فصل: 2 - رأي الشيخ سيد سابق حول السياسة الشرعية في الدعوة (تحقيق صحفي في جريدة الوطن)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله **


 الباب السادس آراء بعض العلماء المعاصرين في السياسة الشرعية في الدعوة

أحببنا أن نختم هذه الفصول ببعض الآراء لأشهر رجال يعملون في حقل الدعوة الإسلامية في أيامنا هذه، وقد اخترنا من هؤلاء الأخيار الذين يشهد لهم الناس بالخير في طول البلاد الإسلامية وعرضها فضيلة الشيخ عبدالعزيز عبدالله بن باز، وأظنني لست بحاجة إلى تعريفه لأنه لا يجهله مسلم يعيش في عصرنا هذا، ويهتم بشيء من أمور المسلمين، ولا أحب أيضا أن أزكيه في هذا المقام، فبمقامه أكبر من تزكيتي مهما بلغت‏.‏‏.‏ وأسأل الله أن يمد في عمره‏.‏‏.‏ والعالم الجليل الثاني هو الأستاذ سيد سابق الداعية الجليل، صاحب كتاب فقه السنة الذي لا يكاد يخلو منه بيت طالب علم في العصر الحاضر، والعالم الثالث هو الأستاذ عمر التلمساني، ويكفيه أنه مازال منذ وفاة الأستاذ الهضيبي مرشد عام الإخوان المسلمين، مازال هو العضو الظاهر البارز كمرشد لجماعة الإخوان المسلمين، وإليك نصوص أقوالهم‏:‏

 1 - الشيخ عبد العزيز بن باز يرد على شبان مسلمين بأمريكا حول قضايا تكفير الحكام

اتصل بعض الشباب المسلمين الذي يدرسون في أميركا بالشيخ عبدالعزيز بن باز يسألونه في بعض الأمور التي تهم المسلمين في كل مكان، وقد تفضل الشيخ بالرد عليهم هاتفيا، وفيما يلي مجمل الأسئلة وردود الشيخ عليها‏:‏

هناك من يقول بأن كتاب العقيدة الطحاوية لا يمثل عقيدة السلف، وأنه توجد فيه أخطاء، وبخاصة في الشرح، فهل هذا صحيح‏؟‏

الشيخ ابن باز‏:‏ لا ، هذا ليس بصحيح، وفيه أخطاء قليلة نبه عليها الشارح، والتي طبع عليها أحمد الشاكر والشيخ ناصر الدين الألباني وشرحه طيب ومفيد وسلفي، وهو من تلاميذ ابن كثير رحمه الله والأخطاء قليلة في المتن ونبه عليها الشارح‏.‏

ما قولك في قول أبي جعفر الطحاوي‏:‏ ‏"‏ولا يكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله‏"‏‏؟‏‏!‏‏.‏

المراد بذنب أي دون الشرك أي المعاصي هذا هو قول أهل السنة والجماعة، أنه لا يكفر مسلماً بذنب دون الشرك كالزنا والسرقة، وهذا ردهم على الخوارج، والطحاوي مصيب بذلك القول‏:‏

وأهل السنة والجماعة لا يرضون عن قول الخوارج بأن العاصي يخلد في النار، وكل كتب عقائد أهل السنة ينبه بها إلى هذه النقطة، وهذه هي عقيدة السلف، ومن خرج عن هذا فهو من عقيدة الخوارج والمعتزلة‏.‏

هل يدخل ضمن هذه القاعدة الحكام والمحكومون‏؟‏ أم أنها خاصة بالمحكومين فقط‏؟‏‏.‏

يدخل في هذه القاعدة الجميع‏:‏ الحكام والمحكومون‏.‏

ما قولك في حاكم لا يحكم بما أنزل الله، وهو يعتقد بأنه مخطئ، آثم في عمله هذا‏؟‏

من يفعل هذا يكون عاصياً ، وقد أتى كبيرة، عظيمة إذا كان لا يستحله، ولكنه تابع الناس لمقاصد سياسية أو لمقاصد دنيوية، ويكون عاصيا وكافراً دون كفر، وظالما دون ظلم، فإذا استحله، أو قال بأن القانون أفضل أو مساويا يكون كافراً عند جميع المسلمين‏.‏

هناك من الناس من يقول إن هذا شركه أكبر، لأنه نازع الله في خاصية من خصائص الألوهية، وهي أن الحاكمية لله‏.‏‏.‏ فما رأيكم‏؟‏

الحكم لله بلا شك، وكذلك المال لله، ولكن من أخذ المال بغير حق كالسرقة والغصب لا يكفر، هكذا من حكم بشيء برشوة، أما إذا حكم مستحلاً كفر‏.‏

وإذا قلت بأن الحاكم لا يستحل هذا العمل، يقال إن هذه فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز في تعليقه على كتاب فتح المجيد، فالشيخ ابن باز كفرهم ولم يُفرق المستحل من غير المستحل، ويقال‏:‏ بأنك علقت على هذا بقولك على الآية‏:‏ ‏{‏أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يقنون‏}‏‏.‏‏.‏ إن مثل هذا، وشر منه من اتخذ كلام الفرنجة قوانين يتحاكمون بها في الدماء والفروج والأموال، ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام ونحوها‏]‏‏.‏‏.‏ يقال بأن هذا هو كلامك في فتح المجيد‏.‏

ما أعلم أن لي تعليقا مثل هذا، ومن الذي نسبه إلي ‏(‏هذا كلام حامد الفقي والله أعلم‏)‏ أ‏.‏هـ‏.‏

هناك من الناس من يقول أنتم تضيعون أوقاتكم في بيان الشرك القديم، وهو التوسل بالقبور والاستغاثة بهم ، وتنسون الشرك الحديث، شرك الحاكمية أو شرك الحكام، وأولى عندهم الاشتغال بتكفير الحكام والعمل على الخروج عليهم من العمل في الدعوة في هذه الأيام‏.‏‏.‏ فما قولكم في هذا‏؟‏

هذا غلط ، وهم مساكين، فالأولى تصحيح عقائد الناس وتبصيرهم، وتبيان لهم حقيقة الشرك والكفر من جهة الوثنية، ومن جهة الشيوعية، ومن جهة الإباحية، أما قولهم بالخروج على السلاطين، فهو من شأن الخوارج والمعتزلة، الخروج ليس فيه غير القتل والفساد، يقتلون ويُقتلون، فهم يبيدون أنفسهم ويبيدون الدعوة، وهذا فيه فساد عظيم‏.‏

 2 - رأي الشيخ سيد سابق حول السياسة الشرعية في الدعوة ‏(‏تحقيق صحفي في جريدة الوطن‏)‏

كتب نبيل الصفار‏:‏ الشيخ الفقيه ‏"‏سيد سابق‏"‏ أحد أبرز أقطاب الدعوة الإسلامية المعاصرة، وهو من أولئك الذين تمرسوا بالعمل الإسلامي مروراً بمراحله مداً وجزراً، قرابة الأربعين عاما‏.‏ والشيخ الفقيه، من المقربين للإمام حسن البنا رحمه الله وقد كان فضيلته أحد مؤسسي الخلايا السرية المقاتلة للاحتلال الإنجليزي‏.‏

وسيد سابق في لقاء الشؤون الدينية في ‏"‏الوطن‏"‏ به يرسم خطوطا عريضة لشباب الانبثاقة الإسلامية المعاصرة، وهو عندما يتحدث عن بعض القضايا التي تعصف رياحها بالعمل الإسلامي، فإنما يضع يده على جراح توشك أن تتعمق وتغور في الأعماق، وتكاد تدمي أصحابها، وقد تتباين الآراء وتختلف في بعض ما يطرحه، ولكنها خطوة لابد منها لحوار إسلامي يرشد شباب الدعوة إلى الصراط المستقيم السوي في طريقٍ ملؤه الأشواك والعقبات‏.‏

في بداية اللقاء يطرح فضيلته عدة أسس وضوابط يرى أهميتها للدعوة المعاصرة، حيث يقول‏:‏ الملاحظ أن هناك يقظة تُبشر بخير، ولكن هذه اليقظة تفتقر إلى ثلاثة أمور‏:‏

الأمر الأول‏:‏ أنها تحتاج إلى توعية كاملة، فالحماس وحده لا يكفي والعاطفة الجياشة أيضا لا تكفي، بل لابد من أن يصحب ذلك الوعي الصحيح، والوعي بالظروف والمتطورات حولنا‏.‏

والأمر الثاني‏:‏ أن هذه الانبثاقة الطيبة تحتاج إلى تنظيم، فكل جماعة هي صاحبة نية طيبة وقصد حسن، ولا أتهم هؤلاء في نواياهم ولا إخلاصهم، ولكنهم لا يأتون البيوت من أبوابها، فهؤلاء بحاجة إلى تنظيم، والحياة الآن مبنية على النظام، والنظام هو الذي يوفر لنا الجهد‏.‏‏.‏ ومن الملاحظ أن كل جماعة تبدأ من حيث انتهت جماعة أخرى، ثم تأتي جماعة أخرى لتبدأ من جديد، وهكذا تستمر العملية ‏"‏محلك سر‏"‏‏.‏

والأمر الثالث‏:‏ أن التنظيم يحتاج إلى قيادة، فالقيادة هي التي تضع الخطوات والأسس والقواعد الضامنة لنجاح الدعوة‏.‏

فهذه الأمور الثلاثة هي التي تفتقر إليها الدعوة، ويجب على أي حركة من الحركات أن تبدأ واعية لأهدافها وغاياتها، عارفة بالأساليب والمعوقات، وكيف تستطيع أن تأخذ طريقها في وسط التيارات‏.‏

ويحدد الشيخ الداعية سيد سابق ملامح الخطوة التالية، وهي التي اصطلح على تسميتها تنظيميا ‏"‏بالتجميع‏"‏، حيث يقول فضيلته‏:‏ لدينا عمال وسيدات وشبان وجامعيون لهم تدين، ولكن كل من أولئك يسير في طريق دون أن يكون له تلاق مع البقية، فتكون النتيجة قليلة الثمر، فلابد أن يضاف ‏"‏الوعي‏"‏ بعضه إلى بعض، ويكون للعمال منهج يسيرون عليه، وللشباب منهج في كيفية مواجهة القيادات، ومعرفة تنمية الأطفال على الطريقة الإسلامية، ويجب أن نعرف ماذا نقدم للمرأة، فلابد من التناسق وفقا لقاعدة موجهة، بحيث يمكن أن تثمر على أساسها الدعوة‏.‏

لا صدام مع الأنظمة‏:‏

وحول طبيعة وملامح التحرك الذي يجب أن تصطبغ به هذه الانبثاقة الإسلامية يقول الشيخ سيد‏:‏ في هذه الحركة، ينبغي ألا نصطدم بالحكومات، لأن الاصطدام يؤدي إلى نتيجة خطأ، وموقفنا من الحكومات إن كانت مسلمة، أن نطالبها بالعمل بالإسلام والمزيد منه، وإن لم تكن مسلمة، نطالبها بأن تعمل بالإسلام، ولكن لا ندخل معها في صدام‏!‏‏.‏

هناك بعض الآراء ترى أن الوضع الفاسد القائم، إنما هو بفعل الأنظمة الفاسدة، ولا يتغير هذا الواقع إلا بالمصادمة مع النظام الفاسد، فما رأيك‏؟‏

المصادمة مع الحكومات خطر كبير لأن الحكومات عادة تملك المال والسلاح والقوة، وليس هناك قوة تستطيع أن تواجه هذه القوة، وعلى هذا تكون الدعوة التي تواجه الحكومات تقضي على نفسها بنفسها، فليس من الشجاعة أن أرى أسداً، وأقول أنا شجاع وأعبث بذيله، فليست تلك بشجاعة، والرسول عليه الصلاة والسلام، في ليلة من ليالي العقبة، جاءه الأنصار، وقالوا يا رسول الله‏:‏ اسمح لنا أن نقتل الكفار كافة ونقضي على رؤوس الكفر، ولا يشرف النهار حتى تعلن الدعوة، وتكون ملكا، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏[‏لم أؤمر بهذا‏]‏، وكان بإمكان الرسول أن يقضي فعلا على كل الكفار، فهذا المنطق حق أريد به باطل، ولكن لابد من تربية الشعب الذي سيحمل الدعوة على أكتافه‏.‏‏.‏ افرض أنني قتلت حاكماً أو اثنين أو ثلاثة، وأخذت الحكم، ولكن‏.‏‏.‏ أين الشعب المهيأ الذي سيحمل الرسالة‏.‏

ويضيف الشيخ سابق‏:‏ إن الانقلاب المقبول هو الانقلاب الشرعي الذي يأتي عن طريق الأمة نفسها، وهي التي تطالب الحاكم بالعمل الإسلامي، أو ‏[‏بالتنحي عن الحكم‏]‏ فإذا بلغ الشعب ذلك، وكانت عنده القدرة والاستعداد على الإطاحة بحكومة والإتيان بحكومة مثالية وممثلة للإسلام، عندئذ اشترط لهذا ثلاثة شروط هي‏:‏ عدم سفك الدماء، وعدم تخريب البلاد، وعدم إضعاف الدولة أمام غيرها‏.‏

هل يُفهم من ذلك أن الدعوة الإسلامية التي لا ترى الأسس التي ذكرتها قد أخطأت سبيل التغيير السليم‏؟‏‏.‏

يا سيدي ، ذلك أشبه ‏"‏بغسل الدم بالبول‏"‏، وتغيير للخطأ بخطأ أكبر منه، ونحن غير مكلفين بذلك، وموقفنا ‏"‏من الحكام‏"‏ أن ندعوهم وننصحهم، وقد أخبرنا الرسول عليه السلام بثلاث مراحل‏:‏ ‏[‏من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏]‏، ولم يأمرنا الرسول بأن نقتل أنفسنا، ولنا الحق أن نقتل أنفسنا بشرف، وأما أن تقتل النفس نفسها، فهذه عملية انتحارية وليست بجهاد، فالجهاد ما شرعه الله، والرسول عندما أخبر أن الحكام سيغيرون ويبدلون، فقال الصحابة‏:‏ أفلا نقاتلهم، قال الرسول عليه السلام‏:‏ ‏[‏لا، ما أقاموا الصلاة‏]‏‏!‏‏.‏

ولكن الرسول عليه السلام قال‏:‏ ‏[‏إلا أن تروا كفراً بواحاً‏]‏‏؟‏‏.‏ نعم ، ولكن هذا مع ملاحظة الشروط التي ذكرتها‏.‏ والحكم بغير ما أنزل الله، أليس من الكفر البواح‏؟‏

قد يكون ، ولكن يجب أن يكون عند القدرة على التغيير الذي لا يترتب عليه ضرر، وكما قلت فأنا لا أغسل الدم بالبول ‏"‏وإلا يبقى ما عملتش حاجة، وزودت النجاسة‏"‏‏!‏‏.‏

لا اغتيال في الإسلام‏:‏

والشيخ سيد سابق لا يقر ما يسمى بالاغتيال السياسي، حيث يقول‏:‏ لا يوجد في الإسلام اغتيال، الإسلام عنده النصيحة، وكلمة الحق التي تقال عند سلطان جائر، الرجل الذي قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله، ‏"‏ماقالش قام إلى إمام جائر، فصوبه وموته‏"‏، ومن ناحية الحكم الشرعي، فالإسلام لا يرى هذا، إنما الإسلام يرى إعداد الأمة إعدادا كاملا، ثم الأمة هي التي تطالب بحقها، فإن كان لها حق وسكتت عنه فهي كالشيطان الأخرس، وإذا تكلمت تكون قد أدت الواجب الملقى على عاتقها، وربنا لا يكلفنا أكثر من طاقتنا‏.‏

وجد التطرف الديني طريقه في عهد الخلفاء الأوائل متمثلاِ بالخوارج الذي أخبر الرسول عليه السلام عنهم، فهل للتطرف وجود في محل العمل الإسلامي المعاصر‏؟‏‏.‏

في الحقيقة لا أحسب أن هناك تطرفاً في زماننا، فذاك التطرف ‏"‏الخوارج‏"‏ تصرف مذهبي عقيدي، والعقيدة لها أصول، وشكلت مدرسة قائمة بذاتها لها فلسفتها، ولا يوجد عندنا ما يمكن تسميته بتطرف، ولكن كل ما يوجد أن لدى بعض الأخوة يقظة ضمير، وقوة إيمان، وحينما يجدون أنفسهم في وسط الجاهلية الموجودة، يشعرون بآلام كثيرة للفرق الكبير جدا بين ما يدينون به ويعتقدونه، وبين الواقع القذر، فيحصل لديهم نفور من هذه النقائص التي يرونها‏.‏

ما موقفنا من هذه الطائفة‏؟‏

هؤلاء جهلة ، ويجب أن يتم تعليمهم، ولا نرميهم بأكثر من الجهل‏.‏

منحرفون لا متطرفون‏:‏

هناك من الجماعات من ينسف عهد السلف الصالح، ولا يقرون له بمكانة، ولا يأخذون باجتهاد الخلفاء الراشدين أو الأئمة، ويعتزلون مساجد الدولة والمجتمعات، ألا يمكننا أن نسمي هذا تطرفاً‏؟‏

هؤلاء ليسوا متطرفين، وإنما هم منحرفون فعلاً، وبعيدون عن الإسلام، ويبدو لي أن الاستعمار يقظ، ويريد أن يوقع الفرقة بين المسلمين ليشغلهم عنه، ولذلك يقوم ‏"‏بتصنيع ناس مخصوصين باسم الإسلام‏"‏، ويمد لهم، ويمكن لهم، وهم الذين روجوا هذه الأفكار، فيعمدون إلى تلقين الناس الأغرار الطيبين ذوي اليقظة والضمير الحي تلك الأفكار، في الوقت الذي يغيب فيه الإسلام، فيتلقون هذا دون أن يجدوا غيره، مشكلين مدرسة عقائدية جديدة، متبنين آراء غريبة جدا، دون الالتفات إلى أهل الرأي المخلصين، فهؤلاء كُونوا تكوينا خاصا ليكونوا نشازا في المجتمع الإسلامي والحركة الإسلامية، وباسم الدين، مثل جماعات التصوف، واتباع الطرق، الذين تم تكبيرهم في المجتمع الإسلامي ليكونوا معولا من معاول الهدم، وكذلك هؤلاء المتطرفون هم معول هدم، ولابد أن يكون هناك من يحركهم ولا نعرفه، والدليل على ذلك، أنهم يكثرون وينتشرون بشكل غير عادي، بينما يمضي دعاة الحق سنوات دون أن يتمكنوا من تجميع الناس حولهم، فكيف تمكن هؤلاء‏؟‏

ألا تظن أن للحكومات يدا في تصنيع هؤلاء لأهداف ما‏؟‏

الدول تريد أن تشغل الناس بعضهم ببعض، فبدلا من أن تدخل معهم في معركة، تشغل حيزاً من الشباب بمثل ذلك، كجماعة القرآنيين، أو أصحاب السنن أو البدع، فالدولة تعرفهم وتتغاضى عنهم لتشغلهم عنها بما خلقوه لأنفسهم، أو بما خلقه العدو لهم‏.‏

عبد الناصر من الإخوان‏:‏

شيخ سيد ، من المعلوم أنك أحد أبرز الدعاة التنظيميين في دعوة الإخوان المسلمين في فترة مضت، وكان جمال عبدالناصر من ضمن المجموعة التي تعمل فيها، فهل كان جمال حقاً إخوانيا أم استغل الإخوان لصالحه‏؟‏‏!‏‏.‏

سأقول كلمة حق في ذلك، أولا جمال عبد الناصر كان من الإخوان المسلمين يقيناً، وقد بايع مع كمال الدين حسين في ليلة واحدة على المصحف والمسدس، وكان جمال تابعاً للخلايا السرية، وبقي كذلك حتى قامت الثورة، وكانت فكرة الخلايا السرية أساسا محاربة الإنجليز، فإذا استطاع الإنجليز القضاء على الهيكل الظاهري، فيكون وجود الخلايا السرية باقيا كقوة، وقد كان لي دوران في الهيكل التنظيمي للإخوان، في الجماعات السرية وكذلك الظاهرة، ولم يكن أتباع الظاهر يعلمون بأني مسؤول إحدى الجماعات السرية الباطنة، والتي يتبعها جمال عبدالناصر، وعندما قام جمال بالثورة مع الإخوان الذين يعرفونه، ونجحت ثورته بدأ الخلاف، وأساس الخلاف الدائر كان حول ‏"‏من الذي سيحكم‏"‏‏؟‏‏!‏ وعندما كبر بدأ يتنكر ويقول‏:‏ ‏"‏كنت بروح للشبان، وبروح للإخوان، وأروح لمصر الفتاة، وأروح للشيوعيين‏"‏ والجماعة المحيطة به تكتب مذكرات كاذبة، ومضى في طريقه المعروف‏.‏

 آراء الاستاذ عمر التلسماني حول بعض مسائل السياسة الشرعية في الدعوة حوار أجراه معه أحمد باقر

جريدة ‏(‏الوطن‏)‏ الكويتية - الجمعة‏:‏ 25 يونيو سنة 1982

الأستاذ عمر التلمساني غني عن التعريف، فهو زعيم من زعماء حركة الإخوان المسلمين، عاصرها منذ نشأتها الأولى على يد الأستاذ حسن البنا، وتحمل في سبيل دعوته السجن والبلاء مرات كثيرة، وحول حركة الإخوان المسلمين والتطرف الديني والسياسة في مصر والعالم الإسلامي كان لنا هذا الحوار الشائق مع عمر التلمساني في شقته بالقاهرة يوم الجمعة الماضي‏.‏

يدور جدل كبير في أوساط الدعاة المسلمين عن كيفية الوصول إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مجتمعاتنا اليوم‏؟‏ وهناك أطراف متناقضة في فهم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في كيفية الوصول إلى تطبيق الشريعة في زماننا هذا، بل إن هناك من يفسر حركات الدعاة القديمة بتفسيرات كما يريدها وكما يشتهيها هو، فما هو التفسير الحقيقي لدعوة الإمام الشيخ حسن البنا ‏[‏دعوة الإخوان المسلمين‏]‏ من هذه القضية‏؟‏

التلمساني‏:‏ لو أن الشباب المشتغل بالدعوة الإسلامية قرأ كتاب الله قراءة مستبصرة، وألم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والسلف الصالح لتبين طريقه في الدعوة إلى تطبيق شرع الله في العالم الإسلامي كله، ولكن هذا الشباب بحكم حماسه واندفاعه يريد أن يحقق تطبيق الشريعة الإسلامية ما بين يوم وليلة، ولو كان هذا في قدر الله سبحانه وتعالى لأنجى نبيه صلوات الله وسلامه عليه من كثير من المتاعب والإهانات التي وُجهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوال مكثه في مكة، ولكن الله سبحانه وتعالى، وقد أراد لأتباع هذا الدين أن يُحكموا عقولهم، وأن يُدبروا أمورهم وفق منطق العقل السليم، ولا أريد أن تكون العاطفة بعيدة عن موازين العقل، ولكن كما يقول إمامنا الشهيد‏:‏ ‏(‏ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول‏)‏، لابد للمسلم أن يكون صاحب عاطفة ولابد أن يكون عاقلا وحصيفا وأريباً، وما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال‏:‏ ‏[‏إن في المعاريض مندوحة لكل أريب‏]‏‏.‏‏.‏ الرسول عليه الصلاة والسلام المؤيد بالوحي من السماء، الذي أرسل الله له رسولا ليطبق الجبال على كفرة مكة فأبى هذا الرسول، وذهب إلى الطائف، فتسلط عليه غلمانها وسفهاؤها، ويقذف بالأحجار حتى يُدمى كعبه الشريف، فيأوى إلى حائط‏.‏‏.‏ فماذا قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏[‏اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس‏]‏‏.‏‏.‏ محمد عليه الصلاة والسلام لم يكن ضعيف القوة، ولم يكن قليل الحيلة، ولم يكن هيناً، أشرف الخلق عند الله لم يكن في مركز الهوان‏.‏‏.‏

ولكنها سنة الدعوة، والله سبحانه وتعالى لم يرد لهذا الدين أن يسير طوال مدة التاريخ إلى أن تقوم الساعة على المعجزات والأمور الخارقة للعادة، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن تكون نواميس هذا الدين وقواعده وطرقه وأساليبه متمشية مع المنطق العقلي البشري، الذي يهتدي بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏ لقد أوذي في مكة إيذاء شديداً، وكان يمر على آل ياسر، ومن أروع ما كان يقول‏:‏ ‏[‏صبراً آل ياسر، لا أملك لكم من الأمر شيئاً‏]‏، إن الرسول في هذه الكلمة عليه الصلاة والسلام يريد أن يقول للناس إنني مجرد من القوة التي أستطيع بها أن أدفع بها عن أصحابي الإساءة لهم، مع أنه لو قال‏:‏ ‏"‏يارب نج آل ياسر‏"‏ لنجوا فوراً، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام يريد منا أن نعمل، وكتاب الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نعمل، يقول‏:‏ ‏{‏وقل اعملوا‏}‏ ، ولا شيء غير العمل، والنتائج إلى الله سبحانه وتعالى، أمرنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وجعل الفقهاء لهذا الأمر مقياسا وضوابط، وقالوا‏:‏ إن كان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر يأتي بشر أكثر مما هو واقع فلا داعي لهذا، لأن الدين ينظر إلى المصلحة بدقة، وإلى الواقع بدقة، ولا يريد أن يكلف أحداً فوق طاقته، وحسبناً أن يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏لا يكلف الله نفساً إلا وسعها‏}‏، فإذا كان في بلد من البلاد دعاة إسلاميون يدعون إلى الله سبحانه، فكيف يتبادر إلى أذهانهم أنهم يستعملون العنف في الدعوة إلى الله، ويقاومون حكومة وجيشا وشرطة وبوليسا، وهم مجردون من كل هذا‏؟‏‏.‏‏.‏ إن الله ينهانا أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة بأنفسنا‏.‏

ويستطرد الأستاذ التلمساني‏:‏ إن صحابياً جليلاً هو البراء بن مالك أو البراء بن عازب كان جسوراً جسارة تفوق الحد، وهو الصحابي الذي قال للمسلمين حين اعتصم المرتدون بحديقة بني حنيفة‏:‏ ضعوني في المنجنيق واقذفوا بي إلى الحديقة، وأفتح لكم الباب من الداخل‏.‏‏.‏ ولكن، وعندما كان عمر أميرا للمؤمنين، قال لقائد الجيش سعد بن أبي وقاص حول هذا الصحابي الجليل‏:‏ ‏"‏لا تُوله إمرة سرية من السرايا على المسلمين أن يقدم بهم المهلكة‏"‏‏.‏‏.‏ إذن ليست الأمور متعلقة بالحماس والاندفاع‏.‏

وعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة كان يصلي إلى الكعبة، وفوق الكعبة ثلاثمائة وستون صنما‏.‏‏.‏ محمد الذي جاء بالتوحيد كان يصلي إلى الكعبة وفوقها الأصنام لم يمد يده إلى صنم واحد، لأنه لا يستطيع تبعا للسنن الكونية في هذا الدين، فلما واتته القوة ونصره الله وأيده بنصره وبالمؤمنين، دخل مكة وكان يشير على الأصنام واحدا واحدا فتتهاوى إلى الأرض، هل كان يدين بالولاء إلى هذه الأصنام حتى يصلي إليها وهي فوق الكعبة‏؟‏ الجواب بالنفي، لكنه كان لا يملك شيئا، فقد كانت تنقصه القوة المادية التي يستطيع بها أن يفعل ما يريد، فلما اشتد الإيذاء وأُذِن له بالهجرة استقر في المدينة ودخل المدينة، فماذا فعل‏؟‏ تحالف مع اليهود، فلما نكثوا نكثوا على أنفسهم لم ينكثوا عليه‏.‏‏.‏ تحالف مع اليهود رغم أنه هو الذي بلغنا قرآن الله سبحانه وتعالى الذي يقول‏:‏ ‏{‏لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا‏}‏، وفعل ذلك لأن منطق العقل يقضي بهذا، كان يعقد المحالفات مع المسلمين ومع غير المسلمين‏.‏‏.‏ إذن أطلب من شباب هذا اليوم أن يجعل لعقله سيطرة على تفكيره قبل أن يندفع‏.‏‏.‏ نحن لا نريد أن نقول له أطفىء حماسك، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏[‏نصرني الشباب‏]‏، شباب كل أمة هم عدتها في حاضرها وفي مستقبلها، ولكن لا نريد منهم أن يكونوا شباباً متهوراً، فالضرر في التهور أكثر من النفع‏.‏

ثم هذا الشباب لو أنه جاد حقا في الوصول إلى الشريعة، والغد في كل أمة من الأمم لهذا الشباب، فبدلا من أن يُلقي بيده إلى التهلكة، ويصطدم مع القوة العادية التي تفوقه بمراحل، ‏[‏وياليتها قوة داخلية، ولكنها قوة داخلية وخارجية‏]‏، فليحكم العقل، وليهتم بنشر الدعوة، ويصنع كل شاب من نفسه مسلما صحيحا، فلن تمضي عشر سنوات أو أكثر أو أقل حتى يكون هذا الشباب هو الذي يتولى أجهزة الحكم في الوطن الذي يقيم فيه، فإذا كان على رأس جهاز الشرطة مسلم تقي ينفذ أوامر الله، وعلى رأس الجيش تقي مسلم ينفذ أوامر الله، والقضاء والمالية والاقتصاد، والاجتماع، والأخلاق، والتعليم إذا كان على رأس كل جهاز من هذه الأجهزة مسلم فقد انتهى الأمر‏.‏‏.‏ هو الذي سيدير وسيصل إلى ما يبتغي دون أن يخاطر بمن معه من الدعاة‏.‏

وأقول للشباب كن واسع الصدر طويل الأناة، لا تندفع، لا تجعل إنسانا يجرك إلى معركة خاسرة يحدد هو مكانها وزمانها‏.‏‏.‏ هذا الكلام يستتبع مني أن أقول إن الاغتيالات تنتج من الآثار أسوأ مما يُنتجه عدم الاغتيال، لأنه إذا اغتيل حاكم له بطانة وله أنصار وله مستفيدون كل هؤلاء لا يجدون أمامهم إلا ضرب الدعوات الإسلامية في البلد التي حدث فيها الاغتيال، وياليتهم يُحكمون حتى القانون الوضعي، فلا يحاكمون إلا من اغتال‏.‏‏.‏ لا‏.‏‏.‏ إنهم يضربون الدعوة في جميع أشخاصها، ومن يدري أن حوادث الاغتيال قد تُدبر أحيانا لضرب الدعوة الإسلامية، وينساق إليها الشباب وهم معصوبو الأعين‏.‏

ويسكت الأستاذ التلمساني ثم يستطرد‏:‏ ‏"‏تعالوا معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف الأخرى‏.‏‏.‏ يمسكه أعرابي بثوبه من عند عنقه ويجذبه حتى يؤثر الرداء في عنقه الشريف، ويقول‏:‏ يا محمد إنكم قوم مطل، ويهم عمر بشبابه أن يستل سيفه فيقتله، فيقول محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يا عمر لا يقول الناس أن محمدا يقتل أصحابه مُرْه بحسن الاقتضاء ومرني بحسن الأداء‏]‏، محمد عليه الصلاة والسلام يُسمي الأعرابي الذي يفعل فيه ما فعل من أصحابه، ‏[‏لا يقولون محمدا يقتل أصحابه‏]‏ ليست هذه من التصرفات التي يجب أن يتبعها شباب الجيل لنصرة هذه الدعوة، كل ما يطلب منهم وهو سهل ميسور أن يقيموا من أنفسهم ومن أصدقائهم ومن أهليهم مسلمين أتقياء‏.‏

ولو أن كل مجموعة من الشباب في حي من الأحياء أقامت من نفسها خادمة لهذا الحي، تزور أهله، وتقدم لهم المعونات في الأفراح والأحزان، تسأل عن مريضهم، تعينهم على نوائب الدهر، سيجدون من أهل الحي عطفاً وحباً ومودة، وسوف يستجيب هؤلاء لهذا الشباب بعد ذلك‏.‏

حقيقة تنظيم حسن البنا‏:‏

عدت أسأل‏:‏ هل هذا رأيك فقط‏؟‏ أم هو كما تعتقد رأي حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان‏؟‏

وأجاب‏:‏

- هذا الرأي كونته من تعاليم الأستاذ حسن البنا، ومن قيادة الأستاذ حسن الهضيبي رحمة الله عليهما، فهما ما كانا يدعوان إلى صدام أبدا‏.‏

ولكن هناك من يقول إن الشيخ حسن البنا أسس التنظيم السري للصدام والانقلاب‏؟‏

- هذا مفهوم خاطئ، فقد نشأ هذا التنظيم أول ما نشأ لمقاومة الإنجليز المستعمرين في مصر، واليهود الذين نزلوا في فلسطين، ولو أنك اطلعت على القضايا التي عرضت على المحاكم، والأوراق التي ضبطت، لرأيت أن التخطيط للهجوم والحرب والصدام لا يتفق مع البلد الذي يقيم فيه هذا الشباب، ولكن طبيعة الأرض كانت تملي على هؤلاء الشباب أن يتدربوا تدريبا معيناً على طبيعة الأرض التي سيقاتلون عليها اليهود في فلسطين‏.‏

هل كان اغتيال الشيخ حسن البنا كنتيجة سلبية للاغتيال السياسي الذي قام به بعض الدعاة‏؟‏‏.‏‏.‏ يقال مثلا إن هناك بعض المتحمسين على أيام الشيخ حسن البنا، قام باغتيال النقراشي، فرد أعوان النقراشي باغتيال حسن البنا‏.‏

- هذا القول له جانب من الصـحة، وحقيقة الأمر - ولعلي أعتذر إلى الشباب - بأني استشهد بغير مسلم‏.‏‏.‏ بكتاب أو برسالة للدكتور ‏[‏متشن‏]‏ قال‏:‏ إن الإخوان المسلمين لم يقتلوا النقراشي، ولكن النقراشي هو الذي قتل نفسه باستجابته إلى مطالب القصر والإنجليز - أعوان النقراشي - الذين كانوا يستفيدون منه قطعا، أرادوا أن يثبتوا أنهم رجال، وأنهم يثأرون، فاغتالوا عن طريق الحكومة التي كانت قائمة في ذلك الوقت الإمام الشيخ، واشترك فاروق في هذا الاغتيال، لأن الأستاذ البنا عندما نُقِل إلى مستشفى القصر العيني كان يمكن إسعافه، ولو أُسعف لنجا، ولكن حياته انتهت، وقدر الله لابد أن يتم، فأمر فاروق الأطباء أن يتركوه ينزف إلى أن مات‏.‏

إذن فقد كان اغتياله رداً من أعوان النقراشي‏؟‏

- التلمساني‏:‏ هكذا حصل‏.‏‏.‏

هل بلغت رأيك هذا إلى الشباب المسلم في مصر‏؟‏

- لقد ذهبت إلى جميع الكليات في الجامعات المصرية، وتحدثت معهم في هذا بمنتهى الوضوح، وقلت لهم‏:‏ إن الحكومات تكره الأسر، وتعتبر أن هذه الأسر خطر عليها، وأنا علانية أدعوكم إلى تكوين الأسر ولكن في شكل وصورة واضحة‏.‏‏.‏ خمسة أو ستة من شباب الحي يجتمعون ويتدارسون ما يصلحهم وما يضرهم، وما ينفع الحي الذي يقيمون فيه، وما يؤدي إلى تفضيله على غيره من نظافته وصحته وأحواله‏.‏‏.‏ كنت أدعو إلى هذا، وكنت أصارحهم بأنني ضد الاغتيالات‏.‏

وماذا كان جوابهم‏؟‏

- الكل كان يستمع، والدليل على أنهم كانوا يستمعون أن الأحداث الأخيرة أثبتت دائما أن أحدا من الإخوان المسلمين لم يشترك فيها، وكما سئلت أمام المدعي الاشتراكي هل كل الذين انحرفوا وتطرفوا بالمفاهيم الدينية من الإخوان المسلمين‏؟‏ أو كانوا من الإخوان المسلمين‏؟‏ إن هذا تجن على الحقيقة، لأن هذا الشباب لو وجد في صفوف الإخوان المسلمين متنفسا لأفكاره لبقي في الإخوان، واستعان بعددهم وكثرتهم، لكنه لم يجد متنفساً لآرائه في صفوف الجماعة، فخرج منها، وكون ما شاء‏.‏

إني لا أهاجم الجماعات، ولكني أقول يجب على هذا الشباب أن يحكم عقله‏.‏

تجربة السجن‏:‏

إذن من قام بهذه العمليات المتطرفة لم يكن من الإخوان المسلمين‏؟‏

- لم يكونوا من الإخوان المسلمين، ورئيس جمهورية مصر صرح بعد الاغتيال بأن الإخوان المسلمين بعيدون عن هذا الفعل‏.‏

هل كانت هناك محاولة فعلية لاغتيال جمال عبدالناصر في ميدان المنشية‏؟‏

- ثبت على لسان بعض الضباط الأحرار، وعلى لسان رئيس جمهورية مصر الأسبق محمد نجيب‏:‏ أن هذه المؤامرة مدبرة من حاشية جمال عبدالناصر، ليوجدوا له شعبية من صفوف الشعب المصري‏.‏

إذن لم يكن السجن الأخير ‏[‏المحنة الأخيرة‏]‏ التي عشتموها في السجن‏.‏‏.‏ هل كان فيها تعذيب كسابقتها أيام عبدالناصر مثلا‏؟‏

- أنا سجنت سجناً انفراديا وباعدوا بيني وبين العالم كله من يوم أن قبضوا علي، كل الذين قُبض عليهم أيام سبتمبر الماضي كانوا مع بعضهم بعضاً ‏(‏عداي‏)‏، فقد وضعوني في مكان منعزل، ولم يضعوا معي مخلوقا، وقطعوا ما بيني وبين العالم، لا جرائد ولا مجلات ولا إذاعات ولا شيء بالمرة، ربما هناك تعذيب وقع، ولكني لم أر شيئا‏.‏

مستقبل مجلة الدعوة‏:‏

هل تتوقع أن يفرج مرة أخرى عن مجلة الدعوة‏؟‏ وهل تعود إلى نشاطها‏؟‏

- لقد صدر حكم لصالح المجلة أمس الخميس 17 يونيو‏.‏‏.‏ صدر حكم برفع الأختام الموضوعة على دار المجلة في ميدان التوفيقية، وفي ميدان السيدة زينب‏.‏

الحمد لله‏.‏‏.‏ هذا شيء عظيم جدا -شيخ عمر- لأنه بعد إغلاق المجلة حدث لغط كثير لا نعلم أين الصحيح منه، فهناك من يأتي ويقول هذه آراء الشيخ عمر التلمساني، وهناك من ينفي أن تكون هذه آراء الشيخ عمر التلمساني، حتى إن بعض الصحف الإسلامية التي تصدر خارج مصر - بعد إغلاق مجلة الدعوة المصرية - ظهر فيها إعلان كبير يحذر من قبول أي حديث ينسب إلى الشيخ عمر التلمساني في الجرائد المصرية، فهل هذا صحيح‏؟‏ وخاصة أن هذا الإعلان نشر بعد مقابلتكم الشهيرة في آخر ساعة‏؟‏

- كل كلمة صدرت في الصحف المصرية، أو المجلات المصرية أنا مسؤول عنها، ورصدت كما قلتها، بلا تحريف ولا تجريح، سواء أرضى هذا الناس أو لم يرضهم، ليس هذا في حسباني، أنا إذا تحدثت أنظر إلى الله سبحانه وتعالى وحده، لا أنظر إلى بشر، وأقول ما أعتقد أنه الحق، قد يكون ما أعتقد أنه حق خطأ، ولكن أقول وأنا مؤمن أنه صواب وإذا تبين وجه الخطأ فيه - طبعاً الإنسان يجب أن يعدل عن الخطأ إلى الصواب - وإنه لم يحرف عني كلام ولم يزد علي أو يزيف علي الكلام‏.‏

المد الإسلامي لن يتوقف‏:‏

شيخ عمر‏:‏ كانت فترة السبعين إلى الثمانين فترة ذهبية بالنسبة للدعوة الإسلامية في مصر، خاصة في شباب الجامعات، وأنا كنت طالبا في جامعة الإسكندرية في هذه الفترة، وعاصرت هذه الدعوة‏.‏‏.‏ فهل تعتقد أن هذا المد قد توقف الآن بعد اغتيال السادات، والإجراءات الأخيرة التي فرضت على الشعب كرد فعل لهذا الإجراء‏؟‏ أم أن هذا المد مازال مستمراً‏؟‏

- هذا المد لم يتوقف، ولن يتوقف لأنها دعوة الله سبحانه وتعالى، والذين يقومون بها ليسوا طلاب دنيا أبدا، كلهم يطلبون تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى في البلاد الإسلامية، ولعل من أكبر انتصارات هذه الدعوة أن الفترة التي ذكرتها، اضطرت الحكم القائم حينذاك أن يرصد في المادة الثانية من الدستور أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئىسي للتقنين في مصر، هذا النص لم يطبق إلى الآن، ولكنه انتصار للدعوة الإسلامية‏.‏‏.‏ أن يجبر الذين يقاومون الدعوة الإسلامية أن يتستروا خلف الإسلام، معنى هذا أن الإسلام لا يزال الصخرة المنيعة التي يتستر خلفها كل من يريد أن يؤذي دعاة الله سبحانه وتعالى‏.‏

التطبيع‏:‏

كيف تفسر الأوضاع العربية الحالية‏؟‏ وما موقفكم كدعاة مسلمين تمثلون حركة إسلامية شهيرة جداً من قضية التطبيع مع اليهود مثلا‏؟‏

لقد كتبت في هذا الموضوع في مجلة الدعو،ة وذكرت حوالي عشرين سببا في وقف التطبيع‏.‏‏.‏ بعنوان ‏(‏التطبيع شر كله‏)‏ وكان هذا المقال من بين المقالات التي أثارت العهد الماضي، وأنا أعتقد لو أن جميع المسلمين في البلاد الإسلامية قاطعوا كل ما هو يهودي سيبوء التطبيع بالفشل، وأقول إن المسلم إذا رؤي سائرا مع يهودي، أو مآكلا له، أو مصادقا له يعتبر آثماً عند الله سبحانه وتعالى، إن كانت هذه المؤاكلة أو المصادقة عن إخلاص بالنسبة له‏.‏

وبالنسبة لعودة مصر للصف العربي‏؟‏

- أيضا كتبت في هذا، واستغله العهد الماضي عندما قبض علي‏.‏‏.‏ قال إن عمر يستعدي البلاد العربية على مصر، ولم أقل هذا، أنا قلت إنني سمعت أن المرحوم الملك خالد رجل طيب، فلو أن ربنا هداه وجمع جميع حكام المسلمين، ودعاهم إلى مؤتمر يعقد في مكة أو في المدينة بين رحاب البيت الحرام أو قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، وتشاوروا في هدوء، لعلهم يصلون إلى نتيجة، فاعتبر العهد الماضي أن هذا استعداء للبلاد العربية على مصر‏!‏

لماذا‏.‏‏.‏ هل استثنيت مصر من تسيء إليهم‏؟‏

عدت أسأل‏:‏ ما هي أخبار الشيخ المحلاوي‏؟‏ ألا يزال مقبوضاً عليه‏؟‏

وهل هو من الإخوان‏؟‏

- لا ليس من الإخوان تنظيماً ، ولكنه رجل فاضل أنا لا أقول فيه شيئاً‏.‏

و‏(‏السنانيري‏)‏‏؟‏ لقد التقيت به في الكويت قبل عدة سنوات، هل تعتقد أنه توفي من التعذيب‏؟‏ أو قتل قتلاً صريحاً كما قالت بعض المجلات الإسلامية‏؟‏

- لو قلت هذا أقوله بغير علم، لأني لم أحضر الحادث، ‏"‏لا شفته وهو يشنق نفسه ولا شفته وهو يقتل‏.‏‏.‏ فكيف أصدر حكماً‏؟‏‏!‏ أنا أعرف كمال تماماً، وأعرف دينه، وأعرف تقواه وما كان عليه، وأعرف زهده وتجرده، كل هذا أعرفه عن المرحوم كمال السنانيري، إنما كيف أحكم كمسلم على قضية لم أحضر وقائعها، ولم أستمع فيها إلى كل الأطراف، وأعتقد أن الأيام كفيلة بإظهار الحقيقة‏.‏

والشيخ مصطفى مشهور‏؟‏

- موجود في أوروبا، خرج قبل الأحداث، فلما أعلنت الأحكام العرفية وحدث ما حدث فضل البقاء‏.‏

وأحداث أسيوط التي حدثت مع الاغتيال، ألم يقم بها الإخوان‏؟‏

لم يقم بها الإخوان، وصدقني إلى الآن لا أعرف تفاصيلها بالضبط، لم أسمع عن أحداثها إلا من الجانب الحكومي، والجانب الحكومي صورها بصورة ناس انحدروا من الجبل في يوم العيد وقتلوا الأبرياء‏.‏‏.‏ هذا تصوير الحكومة، إنما هم ليسوا من الإخوان، وليس لدي علم بتفاصيل هذا الحادث‏.‏

صرحت أيام السادات وقلت ‏"‏أنا ادعو الله ان يطيل حكمك‏"‏‏.‏‏.‏ نريد أن نعرف كيف حدث هذا التصريح ما هي خلفياته وماذا كنت تقصد فيه لأن هناك من فسره تفسيرات سيئة جداً‏؟‏

للأسف الشديد أن هذا الاعتراض من بعض الناس مثل من يقول ‏"‏ولا تقربوا الصلاة‏"‏ أو كمن يقول ‏"‏إني كفرت‏"‏‏.‏‏.‏ الذي حدث أنني دعيت إلى منتدى للفكر الإسلامي عقده السادات ودعيت بإلحاح ورفضت بإلحاح لدرجة عجزت عن مداومة الرد فقلت أحضر حاضر، فحضرت فلما بدأ ينهال علي بالاتهام بالتخريب والتحريض والاستثارة، وعيب يا عمر وما يصحش يا عمر يعني لدرجة وهو بيتكلم قلت له إن الكلام ده عليه رد اللي أنت بتقوله‏.‏ قال لي لما أخلص رد علي‏.‏ فلما خلص وقفت أرد عليه وكان من حديثي وأنا بكلمه قلت له في العهد اللي أنت حكمت فيه مصر وجدنا فرصة أن ندعو فيها إلى الله مطمئنين وكنت بذلك أرجو أن يطول عهدك إلى أطول فترة ممكنة ولكن هذا الكلام الذي قلته لو قاله غيرك لي لشكوته إليك أما أنت‏.‏ محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر فلا أشكوك إلا إلى الله‏.‏‏.‏ وكل من رآه يقول إن ‏"‏البايب‏"‏ الذي في فمه ارتعش فال اسحب شكواك فقلت لقد رفعت إلى الله وانتهى‏.‏‏.‏ لا أظن أن الناس لو جمعوا بين هذا وذاك يستطيعون أن يقولوا هذه الدعوة بل على العكس هناك واحد من أنصار عصام العطار أخذ الكلمات من الجريدة وذهب لفرد من الإخوان في المسجد، وقال له كفر عمر التلمساني‏.‏ قال له‏:‏ لماذا‏؟‏ قال‏:‏ إنه يقول للسادات إني أتمنى أن يطول حكمك أكبر مدة ممكنة‏؟‏ شوف المناسبة، شوف إيه الكلام‏!‏ شوف إيه اللي قيل وبعدين احكم عليه، إنما كده كفرت على طول كده بالسهولة دي، هو لم يكن يتصور أني أقول له حاجة، لم يكن يتصور أن إنسانا في مصر يقف ويقول له هذا الكلام مواجهة، مش من ورائه‏.‏

هذا التصريح في الحقيقة ساهم بشكل أو بآخر في تزايد الخلافات التي حدثت بين التنظيم الدولي للإخوان، وبعض التنظيمات التي انشقت عن الإخوان كالتي ذكرتها قبل قليل‏؟‏

والله شوف يا أخي أحمد يعني الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث من هذا وقال‏:‏ ‏"‏الملتمسون للبراء العيب‏"‏ يحاولون أن ينسبوا إلى أي أخ مسلم أي عيب‏.‏‏.‏ ما حيلتي‏.‏‏.‏ أنتم تشتموني، أنا لن أشتمكم‏.‏

وهناك من الدعاة من يقول لي أنك حاولت أن تلاين الحكم الخائن، ورغم ذلك حبسك‏.‏

فقلت له أنا لم ألاينهم تجارة ليبعدوا عني، لكن ألاينهم لأن هذه طبيعتي أولا، وأسلوب الدعوة الذي فهمته من حسن البنا وحسن الهضيبي في طريق تبليغ الدعوة، فسواء أكرموني أو أهانوني‏.‏‏.‏ الوضع عندي واحد، هم على العكس عرضوا علي أني أكون عضوا في مجلس الشورى، وعرض علي السادات بإلحاح فرفضت بإلحاح ، وبعثت له أناسا من المقربين، وقلت له‏:‏ أوعى تنزل اسمي في كشف المعينين في مجلس الشورى، لأني حاعتذر وأن هذا فيه إشكال وموقف سياسي مش ظريف بالنسبة لي وهم يحاولون أن يكرموني فلم أتأثر، فأنا لم أعاملهم بهذا الأسلوب حتى أكتسب ودهم أو عطفهم‏.‏‏.‏ قطعاً لا، أنا في غنى أوله وآخره لرضاء الله سبحانه وتعالى‏.‏

انتهى الحديث الشائق والممتع، فشكرت الأستاذ عمر التلمساني وودعته على أمل أن ألقاه في زيارة أخرى بحول الله تعالى لنناقش قضايا أخرى مهمة من جوانب أعمال الدعاة إلى الله تعالى‏.‏