فصل: باب الْعَجْوَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ نَاوَلَ أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْمَائِدَةِ شَيْئًا قَالَ

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ لَا بَأْسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُنَاوِلُ مِنْ هَذِهِ الْمَائِدَةِ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا‏.‏

قال ابن المبارك لا بأس أن يناول بعضهم بعضا ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى‏)‏ تقدم هذا المعنى قريبا والأثر فيه عن ابن المبارك موصول عنه في كتاب البر والصلة له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ وَقَالَ ثُمَامَةُ عَنْ أَنَسٍ فَجَعَلْتُ أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة الخياط وفيه ‏"‏ وقال ثمامة عن أنس‏:‏ فجعلت أجمع الدباء بين يديه ‏"‏ وصله قبل بابين من طريق ثمامة، وقد تقدم في ‏"‏ باب من تتبع حوالي القصعة ‏"‏ أن في رواية حميد عن أنس ‏"‏ فجعلت أجمعه فأدنيه منه ‏"‏ وهو المطابق للترجمة، لأنه لا فرق بين أن يناوله من إناء أو يضم ذلك إليه في نفس الإناء الذي يأكل منه، قال ابن بطال‏:‏ إنما جاز أن يناول بعضهم بعضا في مائدة واحدة لأن ذلك الطعام قدم لهم بأعيانهم، فلهم أن يأكلوه كله وهم فيه شركاء، وقد تقدم الأمر بأكل كل واحد مما يليه فمن ناول صاحبه مما بين يديه فكأنه آثره بنصيبه مع ماله فيه معه من المشاركة، وهذا بخلاف من كان على مائدة أخرى فإنه وإن كان للمناول حق فيما بين يديه لكن لا حق للآخر في تناوله منه إذ لا شركة له فيه، وقد أشار الإسماعيلي إلى أن قصة الخياط لا حجة فيها لجواز المناولة لأنه طعام اتخذ للنبي صلى الله عليه وسلم وقصد به، والذي جمع له الدباء بين يديه خادمه، يعني فلا حجة في ذلك لجواز مناولة الضيفان بعضهم بعضا مطلقا

*3*باب الرُّطَبِ بِالْقِثَّاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب القثاء بالرطب‏)‏ أي أكلهما معا، وقد ترجم له بعد سبعة أبواب ‏"‏ الجمع بين اللونين‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من صغار التابعين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب من صغار الصحابة‏.‏

قوله ‏(‏رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء‏)‏ قال الكرماني‏:‏ في الحديث أكل الرطب بالقثاء والترجمة بالعكس، وأجاب بأن الباء للمصاحبة أو للملاصقة، فكل منهما مصاحب للآخر أو ملاصق‏.‏

قلت‏:‏ وقد وقعت الترجمة في رواية النسفي على وفق لفظ الحديث، وهو عند مسلم عن يحيى بن يحيى وعبد الله ابن عون جميعا عن إبراهيم بن سعد بسند البخاري فيه بلفظ ‏"‏ يأكل القثاء بالرطب ‏"‏ كلفظ الترجمة، وكذلك أخرجه الترمذي، وسيأتي الكلام على الحديث في ‏"‏ باب الجمع بين اللونين‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ أَثْلَاثًا يُصَلِّي هَذَا ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابهِ تَمْرًا فَأَصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ

الشرح‏:‏

قوله في الرواية الأولى ‏(‏تضيفت‏)‏ بضاد معجمة وفاء أي نزلت به ضيفا، وقوله ‏"‏سبعا ‏"‏ أي سبع ليال‏.‏

قوله ‏(‏فكان هو وامرأته‏)‏ تقدم أنها بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة بنت غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي، وهي صحابية أخت عتبة الصحابي الجليل أمير البصرة‏.‏

قوله ‏(‏وخادمه‏)‏ لم أقف على اسمها‏.‏

قوله ‏(‏يعتقبون‏)‏ بالقاف أي يتناولون قيام الليل وقوله ‏"‏ أثلاثا ‏"‏ أي كل واحد منهم يقوم ثلث الليل، فمن بدأ إذا فرغ من ثلثه أيقظ الآخر‏.‏

قوله ‏(‏وسمعته يقول‏)‏ القائل أبو عثمان النهدي والمسموع أبو هريرة، ووقع عند أحمد والإسماعيلي في هذه الرواية بعد قوله ثم يوقظ هذا ‏"‏ قلت‏:‏ يا أبا هريرة كيف تصوم‏؟‏ قال‏:‏ أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثا، فإن حدث لي حدث كان لي أجر شهر ‏"‏ قال ‏"‏ وسمعته يقول قسم ‏"‏ وكأن البخاري حذف هذه الزيادة لكونها موقوفة‏.‏

وقد أخرج بهذا الإسناد في الصلاة التحريض على صيام ثلاثة أيام من كل شهر مرفوعا، وأخرجه في الصيام من وجه آخر عن أبي عثمان، وهو السبب في سؤال أبي عثمان أبا هريرة عن كيفية صومه - يعني من أي الشهر تصوم الثلاث المذكورة - وقد سبق بيان في كتاب الصيام‏.‏

قوله ‏(‏إحداهن حشفة‏)‏ زاد في الرواية الماضية ‏"‏ فلم يكن فيهن تمرة أعجب إلى منها ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا تَمْرًا فَأَصَابَنِي مِنْهُ خَمْسٌ أَرْبَعُ تَمَرَاتٍ وَحَشَفَةٌ ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَشَفَةَ هِيَ أَشَدُّهُنَّ لِضِرْسِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أربع تمر‏)‏ بالرفع والتنوين فيهما وهو واضح‏.‏

وفي رواية ‏"‏ أربع تمرة ‏"‏ بزيادة هاء في آخره أي كل واحدة من الأربع تمرة‏.‏

قال الكرماني‏:‏ فإن وقع بالإضافة والجر فشاذ على خلاف القياس، وإنما جاء في مثل ثلاثمائة وأربعمائة‏.‏

قوله ‏(‏وحشفة‏)‏ بمهملة ثم معجمة مفتوحتين ثم فاء‏:‏ أي رديئة، والحشف رديء التمر، وذلك أن تيبس الرطبة في النخلة قبل أن ينتهي طيبها، وقيل لها حشفة ليبسها، وقيل مراده صلبة، قال عياض‏:‏ فعلى هذا فهو بسكون الشين، قلت‏:‏ بل الثابت في الروايات بالتحريك، ولا منافاة بين كونها رديئة وصلبة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج الإسماعيلي طريق عاصم من حديث أبي يعلى عن محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا بسند البخاري فيه وزاد في آخره ‏"‏ قال أبو هريرة‏:‏ إن أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء ‏"‏ وهذا موقوف صحيح عن أبي هريرة، وكأن البخاري حذفه لكونه موقوفا ولعدم تعلقه بالباب، وقد روى مرفوعا والله أعلم‏.‏

*3*باب الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَبِعْنَا مِنْ الْأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الرطب والتمر‏)‏ كذا للجميع فيما وقفت عليه، إلا ابن بطال ففيه ‏"‏ باب الرطب بالتمر ‏"‏ وقع فيه بموحدة بدل الواو، ووقع لعياض في باب ح ل إن في البخاري ‏"‏ باب أكل التمر بالرطب ‏"‏ وليس في حديثي الباب ما يدل لذلك أصلا‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ وهزي إليك بجذع النخلة الآية‏)‏ وروى عبد بن حميد من طريق شقيق بن سلمة قال ‏"‏ لو علم الله أن شيئا للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به ‏"‏ ومن طريق عمرو بن ميمون قال ‏"‏ ليس للنفساء خير من الرطب أو التمر ‏"‏ ومن طريق الربيع بن خثيم قال ‏"‏ ليس للنفساء مثل الرطب، ولا للمريض مثل العسل ‏"‏ أسانيدها صحيحه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى من حديث على رفعه قال ‏"‏ أطعموا نفساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر ‏"‏ وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم ‏"‏ وفي إسناده ضعف‏.‏

وقد قرأ الجمهور ‏(‏تساقط‏)‏ بتشديد السين وأصله تتساقط، وقراءة حمزة وهي رواية عن أبي عمرو التخفيف على حذف إحدى التاءين، وفيها قراءات أخرى في الشواذ ثم ذكر فيه حديثين‏:‏ الأول حديث عائشة‏.‏

قوله ‏(‏وقال محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي شيخ البخاري، وسفيان هو الثوري، وقد تقدم الحديث وشرحه في أوائل الأطعمة من طريق، أخرى عن منصور وهو ابن عبد الرحمن بن طلحة العبدري ثم الشيبي الحجبي وأمه هي صفية بنت شيبة من صغار الصحابة، وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق ومن رواية ابن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري مثله، وأخرجه مسلم من رواية أبي أحمد الزبيري عن سفيان بلفظ ‏"‏ وما شبعنا ‏"‏ والصواب رواية الجماعة، فقد أخرجه أحمد ومسلم أيضا من طريق داود بن عبد الرحمن عن منصور بلفظ ‏"‏ حين شبع الناس ‏"‏ وإطلاق الأسود على الماء من باب التغليب، وكذا إطلاق الشبع موضع الري، والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فتسميهما معا باسم الأشهر منهما، وأما التسوية بين الماء والتمر مع أن الماء كان عندهم متيسرا لأن الري معه لا يحصل بدون الشبع من الطعام لمضرة شرب الماء صرفا بغير أكل، لكنها قرنت بينهما لعدم التمتع بأحدهما إذا فات ذلك من الآخر، ثم عبرت عن الأمرين الشبع والري بفعل أحدها كما عبرت عن التمر والماء بوصف أحدهما، وقد تقدم شيء من هذا في ‏"‏ باب من أكل حتى شبع‏"‏‏.‏

الثاني حديث جابر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الْجِدَادِ وَكَانَتْ لِجَابِرٍ الْأَرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ فَجَلَسَتْ فَخَلَا عَامًا فَجَاءَنِي الْيَهُودِيُّ عِنْدَ الْجَدَادِ وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ فَيَأْبَى فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ امْشُوا نَسْتَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنْ الْيَهُودِيِّ فَجَاءُونِي فِي نَخْلِي فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُ الْيَهُودِيَّ فَيَقُولُ أَبَا الْقَاسِمِ لَا أُنْظِرُهُ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ ثُمَّ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ فَأَبَى فَقُمْتُ فَجِئْتُ بِقَلِيلِ رُطَبٍ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ افْرُشْ لِي فِيهِ فَفَرَشْتُهُ فَدَخَلَ فَرَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَجِئْتُهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيَةَ ثُمَّ قَالَ يَا جَابِرُ جُدَّ وَاقْضِ فَوَقَفَ فِي الْجَدَادِ فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ وَفَضَلَ مِنْهُ فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرْتُهُ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ بِنَاءٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْرُوشَاتٍ مَا يُعَرَّشُ مِنْ الْكُرُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يُقَالُ عُرُوشُهَا أَبْنِيَتُهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أبو غسان‏)‏ هو محمد بن مطرف، وأبو حازم هو سلمة بن دينار‏.‏

قوله ‏(‏عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة‏)‏ هو المخزومي، واسم أبي ربيعة عمرو ويقال حذيفة وكان يلقب ذا الرمحين، وعبد الله بن أبي ربيعة من مسلمة الفتح وولي الجند من بلاد اليمن لعمر فلم يزل بها إلى أن جاء سنة حصر عثمان لينصره فسقط عن راحلته فمات، ولإبراهيم عنه رواية في النسائي، قال أبو حاتم إنها مرسلة، وليس لإبراهيم في البخاري سوى هذا الحديث، وأمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وله رواية عن أمه وخالته عائشة‏.‏

قوله ‏(‏كان بالمدينة يهودي‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله ‏(‏وكان يسلفني في تمري إلى الجذاذ‏)‏ بكسر الجيم ويجوز فتحها والذال معجمة ويجوز إهمالها، أي زمن قطع ثمر النخل وهو الصرام، قد استشكل الإسماعيلي ذلك وأشار إلى شذوذ هذه الرواية فقال‏:‏ هذه القصة - يعني دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في النخل بالبركة - رواها الثقات المعروفون فيما كان على والد جابر من الدين، وكذا قال ابن التين‏:‏ الذي في أكثر الأحاديث أن الدين كان على والد جابر قال الإسماعيلي والسلف إلى الجذاذ مما لا يجيزه البخاري وغيره‏.‏

وفي هذا الإسناد نظر‏.‏

قلت‏:‏ ليس في الإسناد من ينظر في حاله سوى إبراهيم، وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وروى عنه أيضا ولده إسماعيل والزهري، وأما ابن القطان فقال‏:‏ لا يعرف حاله‏.‏

وأما السلف إلى الجذذ فيعارضه الأمر بالسلم إلى أجل معلوم فيحمل على أنه وقع في الاقتصار على الجذاذ اختصار، وأن الوقت كان في أصل العقد معينا، وأما الشذوذ الذي أشار إليه فيندفع بالتعدد، فإن في السياق اختلافا ظاهرا، فهو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم برك في النخل المخلف عن والد جابر حتى وفى ما كان على أبيه من التمر كما تقدم بيان طرقه واختلاف ألفاظه في علامات النبوة، ثم برك أيضا في النخل المختص بجابر فيما كان عليه هو من الدين والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وكانت لجابر الأرض التي بطريق رومة‏)‏ فيه التفات، أو هو مدرج من كلام الراوي، لكن يرده ويعضد الأول أن في رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق الرمادي عن سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري فيه ‏"‏ وكانت لي الأرض التي بطريق رومة ‏"‏ ورومة بضم الراء وسكون الواو هي البئر التي اشتراها عثمان رضي الله عنه وسبلها وهي في نفس المدينة، وقد قيل إن رومة رجل من بني غفار كانت له البئر قبل أن يشتريها عثمان نسبت إليه، ونقل الكرماني أن في بعض الروايات ‏"‏ دومة ‏"‏ بدال بدل الراء قال ولعلها دومة الجندل‏.‏

قلت‏:‏ وهو باطل فإن دومة الجندل لم تكن إذ ذاك فتحت حتى يمكن أن يكون لجابر فيها أرض، وأيضا ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى أرض جابر وأطعمه من رطبها ونام فيها وقام فبرك فيها حتى أوفاه، فلو كانت بطريق دوم الجندل لاحتاج إلى السفر، لأن بين دومة الجندل وبين المدينة عشر مراحل كل بينه أبو عبيد البكري، وقد أشار صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏ إلى أن دومة هذه هي بئر رومة التي اشتراها عثمان وسبلها وهي داخل المدينة فكأن أرض جابر كانت بين المسجد النبوي ورومة‏.‏

قوله ‏(‏فجلست فخلا عاما‏)‏ قال عياض‏:‏ كذا للقابسي وأبي ذر وأكثر الرواة بالجيم واللام، قال‏:‏ وكان أبو مروان بن سراج يصوب هذه الرواية إلا أنه يضبطها فجلست أي بسكون السين وضم التاء على أنها مخاطبة جابر وتفسيره‏.‏

أي تأخرت عن القضاء، فخلا بفاء معجمة ولام مشددة من التخلية أو مخففة من الخلو أي تأخر السلف عاما، قال عياض‏:‏ لكن ذكر الأرض أول الحديث يدل على أن الخبر عن الأرض لا عن نفسه انتهى، فاقتضى ذلك أن ضبط الرواية عند عياض بفتح السين المهملة وسكون التاء والضمير للأرض، وبعده نخلا بنون ثم معجمة ساكنة أي تأخرت الأرض عن الإثمار من جهة النخل، قال‏:‏ ووقع للأصيلي ‏"‏ فحبست ‏"‏ بحاء مهملة ثم موحدة، وعند أبي الهيثم ‏"‏ فخاست ‏"‏ بعد الخاء المعجمة ألف أي خالفت معهودها وحملها، يقال خاس عهده إذا خانه أو تغير عن عادته وخاس الشيء إذا تغير قال وهذه الرواية أثبتها‏.‏

قلت‏:‏ وحكى غيره ‏"‏ خنست ‏"‏ بخاء معجمة ثم نون أي تأخرت، ووقع في رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ بهذه الصورة، فما أدري بحاء مهملة ثم موحدة أو بمعجمة ثم نون‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي فخنست علي عاما وأظنها بمعجمة ثم سين مهملة ثقيلة وبعدها على بفتحتين وتشديد التحتانية، فكأن الذي وقع في الأصل بصورة نخلا وكذا فخلا تصحيف من هذه اللفظة، وهي على كتب الياء بألف ثم حرف العين والعلم عند الله‏.‏

ووقع في رواية أبي ذر عن المستملي ‏"‏ قال محمد بن يوسف ‏"‏ هو الفربري قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال محمد بن إسماعيل هو البخاري فحلا ليس عندي مقيدا أي مضبوطا ثم قال ‏"‏ فخلا ليس فيه شك‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم توجيهه، لكني وجدته في النسخة بجيم وبالحاء المعجمة أظهر‏.‏

قوله ‏(‏ولم أجد‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الجيم بشديد الدال‏.‏

قوله ‏(‏أستنظره‏)‏ أي أستمهله ‏(‏إلى قابل‏)‏ أي إلى عام ثان‏.‏

قوله ‏(‏فأخبر‏)‏ بضم الهمزة وكسر الموحدة وفتح الراء على الفعل الماضي المبني للمجهول، ويحتمل أن يكون بضم الراء على صيغة المضارعة والفاعل جابر، وذكره كذلك مبالغة في استحضار صورة الحال، ووقع في رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ فأخبرت‏.‏

قوله ‏(‏فيقول أبا القاسم لا أنظره‏)‏ كذا فيه بحذف أداة النداء‏.‏

قوله ‏(‏أين عريشك‏)‏ أي المكان الذي اتخذته في البستان لتستظل به وتقيل فيه، وسيأتي الكلام عليه في آخر الحديث‏.‏

قوله ‏(‏فجئته بقبضة أخرى‏)‏ أي من طب‏.‏

قوله ‏(‏فقام في الرطاب في النخل الثانية‏)‏ أي المرة الثانية‏.‏

وفي رواية أبي نعيم ‏"‏ فقام فطاف ‏"‏ بدل قوله في الرطاب‏.‏

قوله ‏(‏ثم قال يا جابر جذ‏)‏ فعل أمر بالجذاذ ‏(‏واقض‏)‏ أي أوف‏.‏

قوله ‏(‏فقال أشهد أني رسول الله‏)‏ قال ذلك صلى الله عليه وسلم لما فيه من خرق العادة الظاهر من إيفاء الكثير من القليل الذي لم يكن يظن أنه يوفي منه البعض فضلا عن الكل فضلا عن أن تفضل فضلة فضلا عن أن يفضل قدر الذي كان عليه من الدين‏.‏

قوله ‏(‏عرش وعريش بناء‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك، يقال عروشها أبنيتها‏)‏ ثبت هذا في رواية المستملي، والنقل عن ابن عباس في ذلك تقدم موصولا في أول سورة الأنعام، وفيه النقل عن غيره بأن المعروش من الكرم ما يقوم على ساق، وغير المعروش ما يبسط على وجه الأرض، وقوله عرش وعريش بناء هو تفسير أبي عبيدة، وقد تقدم نقله عنه في تفسير الأعراف، وقوله ‏"‏عروشها أبنيتها ‏"‏ هو تفسير قوله ‏"‏ خاوية على عروستها ‏"‏ وهو تفسير أبي عبيدة أيضا، والمراد هنا تفسير عرش جابر الذي رقد النبي صلى الله عليه وسلم عليه، فالأكثر على أن المراد به ما يستظل به، وقيل المراد به السرير، قال ابن التين‏:‏ في الحديث أنهم كانوا لا يخلون من دين لقلة الشيء إذ ذاك عندهم، وأن الاستعاذة من الدين أريد بها الكثير منه أو ما لا يجد له وفاء، ومن ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير أخذه لأهله‏.‏

وفيه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ودخول البساتين والقيلولة فيها والاستظلال بظلالها، والشفاعة في إنظار الواجد غير العين التي استحقت عليه ليكون أرفق به‏.‏

*3*باب أَكْلِ الْجُمَّارِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب أكل الجمار‏)‏ بضم الجيم وتشديد الميم، ذكر فيه حديث ابن عمر في النخلة، وقد تقدم شرحه في كتاب العلم مستوفى، وتقدم الكلام على خصوص الترجمة بأكل الجمار في كتاب البيوع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ إِذَا أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي النَّخْلَةَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ فَسَكَتُّ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في النخلة، قد تقدم شرحه في كتاب العلم مستوفى‏.‏

*3*باب الْعَجْوَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب العجوة‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الجيم نوع من التمر معروف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا جُمْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا جمعة‏)‏ بضم الجيم وسكون الميم ‏(‏ابن عبد الله‏)‏ أي ابن زياد بن شداد السلمي أبو بكر البلخي، يقال إن اسمه يحيى وجمعه لقبه‏.‏

ويقال له أيضا أبو خاقان، كان من أئمة الرأي أولا ثم صار من أئمة الحديث قاله ابن حبان في الثقات، ومات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وماله في البخاري بل ولا في الكتب الستة سوى هذا الحديث، وسيأتي شرح حديث العجوة في كتاب الطب إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله هنا ‏"‏ من تصبح كل يوم سبع تمرات ‏"‏ وقع في نسخة الصغاني بزيادة الباء في أوله فقال ‏"‏ بسبع‏"‏‏.‏

*3*باب الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب القران‏)‏ بكسر القاف وتخفيف الراء، أي ضم تمرة إلى تمرة لمن أكل مع جماعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ قَالَ أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَرَزَقَنَا تَمْرًا فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ وَيَقُولُ لَا تُقَارِنُوا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقِرَانِ ثُمَّ يَقُولُ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ قَالَ شُعْبَةُ الْإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏جبلة‏)‏ بفتح الجيم والموحدة الخفيفة‏.‏

قوله ‏(‏ابن سحيم‏)‏ بمهملتين مصغر كوفي تابعي ثقة ماله في البخاري عن غير ابن عمر رضي الله عنهما شيء‏.‏

قوله ‏(‏أصابنا عام سنة‏)‏ بالإضافة أي عام قحط، وقع في رواية أبي داود الطيالسي مسنده عن شعبة ‏"‏ أصابتنا مخمصة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏مع ابن الزبير‏)‏ يعني عبد الله لما كان خليفة، وتقدم في المظالم من وجه آخر عن شعبة بلفظ ‏"‏ كنا بالمدينة في بعض أهل العراق‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فرزقنا تمرا‏)‏ أي أعطانا في أرزاقنا تمرا، وهو القدر الذي يصرف لهم في كل سنة من مال الخراج وغيره بدل النقد تمرا لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي حصلت‏.‏

قوله ‏(‏ويقول لا تقارنوا‏)‏ في رواية أبي الوليد في الشركة ‏"‏ فيقول لا تقرنوا ‏"‏ وكذا لأبي داود الطيالسي في مسنده‏.‏

قوله ‏(‏عن الإقران‏)‏ كذا لأكثر الرواة وقد أوضحت في كتاب الحج أن اللغة الفصحى بغير ألف، وقد أخرجه أبو داود الطيالسي بلفظ ‏"‏ القرآن ‏"‏ وكذلك قال أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة‏.‏

وقال عن محمد بن جعفر عن شعبة ‏"‏ الإقران ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ ووقع عند جميع رواة مسلم ‏"‏ الإقران ‏"‏ وفي ترجمة أبي داود ‏"‏ باب الإقران في التمر وليست هذه اللفظة معروفة، وأقرن من الرباعي وقرن من الثلاثي وهو الصواب، قال الفراء‏:‏ قرن بين الحج، والعمرة ولا يقال أقرن، وإنما يقال أقرن لما قوى عليه وأطاقه، ومنه قوله تعالى ‏(‏وما كنا له مقرنين‏)‏ قال‏:‏ لكن جاء في اللغة أقرن الدم في العرق أي كثر فيحمل حمل الإقران في الخبر على ذلك، فيكون معناه أنه نهى عن الإكثار من أكل التمر إذا كان مع غيره، ويرجع معناه إلى القران المذكور‏.‏

قلت‏:‏ لكن يصير أغم منه‏.‏

والحق أن هذه اللفظة من اختلاف الرواة، وقد ميز أحمد بين من رواه بلفظ أقرن وبلفظ قرن من أصحاب شعبة، وكذا قال الطيالسي عن شعبة القرآن، ووقع في رواية الشيباني الإقران‏.‏

وفي رواية مسعر القرآن‏.‏

قوله ‏(‏ثم يقول إلا أن يستأذن الرجل أخاه‏)‏ أي فإذا أذن له في ذلك جاز، والمراد بالأخ رفيقه الذي اشترك معه في ذلك التمر‏.‏

قوله ‏(‏قال شعبة‏:‏ الإذن من قول ابن عمر‏)‏ هو موصول بالسند الذي قبله، وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة مدرجا، وكذا تقدم في الشركة عن أبي الوليد وللإسماعيلي، وأصله لمسلم كذلك عن معاذ بن معاذ، وكذا أخرجه أحمد عن يزيد وبهز وغيرهما عن شعبة، وتابع آدم على فصل الموقوف من المرفوع شبابة بن سوار عن شعبة أخرجه الخطيب من طريقه مثل ما ساقه آدم إلى قوله ‏"‏ الإقران، قال ابن عمر إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه ‏"‏ وكذا قال عاصم بن علي عن شعبة ‏"‏ أرى الإذن من قول ابن عمر ‏"‏ أخرجه الخطيب، وقد فصله أيضا عن شعبة سعيد بن عامر الضبعي فقال في روايته، قال شعبة ‏"‏ إلا أن يستأذن أحدكم أخاه ‏"‏ هو من قول ابن عمر، أخرجه الخطيب أيضا إلا أن سعيدا أخطأ في اسم التابعي فقال ‏"‏ عن شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ‏"‏ والمحفوظ ‏"‏ حبلة بن سحيم ‏"‏ كما قال الجماعة‏.‏

والحاصل أن أصحاب شعبة اختلفوا فأكثرهم رواه عنه مدرجا‏:‏ وطائفة منهم رووا عنه التردد في كون هذه الزيادة مرفوعة أو موقوفة، وشبابة فصل عنه، وآدم جزم عنه بأن الزيادة من قول ابن عمر، وتابعه سعيد بن عامر إلا أنه خالف في التابعي، فلما اختلفوا على شعبة وتعارض جزمه وتردده وكان الذي رووا عنه التردد أكثر نظرنا فيمن رواه غيره من التابعين فرأيناه قد ورد عن سفيان الثوري وابن إسحاق الشيباني ومسعر وزيد بن أبي أنيسة، فأما الثوري فتقدمت روايته في الشركة ولفظه ‏"‏ نهى أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه ‏"‏ وهذا ظاهره الرفع مع احتمال الإدراج، وأما رواية الشيباني فأخرجها أحمد وأبو داود بلفظ ‏"‏ نهى عن الإقران إلا أن تستأذن أصحابك ‏"‏ والقول فيها كالقول في رواية الثوري، وأما رواية زيد بن أبي أنيسة فأخرجها ابن حبان في النوع الثامن والخمسين من القسم الثاني من صحيحه بلفظ ‏"‏ من أكل من قول من تمر فلا يقرن، فإن أراد أن يفعل ذلك فليستأذنهم، فإن أذنوا فليفعل ‏"‏ وهذا أظهر في الرفع مع احتمال الإدراج أيضا‏.‏

ثم نظرنا فيمن رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ابن عمر فوجدناه عن أبي هريرة وسياقه يقتضي أن الأمر بالاستئذان مرفوع، وذلك أن إسحاق في مسنده ومن طريقه ابن حبان أخرجا من طريق الشعبي عن أبي هريرة قال كنت في أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر عجوة فكب بيننا فكنا نأكل الثنتين من الجوع، فجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم قال لصاحبه إني قد قرنت فاقرنوا ‏"‏ وهذا الفعل منهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دال على أنه كان مشروعا لهم معروفا، وقول الصحابي ‏"‏ كنا نفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كذا ‏"‏ له حكم الرفع عند الجمهور‏.‏

وأصرح منه ما أخرجه البزار من هذا الوجه ولفظه ‏"‏ قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا بين أصحابه فكان بعضهم يقرن، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن إلا بإذن أصحابه ‏"‏ فالذي ترجح عندي أن لا إدراج فيه‏.‏

وقد اعتمد البخاري هذه الزيادة وترجم عليها في كتاب المظالم وفي الشركة، ولا يلزم من كون ابن عمر ذكر الإذن مرة غير مرفوع أن لا يكون مستنده فيه الرفع، وقد ورد أنه استفتي في ذلك فأفتى، والمفتي قد لا ينشط في فتواه إلى بيان المستند، فأخرج النسائي من طريق مسعر عن صلة قال ‏"‏ سئل ابن عمر عن قران التمر قال‏:‏ لا تقرن، إلا أن تستأذن أصحابك‏"‏، فيحمل على أنه لما حدث بالقصة ذكرها كلها مرفوعة، ولما استفتي أفتى بالحكم الذي حفظه على وقفه‏.‏

ولم يصرح حينئذ برفعه والله أعلم‏.‏

وقد اختلف في حكم المسألة‏:‏ قال النووي‏:‏ اختلفوا في هذا النهي هل هو على التحريم أو الكراهة‏؟‏ والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، ويحصل بتصريحهم أو بما يقوم مقامه من قرينة حال بحيث يغلب على الظن ذلك، فإن كان الطعام لغيرهم حرم وإن كان لأحدهم وأذن لهم في الأكل اشترط رضاه، ويحرم لغيره ويجوز له هو إلا أنه يستحب أن يستأذن الآكلين معه، وحسن للمضيف أن لا يقرن ليساوي ضيفه، إلا إن كان الشيء كثيرا يفضل عنهم، مع أن الأدب في الأكل مطلقا ترك ما يقتضي الشره، إلا أن يكون مستعجلا بريد الإسراع نشغل آخر‏.‏

وذكر الخطابي أن شرط هذا الاستئذان إنما كان في زمنهم حيث كانوا في قلة من الشيء‏.‏

فأما اليوم مع اتساع الحال فلا يحتاج إلى استئذان‏.‏

وتعقبه النووي بأن الصواب التفصيل، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كيف وهو غير ثابت‏.‏

قلت‏:‏ حديث أبي هريرة الذي قدمته يرشد إليه وهو قوي، وقصة ابن الزبير في حديث الباب كذلك‏.‏

وقال ابن الأثير في النهاية‏:‏ إنما وقع النهي عن القران لأن فيه شرها وذلك يزري بصاحبه، أو لأن فيه غبنا برفيقه، وقيل إنما نهى عنه لما كانوا فيه من شدة العيش وقلة الشيء، وكانوا مع ذلك يواسون من القليل وإذا اجتمعوا ربما آثر بعضهم بعضا، وقد يكون فيهم من اشتد جوعه حتى يحمله ذلك على القرن بين التمرتين أو تعظيم اللقمة فأرشدهم إلى الاستئذان في ذلك تطيبا لنفوس الباقين، وأما قصة جبلة بن سحيم فظاهرها أنها من أجل الغبن ولكون ملكهم فيه سواء، وروى نحوه عن أبي هريرة في أصحاب الصفة انتهى‏.‏

وقد أخرج ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ وهو في ‏"‏ مسند البزار ‏"‏ من طريق ابن بريدة عن أبيه رفعه ‏"‏ كنت نهيتكم عن القرآن في التمر، وأن الله وسع عليكم فاقرنوا ‏"‏ فلعل النووي أشار إلى هذا الحديث فإن في إسناده ضعفا، قال الحازمي‏:‏ حديث النهي أصح وأشهر، إلا أن الخطب فيه يسير، لأنه ليس من باب العبادات وإنما هو من قبيل المصالح الدنيوية فيكفي فيه بمثل ذلك، ويعضده إجماع الأمة على جواز ذلك‏.‏

كذا قال، ومراده بالجواز في حال كون الشخص مالكا لذلك المأكول ولو بطريق الإذن له فيه كما قرره النووي، وإلا فلم يجز أحد من العلماء أن يستأثر أحد بمال غيره بغير إذنه، حتى لو قامت قرينة تدل على أن الذي وضع الطعام بين الضيفان لا يرضيه استئثار بعضهم على بعض حرم الاستئثار جزما، وإنما تقع المكارمة في ذلك إذا قامت قرينة الرضا‏.‏

وذكر أبو موسى المديني في ‏"‏ ذيل الغريبين ‏"‏ عن عائشة وجابر استقباح القران لما فيه من الشره والطمع المزري بصاحبه‏.‏

وقال مالك‏:‏ ليس بجميل أن يأكل أكثر من رفقته‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ في معنى التمر الرطب وكذا الزبيب والعنب ونحوهما، لوضوح العلة الجامعة‏.‏

قال القرطبي‏:‏ حمل أهل الظاهر هذا النهي على التحريم، وهو سهو منهم وجهل بمساق الحديث وبالمعنى، وحمله الجمهور على حال المشاركة في الأكل والاجتماع عليه بدليل فهم ابن عمر راويه وهو أفهم للمقال وأقعد بالحال‏.‏

وقد اختلف العلماء ممن يوضع الطعام بين يديه متى يملكه‏؟‏ فقيل بالوضع، وقيل بالرفع إلى فيه وقيل غير ذلك، فعلى الأول فملكهم قيه سواء، فلا يجوز أن يقرن إلا بإذن الباقين، وعلى الثاني يجوز أن يقرن؛ لكن التفصيل الذي تقدم هو الذي تقتضيه القواعد الفقهية‏.‏

نعم ما يوضع بين يدي الضيفان وكذلك النثار في الأعراس سبيله في العرف سبيل المكارمة لا التشاح، لاختلاف الناس في مقدار الأكل، وفي الاحتياج إلى التناول من الشيء، ولو حمل الأمر على تساوي السهمان بينهم لضاق الأمر على الواضع والموضوع له، ولما ساغ لمن لا يكفيه اليسير أن يتناول أكثر من نصيب من يشبعه اليسير، ولما لم يتشاح الناس في ذلك وجرى عملهم على المسامحة فيه عرف أن الأمر في ذلك ليس على الإطلاق في كل حالة، والله أعلم‏.‏

*3*باب الْقِثَّاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب القثاء‏)‏ يأتي شرح حديثه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ

الشرح‏:‏

يأتي شرح الحديث في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب بَرَكَةِ النَّخْلِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب بركة النخلة‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم التنبيه عليه قريبا وأنه مر شرحه مستوفي في كتاب العلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ وَهِيَ النَّخْلَةُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر مختصرا قد تقدم التنبيه عليه قريبا وأنه مر شرحه مستوفي في كتاب العلم‏.‏

*3*باب جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ أَوْ الطَّعَامَيْنِ بِمَرَّةٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب جمع اللونين أو الطعامين بمرة‏)‏ أي في حالة واحدة، ورأيت في بعض الشروح ‏"‏ بمرة مرة ‏"‏ ولم أر التكرار في الأصول، ولعل البخاري لمح إلى تضعيف حديث أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بإناء - أو بقعب - فيه لبن وعسل فقال‏:‏ أدمان في إناء، لا آكله ولا أحرمه ‏"‏ أخرجه الطبراني وفيه راو مجهول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، وقد تقدم إخراج البخاري لهذا الحديث قبل هذا الباب سواء وكذا فيما قبله بأبواب بأعلى من هذا درجة والسبب في ذلك أن مداره على إبراهيم بن سعد، قال الترمذي صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديثه‏.‏

قوله ‏(‏يأكل الرطب بالقثاء‏)‏ وقع في رواية الطبراني كيفية أكله لهما، فأخرج في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من حديث عبد الله بن جعفر قال ‏"‏ رأيت في يمين النبي صلى الله عليه وسلم قثاء وفي شماله رطبا وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة ‏"‏ وفي سنده ضعف‏.‏

وأخرج فيه وهو في الطب لأبي نعيم من حديث أنس ‏"‏ كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه ‏"‏ وسنده ضعيف أيضا‏.‏

وأخرج النسائي بسند صحيح عن حميد عن أنس ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرطب والخربز ‏"‏ وهو بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الموحدة بعدها زاي نوع من البطيخ الأصفر، وقد تكبر القثاء فتصفر من شدة الحر فتصير كالخربز كما شاهدته كذلك بالحجاز، وفي هذا تعقب على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث الأخضر، واعتل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب، وقد ورد التعليل بأن أحدهما يطفئ حرارة الأخر، والجواب عن ذلك بأن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة وإن كان فيه - لحلاوته - طرف حرارة، والله أعلم‏.‏

وفي النسائي أيضا بسند صحيح عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل البطيخ بالرطب ‏"‏ وفي رواية له جمع بين البطيخ والرطب جميعا‏.‏

وأخرج ابن ماجه عن عائشة ‏"‏ أرادت أمي تعالجني للسمنة لتدخلني على النبي صلى الله عليه وسلم فما استقام لها ذلك حتى أكلت الرطب بالقثاء فسمنت كأحسن سمنة ‏"‏ وللنسائي من حديثها ‏"‏ لما تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم عالجوني بغير شيء، فأطعموني القثاء بالتمر فسمنت عليه كأحسن الشحم ‏"‏ وعند أبي نعيم في الطب من وجه آخر عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبويها بذلك ‏"‏ ولابن ماجه من حديث ابن بسر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الزبد والتمر ‏"‏ الحديث، ولأحمد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه قال ‏"‏ دخلت على رجل وهو يتمجع لبنا بتمر فقال‏:‏ ادن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهما الأطيبين ‏"‏ وإسناده قوي، قال النووي‏:‏ في حديث الباب جواز أكل الشيئين من الفاكهة وغيرها معا وجواز أكل طعامين معا، ويؤخذ منه جواز التوسع في المطاعم، ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك‏.‏

وما نقل عن السلف من خلاف هذا محمول على الكراهة منعا لاعتياد التوسع والترفه والإكثار لغير مصلحة دينية‏.‏

وقال القرطبي، يؤخذ منه جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق بها على قاعدة الطب، لأن في الرطب حرارة وفي القثاء برودة، فإذا أكلا معا اعتدلا، وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية‏.‏

وترجم أبو نعيم في الطب ‏"‏ باب الأشياء التي تؤكل مع الرطب ليذهب ضرره ‏"‏ فساق هذا الحديث، لكن لم يذكر الزيادة التي ترجم بها، وهي عند أبي داود في حديث عائشة بلفظ ‏"‏ كان يأكل البطيخ بالرطب فيقول‏:‏ يكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا ‏"‏ والطبيخ بتقديم الطاء لغة في البطيخ بوزنه، والمراد به الأصفر بدليل ورود الحديث بلفظ الخربز بدل البطيخ، وكان يكثر وجوده بأرض الحجاز بخلاف البطيخ الأخضر‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ سقطت هذا الترجمة وحديثها من رواية النسفي، ولم يذكرهما الإسماعيلي أيضا‏.‏

*3*باب مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً وَالْجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من أدخل الضيفان عشرة عشرة، والجلوس على الطعام عشرة عشرة‏)‏ أي إذا احتيج إلى ذلك لضيق الطعام أو مكان الجلوس عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ ح وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ قَالَ وَمَنْ مَعِي فَجِئْتُ فَقُلْتُ إِنَّهُ يَقُولُ وَمَنْ مَعِي فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَدَخَلَ فَجِيءَ بِهِ وَقَالَ أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ قَالَ أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ قَالَ أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن الجعد أبي عثمان عن أنس، وعن هشام عن محمد عن أنس، وعن سنان أبي ربيعة عن أنس‏)‏ هذه الأسانيد الثلاثة لحماد بن زيد، وهشام هو ابن حسان، ومحمد هو ابن سيرين، وسنان أبو ربيعة قال عياض وقع في رواية ابن السكن سنان بن أبي ربيعة وهو خطأ وإنما هو سنان أبو ربيعة وأبو ربيعة كنيته‏.‏

قلت‏:‏ الخطأ فيه ممن دون ابن السكن، وسنان هو ابن ربيعة وهو أبو ربيعة وافقت كنيته اسم أبيه، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وهو مقرون بغيره، وقد تكلم فيه ابن معين وأبو حاتم‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ له أحاديث قليلة، وأرجو أنه لا بأس به‏.‏

قوله ‏(‏جشته‏)‏ بجيم وشين معجمة أي جعلته جشيشا، والجشيش دقيق غير ناعم‏.‏

قوله ‏(‏خطيفة‏)‏ بخاء معجمة وطاء مهملة وزن عصيدة ومعناه، كذا تقدم الجزم به في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ وقيل أصله أن يؤخذ لبن ويدر عليه دقيق ويطبخ ويلعقها الناس فيخطفونها بالأصابع والملاعق فسميت بذلك، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، وقد تقدم شرح هذه القصة مستوفى في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ وسياق الحديث هناك أتم مما هنا‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ إنما هو شيء صنعته أم سليم ‏"‏ أي هو شيء قليل، لأن الذي يتولى صنعته امرأة بمفردها لا يكون كثيرا في العادة، وقد قدمت في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ أن في بعض روايات مسلم ما يدل على أن في سياق الباب هنا اختصارا مثل قوله في رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس ‏"‏ فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك، ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى ‏"‏ وفي رواية عمرو بن عبد الله عن أنس ‏"‏ فقال أبو طلحة‏:‏ إنما هو قرص، فقال‏:‏ إن الله سيبارك فيه ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ الاجتماع على الطعام من أسباب البركة، وقد روى أبو داود من حديث وحشي بن حرب رفعه ‏"‏ اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم ‏"‏ قال‏:‏ وإنما أدخلهم عشرة عشرة والله أعلم لأنها كانت قصعة واحدة ولا يمكن الجماعة الكثيرة أن يقدروا على التناول منها مع قلة الطعام، فجعلهم عشرة عشرة ليتمكنوا من الأكل ولا يزدحموا، قال‏:‏ وليس في الحديث المنع عن اجتماع أكثر من عشرة على الطعام‏.‏

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الثُّومِ

وَالْبُقُولِ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يكره من الثوم والبقول‏)‏ أي التي لها رائحة كريهة، وهل النهي عن دخول المسجد لأكلها على التعميم أو على من أكل النيئ منها دون المطبوخ‏؟‏ وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة‏.‏

ثم ذكر المصنف ثلاثة أحاديث أحدها قوله ‏(‏فيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ تقدم في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة من رواية نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر ‏"‏ من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا ‏"‏ ووقع لنا سبب هذا الحديث‏:‏ فأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في ‏"‏ كتاب الأطعمة ‏"‏ من رواية أبي عمرو هو بشر بن حرب عنه قال ‏"‏ جاء قوم مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقد أكلوا الثوم والبصل، فكأنه تأذى بذلك فقال ‏"‏ فذكره‏.‏

ثانيها حديث أنس أورده عن مسدد، وتقدم في الصلاة عن أبي معمر، كلاهما عن عبد الوارث وهو ابن سعيد عن عبد العزيز هو ابن صهيب‏.‏

ثالثها حديث جابر، وقد تقدم أيضا هناك موصولا ومعلقا وفيه ذكر البقول، ولكنه اختصره هنا‏.‏

وقوله ‏"‏كل فإني أناجي من لا تناجي ‏"‏ فيه إباحته لغير صلى الله عليه وسلم حيت لا يتأذى به المصلون جمعا بين الأحاديث‏.‏

واختلف في حقه هو صلى الله عليه وسلم فقيل‏:‏ كان ذلك محرما عليه، والأصح أنه مكروه لعموم قوله ‏"‏ لا ‏"‏ في جواب أحرام هو‏؟‏ وحجة الأول أن العلة في المنع ملازمة الملك له صلى الله عليه وسلم، وأنه ما من ساعة إلا وملك يمكن أن يلقاه فيها‏.‏

وفي هذه الأحاديث بيان جواز أكل الثوم والبصل والكراث، إلا أن من أكلها يكره له حضور المسجد، وقد ألحق بها الفقهاء ما في معناها من البقول الكريهة الرائحة كالفجل، وقد ورد فيه حديث في الطبراني وقيده عياض بمن يتجشى منه، وألحق به بعض الشافعية الشديد البخر ومن به جراحة تفوح رائحتها، واختلف في الكراهية‏:‏ فالجمهور على التنزيه، وعن الظاهرية التحريم، وأغرب عياض فنقل عن أهل الظاهر تحريم تناول هذه الأشياء مطلقا لأنها تمنع حضور الجماعة، والجماعة فرض عين، ويكن صرح ابن حزم بالجواز، ثم يحرم على من يتعاطى ذلك حضور المسجد، وهو أعلم بمذهبه من غيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ قِيلَ لِأَنَسٍ مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الثُّومِ فَقَالَ مَنْ أَكَلَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا

الشرح‏:‏

-8144 سبق شرحه بالباب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا زَعَمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا

الشرح‏:‏

-8144 سبق شرحه بالباب

*3*باب الْكَبَاثِ وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الكباث‏)‏ بفتح الكاف وتخفيف الموحدة وبعد الألف مثلثه‏.‏

قوله ‏(‏وهو ورق الأراك‏)‏ كذا وقع في رواية أبي ذر عن مشايخه وقال‏:‏ كذا في الرواية، والصواب ثمر الأراك انتهى‏.‏

ووقع للنسفي ثمر الأراك وللباقين على الوجهين‏.‏

ووقع عند الإسماعيلي وأبي نعيم وابن بطال ورق الأراك، وتعقبه الإسماعيلي فقال‏:‏ إنما هو ثمر الأراك وهو البرير - يعني بموحدة وزن الحرير - فإذا أسود فهو الكباث‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ الكباث ثمر الأراك الغض منه، والبرير ثمر الرطب واليابس‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قوله ورق الأراك ليس بصحيح، والذي في اللغة أنه ثمر الأراك، وقيل هو نضيجه، فإذا كان طريا فهو موز، وقيل عكس ذلك وأن الكباث الطري‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم قال أبو زياد‏:‏ يشبه التين يأكله الناس والإبل والغنم‏.‏

وقال أبو عمرو هو حار كأن فيه ملحا انتهى‏.‏

وقال عياض‏:‏ الكباث ثمر الأراك وقيل نضيجه وقيل غضه، قال شيخنا ابن الملقن‏:‏ والذي رأيناه من نسخ البخاري ‏"‏ وهو ثمر الأراك ‏"‏ على الصواب، كذا قال‏.‏

وقال الكرماني وقع في نسخة البخاري ‏"‏ وهو ورق الأراك ‏"‏ قيل وهو خلاف اللغة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَيْطَبُ فَقَالَ أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ قَالَ نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا رَعَاهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏بمر الظهران‏)‏ بتشديد الراء قبلها ميم مفتوحة والظاء معجمة بلفظ تثنية الظهر، مكان معروف على مرحلة من مكة‏.‏

قوله ‏(‏نجني‏)‏ أي نقتطف‏.‏

قوله ‏(‏فإنه أيطب‏)‏ كذا وقع هنا، وهو لغة بمعنى أطيب وهو مقلوبه، كما قالوا جذب وجبذ‏.‏

قوله ‏(‏فقيل أكنت ترعى الغنم‏)‏ ‏؟‏ في السؤال اختصار والتقدير‏:‏ أكنت ترعى الغنم حتى عرفت أطيب الكباث‏؟‏ لأن راعي الغنم يكثر تردده تحت الأشجار لطلب المرعى منها والاستظلال تحتها، وقد تقدم بيان ذلك في قصة موسى من أحاديث الأنبياء، وتقدم الكلام على الحكمة في رعي الأنبياء الغنم في أوائل الإجارة، وأفاد ابن التين عن الداودي أن الحكمة في اختصاصها بذلك لكونها لا تركب فلا تزهو نفس راكبها، قال‏:‏ وفيه إباحة أكل ثمر الشجر الذي لا يملك، قال ابن بطال كان هذا في أول الإسلام عند عدم الأقوات، فإذ قد أعنى الله عباده بالحنطة أو الحبوب الكثيرة وسعة الرزق فلا حاجة بهم إلى ثمر الأراك‏.‏

قلت‏:‏ إن أراد بهذا الكلام الإشارة إلى كراهة تناوله فليس بمسلم، ولا يلزم من وجود ما ذكر منع ما أبيح بغير ثمن، بل كثير من أهل الورع لهم رغبة في مثل هذه المباحات أكثر من تناول ما يشتري والله أعلم‏.‏

تكملة‏:‏ أخرج البيهقي هذا الحديث في كتاب ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق عبيد بن شريك عن يحيى بن بكير بسنده الماضي في أحاديث الأنبياء إلى جابر فذكر هذا الحديث وقال في آخره ‏"‏ وقال إن ذلك كان يوم بدر يوم جمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ رواه البخاري عن يحيى بن بكير دون التاريخ، يعني دون قوله ‏"‏ إن ذلك كان إلخ ‏"‏ وهو قال، ولعل هذه الزيادة من ابن شهاب أحد رواته‏.‏