فصل: بَابُ بَابُ الْمُوصَى لَهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): ما يجب إخراجه من مال الموصي قبل تنفيذ الوصية:

(وَتُخْرَجُ الْوَاجِبَاتُ الَّتِي عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهَا) قَبْلَ مَوْتِهِ (أَوْ لَمْ يُوصِ، كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ) وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِيهِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: اقْضُوا اللَّهَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ الدَّيْنِ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ فَكَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ أَوْ الَّتِي لِلتَّسْوِيَةِ أَيْ: فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاهْتِمَامِ وَعَدَمِ التَّضْيِيعِ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْوَصِيَّةُ غَالِبًا تَكُونُ لِضِعَافِ فَقَوِيَ جَانِبُهَا بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ، لِئَلَّا يُطْمَعَ وَيُتَسَاهَلَ فِيهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مُؤْنَةَ التَّجْهِيزِ تُقَدَّمُ مُطْلَقًا.
(فَإِنْ وَصَّى مَعَهَا) أَيْ: الْوَاجِبَاتِ (بِتَبَرُّعٍ اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَاجِبِ كَمَنْ تَكُونُ تَرِكَتُهُ أَرْبَعِينَ فَوَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنُ عَشْرَةٍ فَتُخْرَجُ الْعَشَرَةُ أَوَّلًا وَيُدْفَعُ إلَى الْمُوصَى لَهُ عَشْرَةٌ وَهِيَ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ الدَّيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهَا (وَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (بِالْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ تَحَاصُّوا) أَيْ: وُزِّعَ مَا تَرَكَهُ عَلَى جَمِيعِ الدُّيُونِ بِالْحِصَصِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَيْنَ آدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ أَوْ مُخْتَلِفَةً.
(وَالْمُخْرِجُ لِذَلِكَ) أَيْ: الْوَاجِبَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ (وَصِيَّةٌ) إنْ كَانَ (ثُمَّ وَارِثُهُ) إنْ كَانَ أَهْلًا (ثُمَّ الْحَاكِمُ) إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ أَوْ كَانَ صَغِيرًا وَلَا وَصِيَّ لَهُ أَوْ أَبَى الْوَارِثَ إخْرَاجَهُ.
(وَإِنْ أَخْرَجَهُ) أَيْ: الْوَاجِبَ (مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أَجْزَأَ) كَقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ (كَمَا لَوْ كَانَ) الْقَضَاءُ (بِإِذْنِ حَاكِمٍ، وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي (أَخْرِجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي، أُخْرِجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَتُمِّمَ) الْوَاجِبُ مِنْ (رَأْسِ الْمَالِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ إخْرَاجِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ (فَإِنْ كَانَ مَعَهَا) أَيْ: الْوَاجِبَاتِ (وَصِيَّةُ تَبَرُّعٍ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ) أَيْ: الثُّلُثِ (شَيْءٌ فَ) هُوَ (لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ قَبْلَ الْمِيرَاثِ وَالتَّبَرُّعِ فَإِذَا عَيَّنَهُ فِي الثُّلُثِ وَجَبَتْ الْبُدَاءَةُ بِهِ وَمَا فَضَلَ لِلتَّبَرُّعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَاجِبِ مِنْهُ (بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) بِالتَّبَرُّعِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْهَا إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، فَيُعْطَى مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ.

.بَابُ بَابُ الْمُوصَى لَهُ:

هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ لِلْوَصِيَّةِ (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ) مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ (لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ مُعَيَّنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ لَهُمْ فَصَحَّتْ لَهُمْ الْوَصِيَّةُ.
(وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا، وَلَوْ) كَانَ (بِدَارِ حَرْبٍ) كَالْهِبَةِ لَهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: الْآيَةُ، أَيْ:
{لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلَى آخِرِهَا حُجَّةٌ لَنَا فِيمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَأَمَّا الْمُقَاتِلُ فَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ تَوَلِّيهِ لَا عَنْ بِرِّهِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَّصِفْ بِالْقِتَالِ، أَوْ الْمُظَاهَرَةِ صَحَّتْ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ.
(فَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِ) كَافِرٍ (غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَ) الْوَصِيَّةِ لِ (الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَنَحْوِهِمْ) كَالْمَجُوسِ، أَوْ لِفُقَرَاءِ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِمْ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ.
(وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لَكَافِرٍ بِمُصْحَفٍ، وَلَا بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ، وَلَا بِسِلَاحٍ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ ذَلِكَ.
(وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَكَافِرٍ (بِحَدِّ قَذْفٍ) يَسْتَوْفِيهِ لِلْمُسْلِمِ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ لِنَفْسِهِ، فَلِغَيْرِهِ أَوْلَى.
(فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ) الْمُوصَى بِهِ لَكَافِرٍ (كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ) الْعَبْدُ (قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي مِلْكِهِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِلْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصِي (مُكَاتِبَهُ) أَيْ: مُكَاتَبِ الْمُوصِي (بِجُزْءٍ شَائِعٍ) كَثُلُثِ مَالِهِ وَرُبُعِهِ (أَوْ) بِشَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَأَجْنَبِيٍّ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَلِهَذَا جَازَ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ (فَإِنْ قَالَ) لِوَرَثَتِهِ (ضَعُوا عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ أَوْ) قَالَ ضَعُوا عَنْهُ (بَعْضَ مَا عَلَيْهِ، وَضَعُوا مَا شَاءُوا) لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ.
(وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ نَجْمًا، فَلَهُمْ أَنْ يَضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ شَاءُوا) سَوَاءٌ (اتَّفَقَتْ النُّجُومُ أَوْ اخْتَلَفَتْ) لِصِدْقِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي: (ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ فَالْكُلُّ) يُوضَعُ عَنْهُ (إذَا شَاءَ) ذَلِكَ لِدُخُولِ الشَّرْطِ عَلَى مُطْلَقِ، وَلَوْ قَالَ ضَعُوا مَا شَاءَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يُوضَعْ الْكُلُّ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَارِثِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، فَيُوضَعُ الْكُلُّ.
(وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ (أَيَّ نَجْمٍ شَاءَ رُجِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إلَى مَشِيئَتِهِ) عَمَلًا بِقَوْلِ الْمُوصِي.
(وَإِنْ قَالَ ضَعُوا عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْمُكَاتَبِ (أَكْبَرَ نُجُومِهِ وَضَعُوا أَكْثَرَهَا مَالًا) لِأَنَّهُ أَكْبَرُهَا قَدْرًا.
(وَإِنْ قَالَ) قَالَ ضَعُوا عَنْهُ (أَكْثَرَهَا بِالْمُثَلَّثَةِ، وَضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا فَإِنْ كَانَتْ النُّجُومُ خَمْسَةً وَضَعُوا) مِنْهَا (ثَلَاثَةً وَإِنْ كَانَتْ نُجُومُهُ سِتَّةً وَضَعُوا) مِنْهَا (أَرْبَعَةً) لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ.
(وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَوْسَطِ نُجُومِهِ، وَكَانَتْ النُّجُومُ شَفْعًا مُتَسَاوِيَةَ الْقَدْرِ تَعَلَّقَ الْوَضْعُ بِالشَّفْعِ الْمُتَوَسِّطِ كَالْأَرْبَعَةِ) النُّجُومِ (الْمُتَوَسِّطُ مِنْهَا: الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالسِّتَّةُ الْمُتَوَسِّطُ مِنْهَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ) لِأَنَّهُ الْأَوْسَطُ.
(وَإِنْ كَانَتْ) النُّجُومُ (وِتْرًا مُتَسَاوِيَةَ الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ كَ) مَا لَوْ كَانَتْ النُّجُومُ (خَمْسَةً تَعَيَّنَ) النَّجْمُ.
(الثَّالِثُ أَوْ سَبْعَةً، فَ) النَّجْمُ (الرَّابِعُ) لِأَنَّهُ أَوْسَطُهَا (وَإِنْ كَانَتْ) النُّجُومُ ((مُخْتَلِفَةَ الْمِقْدَارِ فَبَعْضُهَا مِائَةٌ، وَبَعْضُهَا مِائَتَانِ، وَبَعْضُهَا ثَلَاثُمِائَةِ فَأَوْسَطُهَا الْمِائَتَانِ فَيَتَعَيَّنَ) وَضْعُهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ.
(وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةَ الْقَدْرِ مُخْتَلِفَةَ الْأَجَلِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ) نَجْمَانِ (اثْنَانِ إلَى شَهْرٍ شَهْرٍ، وَ) نَجْمٌ وَاحِدٌ إلَى شَهْرَيْنِ، وَ) نَجْمٌ وَاحِدٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الَّذِي إلَى شَهْرَيْنِ لِأَنَّهُ الْأَوْسَطُ (وَإِنْ اتَّفَقَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي) أَيْ: مَعَانِي الْأَوْسَطِ (فِي وَاحِدٍ) بِأَنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ أَوْسَطُ فِي الْعَدَدِ وَالْقَدْرِ وَالْأَجَلِ (تَعَيَّنَ) وَضْعُهُ بِلَا إشْكَالٍ (وَإِنْ كَانَ لَهَا أَوْسَطُ فِي الْقَدْر، وَأَوْسَطُ فِي الْأَجَلِ، وَأَوْسَطُ فِي الْعَدَدِ، يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْوَرَثَةِ) فَيَتَعَيَّنُ مَا يَضَعُونَهُ عَنْهُ لِصِدْقِ الْكَلَامِ بِكُلٍّ مِنْهَا.
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُ وَالْوَرَثَةُ فِي مُرَادِ الْمُوصِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ (مَعَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا أَرَادَ الْمُوصِي مِنْهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا مَا يَخِفُّ أَوْ مَا يَكْثُرُ أَوْ مَا يَثْقُلُ، اُعْتُبِرَ تَقْدِيرُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقَلِيلَ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا دُونَهُ وَالْكَثِيرَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ، فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ بِمَالٍ عَظِيمٍ أَوْ جَلِيلٍ أَوْ قَلِيلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ تَفْسِيرُ الْمُقِرِّ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُقِرَّ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ فَتَفْسِيرُهُ مُعْتَبَرٌ وَتَقْدِيرُ الْوَارِثِ يَتَعَلَّقُ بِمُرَادِ غَيْرِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مُرَادَهُ بِدُونِ إعْلَامِهِ، وَإِعْلَامُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا وَتَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِالْمُرَادِ مِنْهُ، رَجَعَ إلَى تَقْدِيرِ الْوَرَثَةِ بِأَقَلَّ مَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ، وَمِثْلُ نِصْفِهِ بِذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ أَوْ أَدْنَى زِيَادَةٌ.
وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ فَذَلِكَ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا، فَتَصِحُّ فِي الْكِتَابَةِ، وَتَبْطُلُ فِي الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ مَحَلِّهَا.
(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَمُدَبَّرِهِ) لِصَيْرُورَتِهِ حُرًّا عِنْدَ لُزُومِهَا، فَيُقْبَلُ التَّمْلِيكُ (لَكِنْ لَوْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ الْمُدَبَّرِ وَعَنْ وَصِيَّتِهِ بُدِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِ) الْمُدَبَّرِ (نَفْسِهِ، فَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ) لِأَنَّهُ أَهَمُّ وَبَطَلَ مَا عَجَزَ عَنْهُ الثُّلُثُ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِأُمِّ وَلَدِهِ) لِوُجُودِ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَقْبَلُ التَّمْلِيكَ (كَوَصِيَّتِهِ أَنَّ ثُلُثَ قَرْيَتِهِ وَقْفٌ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا) أَيْ: مَا دَامَتْ حَاضِنَةً لِوَلَدِهَا مِنْهُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ (فَإِنْ) وَصَّى لَهَا بِشَيْءٍ، وَ(شَرَطَ عَدَمَ تَزْوِيجِهَا، فَلَمْ تَتَزَوَّجْ، وَأَخَذَتْ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، رَدَّتْ مَا أَخَذَتْ مِنْ الْوَصِيَّةِ) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِفَوَاتِ شَرْطِهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ بِتَعَذُّرِ رَفْعِهِ.
(وَلَوْ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ مَالًا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَتَزَوَّجَتْ رَدَّتْ الْمَالَ إلَى وَرَثَتِهِ نَصًّا) نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (وَإِنْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا رَدَّهُ إذَا تَزَوَّجَ) نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ.
(وَإِذَا وَصَّى بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَمَاتَ) الْمُوصِي (فَقَالَتْ) الْأَمَةُ (لَا أَتَزَوَّجُ عَتَقَتْ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (فَإِنْ تَزَوَّجَتْ) بَعْدَ ذَلِكَ (لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهَا) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَبَحَثَ فِيهِ الْحَارِثِيُّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ الْوُقُوعَ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِوُقُوعِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِعِتْقِ عَبْدٍ فِي وَصِيَّةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ الرَّدَّ إلَى الرِّقِّ وَقَالَ عَنْ الرَّدِّ إلَى الرِّقِّ: هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ شَرْطَ أَلَّا تَتَزَوَّجَ نَفْيٌ يَعُمُّ الزَّمَانَ كُلَّهُ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ تَبَيَّنَ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ فَيَتَبَيَّنُ انْتِفَاءُ الْوَصِيَّةِ.
(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدٍ غَيْرِهِ وَلَوْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ) صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ وَهُوَ ظَاهِرُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهَا مِنْ إكْسَابِ الْعَبْدِ، وَإِكْسَابُهُ لِسَيِّدِهِ وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ فِي رِقِّ الْمَوْجُودِ حِينَ الْوَصِيَّةِ أَوْ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ وَتَبِعَهُ فِي التَّنْقِيحِ، وَالْمُنْتَهَى، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرٌ كَالْهِبَةِ وَلَمْ يَحْكِ الْحَارِثِيُّ فِيهِ خِلَافًا مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ، وَكَذَا الشَّارِحُ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ (وَيُعْتَبَرُ قَبُولُهُ) أَيْ: قَبُولُ الْعَبْد لِلْوَصِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِذَا قَبِلَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ كَسْبٍ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ كَكَسْبِ الْمُبَاحِ (فَهِيَ) أَيْ: الْوَصِيَّةُ (لِسَيِّدِهِ) وَقْتَ الْقَبُولِ (كَكَسْبِهِ) الْمُبَاحِ.
(وَإِنْ قَبِلَ سَيِّدُهُ) الْوَصِيَّةَ (دُونَهُ لَمْ يَصِحَّ) قَبُولُهُ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَجْرِ مَعَ السَّيِّدِ فَلَا جَوَابَ لَهُ.
(وَإِنْ كَانَ) الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ (حُرًّا وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ ثُمَّ قَبِلَ فَهِيَ لَهُ) أَيْ: الْعَتِيقِ (دُونَ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْعَتِيقَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْوَصِيَّةِ (وَوَصِيَّتُهُ لِعَبْدِ وَارِثِهِ كَوَصِيَّتِهِ لِوَارِثِهِ) فَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ.
(وَ) وَصِيَّتُهُ (لِعَبْدِ قَاتِلِهِ كَ) وَصِيَّتِهِ (لِقَاتِلِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا قَبِلَهَا لِسَيِّدِهِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِعَبْدِهِ) أَوْ أَمَتِهِ (بِمُشَاعٍ يَتَنَاوَلُهُ) أَيْ: الْعَبْدَ (فَلَوْ وَصَّى لَهُ بِرُبُعِ مَالِهِ) صَحَّ لِأَنَّهُ رُبُعُ الْمَالِ أَوْ بَعْضُهُ فَالْوَصِيَّةُ تَنْحَصِرُ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْعِتْقِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِمِلْكِهِ نَفْسَهُ وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِالرُّبْعِ.
(وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (سِوَاهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (ثَمَانُمِائَةٍ عَتَقَ وَأَخَذَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ) لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْمَالِ تِسْعُمِائَةٍ وَرُبُعَهَا مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ عَتَقَ مِنْهَا الْعَبْدُ بِمِائَةٍ يَبْقَى لَهُ مَا ذُكِرَ فَيَأْخُذُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ وَلَهُ سِوَاهُ ثَلَاثُمِائَةٍ عَتَقَ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ سِوَاهُ مِائَتَانِ عَتَقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَهَكَذَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَفْقَ قِيمَتِهِ عَتَقَ أَوْ أَزْيَدَ فَالزِّيَادَةُ لَهُ، أَوْ أَنْقَصَ فَيَعْتِقُ بِقَدْرِهِ مِنْهُ.
(وَإِنْ وَصَّى لَهُ) أَيْ: لِقَنِّهِ (بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ عَتَقَ بِقَبُولِهِ إنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ) كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعِتْقِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يُعْتَقْ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ الْقَبُولَ كَمَا لَوْ قَالَ وَهَبْتُ مِنْكَ نَفْسَكَ أَوْ مَلَّكْتُكَ نَفْسَكَ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ مِنْهُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْهُ كَثَوْبٍ وَمِائَةِ) دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ (لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ لِلْوَرَثَةِ، فَكَأَنَّهُ وَصَّى لَهُمْ بِمَا يَرِثُونَهُ.
(وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ بِأَلْفٍ فَأَعْتَقُوا) أَيْ: الْوَرَثَةُ (نَسَمَةً بِخَمْسِمِائَةٍ لَزِمَهُمْ عِتْقُ) نَسَمَةٍ (أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ) حَيْثُ احْتَمَلَ الثُّلُثُ الْأَلْفَ اسْتِدْرَاكًا لِبَاقِي الْوَاجِبِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي أَعْتِقُوا (أَرْبَعَةَ) أَعْبُدٍ (بِكَذَا) كَخَمْسِمِائَةٍ (جَازَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمْ) بِأَنْ يُشْتَرَى وَاحِدٌ بِمِائَةٍ وَآخَرُ بِمِائَتَيْنِ وَآخَرُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَآخَرُ بِثَمَانِينَ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُسَمِّ) الْمُوصِي (ثَمَنًا مَعْلُومًا) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمْ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَا قَالَهُ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِلْحَمْلِ) لِأَنَّهُ يَرِثُ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْإِرْثِ مِنْ جِهَةِ الِانْتِقَالِ عَنْ الْمَيِّتِ مَجَّانًا (إنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ لِمَعْدُومٍ (بِأَنْ تَضَعَهُ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ فِرَاشًا كَانَتْ لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، أَوْ بَائِنًا) لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا يَأْتِي فَإِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا وَعَاشَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حِينَهَا (أَوْ) تَضَعُهُ (لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ إنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا أَوْ كَانَتْ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا لِكَوْنِهِ غَائِبًا فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ أَوْ مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ كَانَ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ عَلِمَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ أَقَرُّوا إقْرَارًا بِذَلِكَ) لِلِحَاقِهِ بِأَبِيهِ وَالْوُجُودُ لَازِمٌ لَهُ، فَوَجَبَ تَرَتُّبَ الِاسْتِحْقَاقِ وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ نَادِرٌ وَتَقْدِيرُ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ بِمُسْلِمٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ يَسْتَحِقَّ لِاسْتِحَالَةِ الْوُجُودِ حِينَ الْوَصِيَّةِ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: أَوْ أَقَرُّوا صَوَابُهُ: وَأَقَرُّوا لِأَنَّ عِلْمَهُمْ مَعَ عَدَمِ إقْرَارِهِمْ بِهِ لَا وُصُولَ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ) أَيْ: الْحَمْلِ (مِنْ حِينِ قَبُولِ الْوَلِيِّ) الْوَصِيَّةَ (لَهُ) أَيْ: لِلْحَمْلِ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ عَقِيلٍ وَقَالَ تَارَةً أُخْرَى تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ تَعْلِيقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا وَالْوَصِيَّةُ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيقِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، انْتَهَى.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَبُولُ الْوَلِيِّ يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَا قَبْلُ، لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الْمِلْكِ إنَّمَا تَثْبُتُ حِينَئِذٍ (وَإِنْ انْفَصَلَ) الْحَمْلُ الْمُوصَى لَهُ (مَيِّتًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِهِ بِجِنَايَةِ جَانٍ وَغَيْرِهَا لِانْتِفَاءِ إرْثِهِ.
(وَلَوْ وَصَّى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ إنْ لَحِقَ لَهُ بِهِ) أَيْ: بِالزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْحَمْلُ (مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ أَوْ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ فَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ الْمَشْرُوطِ فِي الْوَصِيَّة (وَلَوْ وَصَّى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ) بِوَصِيَّةٍ (فَوَلَدَتْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَسَاوَيَا فِيهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهَا شَيْئًا بَعْدَ الْوِلَادَةِ (وَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمَا) بِأَنْ جَعْلَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ (فَعَلَى مَا قَالَ) كَالْوَقْفِ (وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا فَلَهُ وَصِيَّتُهُ) لِتَحَقُّقِ الْمُقْتَضَى.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُوصِي (إنْ كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ فَلَهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ أُنْثَى فَ) لَهَا (كَذَا فَكَانَا فِيهِ) بِأَنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى (فَلَهُمَا مَا شَرَطَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِيهِمَا.
(وَإِنْ كَانَ) حَمْلُهَا (خُنْثَى فَفِي الْكَافِي لَهُ مَا لِلْأُنْثَى) أَيْ: إنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا جَعَلَ لِلذَّكَرِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ) وَتَتَبَيَّنَ ذُكُورِيَّتَهُ فَيَأْخُذُ الزَّائِدَ (وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ أَوْ) وَلَدَتْ (أُنْثَيَيْنِ فَلِلذَّكَرَيْنِ مَا لِلذَّكَرِ وَلِلْأُنْثَيَيْنِ مَا لِلْأُنْثَى) إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي (إنْ كَانَ حَمْلُكِ أَوْ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرًا فَلَهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ) حَمْلُكِ أَوْ مَا فِي بَطْنِك (أُنْثَى فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْ أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا فَلَهُ وَصِيَّتُهُ) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَلَا شَيْءَ لَهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ هُوَ كُلَّ الْحَمْلِ وَلَا كُلَّ مَا فِي الْبَطْنِ) بَلْ بَعْضُهُ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ.
(وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَمْ تَصِحَّ) الْوَصِيَّةُ (لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِمَعْدُومٍ وَكَذَا الْمَجْهُولُ) لَا تَصِحُّ- الْوَصِيَّةُ لَهُ (كَأَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ) الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا.
(أَوْ قَالَ) أَوْصَيْتُ بِكَذَا (لِجَارِي) فُلَانٍ (أَوْ) لِ (قَرِيبِي فُلَانٍ بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ) لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُوصَى لَهُ شَرْطٌ فَإِذَا قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ فَقَدْ أَبْهَمَ الْمُوصَى لَهُ وَكَذَا الْجَارُ وَالْقَرِيبُ لِوُقُوعِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُسَمَّيَيْنِ (مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مُعَيَّنًا مِنْ الْجَارِ وَالْقَرِيبِ) فَيُعْطَى مَنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَتِهِ (فَإِنْ قَالَ أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا صَحَّ) كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا أَحَدَ عَبْدَيَّ.
(وَلِلْوَرَثَةِ الْخِيرَةُ) فِيمَنْ يُعْطُوهُ الثُّلُثَ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ قَوْلَهُ أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا أَمْرٌ بِالتَّمْلِيكِ فَصَحَّ جَعْلُهُ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: بِعْ سِلْعَتِي مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَصَيْتُ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَصِحَّ لِمُبْهَمٍ.
(وَإِنْ قَالَ عَبْدِي غَانِمٌ حُرٌّ وَلَهُ مِائَةٌ وَلَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (عَبْدَانِ بِهَذَا الِاسْمِ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ اسْتَحَقَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَأُخْرِجَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمَا.
(وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ: لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَا وَقَعَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَمْ تَصِحَّ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَإِنْ وَصَفَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ صِفَتِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَوْلَادِي السُّودِ، وَهُمْ بِيضٌ، أَوْ الْعَشَرَةِ، وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ، فَهَهُنَا الْأَوْجُهُ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْمَوْصُوفُ دُونَ الصِّفَةِ.