فصل: بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ:

(وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِتْقَ مَنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقول ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ) أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ، وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقول فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبُعًا آخَرَ لِأَنَّ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَشَاعَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ بِالثَّانِي فِي نِصْفَيْهِ، فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ بَقِيَ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ فَتَمَّتْ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هُوَ بِالثَّانِي يَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ فَيَنْتَصِفُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ الرُّبُعُ بِالثَّانِي وَالنِّصْفُ بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقول: لَمَّا دَارَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتَ مِنْهُ الرُّبُعُ فَكَذَلِكَ يُصِيبُ الدَّاخِلَ وَهُمَا يَقولانِ إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا، وَقَضِيَّتُهُ التَّنْصِيفُ وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى الرُّبُعِ فِي حَقِّ الثَّابِتِ لِاسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلدَّاخِلِ مِنْ قَبْلُ فَيَثْبُتُ فِيهِ النِّصْفُ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ الْقول مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قولهِمَا لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ فَنَقول: يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَيَبْلُغُ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً، وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ فَيُجْعَلَ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، فَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَمَعْت اسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سِتَّةٍ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ عِنْدَهُ سَهْمٌ فَنَقَصَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ بِسَهْمٍ وَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَبَاقِي التَّخْرِيجِ مَا مَرَّ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ):
هَذَا أَيْضًا مِنْ عِتْقِ الْبَعْضِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي بَعْضِ الْوَاحِدِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي بَعْضِ الْمُتَعَدِّدِ فَنُزِّلَ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي عِتْقِ بَعْضِ مَا هُوَ بَعْضٌ لِهَذَا وَهُوَ الْوَاحِدُ.
قولهُ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَدَخَلَ آخَرُ) وَهُوَ الْبَاقِي مِنْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ (فَقَالَ) الْمَوْلَى (أَحَدُكُمَا حُرٌّ) فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُبَيِّنَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ بَيَانِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيَانِ.
وَحُكْمُ هَذَا الْقول إذَا وَقَعَ مِنْهُ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ، وَلِلْعَبِيدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْشَاءً فِي الْمُبْهَمِ الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِحُكْمِهِ، وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ إنْشَائِيَّتُهُ وَصَارَ خَبَرًا بِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ وَهُوَ الثَّابِتُ، فَلَا يُفِيدُ فِي الْخَارِجِ عِتْقًا.
فَإِنْ قِيلَ: الْبَيَانُ لَهُ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَيَّنِ وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يَنْزِلُ فِي الْمُعَيَّنِ فَصَارَ بِبَيَانِهِ فِي الثَّابِتِ كَأَنَّهُ إنْشَاءٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ بَعْدَمَا أَعْتَقَ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَلَوْ نَجَّزَ عِتْقَ الثَّابِتِ بِعِتْقٍ مُسْتَقِلٍّ عَتَقَ الْخَارِجُ فَكَذَا يَعْتِقُ بِالْبَيَانِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ فِي الْمُعَيَّنِ بِهِ لَا يَكُونُ بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِأَنَّهُ عِتْقُ مُبْهَمٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَكُونُ إنْشَاءً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا خَاصَمَهُ الْعَبْدَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إنْشَاءِ الْعِتْقِ يَكُونُ إظْهَارًا، فَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْشَاءِ يَعْتِقُ الدَّاخِلُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِخْبَارِ لَا يَعْتِقُ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ بَيَّنَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عِتْقَ الْخَارِجِ فَلَا إشْكَالَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي وَيُعْمَلُ بِبَيَانِهِ، وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي فَقَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الدَّاخِلَ عَتَقَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ فَأَيَّهمَا بَيَّنَهُ مِنْ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عُمِلَ بِهِ.
وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الثَّابِتَ عَتَقَ وَتَعَيَّنَ عِتْقُ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ حَالَ وُجُودِهِ كَانَا رَقِيقَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْلَى شَيْئًا حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ فَالْمَوْتُ بَيَانٌ أَيْضًا، فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ لِلْعِتْقِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّابِتَ هُوَ الْمُزَاحِمُ لَهُمَا وَلَمْ يَبْقَ، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ أُمِرَ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَاتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى عِتْقِ نِصْفِ الْخَارِجِ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الدَّاخِلِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ أَيْضًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُ رُبُعُهُ.
وَاسْتَشْكَلَ قولهُمَا بِعِتْقِ النِّصْفِ وَثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ مَعَ قولهِمَا يُعْدَمُ تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ قولهُمَا بِعَدَمِ تَجَزِّيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْحَالُ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِانْقِسَامِهِ انْقَسَمَ ضَرُورَةً.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ التَّجَزِّي عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ.
وَرَدَّهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِمَنْعِ ضَرُورَةِ الِانْقِسَامِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَتَقَ مِنْهُ الْبَعْضُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يُقَرُّ فِي الرِّقِّ بَلْ يَسْعَى فِي بَاقِيهِ حَتَّى يَخْلُصَ كُلُّهُ حُرًّا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَقول: يَعْتِقُ جَمِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا وَيَسْعَى فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَتَّحِدُ الْحَاصِلُ عَلَى قولهِمَا وَقول أَبِي حَنِيفَةَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَسْعَوْنَ وَهُمْ عَبِيدٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَوْنَ وَهُمْ أَحْرَارٌ، إذْ الْحَاصِلُ أَنَّ الضَّرُورَةَ أَوْجَبَتْ أَنْ لَا يَعْتِقَ جَمِيعُ وَاحِدٍ مَجَّانًا لَا أَنْ يَعْتِقَ بَعْضٌ فَقَطْ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عِتْقُ الْبَاقِي إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمَا مُخَالَفَةُ أَصْلِهِمَا.
وَرُدَّ عَلَى ذَلِكَ الطَّالِبِ بِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الْكُلُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ قول الْمَوْلَى أَحَدُكُمَا حُرٌّ إعْتَاقَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ، بَلْ أَحَدُكُمَا لَا يُؤَدِّي مَعْنَى كِلَاكُمَا؛ وَقَدْ يَدْفَعُ عَنْهُ هَذَا بِمَنْعِ كَوْنِ الْمُوجَبِ ذَلِكَ بَلْ مُوجَبُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ شَائِعَةٍ، وَإِنَّمَا عَتَقَ الْكُلُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ تَوْزِيعَهُ وَحِينَ لَزِمَ التَّوْزِيعُ فَوَجَبَ عِتْقُ بَعْضٍ وَجَبَ وُقُوعُهُ فِي الْكُلِّ فَكَانَ التَّوْزِيعُ مُقْتَضَى الضَّرُورَةِ فَوُقُوعُ عِتْقِ النِّصْفِ مَثَلًا مُوجَبًا لِلتَّوْزِيعِ كَوُقُوعِهِ مُوجَبًا لِقولهِ أَعْتَقْت نِصْفَك، فَكَمَا يَقَعُ انْعِتَاقُ النِّصْفِ انْعِتَاقًا لِلْكُلِّ إذَا وَقَعَ عَنْ مُوجَبِهِ كَذَلِكَ يَقَعُ هُنَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا مُوجَبَ أَصْلًا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ أَصْلِهِمَا، وَمُوَافَقَةُ أَبِي يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي عِتْقِ نِصْفِ الدَّاخِلِ لَا تُوجِبُ مُوَافَقَتَهُ فِي التَّجَزِّي.
وَوَجْهُ الِاتِّفَاقِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقولهِ (أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقول فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ) إذْ لَا مُرَجِّحَ (غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبُعًا آخَرَ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا) لَكِنَّ نِصْفَ الثَّابِتِ شَاعَ فِي نِصْفَيْهِ، فَمَا أَصَابَ مِنْهُ الْمُعْتَقَ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ مِنْ الْعِتْقِ عَتَقَ فَيَسْلَمُ لَهُ الرُّبُعُ مُضَافًا إلَى عِتْقِ النِّصْفِ بِالْأَوَّلِ فَتَمَّ لَهُ عِتْقُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ (وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ الثَّابِتُ بِالثَّانِي يَعْتِقُ نِصْفُهُ) الْبَاقِي، وَلَوْ أُرِيدَ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ فَعَتَقَ نِصْفُهُ فِي حَالٍ وَلَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي حَالٍ فَيُقْسَمُ النِّصْفُ لَهُ فَيَعْتِقُ رُبُعُهُ وَقَدْ كَانَ عَتَقَ لَهُ النِّصْفُ بِالْأَوَّلِ فَيَكْمُلُ لَهُ عِتْقُ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ.
وَجْهُ الْمَذْكُورِ لِمُحَمَّدٍ فِي الدَّاخِلِ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتَ مِنْهُ الرُّبُعُ فَكَذَلِكَ يُصِيبُ الدَّاخِلَ.
قولهُ: (وَهُمَا يَقولانِ) حَاصِلُهُ أَنَّ إصَابَةَ الرُّبُعِ عِنْدَهُمَا لَيْسَ قَضِيَّةً لِلْكَلَامِ بَلْ قَضِيَّتُهُ عِتْقُ نِصْفِهِ لَكِنَّهُ لِشُيُوعِهِ فِي كُلِّهِ وَنِصْفِهِ شَائِعًا مُعْتَقٌ، فَمَا أَصَابَ مِنْهُ هَذَا النِّصْفُ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْقِنَّ عَتَقَ فَلَغَا رُبُعُهُ.
وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي النِّصْفِ الَّذِي أَصَابَ الدَّاخِلَ، وَقَدْ عَلِمْت آنِفًا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُوَافِقْ عَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ، وَتَقَدَّمَ لَهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ فِي حَالَةٍ وَهِيَ أَنْ يُرِيدَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ الْخَارِجَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الثَّابِتَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَثْبُتُ بِهِ عِتْقٌ كَامِلٌ بَيْنَهُمَا لِكُلٍّ نِصْفُهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّتِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَانْتَصَفَ الثَّابِتُ بِهِ فَأَصَابَ كُلًّا رُبُعُهُ فَلِذَا عَتَقَ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَمِنْ الدَّاخِلِ رُبُعُهُ.
وَإِذَا عَرَفْت هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي وَجْهِ الِاتِّفَاقِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ عِتْقَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ عَلَى قول مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ النِّصْفُ أَصْلًا بَلْ أَصَابَهُ الرُّبُعُ ابْتِدَاءً بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قولهُمْ يُرِيدُ الْخَارِجَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَيِّتُ الْعِتْقَ فِيهِ لَوْ بَيَّنَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُعَيَّنَ حَالَ صُدُورِهِ بَلْ الْمُبْهَمَ، ثُمَّ بِالتَّعْيِينِ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْمُبْهَمُ فِيهِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قولانِ: فِي قول يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَفِي الْأَصَحِّ يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْبَيَانِ.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ بِاسْمِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا يَصِحُّ بَيَانُهُ إلَّا أَنْ يَقول: كُنْت نَوَيْته عِنْدَ التَّلَفُّظِ.
لَنَا فِي تَأْصِيلِ اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ لِلْقِتَالِ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ الْعَقْلِ» وَلَيْسَ هَذَا إلَّا لِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ السُّجُودَ جَازَ كَوْنُهُ لِلَّهِ فَيَكُونُ إسْلَامًا فَيَجِبُ كَمَالُ الْعَقْلِ، وَجَازَ كَوْنُهُ تَعْظِيمًا لِلظَّاهِرِينَ عَلَيْهِمْ تَقِيَّةً مِنْ الْقَتْلِ كَمَا يَفْعَلُونَهُ فَكَانَ مُوجِبًا لِكَمَالِهِ فِي اعْتِبَارٍ غَيْرَ مُوجِبٍ فِي اعْتِبَارٍ فَقَضَى بِالنِّصْفِ.
وَجْهُ اعْتِبَارِ الْقُرْعَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهُ لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا صَحَّ سَنَدُهُ جَازَ أَنْ يُضَعَّفَ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ.
وَمِنْ الْعِلَلِ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَكَذَا مُخَالَفَةُ الْعَادَةِ الْقَاضِيَةِ بِخِلَافِهِ، قَالُوا: هَذَا يُخَالِفُ نَصَّ الْقُرْآنِ بِتَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقُ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْخَطَرِ، وَالْقُرْعَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ إنْ ظَهَرَ كَذَا لَا إنْ ظَهَرَ كَذَا، وَأَمَّا قَضَاءُ الْعَادَةِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِنَفْيِ أَنَّ وَاحِدًا يَمْلِكُ سِتَّةَ أَعْبُدٍ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا ثَوْبٍ وَلَا نُحَاسٍ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا قَمْحٍ وَلَا دَارٍ يَسْكُنُهَا، وَلَا شَيْءٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ.
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لِلْعَرَبِ ذَلِكَ لِيَأْخُذُوا غَلَّتَهُمْ أَوْ يَكُونُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي غَنِيمَةٍ إنْ كَانَ مَعَ الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضْنَاهُ مِنْ عَدَمِ شَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا تَقْضِي الْعَادَةُ بِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ أَنْدَرُ نَادِرٍ فَكَانَ مُسْتَحِيلًا فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَوَجَبَ رَدُّ الرِّوَايَةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْبَاطِنَةِ، كَمَا قَالُوا فِي الْمُتَفَرِّدِ بِزِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِغَلَطِهِ وَصَارَ هَذَا مِنْ جِنْسِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.
وَأَمَّا مَا قِيلَ: إنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ فَلَا تَعُمُّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى طَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقًا صَحِيحًا جَازَ ارْتِكَابُهُ وَتَقَرَّرَ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِلَّا فَمِثْلُهُ يَلْزَمُ فِيمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ مِنْ قِصَّةِ الْخَثْعَمِيِّينَ بِلَا فَرْقٍ، وَكَذَا نَحْوُهُ مِنْ أَوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ، وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ لَيْسَ إلَّا دَلَالَةَ الْعَادَةِ، وَالْكِتَابُ عَلَى نَفْيِ مُقْتَضَاهُ فَيُحْكَمُ بِغَلَطِهِ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنْ عِمْرَانَ، وَلِذَلِكَ أُجْمِعَ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا، وَعَلَى عَدَمِهَا أَيْضًا عِنْدَ تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ، وَنَحْنُ لَا نَنْفِي شَرْعِيَّةَ الْقُرْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ نُثْبِتُهَا شَرْعًا لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ وَدَفْعِ الْأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلسَّفَرِ بِنِسَائِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَفَرُهُ بِكُلِّ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَسَارَعُ الضَّغَائِنُ إلَى مَنْ يَخُصُّهَا مِنْ بَيْنِهِنَّ فَكَانَ الْإِقْرَاعُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ، وَكَذَا إقْرَاعُ الْقَاضِي فِي الْأَنْصِبَاءِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَالْبِدَايَةِ بِتَحْلِيفِ أَحَدِ الْمُتَحَالِفَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تُهْمَةِ الْمَيْلِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ تَرْكُهَا فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَمِنْهُ اسْتِهَامُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَهُمْ عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ كَانَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ كَانَ أَحَقَّ بِكَفَالَتِهَا لِأَنَّ خَالَتَهَا كَانَتْ تَحْتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ بِهَا لِاسْتِحْقَاقٍ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمْ فِي سَبَبِهِ فَأَوْلَى مِنْهُ ظَاهِرُ التَّوْزِيعِ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تُؤَدِّي إلَى حِرْمَانِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا كَانَ شَائِعًا فِيهِمْ يَقَعُ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِذَا جُمِعَ الْكُلُّ فِي وَاحِدٍ فَقَدْ حُرِمَ الْآخَرُ بَعْضَ حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُزِّعَ فَإِنَّهُ يَنَالُ كُلًّا شَيْءٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَائِعًا فِيهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَشَرَةِ الْمَالِكِينَ لِعَشْرِ جَوَارٍ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ جَارِيَتَهُ ثُمَّ لَمْ تَدُرْ وَصَارَ مِلْكُ الْعُشْرِ لِوَاحِدٍ حَيْثُ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ عُشْرُهَا وَتَسْعَى فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهَا فَفِيهِ إصَابَةُ الْمُسْتَحِقِّ بَعْضَ حَقِّهِ يَقِينًا وَمَعَ الْقُرْعَةِ جَازَ أَنْ يَفُوتَهَا كُلُّ حَقِّهَا.
قولهُ: (فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقول مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ قَسْمَ الثُّلُثِ وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَيَضْرِبُ كُلٌّ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قولهِمَا) أَيْ قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، أَمَّا عَلَى قول مُحَمَّدٍ فَسِتَّةٌ وَذَلِكَ (لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ) وَإِنَّمَا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ (لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ فَنَقول يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ مِنْهُ) مِنْ أَرْبَعَةٍ (وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَيَبْلُغُ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً) خَارِجَةً مِنْ الثُّلُثِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ سُهْمَانِ الْوَرَثَةِ ضِعْفَهَا لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ ضِعْفُ الثُّلُثِ وَهُمَا سِهَامُهُمْ فَيَبْلُغُ كُلُّ الْمَالِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَكُلُّ الْمَالِ هُوَ الْأَعْبُدُ الثَّلَاثَةُ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ بِالضَّرُورَةِ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ، وَمِنْ الْآخَرَيْنِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ إلَى ثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهِ، وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ بِنِصْفِ سُبْعٍ وَصَارَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ سَبْعِينَ وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ بِثُلُثِ سُبْعٍ، وَأَمَّا قول مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا يَضْرِبُ الدَّاخِلُ بِسَهْمٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ رُبُعُهُ سُدُسًا، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ سِهَامُ الْعِتْقِ سِتَّةً وَسِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفُهَا أَلْبَتَّةَ فَتَكُونُ كُلُّ التَّرِكَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيُجْعَلُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى سِتَّةٍ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ فَكَانَ الْمُعْتَقُ مِنْ مُسْتَحِقِّ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ عَلَى قولهِ نِصْفَهُ وَعَلَى قولهِمَا يَعْتِقُ مِنْهُ نِصْفُهُ إلَّا نِصْفَ سُبْعٍ وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَهُمَا ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى قولهِمَا يَعْتِقُ ثُلُثُهُ إلَّا ثُلُثَ سُبْعٍ وَمِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ سُدُسُهُ، وَعَلَى قولهِمَا يَعْتِقُ سُبْعَاهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَاصِلَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَخْتَلِفُ.

متن الهداية:
(وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ) قِيلَ هَذَا قول مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ خَاصَّةً، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبُعُهُ، وَقِيلَ هُوَ قولهُمَا أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ وَتَمَامَ تَفْرِيعَاتِهَا فِي الزِّيَادَاتِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ) يَعْنِي قَالَ لِزَوْجَتَيْنِ لَهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ إحْدَاهُمَا وَدَخَلَتْ زَوْجَةٌ لَهُ ثَالِثَةٌ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ (وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ) وَوَجَبَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ) وَوَجَبَ لَهَا خَمْسَةُ أَثْمَانِهِ (وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ) وَوَجَبَ لَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِهِ فَأَلْزَمَهُمَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُنَاقَضَةَ فَإِنَّ سُقُوطَ رُبْعِ مَهْرِ الْخَارِجَةِ لِوُقُوعِ طَلَاقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّابِتَةِ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ مَهْرَيْهِمَا لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِسُقُوطِهِ مِنْ الْأُخْرَى فَوُزِّعَ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ رُبُعُ مَهْرِهَا، وَالْكَلَامُ الثَّانِي مُوجَبٌ فِي حَالٍ هِيَ أَنْ تُرَادَ الْخَارِجَةُ دُونَ حَالٍ وَهِيَ أَنْ تُرَادَ الثَّابِتَةُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَمَنْكُوحَةٍ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَتَنَصَّفُ وَيَثْبُتُ بِهِ سُقُوطُ الرُّبُعِ مُوَزَّعًا لِيَسْقُطَ ثُمُنُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ وَمِثْلُهُ مِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ فَيُضَمُّ إلَى مَا سَقَطَ مَعَ الْأُولَى فَيَتِمُّ لَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ فَيَجِبُ مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ فَيَعْتِقُ رُبُعُ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّ الثُّمُنَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ الرُّبُعِ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَالثُّمُنُ هُوَ رُبُعُ النِّصْفِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِهِ (قِيلَ هَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الطَّلَاقِ (قول مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَسْقُطُ رُبُعُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ) لَا الثُّمُنُ فَلَا يَتِمُّ بِهِ الْإِلْزَامُ (وَقِيلَ) بَلْ (هُوَ قولهُمَا أَيْضًا) وَالْفَرْقُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي زِيَادَاتِهِ وَذَكَرَ تَمَامَ تَفْرِيعَاتِهَا أَيْضًا فِيهَا.
أَمَّا التَّفْرِيعَاتُ فَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْعِتْقِ قَبْلَ مَوْتِ أَحَدِ وَبَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، وَأَمَّا التَّفْرِيعَاتُ فِي الطَّلَاقِ، فَمِنْهَا أَنَّ مِيرَاثَ النِّسَاءِ وَهُوَ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ يَنْقَسِمُ بَيْنَ الدَّاخِلَةِ وَالْأُولَيَيْنِ نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ لِلدَّاخِلَةِ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا إحْدَى الْأُولَيَيْنِ: أَعْنِي الثَّابِتَةَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا لَيْسَتْ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْأُخْرَى.
وَمِنْهَا أَنَّ الثَّابِتَةَ لَوْ مَاتَتْ وَالزَّوْجُ حَيٌّ طَلُقَتْ الْخَارِجَةُ وَالدَّاخِلَةُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَتَاقِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى الزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ، وَإِنْ مَاتَتْ الدَّاخِلَةُ كَانَ عَلَيْهِ بَيَانُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْخَارِجَةِ طَلُقَتْ الثَّابِتَةُ أَيْضًا لِعَدَمِ مُزَاحَمَةِ الدَّاخِلَةِ بِالْمَوْتِ؛ وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتَةِ لَمْ تَطْلُقْ الْخَارِجَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ الْخَارِجَةُ طَلُقَتْ الثَّابِتَةُ دُونَ الدَّاخِلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى بَيَّنَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ فِي الْخَارِجَةِ صَحَّ وَعَلَيْهِ بَيَانُ الثَّانِي، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الثَّابِتَةِ أَوْ الدَّاخِلَةِ بِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّابِتَةِ لَغَا الْكَلَامُ الثَّانِي، وَإِنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ عَلَى الدَّاخِلَةِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْخَارِجَةِ أَوْ الثَّابِتَةِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتَةِ طَلُقَتْ وَطَلُقَتْ الْخَارِجَةُ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ فَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ فِي الْعِتْقِ صَحِيحٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الدَّاخِلِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الثَّابِتِ.
أَمَّا عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَتَقَ نِصْفُهُ وَهُوَ يَقول بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ فَصَحَّ اللَّفْظُ الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرَ مَحَلٍّ لَهُ وَاسِطَةٌ وَالطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْإِيجَابِ الثَّانِي فِيهِ دَائِرًا بَيْنَ كَوْنِهِ مُوجِبًا لِسُقُوطِ النِّصْفِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُوجِبٍ شَيْئًا بِخِلَافِهِ فِي الْعِتْقِ، وَأَمَّا عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ لَا يَقول بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ فَلِأَنَّ الثَّابِتَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا، فَكَانَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ عِتْقَ نِصْفِهِ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُكَاتَبًا فِي الْإِيجَابِ الثَّانِي إنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَإِلَّا فَالْإِيجَابُ الْأَوَّلُ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ عِتْقُ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ بِكَمَالِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ نِصْفِ أَحَدٍ بِهِ، لَكِنْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ الْوَاحِدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمْ، فَقَدْ يُقَالُ مِنْ طَرَفِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّ اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ إنَّمَا هُوَ حَالُ صُدُورِ مَا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ، وَحَالُ صُدُورِ الْإِيجَابِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ فِي الثَّابِتِ عِتْقٌ أَصْلًا.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الِاعْتِبَارُ حَالَ صُدُورِهِ إذَا كَانَ لِتَعَرُّفِ حُكْمِهِ إذْ ذَاكَ، وَنَحْنُ إنَّمَا نُرِيدُ أَنْ نَتَعَرَّفَ حُكْمَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ يُعْتَبَرُ تَعْلِيقًا فِي حَقِّ الدَّاخِلِ بِحُكْمٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ.
أَمَّا الْبَرَاءَةُ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا تَحْتَمِلُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَيُعْتَبَرُ تَنْجِيزًا فِي حَقِّ الْبَرَاءَةِ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ تَنْجِيزًا كَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ أَوْ لَا يُوجِبَ شَيْئًا فَأَوْجَبَ سُقُوطَ رُبْعِ الْمَهْرِ مِنْ الثَّابِتَةِ وَالدَّاخِلَةِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّاخِلَةِ ثُمُنٌ وَتَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ أَثْمَانِ مَهْرِهَا وَمِنْ الثَّابِتَةِ كَذَلِكَ وَكَانَ سَقَطَ الْمُتَيَقَّنُ بِالْأَوَّلِ فَيَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ وَتَسْتَحِقُّ ثُمُنًا وَاحِدًا.
هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَخْصِيصَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَرْقِ بِمَا ذَكَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقول بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ فِي الْأَعْبُدِ فَيَقْوَى بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ ذَلِكَ السُّؤَالِ.

متن الهداية:
(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ، وَالْمَقْصُودَانِ يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ دَلَالَةً وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَالْمُطْلَقِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا، وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْمَحْفُوظِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ) الْمَقْصُودُ ذِكْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ يُوجِبُ الْبَيَانَ كَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ لَا بَيَانَ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَبِاللَّفْظِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقول: كُنْت نَوَيْته عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَعْتِقُ أَصْلًا.
وَالْبَيَانُ يَقَعُ صَرِيحًا كَقولهِ اخْتَرْت أَنْ يَكُونَ هَذَا حُرًّا بِذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي قُلْته، أَوْ يَقول: أَنْتَ حُرٌّ بِذَلِكَ الْعِتْقِ أَوْ أَعْتَقْتُك بِذَلِكَ الْعِتْقِ، أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قولهِ: أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت بِذَلِكَ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً فَلَا يَعْتِقُ الْآخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا عَتَقَ هُوَ وَالْآخَرُ مَعًا لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ آخَرُ نَازِلٌ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ وَبِهِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِنُزُولِ عِتْقٍ آخَرَ فَكَانَ كَالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ بِذَلِكَ الْإِعْتَاقِ.
وَدَلَالَةً كَمَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا مَعَ قَبْضٍ وَدُونَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِتَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ نَجَّزَ عِتْقَ أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَهُ أَوَّلًا، وَلِذَا عَتَقَ الْآخَرُ بِالْمُسَاوَمَةِ فِي صَاحِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ فِي الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ فَيَقَعُ بَيَانًا لِعِتْقِ الْآخَرِ، وَحُكْمًا كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْآخَرُ، وَلَيْسَ بَيَانًا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا، وَلِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَا إنْشَاءَ فِي الْآخَرِ بِمَوْتِ قَرِينِهِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ صِفَةُ اللَّفْظِ، بَلْ لَزِمَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ذَلِكَ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الَّذِي مَاتَ لِنُزُولِ الْعِتْقِ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَلَزِمَ لِذَلِكَ الْكَلَامِ عِتْقُ الْحَيِّ وَمَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ الْمُنَجَّزِ يَقَعُ بِهِ فِي الْمُعْتَقِ الْمُبْهَمِ الْمُعَلَّقِ كَأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ عَتَقَ الْبَاقِي.
وَفُرِّقَ بَيْنَ الْبَيَانِ الْحُكْمِيِّ وَالصَّرِيحِ، فَإِنَّ الْحُكْمِيَّ قَدْ رَأَيْت أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ قَبْلَ الشَّرْطِ اخْتَرْت أَنْ يَعْتِقَ فُلَانٌ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ قَبْلَ وَقْتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ ثُمَّ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا لِلْحِنْثِ لَا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُمَا ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ ثَبَتَ حُكْمُ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ الْيَمِينُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ الْمَجْهُولَةِ يَعْنِي قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَعَ آخَرَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فَعَتَقَ ذَلِكَ الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ عَتَقَ الْآخَرُ لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ بِالْعِتْقِ فَصَارَ كَمَوْتِهِ وَلَوْ كَاتَبَ أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ يَكُونُ بَيَانًا، وَلَوْ اسْتَخْدَمَ أَحَدَهُمَا أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ بَيَانًا.
قولهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى الْمُتَكَلِّمِ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ بِسَبَبِ بَيْعِهِ إيَّاهُ (وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُلْتَزَمُ بِقولهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَإِنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ كَامِلٍ بِالْبَيَانِ.
وَبِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَبْقَ عِتْقُهُ عِتْقًا كَامِلًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ عِنْدَ الْمَوْتِ (فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ) قَصَدَ (اسْتِبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ) بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَأَنْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَالْمَقْصُودَانِ) يَعْنِي الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَالِانْتِفَاعَ الْمُسْتَمِرَّ إلَى الْمَوْتِ (يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ بِالْإِيجَابِ الْمُبْهَمِ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ الْآخَرُ دَلَالَةً).
قولهُ: (وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا) أَيْ إذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا فَعَلِقَتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلْعِتْقِ لِلْمَعْنَيَيْنِ وَهُمَا كَوْنُهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْمُدَبَّرِ وَقَصْدُ إبْقَائِهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إلَى الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْوَطْءَ بِالْمُعَلِّقِ لِأَنَّ الْوَطْءَ غَيْرَ الْمُعَلِّقِ لَيْسَ بَيَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا سَنَذْكُرُ.
وَاسْتَشْكَلَ عَلَى تَعَيُّنِ الْآخَرِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلْبَيْعِ الْمَيِّتُ لَا الْحَيُّ مَعَ أَنَّ بِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ كَمَا لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْعِتْقِ، وَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إحْدَى هَاتَيْنِ بِنْتِي أَوْ أُمُّ وَلَدِي ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا لَا تَتَعَيَّنُ الْحَيَّةُ لِلِاسْتِيلَادِ وَلَا لِلْحُرِّيَّةِ.
وَجَوَابُ الْأَوَّلِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ عِنْدَ إشْرَافِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمَوْتِ تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِيهِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ كَمَا قَبَضَهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ تَعْيِيبٍ فَإِنَّمَا تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ وَهُوَ حَيٌّ لَا مَيِّتٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْعِتْقُ بِالْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ، فَلَوْ عَتَقَ كَانَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَامْتَنَعَ فَمَاتَ رَقِيقًا لِعَدَمِ مُوجِبِ النَّقْلِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ.
وَجَوَابُ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَيْسَ إيقَاعًا بِصِيغَتِهِ بَلْ إخْبَارٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبَرَ بِهَذَا عَنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَيُرْجَعَ إلَى بَيَانِ الْمَوْلَى.
وَقولهُ (لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ) يُرِيدُ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ.
وَقولهُ (وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ قَصْدُ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ، وَالْوُصُولُ إلَى الثَّمَنِ يُنَافِي الْعِتْقَ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ.
قولهُ: (وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ: إذَا وَهَبَ أَحَدَهُمَا وَأَقْبَضَ أَوْ تَصَدَّقَ وَأَقْبَضَ عَتَقَ الْآخَرُ، قَالُوا: ذِكْرُهُ الْإِقْبَاضَ تَوْكِيدٌ لَا لِلشَّرْطِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ تَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ إذَا عَيَّنَتْ الْآخَرَ وَلَيْسَ فِيهَا خُرُوجٌ عَنْ الْمِلْكِ فَعَقْدُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ أَدْخَلُ فِي طَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَهُ.

متن الهداية:
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لِمَا نُبَيِّنُ (وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا) لَمْ تَعْتِقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا الْمِلْكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنَكَّرَةِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِهِ، ثُمَّ يُقَالُ الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ أَوْ يُقَالُ نَازِلٌ فِي الْمُنَكَّرَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ تَقَبُّلِهِ وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْمُعَيَّنَةَ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ، أَمَّا الْأَمَةُ فَالْمَقْصُودُ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا) يَعْنِي تَطْلُقُ الْحَيَّةُ (لِمَا قُلْنَا) فِي الْعِتْقِ مِنْ عِتْقِ الْبَاقِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الْعِتْقِ (وَكَذَا لَوْ وَطِئَ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ تَطْلُقُ الْأُخْرَى لِمَا نُبَيِّنُ) فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَتَيْنِ الَّتِي تَلِيهَا.
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا) وَلَمْ تَعْلَقْ (لَمْ تَعْتِقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، أَمَّا لَوْ عَلِقَتْ عَتَقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا مُدَبَّرَةٌ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ (وَقَالَا تَعْتِقُ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ (لَهُمَا أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي مِلْكٍ) وَإِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ فِي الْمِلْكِ لِعِتْقِ إحْدَاهُمَا بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَلِذَا لَوْ قَتَلَهُمَا إنْسَانٌ وَجَبَ نِصْفُ دِيَةٍ وَقِيمَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَ بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا مُبَيِّنًا لِلْمُسْتَبْقَى لِمِلْكِهَا (فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ) الْمُبْهَمِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا أَوْ دَخَلَ فَقَالَ: طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ ثَلَاثًا فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الطَّلَاقَ بِمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى لِحِلِّ وَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَهَلْ يَثْبُتُ الْبَيَانُ فِي الطَّلَاقِ بِالْمُقَدِّمَاتِ؟ فِي الزِّيَادَاتِ لَا يَثْبُتُ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَحْصُلُ بِالتَّقْبِيلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ (وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهِمَا) جَمِيعًا حَتَّى قَالَ يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ كَانَ الْوَاجِبُ عُقْرَ مَمْلُوكَتَيْنِ وَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْبَدَلَ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُنْكَرَةِ: أَيْ الْمُبْهَمَةِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهِيَ غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ وَتُنَافِيهَا، لِأَنَّ الْمُعَيَّنَةَ لَيْسَتْ دَائِرَةً بَيْنَ نَفْسِهَا وَالْمُعَيَّنَةُ الْأُخْرَى فِي حَقِّ الْعِلْمِ وَالْمُبْهَمَةُ أَحَدٌ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا وَوُقُوعُهُ فِي الْمُعَيَّنَةِ مَشْرُوطٌ بِالْبَيَانِ فَكَانَ عِتْقُ الْمُعَيَّنَةِ مُعَلَّقًا بِهِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّ لَهُ وَطْأَهُمَا قَبْلَ الشَّرْطِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ.
فَقولهُمَا إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ إنْ أُرِيدَ الْمُعَيَّنَةُ مَنَعْنَاهُ أَوْ الْمُبْهَمَةُ سَلَّمْنَاهُ، وَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَوَطْؤُهُمَا لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّ الْحُرْمَةِ فَحَلَّ، فَإِذَا حَلَّ وَطْءُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ وَطْءُ إحْدَاهُمَا دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ الْأُخْرَى بِعِتْقِهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ الْحَلَالُ وَطْءَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَحِينَئِذٍ يَرِدُ النَّقْضُ بِالْوَطْءِ بِالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذُكِرَ لَزِمَ حِلُّ وَطْئِهِمَا لِوُقُوعِهِ فِي مُعَيَّنَةٍ وَالْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْمُبْهَمَةُ، فَإِذَا أُجِيبَ عَنْهُ بِتَقْيِيدِ حِلِّهِمَا بِمَا إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ إحْدَاهُمَا لِلطَّلَاقِ وَبِمُجَرَّدِ وَطْءِ إحْدَاهُمَا تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى فَتُحَرَّمُ بِخِلَافِهِ فِي الْعِتْقِ عَادَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ كَمَا كَانَ الْوَطْءُ بَيَانًا فِي الطَّلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا فِي الْعِتْقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الزَّوْجَتَيْنِ الْمُعَيَّنَتَيْنِ قَائِمٌ، وَإِنَّمَا الْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْمُبْهَمَةُ، وَلَا جَوَابَ لَهُ سِوَى أَنَّ الدَّالَ فِي الْأَصْلِ: أَعْنِي الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ لَيْسَ إلَّا قَصْدَ الِاسْتِبْقَاءِ فَإِنَّهُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ الْأُخْرَى إذَا كَانَ الْوَاجِبُ إخْرَاجَ إحْدَاهُمَا عَنْ الْمِلْكِ وَهُوَ مُبْطِنٌ فَيُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ طَلَبَهُ يُفِيدُ اسْتِبْقَاءَ مَنْ هُوَ مِنْهَا كَيْ لَا يَضِيعَ حَالُهُ، وَوَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ هُوَ الْمُفِيدُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ لَهُ عَقْدُهَا لَا وَطْءُ الْأَمَةِ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَمْ يُوضَعْ لِذَلِكَ بَلْ لِلِاسْتِخْدَامِ، وَوَطْؤُهَا مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِخْدَامِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ، فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ الْوَلَدِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، وَعَلَى هَذَا وَيَكْفِي فِي دَلِيلِهِمَا أَنْ يُقَالَ وَطْءُ إحْدَاهُمَا دَلِيلُ اسْتِبْقَائِهَا كَالْوَطْءِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ، وَفِي وَجْهٍ قولهُ مَنَعَ دَلَالَتَهُ، وَالْفَرْقُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَحِلِّ وَطْئِهِمَا.
ثُمَّ الْقول بِأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ لِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا، وَقَدْ وَضَعَ فِي الْأُصُولِ مَسْأَلَةً يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّمَ أَحَدٌ أَشْيَاءَ كَمَا يَجُوزُ إيجَابُ أَحَدٍ أَشْيَاءَ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَحُكْمُ تَحْرِيمِ أَحَدٍ أَشْيَاءَ جَوَازُ فِعْلِهَا إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّهَا فِعْلًا كَانَ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ قَطْعًا وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ قَدْ يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْوَطْءُ لِعَارِضٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمَجُوسِيَّةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ قِيَامُهُ حِلَّ الْوَطْءِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ مُوجَبَ اللَّفْظِ وَهُوَ عِتْقُ إحْدَاهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، فَفِي وَطْئِهِمَا وَطْءُ الْمُحَرَّمَةِ بِيَقِينٍ فَلَا يَحِلُّ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ قَائِمًا فِيهِمَا، بِخِلَافِ أَخْذِهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمِلْكِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحِلِّ الْوَطْءِ، وَغَرَامَةُ قِيمَةِ مَمْلُوكِينَ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ نِصْفُ قِيمَةٍ وَدِيَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إذَا قَتَلَهُمَا رَجُلٌ لِصِحَّةِ إثْبَاتِهِ بِدُونِ التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ بِيَقِينٍ وَلَا تُعْرَفُ فَتُنَصَّفُ فِي الضَّمَانِ ثُمَّ مَا هُوَ قِيمَةٌ لِلْمَوْلَى وَمَا هُوَ دِيَةٌ لِلْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلَانِ فَإِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قِيمَةَ أَمَةٍ إذْ لَيْسَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرَّةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ يَقول ذَلِكَ فَتَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ قَتْلِ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْحُرَّةَ لَا تَعْدُوهُمَا فَتَحَقَّقَ عَلَيْهِ ضَمَانُ حُرَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ بِعَيْنِهَا فَتَوَزَّعَ فِيهِمَا.
وَقولهُمْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِمَا مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ فَجَازَ وَطْؤُهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَا تَعْلِيقَ بَلْ تَنْجِيزٌ مَأْمُورٌ فِي الشَّرْعِ بِتَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ كَانَ يَمِينًا مَحْضًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إيقَاعِ شَرْطِهِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَهُنَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَعُرِفَ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْوُقُوعِ فِي الْمُعَيَّنَةِ عَلَيْهِ شَبَهًا لَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ أَحْكَامِهِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ قَبْلَ الشَّرْطِ فِيهِمَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ صَرِيحًا بَلْ خَرَجَ مِنْ تَعْلِيلِهِ الْمِلْكَ فِيهِمَا بِحِلِّ وَطْءِ إحْدَاهُمَا.
فُرُوعٌ:
مِنْ الْبَيَانِ لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ عَتَقَتْ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ الْأُخْرَى عَتَقَتْ الْأُولَى فَتَعْتِقَانِ، لِأَنَّ قولهُ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ إقْرَارٌ بِعِتْقِ الْأُخْرَى فَقَدْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِمَا، وَكَذَا هَذَا فِي الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَيَّ أَلْفٌ فَقِيلَ لَهُ أَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَا لَمْ يَجِبْ لِلْآخَرِ شَيْءٌ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ فِي الْإِقْرَارِ الْمُبْهَمِ لَيْسَ وَاجِبًا بِخِلَافِهِ فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمُبْهَمِ.
وَلَوْ قَالَ أَمَةٌ وَعَبْدٌ مِنْ رَقِيقِي حُرَّانِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ وَعَبْدَانِ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَمِنْ كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْإِمَاءُ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إنْ كَانَتَا أَمَتَيْنِ عَتَقَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهَا أَوْ ثَلَاثًا عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهَا وَتَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

متن الهداية:
(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْأُمُّ بِشَرْطٍ وَالْجَارِيَةُ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لَهَا، إذْ الْأُمُّ حُرَّةٌ حِينَ وَلَدَتْهَا، وَتَرِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ، أَمَّا الْغُلَامُ يَرِقُّ فِي الْحَالَيْنِ فَلِهَذَا يَكُونُ عَبْدًا، وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقول قولهُ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ، فَإِنْ حَلَفَ يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرَةٌ لِكَوْنِهَا نَفْعًا مَحْضًا فَاعْتُبِرَ النُّكُولُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَتْ الْأُمُّ بِنُكُولِ الْمَوْلَى خَاصَّةً دُونَ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ، وَصِحَّةُ النُّكُولِ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِسَبْقِ وِلَادَةِ الْغُلَامِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ يَثْبُتُ عِتْقُ الْجَارِيَةِ بِنُكُولِ الْمَوْلَى دُونَ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا، وَالتَّحْلِيفُ عَلَى الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ) وَتَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهَا (وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ) وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ (وَالْغُلَامُ عَبْدٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَعِتْقُ الْأُمِّ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهَا وَالْجَارِيَةِ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَقَدْ وَلَدَتْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ وَتَرِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ، فَإِذَا عَتَقَتَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْغُلَامُ عَبْدٌ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَأُمُّهُ قِنَّةٌ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَعْتِقُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا إيَّاهُ أَوَّلًا لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطُ عِتْقِهَا وَالْمَشْرُوطُ يَتَعَقَّبُ الشَّرْطَ وَهَذَا الْجَوَابُ كَمَا تَرَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ.
وَالْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِعِتْقِهِ وَاعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ إيقَاعُ الْعِتْقِ بِالشَّكِّ، فَعَنْ هَذَا حَكَمَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ أَوَّلًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ.
وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ بَلْ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يُحَلَّفُ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا، فَإِنْ نَكَلَ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ، وَإِنْ حَلَفَ فَكُلُّهُمْ أَرِقَّاءٌ، وَأَنَّ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ وَالِابْنَةُ حُرَّةٌ وَتَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ جَوَابَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعْتِقُ جَمِيعُ الْجَارِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا عَتَقَتْ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا عَتَقَتْ تَبَعًا لِلْأُمِّ.
وَأَمَّا انْتِصَافُ عِتْقِ الْأُمِّ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي وِلَادَةِ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَتَرِقُّ فِي الْجَارِيَةِ، وَجَوَابُ الْكِتَابِ عِتْقُ نِصْفِهَا مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ.
وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي لَمْ يُتَيَقَّنْ وُجُودُهُ إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ كَانَ الْقول قول مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ، كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت غَدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ أَمْ لَا لِلشَّكِّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ، فَكَذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا فِي طَرَفَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ.
فَإِنْ قُلْت: الْمَفْرُوضُ فِي صُورَةِ الْكِتَابِ تَصَادُقُهُمْ عَلَى عَدَمِ عِلْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ فَكَيْفَ يُحَلَّفُ وَلَا دَعْوَى وَلَا مُنَازِعَ؟ قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى دَعْوَى مِنْ خَارِجِ حِسْبَةِ عِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ بِنْتِهَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ أَنْكَرَتْ الْعِتْقَ وَشُهِدَ بِهِ تُقْبَلُ، فَعَلَى هَذَا جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ حِسْبَةً إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِيُحَلَّفَ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ، هَذَا وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي تَعْلِيلِهِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأُمَّ تَدَّعِي الْعِتْقَ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ وَالْقول لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، فَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ دَعْوَى الْأُمِّ وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْكِتَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَرْجِيحِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ حَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَرِدْ عَنْهُمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ الْجَوَابَ.
وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَائِنَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ إلَخْ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الظَّاهِر لَا الْخَفِيِّ وَلِهَذَا قَيَّدَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ فَقَالَ الْعَبْدُ فَعَلْت لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ قولهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَخْ، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ ظَاهِرَةً فَيُوجِبُ الشَّكُّ فِيهَا اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ كَمَا فِي الْجَامِعِ.
قولهُ: (وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقول قولهُ مَعَ الْيَمِينِ) بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا (لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ) مَعًا (لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ) تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا نَفْعٌ مَحْضٌ مَعَ ثُبُوتِ وِلَايَتِهَا عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ وَعَجْزِ الصَّغِيرَةِ عَنْ دَعْوَاهَا لِنَفْسِهَا فَاعْتُبِرَ نُكُولُهُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا (فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا) مِنْ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا (وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهِ) يَعْنِي وَلَدَتْهُمَا فَادَّعَتْ الْأُمُّ تَقَدُّمَ الْغُلَامِ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ بَالِغَةٌ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ خَاصَّةً بِنُكُولِهِ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَنْ الْغَيْرِ إنَّمَا تَصِحُّ بِوِلَايَةٍ أَوْ إنَابَةٍ وَهُمَا مُنْتَفِيَتَانِ عَنْ الْكَبِيرَةِ فَلَا تَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ الْبِنْتِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا ثَبَتَ عِتْقُ الْأُمِّ يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ حُرِّيَّةُ بِنْتِهَا لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ فَالْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّتِهَا إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةِ الْأُخْرَى.
أُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ عِتْقِ الْأُمِّ بِالنُّكُولِ عِتْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَذْلًا لِمَالِيَّتِهَا مِنْ الْمَوْلَى لِيَتْرُكَ الْحَلِفَ أَوْ إقْرَارًا بِحُرِّيَّتِهَا بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَلَا يُوجِبُ عِتْقَ الْبِنْتِ، وَبِأَنَّ النُّكُولَ جُعِلَ إقْرَارًا عَلَى قولهِمَا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنَا كَفِيلٌ بِكُلِّ مَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا فَأَنْكَرَ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ كَفِيلًا، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ صَارَ كَفِيلًا.
قولهُ: (وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِسَبْقِ وِلَادَةِ الْغُلَامِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ ثَبَتَ عِتْقُ الْجَارِيَةِ بِنُكُولِ الْمَوْلَى دُونَ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا) فِي أَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالنُّكُولُ يُبْنَى عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى.
قولهُ: (وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى مِنْ الْوُجُوهِ الْبَاقِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ فِي الثَّانِي وَيَعْتِقُ كُلُّ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَبِهِمَا تَتِمُّ الْأَوْجُهُ لِلْمَسْأَلَةِ سِتَّةً.
فَرْعٌ:
فِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا فَهُمَا حُرَّانِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ الْأَوَّلُ عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْغُلَامِ وَرُبُعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ، أَمَّا الْأُمُّ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ يَجِبُ أَنْ يَعْتِقَ ثُلُثُهَا لِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَتَرِقُّ فِي حَالَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ وِلَادَةُ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي حَالٍ بِأَنْ وَلَدَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا، وَيَرِقُّ فِي حَالٍ بِأَنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْجَارِيَتَانِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ رُبُعُهَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ إصَابَةَ الْحُرِّيَّةِ بِجِهَتَيْنِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعْتِقَ بِعِتْقِ نَفْسِهِ، وَمَتَى عَتَقَ بِعِتْقِ نَفْسِهِ لَا يَعْتِقُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ إلْغَاءِ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ فَأَلْغَيْنَا إصَابَةَ الْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَاعْتَبَرْنَا الْإِصَابَةَ بِعِتْقِ أَنْفُسِهِمَا لِأَنَّهُمَا أَقَلُّ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ، فَإِنْ كَانَتْ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا لَا يَعْتِقَانِ بِعِتْقِ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ وِلَادَةُ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا تَعْتِقُ الْأَخِيرَةُ بِعِتْقِ نَفْسِهَا فَتَثْبُتُ لَهُمَا حُرِّيَّةٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَثْبُتُ نِصْفُهُ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ مِنْ كُلٍّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِأَنَّ الْغُلَامَ لَوْ كَانَ أَوَّلًا تَعْتِقُ الْأُمُّ فَتَعْتِقُ الْجَارِيَتَانِ بِعِتْقِهَا، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْغُلَامُ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ الْأُولَى وَالْأُخْرَى رَقِيقَةٌ فَكَانَ لَهُمَا عِتْقٌ وَنِصْفٌ بَيْنَهُمَا وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ قول أَبِي عِصْمَةَ وَقَالَ: هُوَ الَّذِي يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ) اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ (وَإِنْ شُهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الشَّهَادَةُ فِي الْعِتْقِ مِثْلُ ذَلِكَ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ.
وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ.
وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ انْعَدَمَ الدَّعْوَى.
أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَعَدَمُ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا.
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَشَابَهُ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ فِي الْعَتَاقِ) أَيْ عَتَاقِ الْأَصْلِ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا بِتَدْبِيرِهِ أَحَدَهُمَا مُطْلَقًا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُ وَقَعَ كَانَ وَصِيَّةً، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ وَيُؤْمَرُ بِتَنْجِيزِ عِتْقِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ.
قولهُ: (وَأَصْلُ هَذَا) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ (أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ) مُطْلَقًا لَا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ رَشِيدُ الدِّينِ أَنَّ الدَّعْوَى عِنْدَهُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ بَلْ فِي الْعَارِضَةِ فَقَطْ (وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ) بِلَا دَعْوَى (وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ) وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْأَمَةُ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا وَتَعْتِقُ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ، وَكَذَا عَلَى طَلَاقِ إحْدَى النِّسَاءِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ أَنْكَرَتْ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ عَلَى إحْدَاهُنَّ.
قولهُ: (وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ) وَجْهُ قولهِمْ: إنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ حَقُّ الشَّرْعِ إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْمِيلُ الْحُدُودِ وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ وَالْجِهَادُ وَالزَّكَاةُ، وَيَصِحُّ نَذْرُهُ بِهِ وَحَلِفُهُ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ، وَلَا يَرْتَدُّ إقْرَارُ السَّيِّدِ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّنَاقُضِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ ثُمَّ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا لِمَنْعٍ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يُبْطِلُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا لَا تَكْفِي شَهَادَةُ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا دِينِيًّا يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِبْطَالَ مَالِيَّةِ مَالِهِ، فَلِذَا شُرِطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ اثْنَانِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ إمَّا زَوَالُ الْمِلْكِ الْمُسْتَلْزِمِ لِثُبُوتِ الْقُوَّةِ مِنْ مَالِكِيَّتِهِ، أَوْ هُوَ نَفْسُهَا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْحَقِيقَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُثْبِتُ مَا ذُكِرَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى ثَمَرَاتٍ لِهَذَا الثُّبُوتِ فَصَحَّ كَوْنُهُ حَقَّهُ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَا يَكُونُ ثُبُوتُ اللَّازِمِ إلَّا بَعْدَ الْمَلْزُومِ، وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَلْزِمُ حَقَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَاهُ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا عِتْقُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ حُرْمَةُ فَرْجِهَا الَّتِي هِيَ حَقُّهُ تَعَالَى تَثْبُتُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهَا مِنْ الْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِطَ دَعْوَاهَا.
فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ لِرَغْبَتِهَا فِي صُحْبَةِ مَوْلَاهَا حَتَّى نَقول: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَيْضًا مُتَّهَمًا قُبِلَتْ بِلَا دَعْوَاهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَزِمَهُ حَدُّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ فِي طَرَفٍ حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ.
قُلْنَا: نَفْرِضُ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ تُنْكِرْ وَلَكِنَّهَا سَاكِتَةٌ لِعَدَمِ عِلْمِهَا بِحُرِّيَّتِهَا، ثُمَّ قَدْ يُمْنَعُ تَأْثِيرُ كَوْنِ الثَّابِتِ بِالْعِتْقِ أَوَّلًا مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ مُسْتَلْزِمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى، لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ اسْتِلْزَامُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ حُكْمُهُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى سَوَاءٌ ثَبَتَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا؛ فَإِنْ حُوِّلَ التَّقْرِيرُ هَكَذَا الْعِتْقُ يَتَضَمَّنُ حَقَّ الْعَبْدِ وَحَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَمَّا حَقُّهُ سُبْحَانَهُ فَمَا ذَكَرْتُمْ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مَالِكًا لِأَكْسَابِ نَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَتَثْبُتُ وِلَايَاتُهُ مِنْ نَفَاذِ قولهِ فِي الشَّهَادَةِ وَإِنْكَاحِ بِنْتِهِ وَحُصُولِ الْمِيرَاثِ لَهُ إذَا مَاتَ قَرِيبُهُ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى دَعْوَى بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِعَدَمِ الِارْتِدَادِ بِالرَّدِّ وَعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى قَبُولِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ حَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِصًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ وَإِبْرَاءَ الْكَفِيلِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَكَذَا التَّنَاقُضُ فَإِنَّ عَدَمَ مَنْعِهِ لِخَفَاءِ رِقِّ الْأَصْلِ وَحُرِّيَّتِهِ كَمَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلِمَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ فِي الْعِتْقِ الْحَقَّانِ فَلِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، قُلْنَا: لَا يُمْنَعُ التَّنَاقُضُ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ، وَلِحَقِّ الْعَبْدِ شَرَطْنَا الدَّعْوَى وَالشَّاهِدَيْنِ أَيْضًا.
وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِتْقُ الْأَمَةِ فَإِنَّ فِيهَا الْحَقَّيْنِ فَتَجِبُ الدَّعْوَى وَالشَّاهِدَانِ لِحَقِّ الْعَبْدِ، وَلَا يُمْنَعُ التَّنَاقُضُ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَيْضًا إذَا كَانَ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى لَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهَا لِأَنَّهُ بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مَعَهُ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى الدَّعْوَى وَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ، لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِلَا دَعْوَى فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى اقْتَضَى وُجُوبَ تَرْتِيبِ مُقْتَضَاهَا وَالْآخَرُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَثْبُتَ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ اجْتِمَاعُ الْحَقَّيْنِ وَتَعَارُضُ مُقْتَضَاهُمَا، فَتَرَجَّحَ مَا ثَبَتَ شَرْعًا لِاحْتِيَاطٍ فِي أَمْرِهِ وَتَوْكِيدِهِ، وَأَمْرُ الْفُرُوجِ مُحْتَاطٌ فِيهِ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ إثْبَاتُهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِثْلُهُ، فَلِذَا وَقَعَ الْفَرْقُ عِنْدَهُ بَيْنَ عِتْقِ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقِ وَبَيْنَ عِتْقِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ حَقَّهُ سُبْحَانَهُ الثَّابِتَ وَهُوَ حُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ الْمُقْتَضِي لِنَفْيِ الدَّعْوَى لَيْسَ مِنْ التَّأْكِيدِ بِحَيْثُ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ بِلَا دَعْوَى، وَهُمَا يَقولانِ جَمِيعُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بِلَا دَعْوَى لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَصْمُ فِيهَا وَالْعَبْدُ الشَّاهِدُ نَائِبُهُ فَتُضَمَّنُ شَهَادَتُهُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَإِنْ افْتَقَرَ ثُبُوتُهُ إلَى الدَّعْوَى فَقَدْ انْتَصَبَ النَّائِبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى نَائِبًا عَنْهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، فَإِنَّ الْمُثْبِتَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الشَّهَادَةَ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِيهِ مَا لَوْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ الْعِتْقَ وَلَا تُهْمَةَ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّرْجِيحُ وَيَتَرَجَّحُ حَقُّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَلَا يُقَالُ: الْمُقَرَّرُ تَرَجُّحُ حَقِّ الْعَبْدِ.
لِأَنَّا نَقول: ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ بِأَنْ كَانَ ثُبُوتُ أَحَدِهِمَا يَنْتَفِي مَعَهُ الْآخَرُ وَهُنَا يَثْبُتُ حَقُّ الْعَبْدِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ إذَا أَثْبَتْنَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ إثْبَاتًا لِحَقِّ الْعَبْدِ سَابِقًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَى رَغْمِهِ.
قولهُ: (وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لِأَنَّهُ عِتْقُ الْمَجْهُولِ (وَالدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ) وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَتَنْتَفِي الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا مُطْلَقًا فَتُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا.
قولهُ: (وَلَوْ شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ.
أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ فَرْجِهَا عَلَى مَوْلَاهَا وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا (فَشَابَهُ الطَّلَاقَ) وَفِيهِ لَا يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ بِهِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ فَكَذَا هَذَا (وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) فَانْتَفَى الْمُسْقَطُ فِيهِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ سُقُوطِ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ تَحْرِيمَ فَرْجِهَا عَلَى الْمُعْتِقِ لَشُرِطَتْ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ.
وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ لَمْ تَتَضَمَّنْ تَحْرِيمَ فَرْجِهَا لِحُرْمَتِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَحِلِّهَا فِي الرَّجْعِيِّ بَعْدَهَا.
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ بِعِتْقِهَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّ وَطْءَ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ الْمَمْلُوكَةِ لَيْسَ بِزِنًا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ عِتْقِهَا وَبَعْدَهُ يَلْزَمُهُ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ يَنْعَقِدُ بِهِ سَبَبُ حُرْمَةِ فَرْجِهَا فَأَثْبَتَتْ تَحْرِيمًا مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى عِنْدَهُ، وَمَا قِيلَ إنَّ وَطْأَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ خُبْثُهَا كَالْحَائِضِ فَبِالشَّهَادَةِ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ الْوَطْءُ فِيهِ مَا فِيهِ.
قولهُ: (وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا بِعِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فِي صِحَّتِهِ).

متن الهداية:
أَمَّا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ وَصِيَّةً، وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ.
وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَشِيعُ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا مُتَعَيَّنًا.
الشَّرْحُ:
(أَمَّا إذَا شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ) لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمَا بِعِتْقٍ هُوَ وَصِيَّةٌ وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ يَكُونُ وَصِيَّةً مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَهُ لِعَدَمِ خَصْمٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ الدَّعْوَى، وَإِذَا كَانَ وَصِيَّةً فَالْخَصْمُ فِيهَا هُوَ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ مِنْ حُقُوقِ الْمُوصِي فَهُوَ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي فِيهَا وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ نَائِبٌ مَعْلُومٌ هُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْخَصْمَ فِي إثْبَاتِ الْعِتْقِ لَيْسَ هُوَ السَّيِّدُ لِإِنْكَارِهِ بَلْ هُوَ الْعَبْدُ وَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَوَجْهٌ آخَرُ لِلِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ أَنَّ الْخَصْمَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْعِتْقِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصِيَ كَانَ كُلًّا مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا مُعَيَّنَانِ، وَفِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا تَصِحُّ خُصُومَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَالْمُعْتَقُ الْمُبْهَمُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنَّ الْعِتْقَ حِينَئِذٍ يَشِيعُ فِيهِمَا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا خَصْمًا مَعْلُومًا.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَصْمِ هُنَا مَنْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ وَلَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ فَفَرَضَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ مُنْكِرِينَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قولهُ وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ: يَعْنِي الْوَصِيَّ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مُنْكِرِينَ أَوْ الْوَرَثَةَ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ مُنْكِرًا فَقِيلَ: فَيُشْكِلُ مَا لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ مُنْكِرًا إذْ لَا تَبْطُلُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِوَصِيَّةٍ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ خَلَفًا وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِاعْتِبَارِ جَعْلِ الْمَيِّتِ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا، وَأَيْضًا قولهُ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَيَاتِهِ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ قَبُولَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِاعْتِبَارِهَا وَصِيَّةً لِاعْتِبَارِهِ مُدَّعِيًا وَعَدَمُ قَبُولِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ الْعَبْدَانِ وَهُمَا غَيْرُ مَنْ أُثْبِتَ فِيهِ الْعِتْقُ أَعْنِي الْمُبْهَمَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْزَالَهُ مُدَّعِيًا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَمَّا قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ، وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ، وَرُدَّتْ لِعَدَمِ الْمُدَّعِي وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَرِيضُ قَدْ أُصْمِتَ حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُؤَخَّرَ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَيُقْضَى بِهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا، أَوْ يَعِيشَ فَيُطْلَقَ لِسَانُهُ فَيَرُدَّ لِعَدَمِ الْخَصْمِ الْمُدَّعِي.

متن الهداية:
وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَقَدْ قِيلَ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ.
وَقِيلَ تُقْبَلُ لِلشُّيُوعِ هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ) لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْرِيعِهَا عَلَى قولهِ (فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ) لِإِسْنَادِهِمَا الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا (وَقِيلَ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْعِتْقَ شَاعَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَصِحُّ دَعْوَاهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَصَحَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبُولَهَا قَالَ: لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ فَيَتَعَدَّى بِإِحْدَاهُمَا، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقول: شُيُوعُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى صِحَّةِ كَوْنِ الْعَبْدَيْنِ مُدَّعِيَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ قولهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَلَا مُثْبِتَ لَهُ إلَّا الشَّهَادَةُ وَصِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ مِنْ الْخَصْمِ فَصَارَ ثُبُوتُ شُيُوعِ الْعِتْقِ مُتَوَقِّفًا عَلَى ثُبُوتِ الشَّهَادَةِ، فَلَوْ أُثْبِتَتْ الشَّهَادَةُ بِصِحَّةِ خُصُومَتِهِمَا وَهِيَ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِيهِمَا شَائِعًا لَزِمَ الدَّوْرُ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ وَجْهُ ثُبُوتِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى قولهِ لَزِمَ تَرْجِيحُ الْقول بِعَدَمِ قَبُولِهَا وَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ.
فُرُوعٌ:
شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَمَةً بِعَيْنِهَا وَسَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ وَهُوَ عِتْقُ مَعْلُومَةٍ بَلْ مَجْهُولَةٍ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَسَمَّاهَا فَنَسِيَاهَا.
وَعِنْدَ زُفَرَ تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قولهُمَا كَقول زُفَرَ فِي هَذِهِ لِأَنَّهَا كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ وَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَلَوْ شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا وَلَا يَعْرِفُونَ سَالِمًا وَلَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ اسْمُهُ سَالِمٌ عَتَقَ لِأَنَّهُ كَانَ مُعَيَّنًا لِمَا أَوْجَبَهُ، وَكَوْنُ الشُّهُودِ لَا يَعْرِفُونَ عَيْنَ الْمُسَمَّى لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ، كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْعَبْدَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدُوا بِبَيْعِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ كُلُّ وَاحِدٍ اسْمُهُ سَالِمٌ وَالْمَوْلَى يَجْحَدُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى لِقَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، وَلَا تَتَحَقَّقُ هُنَا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا فَصَارَتْ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةِ.
وَهَذَا:
فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ:
إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ الْعِتْقَ وَأَقَامَ شَاهِدًا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى، وَفِي الْأَمَةِ إذَا قَالَتْ: شَاهِدِي الْآخَرُ حَاضِرٌ يُحَالُ، وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ إنْ كَانَ الْمَوْلَى مَخُوفًا عَلَى الْعَبْدِ حِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُنْظَرَ فِي أَمْرِ الشُّهُودِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ تَمَّتْ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا نَفَذَ فَثَبَتَتْ بِهِ الْحَيْلُولَةُ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا شَهِدَا بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ اللَّفْظِ أَوْ اللُّغَةِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ قول يُعَادُ وَيُكَرَّرُ فَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَافَ الْمَشْهُودِ بِهِ اخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ وَهَبَهُ نَفْسَهُ لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَضْعًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالْإِعْتَاقَ إحْدَاثُ الْقُوَّةِ أَوْ إزَالَةُ الْمِلْكِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَيُحْمَلُ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي اللَّفْظِ لَا يَمْنَعُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُؤَدَّى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا وَضْعًا.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ لِقَبُولِهَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَفْظًا مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ لَفْظٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ فَأَحَدُهُمَا جَعَلَهُ كَلَامَ زَيْدٍ وَالْآخَرُ الدُّخُولَ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ، إذْ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ الدُّخُولُ مَثَلًا وَقَالَ الْمَوْلَى بَلْ كَلَامُ فُلَانٍ فَأَيَّهمَا فَعَلَ فَهُوَ حُرٌّ لِثُبُوتِ الدُّخُولِ شَرْطًا بِالشَّهَادَةِ وَالْكَلَامِ بِقول الْمَوْلَى.
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِجُعْلٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ جُعْلٍ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِجُعْلٍ يُخَالِفُ الْعِتْقَ بِغَيْرِ جُعْلٍ فِي الْأَحْكَامِ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْجُعْلِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ الْجُعْلَ سَوَاءٌ ادَّعَى الْعَبْدُ أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا.
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ وَالْعَبْدُ يُنْكِرُ عَتَقَ لِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِحُرِّيَّتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِإِكْذَابِهِ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ بِالْأَكْثَرِ، وَإِنْ ادَّعَى الْعِتْقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَأَحَدُهُمَا يَشْهَدُ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَقُومُ هُنَا عَلَى الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا تَقُومُ عَلَى الْمَالِ، وَمَنْ ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِأَلْفٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى، بِخِلَافِ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ إنْ كَلَّمَ زَيْدًا وَالْآخَرُ إنْ دَخَلَ بِأَيِّهِمَا فَعَلَ عَتَقَ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ التَّعْلِيقَيْنِ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ.
وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى فِي مِقْدَارِ مَا أَعْتَقَهُ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنَّهُ أَدَّاهَا وَأَقَامَ الْمَوْلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَيْنِ إلَخْ فَالْعَبْدُ حُرٌّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ تَنَجُّزَ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ.
وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ وَأَقَامَ الْمَوْلَى أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ تَنَجَّزَ بِالْقَبُولِ فَكَانَ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِي بَيِّنَةِ الْمَوْلَى.
قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ فَأَدَّاهَا مِنْ مَالِ الْمَوْلَى كَانَ حُرًّا وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْعِتْقُ هُنَا حَصَلَ بِالْقَبُولِ لَا بِأَدَاءِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْفَصْلُ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْأَدَاءِ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى مَسْرُوقًا أَوْ مَغْصُوبًا مِنْ الْمَوْلَى ثُمَّ رَدَّ هَذَا الْمَالَ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَقَعُ عَنْ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْحُكْمِ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ.
وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِ الْحُكْمِ وَلَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَلَكِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَةَ مَا أَتْلَفَا مِنْ مَالِيَّتِهِ عَلَى الْمَوْلَى إذْ قَدْ اعْتَرَفَا بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّتَهُ عَلَى الْمَوْلَى بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَلَوْ ضَمِنَا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةُ غَيْرِهِمْ بِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ أَعْتَقَهُ إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الضَّمَانُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِمَا هُوَ لَغْوٌ وَعَتَقَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْمُعْتَقُ لَا يُعْتَقُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ لَمْ يَرْجِعُوا بِمَا ضَمِنُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قول أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا ضَمِنُوا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي حُرِّيَّةُ الْعَبْدِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مُدَّعٍ لِذَلِكَ، وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ لَمْ يُتْلِفُوا عَلَى الْمَوْلَى شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمْ، وَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَعِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى وَلَا مُدَّعٍ لِمَا شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي، فَإِنَّ الْعَبْدَ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَ الْعِتْقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.