فصل: بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبي سفيان بن حرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه

قال ابن هشام ‏:‏

ومما لم يذكره ابن إسحاق من بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه بعث عمرو بن أمية الضمري ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثني من أثق به من أهل العلم ، بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة ، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب ، وبعث معه جبار صخر الأنصاري ، فخرجا حتى قدما مكة ، وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ، ثم دخلا مكة ليلاً ‏.‏

فقال جبار لعمرو ‏:‏ لو أنا طفنا بالبيت ، وصلينا ركعتين ‏؟‏ فقال عمرو ‏:‏ إن القوم إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم ، فقال ‏:‏ كلا ، إن شاء الله ‏.‏ فقال عمرو ‏:‏ فطفنا بالبيت ، وصلينا ، ثم خرجنا نريد أبا سفيان ، فوالله إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلى رجل من أهل مكة فعرفني ، فقال عمرو بن أمية ‏:‏ والله إن قدمها إلا لشر ؛ فقلت لصاحبي ‏:‏ النجاء ، فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل ، وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل ، يئسوا منا ، فرجعنا ، فدخلنا كهفا في الجبل ، فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا ‏.‏

فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا له ويخلي عليها ، فغشينا ونحن في الغار ، فقلت ‏:‏ إن رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا ‏.‏

قال ‏:‏ ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان ، فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة ، وصاح صيحة أسمع أهل مكة ، وأرجع فأدخل مكاني ، وجاءه الناس يشتدون وهو بأخر رمق ، فقالوا ‏:‏ من ضربك ‏؟‏ فقال ‏:‏ عمرو بن أمية ، وغلبه الموت ، فمات مكانه ‏.‏ ولم يدلل على مكاننا ، فاحتملوه ‏.‏

فقلت لصاحبي ‏:‏ لما أمسينا النجاء ؛ فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة ، فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي ؛ فقال أحدهم ‏:‏ والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية ، لولا أنه بالمدينة ، لقلت ‏:‏ هو عمرو بن أمية ‏.‏ قال ‏:‏ فلما حاذى الخشبة شد عليها ، فأخذها فاحتملها ، وخرجا شداً ، وخرجوا وراءه ، حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه الله عنهم ، فلم يقدروا عليه ، قال ‏:‏

وقلت لصاحبي ‏:‏ النجاء النجاء ، حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه ، فإني سأشغل عنك القوم ، وكان الأنصاري لا رجلة له ‏.‏

قال ومضيت حتى أخرج على ضجنان ، ثم أويت إلى جبل ، فأدخل كهفا ، فبينا أنا فيه إذ دخل علي شيخ من بني الديل أعور ، في غنيمة له ، فقال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ فقلت ‏:‏ من بني بكر ، فمن أنت ‏؟‏ قال ‏:‏ من بني بكر ، فقلت ‏:‏ مرحبا فاضطجع ، ثم رفع عقيرته ، فقال ‏:‏

ولست بمسلم ما دمت حيا * ولا دان لدين المسلمينا

فقلت في نفسي ‏:‏ ستعلم ، فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي ، فجعلت سيتها في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ، ثم خرجت النجاء ، حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت النقيع ، إذا رجلان من قريش من المشركين ، كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة ينظران ويتحسسان ، فقلت ‏:‏ استأسرا ، فأبيا ، فأرمي أحدهما بسهم فأقتله ، واستأسر الآخر ، فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة ‏.‏

 سرية زيد بن حارثة إلى مدين

قال ابن هشام ‏:‏وسرية زيد بن حارثة إلى مدين ‏.‏

ذكر ذلك عبدالله بن حسن بن حسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم رضوان الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ، ومعه ضميرة ، مولى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وأخ له ، قالت ‏:‏ فأصاب سبياً من أهل ميناء ، وهي السواحل ، وفيها جماع من الناس ، فبيعوا ففرق بينهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه سلم وهم يبكون ، فقال ‏:‏ ما لهم ‏؟‏ فقيل ‏:‏ يا رسول الله فرق بينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا تبيعوهم إلا جميعا ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏أراد الأمهات والأولاد ‏.‏

 سرية سالم بن عمير لقتل أبي عفك

قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك ، أحد بني عمرو بن عوف ثم بني عبيدة ، وكان قد نجم نفاقه ، حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث ابن سويد بن صامت ، فقال ‏:‏

لقد عشت دهرا وما إن أرى * من الناس دارا ولا مجمعا

أبر عهودا وأوفى لمن * يعاقد فيهم إذا ما دعا

من أولاد قيلة في جمعهم * يهد الجبال ولم يخضعا

فصدعهم راكب جاءهم * حلال حرام لشتى معا

فلو أن بالعز صدقتم * أو الملك تابعتم تبعا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من لي بهذا الخبيث ، فخرج سالم بن عمير ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهو أحد البكائين ، فقتله ‏؟‏ فقالت أمامة المزيرية في ذلك ‏:‏

تكذب دين الله والمرء أحمدا * لعمرو الذي أمناك أن بئس ما يمني

حباك حنيف أخر الليل طعنة * أبا عفك خذها على كبر السن

غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان

وغزوة عمير بن عدي الخطمي عصماء بنت مروان ، وهي من بني أمية بن زيد ، فلما قتل أبو عفك ، نافقت فذكر عبدالله بن الحارث بن الفضيل ، عن أبيه ، قال ‏:‏ وكانت تحت رجل من بني خطمة ، يقال له يزيد بن زيد ، فقالت تعيب الإسلام وأهله ‏:‏

باست بني مالك والنبيت * وعوف وباست بني الخزرج

أطعتم أتاويَّ من غيركم * فلا من مراد ولا مذحج

ترجونه بعد قتل الرءوس * كما يرتجي مرق المنضج

ألا أنف يبتغي غرة * فيقطع من أمل المرتجي

قال فأجابها حسان بن ثابت فقال ‏:‏

بنو وائل وبنو واقف * وخطمة دون بني الخزرج

متى ما دعت سفها ويحها * بعولتها والمنايا تجي

فهزت فتى ماجدا عرقه * كريم المداخل والمخرج

فضرجها من نجيع الدماء * بعد الهدو فلم يحرج

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك ‏:‏ ألا أخذ لي من ابنة مروان ‏؟‏ فسمح ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي ، وهو عنده ، فلما أمسي من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها ، فقال ‏:‏ ثم أصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إني قد قتلتها ‏.‏ فقال ‏:‏ نصرت الله ورسوله يا عمير ، فقال ‏:‏ هل علي شيء من شأنها يا رسول الله ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ينتطح فيها عنزان ‏.‏

فرجع عمير إلى قومه ، وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان ، ولها يومئذ بنون خمسة رجال ، فلما جاءهم عمير بن عدي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ يا بني خطمة ، أنا قتلت ابنة مروان ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، فذلك اليوم أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة ، وكان يستخفي بإسلامهم فيهم من أسلم ، وكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي ، وهو الذي يدعى القارئ ، و عبدالله بن أوس ، وخزيمة بن ثابت ، وأسلم يوم قتلت ابنة مروان ، رجال من بني خطمة ، لما رأوا من عز الإسلام ‏.‏

 أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه

بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال ‏:‏

خرجت خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت رجلا من بني حنيفة لا يشعرون من هو ، حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏

أتدرون من أخذتم ‏؟‏ هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا إساره ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال ‏:‏ اجمعوا ما كان عندكم من طعام ، فابعثوا به إليه ، وأمر بلقحته أن يغذى عليه بها ويراح ، فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ، ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول ‏:‏ أسلم يا ثمامة ، فيقول ‏:‏ إيها يا محمد ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ‏.‏

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما ‏:‏ أطلقوا ثمامة ، فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ، فتطهر فأحسن طهوره ، ثم أقبل فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام ، فلم ينل منه إلا قليلاً ، وباللقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك ‏:‏

مم تعجبون ‏؟‏ أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر ، وأكل أخر النهار في معي مسلم ، إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وإن المسلم يأكل في معي واحد ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏

فبلغني أنه خرج معتمراً ، حتى إذا كان ببطن مكة ، لبى فكان أول من دخل مكة يلبي ، فأخذته قريش ، فقالوا ‏:‏ لقد اجترأت علينا ، فلما قدموه ليضربوا عنقه ، قال قائل منهم ‏:‏ دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم ، فخلوه ، فقال الحنفي في ذلك ‏:‏

ومنا الذي لبى معلنا بمكة معلنا * برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم

وحدثت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم ‏:‏ لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ، ولقد أصبح وهو أحب الوجوه إلي ، وقال في الدين والبلاد مثل ذلك ‏.‏

ثم خرج معتمراً ، فلما قدم مكة قالوا ‏:‏ أصبوت يا ثمام ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ، ولكنى اتبعت خير الدين ، دين محمد ، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا ، وقد قتلت الأباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل ‏.‏

 سرية علقمة بن مجزز

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز ‏.‏

لما قتل وقاص بن مجزز المدلجي يوم ذي قرد ، سأل علقمة بن مجزز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه في آثار القوم ، ليدرك ثأره فيهم ‏.‏

فذكر عبدالعزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي سعيد الخدري ، قال ‏:‏

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز - قال أبو سعيد الخدري ‏:‏ وأنا فيهم - حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق ، أذن لطائفة من الجيش ، واستعمل عليهم عبدالله بن حذافة السهمي ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت فيه دعابة ، فلما كان ببعض الطريق أوقد ناراً ، ثم قال للقوم ‏:‏

أليس لي عليكم السمع والطاعة ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ، قال أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ، قال ‏:‏ فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، قال ‏:‏ فقام بعض القوم يحتجز ، حتى ظن أنهم واثبون فيها ، فقال ‏:‏ لهم اجلسوا ، فإنما كنت أضحك معكم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من أمركم بمعصية منهم فلا تطيعوه ‏.‏

وذكر محمد بن طلحة أن علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا ‏.‏

 سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يسارا

حدثني بعض أهل العلم ، عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبدالرحمن ، قال ‏:‏

أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة ، عبداً يقال له ‏:‏ يسار فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من قيس كبة من بجيلة ، فاستوبئوا ، وطلحوا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لو خرجتم إلى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها ، فخرجوا إليها ‏.‏

فلما صحوا وانطوت بطونهم ، عدوا على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسار ، فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه ، واستاقوا اللقاح ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر ، فلحقهم فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة ذي قرد ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ‏.‏