فصل: فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ (الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ (الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ):

وَذَلِكَ (بِأَنْ يَدَّعِيَ) إنْسَانٌ (عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ، أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيُنْكِرُهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ يَسْكُتُ وَهُوَ يَجْهَلُهُ) أَيْ: الْمُدَّعَى بِهِ (ثُمَّ يُصَالِحُ عَلَى مَالٍ فَيَصِحُّ) الصُّلْحُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ فَإِنْ قِيلَ: قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا» وَهَذَا دَاخِلٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَّ بِالصُّلْحِ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دُخُولُهُ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يُوجَدُ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْهِبَةِ فَإِنَّهُ يُحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ مَا كَانَ حَرَامًا الثَّانِي: لَوْ حَلَّ بِهِ الْمُحَرَّمُ لَكَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، نَحْوَ أَنْ يُصَالِحَ حُرًّا عَلَى اسْتِرْقَاقِهِ (بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي مُلْجَأٌ إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ.
(وَيَكُونُ) الصُّلْحُ عَلَى (الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي)؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ اعْتِقَادِهِ (فَإِنْ وَجَدَ) الْمُدَّعِي (فِيمَا أَخَذَهُ) مِنْ الْمَالِ (عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ) أَوْ إمْسَاكُهُ مَعَ أَرْشِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا.
(وَإِنْ كَانَ) مَا أَخَذَهُ الْمُدَّعِي عِوَضًا عَنْ دَعْوَاهُ (شِقْصًا مَشْفُوعًا ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) لِشَرِيكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِكَوْنِهِ أَخَذَهُ عِوَضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ (وَيَكُونُ) صُلْحُ الْإِنْكَارِ (إبْرَاءً فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ: الْمُدَّعِي (الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ) مِنْ التَّبَذُّلِ وَالْخُصُومَةِ، وَلَا عِوَضًا عَنْ حَقٍّ يَعْتَقِدُهُ عَلَيْهِ (فَإِنْ وَجَدَ) الْمُنْكِرُ (بِالْمُصَالَحِ عَنْهُ عَيْبًا لَمْ يَرْجِع بِهِ) أَيْ: بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الْمَالِ، وَلَا بِأَرْشِهِ (عَلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ) مَا صَالَحَ بِهِ الْمُنْكِرُ (شِقْصًا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عِوَضًا.
(وَلَوْ دَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الْمُنْكِرُ (إلَى الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ أَوْ بَعْضَهُ مُصَالِحًا بِهِ) كَانَ الْمُدَّعِي فِيهِ كَالْمُنْكِرِ و(لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْبَيْعِ وَلَا الشُّفْعَةِ)؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ مُسْتَرْجِعًا لَهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعًا كَاسْتِرْجَاعِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ.
وَإِنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ وَدِيعَةً أَوْ قَرْضًا، أَوْ تَفْرِيطًا فِي وَدِيعَةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ فَأَنْكَرَهُ وَاصْطَلَحَا صَحَّ، لِمَا تَقَدَّمَ.
وَشَرْطُ صِحَّةِ صُلْحِ الْإِنْكَارِ أَنْ يَعْتَقِدَ الْمُدَّعِي حَقِيقَةَ مَا ادَّعَاهُ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسَهُ: (فَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ وَمَا أَخَذَهُ) الْعَالِمُ بِكَذِبِ نَفْسِهِ (حَرَامٌ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَلَا يَشْهَدُ لَهُ) الشَّاهِدُ بِهِ (إنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ)؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى بَاطِلٍ.
وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: صَالِحْنِي عَنْ الْمَالِ الَّذِي تَدَّعِيهِ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ.
(وَإِنْ صَالَحَ عَنْ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْمُنْكِرِ (أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ اعْتَرَفَ) الْأَجْنَبِيُّ (لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ) عَلَى الْمُنْكِرِ (أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ) لَهُ بِصِحَّتِهَا (صَحَّ) الصُّلْحُ (سَوَاءٌ كَانَ) الْمُدَّعَى بِهِ (دَيْنًا أَوْ عَيْنًا وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ) الْأَجْنَبِيُّ (أَنَّ الْمُنْكِرَ وَكَّلَهُ) فِي الصُّلْحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بَرَاءَتَهُ وَقَطْعَ الْخُصُومَةِ عَنْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ.
(وَيَرْجِعُ) الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْمُنْكِرِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الْعِوَضِ (مَعَ الْإِذْنِ) فِي الْأَدَاءِ أَوْ فِي الصُّلْحِ (فَقَطْ) أَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فِي الصُّلْحِ فَقَطْ؛ فَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ بِعَقْدِ الصُّلْحِ فَإِذَا أَدَّى فَقَدْ أَدَّى وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْهُ فِي الصُّلْحِ وَلَا فِي الْأَدَاءِ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا.
(وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ الْمُدَّعِي بِنَفْسِهِ لِتَكُونَ الْمُطَالَبَةُ لَهُ) أَيْ: لِلْأَجْنَبِيِّ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُعْتَرِفٍ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى، أَوْ مُعْتَرِفًا بِهَا، وَالْمُدَّعَى بِهِ دَيْنٌ) لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا (أَوْ) الْمُدَّعَى بِهِ (عَيْنٌ) فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مُنْكِرًا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ أَيْضًا مُطْلَقًا.
وَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مُقِرًّا بِهَا (عَالِمًا بِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ (فِيهِنَّ) أَيْ: فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ (لِكَوْنِهِ شِرَاءَ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْبَائِعُ) وَلَمْ يَتَوَجَّه إلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مُنْكِرًا (أَوْ) لِكَوْنِهِ شِرَاءَ (دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الصُّلْحِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الدَّيْنِ، مَعَ إقْرَارِ الْأَجْنَبِيِّ بِهِ (أَوْ) لِكَوْنِهِ شِرَاءَ (مَغْصُوبٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ صُلْحِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْعَيْنِ مَعَ إقْرَارِهِ بِهَا، إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ عَالِمًا بِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا (وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُنَّ) أَيْ: حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْضُهَا (فِي السَّلَمِ، وَ) بَعْضُهَا فِي (الْبَيْعِ) بَلْ مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ تَكَرَّرَتْ فِيهِمَا.
(وَإِنْ عَلِمَ) الْأَجْنَبِيُّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ (أَوْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الِاسْتِنْقَاذِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ) عَلِمَ أَوْ ظَنَّ (عَدَمَهُمَا) أَيْ: عَدَمَ الْقُدْرَةِ (ثُمَّ تَبَيَّنَ) لَهُ (الْقُدْرَةُ صَحَّ فِي) مَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مُقِرًّا وَالْمُدَّعَى بِهِ (الْعَيْنُ فَقَطْ)؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ تَنَاوَلَ مَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مُنْكِرًا فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ إنْ عَجَزَ) الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ أَنْ صَالَحَ عَنْ الْعَيْنِ الْمُقَرِّ بِهَا لِتَكُونَ لَهُ (عَنْ ذَلِكَ) أَيْ: عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا (فَهُوَ) أَيْ: الْأَجْنَبِيُّ (مُخَيَّرٌ بَيْنَ فَسْخِ الصُّلْحِ) وَيَرْجِعُ بِمَا دَفَعَهُ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ.
(وَ) بَيْنَ (إمْضَائِهِ) أَيْ: الصُّلْحِ وَيَصْبِرُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا تَنْبِيهٌ إذَا قَالَ الْأَجْنَبِيُّ: أَنَا وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُصَالَحَتِك، وَهُوَ مُقِرٌّ لَك فِي الْبَاطِنِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ وَمَتَى صَدَّقَهُ الْمُنْكِرُ مَلَكَ الْعَيْنَ وَلَزِمَهُ مَا ادَّعَى عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ حَلَّفَهُ وَبَرِئَ.
وَأَمَّا مِلْكُهَا فِي الْبَاطِنِ فَإِنْ كَانَ وَكَّلَهُ فَلَا يَقْدَحُ إنْكَارَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: قَدْ عَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِحَّةَ دَعْوَاكَ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ أَنْ تُصَالِحَهُ عَنْهُ وَقَدْ وَكَّلَنِي فِي الْمُصَالَحَةِ عَنْهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ أَدَائِهِ، بَلْ صَالَحَ عَلَيْهِ مَعَ بَذْلِهِ.
وَإِنْ صَالَحَ الْمُنْكِرُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ الْمُنْكِرَ أَقَرَّ قَبْلَ الصُّلْحِ لَمْ تُسْمَعْ وَلَمْ يُنْقَضْ الصُّلْحُ وَلَوْ شَهِدَتْ بِأَصْلِ الْمِلْكِ.

.فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ:

(وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ كُلِّ مَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ) الْمُصَالَحُ عَنْهُ (مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ) مِنْ عَيْنٍ وَدَيْنٍ (أَمْ لَا) يَجُوزُ بَيْعُهُ وَكَقِصَاصِ عَيْبٍ مَبِيعٍ (فَيَصِحُّ) الصُّلْحُ (عَنْ الْقِصَاصِ) مَعَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ (بِدِيَاتٍ) الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَلَا يَقَعُ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ (وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ أَيْضًا (بِدِيَةٍ وَبِأَقَلَّ مِنْهَا وَبِكُلِّ مَا ثَبَتَ مَهْرًا) وَهُوَ أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ (حَالًا) كَانَ (أَوْ مُؤَجَّلًا)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْقَاطُهُ مَجَّانًا فَعَلَى ذَلِكَ أَوْلَى.
(وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ (عَنْ سُكْنَى الدَّارِ) الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَ) عَنْ (عَيْبِ الْمَبِيعِ) قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ.
(وَلَوْ صَالَحَ الْجَانِي عَنْ الْقِصَاصِ بِعَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَأَمَةٍ وَدَارٍ (فَخَرَجَ) الْعَبْدُ (مُسْتَحَقًّا أَوْ حُرًّا) أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كَذَلِكَ، أَوْ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً أَوْ مَوْقُوفَةً (رَجَعَ) وَلِيُّ الْقِصَاصِ (بِقِيمَتِهِ) أَيْ: قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ نَحْوِهِ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ، فَيَرْجِعُ إلَى بَدَلِهِ (وَإِنْ عَلِمَا) أَيْ: الْمُتَصَالِحَانِ (كَوْنَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ أَوْ نَحْوِهِ (مُسْتَحَقًّا أَوْ حُرًّا) لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ (أَوْ كَانَ) الْمُصَالَحُ بِهِ عَنْ الْقِصَاصِ، (مَجْهُولًا، كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ)؛ لِعِلْمِهِمَا بُطْلَانِهَا.
(وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ) لِرِضَا مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ بِإِسْقَاطِهِ (أَوْ) وَجَبَ (أَرْشُ الْجُرْحِ) إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ جُرْحًا وَعَفَا عَنْهَا عَلَى مَجْهُولٍ أَوْ نَحْوِ حُرٍّ يَعْلَمَانِهِ.
(وَإِنْ صَالَحَ الْجَانِي عَلَى حَيَوَانٍ مُطْلَقٍ مِنْ آدَمِيٍّ) كَعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَا مَوْصُوفَيْنِ (أَوْ) صَالَحَ عَلَى حَيَوَانٍ مُطْلَقٍ (غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ آدَمِيٍّ كَفَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَا مَوْصُوفٍ (صَحَّ) الصُّلْحُ (وَوَجَبَ الْوَسَطُ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْعَدْلِ بَيْنَهُمَا.
(وَلَوْ صَالَحَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَنْ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ بِعِوَضٍ فَبَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا، أَوْ) بِعَبْدٍ فَبَانَ (حُرًّا رَجَعَ) الْمُدَّعِي (فِي الدَّارِ) الْمُصَالَحِ عَنْهَا (أَوْ) رَجَعَ فِي (مَا صَالَحَ عَنْهُ) إنْ صَالَحَ عَنْ غَيْرِ دَارٍ وَكَانَ بَاقِيًا (أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ) الْمُصَالَحُ عَنْهُ مُتَقَوِّمًا (تَالِفًا) وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَبِمِثْلِهِ (؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ هُنَا بَيْعٌ حَقِيقَةً إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ) فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِوَضَ كَانَ مُسْتَحَقًّا أَوْ حُرًّا؛ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَيَرْجِعُ فِيمَا كَانَ لَهُ (وَإِنْ كَانَ) الصُّلْحُ (عَنْ إنْكَارٍ) وَظَهَرَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا أَوْ حُرًّا (رَجَعَ) الْمُدَّعِي (بِالدَّعْوَى) أَيْ: إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ الصُّلْحِ؛ لَتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ.
(وَلَوْ صَالَحَ) إنْسَانٌ (سَارِقًا أَوْ شَارِبًا أَوْ زَانِيًا لِيُطْلِقَهُ وَلَا يَرْفَعُهُ لِلسُّلْطَانِ) لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ إلَى السُّلْطَانِ لَيْسَ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (أَوْ) صَالَحَ (شَاهِدًا عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، أَوْ بِحَقِّ اللَّهِ، كَزَكَاةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ) لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ (بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ) صَالَحَهُ (عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ) لَمْ تَصِحَّ عَلَى حَرَامٍ أَوْ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ.
(أَوْ) صَالَحَ (شَفِيعًا عَنْ شُفْعَةٍ) لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَإِذَا رَضِيَ بِالْعِوَضِ تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ضَرَرَ، فَلَا اسْتِحْقَاقَ فَيَبْطُلُ الْعِوَضُ لِبُطْلَانِ مُعَوَّضِهِ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الشُّفْعَةُ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَأَمَّا الْخُلْعُ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ عَمَّا مَلَكَهُ بِعِوَضٍ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ (أَوْ) صَالَحَ قَاذِفٌ (مَقْذُوفًا) عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ (أَوْ صَالَحَ بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ) فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ (لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يُشْرَعْ لِاسْتِفَادَةِ مَالٍ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحَظِّ فَلَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ وَحَدُّ الْقَذْفِ) وَالْخِيَارُ لِرِضَا مُسْتَحِقِّهَا بِتَرْكِهَا.
(وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى مَوْضِعِ قَنَاةٍ مِنْ أَرْضِهِ يَجْرِي فِيهَا) أَيْ الْقَنَاةِ (الْمَاءُ وَبَيَّنَّا مَوْضِعَهَا) أَيْ الْقَنَاةِ.
(وَ) بَيَّنَّا (عَرْضَهَا وَطُولَهَا جَازَ) الصُّلْحُ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ إمَّا بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ (وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ عُمْقِهِ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْمَوْضِعَ كَانَ لَهُ إلَى تُخُومِهِ فَلَهُ أَنْ يُنْزِلَ فِيهِ مَا شَاءَ) إنْ كَانَ بَيْعًا (وَإِنْ كَانَ إجَارَةً) بِأَنْ تَصَالَحَا عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهَا مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ بِحَالِهِ (اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْعُمْقِ) كَمَا فِي الْكَافِي وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهَا: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْعُمْقِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ عَيْنَ الْأَرْضِ أَوْ نَفْعَهَا كَانَ لَهُ إلَى التُّخُومِ فَلَهُ أَنْ يُنْزِلَ فِيهَا مَا شَاءَ.
(وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي سَاقِيَةٍ) أَيْ قَنَاةٍ (مِنْ أَرْضِ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ) أَيْ رَبِّ الْأَرْضِ (عَلَيْهَا) أَيْ أَرْضِ السَّاقِيَةِ (فَهُوَ إجَارَةٌ لِلْأَرْضِ) لِأَنَّهُ بِيعَ مَنْفَعَتُهَا بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ (يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ وَسَائِرُ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ) كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ، كَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ بَيَانُ الْمُدَّةِ لِلْحَاجَةِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَيُعْلَمُ تَقْدِيرُ الْمَاءِ) الصَّالِحِ عَلَى إجْرَائِهِ فِي السَّاقِيَةِ (بِتَقْدِيرِ السَّاقِيَةِ) الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ مِنْ أَرْضِ الْمُصَالِحَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِلْئِهَا (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ فِي يَدِ رَجُلٍ بِإِجَارَةٍ جَازَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا (مُدَّةٌ لَا تُجَاوِزُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مُقَامَهُ.
(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّاقِيَةُ مَحْفُورَةً لَمْ يَجُزْ) لِلْمُسْتَأْجِرِ (أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى إجْرَاءِ سَاقِيَةٍ فِيهَا (لِأَنَّهُ) يَحْتَاجُ إلَى إحْدَاثِ السَّاقِيَةِ وَالْمُسْتَأْجِرُ (لَا يَجُوزُ) لَهُ (إحْدَاثُ سَاقِيَةٍ فِي أَرْضٍ فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ فِي يَدِهِ وَقْفًا عَلَيْهِ) وَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي سَاقِيَةٍ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَة (فَ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (كَالْمُسْتَأْجَرِ) إنْ كَانَتْ مَحْفُورَةً جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حَفْرُ السَّاقِيَةِ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يُنْقَلْ الْمِلْكُ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي مُؤَجَّرَةٍ، وَفِي مَوْقُوفِهِ الْخِلَافُ، أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ أَوْلَى وَظَاهِرُهُ: لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ، وَإِذْنُ الْحَاكِم، بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ انْتَهَى قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَاظِرُ الْوَقْفِ وَوَلِيُّ الْيَتِيمِ كَالْمُسْتَأْجِرِ إنْ رَأَى مَصْلَحَةً وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الْمُنْتَهَى: وَمَوْقُوفُةٌ كَمُؤَجَّرَةٍ وَهِيَ تَشْمَلُ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ) لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ بِالْأَرْضِ الْمُسْتَعَارَةِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إحْدَاثِهَا وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ فَكَيْفَ يُصَالِحُ عَلَيْهَا؟ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَلَا يُعِيرَ وَعَلَى تَسْلِيمِ الصِّحَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ الْمُصَالَحُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ كَمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِإِذْنِ مُعِيرٍ.
(وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى إجْرَاءِ مَاءٍ سَطْحُهُ مِنْ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحِهِ، أَوْ) صَالَحَهُ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ (فِي أَرْضِهِ) حَالَ كَوْنِ الْمَاءِ (مِنْ سَطْحِهِ، أَوْ) صَالَحَهُ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ (فِي أَرْضِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (عَنْ أَرْضِهِ جَازَ) الصُّلْحُ فِي ذَلِكَ (إذَا كَانَ مَا يَجْرِي مَاؤُهُ) مِنْ أَرْضٍ أَوْ سَطْحٍ (مَعْلُومًا) لَهُمَا (إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ وَإِمَّا بِمَعْرِفَةِ الْمِسَاحَةِ) أَيْ مِسَاحَةِ السَّطْحِ أَوْ الْأَرْضِ الَّتِي يَنْفَصِلُ مَاؤُهَا (لِأَنَّ الْمَاءَ يَخْتَلِفُ بِصِغَرِ السَّطْحِ) وَالْأَرْضِ (وَكِبَرِهِمَا) فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَتُهُمَا.
(وَيُشْتَرَطُ) أَيْضًا (مَعْرِفَةُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ إلَى السَّطْحِ) أَوْ إلَى الْأَرْضِ دَفْعًا لِلْجَهَالَةِ (وَلَا تَفْتَقِرُ) صِحَّةُ الْإِجَارَةِ (إلَى ذِكْرِ الْمُدَّةِ لِدَعْوَى الْحَاجَةِ) إلَى تَأْبِيدِ ذَلِكَ (فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ غَيْرَ مُقَدِّرٍ مُدَّةً، كَنِكَاحٍ لَكِنْ قَالَ) ابْنُ رَجَبٍ (فِي الْقَوَاعِدِ) فِي السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ (لَيْسَ بِإِجَارَةٍ مَحْضَةٍ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّة) بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ (بِخِلَافِ السَّاقِيَةِ) الَّتِي يَجْرِي فِيهَا غَيْرُ مَاءِ الْمَطَرِ (فَكَانَتْ بَيْعًا تَارَةً وَإِجَارَةً) تَارَةً (أُخْرَى) فَاعْتُبِرَ فِيهَا تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَسَبَقَ مَا فِيهِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ أَوْ السَّطْحُ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ الْمَاءُ مُسْتَأْجَرًا أَوْ عَارِيَّةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ) الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ (عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ) أَمَّا فِي السَّطْحِ فَلِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ وَأَمَّا فِي الْأَرْضِ فَلِأَنَّهُ يَجْعَلُ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ رَسْمًا فَرُبَّمَا ادَّعَى مِلْكَهَا بَعْدُ.
(وَيَحْرُمُ إجْرَاءُ مَاءٍ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ بِلَا إذْنِهِ، وَلَوْ مَعَ عَدَمِ تَضَرُّرِهِ أَوْ) مَعَ عَدَمِ (تَضَرُّرِ أَرْضِهِ) بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَلَوْ كَانَ) رَبُّ الْمَاءِ (مَضْرُورًا إلَى ذَلِكَ) أَيْ إجْرَائِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ لِمَا سَبَقَ.
(وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ مِنْ نَهْرِهِ، أَوْ مِنْ عَيْنِهِ) أَوْ بِئْرِهِ (مُدَّةً وَلَوْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ (لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمَاءَ) لِأَنَّ الْمَاءَ الْعَذْبَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ النَّهْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْبِئْرِ (كَثُلُثٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ رُبْعٍ أَوْ خُمْسٍ (جَازَ) الصُّلْحُ (وَكَانَ) ذَلِكَ (بَيْعًا لِلْقَرَارِ) أَيْ لِلْجُزْءِ الْمُسَمَّى مِنْ الْقَرَارِ (وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ) أَيْ لِلْقَرَارِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ.
(وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ) دَارًا كَانَ أَوْ غَيْرَهَا (وَ) أَنْ يَشْتَرِيَ (مَوْضِعًا فِي حَائِطٍ يَفْتَحُهُ بَابًا وَ) أَنْ يَشْتَرِيَ (بُقْعَةً) فِي أَرْضٍ (يَحْفِرُهَا بِئْرًا) بِشَرْطِ كَوْنِ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْعٌ مَقْصُودٌ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالدُّورِ (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَشْتَرِيَ (عُلْوَ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا) أَوْ لِيَضَعَ عَلَيْهِ خَشَبًا مَوْصُوفًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْأَرْضِ، وَمَعْنَى مَوْصُوفًا أَيْ مَعْلُومًا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ ذَلِكَ عَلَى الْوَقْفِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْوَقْفِ مَا يَضُرُّهُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إنْ لَمْ يَضُرَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَيْتُ) الَّذِي اشْتَرَى عُلْوَهُ (غَيْرَ مَبْنِيٍّ إذَا وَصَفَ الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ) لِيَكُونَ مَعْلُومًا.
وَإِنَّمَا صَحَّ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ فَكَانَ لَهُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (وَيَصِحُّ فِعْلُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اتِّخَاذِ مَمَرٍّ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ مَوْضِعٍ فِي حَائِطِهِ يَفْتَحُهُ بَابًا، أَوْ بُقْعَةٍ فِي أَرْضِهِ يَحْفِرُهَا بِئْرًا، أَوْ عُلْوِ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا، أَوْ يَضَعُ عَلَيْهِ خَشَبًا مَعْلُومَيْنِ (صُلْحًا أَبَدًا) أَيْ مُؤَبَّدًا وَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ.
(وَ) فَعَلَهُ (إجَارَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً) لِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ إجَارَتُهُ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِذَا مَضَتْ بَقِيَ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ (وَمَتَى زَالَ) الْبُنْيَانُ أَوْ الْخَشَبُ (فَلَهُ إعَادَتُهُ) لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ إبْقَاؤُهُ بِعِوَضٍ (سَوَاءٌ زَالَ لِسُقُوطِهِ) أَيْ سُقُوطِ الْبُنْيَانِ أَوْ الْخَشَبِ (أَوْ) زَالَ (لِسُقُوطِ الْحَائِطِ) الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ (أَوْ) زَالَ لِ (غَيْرِ ذَلِكَ) كَهَدْمِهِ إيَّاهُ.
(وَيَرْجِعُ) الْمُصَالَحُ عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ (بِأُجْرَةِ مُدَّةِ زَوَالِهِ) أَيْ زَوَالِ بِنَائِهِ أَوْ خَشَبِهِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ سُقُوطًا لَا يَعُودُ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْبَيْتِ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى مُقْتَضَى مَا فِي الْإِجَارَةِ: إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا كَانَ مِنْ فِعْلِ رَبِّ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمَا.
أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَحْدَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ (وَلَهُ) أَيْ لِرَبِّ الْبَيْتِ (الصُّلْحُ عَلَى زَوَالِهِ) أَيْ إزَالَةِ الْعُلْوِ عَنْ بَيْتِهِ (أَوْ) الصُّلْحُ بَعْدَ انْهِدَامِهِ عَلَى (عَدَمِ عَوْدِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مَا صَالَحَهُ بِهِ مِثْلَ الْعِوَضِ الَّذِي صُولِحَ بِهِ عَلَى وَضْعِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ هَذَا عِوَضٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ فَيَصِحُّ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.