فصل: باب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صوم يوم عرفة‏)‏ أي ما حكمه‏؟‏ وكأنه لم تثبت الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه وأصحها حديث أبي قتادة ‏"‏ أنه يكفر سنة آتية وسنة ماضية ‏"‏ أخرجه مسلم وغيره، والجمع بينه وبين حديثي الباب أن يحمل على غير الحاج أو على من لم يضعفه صيامه عن الذكر والدعاء المطلوب للحاج كما سيأتي تفصيل ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْهُ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني سالم‏)‏ هو أبو النضر المذكور في الطريق الثانية وهو بكنيته أشهر، وربما جاء باسمه وكنيته معا فيقال حدثنا سالم أبو النضر، وإنما ساق البخاري الطريق الأولى مع نزولها لما فيها من التصريح بالتحديث في المواضع التي وقعت بالعنعنة في الطريق الثانية مع علوها، وما أكثر ما يحرص البخاري على ذلك في هذا الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمير مولى أم الفضل‏)‏ هو عمير مولى ابن عباس، فمن قال مولى أم الفضل فباعتبار أصله ومن قال مولى ابن عباس فباعتبار ما آل إليه حاله، لأن أم الفضل هي والدة ابن عباس وقد انتقل إلى ابن عباس ولاء موالي أمه‏.‏

وليس لعمير في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه أيضا في الحج في موضعين وفي الأشربة في ثلاثة مواضع، وحديث آخر تقدم في التيمم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن ناسا تماروا‏)‏ أي اختلفوا، ووقع عند الدار قطني في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ من طريق أبي نوح عن مالك ‏"‏ اختلف ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في صوم النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا يشعر بأن صوم يوم عرفة كان معروفا عندهم معتادا لهم في الحضر، وكأن من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة، ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافرا، وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأرسلت‏)‏ سيأتي في الحديث الذي يليه أن ميمونة بنت الحارث هي التي أرسلت، فيحتمل التعدد، ويحتمل أنهما معا أرسلتا فنسب ذلك إلى كل منهما لأنهما كانتا أختين فتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها في ذلك لكشف الحال في ذلك ويحتمل العكس، وسيأتي الإشارة إلى تعيين كون ميمونة هي التي باشرت الإرسال‏.‏

ولم يسم الرسول في طرق حديث أم الفضل، لكن روى النسائي من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك، ويقوي ذلك أنه كان ممن جاء عنه أنه أرسل إما أمه وإما خالته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو واقف على بعيره‏)‏ زاد أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق يحيى بن سعيد عن مالك ‏"‏ وهو يخطب الناس بعرفة ‏"‏ وللمصنف في الأشربة من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن أبي النضر ‏"‏ وهو واقف عشية عرفة ‏"‏ ولأحمد والنسائي من طريق عبد الله بن عباس عن أمه أم الفضل ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فشربه‏)‏ زاد في حديث ميمونة ‏"‏ والناس ينظرون‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلَابٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرني عمرو‏)‏ هو ابن الحارث، وبكير هو ابن عبد الله بن الأشج، ونصف إسناده الأول مصريون والآخر مدنيون، وقوله ‏"‏بحلاب ‏"‏ بكسر المهملة هو الإناء الذي يجعل فيه اللبن، وقيل الحلاب‏:‏ اللبن المحلوب، وقد يطلق على الإناء ولو لم يكن فيه لبن‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ روى الإسماعيلي حديث ابن وهب بثلاثة أسانيد‏:‏ أحدها عنه عن مالك بإسناده، والثاني عنه عن عمرو بن الحارث عن سالم أبي النضر شيخ مالك فيه به، والثالث عن عمرو عن بكير به، واقتصر البخاري على أحد أسانيده اكتفاء برواية غيره كما سبق‏.‏

واستدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة، وفيه نظر لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ، نعم روى أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم من طريق عكرمة أن أبا هريرة حدثهم ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ‏"‏ وأخذ بظاهره بعض السلف فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال‏:‏ يجب فطر يوم عرفة للحاج، وعن ابن الزبير وأسامة ابن زيد وعائشة‏:‏ أنهم كانوا يصومونه، وكان ذلك يعجب الحسن ويحكيه عن عثمان، وعن قتادة مذهب آخر قال‏:‏ لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، ونقله البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ عن الشافعي في القديم، واختاره الخطابي والمتولي من الشافعية‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ يستحب فطره، حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم‏.‏

وقال الطبري إنما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة، وقيل إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم، ويبعده سياق أول الحديث، وقيل إنما كره صوم يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه، ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا ‏"‏ يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام‏"‏‏.‏

وفي الحديث من الفوائد أن العيان أقطع للحجة وأنه فوق الخبر، وأن الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة، وفيه قبول الهدية من المرأة من غير استفصال منها هل هو من مال زوجها أو لا، ولعل ذلك من القدر الذي لا يقع فيه المشاحجة، قال المهلب‏:‏ وفيه نظر لما تقدم من احتمال أنه من بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيه تأسى الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيه البحث والاجتهاد في حياته صلى الله عليه وسلم، والمناظرة في العلم بين الرجال والنساء، والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال‏.‏

وفيه فطنة أم الفضل لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال، لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم ناول فضله أحدا، فلعله علم أنها خصته به، فيؤخذ منه مسألة التمليك المقيد‏.‏

انتهى‏.‏

ولا يخفى بعده ا هـ‏.‏

وقد وقع في حديث ميمونة ‏"‏ فشرب منه ‏"‏ وهو مشعر بأنه لم يستوف شربه منه‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ لعل استبقاءه لما في القدح كان قصدا لإطالة زمن الشرب حتى يعم نظر الناس إليه ليكون أبلغ في البيان‏.‏

وفيه الركوب في حال الوقوف، وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج، وترجم له في كتاب الأشربة ‏"‏ في الشرب في القدح وشرب الواقف على البعير‏"‏‏.‏

*3*باب صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صوم يوم الفطر‏)‏ أي ما حكمه‏؟‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لعله أشار إلى الخلاف فيمن نذر صوم يوم فوافق يوم العيد هل ينعقد نذره أم لا‏؟‏ وسأذكر ما قيل في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَنْ قَالَ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ قَالَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدْ أَصَابَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مولى ابن أزهر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ مولى بني أزهر ‏"‏ وكذا في رواية مسلم، وسيأتي ذكره في آخر الكلام على الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شهدت العيد‏)‏ زاد يونس عن الزهري في روايته الآتية في الأضاحي ‏"‏ يوم الأضحى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذان‏)‏ فيه التغليب، وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذاك فلما أن جمعهما اللفظ قال ‏"‏ هذان ‏"‏ تغليبا للحاضر على الغائب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم فطركم‏)‏ برفع يوم إما على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدهما، أو على البدل من قوله ‏"‏ يومان ‏"‏ وفي رواية يونس المذكورة ‏"‏ أما أحدهما فيوم فطركم ‏"‏ قيل وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهو الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده، والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك لأنه يستلزم النحر ويزيد فائدة التنبيه على التعليل، والمراد بالنسك هنا الذبيحة المتقرب بها قطعا، قيل ويستنبط من هذه العلة تعين السلام للفصل من الصلاة‏.‏

وفي الحديث تحريم صوم يومي العيد سواء النذر والكفارة والتطوع والقضاء والتمتع وهو بالإجماع، واختلفوا فيمن قدم فصام يوم عيد‏:‏ فعن أبي حنيفة ينعقد، وخالفه الجمهور، فلو نذر صوم يوم قدوم زيد فقدم يوم العيد فالأكثر لا ينعقد النذر، وعن الحنفية ينعقد ويلزمه القضاء‏.‏

وفي رواية يلزمه الإطعام، وعن الأوزاعي يقضي إلا إن نوى استثناء العيد، وعن مالك في رواية يقضي إن نوى القضاء وإلا فلا، وسيأتي في الباب الذي يليه عن ابن عمر أنه توقف في الجواب عن هذه المسألة، وأصل الخلاف في هذه المسألة أن النهي هل يقتضي صحة المنهي عنه‏؟‏ قال الأكثر‏:‏ لا، وعن محمد بن الحسن نعم، واحتج بأنه لا يقال للأعمى لا يبصر لأنه تحصيل الحاصل، فدل على أن صوم يوم العيد ممكن، وإذا أمكن ثبت الصحة‏.‏

وأجيب أن الإمكان المذكور عقلي‏.‏

والنزاع في الشرعي، والمنهي عنه شرعا غير ممكن فعله شرعا‏.‏

ومن حجج المانعين أن النفل المطلق إذا نهى عن فعله لم ينعقد لأن المنهي مطلوب الترك سواء كان للتحريم أو للتنزيه، والنفل مطلوب الفعل فلا يجتمع الضدان‏.‏

والفرق بينه وبين الأمر ذي الوجهين كالصلاة في الدار المغصوبة أن النهي عن الإقامة في المغصوب ليست لذات الصلاة بل للإقامة وطلب الفعل لذات العبادة، بخلاف صوم يوم النحر مثلا فإن النهي فيه لذات الصوم فافترقا‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف ‏(‏قال ابن عيينة‏:‏ من قال مولى ابن أزهر فقد أصاب، ومن قال مولى عبد الرحمن بن عوف فقد أصاب‏)‏ انتهى‏.‏

وكلام ابن عيينة هذا حكاه عنه علي بن المديني في ‏"‏ العلل ‏"‏ وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده عن ابن عيينة عن الزهري فقال ‏"‏ عن أبي عبيد مولى ابن أزهر ‏"‏ وأخرجه الحميدي في مسنده عن ابن عيينة ‏"‏ حدثني الزهري سمعت أبا عبيد ‏"‏ فذكر الحديث ولم يصفه بشيء، ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري فقال ‏"‏ عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن ابن عوف ‏"‏ وكذا قال جويرية وسعيد الزبيري ومكي بن إبراهيم عن مالك حكاه أبو عمر وذكر أن ابن عيينة أيضا كان يقول فيه كذلك‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ وجه كون القولين صوابا ما روي أنهما اشتركا في ولائه، وقيل يحمل أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز، وسبب المجاز إما بأنه كان يكثر ملازمة أحدهما إما لخدمته أو للأخذ عنه أو لانتقاله من ملك أحدهما إلى ملك الآخر، وجزم الزبير بن بكار بأنه كان مولى عبد الرحمن ابن عوف، فعلى هذا فنسبته إلى ابن أزهر هي المجازية ولعلها بسبب انقطاعه إليه بعد موت عبد الرحمن ابن عوف، واسم ابن أزهر أيضا عبد الرحمن وهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف وقيل ابن أخيه، وقد تقدم له ذكر في الصلاة في حديث كريب عن أم سلمة، ويأتي في أواخر المغازي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَعَنْ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَعَنْ صَلَاةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن يحيى‏)‏ هو المازني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن الصماء‏)‏ بفتح المهملة وتشديد الميم والمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد‏)‏ زاد الإسماعيلي من طريق خالد الطحان عن عمرو بن يحيى ‏"‏ لا يواري فرجه بشيء ‏"‏ ومن طريق عبد العزيز بن المختار عن عمرو ‏"‏ ليس بين فرجه وبين السماء شيء ‏"‏ وفد سبق الكلام عليه في ‏"‏ باب ما يستر من العورة ‏"‏ في أوائل الصلاة، وسبق الكلام على بقية الحديث في المواقيت‏.‏

*3*باب صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صوم يوم النحر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ باب الصوم‏"‏، والقول فيه كالقول في الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَا قَالَ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا هشام‏)‏ هو ابن يوسف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينهي‏)‏ كذا هنا بضم أوله على البناء للمجهول، ووقع هذا الحديث هنا مختصرا، وسيأتي الكلام على تفسير الملامسة والمنابذة في البيوع إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَالَ أَظُنُّهُ قَالَ الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معاذ‏)‏ هو ابن معاذ العنبري، وابن عون هو عبد الله، والإسناد بصريون، وزياد ابن جبير بالجيم والموحدة مصغرا أي ابن حية بالمهملة والتحتانية الثقيلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل إلى ابن عمر‏)‏ لم أقف على اسمه، ووقع عند أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير ‏"‏ رأيت رجلا جاء إلى ابن عمر ‏"‏ فذكره‏.‏

وأخرج ابن حبان من طريق كريمة بنت سيرين أنها سألت ابن عمر فقالت ‏"‏ جعلت على نفسي أن أصوم كل يوم أربعاء واليوم يوم الأربعاء وهو يوم النحر، فقال‏:‏ أمر الله بوفاء النذر ‏"‏ الحديث، وله عن إسماعيل عن يونس بسنده ‏"‏ سأل رجل ابن عمر وهو يمشي بمنى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أظنه قال الاثنين‏)‏ ولمسلم من طريق وكيع عن ابن عون ‏"‏ نذرت أن أصوم يوما ‏"‏ ولم يعينه، وعند الإسماعيلي من طريق النضر بن شميل عن ابن عون ‏"‏ نذر أن يصوم كل اثنين أو خميس ‏"‏ ومثله لأبي عوانة من طريق شعبة عن يونس بن عبيد عن زياد لكن لم يقل ‏"‏ أو خميس ‏"‏ وفي رواية يزيد بن زريع عن يونس ابن عبيد عند المصنف في النذر ‏"‏ أن أصوم كل ثلاثاء وأربعاء ‏"‏ ومثله للدار قطني من رواية هشيم المذكورة لكن لم يذكر الثلاثاء، وللجوزقي من طريق أبي قتيبة عن شعبة عن يونس ‏"‏ أنه نذر أن يصوم كل جمعة ‏"‏ ونحوه لأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوافق ذلك يوم عيد‏)‏ لم يفسر العيد في هذه الرواية، ومقتضى إدخاله هذا الحديث في ترجمة صوم يوم النحر أن يكون المسئول عنه يوم النحر، وهو مصرح به في رواية يزيد بن زريع المذكورة ولفظه ‏"‏ فوافق يوم النحر ‏"‏ ومثله في رواية أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس‏.‏

وفي رواية وكيع ‏"‏ فوافق يوم أضحى أو فطر‏"‏‏.‏

وللمصنف في النذور من طريق حكيم بن أبي حرة عن ابن عمر مثله، وهو محتمل أن يكون للشك أو للتقسيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر الله بوفاء النذر الخ‏)‏ قال الخطابي‏:‏ تورع ابن عمر عن قطع الفتيا فيه، وأما فقهاء الأمصار فاختلفوا‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم شرح اختلافهم قبل، وتقدم عن ابن عمر قريب من هذا في كتاب الحج في ‏"‏ باب متى يحل المعتمر ‏"‏ وأمره في التورع عن بت الحكم ولا سيما عند تعارض الأدلة مشهور‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ يحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن كلا من الدليلين يعمل به فيصوم يوما مكان يوم النذر ويترك الصوم يوم العيد فيكون فيه سلف لمن قال بوجوب القضاء‏.‏

وزعم أخوه ابن المنير في الحاشية أن ابن عمر نبه على أن الوفاء بالنذر عام والمنع من صوم العيد خاص، فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام، وتعقبه أخوه بأن النهي عن صوم يوم العيد أيضا عموم للمخاطبين ولكل عيد فلا يكون من حمل الخاص على العام، ويحتمل أن يكون ابن عمر أشار إلى قاعدة أخرى وهي أن الأمر والنهي إذا التقيا في محل واحد أيهما يقدم‏؟‏ والراجح يقدم النهي فكأنه قال لا تصم‏.‏

وقال أبو عبد الملك‏:‏ توقف ابن عمر يشعر بأن النهي عن صيامه ليس لعينه‏.‏

وقال الداودي‏:‏ المفهوم من كلام ابن عمر تقديم النهي لأنه قد روي أمر من نذر أن يمشي في الحج بالركوب فلو كان يجب الوفاء به لم يأمره بالركوب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ قَزَعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ سَمِعْتُ أَرْبَعًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبْنَنِي قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت قزعة‏)‏ بفتح القاف والزاي هو ابن يحيى، وقد تقدم الكلام على حديث أبي سعيد مفرقا‏:‏ أما سفر المرأة ففي الحج، وأما الصلاة بعد الصبح والعصر ففي المواقيت، وأما شد الرحال ففي أواخر الصلاة، وأما الصوم وهو الغرض من إيراد هذا الحديث هنا فقد تقدم حكمه‏.‏

واستدل به على جواز صيام أيام التشريق للاقتصار فيه على ذكر يومي الفطر والنحر خاصة، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي يليه‏.‏

*3*باب صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ بِمِنًى وَكَانَ أَبُوهَا يَصُومُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صيام أيام التشريق‏)‏ أي الأيام التي بعد يوم النحر، وقد اختلف في كونها يومين أو ثلاثة، وسميت أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تنشر في الشمس، وقيل لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس، وقيل لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس، وقيل التشريق التكبير دبر كل صلاة، وهل تلتحق بيوم النحر في ترك الصيام كما تلتحق به في النحر وغيره من أعمال الحج أو يجوز صيامها مطلقا أو للمتمتع خاصة أو له ولمن هو في معناه‏؟‏ وفي كل ذلك اختلاف للعلماء، والراجح عند البخاري جوازها للمتمتع، فإنه ذكر في الباب حديثي عائشة وابن عمر في جواز ذلك ولم يورد غيره، وقد روى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة الجواز مطلقا، وعن علي وعبد الله بن عمرو ابن العاص المنع مطلقا وهو المشهور عن الشافعي وعن ابن عمر وعائشة وعبيد بن عمير في آخرين منعه إلا للمتمتع الذي لا يجد للهدي، وهو قول مالك والشافعي في القديم، وعن الأوزاعي وغيره يصومها أيضا المحصر والقارن، وحجة من منع حديث نبيشة الهذلي عند مسلم مرفوعا ‏"‏ أيام التشريق أيام أكل وشرب ‏"‏ وله من حديث كعب بن مالك ‏"‏ أيام منى أيام أكل وشرب ‏"‏ ومنها حديث عمرو بن العاص أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق ‏"‏ إنها الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن وأمر بفطرهن ‏"‏ أخرجه أبو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لي محمد بن المثنى‏)‏ كأنه لم يصرح فيه بالتحديث لكونه موقوفا على عائشة كما عرف من عادته بالاستقراء، ويحيى المذكور في الإسناد هو القطان وهشام هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيام منى‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ أيام التشريق بمنى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان أبوه يصومها‏)‏ هو كلام القطان، والضمير لهشام بن عروة، وفاعل يصومها هو عروة، والضمير فيه لأيام التشريق‏.‏

ووقع في رواية كريمة ‏"‏ وكان أبوها ‏"‏ وعلى هذا فالضمير لعائشة وفاعل يصومها هو أبو بكر الصديق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسى بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت عبد الله بن عيسى‏)‏ زاد في رواية الكشميهني بن أبي ليلى وأبو ليلى جد أبيه فهو عبد الله ابن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ابن أخي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المشهور، وكان عبد الله أسن من عمه محمد وكان يقال إنه أفضل من عمه، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في أحاديث الأنبياء من روايته عن جده عبد الرحمن عن كعب بن عجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري‏)‏ في رواية الدار قطني من طريق النضر بن شميل عن شعبة عن عبد الله بن عيسى ‏"‏ سمعت الزهري‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن سالم‏)‏ هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالا لم يرخص‏)‏ كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة بضم أوله على البناء لغير معين، ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدار قطني واللفظ له والطحاوي ‏"‏ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق ‏"‏ وقال أن يحيى بن سلام ليس بالقوي، ولم يذكر طريق عائشة، وأخرجه من وجه آخر ضعيف عن الزهري عن عروة عن عائشة، وإذا لم تصح هذه الطرق المصرحة بالرفع بقي الأمر على الاحتمال، وقد اختلف علماء الحديث في قول الصحابي ‏"‏ أمرنا بكذا ونهينا عن كذا ‏"‏ هل له حكم الرفع على أقوال ثالثها إن أضافه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع وإلا فلا، واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه، ويلتحق به ‏"‏ رخص لنا في كذا وعزم علينا أن لا نفعل كذا ‏"‏ كل في الحكم سواء، فمن يقول إن له حكم الرفع فغاية ما وقع في رواية يحيى بن سلام أنه روى بالمعنى، لكن قال الطحاوي إن قول ابن عمر وعائشة ‏"‏ لم يرخص ‏"‏ أخذاه من عموم قوله تعالى ‏(‏فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج‏)‏ لأن قوله‏:‏ ‏(‏في الحج‏)‏ يعم ما قبل يوم النحر وما بعده فيدخل أيام التشريق، فعلى هذا فليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط منهما عما فهماه من عموم الآية، وقد ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق وهو عام في حق المتمتع وغيره، وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن وعموم الحديث المشعر بالنهي، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعا فكيف وفي كونه مرفوعا نظر‏؟‏ فعلى هذا يترجح القول بالجواز، وإلى هذا جنح البخاري‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله في طريق عبد الله بن عيسى ‏(‏إلا لمن لم يجد الهدي‏)‏ في رواية أبي عوانة عن عبد الله بن عيسى عند الطحاوي ‏"‏ إلا لمتمتع أو محصر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏فإن لم يجد‏)‏ في رواية الحموي ‏"‏ فإن لم يجد ‏"‏ وكذا هو في ‏"‏ الموطأ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتابعه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب‏)‏ وصله الشافعي قال ‏"‏ أخبرني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة في المتمتع إذا لم يجد هديا لم يصم قبل عرفة فليصم أيام منى ‏"‏ وعن سالم عن أبيه مثله، ووصله الطحاوي من وجه آخر عن ابن شهاب بالإسنادين بلفظ ‏"‏ إنهما كانا يرخصان للمتمتع ‏"‏ فذكر مثله لكن قال ‏"‏ أيام التشريق ‏"‏ وهذا يرجح كونه موقوفا لنسبة الترخيص إليهما، فإنه يقوي أحد الاحتمالين في رواية عبد الله بن عيسى حيث قال فيها ‏"‏ لم يرخص ‏"‏ وأبهم الفاعل فاحتمل أن يكون مرادهما من له الشرع فيكون مرفوعا أو من له مقام الفتوى في الجملة فيحتمل الوقف، وقد صرح يحيى بن سلام بنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم بن سعد بنسبة ذلك إلى ابن عمر وعائشة، ويحيى ضعيف وإبراهيم من الحفاظ فكانت روايته أرجح، ويقويه رواية مالك وهو من حفاظ أصحاب الزهري فإنه مجزوم عنه بكونه موقوفا والله أعلم‏.‏

واستدل بهذا الحديث على أن أيام التشريق ثلاثة غير يوم عيد الأضحى لأن يوم العيد لا يصام بالاتفاق وصيام أيام التشريق هي المختلف في جوازها، والمستدل بالجواز أخذه من عموم الآية كما تقدم فاقتضى ذلك أنها ثلاثة لأنه القدر الذي تضمنته الآية‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صيام يوم عاشوراء‏)‏ أي ما حكمه‏.‏

وعاشوراء بالمد على المشهور، وحكى فيه القصر، وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي وأنه لا يعرف في الجاهلية، ورد ذلك عليه ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم خابوراء، وبقول عائشة إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه‏.‏

انتهى‏.‏

وهذا الأخير لا دلالة فيه على رد ما قال ابن دريد‏.‏

واختلف أهل الشرع في تعيينه فقال الأكثر هو اليوم العاشر، قال القرطبي عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها، فإن قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علما على اليوم العاشر، وذكر أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا وضاروراء وساروراء ودالولاء من الضار والسار والدال، وعلى هذا فيوم عاشوراء هو العاشر وهذا قول الخليل وغيره‏:‏ وقال الزين ابن المنير‏:‏ الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية، وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية، وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية، وقيل إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذا من أوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عشرا بكسر العين، وكذلك إلى الثلاثة، وروى مسلم من طريق الحكم بن الأعرج ‏"‏ انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت‏:‏ أخبرني عن يوم عاشوراء، قال‏:‏ إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما، قلت أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه‏؟‏ قال نعم ‏"‏ وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع، لكن قال الزين بن المنير‏:‏ قوله إذا أصبحت من تاسعه فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة‏.‏

قلت‏:‏ ويقوي هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات قبل ذلك ‏"‏ فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك، ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم، ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا يوما قبله أو يوما بعده، وهذا كان في آخر الأمر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذلك، فوافقهم أولا وقال‏:‏ نحن أحق بموسى منكم، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم، ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر ‏"‏ وقال بعض أهل العلم‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم ‏"‏ لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع ‏"‏ يحتمل أمرين، أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع، والثاني أراد أن يضيفه إليه في الصوم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين، وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب‏:‏ أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر والله أعلم‏.‏

ثم بدأ المصنف بالأخبار الدالة على أنه ليس بواجب، ثم بالأخبار الدالة على الترغيب في صيامه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ إِنْ شَاءَ صَامَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر أورده من رواية عمر بن محمد أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر عن عم أبيه سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه وصرح بالتحديث في جميع إسناده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء إن شاء صام‏)‏ كذا وقع في جميع النسخ من البخاري مختصرا، وعند ابن خزيمة في صحيحه عن أبي موسى عن أبي عاصم بلفظ ‏"‏ إن اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره ‏"‏ وعند الإسماعيلي قال ‏"‏ يوم عاشوراء من شاء صامه ومن شاء أفطره ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال‏:‏ كان يوم يصومه أهل الجاهلية، فمن شاء صامه ومن شاء تركه ‏"‏ وقد تقدم في أول كتاب الصيام من طرق أيوب عن نافع عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك ‏"‏ فيحمل حديث سالم على ثاني الحال التي أشار إليها نافع في روايته، ويجمع بين الحديثين بذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة من طريقين‏:‏ الأولى طريق الزهري قال أخبرني عروة، وهو موافق لرواية نافع المذكورة‏.‏

والثانية من رواية هشام عن أبيه مثله وفيها زيادة ‏"‏ إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه في الجاهلية ‏"‏ أي قبل أن يهاجر إلى المدينة، وأفادت تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء وقد كان أول قدومه المدينة، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية، وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان فعلى هذا لم يقع الأمر بصيام عاشوراء إلا في سنة واحدة ثم فرض الأمر في صومه إلى رأي المتطوع، فعلى تقدير صحة قول من يدعي أنه كان قد فرض فقد نسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة، ونقل عياض أن بعض السلف كان يرى بقاء فرضية عاشوراء لكن انقرض القائلون بذلك، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض والإجماع على أنه مستحب، وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم ثم انقرض القول بذلك، وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك، ثم رأيت في المجلس الثالث من ‏"‏ مجالس الباغندي الكبير ‏"‏ عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال‏:‏ أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم‏:‏ صوموا عاشوراء يكفر ذلك، هذا أو معناه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ

الشرح‏:‏

حديث معاوية من طريق ابن شهاب عن حميد ابن عبد الرحمن أي ابن عوف عنه، هكذا رواه مالك وتابعه يونس وصالح بن كيسان وابن عيينة وغيرهم‏.‏

وقال الأوزاعي ‏"‏ عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ‏"‏ وقال النعمان بن راشد ‏"‏ عن الزهري عن السائب بن يزيد ‏"‏ كلاهما عن معاوية، والمحفوظ رواية الزهري عن حميد بن عبد الرحمن قاله النسائي وغيره، ووقع عند مسلم في رواية يونس عن الزهري ‏"‏ أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عام حج على المنبر‏)‏ زاد يونس ‏"‏ بالمدينة ‏"‏ وقال في رواية ‏"‏ في قدمة قدمها ‏"‏ وكأنه تأخر بمكة أو المدينة حجته إلى يوم عاشوراء، وذكر أبو جعفر الطبري أن أول حجة حجها معاوية بعد أن استخلف كانت في سنة أربع وأربعين، وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين والذي يظهر أن المراد بها في هذا الحديث الحجة الأخيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أين علماؤكم‏)‏ ‏؟‏ في سياق هذه القصة إشعار بأن معاوية لم ير لهم اهتماما بصيام عاشوراء، فلذلك سأل عن علماؤهم، أو بلغه عمن يكره صيامه أو يوجبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكتب الله عليكم صيامه الخ‏)‏ هو كله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه النسائي في روايته، وقد استدل به على أنه لم يكن فرضا قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد‏:‏ ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه، أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى ‏(‏كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم‏)‏ ثم فسره بأنه شهر رمضان، ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخا، ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح، والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني، ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم ‏"‏ لما فرض رمضان ترك عاشوراء ‏"‏ مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه‏.‏

وأما قول بعضهم المتروك تأكد استحبابه والباقي مطلق استحبابه فلا يخفى ضعفه، بل تأكد استحبابه باق ولا سيما استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول ‏"‏ لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر ‏"‏ ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا‏؟‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في سبب صيام عاشوراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه‏)‏ وقع في رواية ابن ماجة من وجه آخر ‏"‏ عن أيوب عن سعيد بن جبير ‏"‏ والمحفوظ أنه عند أيوب بواسطة وكذلك أخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فوجد اليهود صياما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ما هذا‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فقال لهم ما هذا ‏"‏ وللمصنف في تفسير طه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير فسألهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصامه موسى‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ شكرا لله تعالى فنحن نصومه ‏"‏ وللمصنف في الهجرة في رواية أبي بشر ‏"‏ ونحن نصومه تعظيما له ‏"‏ ولأحمد من طريق شبيل بن عوف عن أبي هريرة نحوه وزاد فيه ‏"‏ وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكرا ‏"‏ وقد استشكل ظاهر الخبر لاقتضائه أنه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في ربيع الأول، والجواب عن ذلك أن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة لا أنه قبل أن يقدمها علم ذلك، وغايته أن في الكلام حذفا تقديره قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياما، ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه صلى الله عليه وسلم المدينة، وهذا التأويل مما يترجح به أولوية المسلمين وأحقيتهم بموسى عليه الصلاة والسلام لإضلالهم اليوم المذكور وهداية الله للمسلمين له، ولكن سياق الأحاديث تدفع هذا التأويل، والاعتماد على التأويل الأول‏.‏

ثم وجدت في ‏"‏ المعجم الكبير ‏"‏ للطبراني ما يؤيد الاحتمال المذكور أولا، وهو ما أخرجه في ترجمة زيد بن ثابت من طريق أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال ‏"‏ ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة، وكان يدور في السنة، وكانوا يأتون فلانا اليهودي - يعني ليحسب لهم - فلما مات أتوا زيد ابن ثابت فسألوه ‏"‏ وسنده حسن، قال شيخنا الهيثمي في زوائد المسانيد‏:‏ لا أدري ما معنى هذا‏.‏

قلت‏:‏ ظفرت بمعناه في كتاب ‏"‏ الآثار القديمة لأبي الريحان البيروني ‏"‏ فذكر ما حاصله‏:‏ أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية‏.‏

قلت‏:‏ فمن ثم احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمر بصيامه‏)‏ للمصنف في تفسير يونس من طريق أبي بشر أيضا ‏"‏ فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا ‏"‏ واستشكل رجوعه إليهم في ذلك، وأجاب المازري باحتمال أن يكون أوحى إليه بصدقهم أو تواتر عنده الخبر بذلك، زاد عياض أو أخبره به من أسلم منهم كابن سلام، ثم قال‏:‏ ليس في الخبر أنه ابتدأ الأمر بصيامه، بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك، فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال، ولم تختلف الروايات عن ابن عباس في ذلك، ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة ‏"‏ إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه ‏"‏ كما تقدم إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك، قال القرطبي‏:‏ لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج، أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير، فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك‏.‏

وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهما فإنه كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه‏.‏

وقد أخرج مسلم من طريق أبي غطفان - بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء - ابن طريف بمهملة وزن عظيم ‏"‏ سمعت ابن عباس يقول‏:‏ صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا أنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ‏"‏ الحديث‏.‏

واستشكل بأن التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون يختص بموسى واليهود، وأجيب باحتمال أن يكون عيسى كان يصومه وهو مما لم ينسخ من شريعة موسى لأن كثيرا منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى ‏(‏ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم‏)‏ ويقال إن أكثر الأحكام الفرعية إنما تتلقاها النصارى من التوراة‏.‏

وقد أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس زيادة في سبب صيام اليهود له وحاصلها أن السفينة استوت على الجودي فيه فصامه نوح وموسى شكرا، وقد تقدمت الإشارة لذلك قريبا، وكأن ذكر موسى دون غيره هنا لمشاركته لنوح في النجاة وغرق أعدائهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُومُوهُ أَنْتُمْ

الشرح‏:‏

أبي موسى هو الأشعري قال ‏"‏ كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فصوموه أنتم ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيدا ‏"‏ فظاهره أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام، وحديث ابن عباس يدل على أن الباعث على صيامه موافقتهم على السبب وهو شكر الله تعالى على نجاة موسى، لكن لا يلزم من تعظيمهم له واعتقادهم بأنه عيد أنهم كانوا لا يصومونه فلعلهم كان من جملة تعظيمهم في شرعهم أن يصوموه، وقد ورد ذلك صريحا في حديث أبي موسى هذا فيما أخرجه المصنف في الهجرة بلفظ ‏"‏ وإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه ‏"‏ ولمسلم من وجه آخر عن قيس بن مسلم بإسناده قال ‏"‏ كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم ‏"‏ وهو بالشين المعجمة أي هيئتهم الحسنة، وقوله ‏"‏هذا يوم ‏"‏ الإشارة إلى نوع اليوم لا إلى شخصه، ومثله قوله تعالى ‏(‏ولا تقربا هذه الشجرة‏)‏ فيما ذكره الفخر الرازي في تفسيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس أيضا من طريق ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد، وقد رواه أحمد عن ابن عيينة قال ‏"‏ أخبرني عبيد الله ابن أبي يزيد منذ سبعين سنة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما رأيت الخ‏)‏ هذا يقتضي أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم بعد رمضان، لكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره، وقد روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعا ‏"‏ إن صوم عاشوراء يكفر سنة، وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين ‏"‏ وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتحرى‏)‏ أي يقصد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا الشهر يعني شهر رمضان‏)‏ كذا ثبت في جميع الروايات وكذا هو عند مسلم وغيره، وكأن ابن عباس اقتصر على قوله ‏"‏ وهذا الشهر ‏"‏ وأشار بذلك إلى شيء مذكور كأنه تقدم ذكر رمضان وذكر عاشوراء أو كانت المقالة في أحد الزمانين وذكر الآخر فلهذا قال الراوي عنه‏:‏ يعني رمضان‏.‏

أو أخذه الراوي من جهة الحصر في أن لا شهر يصام إلا رمضان لما تقدم له عن ابن عباس أنه كان يقول ‏"‏ لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرا كاملا إلا رمضان ‏"‏ وإنما جمع ابن عباس بين عاشوراء ورمضان - وإن كان أحدهما واجبا والآخر مندوبا - لاشتراكهما في حصول الثواب، لأن معنى ‏"‏ يتحرى ‏"‏ أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ

الشرح‏:‏

حديث سلمة بن الأكوع في الأمر بصوم عاشوراء، وقد تقدم في أثناء الصيام في ‏"‏ باب إذا نوى بالنهار صوما ‏"‏ وأخرجه عاليا أيضا ثلاثيا وقد تقدم الكلام عليه هناك، واستدل به على إجزاء الصوم بغير نية لمن طرأ عليه العلم بوجوب صوم ذلك اليوم كمن ثبت عنده في أثناء النهار أنه من رمضان فإنه يتم صومه ويجزئه، وقد تقدم البحث في ذلك والرد على من ذهب إليه، وأن عند أبي داود وغيره أمر من كان أكل بقضاء ذلك اليوم مع الأمر بإمساكه‏.‏

والله أعلم‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الصيام من أوله إلى هنا على مائة وسبعة وخمسين حديثا‏.‏

المعلق منها ستة وثلاثون حديثا والبقية موصولة، والمكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وستون حديثا، والخالص تسعة وثمانون حديثا، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة ‏"‏ من لم يدع قول الزور ‏"‏ وحديث عمار في صوم يوم الشك، وحديث أنس ‏"‏ آلى من نسائه ‏"‏ وحديث أبي هريرة في الأمر بفطر الجنب، وحديث عامر ابن ربيعة في السواك، وحديث عائشة ‏"‏ السواك مطهرة للفم ‏"‏ وحديث أبي هريرة ‏"‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ‏"‏ فالذي خرجه مسلم بلفظ ‏"‏ عند كل صلاة ‏"‏ وحديث جابر فيه، وحديث زيد بن خالد فيه، وحديث أبي هريرة ‏"‏ من أفطر في رمضان ‏"‏ وحديث الحسن عن غير واحد ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ وجميع ذلك سوى الأول معلقات، وحديث ابن عباس ‏"‏ احتجم وهو صائم ‏"‏ وحديث أنس في كراهة الحجامة للصائم، وحديث ابن عمر في نسخ ‏(‏وعلى الذين يطيقون‏)‏ ، وحديث سلمة بن الأكوع في ذلك، وحديث ابن أبي ليلى عن الصحابي في تحويل الصيام، وحديث أبي هريرة في التفريط، وحديث النهي عن الوصال إبقاء عليهم، وهذه الثلاثة معلقات، وحديث أبي سعيد في النهي عن الوصال، وحديث أبي جحيفة في قصة سلمان وأبي الدرداء، وحديث أنس في الدخول على أم سليم، وحديث جويرية في صوم يوم الجمعة، وحديث ابن عمر في نذر صوم يوم العيد، وحديثه في صيام أيام التشريق، وحديث عائشة في ذلك على شك في رفعهما‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق واليسير منها موصول‏.‏

والله أعلم‏.‏