فصل: بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ:

(وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ زُفَرٌ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي كَمَا قَالَ زُفَرٌ. لَهُ إنَّ الْخِطَابَاتِ عَامَّةٌ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَتَلْزَمُهُمْ، وَإِنَّمَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا، فَإِذَا تَرَافَعُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ. وَلَهُمَا أَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا فَكَانُوا مُلْتَزِمِينَ لَهَا، وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ، وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ فَحَالَةُ الْمُرَافَعَةِ وَالْإِسْلَامِ حَالَةُ الْبَقَاءِ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا، وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَرْتَبَتَيْهِ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا كِتَابِيِّينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ إمَّا تَغْلِيبًا وَإِمَّا ذَهَابًا إلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ دَاخِلُونَ فِي الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَإِمَّا إطْلَاقًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ قول طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ عَنْ ذَلِكَ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَعْقَبَ بَابَ الْمَهْرِ بِفَصْلِ مُهُورِ الْكُفَّارِ تَتْمِيمًا لَبَابِ الْمَهْرِ تَبَعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا تَحَقَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ لِتَظَافُرِ الِاعْتِقَادَيْنِ عَلَى صِحَّتِهِ وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ، فَحَيْثُ وَقَعَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ الْعَامِّ وَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَصِحُّ أَنْكِحَتُهُمْ بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْخِطَابِ الْعَامِّ إيَّاهُمْ مَعَ مَلْزُومِيَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ لِعَدَمِ بَعْضِ الشُّرُوطِ كَالْوِلَايَةِ وَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، وَلِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي الْعَقْدِ عِنْدَهُمْ. قَالَ: وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطٌ فَإِذَا عَقَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لَكِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ عَدَمَ الصِّحَّةِ. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا صَادَفَ شُرُوطَ الصِّحَّةِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَمَا لَا فَفَاسِدٌ. وَلَنَا قوله تَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} وَقولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» وَأَسْلَمَ فَيْرُوزُ عَلَى أُخْتَيْنِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَرْ إحْدَاهُمَا» وَأَسْلَمَ ابْنُ غَيْلَانَ عَلَى عَشْرٍ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ أَرْبَعًا» الْحَدِيثَ. وَمِنْ حِينِ ظَهَرَتْ دَعْوَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَتَوَارَدُونَ الْإِسْلَامَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قِيلَ عَنْ سَبْعِينَ أَلْفِ مُسْلِمٍ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ جَدَّدُوا أَنْكِحَتَهُمْ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ، وَلَوْ كَانَ لَقَضَتْ الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ قول بَاطِلٌ (وَقولهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرٌ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي عِدَّةِ كَافِرٍ (إلَّا أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ) فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ النِّكَاحُ بِلَا شُهُودٍ (كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا فِي عِدَّةِ كَافِرٍ (كَمَا قَالَ زُفَرٌ. لِزُفَرٍ أَنَّ الْخِطَابَاتِ عَامَّةٌ عَلَى مَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ الَّذِي بِذَيْلِ بَابِ الْمَهْرِ مِنْ وُجُوبِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ عَلَى الْعُمُومِ لِعُمُومِ الْخِطَابَاتِ وَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ مِنْهَا (وَإِنَّمَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا، فَإِذَا تَرَافَعُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ) لِقولهِ تَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ عِنْدَنَا فَكَانُوا مُلْتَزِمِينَ لَهَا عَلَى مَا مَرَّ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لَهُ حَيْثُ أَفَادَ أَنَّهُمْ الْتَزَمُوا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ فِي مِلَّتِنَا لَا مُطْلَقًا.
قولهُ: (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ) أَيْ حُرْمَةَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ (لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ) أَيْ الشَّارِعِ (لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ) الْكِتَابِيَّةُ (تَحْتَ مُسْلِمٍ) طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ حَقًّا لَهُ (لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ) فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ هَذِهِ الْكِتَابِيَّةِ فِيهَا. (وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ) حَالَ صُدُورِهِ (فَحَالُ الْمُرَافَعَةِ وَالْإِسْلَامِ حَالَةُ الْبَقَاءِ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا) بَلْ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِصِحَّتِهِ (وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا) أَيْ لَا تُنَافِي حَالَةَ بَقَاءِ الْعَقْدِ (كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) حَيْثُ يَثْبُتُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا وَحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُفِيدُ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ أَصْلًا عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَثْبُتَ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَقِيلَ تَجِبُ عِدَّةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لِضَعْفِهَا كَالِاسْتِبْرَاءِ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي حَالِ قِيَامِ وُجُوبِهِ عَلَى السَّيِّدِ. وَقِيلَ الْأَلْيَقُ الْأَوَّلُ لِمَا عُرِفَ مِنْ وُجُوبِ تَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ مَا تَرَكُوا وَإِيَّاهُ كَالْكُفْرِ تَرَكُوا وَإِيَّاهُ وَهُوَ الْبَاطِلُ الْأَعْظَمُ، وَلَوْ سُلِّمَ لَمْ يَسْتَلْزِمْ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ لَا تَجِبُ، وَإِذَا عُلِمَ مَنْ لَهُ الْوَلَدُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ عَنْ فِرَاشٍ صَحِيحٍ، وَمَجِيئُهَا بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الطَّلَاقِ مِمَّا يُفِيدُ ذَلِكَ فَيَلْتَحِقُ بِهِ وَهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُبُوتَهُ وَلَا عَدَمَهُ، بَلْ اخْتَلَفُوا أَنَّ قولهُ بِالصِّحَّةِ بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوَّلًا فَلَا، فَلَنَا أَنْ نَقول بِعَدَمِهَا وَيَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ أَوْ الْإِسْلَامُ وَالْعِدَّةُ قَائِمَةٌ، أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ هُنَا نَظَرَانِ: الْأَوَّلُ مُقْتَضَى تَوْجِيهِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَالْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهَا مَشَايِخُ بُخَارَى مِنْ بَعْضِ تَفْرِيعَاتِهِمْ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ النَّذْرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْعِرَاقِيُّونَ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْكُلِّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَكَوْنُهُ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُعَامَلَةً فَيَلْزَمُ اتِّفَاقُ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِأَحْكَامِ النِّكَاحِ، غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بِبُلُوغِهِ إلَيْهِ، وَالشُّهْرَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ التَّفْصِيلُ. الثَّانِي أَنَّ نَفْيَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعِدَّةَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ عَدَمَهَا، وَمُقْتَضَاهُ إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَهَا أَنْ لَا يَصِحَّ، وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ كَانَ بَاطِلًا فَيَلْزَمُ فِي الْمُهَاجِرَةِ لُزُومُ الْعِدَّةِ إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى تَبَايُنِ الدَّارِ الْفُرْقَةُ لَا نَفْيُ الْعِدَّةِ. وَتَعْلِيلُ النَّفْيِ هُنَاكَ بِقول الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ السَّابِقِ، وَلَا خَطَرَ لِمِلْكِ الْحَرْبِيِّ بِالْآيَةِ. قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ بَقَاءُ مِلْكِهِ لِلنِّكَاحِ إذَا سَبَى الزَّوْجَانِ مَعًا، وَسَنَذْكُرُ لَهُ تَتِمَّةً.

متن الهداية:
(فَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعِدَّةِ وَوَجَبَ التَّعَرُّضُ بِالْإِسْلَامِ فَيُفَرَّقُ. وَعِنْدَهُ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيُفَرَّقُ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِيهِ، ثُمَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ بِمُرَافَعَةِ صَاحِبِهِ إذْ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُهُ، وَأَمَّا اعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَوْ تَرَافَعَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مُرَافَعَتَهُمَا كَتَحْكِيمِهِمَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَإِذَا تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَهُ) أَوْ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ خَمْسٍ أَوْ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا) أَوْ أَحَدُهُمَا (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) إجْمَاعًا (لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ) وَمَا مَعَهُ (لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي فِي قولهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهَذِهِ الْأَنْكِحَةُ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهَا فَيَلْزَمُ حُكْمُهَا، وَعَلَى مَا حَقَّقْنَا مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ إمَّا مُخَاطَبُونَ بِالْكُلِّ كَقول الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ بِالْمُعَامَلَاتِ كَقول الْبُخَارِيِّينَ يَجِبُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْبُطْلَانِ بِاعْتِبَارِ شُيُوعِ خِطَابَاتِ الْأَحْكَامِ فِي دَارِنَا فَتُجْعَلُ نَازِلَةً فِي حَقِّهِمْ، إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُبَلِّغِ سِوَى إشَاعَتِهِ دُونَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّا تَرَكْنَاهُمْ وَمَا يَدِينُونَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، فَإِذَا أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ. وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحَ مِنْ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ حَتَّى تَجِبَ النَّفَقَةُ إذَا طُلِبَتْ وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ يُحَدُّ خِلَافًا لِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ النَّفَقَةَ وَالْإِحْصَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي حَقِّهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ مَعَ عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ، فَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي الْبَقَاءَ كَمَا تُنَافِي الِابْتِدَاءَ لِكَوْنِهَا عَدَمَ الْمَحَلِّ؛ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى النَّظَرِ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَجْهُ الْمُخْتَارُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ لِعَدَمِ شُيُوعِ الْخِطَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُمْ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِمْ فَيَجِبُ التَّعْلِيلُ بِمُنَافَاةِ الْمَحْرَمِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إذَا تَرَافَعَا فَعَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَالْقَاضِي كَالْمُحَكِّمِ. وَأَمَّا بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا فَقَالَا كَذَلِكَ يُفَرَّقُ كَإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَرَفْعِهِ؛ لِأَنَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا ظَهَرَتْ حُرْمَةُ الْآخَرِ عَلَيْهِ لِتَغَيُّرِ اعْتِقَادِهِ (وَاعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) بِخِلَافِ مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ بِلَا مُعَارِضٍ. وَالْأَوْجَهُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِي مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ حِينَ صَدَرَ كَانَ بَاطِلًا عِنْدَهُمَا، لَكِنْ تُرِكَ التَّعَرُّضُ لِلْوَفَاءِ بِالذِّمَّةِ فَإِذَا انْقَادَ أَحَدُهُمَا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ كَانَ كَإِسْلَامِهِ وَعِنْدَهُ كَانَ صَحِيحًا، وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا لَا يُرَجِّحُهُ عَلَى الْآخَرِ فِي إبْطَالِ اسْتِحْقَاقِهِ بَلْ يُعَارِضُهُ الْآخَرُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الصِّحَّةِ، هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُرَافَعَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا فَلَا تَفْرِيقَ إلَّا فِي قول أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّمِّيِّينَ أَنَّهُ يُفَرَّقَ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ. لِمَا رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ: أَنْ فَرِّقُوا بَيْنَ الْمَجُوسِ وَمَحَارِمِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ بَلْ الْمَعْرُوفُ مَا كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: مَا بَالُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ تَرَكُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَاقْتِنَاءِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيُتْرَكُوا وَمَا يَعْتَقِدُونَ، وَإِنَّمَا أَنْتَ مُتَّبِعٌ وَلَسْت بِمُبْتَدَعٍ وَالسَّلَامُ. وَلِأَنَّ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ مِنْ وَقْتِ الْفُتُوحَاتِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا لَمْ يَشْتَغِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمُبَاشَرَتِهِمْ ذَلِكَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ.
وَفِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ: لَوْ طَلَبَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا التَّفْرِيقَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي الْخُلْعِ: يَعْنِي إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثُمَّ أَمْسَكَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا ظُلْمٌ وَمَا أَعْطَيْنَاهُمْ الْعَهْدَ عَلَى تَقْرِيرِهِمْ عَلَى الظُّلْمِ، وَكَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُزِيلٌ لِلْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا خُصُوصَ عَدَدٍ.
وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ فَارَقَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّ الْبَاقِيَةَ نِكَاحُهَا عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى أُقِرَّ عَلَيْهِ.اهـ. وَيَنْبَغِي عَلَى قول مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْقِيقِ أَنْ يُفَرَّقَ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ فَاسِدًا وَوَجَبَ التَّعَرُّضُ بِالْإِسْلَامِ.

متن الهداية:
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً وَلَا كَافِرَةً وَلَا مُرْتَدَّةً)؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ، وَالْإِمْهَالِ ضَرُورَةَ التَّأَمُّلِ، وَالنِّكَاحُ يَشْغَلُهُ عَنْهُ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ (وَكَذَا الْمُرْتَدَّةُ لَا يَتَزَوَّجُهَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ)؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِلتَّأَمُّلِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ تَشْغَلُهَا عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ بَيْنَهُمَا الْمَصَالِحَ، وَالنِّكَاحُ مَا شُرِعَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَصَالِحِهِ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ صَارَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ) لِأَنَّ فِي جَعْلِهِ تَبَعًا لَهُ نَظَرًا لَهُ (وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ)؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ نَظَرٍ لَهُ إذْ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِلتَّعَارُضِ وَنَحْنُ بَيَّنَّا التَّرْجِيحَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً وَلَا كَافِرَةً) أَمَّا الْمُسْلِمَةُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ تَحْتَ كَافِرٍ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِأَنَّهُ مَقْتُولٌ مَعْنًى، وَكَذَا الْمُرْتَدَّةُ لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِلتَّأَمُّلِ، وَمَنَاطُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا عَدَمُ انْتِظَامِ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ وَهُوَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا لَهَا فَكَانَ أَحَقَّ بِالْمَنْعِ مِنْ مَنْعِ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا وَبِالْعَكْسِ.
قولهُ: (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ) يَتَحَقَّقُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ الْعَارِضِ بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْآخَرِ وَالتَّفْرِيقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي مُدَّةٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي مِثْلِهَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ قَبْلَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا صَارَ ذَلِكَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا، هَذَا إذَا كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، أَمَّا لَوْ تَبَايَنَتْ دَارُهُمَا بِأَنْ كَانَ الْأَبُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَسَنَذْكُرُهَا فِي السِّيَرِ فِي فَصْلٍ مِنْ بَابِ الْمُسْتَأْمَنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَنْ تَكُونَ الْأُمُّ كِتَابِيَّةً وَالْأَبُ مُسْلِمًا، فَمَا جَاءَتْ بِهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقولهِ وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا إلَخْ، فَإِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ الْأُولَى وَمِنْ أَفْرَادِهَا، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ فَقِسْنَا عَلَيْهَا مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا، أُمًّا أَوْ أَبًا فَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْوَلَدَ كِتَابِيٌّ بِجَامِعِ الْأَنْظَرِ لِلْوَلَدِ فِي الدُّنْيَا بِالِاقْتِرَابِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَحْكَامِ مِنْ حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ، وَفِي الْأُخْرَى بِنُقْصَانِ الْعِقَابِ إذْ الْكِتَابِيَّةُ أَخَفُّ شَرًّا مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ فَيَثْبُتُ الْوَلَدُ كَذَلِكَ وَيَتْبَعُهُ فِي الْأَحْكَامِ (وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَيَقول فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ كِتَابِيًّا وَالْأُمُّ مَجُوسِيَّةً إنَّهُ مَجُوسِيٌّ فِي أَصَحِّ قوليْهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. وَقولهُ الْآخَرُ إنَّهُ كِتَابِيٌّ تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ كِتَابِيَّةً وَالْأَبُ مَجُوسِيًّا فَهُوَ تَبَعٌ لَهُ قولا وَاحِدًا فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ فَقَدْ جَعَلَهُ مَجُوسِيًّا مُطْلَقًا. وَقولهُ لِلتَّعَارُضِ، أَيْ تَعَارُضِ الْإِلْحَاقَيْنِ: أَيْ الْإِلْحَاقِ بِأَحَدِهِمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَبِالْآخَرِ يُوجِبُ الْحِلَّ فَيُغَلَّبُ مُوجِبُ الْحُرْمَةِ هُوَ بِالْإِلْحَاقِ بِالْمَجُوسِيِّ (وَنَحْنُ بَيَّنَّا التَّرْجِيحَ) بِالْقِيَاسِ بِجَامِعِهِ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ تَبَعًا، وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ إثْبَاتُ دِيَانَتِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَأَيْضًا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ» الْحَدِيثَ، جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْفِطْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ كَذَا قِيلَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي تَرْجِيحِ تَرْجِيحِنَا عَلَى تَرْجِيحِ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ تَرْجِيحَهُ يَرْفَعُ التَّعَارُضَ وَتَرْجِيحَنَا يَدْفَعُهُ فَلَا حَاصِلَ لَهُ إذَا تَأَمَّلْت. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَارُضَ هُنَا تَجَوُّزٌ، فَإِنَّ ثُبُوتَهُ بِثُبُوتِ الْمُتَعَارِضَيْنِ مُسْتَلْزِمَيْنِ لِحُكْمِهِمَا وَلَيْسَ هُنَا إلَّا ثُبُوتُ حُكْمٍ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارٍ، وَضِدُّهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ، فَلَمَّا اشْتَرَكَ مَعَ الْمُعَارَضَةِ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِالْقول بِهِ سُمِّيَ تَعَارُضًا، وَإِلَّا فَالتَّعَارُضُ تَقَابُلُ الْحُجَّتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَيْسَ هُنَا حُجَّةً فَضْلًا عَنْ ثِنْتَيْنِ.

متن الهداية:
(وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَبَى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَبَتْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكُنْ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ؛ لَا تَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعَرُّضًا لَهُمْ وَقَدْ ضَمِنَّا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لَهُمْ، إلَّا أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ فَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَهُ مُتَأَكِّدٌ فَيَتَأَجَّلُ إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقَاصِدَ قَدْ فَاتَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تُبْتَنَى عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ، وَالْإِسْلَامُ طَاعَةٌ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا فَيُعْرَضُ الْإِسْلَامُ لِتَحْصُلَ الْمَقَاصِدُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ تَثْبُتَ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ. وَجْهُ قول أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ. وَلَهُمَا أَنَّ بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلطَّلَاقِ فَلَا يَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهَا عِنْدَ إبَائِهَا (ثُمَّ إذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) لِتَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا)؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا وَالْمَهْرُ لَمْ يَتَأَكَّدْ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ وَالْمُطَاوَعَةَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ) سَوَاءً كَانَ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، إذْ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُ الْكَافِرِ مُطْلَقًا مُسْلِمَةً، وَلَوْ وَقَعَ عُوقِبَ وَعُوقِبَتْ أَيْضًا إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِحَالِهِ وَالسَّاعِي بَيْنَهُمَا أَيْضًا امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا، وَلَا يَصِيرُ بِهِ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَلَا يُقْتَلُ خِلَافًا لِمَالِكٍ؛ قَاسَهُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ بِجَامِعِ أَنَّهُ بَاشَرَ مَا ضَمِنَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ. قُلْنَا: كَإِلْزَامِ الْمُسْلِمِ بِالْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَحْظُورَهُ، وَبِفِعْلِهِ لَا يَصِيرُ شَرْعًا نَاقِضًا لِإِيمَانِهِ فَبِفِعْلِ الذِّمِّيِّ مَا الْتَزَمَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ لَا يَصِيرُ نَاقِضًا لِأَمَانِهِ، وَقَتْلُ الطَّلِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مَعْنًى، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُهُ إجَازَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا.
وَقَالَ فِي إسْلَامِ الرَّجُلِ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ؛ لِأَنَّ كُفْرَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا لَا يَمْنَعُ تَزَوُّجَ الْمُسْلِمِ بَلْ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ فَلِهَذَا فَرَضَهَا فِي الْمَجُوسِيَّةِ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَجُوسِيَّانِ أَوْ الزَّوْجَةُ مِنْهُمَا مَجُوسِيَّةٌ وَالزَّوْجُ كِتَابِيٌّ أَوْ الزَّوْجَةُ مِنْ الْكِتَابِيَّيْنِ أَوْ الزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةٌ وَالزَّوْجُ مَجُوسِيٌّ عُرِضَ عَلَى الْمُصِرِّ الْإِسْلَامُ إذَا كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا إبَاؤُهُ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ، فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا عُرِضَ عَلَى أَبَوَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ أَيَّ أَلِأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ بَقِيَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا لَكِنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ بَعْدُ اُنْتُظِرَ عَقْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً مَعْلُومَةً، بِخِلَافِ الْجُنُونِ، هَذَا عَلَى قولهِمَا. أَمَّا عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي إبَاءِ الصَّبِيِّ، قِيلَ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ عِنْدَهُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّدَّةِ، وَحُكْمُ الصَّبِيَّةِ كَالصَّبِيِّ وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي هِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ امْرَأَتُهُ الْكَافِرَةُ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ قَائِمًا وَيَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْرَضُ عَلَى الْمُصِرِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَرُّضٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، بَلْ إنْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الدُّخُولِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ تَأَجَّلَ إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ. وَقول الْمُصَنِّفِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَا يَتَأَتَّى عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ تَزَوَّجَتْ. قُلْنَا: اعْتِبَارُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَإِضَافَةُ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ إلَى الْإِسْلَامِ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا أَصْلَ يَلْحَقُ بِهِ قِيَاسًا بِجَامِعٍ صَحِيحٍ وَلَا سَمْعِيٍّ يُفِيدُهُ، بَلْ الثَّابِتُ شَرْعًا اعْتِبَارُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تُضَافُ الْفُرْقَةُ إلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ عَاصِمٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَاخْتِلَافُ الدِّينِ مُنْتَقَضٌ بِتَزَوُّجِ الْمُسْلِمِ كِتَابِيَّةً، وَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى إسْلَامِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بِهِ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ، وَكُفْرُ الْمُصِرِّ لَا يَمْنَعُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ مِنْ الْأَصْلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إبَاءُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قَاطِعًا فَأَضَفْنَا انْقِطَاعَ النِّكَاحِ إلَيْهِ فَكَانَ هُوَ الْمُنَاسِبُ.
وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ ابْنَةَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ» وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ وَالتَّعَرُّضُ الْمُمْتَنِعُ الْجَبْرُ، أَمَّا نَفْسُ الْكَلَامِ مَعَهُ تَخْيِيرًا لَا يَمْتَنِعُ وَلِأَنَّهُ اسْتِعْلَامُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هَلْ نَزَلَ بِالْمَرْأَةِ أَوْ لَا، ثُمَّ تَأَيَّدَ بِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمُعَارَضَةِ أَنَّ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَ نَصْرَانِيٍّ وَبَيْنَ نَصْرَانِيَّةٍ بِإِبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ تَغْلِبَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ فَرُفِعَتْ إلَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ وَإِلَّا فَرَّقْت بَيْنَكُمَا فَأَبَى، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُ أَحَدٍ لَهُ.
قولهُ: (وَكَانَ ذَلِكَ) يَعْنِي تَفْرِيقَ الْقَاضِي عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ (طَلَاقًا) بَائِنًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ التَّفْرِيقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَجْعَلُهُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ شَيْئًا مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلَانِ الْفُرْقَةَ بِإِبَاءِ الزَّوْجِ طَلَاقًا وَبِإِبَاءِ الْمَرْأَةِ فَسْخًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ. يَعْنِي الْإِبَاءَ فَإِنَّهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَنْ الْكُفْرِ وَمِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ هُوَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فَإِنَّهُ يُوجَدُ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَالْفَرْضُ وِحْدَةُ السَّبَبِ فَصَارَ كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ سَبَبًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَ فَسْخًا. وَلَهُمَا أَنَّهُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَوَجَبَ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ طَلَاقًا إذَا كَانَ نَائِبًا عَمَّنْ إلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيمَا إلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِهِ وَاَلَّذِي إلَيْهِ الطَّلَاقُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَاَلَّذِي إلَيْهَا عِنْدَ قُدْرَتِهَا عَلَى الْفُرْقَةِ شَرْعًا الْفَسْخُ، فَإِذَا أَبَتْ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهَا فِيمَا إلَيْهَا التَّفْرِيقُ بِهِ فَلَا تَكُونُ الْفُرْقَةُ إلَّا فَسْخًا فَالْقَاضِي نَائِبٌ مَنَابَهُمَا فِيهِمَا، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا لَا بِهَذَا الْمَعْنَى بَلْ لِلتَّنَافِي. وَأَمَّا خِيَارُ الْبُلُوغِ فَإِنَّ مِلْكَ الْفُرْقَةِ فِيهِ لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ إلَى الْمَقَاصِدِ بِسَبَبِ قُصُورِ شَفَقَةِ الْعَاقِدِ لِقُصُورِ قَرَابَتِهِ. وَعَلَى اعْتِبَارِ تَحَقُّقِ هَذَا التَّطَرُّقِ لَا يَكُونُ لِلنِّكَاحِ انْعِقَادٌ مِنْ الْأَصْلِ، فَالْوَجْهُ فِي الْفُرْقَةِ الْكَائِنَةِ عَنْهُ كَوْنُهَا فَسْخًا. وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ أَيْضًا عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا لِلتَّنَافِي: أَيْ هِيَ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً، وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ، وَالضَّرَرُ فِي هَذِهِ جَلِيٌّ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِبَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِبَاءَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ.
فَرْعٌ:
يَقَعُ طَلَاقُ زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ وَزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْآبِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ عَلَيْهِمَا مَا دَامَتَا فِي الْعِدَّةِ، أَمَّا فِي الْإِبَاءِ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ فَإِنَّهَا تَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتُهُ مِنْ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةً مُغَيَّاةً بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ. بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا مُتَأَبِّدَةٌ لَا غَايَةَ لَهَا فَلَا يُفِيدُ لُحُوقَ الطَّلَاقِ فَائِدَةً.

متن الهداية:
(وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ أَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ تَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفُرْقَةِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ فَأَقَمْنَا شَرْطَهَا وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالشَّافِعِيُّ يَفْصِلُ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ أَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ) إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ.

متن الهداية:
وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَالْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةٌ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَسَيَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى.
الشَّرْحُ:
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَالْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةٌ) بِأَنْ كَانَ الَّذِي أَسْلَمَ هُوَ الزَّوْجُ (فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا) قَالَ: (وَسَيَأْتِيكَ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْمُهَاجِرَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قول مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفُرْقَةَ بِشَرْطِهَا وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أُخْرَى بَعْدَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فِي الثَّلَاثِ الْحِيَضِ الْأَوَاخِرِ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قول أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ. وَأَمَّا الطَّحَاوِيُّ فَقَدْ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا حَاضَتْهُمَا بَانَتْ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَلَّلَ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فَقَالَ: وَهَذَا: أَيْ تَوَقُّفُ الْبَيْنُونَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تُضَافُ إلَيْهِ الْفُرْقَةُ وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لَهُ وَكَذَا الِاخْتِلَافُ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى إسْلَامِ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا كُفْرُ الْمُصِرِّ فَلَيْسَ إلَّا الْإِبَاءُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأُضِيفَ إلَى شَرْطِ الْبَيْنُونَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ الطَّلَاقُ بِشَرْطِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلِلْإِضَافَةِ إلَى الشَّرْطِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا إلَى الْعِلَّةِ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ حَافِرُ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ يُضَافُ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِالسُّقُوطِ فِيهِ إلَى الْحَفْرِ، وَهُوَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ ثِقَلُ الْوَاقِعِ. وَقولهُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ الْوَجْهُ فِيهِ، وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، وَنَظِيرُهُ فِي اللُّغَةِ: عَرَضْت النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ، وَخَرَقَ الثَّوْبُ الْمِسْمَارَ بِنَصَبِ الْمِسْمَارِ.
قولهُ: (وَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) ظَاهِرٌ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَقَعُ (وَلَوْ سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَعَتْ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ التَّبَايُنُ دُونَ السَّبْيِ عِنْدَنَا وَهُوَ يَقول بِعَكْسِهِ. لَهُ أَنَّ لِلتَّبَايُنِ أَثَرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ، أَمَّا السَّبْيُ فَيَقْتَضِي الصَّفَاءَ لِلسَّابِي وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَسْبِيِّ. وَلَنَا أَنَّ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ فَشَابَهُ الْمَحْرَمِيَّةَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خُرُوجِهِ مُسْلِمًا بَلْ وَذِمِّيًّا كَمَا سَنَذْكُرُ.
قولهُ: (فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هَلْ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا؟ فَقُلْنَا نَعَمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا، وَفِي أَنَّ السَّبْيَ هَلْ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ أَمْ لَا؟ فَقُلْنَا لَا، وَقَالَ نَعَمْ. وَقولهُ قول مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وِفَاقِيَّتَانِ، وَهُمَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ إلَيْنَا مَعًا ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ صَارَا ذِمِّيَّيْنِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ سَبَى أَحَدُهُمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ عِنْدَهُ لِلسَّبْيِ وَعِنْدَنَا لِلتَّبَايُنِ. وَخِلَافِيَّتَانِ إحْدَاهُمَا مَا إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا عِنْدَنَا تَقَعُ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ فِي الْحَالِ وَبِأُخْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مُرَاغِمَةً لِزَوْجِهَا أَيْ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّهِ فَتَبِينُ عِنْدَهُ بِالْمُرَاغَمَةِ وَالْأُخْرَى مَا إذَا سُبِيَ الزَّوْجَانِ مَعًا؛ فَعِنْدَهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَلِلسَّابِي أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَعِنْدَنَا لَا تَقَعُ لِعَدَمِ تَبَايُنِ دَارَيْهِمَا.
وَفِي الْمُحِيطِ: مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ رَجُلٌ بِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِالتَّبَايُنِ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ بِنَفْسِهَا قَبْلَ زَوْجِهَا لَمْ تَبِنْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا بِالْتِزَامِهَا أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ، إذْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا تَبَايُنَ يُرِيدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إذَا أَخْرَجَهَا الرَّجُلُ قَهْرًا حَتَّى مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ التَّبَايُنِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا وَزَوْجَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا. وَجْهُ قولهِ إنَّ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ (أَثَرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ) أَيْ وِلَايَةِ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ خَارِجًا إلَيْنَا وَوِلَايَةِ مَنْ فِي دَارِنَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَاحِقًا بِدَارِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِلْزَامُ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ أَمَّا السَّبْيُ فَيَقْتَضِي الصَّفَاءَ لِلسَّابِي) وَالصَّفَاءُ هُنَا بِالْمَدِّ: أَيْ الْخُلُوصُ (وَلَا يَتَحَقَّقُ) صَفَاؤُهُ لَهُ (إلَّا بِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا) أَيْ لِثُبُوتِ الصَّفَاءِ بِالسَّبْيِ (يَسْقُطُ، مَا عَلَى الْمَسْبِيِّ مِنْ دَيْنٍ) إنْ كَانَ لِكَافِرٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، فَكَذَا يَسْقُطُ حَقُّ الزَّوْجِ الْحَرْبِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفَاءَ مُوجِبٌ لِمِلْكِ مَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ وَمِلْكُ النِّكَاحِ كَذَلِكَ فَخَلَصَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ احْتِرَامِ الْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَصَارَ سُقُوطُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْهَا كَسُقُوطِهِ عَنْ جَمِيعِ أَمْلَاكِهِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ. وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ الْمَنْقول: «أَنَّ ابَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ فِي مُعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ حِينَ أَتَى بِهِ الْعَبَّاسُ وَزَوْجَتَهُ هِنْدَ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ إذْ ذَاكَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهِمَا». وَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ هَرَبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ حَتَّى أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَخَذَتْ الْأَمَانَ لِزَوْجِهَا وَذَهَبَتْ فَجَاءَتْ بِهِ وَلَمْ يُجَدَّدْ نِكَاحُهُمَا. وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ بَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ زَوْجِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ فَإِنَّهَا هَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ وَتَرَكَتْهُ بِمَكَّةَ عَلَى شِرْكِهِ، ثُمَّ جَاءَ وَأَسْلَمَ بَعْدَ سِنِينَ، قِيلَ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَقِيلَ سِتٌّ، وَقِيلَ ثَمَانٍ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَهَذِهِ كُلُّهَا نُصُوصٌ لِمَا عَلَّلْنَا بِهِ. وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَلَى إثْبَاتِ عِلَّتِهِ بِأَنَّ قوله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَكُنَّ سُبِينَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ، وَقَدْ عُلِم: «أَنَّ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَحِضْنَ» فَقَدْ اسْتَثْنَى الْمَسْبِيَّاتِ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، فَظَهَرَ أَنَّ السَّبْيَ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ. وَقولهُ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَصْلُ قِيَاسٍ وَفَرْعُهُ الْخَارِجُ إلَيْنَا مُسْلِمًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ ذِمِّيًّا، وَالْحُكْمُ عَدَمُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ سَبْيِهِمَا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ بِالْمَعْنَى الْعَدَمِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَالسَّوْقُ لِإِثْبَاتِ الْفَرْعِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ تَأْثِيرِ التَّبَايُنِ فَحَقُّ اللَّفْظِ هَكَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ لِتَخَلُّفِهِ فِي الْمُسْتَأْمَنِ إلَخْ.
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ) الَّتِي شُرِعَ النِّكَاحُ لَهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْخَارِجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَعُودُ، وَالْكَائِنُ هُنَاكَ لَا يَخْرُجُ إلَيْنَا فَكَانَ التَّبَايُنُ مُنَافِيًا لَهُ، فَكَانَ اعْتِرَاضُهُ قَاطِعًا، كَاعْتِرَاضِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ، وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ مَثَلًا لَمَّا نَافَتْهُ كَانَ اعْتِرَاضُهَا قَاطِعًا.

متن الهداية:
وَالسَّبْيُ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ بَقَاءً وَصَارَ كَالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَقْتَضِي الصَّفَاءَ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ لَا فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ. وَفِي الْمُسْتَأْمَنِ لَمْ تَتَبَايَنْ الدَّارُ حُكْمًا لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ.
الشَّرْحُ:
ثُمَّ الشَّرْعُ يُفْسِدُ تَعْيِينَ السَّبْيِ عِلَّةً فَقَالَ: (وَالسَّبْيُ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ) يَعْنِي يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِذَنْ فَمَا اقْتَضَاهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَزِمَ السَّبْيَ تَبَعًا لِمِلْكِهَا، وَمَا لَا فَلَا، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ النِّكَاحِ إلَّا إذَا وَرَدَ عَلَى خَالٍ عَنْ مَمْلُوكِيَّتِهِ أَوْ مَالِكِيَّتِهِ، وَكَذَا ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ وَبَقَاؤُهُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى فَهُوَ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَزَوَالِ أَمْلَاكِ الْمَسْبِيِّ لِثُبُوتِ رِقِّهِ، وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَالِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ فَيَمْلِكُهُ إذَا ابْتَدَأَ وُجُودَهُ بِطَرِيقِ الصِّحَّةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ سَيِّدُهُ التَّطْلِيقَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى إذْنِهِ لِمَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ تَنْقِيصِ مَالِيَّتِهِ.
وَسُقُوطُ الدَّيْنِ الْكَائِنِ لِكَافِرٍ عَلَى الْمَسْبِيِّ الْحُرِّ لَيْسَ مُقْتَضَى السَّبْيِ بَلْ لِتَعَذُّرِ بَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْقَى مَا كَانَ وَهُوَ حِينَ وَجَبَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ لَا شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ.
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الرِّقِّ بِالسَّبْيِ إلَّا شَاغِلًا لَهَا فَيَصِيرُ الْبَاقِي غَيْرَهُ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمَسْبِيُّ عَبْدًا مَدْيُونًا كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ بِالسَّبْيِ.
نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَأْذُونِ.
فَإِنْ قِيلَ: بَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ، وَلِذَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ وَلَا يُبَاعُ فِيهِ.
أُجِيبَ بِمَنْعِ تَعَلُّقِهِ فِي الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يُطَالَبُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْمَوْلَى، حَتَّى لَوْ ثَبَتَ بِالِاسْتِهْلَاكِ قَطْعًا مُعَايَنَةُ بَيْعٍ فِيهِ.
وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ فَالْحَقُّ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الْإِسْلَامِ يَوْمئِذٍ بَلْ وَلَا بَعْدَ الْفَتْحِ، وَهُوَ شَاهَدَ حُنَيْنًا عَلَى مَا تُفِيدُهُ السِّيَرُ الصَّحِيحَةُ مِنْ قولهِ حِينَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ: لَا تَرْجِعُ هَزِيمَتُهُمْ إلَى الْبَحْرِ.
وَمَا نُقِلَ أَنَّ الْأَزْلَامَ حِينَئِذٍ كَانَتْ مَعَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَا مِمَّا نُقِلَ مِنْ كَلَامِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ وَإِنَّمَا حَسُنَ إسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاَلَّذِي كَانَ إسْلَامُهُ حَسَنًا حِينَ أَسْلَمَ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ وَحَكِيمٌ فَإِنَّمَا هَرَبَا إلَى السَّاحِلِ وَهُوَ مِنْ حُدُودِ مَكَّةَ فَلَمْ تَتَبَايَنْ دَارُهُمْ.
وَأَمَّا أَبُو الْعَاصِ فَإِنَّمَا رَدَّهَا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، رَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْجَمْعُ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ بِحَمْلِ قولهِ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَى بِسَبَبٍ سَبَقَهُ مُرَاعَاةً لِحُرْمَتِهِ كَمَا يُقَالُ ضَرَبْته عَلَى إسَاءَتِهِ، وَقِيلَ قولهُ رَدَّهَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا مَعْنَاهُ عَلَى مِثْلِهِ لَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ.
هَذَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُثْبِتٌ وَعَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ نَافٍ؛ لِأَنَّهُ مُبْقٍ عَلَى الْأَصْلِ.
وَأَيْضًا يُقْطَعُ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ زَيْنَبَ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بِمُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِنَّهَا أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ حِينَ دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ خَدِيجَةَ وَبَنَاتَهُ، وَلَقَدْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبِينُ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مِرَارًا وَوَلَدَتْ.
وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ حِينَ خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً إلَى الْمَدِينَةِ، وَرَوَّعَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بِالرُّمْحِ.
وَاسْتَمَرَّ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى شِرْكِهِ إلَى مَا قُبَيْلَ الْفَتْحِ فَخَرَجَ تَاجِرًا إلَى الشَّامِ، فَأَخَذَتْ سَرِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا ثُمَّ دَخَلَ بِلَيْلٍ عَلَى زَيْنَبَ فَأَجَارَتْهُ، «ثُمَّ كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرِيَّةَ فَرَدُّوا إلَيْهِ مَالَهُ»، فَاحْتُمِلَ إلَى مَكَّةَ فَأَدَّى الْوَدَائِعَ وَمَا كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ أَبْضَعُوا مَعَهُ، وَكَانَ رَجُلًا أَمِينًا كَرِيمًا، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ عُلْقَةٌ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟ قَالُوا: لَا، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلَّا تَخَوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إنَّمَا أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ، فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْت مِنْهَا أَسْلَمْت، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَا ذُكِرَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ قولهِمْ وَذَلِكَ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حِينِ فَارَقَتْهُ بِالْأَبْدَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ.
وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَقَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ آمَنَتْ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إلَى إسْلَامِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ نَزَلَتْ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فَأَكْثَرُ مِنْ عَشْرٍ.
هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ حَابِسَهَا قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ أُسِرَ فِيمَنْ أُسِرَ بِبَدْرٍ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَرْسَلَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ الْأَسَارَى أَرْسَلَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَائِهِ قِلَادَةً كَانَتْ خَدِيجَةُ أَعْطَتْهَا إيَّاهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا فَرَدَّهَا عَلَيْهَا وَأَطْلَقَهُ لَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ جَهَّزَهَا إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ وَاتَّفَقَ فِي مَخْرَجِهَا إلَيْهِ مَا اتَّفَقَ مِنْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ.
وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ اثْنَانِ وَبِهِ نَقْطَعُ بِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ عَلَى نِكَاحٍ جَدِيدٍ كَمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَوَجَبَ تَأْوِيلُ رِوَايَةِ «عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ» كَمَا ذَكَرْنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَتَّصِفْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِكُفْرٍ لِيُقَالَ آمَنَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً، فَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ فَلَزِمَ أَنَّهُنَّ لَمْ تَكُنْ إحْدَاهُنَّ قَطُّ إلَّا مُسْلِمَةً، نَعَمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَ الْإِسْلَامُ اتِّبَاعُ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِنْ حِينِ وَقَعَ الْبَعْثَةُ لَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ إلَّا بِإِنْكَارِ الْمُنْكِرِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ، وَمِنْ أَوَّلِ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَوْلَادِهِ لَمْ تَتَوَقَّفْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ.
وَأَمَّا سَبَايَا أَوْطَاسٍ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ سُبِينَ وَحْدَهُنَّ، وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ تُفِيدُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ حِلُّ الْمَمْلُوكَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سُبِيَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ زَوْجٍ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَاةُ مُتَزَوِّجَةً فَخَارِجَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى مَا سِوَاهَا دَاخِلًا تَحْتَ الْعُمُومِ عَلَى الْإِبَاحَةِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ مَعَ زَوْجِهَا تُخَصُّ أَيْضًا بِدَلِيلِنَا وَبِمَا نَذْكُرُهُ تَبْقَى الْمَسْبِيَّةُ وَحْدَهَا ذَاتَ بَعْلٍ وَبِلَا بَعْلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ.
فَالْجَوَابُ مَنْعُ وُجُودِ التَّبَايُنِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عِلَّةً مِنْهُ هُوَ التَّبَايُنُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ يَصِيرُ الْكَائِنُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُقَسَّمَ مِيرَاثُهُ، وَالْكَائِنُ فِي دَارِنَا مَمْنُوعًا مِنْ الرُّجُوعِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْمُسْتَأْمَنِ.
وَإِذَا كَافَأَ مَا ذَكَرَ بَقِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى اللَّازِمِ لِلتَّبَايُنِ الْمُوجِبِ لِلْفُرْقَةِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَدَلِيلُ السَّمْعِ أَيْضًا وَهُوَ قوله تَعَالَى: {إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} إلَى قوله: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَقَدْ أَفَادَ مِنْ ثَلَاثِ نُصُوصٍ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَمِنْ وَجْهٍ اقْتِضَائِيٍّ وَهُوَ قوله تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ}.

متن الهداية:
(وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَا: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَثَرُ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِهِ، وَلَا خَطَرَ لَمِلْكِ الْحَرْبِيِّ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَمَا فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا.
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ فَإِذَا ظَهَرَ الْفِرَاشُ فِي حَقِّ النَّسَبِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ احْتِيَاطًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً) أَيْ تَارِكَةً الدَّارَ إلَى أُخْرَى عَلَى عَزْمِ عَدَمِ الْعَوْدِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَخْرُجَ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً.
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُكْمٌ آخَرُ عَلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ إذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُهَاجِرًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَهَذِهِ إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُمَا الْمَرْأَةَ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا، هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ؟ فِيهَا خِلَافٌ.
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، فَتَتَزَوَّجُ لِلْحَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَتَتَرَبَّصُ لَا عَلَى وَجْهِ الْعِدَّةِ بَلْ لِيَرْتَفِعَ الْمَانِعُ بِالْوَضْعِ، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ اخْتَلَفَا لَوْ خَرَجَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا وَهِيَ بَعْدُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا هَلْ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَقَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقَعُ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا وَقَعَتْ بِالتَّنَافِي لَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِيرُ وَهُوَ أَوْجَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَحْرَمِيَّةً لِعَدَمِ فَائِدَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَحْتَاجُ زَوْجُهَا فِي تَزَوُّجِهَا إذَا أَسْلَمَ إلَى زَوْجٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
وَجْهُ قولهِمَا أَنَّهَا حُرَّةٌ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَالدُّخُولِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمُطَلَّقَةِ فِي دَارِنَا مِنْ الْمُسْلِمَاتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ هَاجَرَتْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي دَارِهِمْ وَهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِأَحْكَامِنَا هُنَاكَ، وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّ الْخِطَابَ يَلْزَمُ الْكُفَّارَ فِي الْمُعَامَلَاتِ، غَيْرَ أَنَّ شَرْطَهُ الْبُلُوغُ وَأَهْلُ الْحَرْبِ لَا يَبْلُغُهُمْ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ حُكْمُهُ، بِخِلَافِ أَهْلِ دَارِنَا مِنْهُمْ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا خَطَرَ لَمِلْكِ الْحَرْبِيِّ، بَلْ أَسْقَطَهُ الشَّرْعُ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُهَاجِرَاتِ وَهِيَ {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} بَعْدَ قوله: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} فَقَدْ رَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْ نِكَاحِ الْمُهَاجِرَةِ وَأَمَرَ أَنْ لَا يُتَمَسَّكَ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ جَمْعُ كَافِرَةٍ، فَلَوْ شَرَطَتْ الْعِدَّةَ لَزِمَ التَّمَسُّكُ بِعُقْدَةِ نِكَاحِهِنَّ الْمَوْجُودَةِ فِي حَالِ كُفْرِهِنَّ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ قولهُمَا وَجَبَتْ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَيْ لَا تَخْتَلِطَ الْمِيَاهُ، وَاسْتَغْنَيْنَا بِهِ عَنْ إبْطَالِهِ بِأَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ النِّكَاحَ بِالتَّبَايُنِ لِمُنَافَاتِهِ لِلنِّكَاحِ فَقَدْ حُكِمَ بِمُنَافَاتِهِ لِلْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرُهُ حَيْثُ حُكِمَ بِمُنَافَاتِهِ لِمَا لَهُ مِنْ الْأَثَرِ.
فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمُلَازَمَةَ، وَيَقول لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُنَافَاةَ الشَّيْءِ تُنَافِي أَثَرَهُ إلَّا إذَا كَانَ جِهَةُ الْمُنَافَاةِ ثَابِتَةً فِي الْأَثَرِ أَيْضًا، وَهُوَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّكَاحِ عَدَمُ انْتِظَامِ الْمَصَالِحِ وَالْعِدَّةُ لَا يَنْفِيهَا عَدَمُ انْتِظَامُ الْمَصَالِحِ بَلْ تُجَامِعُهُ مُدَّةَ بَقَائِهَا إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ فَيَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ لِمُوجِبِهَا بِلَا مَانِعٍ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ عِصَمُ الْكَوَافِرِ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَسْبِيَّةُ دُونَ زَوْجِهَا وَالْمَتْرُوكَاتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْأَزْوَاجِ الْمُهَاجِرِينَ فَلَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا بِأَرْبَعٍ وَبِأُخْتِ الْكَائِنَةِ هُنَاكَ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ عِصَمِ الْكَوَافِرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْفُرْقَةِ وَالْمَسْبِيَّةُ مَعَ زَوْجِهَا وَهَذِهِ خُصَّتْ عِنْدَكُمْ فَإِنَّهَا يُتَمَسَّكُ بِعُقْدَتِهَا حَيْثُ قُلْتُمْ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، فَجَازَ أَنْ تَخُصَّ الْمُهَاجِرَةَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ بِحَدِيثِ سَبَايَا أَوْطَاسٍ، فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالتَّبَايُنِ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا قَبْلَ تَرَبُّصٍ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهَا تَرَبُّصٌ وَهِيَ حُرَّةٌ كَانَ عِدَّةً إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَحِينَئِذٍ فَإِبْطَالُهُ الْوُجُوبَ لِلْخَطَرِ لَا يُفِيدُ إذْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنْ لَا يُخَلِّيَ فَرْجَ الْمَدْخُولِ بِهَا عَنْ الِامْتِنَاعِ إلَى مُدَّةٍ غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ أَكْثَرَ كَمَا هُوَ دَأْبُ الشَّرْعِ فِي إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي مِثْلِهِ.
قولهُ: (وَإِنْ كَانَتْ) يَعْنِي الْمُهَاجِرَةَ (حَامِلًا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ) وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بِطَرِيقِ الْعِدَّةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَمْلَهَا ثَابِتُ النَّسَبِ فَظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَنْعِ احْتِيَاطًا، وَإِنَّمَا قَالَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ ثَابِتَ النَّسَبِ إنَّمَا يَقْتَضِي ظَاهِرًا أَنْ لَا تُوطَأَ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فَتَعَدِّيهِ الْمَنْعَ إلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِلَا وَطْءٍ لِلِاحْتِيَاطِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ بِوَطْءٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ تَزَوُّجُ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَالْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الْأَرْبَعِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِبَاءِ وَالْجَامِعُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى مَا أَصَّلْنَا لَهُ فِي الْإِبَاءِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ فَتَعَذَّرَ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا، بِخِلَافِ الْإِبَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ (ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَنِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ)؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) فِي الْحَالِ (بِغَيْرِ طَلَاقٍ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أُخْرَى قَبْلَ الدُّخُولِ هُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُتَوَقَّفُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا يَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ وَإِلَّا تَبَيَّنَ الْفِرَاقُ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ.
قُلْنَا: هَذِهِ الْفُرْقَةُ لِلتَّنَافِي فَإِنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلْعِصْمَةِ مُوجِبَةٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَالْمُنَافِي لَا يَحْتَمِلُ التَّرَاخِي، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْعِصْمَةِ، هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَبَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَسَمَرْقَنْدَ أَفْتَوْا فِي رِدَّتِهَا بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ حَسْمًا لِاحْتِيَالِهَا عَلَى الْخَلَاصِ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَعَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى أَفْتَوْا بِالْفُرْقَةِ وَجَبْرِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحَسْمَ بِذَلِكَ يَحْصُلُ، وَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَلَوْ بِدِينَارٍ رَضِيَتْ أَمْ لَا، وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ، وَلَا تُسْتَرَقُّ الْمُعْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُسْتَرَقُّ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْفُرْقَةِ.
وَأَمَّا كَوْنُهَا طَلَاقًا فَاتَّفَقَ الْإِمَامَانِ هُنَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فَسْخٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ فِي رِدَّةِ الزَّوْجِ طَلَاقٌ وَفِي رِدَّتِهَا فَسْخٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاءِ، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالْإِبَاءِ.
وَجْهُ قول مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُهُ بِالْإِبَاءِ (وَالْجَامِعُ مَا بَيَّنَّاهُ) وَهُوَ أَنَّ بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِمَعْرُوفٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ، وَقِيلَ مَا بَيَّنَّاهُ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ فِعْلٌ مِنْ الزَّوْجِ إبَاءً أَوْ رِدَّةً (وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى مَا أَصَّلْنَا لَهُ فِي الْإِبَاءِ) وَهُوَ أَنَّهُ سَبَبٌ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ (وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ) بِأَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلْعِصْمَةِ لِبُطْلَانِ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَمْلَاكِهِ، وَمِنْهَا مِلْكُ النِّكَاحِ، كَذَا قُرِّرَ.
وَالْحَقُّ أَنَّ مُنَافَاتِهَا لِعِصْمَةِ الْأَمْلَاكِ تَبَعٌ لِمُنَافَاتِهَا لِعِصْمَةِ النَّفْسِ، إذْ بِتِلْكَ الْمُنَافَاةِ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَالطَّلَاقُ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ لِثُبُوتِهِ مَعَهُ حَتَّى لَا تَقَعَ الْبَيْنُونَةُ بِمُجَرَّدِهِ بَلْ بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَزِمَ كَوْنَ الْوَاقِعِ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ إلَّا الْفَسْخُ، بِخِلَافِ الْفُرْقَةِ بِالْإِبَاءِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْمُنَافَاةِ وَلِذَا بَقِيَ النِّكَاحُ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ بِسَبَبِ فَوَاتِ ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ رَفْعُهُ لِارْتِفَاعِ ثَمَرَاتِهِ اللَّاتِي مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، فَالْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِالْإِمْسَاكِ بِمَعْرُوفٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ التَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ عَنْهُ.
وَفِي الشُّرُوحِ مِنْ تَقْرِيرِ هَذَا الْفَرْقِ أُمُورٌ لَا تَمَسُّ الْمَطْلُوبَ، وَكَذَا قولهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ؛ لِأَنَّ الرَّافِعَ يُجَامِعُ الْمُنَافِيَ بِالضَّرُورَةِ، نَعَمْ هُوَ أَعَمُّ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي وَمَعَ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِهِ فَرْقٌ وَلَا دَخْلَ لَهُ فِيهِ (ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا) وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ أَيْضًا (وَنِصْفُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا) لَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ زُفَرٌ: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةٌ، وَفِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةُ أَحَدِهِمَا.
وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَالِارْتِدَادُ مِنْهُمْ وَاقِعٌ مَعًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ مَعًا فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لِإِصْرَارِ الْآخَرِ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ كَابْتِدَائِهَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا اسْتِحْسَانًا) هَذَا إذَا لَمْ يَلْحَقْ أَحَدُهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا، فَإِنْ لَحِقَ فَسَدَ لِلتَّبَايُنِ.
وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قول زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ؛ لِأَنَّ فِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةَ أَحَدِهِمَا وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ (وَلَنَا) وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا ثُمَّ أَسْلَمُوا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ) وَلَمَّا لَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا رِدَّتَهُمْ وَقَعَتْ مَعًا، إذْ لَوْ حُمِلَتْ عَلَى التَّعَاقُبِ لَفَسَدَتْ أَنْكِحَتُهُمْ وَلَزِمَهُمْ التَّجْدِيدُ.
وَعَلِمْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ الرِّدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعًا لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ تَعَاقُبِ كُلِّ زَوْجَيْنِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَمَّا جَمِيعُهُمْ فَلَا؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ جَازَ أَنْ يَتَعَاقَبُوا وَلَا تَفْسُدَ أَنْكِحَتُهُمْ إذَا كَانَ كُلُّ رَجُلٍ ارْتَدَّ مَعَ زَوْجَتِهِ، فَحَكَمَ الصَّحَابَةُ بِعَدَمِ التَّجْدِيدِ لِحُكْمِهِمْ بِذَلِكَ ظَاهِرًا لَا حَمْلًا عَلَيْهِ لِلْجَهْلِ بِالْحَالِ كَالْغَرْقَى وَالْحَرْقَى.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَيِّمَ الْبَيْتِ إذَا أَرَادَ أَمْرًا تَكُونُ قَرِينَتُهُ فِيهِ قَرِينَتَهُ.
هَذَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْحُكْمِ بِارْتِدَادِ بَنِي حَنِيفَةَ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْعُهُمَا الزَّكَاةَ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ أَنَّ مَنْعَهُمْ كَانَ لِجَحْدِ افْتِرَاضِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ وَلَا هُوَ لَازِمٌ.
وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إيَّاهُمْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ قِتَالِهِمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِمْ حَقًّا شَرْعِيًّا وَعَطَّلُوهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلِاسْتِحْسَانِ بِالْمَعْنَى وَهُوَ عَدَمُ جِهَةِ الْمُنَافَاةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُنَافَاةِ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ انْتِظَامِ الْمَصَالِحِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُوَافَقَةُ عَلَى الِارْتِدَادِ ظَاهِرٌ فِي انْتِظَامِهَا بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَمُوتَا بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِوُقُوعِ رِدَّةِ الْعَرَبِ وَقِتَالِهِمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ قَطْعِيٌّ ثُمَّ لَمْ يُؤْمَرُوا بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا.
قولهُ: (وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا مَعًا فُسِخَ النِّكَاحُ)؛ لِأَنَّ رِدَّةَ الْآخَرِ مُنَافِيَةٌ النِّكَاحَ فَصَارَ بَقَاؤُهَا كَإِنْشَائِهَا الْآنَ حَالَ إسْلَامِ الْآخَرِ حَتَّى إنْ كَانَ الَّذِي عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ هُوَ الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَتْ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَالدُّيُونُ لَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ.
فُرُوعٌ:
الْأَوَّلُ نَصْرَانِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ تَمَجَّسَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَجْهُ قولهِ أَنَّ الزَّوْجَ قَدْ ارْتَدَّ وَالْمَجُوسِيَّةُ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فَإِحْدَاثُهَا مَا تَحْرُمُ بِهِ كَالرِّدَّةِ فَقَدْ ارْتَدَّا مَعًا فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَرْأَةُ تُقَرُّ فَصَارَ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَهَذَا؛ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَالِانْتِقَالُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يُجْعَلُ كَإِنْشَائِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَهَوَّدَا فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَمُحَمَّدٌ يُفَرِّقُ بِأَنَّ إنْشَاءَ الْمَجُوسِيَّةِ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فَإِحْدَاثُهَا كَالِارْتِدَادِ.
بِخِلَافِ الْيَهُودِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَمَجَّسَتْ وَحْدَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلَوْ تَهَوَّدَتْ لَا تَقَعُ فَافْتَرَقَا.
الثَّانِي يَجُوزُ نِكَاحُ أَهْلِ مِلَلِ الْكُفْرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَيَتَزَوَّجُ الْيَهُودِيُّ مَجُوسِيَّةً وَنَصْرَانِيَّةً؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ كَأَهْلِ الْمَذَاهِبِ، ثُمَّ الْوَلَدُ عَلَى دِينِ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمْ.
الثَّالِثُ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ وَهُنَّ كِتَابِيَّاتٌ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ أَوْ فِي عُقَدٍ فَنِكَاحُ مَنْ يَحِلُّ سَبْقُهُ جَائِزٌ وَنِكَاحُ مَنْ تَأَخَّرَ فَوَقَعَ بِهِ الْجَمْعُ أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ بَاطِلٌ.