فصل: كتاب دعوى الدم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الفن الثاني في حكم القصاص الواجب:

وفيه بابان:

.الباب الأول: في الاستيفاء:

وفيه ثلاثة فصول:

.الفصل الأول: فيمن له ولاية الاستيفاء:

إذا كانوا جماعة فهو لجميعهم على فرائض الله تعالى. فإن كان فيهم نساء، فاختلف في دخولهن فيه، فروي أنه لا دخول لهن فيه، وروي أنهن يدخلن إذا لم يكن في درجتهن عصبا. ثم إذا فرعنا على دخولهن فهل في العفو دون القود، أو في القود دون العفو؟ روايتان أيضًا. وإن كان في المستحقين غائب انتظر وكتب إليه، إلا أن تطول غيبته جدًا، أو ييئس منه كالأسير بأرض الحرب وشبهه فلا ينتظر، ولمن حضر القتل. وإن كان فيهم صغير فقال عبد الملك: ينتظر.
وقال ابن القاسم: لا ينتظر.
وقال سحنون: إن كان مراهقًا أو قريبًا من المراهق انتظر، وإن كان دون ذلك فلا ينتظر.
وإذا اجتمع مستحق النفس ومستحق الطرف، وطلبا القود، قتل ولم تقطع يده. وكذلك لو قطع يد شخص ثم قتله، قتل به ولم يقطع به، إلا أن يكون قصده التمثيل به بذلك فيفعل به كما فعل.
ولا ينبغي للمستحق أن يستقل بالاستيفاء دون الرفع إلى السلطان، فإن فعل عزره ووقع الموقع، والسلطان يفوض إليه القتل.
وقال أشهب: لا يتولى القتل بنفسه مخافة أن يتعدى فيقطع يده. وأجرة من يستوفي القصاص في الجراح والغبانة، والقتل على المستحق، إذ الواجب على الجانب التمكين.
وحكى الشيخ أبو إسحاق قولاً بإيجابها على الجانب، ثم اختاره وعلله بأن الحق عليه وعليه الخروج منه، فرأى أن الواجب عليه التمييز، ورأى في المشهور أن الواجب عليه إنما هو التمكين لا غير.

.الفصل الثاني: في تأخير القصاص:

ولا يؤخر باللياذ إلى الحرم، بل يقتل فيه. ويخرج من المسجد إن كان فيه فيقتل خراجه. ويؤخر قصاص الطرف وسائر الجراحات حتى تندمل وتبرأ، فيقتص منه. فإن أفضى إلى النفس قتل الجاني ولم يقتص منه في الجرح ولا في القطع إلا عند قصد المثلة كما تقدم. وإن ترامى الجرح إلى زيادة على المفعول ولم ينته إلى النفس بل اندمل اقتص منه. فإن سرى إلى حيث سرى إليه الأول فقد استوفى حقه، وإن وقف دونه أخذ أرش الزائد، والفرق أن النفس تطلب في كل عضو، وإنما يطلب سائر الأعضاء من مكان أعيانها.
ويؤخر القصاص فيما دون النفس للحر المفرط والبرد المفرط ومرض الجاني. ويمنع من الموالاة في قطع الأطراف قصاصًا خوفًا من قتله.
وتؤخر الحامل في النفس لعذر الحمل عند ظهور مخائله، ولا يكفي مجرد دعواها. قال محمد: وفي القصاص قال الشيخ أبو محمد: يريد في الجراح المخوفة، ثم تؤخر إلى الوضع، فإن لم يوجد سواها ترضعه فإلى أن يوجد، وتحبس الحامل في الحد والقصاص. ولو بادر الولي بقتلها فلا غرة في الجنبين إلا أن يزايلها قبل موتها فتجب فيه الغرة إن لم يستهل.

.الفصل الثالث: في كيفية المماثلة:

وهي مرعية في قصاص النفس، قال القاضي أبو بكر: فمن قتل بشيء قتل به، إلا في وجهين وصفتين:
الوجه الأول: المعصية، كالخمر واللواط.
والثاني: النار والسم. وقيل: يقتل بالنار والسم.
وأما الصفة الأولى: فروى ابن نافع: إن كانت الضربة بالحجر مجهزة قتل بها، وإن كانت ضربات فلا.
وقال مالك أيضًا: ذلك إلى الولي فروى ابن وهب: يضرب بالعصا حتى يموت ولا يطول عليه، وقاله ابن القاسم.
وقال أشهب: إن رجي أن يموت بالضرب ضرب، وإلا أقيد منه بالسيف.
وقال عبد الملك: لا يقتل بالنبل ولا بالرمي بالحجارة لأنه من التعذيب.
وأما الصفة الثانية: فإذا قطع يده ورجله وفقأ عينه قصد التعذيب فعل ذلك به، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمن فعله بالرعاء حسب ما روي في الصحيح عن أنس قال: إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء. وإن كان مدافعة ومضاربة قتل بالسيف.
قال القاضي أبو بكر: والصحيح من قول علمائنا أن المماثلة واجبة إلا أن تدخل في حد التعذيب فلتترك إلى السيف، وإلى هذا ترجع جميع الأقوال. ثم مهما عدل المستحق إلى السيف من غيره مكن، لأنه أسهل.

.الباب الثاني: في العفو:

والنظر في طرفين:

.(الطرف) الأول: في حكم العفو:

وهو مبني على أن موجب العمد القود أو الدية أحدهما لا بعينه، أو موجبه القود فقط، وفيه روايتان.
التفريع: إن قلنا: الواجب أحدهما لا بعينه، وهي رواية أشهب، فلو عفا الولي عنهما صح، وإن عفا عن الدية فله القصاص، ولو قال: اخترت الدية سقط القود، ولو قال: اخترت القود لم يسقط اختيار الدية، بل له الرجوع إليه، وإن قلنا: الواجب القود فقط، على رواية ابن القاسم وهي المشهور من المذهب، فلو عفا على ما ثبت المال إن وافقه الجانب، ولو مات قبل الإقباض ثبت المال، وإن عفا مطلقًا سقط القصاص والدية، ولو كان مفلسًا لكان له العفو عن القصاص إذ ليس بمال، نعم ليس له العفو عن الدية بعد تقررها، ولو كان استحقاق الدم الوليين مفلسين فعفا أحدهما ثم عفا الثاني صح عفو الأول ولم يصح عفو الثاني إلا فيما زاد على مبلغ دينه.

.الطرف الثاني: في العفو الصحيح والفاسد:

وفيه ثلاث مسائل:

.(المسألة) الأولى:

إذا أشهد له أنه قتله فقد وهبه دمه فقتله، فروى أبو زيد عن ابن القاسم أنه قال: اختلف فيه أصحابنا، وأحسن ما رأيت أن يقتل به، لأنه عفا عن شيء قبل أن يجب، وإنما يجب لأوليائه، بخلاف عفوه عنه بعد علمه أنه قتله. ولو أذن له أن يقطع يده ففعل، لم يكن عليه شيء سوى العقوبة. ولو عفا عن جرحة العمد ثم نزى منها فمات فلولاته أن يقسموا أو يقتلوا لأنه لم يعف عن النفس. قال أشهب: إلا أن يقول عفوت عن الجرح وعما ترامى إليه، فيكون عفوًا عن النفس.
ولو صالحه عن موضحة على مال ثم نزى منها فمات فلولاته أن يقسموا ويقتلوا في العمد ويأخذوا الدية في الخطأ من العاقلة ويردون ما أخذ وليهم في الصلح.

.المسألة الثانية:

أن يدعي القاتل على رب الدم العفو، فله أن يستحلفه، فإن نكل ردت اليمين على القاتل يمينًا واحدة لا خمسين يمينًا لأنها المردودة عليه، فإن حلف برئ. فإن ادعى القاتل بينة غائبة على العفو تلوم له الإمام.
وقال أشهب في كتاب محمد: لا يمين على ولي الدم، لأن اليمين لا يكون في استحقاق الدم إلا خمسين يمينًا، فهذا يريد أن يوجب عليه قسامة مع البينة أو مع قسامة أخرى قد كانت.
ولو قال القاتل: يحلف لي يمينًا واحدة، لم يكن له ذلك، أرأيت إن استحلفه فلما قدم ليقتل قال: قد عفا عني، أيستحلفه؟. ولو تأخر القصاص حتى مات أحد ورثة المقتول، فكان القاتل وارثه بطل القصاص، لأنه ملك من دمه حصة، فهو كالعفو ولأن كل من ورث قصاصًا على نفسه أو قسطًا منه سقط عنه القصاص، مثال ذلك في فروع:
الفرع الأول: أن يقتل أحد الأولاد أباه فيثبت القصاص عليه لجميع الإخوة، ثم يموت أحد الإخوة فيسقط القصاص عن القاتل لأنه ورث من دمه حصة فهو من العفو، ولبقية الإخوة عليه حظهم من الدية.
الفرع الثاني:
إذا قتل أحد الابنين أباه، وقتل الآخر أمه، فالقصاص عليهما، ولكل واحد منهما أن يقتل الآخر، لأن أحدهما ورث أباه والآخر ورث أمه، فإن بادر أحدهما فقتل الآخر استوفى حقه، وكان لورثة المقتول أن يقتلوا القاتل. فإن تنازعا بمن يبدأ منهما اجتهد السلطان في ذلك حسب ما يرى. وإن عفا كل واحد عن صاحبه، جاز، ووجب لأحدهما دية أبيه وللآخر دية أمه.
وقال خلف بن زرقون: سألت عنها محمد بن سحنون ومحمد بن عبدوس فقالا: نرى أن يعفى عنهما جميعًا لأنا إن ذهبنا نقتل أحدهما ورث الباقي الدم، فلا يكون عليه قتل، فكل واحد يقول: يقتل هذا قبلي، فلا بد من أن يعفى عنهما.
الفرع الثالث:
أربعة إخوة، قتل الثاني الكبير، ثم قتل الثالث الصغير، وجب القصاص على قاتل الصغير، لأن الثاني لما قتل الكبير ثبت القصاص عليه للثالث وللصغير، فلما قتل الثالث الصغير ورثه الثاني وحده، فورث ما كان له عليه من القصاص فسقط، وسقطت حصة الشريك إلى نصف الدية، وكان له قتل الثالث بالصغير، فإن عفا كان له عليه الدية يقاصه بنصفها.

.المسألة الثالثة:

عفو الوارث صحيح، فإن تعددت الورثة فعفا بعضهم سقط القود إن كان العافي مساويًا لمن بقي في الدرجة أو أعلى، وإن كان أنزل درجة لم يسقط القود بعفوه، فإن انضاف إلى العلو الأنوثة كالبنات مع الأب أو الجد فلا عفو إلا باجتماع الجميع، فإن انفرد الأبوان فلا حق للأم في عفو ولا قيام. وكذلك الإخوة والأخوات معه.
فأما الأم والإخوة فلا عفو إلا باجتماعهم معها، فإن اجتمعت الأم والأخوات والعصبة فاتفق العصبة والأم على العفو مضى على الأخوات، وإن عفا العصبة والأخوات لم يمض على الأم، ولو كان مكان الأخوات بنات لمضي عفو العصبة والبنات على الأم، ولم يجز عفو العصبة والأم على البنات لأنهن أقرب، ومتى اجتمع البنات والأخوات فلا كلام للعصبة لأنهن يجوز الميراث دونهم، ولا تجري الجدة مجرى الأم في عفو ولا قيام.
هذا كله على الرواية بأن لهن مدخلاً في الدم، ولا تفريغ على الأخرى.

.كتاب الديات:

والنظر في أربعة أقسام :

.(القسم) الأول: في الواجب:

وفيه بابان:

.الباب الأول: في النفس:

ودية النفس الكاملة عند الخطأ مختلفة الجنس بحسب الجاني، فإن كان من أهل البوادي أهل العمود فهي مائة من الإبل مخمسة: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة وعشرون جذعة. وإن كان من أهل الذهب كأهل الشام ومصر والمغرب ومن لحق بهم في ذلك فألف دينار. وإن كان من أهل الورق كأهل العراق وفارس وخراسان فاثنا عشر ألف درهم.
وأما دية العمد إذا وجبت فمربعة، خمسة وعشرون من كل سن من الإناث بعد إسقاط بني اللبون.
ولوجوبها سببان: العفو على دية مبهمة، أو عفو بعض الأولياء، هذا على الرواية المشهورة.
وفي رواية محمد: إذا عفوا على دية مبهمة، أو عفا بعض الأولياء فرجع الأمر إلى الدية، فهي كدية الخطأ، إلا أن العاقلة لا تحمل منها شيئا، وتنجم على الجاني في ثلاث سنين، وإنما تفترق من دية الخطأ بأن العاقلة لا تحملها.
وقال في المجموعة وكتاب محمد: إذا قبلت لم تنجم وكانت في مال الجاني حالة.
وقال ابن نافع في العتبية: يؤديها كما قال تعالى: {فاتباع بالمعروف وأداء إليه} بإحسان}.
وتغلظ الدية في موضعين: في شبه العمد، إن قلنا به، وفي مثل فعل المدلجي بابنه. وذلك في الإبل بالتثليث عوض التخميس، وهو أن تكون ثلاثين حقة وثلاثين جذعة، وأربعين خلقة وهي الحوامل، وبحلولها وإيجابها في مال القاتل.
وقال أشهب وعبد الملك: تجب على العاقلة حالة.
وقال ابن حبيب: قال مطرف: هي على الأب حالة، إلا أن لا يكون له مال فتكون على العاقلة حالة، لئلا يطل، كقول مالك في المأمومة والجائفة: وإن لم يكن له مال فهي على العاقلة يريد في أحد قوليه.
وفي تغليظ الدية على أهل الذهب والورق روايتان: فإذا قلنا. تغلظ، فروي: تؤخذ قيمة الإبل المثلثة ما بلغت إلا أن تنقص عن ألف دينار أو إثني عشر ألف درهم.
وروي: ينظر ما بين دية الخطأ وبين المغلظة من الإبل، فيجعل ذلك جزءًا من دية الذهب والورق ويزاد عليهما.
فروع:
الفرع الأول: في التغليظ في الجراح.
وفي المجموعة: والتغليظ والجراح عند مالك وإن ذكر عنه غير ذلك، فالثابت عنه وما عليه أصحابه: أن فيها التغليظ، إذا كان مثل ما فعل المدلجي بابنه، فيما صغر منها أو عظم.
قال سحنون: إلا أن تكون من الجراح التي لا يقتص منها بوجه كالجائفة والمأمومة فلا تغليظ فيها. وحكاه القاضي أبو محمد عن عبد الملك. وفي المدينة عن مالك أنها تغلظ في ذلك أيضًا.
الفرع الثاني:
إن دية العمد لا تغلظ، عند ابن القاسم، على أهل الذهب والورق.
وقال أشهب: تغلظ فيزاد فيها ما بين التربيع والتخميس، فيضاف إلى العين ما نسبته إليها نسبة زيادة التربيع على التخميس إليه.
الفرع الثالث:
قال عبد الملك: إذا قتل المجوسي ابنه لا تغلظ عليه الدية لأنها ليست مستخرجة من دية. وأنكر سحنون قول عبد الملك هذا وقال: أصحابنا يرون أن تغلظ عليهم إذا حكم بينهم. ولأن علة التغليظ سقوط القود، ولم أر قوله في شيء من السماعات.
وأما المنقصات للدية عما ذكرنا فأربعة.
الأنوثة: فإنها ترد إلى الشطر.
والاجتنان: فإنه يرد إلى غرة عبد أو أمه.
والرق: فإن يرد إلى قدر القيمة ثم لا ينقص منها، وإن زادت على دية الحر.
والكفر: فإن دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم، ودية المجوسي ثمان مائة درهم، والمعاهد كالذمي. ودية نساء كل جنس على النصف من دية رجالهم. ودية المرتد، في قول، دية المجوسي، في العمد والخطأ، في نفسه وفي جراحه، رجع إلى الإسلام أو قتل على ردته. وذكره ابن القاسم وأصبغ. وروى سحنون عن أشهب: أن عقله عقل أهل الدين الذي ارتد إليه. وروي عنه أيضًا: لا شيء على عاقلته لأنه مباح الدم.

.الباب الثاني: فيما دون النفس:

وهذه الجناية إما جرح أو إبانة أو إبطال منفعة.
الأول: الجرح. وقد تقدم بيان ترتيبه، وفي جميعه الحكومة، إلا الموضحة ففيها خمس من الإبل.
فأما الهاشمة فلا دية فيها، بل حكومة.
وقال القاضي أبو الحسن: ولم يذكرها مالك رحمه الله، والذي يلوح من مذهبنا أن فيها أرض الموضحة حكومة، وكان شيخنا أبو بكر رحمه الله يناظر على أن فيها ما في المنقلة، ويقول: إذا كسرت العظم بعد أن أوضحته حصل فيها معنى المنقلة، وإنما الخوف في كسر العظم، وإنما يخرج العظم عند العلاج بعد كسره وخوف المنقلة قد حصل.
وقال القاضي أبو الوليد: فيها ما في الموضحة. فإن صارت منقلة فخمسة عشر، وإن صارت مأمومة فثلث الدية. وكذا الثلث في الجائفة وهي ما أفضى إلى الخوف ولو مدخل إبرة.
وهذه الموضحة تختص بعظم الرأس والوجه دون الأنف واللحي الأسفل، كما تختص الجائفة بالبطن والظهر. قال أشهب: كل ما لو ثقب فيه وصل إلى الدماغ فهو من الرأس.
فأما المنقلة والهاشمية وغيرهما في سائر البدن ففيها الاجتهاد. ونعني بخمس من الإبل في الموضحة نصف عشر الدية، فتجب بمثل نسبته في الذمي والمجوسي، ومهما اتحدت الموضحة فأرض واحد وإن استوعبت الرأس.
وفي الجائفة إذا أنفذت ثلثا الدية دية جائفتين. قال ابن القاسم في المجموعة: وهو أحب قول مالك إلي. قال في كتاب محمد: وهو لأشهب في المجموعة.
ولكن لو انخرق ما بينهما ما كان فيها إلا دية جائفة واحدة كالموضحة تعظم فتكشف من قرنه إلى قرنه وإن كان ذلك من ضربات، إلا أنه في فور واحد. وكذلك المنقلة والمأمومة، ولو لم ينخرق الجلد حتى يتصل ذلك، ولو كانت ضربة واحدة حتى تصير تلك الضربة مواضح، فإن كان ما بين ذلك ورمًا أو جرحًا لا يبلغ العظم، أو صارت الضربة مناقل وما من المناقل مثل ذلك أو صارت الضربة موائم وما منها مثل ذلك ولم ينخرق ذلك، فله دية تلك الواضح والمناقل والموائم.
قال أشهب: قد قضى الصديق رضي الله عنه في جائفة نافذة من الجانب الآخر بدية جائفتين بعد البرء.
وقاله مالك في العمد والخطأ وإن كان روى عنه غير هذا.
قال ابن القاسم وأشهب في الكتابين، بقول مالك أن فيها جائفتين، قال محمد: وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
فإن قيل: ما معنى الحكومة؟، قلنا: الحكومة أن يقدر المجني لعيه عبدًا فيقال: قيمته دون الجناية عشرة ومع الجناية تسعة، فالتفاوت عشر، فيجب مثل نسبته من الدية. وهذه الحكومة تقدر بعد اندمال الجرح، ولو لم يبق شين لم تجب، فإن بقي حوالي الجرح شين وكان أرض الجرح مقدرًا اندرج الشين، إلا في موضحة الوجه والرأس، فإنه يزاد على عقلها بقدر ما شانت بالاجتهاد. وروى أشهب: لا يزاد على عقلها شيء، وقال بما روى، ورواه ابن نافع أيضًا، واختاره القاضي أبو بكر.
فرع:
وليس أجر الطبيب بأمر معمول به، وقد سئل مالك عمن انكسرت فخذه ثم انجبرت مستوية أله ما أنفق في العلاج؟، فقال: ما علمته من أمر الناس أرأيت إن برئ على شين أيأخذ ما شأنه وما أنفق؟
النوع الثاني: القطع المبين للأعضاء.
والمقدر من الأعضاء اثنا عشر عضوًا.
الأول: الأذنان، وفي كل واحدة نصف الدية، في إحدى الروايتين، وفي الرواية الأخرى ليس فيها سوى حكومة.
الثاني: العينان، وفي إحداهما إذا فقئت نصف الدية. وفي عين الأعور الدية كاملة. وفي عين الأخفش كمال ديتها لا ينقص لضعفها كاليد الضعيفة.
الثالث: الأنف، وفي استئصاله الدية، وكذلك في استئصال المارن كل الدية. وروى ابن نافع أنه لا دية في الأنف حتى يستأصله من أصله.
قال أبو إسحاق التونسي: وهذا شاد، والمعروف الأول. وإذا فرعنا على المعروف ففي بعض المارن من الدية بحسابه من المارن.
الخامس: اللسان، وفي لسان الناطق كمال الدية إذا استؤصل أو قطع منه ما منع الكلام، فإن لم يمنع من الكلام شيئا، ففي المقطوع من الاجتهاد. وفي لسان الأخرس حكومة.
السادس: الأسنان، وفي كل سن خمس من الإبل من غير تفاضل، قلعت من أصلها أو بقي سخنها. ويكمل العقل باسودادها أيضًا، فأما إن اخضرت أو اصفرت ففيها من عقلها بنسبة بعدها من البياض وقربها من السواد، فإن اسود بعضها ففيه بحسابه من الجملة. ولو انكسر البعض واسود الباقي أو اشتد اضطرابه لتم عقلها. قاله أشهب.
وإن انكسر نصفها واسود نصف ما بقي منه أو اضطربت فذهب نصف قوتها ففيها ثلاثة أرباع العقل. ثم إن طرحت السن بعد اسودادها ففيها كمال العقل.
وفي الشافية حكومة. وفي قطع نصف السن بحسابها. ولا يدخل النسخ في حساب النسبة. وبقية الذكر من الحشفة وقصبة الأنف من المارن كالسنخ من السن في أن حكومتها تندرج تحتها عند الاستئصال.
وسن الصبي الذي لم يثغر إذا جني عليها وقف العقل، فإن نبتت فلا شيء على الجاني، وإن لم تنبت تم للصبي العقل الذي وقف له، فإن مات الصبي قبل ذلك ورث عنه. وكذلك لو يئس من نباتها لأخذه الصبي. ولو لم ينبت قدرها أخذ من ديتها بقدر ما نقصت.
قال ابن القاسم: وإن نبت بعضها ثم مات دفع إلى ورثته عقلها.
قال ابن القاسم وأشهب وهو مروي في العتبية: وإن نزعت عمدًا وقف العقل ولا يعجل بالقود. فإن نبتت فلا عقل ولا قود، وإن لم تعد اقتص منه، وإن عادت أصغر من قدرها أعطى عقل ما نقصت. قال ابن القاسم: وفي قياس قول مالك: إن مات الصبي ولم تعد اقتص منه ولا عقل فيها.
قال سحنون: لا يوقف جميع العقل ولكن يوقف منه ما إذا نقصت السن إليه لم يقتص له. كما أن ضعف العين والنقص اليسير في اليد لا يمنع من القصاص فيهما. قال أشهب: فإن كان الصبي حين قلعت سنه قد أثغر ونبتت أسنانه فله تعجيل العقل في الخطأ والقود في العمد. ولو أخذ المثغور الأرض في الخطأ ثم ردها فثبتت فلا يرد شيئا.
وقال ابن القاسم. قال محمد: لكن السن عنده بخلاف غيرها لأنه يرى فيها ديتها وإن ثبتت قبل أن يأخذ. قال: والفرق بين الأذن والسن أن الأذن تستمسك وتعود لهيئتها ويجري فيها الدم، والسن لا يجري فيها الدم ولا تعودت كما كانت، وإنما تراد للجمال.
وقال أشهب: هي كغيرها من الجراح لا شيء له، وكذلك لو رد أذنه فثبتت، إلا أن يكون ذلك قبل أن يأخذ لها عقلاً فلا شيء إلا في العمد فله القصاص.
والموضحة إذا برئت وعادت لهيئتها لم يسترد أرشها. وكذلك سائر الجراحات الأربع.
وكذلك لو جرح ثانية في الموضع نفسه، لكان فيه ديته أيضًا. والبصر إذا عاد تسترد ديته عند ابن القاسم.
وقال أشهب: لا ترد.
وقال محمد: إن كانت بقية قاض بعد الاستيفاء والاستقصاء فلا ترد، وإن كان بغير ذلك ردت.
والسن بخلاف العين عند ابن القاسم. وسن الشيخ الهرم إذا تحركت ففيها العقل، فأما لو أصابها رجل فتحركت، فله بحساب ما نقصت، وإن تآكلت السن كثيرًا ففيها بحسابها، وإن كان يسيرًا فعقلها تام. ولو قلع جميع الأسنان وكانت اثنتين وثلاثين أو قل أو أكثر بضربة واحدة، أو قلعها متفرقة مع تخلل الاندمال، ففي كل سن خمس من الإبل. وكذلك إن كان على التعاقب.
السابع: اليدان، وفيهما مع الكفين كما الدية. وتكمل الدية بلفظ الأصابع، ففي كل أصبع عشر من الإبل، فلو قطع الكف مع الساعد أو المرفق أو العضد أو جميع ذلك اندرجت الحكومة. وفي كل أنملة ثلث العشر، إلا في الإبهام فهو أنملتان، وفي كل واحدة منهما نصف الأرض. قال سحنون: روى ابن كنانة عن مالك في الإبهام ثلاث أنامل، في كل أنملة ثلث دية الأصبع. قال: وإليه رجع مالك، وأخذ أصحابه بقوله الأول.
الثامن: الثديان من المرأة، وفيهما دية كاملة. وفي حلمتي المرأة الدية إذا أبطل مخرج اللبن.
التاسع: الذكر والأنثيان، وفيهما ديتان إذا قطع الجميع معًا بضربة واحدة. فإن قطع أحدهما بعد اندمال الأول، ففي الثاني دية أيضًا، وقيل: حكومة. وإن قطعا متعاقبين بضربة واحدة فديتان.
وقال عبد الملك: دية وحكومة. وروي عنه أيضًا: أن ذلك إذا قطع الذكر أولاً دون الأنثيين.
وفي ذكر الخصي والعينين دية، وقيل: حكومة. قال في المجموعة، عقب قوله: في ذكر الخصي حكومة. قال مالك: وذكر هذا عسيب قطعت حشفته، وأما مقطوع الأنثيين فقط ففي ذكره الدية كاملة. وتكمل بقطع الحشفة، ولا تزيد بالاستئصال.
العاشر: الإليتان من المرأة، وفيهما الدية عند أشهب.
وقال ابن القاسم وابن وهب فيهما حكومة.
الحادي عشر: الشفران. وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: أنهما إذا سلا حتى يبدو العظم ففيهما الدية.
الثاني عشر: الرجلان، وهما كاليدين. ورجل الأعرج كرجل الصحيح، إذا كان العرج خفيفًا، ولم يكن عن جناية أخذ لا أرشًا. ويجب في شللهما ما يجب في قطعهما، وكذلك البدان.
النوع الثالث من الجنايات: ما يفوت المنافع. والنظر في عشر منافع:
الأولى: العقل: وإذا أزاله بالضرب فدية واحدة، ولو أزاله بقطع يديه فديتان، دية له ودية لهما، ولو قطع يديه ورجليه فزال عقله فثلاث ديان إن وقفت الجراحة دون النفس.
الثانية: السمع: وفي كما الدية، وفي إبطاله من إحداهما نصف الدية ولو لم يكن يسمع إلا بها.
وقال أشهب: إن كان السمع إذا سئل عنه قيل: إن أحد السمعين يسمع ما يسمع السمعان فهو عندي كالبصر، وإذا شك في السمع جرب بأن يصاحب به من مواضع عدة ويقاص ذلك، فإن تساوت أو تقاربت أعطي بقدر ما ذهب من سمعه، ويحلف على ذلك. قال أشهب: ويحسب له ذلك على سمع وسط من الرجال مثله، فإن اختبر فاختلف قوله لم يكن له شيء.
وقال عيسى بن دينار: إذا اختلف قوله عقل له الأقل مع يمينه.
الثالثة: البصر: وفي إبطاله من العينين مع إبقاء الحدقتين كمال الدية، ويستوي فيه الأعمش والأخفش وفي إبطاله من أحدهما مع بقائها النصف ويمتحن نقصانه بأن يعرف نهاية ما يبصر بعينه الصحيحة بعد أن يبدل عليه الأماكن فتسد، ثم ينظر نهاية ما يبصر به من العين المصابة وتبدل عليه الأماكن ثم تقاس إحداهما بالأخرى. فإذا عرف قد النقص كان فيه بحسابه، وإن ادعى أن جميع بصره ذهب صدق مع يمينه، والظالم أحق بالحمل عليه.
الرابعة: الشم: وفيه كمال الدية إن انفرد، فإن ذهب يقطع الأنف اندرج تحت ديته.
الخامسة: النطق: وفي إبطاله كمال الدية، وإن بقي في اللسان فائدة الذوق والإعانة على المضغ. وفي نقص الكلام نفض الدية على الكلام، ويكون عليه من ذلك بمقدار ما يظن أنه نقصه من الكلام على الاجتهاد.
وقال أصبغ: تجزأ الدية ثمانية وعشرين جزءًا على حروف المعجم، فما نقص من الحروف نقص من الدية بقدره.
السادسة: الصوت: وفي إبطاله كل الدية.
السابعة: الذوق: وفيه كما الدية أيضًا، ويجرب بالأشياء المرة المنقرة.
الثامنة: قوة الجماع: فلو ضرب فادعى ذهابها منه، فإن استطاع اختبار ذلك منه اختبر، وإلا حلف وأخذ الدية كاملة، ثم إن رجعت إليه هذه القوة رد الدية، قرب رجوعها أو بعد.
التاسعة: الإفضاء. وفيه حكومة، وقيل: كمال الدية، ثم ذلك على الزوج والجاني جميعًا. والإفضاء: هو أن يرفع الحاجز بين مخرج البول ومسلك الذكر ويصير المسلكان واحدًا. ولا يندرج تحت المهر، ويندرج أرش البكارة تحت المهر. ولو أزال بكارة زوجته بأصبعه ثم طلقها فعليه قدر ما شأنها مع نصف الصداق، وينظر ما شأنها عند الأزواج في حالها وجمالها.
فرع:
إن كان الإفضاء من الزوج فالحكومة في ماله إن نقصت عن الثلث، وإن بلغت الثلث فعلى عاقلته، لأن أصل فعله مأذون فيه، فكان له حكم الخطأ، وأما إن كان من أجنبي اغتصبها فالأرض في ماله بالغًا ما بلغ، لأن فعله غير مأذون فيه فكان من باب العمد، ولا يندرج المهر تحته، بل يجتمعان مع الحد.
العاشرة: منفعة القيام والجلوس: وفيه كما الدية، فلو ضرب صلبه فبطل قيامه وجلوسه وجب كمال الدية.
وإن بطل قيامه فقط فروى ابن القاسم وأشهب أن فيه الدية كاملة أيضًا.
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إنما الدية في الصلب إذا انكسر فلم يقدر على الجلوس، ثم مهما نقص من القيام أو الجلوس، على القولين، فله من الدية بحساب ما نقصه من تمام القيام أو الجلوس على الخلاف المتقدم.
ولو ضرب صلبه فبطل قيامه وقوة ذكره حتى يذهب منه أمر النساء لم يندرج ووجبت ديتان. هذا حكم جراح الحر الذكر وأطرافه.
أما جراح العبد فمعتبرة بما ينقص من قيمته إلا في الشجاج الأربع: الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة، ففي كل شجة منها من قيمته بنسبة ما يجب فيها في حق الحر من ديته، فيكون في موضحته نصف عشر قيمته، وكذلك سائرها ولو جبة ضمن ما نقصه، وإن لم ينقصه أو زادت قيمته لم يكن عليه غرم، وعوقب إن تعمد ذلك.
وأما جراح المرأة الحرة، فإنها تعاقل فيها الرجل ما لم تبلغ ثلث ديته أي تساويه، فإن بلغته ردت إلى قياس ديتها، ففي ثلاث من أصابعها ثلاثون من الإبل، وفي الأربع عشرون نصف ما فيها من الرجل وكذلك في ثلاث وأنملة نصف ما فيها من الرجل، وكذلك المأمومة والجائفة.
فأما الموضحة والمنقلة ففيهما مثل ما فيهما من الرجل، ثم يعتبر الواجب باتحاد الفعل كضربة واحدة أو ضربات في معنى الضربة الواحدة من واحد. وكذلك لو اتحد المحل كالكف الواحدة. وإن تعدد الربات وتباينت ففي الضربة المبلغة للحد المذكور أو الزائد عليه نصف ما يجب فيها من الرجل. فحيث اتحد الفعل، أو كان في معنى المتحد لم يعتبر اتحاد المحل، بل لو ضربها ضربة واحدة أو ما في معناها فقطع لها أصبعين من يد وأصبعين من يد أخرى، أو ثلاثة من يد وأصبعًا من الأخرى لكان لها في الأربع وعشرون بعيرًا.
وكذلك حيث اتحد المحل لم يعتبر اتحاد الفعل وتعدده، بل لو قطع لها من كف واحدة ثلاثة أصابع في ضربة أو ضربات فأخذت لها ثلاثين بعيرًا ثم قطع منها بعد ذلك أصبعًا أو أصبعين في ضربة أو ضربتين لكان لها في كل أصبع خمس، وأصابع الرجلين كأصابع اليدين في ذلك.
وبالمعاقلة التي ذكرناها قال عمر وعلي وعائشة وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وربيعة، ورويت عن سائر الفقهاء السبعة وهي إجماع أهل المدينة، نقلاً متواترا وعملاً متصلاً، وكذلك روى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: سألت سعيد بن المسيب: كم في أصبع المرأة؟ فقال: عشر من الإبل، فقلت: كم في أصبعين؟ فقال: عشرون من الإبل. فقلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها، فقال سعيد: أعراقي أنت؟، قال: فقلت: بل عالم مثبت أو جاهل متعلم. فقال سعيد: هي السنة يا ابن أخي.
وهذا منه إشارة بأنه هو ومن وافقه من أهل عصره قائلون بها من جهة النقل والاتباع، وأن الخلاف فيها معاندة للسنة.
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث الدية» وهذا نص في المسألة.

.القسم الثاني من الكتاب: في الموجب من الأسباب:

والنظر في ثلاث أطراف:

.(الطرف) الأول: في تمييز السبب عن غيره:

وكل ما يحصل الهلاك معه فإما أن يحصل به فيكون علة كالتردية في البئر، أو يحصل عنده لعلة أخرى، ولكن لولاء لم تؤثر العلة كحفر البئر مع التردية فهو سبب. فلو ضرب حاملاً فأجهضت وجبت الغرة لأنه سبب. وكذلك التهديد والتخويف فإنه سبب أيضًا، وقد وقع ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فشاور الصحابة رضي الله عنهم، فقال عبد الرحمن بن عوف: إنك مؤدب ولا شيء عليك. فقال علي: إن لم يجتهد فقد غشك، وإن اجتهد فقد أخطأ، أرى عليك الدية.

.الطرف الثاني: في اجتماع العلة والسبب:

كالحفر والتردية. ومهما كانت العلة عدواناً، فالضمان على المردي لا على الحافر، وإن لم تكن عدوانًا بأن يخطئ إنسان فيردى جاهلاً، نظر إلى الحفر، فإن لم يكن عدوانًا فلا ضمان، وإن كان عدوانًا أحيل الضمان عليه. فإن قيل: بم يكون الحفر عدوانًا؟ قلنا: من حفر البئر في ملكه لتجرية الماء أو لغير ذلك من منفعة ملكه ومصالح نفسه فليس بعدوان، وسيأتي في ذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
منفعة ملكه ومصالح نفسه فليس بعدوان، وسيأتي في ذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

.الطرف الثالث: فيما يوجب الشركة:

كما إذا حفر رجلان بئراً فانهارت عليهما فمات أحدهما، فقد قال أشهب: على عاقلة الآخر نصف الدية لأنه شرك في قتل نفسه، وأما إن ماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف الدية.
وكما لو جرح نفسه وجرحه غيره فمت، وجب له أرض ما قابل فعل الغير، ولا يجب له في مقابلة فعله شيء.
فأما لو اصطدم فارسان فماتا، فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، وإن مات الفرسان فقيمة فرس كل واحد منهما في مال الآخر.
قال أشهب وقال بعض العراقيين: على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر لاشتراكه في قتل نفسه.
وسواء كان المصطدمان راكبين أو ماشيين، أو بصيرين أو ضريرين، أو أحدهما ضرير أو بيده عصا. وإن سلم أحد الفارسين بفرسه، ففي ماله فرس الآخر، وعلى عاقلته دية راكبة، فإن تعمد الاصطدام فهو عمد محض يثبت القصاص وأحكامه.
وكذلك لو كانا صبيين ركبا بأنفسهما أو ركبهما أوليائهما، فالحكم فيهما كما في البالغين إلا في القصاص.
فأما لو اصطدمت سفينتان فلا ضمان على أصحابهما، إلا أن يتعمدوا ذلك. ولو كان الملاحون قادرين على صرفهما فلم يصرفوهما ضمنوا، وسواء كان ذلك لعذر أو لغير عذر من خوفهم على أنفسهم الغرق أو غيره، أو من أجل الظلمة وهم لو رأوهم قدروا على صرفهما أو غير ذلك.
فروع: من ارتقى في بئر بجذبه رجل من أسفل فوقعا جميعًا فيها فماتا، فعلى عاقلة الأسفل دية الأعلى.
وإذا قاد بصير ضريرًا فوقعا في بئر، فإن وقع كل واحد منهما ناحية عن صاحبه فماتا جميعًا، فدية الضرير على عاقلة البصير، ودم البصير هدر. وكذلك لو كان البصير وقع فوقه. وإن وقع الضرير فوق البصير فدية كل واحد منهما على عاقلة الآخر. وإن وقع الضرير وحده فالضمان على البصير. وإن وقع البصير وحده فلا ضمان على الضرير.
وكذلك لو وقع بصيران في بئر، فإن الأعلى ضامن للأسفل، ولا ضمان على الأسفل إلا أن يكون الوقوع بسببه.
ولو جذب رجلان حبلاً فانقطع فتلفا، فدية كل واحد منهما على عاقلة الآخر. فإن تلف أحدهما فديته على عاقلة الآخر. وإن وقع أحدهما على إنسان أو متاع فأتلفه فالضمان عليهما.

.القسم الثالث من الكتاب: في بيان من عليه الدية:

وهي الجاني إن كانت الجناية عمدًا، أو العاقلة إن لم تكن عمدًا. واختلف في جراح العمد التي لا قود فيها، وفي مثل فعل المدلجي بابنه كما تقدم.
والنظر في ركنين:

.(الركن)الأول: في جهات العقل، وصفة العاقلة.

أما الجهات فثلاث: العصرية والولاء، وبيت المال، أما الموالاة والمخالفة فلا توجب تحمل العقل.
الجهة الأولى: القرابة. وهي كل عصبة، ويدخل فيها الأب والابن. وفي دخول الجاني في التحمل روايتان. وألحق بالقرابة الديون بعلة التناصر، فإذا كان القاتل من أهل ديوان مع غير قومه حملوا عنه دون قومه، وحمل عنهم كما يحمل عنه قومه سواء كانوا أهل ديوان أم لا، ثم إن اضطر أهل ديوان إلى معونة قومهم لقتلهم أو لانقطاع ديوانهم أعانوهم.
وقال أشهب: إنما يحمل عنه أهل الديوان إذا كان العطاء قائمًا، وإلا فأهله يحملون عنه.
الجهة الثانية: الولاء. فإذا لم تصادف عصبة فعلى معتق الجاني وهو المولى الأعلى، فإن لم يكن، فاختلف في المعتق الأسفل، فقيل: يحمل، وقيل: لا يحمل شيئا.
الجهة الثالثة: بيت المال. وإذا لم تجد العصوبة والولاء أخذنا من بيت المال إن كان الجاني مسلمًا، وإن كان ذميا رجعنا على الذين يؤدون معه الجزية، أعني أهل إقليمه الذين يجمعه وإياهم أداء الجزية.
فإن لم يستقلوا ضم إليهم أقرب القربى منهم من كورهم كلها حتى يتسعوا. وإن كانوا أهل صلح فالدية على أهل ذلك الصلح.
أما الصفات فيشترط فيمن تضرب عليه: الحرية والتكليف والذكورة والموافقة في الدين واليسار. فلا تضرب على عبد ولا صبي ولا امرأة وإن كانت معتقة،ولا على مخالف في الدين، فلا يتحمل مسلم عن كافر، ولا كافر عن مسلم، ولا تضرب على فقير وإن كان يعتمل.
ولا حد للمال إذا ملك استحق مالكه الضرب عليه، ولا لما يؤخذ من كل واحد حد، وقيل: يؤخذ من أصحاب الديوان من كل مائة درهم من العطاء درهم ونصف. قال ابن القاسم: وكذلك كان يؤخذ من أعطيات الناس.

.الركن الثاني: في كيفية التوزيع:

والنظر في الترتيب والأجل.
أما الترتيب، فالبداية بأقرب العصبات، ولا يضرب على كل واحد إلا على قدر ما تحتمله حاله ولا يضر به. ثم إن فضل عن الأقربين شيء ترقينًا إلى من بعدهم أولاً فأولاً، فنبتدئ بالفخذ، فإن لم يستقل الفخذ ضممنا إليه البطن، فإن لم يستقلا ضممنا إليهما العمارة، فإن لم يستقل الجميع ضممنا إليهم الفصيلة، فإن لم يستقلوا ضممنا إليهم القبيلة، فإن لم يستقلوا لفقرهم وقلة جدتهم استعانوا بأقرب القبائل إليهم.
قال ابن القاسم في الكتاب: ولا يعقل أهل البدو مع أهل الحضر وإن كانوا قبيلة واحدة، لأنه لا يستقيم أن يكون في دية واحدة إبل وعين.
وروى ابن وهب في كتاب ابن سحنون: أنهم يعقلون.
وقاله أشهب وعبد الملك: قال ابن القاسم: وأهل مصر لا يعقلون مع أهل الشام، ولا أهل الشام مع أهل العراق، وإن كانوا أقرب إلى الجاني ممن معه في أفقه، بل بعد من كان في غير أفقه كالمعدوم، ويضم إلى من في أفقه من يليهم من القبائل، وإن كانوا أبعد من الخارج عن أفقه. قال أبو الحسن اللخمي: يريد ابن القاسم بأهل مصر أهل الكور. قال ومصر من أسوان إلى الإسكندرية.
وقال سحنون: في إفريقية يضم عقلها بعضها إلى بعض من طرابلس إلى طبنه.
وقال أشهب فيمن وجبت عليه دية وهو من أهل الفسطاط: لا يؤخذ في ذلك جميع عمل مصر، وذلك على من هو بالفسطاط.
وما دون ثلث دية الجاني والمجني عليه لا يضرب على العاقلة بل يكون في مال الجاني حالاً، وذلك لما روى ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم عاقل بين قريش والأنصار فجعل على العاقلة ثلث الدية فصاعدًا.
واختلف فيما نقص عن ثلث دية المجني عليه وإن ساوى دية الجاني أو أناف عليها كمجوسية شجت مسلمًا موضحة ونحوها، هل تحمله العاقلة أم لا؟ على روايتين لابن القاسم وأشهب.
وأما الأجل فهو في دية كاملة ثلاث سنين، يؤخذ ثلثها في آخر كل سنة. وفي بعض الدية خلاف، هل يكون حالاً أو منجمًا؟، ثم تنجيمه إذا قلنا به يكون على النسبة منها، فالثلث في سنة والثلثان في سنتين. وفي النصف روايتان، وكذلك في النصف والربع، إحداهما: أن ذلك في سنتين، والأخرى: أن الأمر فيه مردود إلى نظر الحاكم. وتنجم دية المرأة ودية الكافر في ثلاث سنين.
ومن مات ممن جعل عليه بقدره لم يزل عنه ما جعل عليه وكذلك أو أعدم. ولا يدخل فيها من يبلغ من صغير، أو يقدم من غائب أو منقطع. ولا تزاد على من أيسر منهم.
وقال أصبغ: من مات منهم بعدما جعلت عليه فلا يكون ذلك في ماله، بل يرجع على بقية العاقلة.
وأول الحول يحسب من يوم الحكم. قال القاضي أبو الحسن: لأنها تحتاج إلى تمييز العاقلة، والتوظيف على من تجب عليه منهم وكانوا غير متعينين، وإنما يتعينون بالحكم.
فرع:
لا تحمل العاقلة جناية العبد ولا الجناية العمد سوى جراح العمد التي لا قود فيها. والدية المغلظة على الخلاف المتقدم في ذلك. ولا تحمل من الجناية ما لم يثبت إلا باعتراف الجاني.

.القسم الرابع من الكتاب: في غرة الجنين:

والنظر في أطراف:

.(الطرف) الأول: في الموجب:

وهي جناية توجب انفصال الجنين ميتًا في حياة أمه.
قال الأستاذ أبو بكر: الاعتبار في وجوب غرته بحياتها، وفي كمال ديته بحياته فإن لم ينفصل وماتت الأم فلا شيء فيه، وإن انفصل بعد موتها فكذلك أيضًاً.
وقال أشهب: إذا انفصل بعد موت الأم وجبت الغرة. قال: وأما إن انفصل حيًا فاستهل، فإن كانت الجناية خطأ وتراخى الموت عن الاستهلال فالواجب فيه الدية بقسامة، وإن كان الموت عقب الاستهلال فقال أشهب: لا يفتقر في استحقاق الدية إلى قسامة.
وقال ابن القاسم: لابد من القسامة. وإن كانت الجناية عمدًا فقال القاضي أبو الوليد: المشهور من قول مالك أنه لا قود فيه.
وقال ابن القاسم في المجموعة غيرها: إذا تعمد الجنين بضرب البطن أو الظهر أو موضع يرى أنه أصيب به ففيه القود بقسامة. وأما ضرب رأسها أو يدها أو رجلها ففيه الدية بقسامة وهي في ماله، لأن موته عن سبب عمد. ولو ألقت جنينين أو أكثر من ذلك ففي كل واحد غرة أو دية. ولو خرج رأس الجنين وماتت الأم، ففي إيجاب الغرة فيه قولان.

.الطرف الثاني: في الموجب فيه:

وهو ما ألقته المرأة مما يعرف أنه ولد وإن لم يكن مخلقًا، مضغة كان أو غيرها، نفخ فيه الروح أو لم ينفخ فيه بعد، إذا علم النساء أنه ولد، وإن لم يتبين من خلقه عين ولا أصبع ولا غير ذلك. ولا يفترق الحكم بأن يكون ذكراً أو أنثى. هذا أصل الجنين، أما صفته فإن كان حرًا مسلمًا ففيه غرة، وفي الجنين الحر الذمي نصفها، أما الجنين الرقيق ففيه عشر قيمة الأم.
وقال اصبغ عن ابن وهب في كتاب محمد: في جنين الأمن ما نقصها، قال محمد: وقول مالك أحب إلينا.

.الطرف الثالث: في صفة الغرة:

وهي عبد أو وليدة. والأحسن أن يكون من الحمر، ويجزي من أوسطهم. قال في المجموعة: إلا أن يقلوا، فمن أوسط السودان.
ومهما بذل من ذلك ما قيمته خمسون دينارًا أو ستمائة درهم وجب قبوله. ويؤخذ من أهل الذهب خمسون دينارًا، ومن أهل الورق ستمائة درهم. واختلف في المأخوذ من أهل الإبل، فقال أشهب: تؤخذ منهم الإبل وهي خمس فرائض: بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون وحقة وجذعة.
وقال ابن القاسم: ليس للإبل فيها مدخل، لان أصلها الغرة، ثم قومت بالذهب وبالدراهم، وليست الإبل بقيمة. ثم مصرف الغرة لوارث الجنين على فرائض الله تعالى.

.كتاب كفارة القتل:

وكل حر مسلم قتل حرصا مؤمنًا معصومًا خطأ فعليه تحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، ليس فيها شرك ولا عقد من عقود العتق، كما قدمنا في الصيام والظهار. فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. فإن لم يستطع انتظر القدرة على الصيام أو وجود الرقبة. ولا مدخل للإطعام فيها.
فتجب الكفارة في مال الصبي والمجنون. ولا تجب في قتل الصائل، ولا على من قتل نفسه. وتجب في شبه العمد على الرواية المثبتة له. وتستحب الكفارة في العبد والذمي وقاتل العمد إذا عفي عنه.
والشريك في القتل عليه كفارة كاملة.
ولا تجب الكفارة في الجنين يسقط ميتًا بالضرب أو بقتل الأم، وروى استحسانها فيه.

.خاتمة لموجبات القتل بذكر التعزيز والقيمة:

أما التعزيز فالنظر في صفته ومحله:
أما الصفة: فضرب مائة وحبس سنة.
وأما المحل: فكل من قتل عمدًا ولم يقتل، كمن قتل من لا يكافئه، كالمسلم يقتل الكافر، والحر يقتل العبد، وكمن وجب عليه القود فعفي عنه. ويدخل في العبد يقتل الحر فيعفى عنه ويستحيي.
وقال اصبغ: لا يحبس العبد ولا الأمة، ولكن يجلدان. وكجماعة أقسم عليهم فقتل أحدهم، فليضرب سائرهم ويحبسوا.
وأما القيمة فإنما تجب في قتل غير الحر، وقد سبق ذكرها في كتاب الديات:

.كتاب دعوى الدم:

والنظر في القسامة والشهادة بالدم:

.النظر الأول: في القسامة:

وفيها أربعة أركان: