباء باليدين ما إذا كان في المسجد ينتظر الصلاة فاحتبى بيديه فينبغي أن يمسك إحداهما بالأخرى كما وقعت الإشارة إليه في هذا الحديث من وضع إحداهما على رسغ الأخرى، ولا يشبك بين أصابعه في هذه الحالة، فقد ورد النهي عن ذلك عند أحمد من حديث أبي سعيد بسند لا بأس به والله أعلم‏.‏

وتقدمت مباحث التشبيك في المسجد في أبواب المساجد من كتاب الصلاة‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ لا يجوز للمحتبى أن يصنع بيديه شيئا ويتحرك لصلاة أو غيرها لأن عورته تبدو إلا إذ كان عليه ثوب يستر عورته فيجوز، وهذا بناء على أن الاحتباء قد يكون باليدين فقط وهو المعتمد، وفرق الداودي فيما حكاه عنه ابن التين بين الاحتباء والقرفصاء فقال‏:‏ الاحتباء أن يقيم رجليه ويفرج بين ركبيته ويدير عليه ثوبا ويعقده، فإن كان عليه قميص أو غيره فلا ينهى عنه، وإن لم يكن عليه شيء فهو القرفصاء‏.‏

كذا قال والمعتمد ما تقدم‏.‏

*3*باب مَنْ اتَّكَأَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ

قَالَ خَبَّابٌ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً قُلْتُ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ فَقَعَدَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من اتكأ بين يدي أصحابه‏)‏ قيل‏:‏ الاتكاء الاضطجاع، وقد مضى في حديث عمر في كتاب الطلاق ‏"‏ وهو متكئ على سرير ‏"‏ أي مضطجع، بدليل قوله ‏"‏ قد أثر السرير في جنبه ‏"‏ كذا قال عياض، وفيه نظر لأنه يصح مع عدم تمام الاضطجاع، وقد قال الخطابي‏:‏ كل معتمد على شيء متمكن منه فهو متكئ، وإيراد البخاري حديث خباب المعلق يشير به إلى أن الاضطجاع اتكاء وزيادة‏.‏

وأخرج الدارمي والترمذي وصححه هو وأبو عوانة وابن حبان عن جابر بن سمرة ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة ‏"‏ ونقل ابن العربي عن بعض الأطباء أنه كره الاتكاء، وتعقبه بأن فيه راحة كالاستناد والاحتباء‏.‏

قوله ‏(‏وقال خباب‏)‏ بفتح المعجمة وتشديد الموحدة وآخره موحدة أيضا هو ابن الأرت الصحابي، وهذا القدر المعلق طرف من حديث له تقدم موصولا في علامات النبوة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ مِثْلَهُ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ

الشرح‏:‏

حديث أبي بكرة في أكبر الكبائر وأورده من طريقين لقوله فيه ‏"‏ وكان متكئا فجلس ‏"‏ وقد تقدمت الإشارة إليه في أوائل كتاب الأدب، وورد في مثل ذلك حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة لما قال ‏"‏ أيكم ابن عبد المطلب‏؟‏ فقالوا‏:‏ ذلك الأبيض المتكئ ‏"‏ قال المهلب‏:‏ يجوز للعالم والمفتي والإمام الاتكاء في مجلسه بحضرة الناس لألم يجده في بعض أعضائه أو لراحة يرتفق بذلك ولا يكون ذلك في عامة جلوسه‏.‏

*3*باب مَنْ أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ قَصْدٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من أسرع في مشيه لحاجة‏)‏ أي لسبب من الأسباب، وقوله ‏"‏أو قصد ‏"‏ أي لأجل قصد شيء معروف، والقصد هنا بمعنى المقصود، أي أسرع لأمر المقصود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَأَسْرَعَ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ

الشرح‏:‏

حديث عقبة بن الحارث، قال ابن بطال‏:‏ فيه جواز إسراع الإمام في حاجته، وقد جاء أن إسراعه عليه الصلاة والسلام في دخوله إنما كان لأجل صدقة أحب أن يفرقها في وقته‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الذي أشار إليه متصل في حديث عقبة بن الحارث المذكور كما تقدم واضحا في كتاب الزكاة، فإنه أخرجه هناك بالإسناد الذي ذكره هنا تاما، وتقدم أيضا في صلاة الجماعة‏.‏

وقال في الترجمة ‏"‏ لحاجة أو قصد ‏"‏ لأن الظاهر من السياق أنه كان لتلك الحاجة الخاصة فيشعر بأن مشيه لغير الحاجة كان على هينته، ومن ثم تعجبوا من إسراعه، فدل على أنه وقع على غير عادته‏.‏

فحاصل الترجمة أن الإسراع في المشي إن كان لحاجة لم يكن به بأس، وإن كان عمدا لغير حاجة فلا‏.‏

وقد أخرج ابن المبارك في كتاب الاستئذان بسند مرسل أن مشية النبي صلى الله عليه وسلم كانت مشية السوقي لا العاجز ولا الكسلان‏.‏

وأخرج أيضا ‏"‏ كان ابن عمر يسرع في المشي ويقول هو أبعد من الزهو، وأسرع في الحاجة‏"‏‏.‏

قال غيره‏:‏ وفيه اشتغال عن النظر إلى ما لا ينبغي التشاغل به‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ المشي على قدر الحاجة هو السنة إسراعا وبطئا، لا التصنيع فيه ولا التهور‏.‏

*3*باب السَّرِيرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب السرير‏)‏ بمهملات وزن عظيم معروف‏.‏

ذكر الراغب أنه مأخوذ من السرور لأنه في الغالب لأولى النعمة‏.‏

قال‏:‏ وسرير الميت لشبهه به في الصورة وللتفاؤل بالسرور، وقد يعبر بالسرير عن الملك، وجمعه أسرة وسرر بضمتين، ومنهم من يفتح الراء استثقالا للضمتين، ذكر فيه حديث عائشة وهو ظاهر فيما ترجم له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَسْطَ السَّرِيرِ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ تَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا

الشرح‏:‏

حديث عائشة‏:‏ قال ابن بطال‏:‏ فيه جواز اتخاذ السرير والنوم عليه ونوم المرأة بحضرة زوجها‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ وقوله فيه وسط السرير قرأناه بسكون السين، والذي في اللغة المشهورة بفتحها‏.‏

وقال الراغب وسط الشيء يقال بالفتح للكمية المتصلة كالجسم الواحد نحو وسطه صلب، ويقال بالسكون للكمية المنفصلة بين جسمين نحو وسط القوم - قلت وهذا مما يرجح الرواية بالتحريك، ولا يمنع السكون‏.‏

ووجه إيراد هذه الترجمة وما قبلها وما بعدها في كتاب الاستئذان أن الاستئذان يستدعى دخول المنزل فذكر متعلقات المنزل استطرادا‏.‏

*3*باب مَنْ أُلْقِيَ لَهُ وِسَادَةٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من ألقي له وسادة‏)‏ ألقى بضم أوله على البناء للمجهول، وذكره لأن التأنيث ليس حقيقيا‏.‏

ويقال وسادة ووساد وهي بكسر الواو وتقولها هذيل بالهمز بدل الواو ما يوضع عليه الرأس وقد يتكأ عليه وهو المراد هنا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ زَيْدٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَحَدَّثَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي فَدَخَلَ عَلَيَّ فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ وَصَارَتْ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَقَالَ لِي أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ خَمْسًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ سَبْعًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تِسْعًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ شَطْرَ الدَّهْرِ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن شاهين الواسطي؛ وخالد شيخه هو ابن عبد الله الطحان، وقوله ‏"‏وحدثني عبد الله بن محمد ‏"‏ هو الجعفي، وعمرو بن عون من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه في الصلاة وغيرها بغير واسطة، وشيخه هو الطحان المذكور، وشيخه خالد هو ابن مهران الحذاء، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد الثاني درجة، وقد تقدم هذا الحديث عن إسحاق بن شاهين بهذا الإسناد في كتاب الصلاة، وتقدمت مباحث المتن في الصيام، وساقه المصنف هنا على لفظ عمرو بن عون، وهذا هو السر في إيراده له من هذا الوجه النازل حتى لا تتمحض إعادته بسند واحد على صفة واحدة، وقد أطرد له هذا الصنيع إلا في مواضع يسيرة إما ذهولا وإما لضيق المخرج‏.‏

قوله ‏(‏أخبرني أبو المليح‏)‏ بوزن عظيم اسمه عامر وقيل زيد بن أسامة الهذلي‏.‏

قوله ‏(‏دخلت مع أبيك زيد‏)‏ هذا الخطاب لأبي قلابة واسمه عبد الله بن زيد، ولم أر لزيد ذكرا إلا في هذا الخبر، وهو ابن عمرو وقيل ابن عامر بن ناتل بنون ومثناة ابن مالك بن عبيد الجرمي‏.‏

قوله ‏(‏فألقيت له وسادة‏)‏ قال المهلب فيه إكرام الكبير، وجواز زيارة الكبير تلميذه وتعليمه في منزله ما يحتاج إليه في دينه، وإيثار التواضع وحمل النفس عليه، وجواز رد الكرامة حيث لا يتأذى بذلك من تردد عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قَدِمَ الشَّأْمَ ح و حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّأْمِ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي جَلِيسًا فَقَعَدَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي كَانَ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ يَعْنِي حُذَيْفَةَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ كَانَ فِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي عَمَّارًا أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالْوِسَادِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى قَالَ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَقَالَ مَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يُشَكِّكُونِي وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا يحيى بن جعفر‏)‏ هو البيكندي، ويزيد هو ابن هارون، ومغيرة هو ابن مقسم، وإبراهيم هو النخعي، وقد تقدم الحديث في مناقب عمار مشروحا، وقوله فيه ‏"‏ ارزقني جليسا ‏"‏ في رواية سليمان بن حرب عن شعبة في مناقب عمار ‏"‏ جليسا صالحا ‏"‏ وكذا في معظم الروايات وقوله ‏"‏ أو ليس فيكم صاحب السواك والوساد ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الوسادة ‏"‏ يعني أن ابن مسعود كان يتولى أمر سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووساده، ويتعاهد خدمته في ذلك بالإصلاح وغيره، وقد تقدم في المناقب بزيادة ‏"‏ والمطهرة ‏"‏ وتقدم الرد على الداودي في زعمه أن المراد أن ابن مسعود لم يكن في ملكه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى هذه الأشياء الثلاثة، وقد قال ابن التين هنا‏:‏ المراد أنه لم يكن له سواهما جهازا وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه إياهما، وليس ذلك مراد أبي الدرداء، بل السياق يرشد إلى أنه أراد وصف كل واحد من الصحابة بما كان اختص به من الفضل دون غيره من الصحابة، وقضية ما قاله الداودي هناك وابن التين هنا أن يكون وصفه بالتقلل، وتلك صفة كانت لغالب من كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضلاء الصحابة والله أعلم‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ أليس فيكم أو كان فيكم ‏"‏ هو شك من شعبة، وقد رواه إسرائيل عن مغيرة‏.‏

بلفظ ‏"‏ وفيكم ‏"‏ وهي في مناقب عمار، ورواه أبو عوانة عن مغيرة بلفظ ‏"‏ أو لم يكن فيكم ‏"‏ وهي في مناقب ابن مسعود‏.‏

قوله ‏(‏الذي أجاره الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الشيطان يعني عمارا‏)‏ في رواية إسرائيل ‏"‏ الذي أجاره الله من الشيطان ‏"‏ يعني على لسان رسوله‏.‏

وفي رواية أبي عوانة ‏"‏ ألم يكن فيكم الذي أجير من الشيطان ‏"‏ وقد تقدم بيان المراد بذلك في المناقب، ويحتمل أن يكون أشير بذلك إلى ما جاء عن عمار أن كان ثابتا، فإن الطبراني أخرج من طريق الحسن البصري قال‏:‏ كان عمار يقول قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن والإنس، أرسلني إلى بئر بدر فلقيت الشيطان في صورة إنسي فصارعني فصرعته الحديث‏.‏

وفي سنده الحكم بن عطية مختلف فيه، والحسن لم يسمع من عمار‏.‏