فصل: فَصْلٌ: وجوب نَفَقَةِ الظِّئْرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: وجوب نَفَقَةِ الظِّئْرِ:

(وَتَجِبُ نَفَقَةُ ظِئْرٍ) أَيْ مُرْضِعَةِ (الصَّغِيرِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (فِي مَالِهِ) إنْ كَانَ كَنَفَقَةِ الْكَبِيرِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الصَّغِيرِ (مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) مِنْ أَبٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ نَفَقَةَ ظِئْرِ الصَّغِيرِ كَنَفَقَةِ الْكَبِيرِ وَيَخْتَصُّ وُجُوبُهَا بِالْأَبِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الْآيَةَ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) نَفَقَةُ الظِّئْرِ (لِمَا فَوْقَ الْحَوْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (وَلَا يُفْطَمُ قَبْلَهَا) لِلْآيَةِ (إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ) فَيَجُوزُ (إلَّا أَنْ يُضَرَّ) الصَّغِيرُ فَلَا، وَلَوْ رَضِيَا لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
وَفِي الرِّعَايَةِ هُنَا يَحْرُمُ رَضَاعَةٌ بَعْدَهُمَا وَلَوْ رَضِيَا وَظَاهِرُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَقَالَ فِي تُحْفَةِ الْوَدُودِ فِي أَحْكَامِ الْمَوْلُودِ: وَيَجُوزُ أَنْ تَسْتَمِرَّ الْأُمُّ عَلَى رَضَاعَةٍ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَى نِصْفِ الثَّالِثِ أَوْ أَكْثَرِهِ.
(وَلِلْأَبِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ خِدْمَةِ وَلَدِهَا مِنْهُ) مَجَانِينَ أَوْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّكَسُّبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ امْتَنَعَ زَوْجٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ نَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ بِأَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ) النَّفَقَةُ (فَيَمْتَنِعُ) فَقَامَ بِهَا غَيْرُهُ (رَجَعَ عَلَيْهِ مُنْفِقٌ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ) لِأَنَّهُ قَامَ بِوَاجِبٍ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَقَدَّمَ.
(وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِعْفَافِ إلَّا بِهِ.
(وَ) يَجِبُ أَيْضًا (عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِقَرِيبِهِ إعْفَافُ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ نَفَقَةٌ مِنْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا وَ) مِنْ ابْنٍ وَإِنْ نَزَلَ وَغَيْرِهِمْ كَأَخٍ وَعَمٍّ (إذَا احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ لِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ تُعِفُّهُ أَوْ يَدْفَعُ) الْمُنْفِقُ إلَيْهِ مَالًا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً أَوْ يَشْتَرِي بِهِ أَمَةً لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ وَيُسْتَضَرُّ بِفَقْدِهِ فَلَزِمَ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ الْحَلْوَى فَإِنَّهُ لَا يُسْتَضَرُّ بِتَرْكِهَا (وَالتَّخْيِيرُ) فِيمَا ذُكِرَ (لِلْمَلْزُومِ بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِهِ فَكَانَتْ الْخِيَرَةُ إلَيْهِ فِيهِ فَيُقَدِّمُ تَعْيِينَهُ عَلَى تَعْيِينِ الْمَعْفُوفِ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ قَبِيحَةً وَلَا أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهَا) أَيْ أَمَةً قَبِيحَةً لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِعْفَافِ بِهَا (وَلَا) يُزَوِّجَهُ وَلَا يُمَلِّكَهُ (كَبِيرَةً لَا اسْتِمْتَاعَ بِهَا) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا (وَلَا أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ لِاسْتِرْقَاقِ أَوْلَادِهِ (وَلَا يَمْلِكُ) الْقَرِيبُ اسْتِرْجَاعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ جَارِيَةٍ وَلَا عِوَضِ مَا زَوَّجَهُ بِهِ (إذَا أَيْسَرَ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ لَا يَرْجِعُ بِهَا بَعْدُ (وَيُقَدِّمُ تَعْيِينَ قَرِيبٍ إذَا اسْتَوَى الْمَهْرُ) عَلَى تَعْيِينِ زَوْجٍ لِمَا سَبَقَ (وَيَصَّدَّقُ) الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ (إذَا ادَّعَى أَنَّهُ تَائِقٌ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ بِمُقْتَضَى الْجِبِلَّةِ.
(وَإِنْ مَاتَتْ) الَّتِي أَعَفَّهُ بِهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ (أَعَفَّهُ ثَانِيًا) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ (إلَّا إنْ طَلَّقَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ أَعْتَقَ) السُّرِّيَّةَ مَجَّانًا بِأَنْ لَمْ يَجْعَلْ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ ثَانِيًا، لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَإِنْ اجْتَمَعَ جَدَّانِ وَلَمْ يَمْلِكْ) وَلَدُ وَلَدِهِمَا (إلَّا إعْفَافَ أَحَدِهِمَا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ) كَالنَّفَقَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَيُقَدَّمَ وَإِنْ بَعُدَ عَلَى الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ) لِامْتِيَازِهِ بِالْعُصُوبَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي تَحْقِيقُ الْقُرْبِ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْإِعْفَافِ.
(وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ أُمِّهِ كَأَبِيهِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَخَطَبَهَا كُفْءٌ) قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ سَلِمَ فَالْأَبُ آكَدُ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْإِعْفَافَ لَهَا بِالتَّزْوِيجِ وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ تَعَذَّرَ تَزْوِيجٌ بِدُونِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
(وَالْوَاجِبُ فِي نَفَقَتِهِ الْقَرِيبَ قَدْرُ الْكِفَايَةِ مِنْ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ وَالْكُسْوَةِ وَالْمَسْكَنِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِذَلِكَ (كَمَا ذَكَرْنَا فِي الزَّوْجَةِ).
(وَيَجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ نَفَقَةُ عَتِيقِهِ) لِأَنَّهُ يَرِثُهُ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى:
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ أَدْنَاكَ وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ حَقًّا وَاجِبًا وَرَحِمًا مَوْصُولًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهُ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ عَصَبَاتِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي) بَابِ (الْوَلَاءِ) لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ تَتْبَعُ الْإِرْثَ.
(وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَوْلَى (نَفَقَةُ أَوْلَادِ مُعْتِقِهِ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ عَبْدًا) لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَيُقَدِّرَهَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهَا أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُبَاشَرَةُ الْخِدْمَةِ بِنَفْسِهَا بَلْ تَخْدُمُهُ خَادِمُهَا وَنَحْوُهَا عِنْدَهَا.
وَ(لَا) يَمْنَعُ الْأَبُ أُمَّ الرَّضِيعِ (مِنْ رَضَاعِهِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا وَوَجَدَ) الْأَبُ (مَنْ يَتَبَرَّعُ) لَهُ (بِرَضَاعِهِ فَهِيَ) أَيْ الْأُمُّ (أَحَقُّ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ أَوْ مُطَلَّقَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} الْآيَةَ وَهُوَ خَبَرٌ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ وَالِدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ وَلَبَنُهَا أَمْرَأُ.
(فَإِنْ طَلَبَتْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَلَوْ بِيَسِيرٍ لَمْ تَكُنْ أَحَقَّ بِهِ) مَعَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ أَوْ يَرْفَعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ إلَّا بِمِثْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ) فَتَكُونُ الْأُمُّ أَحَقَّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِشَفَقَتِهَا (وَلَوْ كَانَتْ) أُمُّ الرَّضِيعِ (زَوْجَ آخَرَ وَطَلَبَتْ رَضَاعَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا وَوُجِدَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِرَضَاعِهِ فَأُمُّهُ أَحَقُّ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ الثَّانِي) بِذَلِكَ لِلْآيَةِ وَقَدْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَأَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُزَوَّجَةِ (وَإِذَا أَرْضَعَتْ الزَّوْجَةُ وَلَدَهَا وَهِيَ فِي حِبَالِ وَالِدِهِ فَاحْتَاجَتْ إلَى زِيَادَةِ نَفَقَةٍ لَزِمَهُ) ذَلِكَ إذْ كِفَايَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ الزَّوْجَةِ وَلِرَضَاعِ وَلَدِهِ.
(وَلِلسَّيِّدِ إجْبَارُ أُمِّ وَلَدِهِ عَلَى رَضَاعِهِ) أَيْ وَلَدِهَا (مَجَّانًا) لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَمَنَافِعُهَا لَهُ كَالْقِنِّ (فَإِنْ عَتَقَتْ عَلَى السَّيِّدِ) بِإِعْتَاقٍ أَوْ تَعْلِيقٍ (فَحُكْمُ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْهُ حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ) لِأَنَّهَا مَلَكَتْ أَمْرَ نَفْسِهَا بِالْعِتْقِ فَلَهَا طَلَبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ رَضَاعِهِ.
(وَإِنْ امْتَنَعَتْ الْأُمُّ) الْحُرَّةُ (مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا لَمْ تُجْبَرْ) وَلَوْ كَانَتْ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا وقَوْله تَعَالَى:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الْإِنْفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ (إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ) الصَّغِيرُ (إلَيْهَا أَوْ يُخْشَى عَلَيْهِ) بِأَنْ لَا يُوجَدَ مُرْضِعَةٌ سِوَاهَا أَوْ لَا يَقْبَلُ الصَّغِيرُ الْإِرْضَاعَ مِنْ غَيْرِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَحِفْظُ النَّفْسِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ غَيْرُهَا (وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْقِيَهُ اللَّبَنَ) لِتَضَرُّرِهِ بِعَدَمِهِ بَلْ يُقَالُ لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ.
(وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا وَمِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَقْضِي تَمْلِيكَ الزَّوْجِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فِي كُلِّ الزَّمَانِ سِوَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، فَالرَّضَاعُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ كَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ (إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا بِأَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ غَيْرُهَا أَوْ لَا يَقْبَلُ الْإِرْضَاعَ مِنْ غَيْرِهَا فَيَجِب التَّمْكِين مِنْ إرْضَاعِهِ) لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَحِفْظٍ فَقُدِّمَ عَلَى حَقّ الزَّوْجِ كَتَقْدِيمِ الْمُضْطَرِّ عَلَى الْمَالِكِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ (أَوْ تَكُونُ) الْمَرْأَةُ (قَدْ شَرَطَتْهُ) أَيْ الرَّضَاعَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ (نَصًّا) لِحَدِيثِ:
«الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ».
(وَإِنْ أَجَّرَتْ) الْمَرْأَةُ (نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ وَلَا مَنْعَهَا مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ، لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُسْتَأْجَرَةً وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي عِشْرَة النِّسَاء) فَإِنْ نَامَ الصَّبِيُّ أَوْ اشْتَغَلَ فَلِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ وَإِنْ أَجَّرَتْ الْمُزَوَّجَةُ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا صَحَّ وَلَزِمَ الْعَقْدُ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ، لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ حَقِّ زَوْجِهَا وَتَقَدَّمَ.
(فَصْلٌ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ قَدْر كِفَايَتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَوْ) كَانَ رَقِيقُهُ (آبِقًا أَوْ نَشَزَتْ الْأَمَةُ أَوْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَوْ مَرِضَ أَوْ انْقَطَعَ كَسْبُهُ) وَتَكُونُ النَّفَقَةُ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَأُدْمِ مِثْلِهِ وَ) يَلْزَمُهُ (كُسْوَتُهُمْ مِنْ غَالِبِ الْكِسْوَةِ لِأَمْثَالِ الْعَبِيدِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ وَ) يَلْزَمُهُ (غِطَاءٌ وَوِطَاءٌ وَمَسْكَنٌ وَمَاعُونٌ) لِرَقِيقِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:
«لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ لَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ، لِأَنَّهُ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْمِلْكِ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ لِلْآبِقِ وَالنَّاشِزِ وَالزَّمِنِ وَغَيْرِهِمْ (وَإِنْ مَاتُوا فَعَلَيْهِ تَكْفِينُهُمْ وَتَجْهِيزُهُمْ وَدَفْنُهُمْ) كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ حَالَ الْحَيَاةِ.
(وَيُسَنُّ) لِسَيِّدِ الرَّقِيقِ (أَنْ يُلْبِسَهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَ) أَنْ (يُطْعِمَهُ مِمَّا يَطْعَمُ فَإِنْ وَلِيَهُ) أَيْ وَلِيَ الرَّقِيقُ الطَّعَامَ (فَ) إنَّ سَيِّدَهُ يُجْلِسُهُ يَأْكُلُ (مَعَهُ) أَوْ يُطْعِمُهُ (مِنْهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ:
«إذَا وَلَّى أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَدْعُهُ وَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَى التَّرْوِيغِ غَمْسُهَا فِي الْمَرَقِ وَالدَّسَمِ وَرَفْعُهَا إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَى ذَلِكَ (وَلَا يَأْكُلُ) الرَّقِيقُ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ السَّيِّدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ لَكِنْ إنْ مَنَعَهُ مَا وَجَبَ لَهُ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِهِ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ عَبِيدِهِ) فِي الْكُسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ (وَ) بَيْنَ (إمَائِهِ فِي الْكُسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ) لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنُفُوسِهِمْ وَأَقْرَبُ لِلْعَدْلِ (وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةِ مَنْ هِيَ) مِنْ الْإِمَاءِ (لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْكِسْوَةِ) لِدُعَاءِ الْمَصْلَحَةِ إلَيْهِ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ السَّيِّدَ (نَفَقَةُ وَلَدِ أَمَتِهِ الرَّقِيقِ) لِأَنَّهُ رَقِيقُهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ (دُونَ زَوْجِهَا) أَيْ الْأَمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الرَّقِيقِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَابِعًا لَهُ بَلْ لِأُمِّهِ (وَيَلْزَمُ الْحُرَّةَ نَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ) وَطْئِهَا بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ شُبْهَةٍ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهَا وَإِلَّا فَعَلَى قَدْرِ الْإِرْثِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَيَلْزَمُ الْمُكَاتَبَةَ نَفَقَةُ وَلَدِهَا وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ مُكَاتَبًا) لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ لَا أَبَاهُ (وَكَسْبُهُ) أَيْ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ (لَهَا) لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا.
(وَيُنْفِقُ) السَّيِّدُ (عَلَى مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِقَدْرِ رِقِّهِ وَبَقِيَّتُهَا) أَيْ النَّفَقَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُبَعَّضِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ أَعْتَقَ الْبَعْضَ أَوْ وَارِثِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَهُ) أَيْ الْمُبَعَّضِ (وَطْءُ أَمَةٍ مَلَكَهَا يُجْزِئُهُ الْحُرُّ بِلَا إذْنِ) سَيِّدِهِ، لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهَا تَامٌّ وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ.
(وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ تَزْوِيجُهُمْ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ (إذَا طَلَبُوهُ كَالنَّفَقَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ تَرْكِ إعْفَافِهِ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ، وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ) إذَا كَانَ كَبِيرًا (إلَّا أَمَةً يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَلَوْ مُكَاتَبَةً بِشَرْطِ وَطْئِهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ وَإِزَالَةُ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ شَاءَ زَوْجُهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ (فَإِنْ أَبَى) السَّيِّدُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَزْوِيجِهِمْ (أُجْبَرَ) عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ (وَتَصْدُقُ الْأُمَّةُ أَنَّهُ مَا يَطَؤُهَا) لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَإِنْ زَوَّجَهَا) أَيْ السَّيِّدُ (بِمَنْ عَيْبُهُ غَيْرُ الرِّقِّ فَلَهَا الْفَسْخُ) لِلْعَيْبِ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
(وَإِذَا كَانَ لِلْعَبْدِ زَوْجَةٌ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَيْلًا) لِأَنَّ الْعَادَةَ ذَلِكَ.
(وَمَنْ غَابَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ زُوِّجَتْ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَحُفِظَ مَهْرُهَا لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ الْغَائِبِ كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ.
وَفِي الِانْتِصَارِ يُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ بَكْرٍ (وَكَذَا) تُزَوَّجُ أُمُّ وَلَدٍ (لِحَاجَةِ وَطْءٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ (وَأَمَّا الْأَمَةُ) غَيْرُ أُمِّ الْوَلَدِ (فَقَالَ الْقَاضِي إذَا غَابَ سَيِّدُهَا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَهِيَ مَا لَا يُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ (فَطَلَبَتْ التَّزْوِيجَ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ، وَتَقَدَّمَ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ) لِوِلَايَتِهِ عَلَى الْغَائِبِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ وَمَشَى عَلَيْهِ هُنَا فِي الْمُنْتَهَى.
(وَيَحْرُمُ) عَلَى السَّيِّدِ (أَنْ يُكَلِّفهُمْ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ (مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَهُوَ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (مَشَقَّةً كَثِيرَةً) بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْهُ (فَإِنْ كَلَّفَهُ) مُشِقًّا (أَعَانَهُ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ.
(وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْأَمَةِ بِالرَّعْيِ، لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ لِبُعْدِهَا عَمَّنْ يَذُبُّ عَنْهَا) وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ نَقْلِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ زَوْجَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ النَّوَى عَلَى رَأْسِهَا لِلزُّبَيْرِ مِنْ نَحْوِ ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ مِنْ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي سَفَرِ الْمَرْأَةِ السَّفَرَ الْقَصِيرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَرَعْيُ جَارِيَةٍ الْحُكْمُ فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى وَقَالَ غَيْرُهُ يَجُوزُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا وَلَا يُتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَةً قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَيَجِبُ) عَلَى سَيِّدِ الْأَرِقَّاءِ (أَنْ يُرِيحَهُمْ وَقْتَ قَيْلُولَةٍ وَنَوْمٍ وَصَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ.
(وَ) يَجِبُ (أَنْ يُرْكِبَهُمْ عُقْبَةً) بِوَزْنِ غُرْفَةٍ (عِنْدَ الْحَاجَةِ) إذَا سَافَرَ بِهِمْ لَيْلًا لِئَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَعْنَاهُ يُرْكِبُهُمْ تَارَةً وَيُمْشِيهِمْ أُخْرَى (وَتُسْتَحَبُّ مُدَاوَاتُهُمْ إذَا مَرِضُوا) قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ الْمَذْهَبُ أَنَّ تَرْكَ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ: الْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ بِنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ وَلِهَذَا: النَّفَقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرَضِ تَلْزَمهُ مِنْ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ.
(وَيَجِبُ خِتَانُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا مِنْهُمْ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مِنْ أَدِلَّة الْخِتَانِ وَمَحَلُّهُ عِنْدَ الْبُلُوغِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَإِبَاقُ الْعَبْدِ كَبِيرَةٌ) لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ (وَيَحْرُمُ إفْسَادُهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِفْسَادُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ السَّعْيِ بِالْفَسَادِ وَمَحَلُّ كَوْنِ إبَاقِ الْعَبْدِ مُحَرَّمًا إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَلِهَذَا.
(قَالَ الشَّيْخُ فِي مُسْلِمٍ نَحِسٍ فِي بِلَادِ التَّتَارِ أَبَى بَيْعَ عَبْدِهِ وَ) أَبَى (عِتْقَهُ وَيَأْمُرُهُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَهَرَّبَهُ إلَى بِلَادِ) أَهْلِ بِدَعٍ مُضِلَّةٍ (فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِهَذَا) النَّحِسِ الْآمِرِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَنْهِيِّ (وَلَوْ كَانَ فِي طَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَبْدُ إذَا هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ) مُسْلِمًا (فَهُوَ حُرٌّ) إذَا حَصَلَ بِدَارِنَا أَوْ لَحِقَ بِجَيْشِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَوْ سَبَى سَيِّدَهُ لَكَانَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ (وَلَوْ لَمْ تُلَائِمْ أَخْلَاقُ الْعَبْدِ أَخْلَاقَ سَيِّدِهِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يُعَذِّبُ خَلْقَ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ».
(وَيَجِبُ أَنْ لَا يَسْتَرْضِعَ الْأَمَةَ لِغَيْرِ وَلَدِهَا) لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِوَلَدِهَا لِلنَّقْصِ مِنْ كِفَايَتِهِ وَصَرْفِ اللَّبَنِ الْمَخْلُوقِ لَهُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ كَنَقْصِ الْكَبِيرِ عَنْ كِفَايَتِهِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ (بَعْدَ رَبّهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْوَلَدُ فَكَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ (كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا).
(وَلَا يَجُوز لَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (إجَارَتُهَا) أَيْ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ (بِلَا إذْن زَوْجٍ فِي مُدَّة حَقِّهِ) لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِرَضَاعٍ وَحَضَانَةٍ (وَيَجُوزُ) إيجَارُهَا (فِي مُدَّةِ حَقِّ السَّيِّدِ) لِأَنَّ لَهُ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا) أَيْ الْأَمَةِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَيَجُوزُ الْمُخَارَجَةُ بِاتِّفَاقِهِمَا إذَا كَانَ مَا جَعَلَ عَلَى الْحَجْمِ بِقَدْرِ كَسْبِ الْعَبْدِ فَأَقَلّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ «حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ أُجْرَةً وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يَحْفَظُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ لِرَقِيقِهِمْ خَرَاجًا، وَرُوِيَ «أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ كُلَّ يَوْمٍ».
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ أَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ كَسْبِهِ (لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لَهُ مَا لَا يُطِيقهُ (وَلَا يُجْبَرُ) عَلَى الْمُخَارَجَةِ مَنْ أَبَاهَا مِنْ السَّيِّدِ أَوْ الْعَبْدِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ (وَمَعْنَاهَا) أَيْ الْمُخَارَجَةِ (أَنْ يَضْرِبَ) السَّيِّدُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ (خَرَاجًا مَعْلُومًا يُؤَدِّيهِ إلَى سَيِّدِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَمَا فَضَلَ لِلْعَبْدِ).
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ لِعَبْدٍ مُخَارَجٍ هَدِيَّةُ طَعَامٍ وَإِعَارَةُ مَتَاعٍ وَعَمَلُ دَعْوَةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُبْدِعِ قَالَا: وَظَاهِرُ كَلَامُ جَمَاعَةٍ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَائِدَةُ الْمُخَارَجَةِ تَرْكُ الْعَمَلِ بَعْدَ الضَّرِيبَةِ (وَفِي الْهَدْيِ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ بِمَا زَادَ عَلَى خَرَاجِهِ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ (وَلِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُهُمْ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ (بِاللَّوْمِ وَالضَّرْبِ كَوَلَدٍ وَزَوْجَةٍ) نَاشِزٍ (وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ) فِي الرَّقِيقِ عَلَى الزَّوْجَةِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ لَقِيطٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ «: وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ ضَرْبَ أَمَتِكَ» وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ «لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُجَامِعُهَا أَوْ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ الْيَوْمِ» وَلِابْنِ مَاجَهْ بَدَلَ الْعَبْدِ الْأَمَةُ فَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ضَرْبَ الرَّقِيقِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْمَرْأَةِ (وَيُسَنُّ) لِلسَّيِّدِ (الْعَفْوُ عَنْهُ أَوْ لَا) أَيْ قَبْلَ التَّأْدِيبِ (وَيَكُونُ) الْعَفْوُ (مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ نَصًّا) نَقَلَ حَرْبٌ «لَا تَضْرِبْ إلَّا فِي ذَنْبٍ بَعْدَ عَفْوٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ» (وَلَا يَضْرِبُهُ شَدِيدًا وَلَا يَضْرِبُهُ إلَّا فِي ذَنْبٍ عَظِيمٍ نَصًّا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» (وَيُقَيِّدُهُ بِقَيْدٍ إذَا خَافَ عَلَيْهِ) الْإِبَاقَ (وَيُؤَدَّبُ عَلَى فَرَائِضِهِ) أَيْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
(وَ) يُؤَدِّبُهُ السَّيِّدُ (عَلَى مَا إذَا كَلَّفَهُ مَا يُطِيقُ فَامْتَنَعَ) مِنْ امْتِثَالِهِ (وَلَيْسَ لَهُ لَطْمُهُ فِي وَجْهِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ لَطَمَ غُلَامَهُ فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا خِصَاؤُهُ وَلَا التَّمْثِيلُ بِهِ) بِجَدْعِ أَنْفٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ.
(وَلَا يَشْتُمُ) السَّيِّدُ (أَبَوَيْهِ الْكَافِرِينَ لَا يُعَوِّد لِسَانَهُ الْخَنَا وَالرَّدَى) الْخَنَا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ وَقَدْ أَخْنَى عَلَيْهِ مِنْ بَابِ صَدَى وَأَخْنَى عَلَيْهِ فِي مَنْطِقِهِ أَيْ أَفْحَشَ («وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا (وَهُوَ الَّذِي يُسِيءُ إلَى مَمَالِيكِهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرُّ الْمَصُونُ: مُعَاشَرَةُ الْوَلَدِ بِاللُّطْفِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى ضَرْبِهِ ضُرِبَ) يَعْنِي غَيْرَ مُبَرِّحٍ (وَيُحْمَلُ الْوَلَدُ عَلَى أَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وَيُجَنَّبُ سَيِّئَهَا) لِيَعْتَادَ ذَلِكَ وَيَنْشَأَ عَلَيْهِ (فَإِذَا كَبِرَ) الْوَلَدُ (فَالْحَذَرُ مِنْهُ وَلَا يُطْلِعُهُ عَلَى كُلِّ الْأَسْرَارِ، وَمِنْ الْغَلَطِ تَرْكُ تَزْوِيجِهِ إذَا بَلَغَ فَإِنَّك تَدْرِي مَا هُوَ فِيهِ بِمَا كُنْتَ فِيهِ فَصُنْهُ مِنْ الزَّلَلِ عَاجِلًا خُصُوصًا الْبَنَاتِ) فَإِنَّ عَارَهُنَّ عَظِيمٌ (وَإِيَّاكَ أَنْ تُزَوِّجَ الْبِنْتَ بِشَيْخٍ أَوْ شَخْصٍ مَكْرُوهٍ) فَرُبَّمَا حَمَلَهُنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي (وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْكُنَ إلَيْهِ بِحَالٍ بَلْ كُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ وَلَا تُدْخِلْ الدَّارَ مِنْهُمْ مُرَاهِقًا وَلَا خَادِمًا فَإِنَّهُمْ رِجَالٌ مَعَ النِّسَاءِ وَنِسَاءٌ مَعَ الرِّجَالِ وَرُبَّمَا امْتَدَّتْ عَيْنُ امْرَأَةٍ إلَى غُلَامٍ مُحْتَقَرٍ انْتَهَى) وَكَذَا خِدْمَةُ أَحْرَارٍ.
(وَإِنْ بَعَثَ) أَيْ الرَّقِيقَ (سَيِّدُهُ لِحَاجَةٍ فَوَجَدَ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ صَلَّى) فَيَجْمَعُ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ مَوَالِيهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُؤْتَى أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ إذَنْ (وَإِنْ صَلَّى) أَوَّلًا ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ (فَلَا بَأْسَ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَإِذَا خَافَ فَوَاتَ الْحَاجَةِ بِالصَّلَاةِ فَلَهُ تَأْخِيرُهَا وَيَقْضِي حَاجَتَهُ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ يَدْخُلُهَا الْقَضَاءُ.
(وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ فَطَلَبَ الْعَبْدُ) أَوْ الْأَمَةُ (الْبَيْعَ لَزِمَهُ بَيْعُهُ سَوَاءٌ كَانَ امْتِنَاعُ السَّيِّدِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ أَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ عَلَيْهِ إذَنْ عَلَيْهِ إضْرَارٌ بِهِ وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ وَاجِبَةٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «جَارِيَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَلَا يَلْزَمهُ بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ مَعَ الْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ لَهُ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَطَلَاقِ زَوْجَتِهِ إذَنْ.
(وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ) وَالْوَطْءُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ لِلنَّصِّ (وَقِيلَ بَلْ) يَتَسَرَّى (بِإِذْنِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ) قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ، وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ هُوَ قَوْلُ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَابْنُ شَاقِلَا، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْوَاضِحِ وَرَجَّحَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغَنِّي وَالشَّارِحُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَهِيَ أَصَحُّ فَإِنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ لَا تَخْتَلِفُ فِي إبَاحَةِ التَّسَرِّي لَهُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ وَنَصَرَهُ (وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ).
فِيهِ نَظَرٌ إنَّمَا الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مِلْكِهِ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي (إذَا قَالَ لَهُ السَّيِّدُ تَسَرَّاهَا أَوْ أَذِنْت لَكَ فِي وَطْئِهَا أَوْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّسَرِّي (أُبِيحَ لَهُ عَلَى) هَذَا (الْقَوْلِ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهَدٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ النِّكَاحَ بِإِذْنِهِ فَمِلْكُ التَّسَرِّي كَالْحُرِّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (يَجُوزُ) أَنْ يَأْذَنَ لَهُ (فِي) التَّسَرِّي (أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ) كَالنِّكَاحِ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَأَطْلَقَ تَسَرَّى بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ كَالتَّزْوِيجِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَهُ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّسَرِّي جَازَ بِغَيْرِ حَصْرٍ كَالْحُرِّ (وَلَمْ يَمْلِكْ السَّيِّدُ الرُّجُوعَ بَعْدَ التَّسَرِّي) مِنْ الْعَبْدِ بِإِذْنِهِ (نَصًّا) أَيْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ كَالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بُضْعًا أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ.