فصل: نفقة اللقيط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ الْبُغَاةِ:

أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُغَاةِ جَمْعُ الْبَاغِي مِنْ الْبَغْيِ وَهُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الْحَدِّ.
وَفِي الْفَتْحِ الْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ تَقُولُ بَغَيْت كَذَا أَيْ طَلَبْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ هُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْأَعْيَانِ وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِي رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ فَإِنْ بَايَعَ النَّاسَ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ إمَامًا فَإِذَا صَارَ إمَامًا فَاجِرًا لَا يَنْعَزِلُ إنْ كَانَ لَهُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَإِلَّا يَنْعَزِلُ (إذَا خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ) أَيْ الْخَلِيفَةِ الْعَدْلِ لَا عَنْ أَمِيرٍ ظَلَمَ بِهِمْ فَلَوْ خَرَجُوا عَلَيْهِ لَظَلَمَ ظُلْمَهُمْ فَلَيْسُوا بِبُغَاةٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَتَغَلَّبُوا عَلَى بَلَدٍ) وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَهْلَ بَغْيٍ وَإِنْ كَانَ مَنَعَةُ الْإِمَامِ أَقَلَّ مِنْ مَنَعَتِهِمْ لِأَنَّ الْمَنَعَةَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَإِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْإِمَامُ عَلَى الْبَاطِلِ مُتَمَسِّكِينَ بِشُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِأَنَّهُمْ غَيْرُ فَاسْقِينَ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ فَهُمْ فِي حُكْمِ اللُّصُوصِ وَإِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ مُرْتَكِبُونَ لِلْكَبِيرَةِ فَإِنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فَرْضٌ وَإِلَى أَنَّ الْإِمَامِ لَا يُطَاعُ فِي مَعْصِيَةٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (دَعَاهُمْ) الْإِمَامُ (إلَى الْعَوْدِ) أَيْ إلَى طَاعَتِهِ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَوْ قَاتَلُوهُمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَى الْعَوْدِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُوهُمْ عَلَيْهِ فَحَارَبَهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ (وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) الَّتِي اسْتَنَدُوا إلَيْهَا فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ فَإِذَا أَجَابُوا إلَى الطَّاعَةِ تَمَّ الْمَرَامُ وَإِنْ قَالُوا فَعَلْنَا لِظُلْمِك فَالْإِمَامُ أَزَالَهُ وَإِلَّا وَالنَّاسُ لَا يُعِينُونَ الْإِمَامَ وَالْبُغَاةَ (وَبَدَأَهُمْ) الْإِمَامُ (بِالْقِتَالِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ (لَوْ تَحَيَّزُوا) أَيْ اتَّخَذُوا حَيِّزًا أَيْ مَكَانًا (مُجْتَمِعِينَ) فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ (لَا) أَيْ لَا يَبْدَأُ بِقِتَالِهِمْ (مَا لَمْ يَبْدَءُوا) أَيْ الْبُغَاةُ بِالْقِتَالِ فَإِنْ بَدَءُوهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ تَعَسْكُرُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ فَإِنَّ صَبْرَ الْإِمَامِ إلَى بَدْئِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَجَبَ كَسْرُ مَنَعَتِهِمْ بِلَا سِلَاحٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِالْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ، وَفِي الْكَشْفِ إنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْحَبْسِ وَإِلَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ قُوَّةُ الْقِتَالِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ.
(فَإِنْ كَانَ لَهُمْ) أَيْ لِلْبُغَاةِ (فِئَةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ يَلْحَقُونَ بِهِمْ (أُجْهِزَ) عَلَى صِيغَةِ مَبْنِيٍّ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى جَرِيحِهِمْ) وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إتْمَامِ الْقَتْلِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَجَهَزَ عَلَى الْجَرِيحِ اتَّبَعَ وَجَهَزَ أَثْبَتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عَلَيْهِ وَمَوْتٌ مُجْهَزٌ وَجَهِيزٌ سَرِيعٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (وَأُتْبِعَ مُوَلِّيهِمْ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرِ لِأَنَّ جَرِيحَهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَبْرَأَ فَيَعُودَ إلَى الْقِتَالِ وَكَذَا مَنْ وَلَّى مِنْهُمْ وَمُوَلِّيهِمْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ وَلَّى تَوْلِيَةً إذَا أَدْبَرَ كَتَوَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ أَسِرْهُمْ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ الْأَحْسَنِ الْحَبْسُ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ بِهِ شَرُّهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَفِي الْمَرْأَةِ الْمُقَاتِلَةِ إذَا أُخِذَتْ حُبِسَتْ وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي حَالِ مُقَاتَلَتِهَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يُجْهَزُ وَلَا يُتْبَعُ (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ (فَلَا) يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُتْبَعُ مُوَلِّيهِمْ لِأَنَّ شَرَّهُمْ مُنْدَفِعٌ بِدُونِهِ فَلَا قَتْلَ لِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ (وَلَا تُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ) وَشَيْخُهُمْ وَزَمِنُهُمْ وَأَعْمَاهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْتُلُونَ إذَا كَانُوا مَعَ الْكُفَّارِ فَهَذَا أَوْلَى كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَعَلَى هَذَا يُقْتَلُ إنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ أَوْ مَالٍ كَمَا إذَا كَانُوا مَعَ الْكُفَّارِ (وَلَا يَقْسِمُ مَالَهُمْ بَلْ يَحْبِسُ) أَمْوَالَهُمْ (حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدَّ عَلَيْهِمْ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَالْحَبْسَ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ.
(وَجَازَ اسْتِعْمَالُ سِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ) فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِمَا وَضَعَ السِّلَاحَ عِنْدَ سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ وَيُبَاعُ الْخَيْلُ وَحُبِسَ ثَمَنُهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَالُ مُسَلِّمٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَسَمَ السِّلَاحَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ وَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى.
(وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْبُغَاةِ (لَا يَجِبُ شَيْءٌ) مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ.
وَفِي الْبَحْرِ يَصْنَعُ بِقَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ مَا يَصْنَعُ بِسَائِرِ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَأَمَّا قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُدْفَنُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى) أَهْلِ (مِصْرٍ فَقَتَلَ بَعْضُ أَهْلِهِ) أَيْ أَهْلِ الْمِصْرِ (آخَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمِصْرِ (عَمْدًا قُتِلَ) الْقَاتِلُ قِصَاصًا (بِهِ) أَيْ بِقَتْلِ مِثْلِهِ (إذَا ظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ) إذَا لَمْ يُجْرِ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ أَحْكَامَ الْبُغَاةِ وَأُزْعِجُوا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ وَبَعْدَ إجْرَاءِ أَحْكَامِهِمْ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ، تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ مُوَرِّثَهُ الْبَاغِيَ يَرِثُهُ) أَيْ يَرِثُ الْعَادِلُ مِنْ ذَلِكَ الْبَاغِي مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ وَفِي إشْعَارٍ بِأَنَّهُ يَحِلُّ لِلْعَادِلِ قَتْلُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ قَتْلَهُ إلَّا دَفْعًا لِهَلَاكِ نَفْسِهِ وَيَحْتَالُ فِي إمْسَاكِهِ لِيَقْتُلَ غَيْرَهُ.
(وَلَوْ) كَانَ الْأَمْرُ (بِالْعَكْسِ) أَيْ لَوْ قَتَلَ الْبَاغِي مُوَرِّثَهُ الْعَدْلَ (لَا يَرِثُهُ الْبَاغِي) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ) فِي قَتْلِهِ (عَلَى الْحَقِّ) زَاعِمًا أَنَّ الْبَاغِي إنَّمَا هُوَ فِي جَانِبِ مُوَرِّثِهِ فَيَرِثُهُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرِثُهُ) أَيْ الْبَاغِي الْعَادِلَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْحَقِّ أَوْ عَلَى الْبَاطِلِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ وَلَهُمَا أَنَّهُ قَتْلٌ بِتَأْوِيلٍ يَسْقُطُ مَعَهُ الضَّمَانُ فَلَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ الْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَيَأْثَمُ.
وَفِي الْمُحِيطِ الْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ وَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُخَالَفَةٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ حَالَ الْقِتَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ كَالْخَيْلِ لَا عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ مَالَهُمْ مَعْصُومٌ وَاعْتِقَادَ الْحُرْمَةِ مَوْجُودٌ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ (وَكُرِهَ بَيْعُ) نَفْسِ (السِّلَاحِ) فَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْحَدِيدِ (مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
(وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ) أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ (فَلَا) يُكْرَهُ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي الْأَمْصَارِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ.

.كِتَابُ اللَّقِيطِ:

لَمَّا كَانَ فِي الِالْتِقَاطِ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ اللَّقِيطِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ السَّيْرِ الَّذِي فِيهِ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدَّمَ اللَّقِيطَ عَلَى اللُّقَطَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّفْسِ.
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يُلْقَطُ أَيْ يُرْفَعُ مِنْ الْأَرْضِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَنْبُوذِ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُلْقَطَ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ اسْمٌ لِمَوْلُودٍ حَيٍّ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ التُّهْمَةِ سُمِّيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الشَّيْءِ بِالصِّفَةِ الْمُشَارِفَةِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَشَرَطَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنْ لَا يَعْرِفَ نَسَبَهُ (الْتِقَاطُهُ) أَيْ أَخْذُ اللَّقِيطِ (مَنْدُوبٌ) مِنْ تَرْكِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ هَلَاكَهُ بِأَنْ كَانَ فِي مِصْرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ أَرْحَمَ.
(وَإِنْ خِيفَ هَلَاكُهُ) بِأَنْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَهَالِكِ (فَوَاجِبٌ) صِيَانَةً لَهُ وَدَفْعًا لِلْهَلَاكِ كَمَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ عَنْ الْوُقُوعِ وَعِنْد الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَرْضُ عَيْنٍ.
(وَكَذَا اللُّقَطَةُ) يَعْنِي الْتِقَاطُهَا مَعَ الْإِشْهَادِ وَاجِبٌ إنْ خِيفَ هَلَاكُهَا وَمَنْدُوبٌ إنْ لَمْ يَخَفْ وَأَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ يَحِلُّ رَفْعُهَا وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ.
(وَهُوَ) أَيْ اللَّقِيطُ (حُرٌّ) فِي جَمْعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى أَنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَا الدَّارُ دَارُ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ (إلَّا إنْ ثَبَتَ رِقُّهُ بِحُجَّةٍ) أَيْ بِحُجَّةٍ عَلَى أَنَّهُ رَقِيقٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَبْدًا وَالْحُجَّةُ بَيِّنَةٌ أُقِيمَتْ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إذَا كَانَ اللَّقِيطُ صَغِيرًا أَوْ بَيِّنَةٌ عَلَى اللَّقِيطِ أَوْ تَصْدِيقُهُ إنْ كَانَ كَبِيرًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ إلَّا إذَا اعْتَبَرَ بِوُجُودِهِ فِي مَوْضِعِ الْكُفَّارِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ اللَّقِيطِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَالْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ لِقُوَّةِ الْيَدِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ مُسْلِمًا تَأَمَّلْ.

.نفقة اللقيط:

(وَنَفَقَتُهُ) وَكَذَا الْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى (فِي بَيْتِ الْمَالِ) إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ.
(وَكَذَا جِنَايَتُهُ) فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَإِرْثُهُ لَهُ) أَيْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ.
(وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) لَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْحَاكِمُ) بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهِ (بِشَرْطِ الرُّجُوعِ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى اللَّقِيطِ لِعُمُومِ الْوِلَايَةِ فَيَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ إذَا كَبِرَ وَأَمَّا إذَا مَاتَ فِي صِغَرِهِ يَرْجِعُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ يَكْفِي لِلرُّجُوعِ وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْمَتْنِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَحْتَمِلُ الْحِسْبَةَ وَالِاسْتِدَانَةَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ (أَوْ يُصَدِّقُهُ اللَّقِيطُ إذَا بَلَغَ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَأْمُرْ الْقَاضِي بِإِنْفَاقِهِ فَصَدَّقَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي أَنَّهُ أَنْفَقَهُ لِلرُّجُوعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ تَصْدِيقُهُ أَنَّهُ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ لَا تَصْدِيقُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي لَا رُجُوعَ لَهُ فَتَصْدِيقُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ الْإِنْفَاقَ بِقَوْلِ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ.
(وَلَا يُؤْخَذُ) اللَّقِيطُ (مِنْ مُلْتَقَطِهِ) قَهْرًا سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحِفْظِ لِسَبْقِ يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالِاخْتِيَارِ وَلَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى حَيْثُ شَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ انْتَزَعَهُ أَحَدٌ وَاخْتَصَمَهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي إلَى الْقَاضِي يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِحِفْظِهِ.
وَفِي الْبَحْرِ يُنْزَعُ مِنْ سَفِيهٍ وَفَاسِقٍ وَكَافِرٍ وَلَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَتَنَازَعَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ.
(وَإِنْ ادَّعَاهُ وَاحِدٌ) أَنَّهُ ابْنُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ (وَثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ اسْتِحْسَانًا (مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ يَدَّعِي إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ وَاللَّقِيطُ حَيٌّ فَإِذَا مَاتَ لَمْ يُصَدَّقْ الْغَيْرُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِنْ ادَّعَاهُ فَدَعَوْته أَوْلَى وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ.
(وَلَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (عَبْدًا) لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ الِانْتِفَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّقِيطُ مَعَ كَوْنِ أَبِيهِ عَبْدًا (حُرٌّ) لِأَنَّ وَلَدَ الْعَبْدِ قَدْ يَكُونُ حُرًّا بِكَوْنِ أُمِّهِ حُرَّةً فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ تَبَعًا لِلدَّارِ بِالشَّكِّ.
(أَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (ذِمِّيًّا وَهُوَ) أَيْ اللَّقِيطُ مَعَ كَوْنِ أَبِيهِ ذِمِّيًّا (مُسْلِمٌ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ (فِي مَقَرِّهِمْ) أَيْ مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ لِأَنَّ دَعْوَته تَضَمَّنَتْ النَّسَبَ وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ يَضُرُّهُ فَصَحَّتْ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ ابْنًا لَهُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ (وَذِمِّيٌّ إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (فِيهِ) أَيْ فِي مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَكَانُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ مُسْلِمًا وَالثَّانِي أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ أَهْلِ الْكُفْرِ فَيَكُونُ كَافِرًا وَالثَّالِثُ أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالرَّابِعُ أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْكُفَّارِ فَفِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ لِسَبْقِهِ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ لِقُوَّةِ الْيَدِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّهُمَا كَانَ مُوجِبًا لِإِسْلَامِهِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ تَقْيِيدُ الْوَاجِدِ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا لِأَنَّ الْوَاجِدَ إذَا كَانَ مُسْلِمًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، تَأَمَّلْ.
وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هُوَ مُسْلِمٌ مُطْلَقًا.
(وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ مَعًا) كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ (ثَبَتَ) نَسَبُهُ (مِنْهُمَا) لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ أَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَلَا بُدَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ ثَبَتَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَكْثَرُ مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَثْبُتُ مِنْ الثَّلَاثِ لَا الْأَكْثَرِ وَعَنْ الْإِمَامِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَكْثَرِ.
(وَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِيهِ) أَيْ فِي جَسَدِهِ وَوَافَقَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (أَوْ سَبَقَ) أَحَدُهُمَا فِي الدَّعْوَةِ عَلَى الْآخَرِ (فَهُوَ أَوْلَى) إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُوَافَقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَ وَأَخْطَأَ وَلَوْ فِي بَعْضٍ فَلَا تَرْجِيحَ وَهُوَ ابْنُهُمَا.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْعَلَامَةَ مُرَجِّحَةٌ عِنْدَ عَدَمِ مُرَجِّحٍ أَقْوَى مِنْهَا فَيُقَدَّمُ ذُو الْبُرْهَانِ عَلَى ذِي الْعَلَامَةِ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ ذِي الْعَلَامَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ تَقْدِيمُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْخَارِجِ ذِي الْعَلَامَةِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ ذِي الْعَلَامَةِ.
(وَالْحُرُّ وَالْمُسْلِمُ) فِي دَعْوَتِهِ (أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَبِ أَنْفَعُ لَهُ وَكَذَا إسْلَامُهُ إذَا كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِإِسْلَامٍ يَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَلَوْ ادَّعَاهُ حُرَّانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرَّةِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَمَةِ فَاَلَّذِي يَدَّعِيه مِنْ الْحُرَّةِ أَوْلَى.
(وَإِنْ شُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اللَّقِيطِ (مَالٌ أَوْ) شُدَّ الْمَالُ (عَلَى دَابَّةٍ هُوَ) أَيْ اللَّقِيطُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الدَّابَّةِ (فَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا (يُنْفِقُ) الْمُلْتَقِطُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اللَّقِيطِ (بِأَمْرِ قَاضٍ) لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ (وَقِيلَ) يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهِ (بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُنْفِقُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَيُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ (شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ (وَمِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ) وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ هَذَا بَيَانٌ لِمَا الْمَوْصُولَةِ.
(وَ) لِلْمُلْتَقِطِ (قَبْضُ هِبَتِهِ) أَيْ قَبْضُ مَا وُهِبَ لِلَّقِيطِ وَكَذَا قَبْضُ صَدَقَتِهِ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِذَا يَمْلِكُهُ وَوَصِيُّهُ (وَتَسْلِيمُهُ فِي حِرْفَةٍ) نَظَرًا لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَثْقِيفِهِ وَلَهُ تَعْلِيمُهُ حَدِيثٌ شَاءَ.
(لَا) يَجُوزُ لَهُ (تَزْوِيجُهُ) لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ فَأَنْكَحَهُ السُّلْطَانُ وَمَهْرُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَتِّنَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا (وَ) لَا (تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ) أَيْ مَالِ اللَّقِيطِ (لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ تَصَرُّفُ مَالِهِ مِنْ التِّجَارَةِ اعْتِبَارًا بِالْأُمِّ فَفِي الْكَلَامِ تَسَامُحٌ (وَلَا إجَارَتُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ اعْتِبَارًا بِالْعَمِّ (فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ الِاسْتِخْدَامَ فَتَمْلِكُ الْإِجَارَةَ (وَقِيلَ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ (لَهُ إجَارَتُهُ) لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ.

.كِتَاب اللُّقَطَةِ:

هِيَ مِنْ الِالْتِقَاطِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْآخِذِ وَبِسُكُونِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمَلْقُوطِ كَالضُّحَكَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ اسْمُ فَاعِلٍ وَبِسُكُونِهَا اسْمُ مَفْعُولٍ وَهَذَا عِنْدَ الْخَلِيلِ.
وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْفَرَّاءِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ أَيْضًا.
وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هِيَ رَفْعُ شَيْءٍ ضَائِعٍ لِلْحِفْظِ عَلَى الْغَيْرِ لَا لِلتَّمْلِيكِ (هِيَ) أَيْ اللُّقَطَةُ (أَمَانَةٌ) بِالِاتِّفَاقِ لَا يَضْمَنُهَا الْمُلْتَقِطُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ (إنْ أَشْهَدَ) عِنْدَ الْقُدْرَةِ شَاهِدَيْنِ (أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا) فَلَوْ وَجَدَهَا فِي طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ أَشْهَدَ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ فَإِذَا ظَفِرَ وَلَمْ يُشْهِدْ ضَمِنَ إلَّا إذَا تَرَكَ الْإِشْهَادَ لِخَوْفِ ظَالِمٍ كَمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي كَوْنِي كَذَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِشْهَادِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ كَذَلِكَ فَهَلَكَتْ (ضَمِنَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ الْإِشْهَادَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي الْيَنَابِيعِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ الْإِمَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ قُيِّدَ بِالْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا، هَذَا إذَا اتَّفَقَا أَنَّهُ لُقَطَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ صَاحِبُهَا أَخَذْتهَا غَصْبًا وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ لَا بَلْ أَخَذْتهَا لُقَطَةً لَك يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ سَوَاءٌ فِي الضَّمَانِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ فَأَشْهَدَ أَبُوهُ وَوَصِيُّهُ وَعَرَّفَ لَمْ يُصَدَّقْ.
(وَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ إنْ أَنْكَرَ أَخْذَهُ لِلرَّدِّ) أَيْ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ أَخَذَتْهُ لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ لِلْمُلْتَقِطِ) فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِاخْتِيَارِهِ الْحِسْبَةَ دُونَ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُوهُ فَوَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
وَفِي الْحَاوِي تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ مَالِكُهَا أَخَذْتهَا لِنَفْسِك وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ بَلْ أَخَذْتهَا لِأَجْلِك.
وَفِي النَّوَادِرِ لَوْ ضَاعَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَا خُصُومَةَ مَعَهُ بِخِلَافِ الْمُودِعِ.
وَفِي الْبَحْرِ إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الضِّمَامِ، هَذَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَمَا تَحَوَّلَ يَضْمَنُ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ.
(وَيَكْفِي فِي الْإِشْهَادِ قَوْلُهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ (مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ) أَيْ يَطْلُبُ (لُقَطَةً فَدُلُّوهُ) جَمْعُ أَمْرٍ مُخَاطَبٍ مِنْ دَلَّ يَدُلُّ (عَلَيْهَا) قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ (وَيُعَرِّفُهَا) أَيْ يَجِبُ تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ (فِي مَكَانِ أَخْذِهَا) فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْوُصُولِ (وَفِي الْمَجَامِعِ) أَيْ مَجَامِعِ النَّاسِ كَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِ الْخَبَرِ (مُدَّةً) أَيْ زَمَانًا (يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ (عَدَمُ طَلَبِ صَاحِبِهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ عَرَّفَهَا سَنَةً نَفِيسَةً كَانَتْ أَوْ خَسِيسَةً وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
(وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَكْثَرَ فَحَوْلًا) أَيْ فَيُعَرِّفُهَا حَوْلًا (وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَأَيَّامًا) عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ هَذَا ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي التَّقْدِيرِ وَمَنْ قَدَّرَ الْمُدَّةَ بِالْحَوْلِ وَنَحْوِهِ قِيلَ يُعَرِّفُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَقِيلَ شَهْرٍ وَقِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ (وَمَا لَا يَبْقَى) كَالْأَطْعِمَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْأَكْلِ وَبَعْضِ الثِّمَارِ (يُعَرَّفُ إلَى أَنْ يَخَافَ فَسَادَهُ) أَيْ إلَى مُدَّةٍ يَظُنُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ فِيهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ وَجَدَ اللَّحْمَ أَوْ اللَّبَنَ أَوْ الْفَوَاكِهَ الرَّطْبَةَ وَنَحْوَهَا عَرَّفَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الثِّمَارَ السَّاقِطَةَ تَحْتَ الْأَشْجَارِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّا يَبْقَى يَجُوزُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي الرَّسَاتِيقِ وَأَمَّا مَا عَلَى الْأَشْجَارِ فَلَا يُؤْخَذُ فِي مَوْضِعٍ وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ مِنْ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى الَّذِي فِي نَهْرٍ جَارٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ لَهُ قِيمَةٌ فَلُقَطَةٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ لِآخِذِهِ لَكِنْ فِي النَّظْمِ لَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَبْقَى بَاعَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ حَفِظَ ثَمَنَهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبِيعُهَا وَيَتَرَبَّصُ بِثَمَنِهَا حَوْلًا (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا مَضَى مُدَّةُ التَّعْرِيفِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَالِكُهَا (يَتَصَدَّقُ) الْمُلْتَقِطُ (بِهَا) أَيْ بِاللُّقَطَةِ (إنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ إيصَالِ عَيْنِ اللُّقَطَةِ إلَى صَاحِبِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِلَ عِوَضَهَا وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَحْفَظَهُ لِيَجِيءَ صَاحِبُهَا فَإِنَّ التَّصَدُّقَ رُخْصَةٌ وَالْحِفْظَ عَزِيمَةٌ (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّصَدُّقِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ مُدَّتَهُ (أَجَازَهُ) أَيْ التَّصَدُّقَ رَبُّهَا (إنْ شَاءَ) وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ وَإِنْ حَصَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اشْتِرَاطُ قِيَامِهَا لِلْإِجَازَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ (وَأَجْرُهُ لَهُ) أَيْ ثَوَابُ التَّصَدُّقِ لَهُ (أَوْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطُ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَالَهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْلِهِ وَالْقَاضِي لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ (أَوْ) ضَمِنَ (الْفَقِيرُ لَوْ) كَانَتْ (هَالِكَةً) قَيْدٌ لَهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَامِنٌ بِفِعْلِ الْمُلْتَقِطِ بِالتَّسْلِيمِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا وَالْفَقِيرُ بِالتَّسْلِيمِ بِدُونِ إذْنِهِ (وَيَأْخُذُهَا) أَيْ الْمَالِكُ اللُّقَطَةَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْفَقِيرِ (إنْ) كَانَتْ (بَاقِيَةً) لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ.

.لُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ:

(وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ) عِنْدَنَا لِأَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِالْتِقَاطِ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ لُقَطَتَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ تَعْرِيفُ لُقَطَةِ الْحَرَمِ إلَى مَجِيءِ صَاحِبِهَا.
(وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ) الضَّالَّةِ مَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهَا.
وَفِي الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَ مَعَ اللُّقَطَةِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْقَرْنِ لِلْبَقَرَةِ وَزِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الْبَعِيرِ بِكَدْمِهِ وَنَفْحِهِ يُقْضَى بِكَرَاهِيَةِ الْأَخْذِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْتِقَاطَ الْبَهِيمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ أَنَّ صُورَةَ الْكَرَاهِيَةِ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالضَّالَّةِ لِأَنَّ مَنْ رَأَى دَأْبَةً فِي غَيْرِ عِمَارَةٍ أَوْ بَرِّيَّةٍ لَا يَأْخُذُهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا ضَالَّةٌ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بَيْتُ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ قَافِلَةٍ ضَالَّةٍ أَوْ دَوَابُّ فِي مَرْعَاهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَقَيَّدْنَا بِمَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهَا لِأَنَّهُ إنْ خَافَهُ لَا يَسَعُهُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ فَعَلَى هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِتَرْكِهِمَا تَأَمَّلْ.
وَفِي الْقَامُوسِ الْبَهِيمَةُ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعٍ وَلَوْ فِي الْمَاءِ أَوْ كُلُّ حَيٍّ لَا يَمِيرُ وَالْجَمْعُ بَهَائِمُ انْتَهَى فَشَمِلَ الدَّوَابَّ وَالطُّيُورَ وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالدَّجَاجَ وَالْحَمَامَ الْأَهْلِيَّ كَمَا فِي الْحَاوِي.
وَفِي الْبَحْرِ وَمَنْ أَخَذَ بَازِيًا أَوْ شَبَهَهُ وَفِي رِجْلَيْهِ سَبْرًا وَجَلَاجِلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهُ لِلتَّيَقُّنِ بِثُبُوتِ يَدِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ ظَبْيًا وَفِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ أَوْ حَمَامَةً فِي الْمِصْرِ يَعْرِفُ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يَكُونُ وَحْشِيَّةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا.
وَفِي التَّنْوِيرِ مِحْضَنَةُ حَمَامٍ اخْتَلَطَ بِهَا أَهْلِيٌّ لِغَيْرِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ أَخَذَهُ طَلَبَ صَاحِبَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَرَّخَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ غَرِيبَةً لَا يَتَعَرَّضُ لِفَرْخِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ لِصَاحِبِ الْمِحْضَنَةِ وَالْغَرِيبُ ذَكَرٌ فَالْفَرْخُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ يَلْزَمُ الْجَعْلُ أَوْ لَا.
وَفِي الْمِنَحِ: وَلَوْ الْتَقَطَ لُقَطَةً أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً فَرَدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ جُعْلٌ وَإِنْ عَوَّضَهُ شَيْئًا فَحَسَنٌ وَلَوْ قَالَ مَنْ وَجَدَهُ فَلَهُ كَذَا فَأَتَى بِهِ إنْسَانٌ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا قَبُولَ لِهَذِهِ الْإِجَارَةِ فَلَا إجَارَةَ أَصْلًا كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ أَمَّا إنْ وَجَدَهُ بَعْدَهُ فَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مِثْلَهُ، تَأَمَّلْ.
(وَهُوَ) أَيْ الْمُلْتَقَطُ (مُتَبَرِّعٌ فِي إنْفَاقِهِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى اللُّقَطَةِ (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ) أَيْ سُلْطَانٍ أَوْ قَاضٍ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا.
(وَإِنْ) أَنْفَقَ عَلَيْهَا (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَدَيْنٌ عَلَى رَبِّهَا) فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي مَالِ الْغَائِبِ وَعَلَى اللَّقِيطِ نَظَرًا لَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ بِالِاتِّفَاقِ قَيَّدَهُ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ لَا يَكُونُ دَيْنًا فِي الْأَصَحِّ.

.حبس اللقطة:

(لَهُ) أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ (أَنْ يَحْبِسَهَا) أَيْ اللُّقَطَةَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ اللَّاقِطِ (حَتَّى يَأْخُذَهُ) أَيْ يَأْخُذَ مَا أَنْفَقَهُ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ لِأَجْلِ الثَّمَنِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) صَاحِبُهَا عَنْ أَدَاءِ مَا أَنْفَقَهُ (بِيعَتْ) اللُّقَطَةُ (فِي) حَقِّ (النَّفَقَةِ) كَالرَّهْنِ (فَإِنْ هَلَكَتْ) أَيْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ (بَعْدَ الْحَبْسِ سَقَطَ) الدَّيْنُ كَالرَّهْنِ.
(وَإِنْ) هَلَكَتْ (قَبْلَهُ لَا) أَيْ لَا يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ.
(وَيُؤَجِّرُ الْقَاضِي) وَلَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا أَذِنَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُؤَجِّرَ (مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ) يَعْنِي إذَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ مَنْفَعَةٌ آجَرَهَا (وَيُنْفِقُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ (وَمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ) مِنْ اللُّقَطَةِ (يَأْذَنُ) الْقَاضِي لِلْمُلْتَقِطِ (بِالِاتِّفَاقِ) عَلَيْهَا (إنْ) كَانَ الْإِنْفَاقُ (أَصْلَحَ) لِرَبِّهَا مِنْ الْبَيْعِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ.
(إذَا أَقَامَ) الْمُلْتَقِطِ (الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ) أَيْ لَا يَأْذَنُ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ وَلَا بِالْبَيْعِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَيَحْتَالُ لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا هِيَ لِكَشْفِ الْحَالِ فَتُقْبَلُ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُلْتَقِطُ (لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ) الْقَاضِي (لَهُ) أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ (أَنْفِقْ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى اللُّقَطَةِ (إنْ كُنْت صَادِقًا) فِيمَا قُلْت فَحِينَئِذٍ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ صَادِقًا وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا لِأَنَّ إدَارَةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةٌ فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةً مَدِيدَةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِنْفَاقُ أَصْلَحَ بِأَنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ تَسْتَغْرِقُ قِيمَةَ اللُّقَطَةِ (بَاعَهُ) الْقَاضِي الْمُلْتَقَطَ أَوْ الْحَيَوَانَ فَإِنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَإِنْ بِغَيْرِهِ أَمَرَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا إنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ وَأَخَذَ عَيْنَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ وَنَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَأَمَرَ) لِلْمُلْتَقِطِ (بِحِفْظِ ثَمَنِهِ) أَيْ ثَمَنِ الْمُلْتَقَطِ أَوْ الْحَيَوَانِ إبْقَاءً لَهُ مَعْنًى عِنْدَ تَعَذُّرِ إبْقَائِهِ صُورَةً، وَلَوْ أَنَّثَ الضَّمِيرَ فِيهِمَا لَكَانَ أَوْلَى، تَأَمَّلْ.

.الانتفاع باللقطة:

(وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَوْ) كَانَ (فَقِيرًا) لِأَنَّ صَرْفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ كَانَ لِلثَّوَابِ وَهُوَ مِثْلُهُ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ بَاعَهَا الْفَقِيرُ وَأَنْفَقَ الثَّمَنَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ صَارَ غَنِيًّا يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُلْتَقِطُ (غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ عَلَى فَقِيرٍ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَلَوْ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ وَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الِانْتِفَاعُ بِإِذْنِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ خِلَافَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ تَتَبَّعْ.
(وَلَوْ) كَانَ تَصَدَّقَ (عَلَى أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ (أَوْ زَوْجَتِهِ لَوْ) كَانُوا (فُقَرَاءَ) لِأَنَّهُمْ مَحَلُّ الصَّدَقَةِ إلَّا إذَا عَرَفَ أَنَّهَا لِذِمِّيٍّ وَأَنَّهَا تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
(وَإِنْ كَانَتْ) اللُّقَطَةُ (حَقِيرَةً) بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا (كَالنَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ) وَالْبِطِّيخِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ (وَالسُّنْبُلِ بَعْدَ الْحَصَادِ يَنْتَفِعُ بِهَا بِدُونِ تَعْرِيفٍ) لِأَنَّ إلْقَاءَهَا إبَاحَةٌ لِلْأَخْذِ دَلَالَةً (وَلِلْمَالِكِ أَخْذُهَا) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ وَجَدَهَا مَالِكُهَا فِي يَدِهِ لَهُ أَخْذُهَا إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ الرَّمْيِ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ بَعْدَ جَمْعِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ دَنَاءَةً وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمَوَاضِعِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِأَنَّهَا لَوْ مُجْتَمَعَةً فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَطْلُبُهَا صَاحِبُهَا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَصَابُوا بَعِيرًا مَذْبُوحًا فِي الْبَادِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي ظَنِّهِ أَنَّ مَالِكَهُ أَبَاحَهُ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ وَالْأَكْلِ لَوْ طَرَحَ مَيْتَةً فَجَاءَ آخَرُ وَأَخَذَ صُوفَهَا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَوْ جَاءَ مَالِكُهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّوفَ مِنْهُ وَلَوْ سَلَخَهَا وَدَبَغَ الْجِلْدَ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ رَجُلٌ غَرِيبٌ مَاتَ فِي دَارِ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَخَلَّفَ مَالًا وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَقِيرٌ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ مَاتَ فِي الْبَادِيَةِ جَازَ لِرَفِيقِهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَمَرْكَبِهِ وَحَمْلُ ثَمَنِهِ إلَى أَهْلِهِ.
(وَلَا يَجِبُ دَفْعُ اللُّقَطَةِ إلَى مُدَّعِيهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهَا دَعْوَى فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْبَيِّنَةِ (وَيَحِلُّ) الدَّفْعُ (إنْ بَيَّنَ عَلَامَتَهَا مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَا يَرْجِعُ الْقَابِضُ عَلَى الدَّفْعِ وَإِنْ بِقَضَاءٍ فَهُوَ مَجْبُورٌ فَيَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إذَا كَانَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ اسْتِيثَاقًا وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَهُ وَإِذَا صَدَّقَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ وَقِيلَ يُجْبَرُ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ كَفِيلًا مَعَ إقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ.
وَفِي التَّنْوِيرِ مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَمَظَالِمُ جَهِلَ أَرْبَابَهَا وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ فَعَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْ مَالِهِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ جَمِيعَ مَالِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْعُقْبَى.

.كِتَاب الْآبِقِ:

وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَقَ إذَا هَرَبَ مِنْ بَابَيْ نَصَرَ وَضَرَبَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْإِبَاقُ انْطِلَاقُ الرَّقِيقِ تَمَرُّدًا ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا تَمَرَّدَ عَنْ غَيْرِ مَالِكِهِ انْتَهَى لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ تَمَرُّدٌ عَنْ الْمَالِكِ إذْ ضَرَرُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَيِّدَ بِعَلَى مَوْلَاهُ، تَدَبَّرْ.
(نُدِبَ أَخْذُهُ) أَيْ الْآبِقِ (لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) أَيْ قُدِرَ عَلَى حِفْظِهِ وَضَبْطِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ حَقِّ الْمَالِكِ، هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهُ أَمَّا إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ فَيُفْرَضُ أَخْذُهُ وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ.
(وَكَذَا الضَّالُّ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَهْتَدِ إلَى طَرِيقِ مَنْزِلِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إحْيَاءً لَهُ لِاحْتِمَالِ الضَّيَاعِ (وَقِيلَ تَرْكُهُ) أَيْ الضَّالِّ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ فَيَلْقَاهُ مَوْلَاهُ وَإِنْ عَرَفَ الْوَاجِدُ بَيْتَ مَوْلَاهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوصِلَهُ إلَيْهِ (وَيُرْفَعَانِ) أَيْ الْآبِقُ وَالضَّالُّ (إلَى الْحَاكِمِ) لِعَجْزِهِ عَنْ حِفْظِهِمَا، هَذَا اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ.
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حِفْظَهُمَا بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ رَفَعَهُمَا إلَى الْحَاكِمِ (فَيَحْبِسُ) الْحَاكِمُ (الْآبِقَ) تَعْزِيرًا لَهُ وَلِئَلَّا يَأْبَقَ ثَانِيًا (دُونَ الضَّالِّ) فَلِهَذَا يُؤَجِّرُ الضَّالَّ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ وَلَا يُؤَجِّرُ الْآبِقَ بَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهِ وَإِذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ يَبِيعُهُ وَيُمْسِكُ ثَمَنَهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وَبَرْهَنَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَاسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ إنْ شَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَهُ آخَرُ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَلَوْ زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيُحَلِّفُهُ أَيْ الْقَاضِي مُدَّعِيه مَعَ الْبُرْهَانِ بِاَللَّهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ذَكَرَ الْمَوْلَى عَلَامَتَهُ دُفِعَ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ بِكَفِيلٍ لِلِاسْتِيثَاقِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْجُعْلِ مِنْهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ.
أَبَقَ عَبْدُهُ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَعَهُ شَيْئًا صُدِّقَ.
(وَلِمَنْ رَدَّهُ) أَيْ الْآبِقِ إلَى مَالِكِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْآبِقُ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا (مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ) أَوْ أَكْثَرَ (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) لَا غَيْرُ وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ اسْتِحْسَانًا فَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْسِينَ لَمْ يَجُزْ الزِّيَادَةُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ رَجُلَيْنِ نُصِّفَ الْمَبْلَغُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ الْآبِقُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَانَ الْمَبْلَغُ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا وَلَوْ رَدَّ جَارِيَةً مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ يَكُونُ تَبَعًا لِأُمِّهِ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْجُعْلِ شَيْءٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا فِي الضَّالِّ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ فَقِيمَتُهُ) أَيْ فَالْجُعْلُ قِيمَتُهُ (إلَّا دِرْهَمًا عِنْد مُحَمَّد) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إحْيَاءُ مَالِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ شَيْئًا تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَرْبَعُونَ) دِرْهَمًا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِهَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَيْ لَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْإِمَامِ.
وَفِي الْبَحْرِ مَعَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ الْمَذْهَبَ فَلِهَذَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ سَائِرُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمِنَحِ تَتَبَّعْ (وَإِنْ رَدَّهُ) الْآبِقَ (مِنْ دُونِهَا) أَيْ مُدَّةِ السَّفَرِ (فَبِحِسَابِهِ) يَعْنِي بِتَوْزِيعِ الْأَرْبَعِينَ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثَ دِرْهَمٍ فَقَضَى بِذَلِكَ إنْ رَدَّهُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَقِيلَ يَكُونُ بِتَصَالُحِهِمَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ يَكُونُ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِطْلَاقُهُ مُشِيرٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ الْإِمَامِ لَوْ أَخَذَ فِي الْمِصْرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
(وَإِنْ أَبَقَ) الْآبِقُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْآخِذِ أَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ (لَا يَضْمَنُ إنْ أَشْهَدَ) وَقْتَ الْأَخْذِ (أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَقَدْ ضَمِنَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَإِلَّا) أَيْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الْأَخْذِ مَعَ التَّمَكُّنِ عَلَى ذَلِكَ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) مِنْ الْجُعْلِ إنْ رَدَّهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَيَضْمَنُ إنْ أَبَقَ مِنْهُ) عَلَى تَقْدِيرِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الْأَخْذِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ غَاصِبٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ قَوْلُهُ إنْ أَبَقَ مِنْهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ هُنَا لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ يُغْنِي عَنْهُ انْتَهَى هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ لَازِمٌ فَالْعَجَبُ أَنَّهُ صَرَّحَ الْخِلَافَ فِي كِتَابِهِ تَتَبَّعْ (وَجُعْلُ الرَّهْنِ) أَيْ لَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَالْجُعْلُ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَحْيَا دَيْنَهُ بِالرَّدِّ لِرُجُوعِهِ بِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ فَحَصَلَ سَلَامَةُ مَالِيَّتِهِ لَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَهَلَكَ دَيْنُهُ وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ.
(وَجُعْلُ) الْعَبْدِ (الْجَانِي) الْآبِقِ (عَلَى الْمَوْلَى إنْ) اخْتَارَ الْمَوْلَى (فِدَاهُ) لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ (وَعَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إنْ دَفَعَهُ) أَيْ إنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِعَوْدِهَا إلَيْهِمْ هَذَا إذَا جَنَى الْآبِقُ خَطَأً لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا ثُمَّ رَدَّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَكَذَا لَوْ جَنَى الْآبِقُ فِي يَدِ الْآخِذِ وَلَوْ جَنَى بَعْدَ إبَاقِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ فَلَا شَيْءَ وَإِنْ دُفِعَ إلَى الْمَوْلَى فَعَلَيْهِ الْجُعْلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَجُعْلُ) الْعَبْدِ (الْمَدْيُونِ) الْآبِقِ (مِنْ ثَمَنِهِ) إنْ أَبَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ (وَيُقَدَّمُ) الْجُعْلُ (عَلَى الدَّيْنِ إنْ بِيعَ فِيهِ) أَيْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ (وَعَلَى الْمَوْلَى إنْ أَدَّاهُ عَنْهُ) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ اخْتَارَ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ (وَجُعْلُ) الْعَبْدِ (الْمَوْهُوبِ) الْآبِقِ (عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الرَّدِّ) لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وَقْتَ الرَّدِّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَلَوْ وَهَبَهُ لِلْآخِذِ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْمَوْلَى فَلَا جُعْلَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّ الْجُعْلَ لَهُ مُطْلَقًا.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَجِبُ جُعْلُ مَغْصُوبٍ عَلَى غَاصِبِهِ، وَجُعْلُ عَبْدٍ رَقَبَتُهُ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتُهُ لِآخَرَ عَلَى صَاحِبِهِ الْخِدْمَةُ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ بِهِ (وَأَمْرُ نَفَقَتِهِ كَاللُّقَطَةِ) أَيْ حُكْمُ نَفَقَةِ الْآبِقِ كَحُكْمِ نَفَقَةِ اللُّقَطَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ غَيْرُ أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ كَمَا مَرَّ.
(وَالْمُدَبَّرُ وَأَمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ) لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لِلْمَوْلَى وَيَسْتَكْسِبُهَا كَالْقِنِّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ يَدًا هَذَا إذَا رَدَّهُمَا فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى وَإِنْ رَدَّهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا إذْ الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا جُعْلَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ عَدَمَ تَجَزِّي الْعِتْقِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا يَكُونُ دَلِيلًا لِلْجَمِيعِ وَهُوَ لَا يُنَافِي ذِكْرَ دَلِيلٍ مُسْتَقْبَلٍ بَعْدَهُ لِلْإِمَامِ تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ كَانَ الرَّادُّ أَبَا الْمَوْلَى أَوْ ابْنَهُ وَهُوَ) رَاجِعٌ إلَى الْأَبِ أَوْ الِابْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ (فِي عِيَالِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (أَوْ) كَانَ (وَصِيَّهُ) أَيْ وَصِيَّ الْمَوْلَى (أَوْ) كَانَ (أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ) أَوْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ حَافِظَ طَرِيقٍ أَوْ أَمِيرَ قَافِلَةٍ أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَغَيْرَهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالرَّدِّ مِنْ هَؤُلَاءِ تَبَرُّعًا (وَالْمَالِكُ الصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ) فَيَجِبُ الْجُعْلُ فِي مَالَهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ.

.كِتَاب الْمَفْقُودِ:

مِنْ فَقَدَهُ يَفْقِدُهُ فَقْدًا أَوْ فِقْدَانًا أَوْ فُقُودًا عَدِمَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَيُقَالُ فَقَدْته إذَا أَضْلَلْته أَوْ طَلَبْته وَكِلَاهُمَا مُتَحَقِّقٌ فَإِنَّهُ قَدْ أَضَلَّهُ أَهْلُهُ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ.
وَفِي الشَّرْعِ (هُوَ) أَيْ الْمَفْقُودُ (غَائِبٌ) أَيْ بَعِيدٌ عَنْ أَهْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَائِبَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُشْتَرَكَةِ (لَا يُدْرَى) أَيْ لَا يُعْلَمُ (مَكَانُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ) وَفِي الْبَحْرِ الْمَدَارُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَهْلِ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ لَا عَلَى الْجَهْلِ بِمَكَانِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ الْمُسْلِمَ الَّذِي أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُدْرَى أَحَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ مَعَ أَنَّ مَكَانَهُ مَعْلُومٌ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ مَكَانُهُ مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ (فَيَنْصِبُ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ) أَيْ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الْمَجْحُودِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ لِأَنَّ وَكِيلَ الْقَاضِي بِالْقَبْضِ لَيْسَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَوْ قَضَى بِهِ نَفَذَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (مِمَّا) أَيْ مِنْ شَيْءٍ (لَا وَكِيلَ لَهُ فِيهِ) وَأَمَّا فِيمَا لَهُ فِيهِ وَكِيلٌ فَيَسْتَوْفِيه الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ مُوَكِّلِهِ (وَيَبِيعُ) مَنْصُوبُ الْقَاضِي (مَا يَخَافُ عَلَيْهِ) الْهَلَاكَ (مِنْ مَالِهِ) كَالْعُرُوضِ وَالثِّمَارِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ حِفْظُهُ لَهُ بِصُورَتِهِ كَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي حِفْظِهِ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ ثَمَنُهُ قَيَّدَ بِمَا يَخَافُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا يَبِيعُهُ لَا فِي النَّفَقَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا إذْ لَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ نَظَرًا لِمَنْ عَجَزَ مِنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي حِفْظِهِ بِصُورَتِهِ وَقِيلَ لَوْ نَقَصَ عَبْدُهُ أَوْ أَرْضُهُ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ جَازَ بَيْعُهُ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَعَنْهُ إنْ بَاعَ نَفَذَ وَعَنْهُ بَاعَ لِدَيْنِهِ كَمَا إذَا عَلِمَ كَوْنَهُ حَيًّا غَائِبًا مُنْذُ سِنِينَ بِلَا رُجُوعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَيُنْفِقُ) مِنْهُ (عَلَى زَوْجَتِهِ) أَيْ الْغَائِبِ (وَقَرِيبِهِ وِلَادًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوِلَادُ وَهُوَ فُرُوعُهُ وَإِنْ سَفَلُوا وَأُصُولُهُ وَإِنْ عَلَوْا لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ بِلَا قَضَاءِ الْقَاضِي وَيَكُونُ الْقَضَاءُ إعَانَةً لَهُمْ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ غَيْرِ الْوِلَادِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى حُكْمِهِ فَقَالَ (وَهُوَ) أَيْ الْمَفْقُودُ (حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) بِالِاسْتِصْحَابِ حَتَّى (لَا تُنْكَحَ امْرَأَتُهُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إنْ طَلَبَتْ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَهَكَذَا رُوِيَ قَضَاءُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ «أَنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ.
(وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ) بَيْنَ وَرَثَتِهِ (وَلَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ) لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَصْلُحُ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ (مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُثْبِتٍ (فَلَا يَرِثُ) الْمَفْقُودُ (مِمَّنْ مَاتَ) أَيْ مِنْ أَقَارِبِهِ (حَالَ فَقْدِهِ إنْ حُكِمَ بِمَوْتِهِ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِمَّنْ مَاتَ حَالَ فَقْدِهِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ إنْ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فِيمَا بَعْدَهُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ حَالَ فَقْدِهِ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُنَا فِيمَا بَعْدَهُ يُفْهِمُ مِنْ تَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ كَمَا قِيلَ تَأَمَّلْ (فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ فِي يَدِ عَدْلٍ لِإِمْكَانِ حَيَاتِهِ (كُلًّا) لَوْ انْفَرَدَ وَارِثًا (أَوْ بَعْضًا) لَوْ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا مَفْقُودًا فَقَطْ وُقِفَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَإِنْ مَعَهُ بِنْتَيْنِ أُعْطِيَ نِصْفُ التَّرِكَةِ لَهُمَا وَوُقِفَ النِّصْفُ الْآخِرُ (إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ فَإِنْ جَاءَ) أَيْ الْمَفْقُودُ وَلَوْ قَالَ فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِئْ وَلَكِنْ إنْ ثَبَتَ حَيَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ (قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ) أَيْ بِمَوْتِهِ (فَهُوَ) أَيْ الْمَوْقُوفُ (لَهُ) أَيْ الْمَفْقُودِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِئْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْمَوْتِ حَتَّى حُكِمَ بِهِ (فَلِمَنْ) أَيْ فَالْمَوْقُوفُ لِمَنْ (يَرِثُ ذَلِكَ الْمَالَ لَوْلَاهُ) أَيْ لَوْلَا الْمَفْقُودُ.
وَفِي التَّبْيِينِ فَإِنْ تَبَيَّنَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ قَرِيبُهُ كَانَ لَهُ وَإِلَّا يُرَدُّ الْمَوْقُوفُ لِأَجْلِهِ إلَى وَارِثِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي وَقَفَ مِنْ مَالِهِ.
(وَإِذَا مَضَى مِنْ عُمُرِهِ) أَيْ الْمَفْقُودِ (مَا) أَيْ مُدَّةً (لَا يَعِيشُ إلَيْهِ أَقْرَانُهُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ فَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ وَقِيلَ مِنْ بَلَدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا أَرْفَقُ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ أَحْوَطُ وَأَقْيَسُ وَقِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يُغَلَّبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ مَهْلَكَةً.
وَفِي التَّبْيِينِ هُوَ الْمُخْتَارُ (وَقِيلَ تِسْعُونَ سَنَةً) مِنْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْحَيَاةَ بَعْدَهَا نَادِرَةٌ فِي زَمَانِنَا وَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي وَالذَّخِيرَةِ (وَقِيلَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً) وَعَنْ الْإِمَامِ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَعَنْ بَعْضِهِمْ سِتُّونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً وَقِيلَ ثَمَانُونَ سَنَةً.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا وَعَنْهُمَا مِائَةُ سَنَةٍ (حُكِمَ بِمَوْتِهِ) جَوَابُ إذَا (فِي حَقِّ مَالِهِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ مَضَى مِنْ عُمُرِهِ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ أَقْرَانُهُ وَنَحْوُهُ (فَلَا يَرِثُهُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ كَأَنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ (وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ لِلْمَوْتِ عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ الْحُكْمِ لَا قَبْلَهُ.
وَفِي الدُّرَرِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ الْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَعَبْدِهِمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهَا وَيَبِيعَهُمَا كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.

.كِتَابُ الشَّرِكَةِ:

أَوْرَدَهَا عَقِيبَ الْمَفْقُودِ لِتَنَاسُبِهِمَا بِوَجْهَيْنِ كَوْنُ مَالِ أَحَدِهِمَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَاضِرِ، وَكَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ وَلَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمَفْقُودُ حَيٌّ.
وَالشِّرْكَةُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ لُغَةً: خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا، وَيُقَالُ الشَّرِكَةُ هِيَ الْعَقْدُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْخَلْطِ فَإِذَا قِيلَ شِرْكَةُ الْعَقْدِ بِالْإِضَافَةِ فَهِيَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ.
وَشَرْعًا: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ وَشَرْعِيَّتُهَا بِالسُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بُعِثَ وَالنَّاسُ يُبَاشِرُونَهَا فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهَا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ وَهِيَ أَيْ الشَّرِكَةُ طَرِيقُ ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَرُكْنُهَا فِي شَرِكَةِ الْعَيْنِ اخْتِلَاطُهُمَا.
وَفِي الْعَقْدِ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي.

.الشَّرِكَةُ ضَرْبَانِ:

(هِيَ) أَيْ الشَّرِكَةُ (ضَرْبَانِ شَرِكَةُ مِلْكٍ وَشَرِكَةُ عَقْدٍ فَالْأُولَى) أَيْ شَرِكَةُ الْمِلْكِ (أَنْ يَمْلِكَ اثْنَانِ) أَوْ أَكْثَرُ (عَيْنًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً أَوْ اتِّهَابًا وَاسْتِيلَاءً) أَيْ أَخْذًا بِالْقَهْرِ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ (أَوْ اخْتَلَطَ مَالُهُمَا) بِغَيْرِ صُنْعِهِمَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَمْلِكُ (بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ) أَحَدُ الْمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ يَعْسُرُ تَمْيِيزُهُ (أَوْ خَلَطَاهُ) بِصُنُعِهِمَا خَلْطًا يَمْتَنِعُ التَّمَيُّزُ كَالْبُرِّ مَعَ الْبُرِّ أَوْ يَعْسُرُ كَالْبُرِّ مَعَ الشَّعِيرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا نَوْعَانِ جَبْرِيَّةٌ وَاخْتِيَارِيَّةٌ فَأَشَارَ إلَى الْجَبْرِيَّةِ بِالْإِرْثِ فَإِنَّ مِنْ الْجَبْرِيَّةِ الشَّرِكَةُ فِي الْحِفْظِ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبٍ فِي دَارٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْحِفْظِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ بِشِرَاءٍ وَمِنْ الِاخْتِيَارِيَّةِ أَنْ يُوصَى لَهُمَا بِمَالٍ فَيَقْبَلَانِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْعَيْنِ قَالَ عَيْنًا فَأَخْرَجَ الدَّيْنَ فَقِيلَ إنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يُمْلَكُ وَقَدْ يُقَالُ بَلْ يُمْلَكُ شَرْعًا وَقَدْ جَازَتْ هِبَتُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَصَحِيحٌ فِي الْفَتْحِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْ يَمْلِكَ مُتَعَدِّدٌ لَكَانَ أَشْمَلَ مِنْ الدَّيْنِ وَالشَّرِكَةِ فِي الْحِفْظِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ تَدَبَّرْ.
(وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ شَرِكَةَ مِلْكٍ (أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ كَغَيْرِ الشَّرِيكِ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ شَرِيكِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ) الْمَذْكُورَةِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِهِ (وَ) بَيْعُهُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الشَّرِيكِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ فِيمَا عَدَا الْخَلْطِ) أَيْ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ (وَالِاخْتِلَاطِ فَلَا يَجُوزُ) بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ (بِلَا إذْنِهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِأَنْ اشْتَرَيَا حِنْطَةً أَوْ وَرِثَاهَا كَانَتْ كُلُّ حَبَّةٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَبَيْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ شَايِعَا جَائِزٌ مِنْ الشَّرِيكِ وَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِالْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ لِأَنَّ كُلَّ حَبَّةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فِيهَا شَرِكَةٌ فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا مَخْلُوطًا بِنَصِيبِ الشَّرِيكِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الشَّرِيكِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ.
(وَالثَّانِيَةُ) أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ (أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا) أَوْ فِي عَامَّةِ التِّجَارَاتِ (وَيُقْبَلُ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ بِرُكْنِهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَرُكْنُهَا) أَيْ مَاهِيَّتُهَا مِنْ الرُّكْنِ يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَشَرْطُهَا) أَيْ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (عَدَمُ مَا يَقْطَعُهَا) أَيْ الشَّرِكَةَ (كَشَرْطِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا) فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَرْبَحَ غَيْرَهُ.
وَفِي الْكَافِي وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الَّتِي عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ لِيَكُونَ الْمُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَتَحَقَّقَ حُكْمُهَا وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ (أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ) وَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إمَّا أَنْ يَذْكُرَا الْمَالَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا فَإِنْ ذَكَرَا فَإِمَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ اشْتِرَاطَ الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فِي رَأْسِهِ وَرِبْحِهِ أَوْ لَا فَإِنْ لَزِمَ فَهِيَ الْمُفَاوَضَةُ وَإِلَّا فَالْعِنَانُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ، فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْعَمَلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي مَالِ الْغَيْرِ أَوْ لَا فَالْأَوَّلُ الصَّنَائِعُ، وَالثَّانِي الْوُجُوهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ وَالْوُجُوهِ مُغَايِرَتَانِ لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ شَرِكَةٌ بِالْأَمْوَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْوُجُوهِ، وَكُلّ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ فَالْكُلُّ سِتَّةٌ تَتَبَّعْ (شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ وَهِيَ) لُغَةً الْمُسَاوَاةُ وَالْمُشَارَكَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدَّ مَا عِنْدَهُ إلَى صَاحِبِهِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَزِيدَ قَدْ يُشْتَقُّ مِنْ الْمَزِيدِ إذَا كَانَ أَشْهَرَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِاشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، قَالَ قَائِلُهُمْ لَا تَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا أَيْ مُسَاوِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فِي مُدَّةِ الْبَقَاءِ وَذَلِكَ بِالْمَالِ، وَشَرِيعَةً (أَنْ يَشْتَرِك مُتَسَاوِيَانِ) أَوْ أَكْثَرُ (تَصَرُّفًا) بِأَنْ يَقْدِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَإِلَّا فَاتَ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ التَّصَرُّفُ يَعْنِي الْكَفَالَةَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْوَكَالَةَ لَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ إذْ لَا بَأْسَ فِي أَنْ يَكُونَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا أَوْ شِرَاؤُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ (وَدَيْنًا وَمَالًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الدَّيْنِ وَالْمَالِ (وَرِبْحًا) لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَكُلَّمَا فَاتَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ يُجْعَلُ عِنَانًا إنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ لِتَصَرُّفِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَتَتَضَمَّنُ) الْمُفَاوَضَةُ (الْوَكَالَةَ) فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَحُقُوقُ عَقْدِ كُلٍّ تَنْصَرِفُ إلَى الْآخَرِ كَمَا تَنْصَرِفُ إلَى نَفْسِهِ (وَالْكَفَالَةَ) فَيَصِيرُ كُلٌّ كَفِيلًا عَنْ الْآخَرِ فِيمَا لَحِقَهُ مِنْ نَحْوِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةَ بِمَجْهُولٍ وَكُلُّ ذَلِكَ بِانْفِرَادِهِ فَاسِدٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» وَكَذَا النَّاسُ تَعَامَلُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَبِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَالْجَهَالَةُ مُحْتَمَلَةٌ تَبَعًا كَمَا فِي الْمُفَاوَضَةِ ثُمَّ فَرَّعَهُ فَقَالَ: (فَلَا تَجُوزُ) هَذِهِ الشَّرِكَةُ (بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَتَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَالْكِتَابِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَهْلِيَّةِ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ، وَزِيَادَةُ أَحَدِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ لَا يَمْنَعُهَا كَمَا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ جَائِزَةٌ بَيْنَ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمَعَ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَشِرَائِهِ دُونَ الْحَنَفِيِّ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ جَازٍ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ أَنْ يُكْرَهَ عِنْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِيَ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ خُمُورًا أَوْ خَنَازِيرَ صَحَّ وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ لَا يَصِحُّ وَالشَّرِيكُ الشَّافِعِيُّ يُمْكِنُ إلْزَامُهُ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَ لَا كَذَلِكَ الذِّمِّيُّ إذْ لَيْسَ لَنَا وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي إطْلَاقِ التَّعْلِيلِ كَلَامٌ تَأَمَّلْ.
(وَلَا) تَجُوزُ (بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ) لِعَدَمِ التَّسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ.
(وَ) لَا بَيْنَ (بَالِغٍ وَصَبِيٍّ وَلَا بَيْنَ صَبِيَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ) وَالْأَوْلَى بِالْوَاوِ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ (أَوْ مُكَاتَبَيْنِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ (وَلَا بُدَّ) فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ (مِنْ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُغْنِي عَنْ تَعْدَادِ شَرَائِطِهَا (أَوْ بَيَانِ جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِهَا) يَعْنِي لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْمُفَاوَضَةِ وَبَيَّنَّا جَمِيعَ مُقْتَضَاهَا صَحَّ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى.