فصل: فَصْلٌ: التَّصَرُّفُ في اللُّقَطَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: التَّصَرُّفُ في اللُّقَطَةِ:

وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (التَّصَرُّفُ فِيهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا الْحَوْلَ وَلَوْ بِخَلْطٍ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ (حَتَّى يَعْرِفَ وِعَاءَهَا، وَهُوَ ظَرْفُهَا، كِيسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) كَخِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ فِيهَا وَقِدْرٍ، وَزِقٍّ فِيهِ اللُّقَطَةُ الْمَائِعَةُ وَلُفَافَةٌ عَلَى ثِيَابٍ (وَ) حَتَّى يُعَرِّفَ (وِكَاءَهَا) بِالْمَدِّ (وَهُوَ الْخَيْطُ) أَوْ السَّيْرُ (الَّذِي تُشَدُّ بِهِ) فَيُعَرِّفُ كَوْنَهُ خَيْطًا أَوْ سَيْرًا، وَكَوْنُ الْخَيْطِ مِنْ إبْرَيْسَمٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ، وَنَحْوِهِ (وَ) حَتَّى يُعَرِّفَ (عِفَاصَهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ الشَّدُّ، وَالْعَقْدُ أَيْ: صِفَتُهُمَا) فَيُعَرِّفَ الرَّبْطَ هَلْ هُوَ عُقْدَةٌ أَوْ عُقْدَتَانِ، وَأُنْشُوطَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَمْرِ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا، وَهَذِهِ مِنْهَا.
، وَالْأُنْشُوطَةُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَأُنْبُوبَةٍ عُقْدَةٌ يَسْهُلُ انْحِلَالُهَا كَعُقْدَةِ التِّكَّةِ وَقَالَ فِي الْعِفَاصِ: كَكِتَابِ: الْوِعَاءِ فِيهِ النَّفَقَةُ، جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً، وَغِلَافُ الْقَارُورَةِ، وَالْجِلْدَةِ تُغَطِّي بِهِ رَأْسَهَا انْتَهَى فَالْعِفَاصُ مُشْتَرَكٌ لَكِنْ لَمَّا ذُكِرَ مَعَ الْوِعَاءِ حُمِلَ عَلَى مَا يُغَايِرُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ (وَ) حَتَّى يُعَرِّفَ (قَدْرَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ بِمِعْيَارِهَا الشَّرْعِيِّ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ ذَرْعٍ أَوْ عَدٍّ.
(وَ) يُعَرِّفَ (جِنْسَهَا، وَصِفَتَهَا) الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا، وَحَتَّى نَوْعَهَا وَلَوْنَهَا لِحَدِيثِ زَيْدٍ وَفِيهِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ وِعَاءَهَا، وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا، وَوِعَائِهَا، وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ».
(أَيْ: تَجِبُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ التَّصَرُّفِ فِيهَا) أَيْ: فِي اللُّقَطَةِ لِمَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّ دَفْعَهَا إلَى رَبِّهَا يَجِبُ بِمَا ذُكِرَ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ نَظَرًا إلَى مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا عُدِمَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ سَبِيلُ إلَى مَعْرِفَتِهَا.
(وَيُسَنُّ ذَلِكَ) أَيْ: أَنْ يُعَرِّفَ وِعَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، وَجِنْسَهَا، وَصِفَتَهَا وَقَدْرَهَا (عِنْدَ وِجْدَانِهَا)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ.
(وَ) يُسَنُّ لِلْمُلْتَقِطِ أَيْضًا (إشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَ(لَا) يُسَنُّ الْإِشْهَادُ (عَلَى صِفَتِهَا أَيْ: اللُّقَطَةِ لِاحْتِمَالِ شُيُوعِهِ فَيَعْتَمِدُهُ الْمُدَّعِي الْكَاذِبُ قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُبْدِعِ)، وَيُسْتَحَبُّ كَتْبُ صِفَاتِهَا لِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهَا مَخَافَةَ نِسْيَانِهَا.
(فَمَتَى جَاءَ طَالِبُهَا) وَلَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ (فَوَصَفَهَا) بِالصِّفَاتِ السَّابِقَةِ (لَزِمَ دَفْعُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ، وَلَوْ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَا يَمِينٍ ظَنَّ صِدْقَهُ أَوْ لَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ»؛ وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا غَالِبًا لِسُقُوطِهَا حَالَ الْغَفْلَةِ، وَالسَّهْوِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا بِالصِّفَةِ لِمَا جَازَ الْتِقَاطُهَا.
(فَإِنْ وَجَدَهَا) طَالِبُهَا (قَدْ خَرَجَتْ عَنْ) مِلْكِ (الْمُلْتَقِطِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ) بِأَنْ بَاعَهَا الْمُلْتَقِطُ أَوْ وَهَبَهَا أَوْ وَقَفَهَا (بَعْدَ مِلْكِهَا) أَيْ: بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهَا حَوْلًا كَامِلًا (فَلَا رُجُوعَ) لِطَالِبِهَا فِي عَيْنِهَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُلْتَقِطِ وَقَعَ صَحِيحًا لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ (وَلَهُ) أَيْ: لِطَالِبِهَا (بَدَلُهَا) عَلَى الْمُلْتَقِطِ أَيْ: مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَإِنْ أَدْرَكَهَا) طَالِبُهَا (مَبِيعَةً بَيْعَ الْخِيَارِ) بِأَنْ يَبْعَثَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ (لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا) أَيْ: الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ (فِي زَمَنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِدْرَاكِهَا أَيْ: زَمَنَ الْخِيَارِ (وَجَبَ) عَلَى الْبَائِعِ (الْفَسْخُ) لِيَرُدَّهَا لِرَبِّهَا لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ زَمَنَ خِيَارٍ، وَتُرَدُّ لَهُ، وَعَلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا الْبَدَلُ مَا لَمْ يَخْتَرْ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ وَلَا يَلْزَمُهُ.
(أَوْ) أَدْرَكَهَا رَبُّهَا بَعْدَ الْحَوْلِ (مَرْهُونَةً) وَلَوْ مَقْبُوضَةً (فَلَهُ انْتِزَاعُهَا) مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ نَائِبِهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ، وَانْتِفَاءِ إذْنِهِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: يَتَوَجَّهُ عَدَمُ الِانْتِزَاعِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ: وَسَائِرُ أَحْكَامِ الرُّجُوعِ هَهُنَا كَحُكْمِ رُجُوعِ الزَّوْجِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(فَإِنْ صَادَفَهَا رَبُّهَا قَدْ رَجَعَتْ إلَيْهِ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ (بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ أَخَذَهَا)؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ فَكَانَ لَهُ أَخْذُهَا كَالزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَوَجَدَ الصَّدَاقَ قَدْ رَجَعَ إلَى الْمَرْأَةِ، وَحَيْثُ أَخَذَ اللُّقَطَةَ طَالِبُهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا (بِنَمَائِهَا الْمُتَّصِلِ)؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ مَالِكِهَا وَلَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهَا عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ.
(فَأَمَّا) النَّمَاءُ (الْمُنْفَصِلُ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ فَ) هُوَ (لِمَالِكِهَا)؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.
(وَ) النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ (لِوَاجِدِهَا)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ اللُّقَطَةَ بِمُضِيِّ الْحَوْل فَنَمَاؤُهَا إذَنْ نَمَاءُ مِلْكِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَضْمَنُ النَّقْصَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَتَكُونُ لَهُ الزِّيَادَةُ لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ النَّقْصَ لِغَيْرِهِ.
(وَوَارِثٌ مُلْتَقِطٌ كَهُوَ) أَيْ: كَالْمُلْتَقِطِ (فِي تَعْرِيفٍ، وَغَيْرِهِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ قَامَ وَارِثُهُ فِي إتْمَامِ تَعْرِيفِهَا، وَدَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ تَمَامِ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَرِثَهَا وَرَثَتُهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ.
(فَإِنْ مَاتَ الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا مِنْ الْوَارِثِ) إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً كَمَا يَأْخُذُهَا مِنْ الْمَوْرُوثِ (وَإِنْ كَانَتْ) اللُّقَطَةُ (مَعْدُومَةً فَصَاحِبُهَا غَرِيمٌ بِهَا) أَيْ: بِمِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ بِقِيمَتِهَا فَيَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنْ ضَاقَتْ زَاحَمَ الْغُرَمَاءَ (وَإِنْ كَانَ تَلَفُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِفِعْلِهِ) أَيْ: الْوَارِثِ (أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ)؛ لِأَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِمُضِيِّ الْحَوْلِ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (أَوْ نَقَصَتْ أَوْ ضَاعَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ لَمْ يَضْمَنْهَا) الْمُلْتَقِطُ وَلَا وَارِثُهُ (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ).
(وَ) إنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ ضَاعَتْ (بَعْدَ الْحَوْلِ يَضْمَنُهَا وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ إذَنْ (بِمِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَإِلَّا) تَكُنْ مِثْلِيَّةً ضَمِنَهَا (بِقِيمَتِهَا يَوْمَ عَرَّفَ بِهَا سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ) لِصَيْرُورَتِهَا بِمِلْكِهِ بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ.
وَإِذَا مَاتَ الْمُلْتَقِطُ وَلَمْ يَعْلَمْ تَلَفَ اللُّقَطَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ فَصَاحِبُهَا غَرِيمٌ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلِ بَقَاؤُهَا.
(وَلَا يَكْفِي تَصْدِيقُ عَبْدٍ) وَلَا أَمَةٍ (مُلْتَقِطٍ) أَيْ: لَوْ كَانَ بِيَدِ قِنٍّ عَيْنٌ وَجَاءَ طَالِبُهَا وَقَالَ: هِيَ لُقَطَةٌ لُقَطَةٌ وَوَصَفَهَا لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقُ الْقَنِّ (لِوَاصِفٍ) عَلَى أَنَّهَا لُقَطَةٌ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ لَا يَصِحُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ) أَيْ: بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى سَيِّدِهِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِنَحْوِ طَلَاقٍ.
(فَإِنْ وَصَفَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (اثْنَانِ) فَأَكْثَرُ (مَعًا أَوْ وَصَفَهَا الثَّانِي) بَعْدَ الْأَوَّلِ لَكِنْ (قَبْلَ دَفْعِهَا إلَى الْأَوَّلِ) أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا (أَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) بِاللُّقَطَةِ (أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (فَمَنْ قَرَعَ) أَيْ: خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (حَلَفَ) أَنَّ اللُّقَطَةَ لَهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ صَاحِبِهِ (وَأَخَذَهَا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الْقُرْعَةِ.
(وَ) إنْ وَصَفَهَا إنْسَانٌ (بَعْدَ دَفْعِهَا) لِمَنْ وَصَفَهَا أَوَّلًا (لَا شَيْءَ لِلْوَاصِفِ الثَّانِي)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهَا بِوَصْفِهِ إيَّاهَا مَعَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُ حِينَ أَخَذَهَا، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي انْتِزَاعَهَا مِنْهُ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا لَهُ كَسَائِرِ مَالِهِ.
(وَلَوْ ادَّعَاهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَصَفَهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ حَلَفَ) وَاصِفُهَا (وَأَخَذَهَا) لِتَرَجُّحِهِ بِوَصْفِهَا (، وَمِثْلُهُ وَصْفُهُ مَغْصُوبًا، وَمَسْرُوقًا)، وَمَنْهُوبًا، وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ (يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَصْفِ) وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِهِ (ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ (إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤْجِرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي دِفْنِ الدَّارِ) بِكَسْرِ الدَّال أَيْ: الْمَدْفُونِ بِهَا (مَنْ وَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ) لِتَرَجُّحِهِ بِالْوَصْفِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ، وَالتِّسْعِينَ: مَنْ ادَّعَى شَيْئًا، وَوَصَفَهُ دُفِعَ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ، إذَا جُهِلَ رَبُّهُ وَلَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ يَدٌ مِنْ جِهَةِ مَالِكِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَلَا يَجُوزُ) لِلْمُلْتَقِطِ (دَفْعُهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ لِطَالِبِهَا (بِغَيْرِ وَصْفٍ وَلَا بَيِّنَةٍ وَلَوْ ظَهَرَ صِدْقُهُ) لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ،.
وَيَضْمَنُ الدَّافِعُ إنْ جَاءَ آخَرُ مَثَلًا وَوَصَفَهَا وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ وَلِلْمُلْتَقِطِ مُطَالَبَةُ آخِذِهَا بِهَا، إنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَجِيءَ رَبِّهَا، وَطَلَبَهُ بِهَا،؛ وَلِأَنَّهَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ.
(وَإِنْ) وَصَفَهَا إنْسَانٌ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ (أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ، أَخَذَهَا مِنْ الْوَاصِفِ)؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْوَصْفِ.
(فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْوَاصِفِ ضَمِنَهَا) الْوَاصِفُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ كَالْغَاصِبِ.
(وَلَمْ يَضْمَنْ الدَّافِعُ، وَهُوَ الْمُلْتَقِطُ، إنْ كَانَ الدَّافِعُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ)؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إذَنْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ كَالْمُكْرَهِ.
(وَلَا يَرْجِعُ الْوَاصِفُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِمَا يَغْرَمُهُ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَلْ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ (وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّفْعُ) مِنْ الْمُلْتَقِطِ لِلْوَاصِفِ (بِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ)؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ (لِوُجُوبِهِ) أَيْ: الدَّفْعِ (عَلَيْهِ) لِمَنْ وَصَفَهَا لِمَا تَقَدَّمَ.
وَإِنْ كَانَ الْوَاصِفُ أَخَذَ بَدَلَهَا لِتَلَفِهَا عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ لَمْ يُطَالِبْهُ ذُو الْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْوَاصِفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ لَهُ.
(مَثَلًا وَمُؤْنَةُ رَدِّهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (عَلَى رَبِّهَا) إنْ احْتَاجَتْ لِذَلِكَ كَالْوَدِيعَةِ.
(وَلَوْ قَالَ مَالِكُهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ بَعْدَ تَلَفِهَا فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ بِلَا تَفْرِيطٍ (أَخَذْتَهَا لِتَذْهَبَ بِهَا) لَا لِتُعَرِّفَهَا فَأَنْتَ ضَامِنٌ (وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ: بَلْ) أَخَذْتُهَا (لِأُعَرِّفَهَا فَقَوْلُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ.
(وَإِنْ وَجَدَ) مُشْتَرٍ (فِي حَيَوَانٍ اشْتَرَاهُ، كَشَاةٍ وَنَحْوِهَا نَقْدًا فَ) هُوَ (لُقَطَةٌ لِوَاجِدِهِ يُعَرِّفُهَا) أَيْ: يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ (وَيَبْدَأُ) فِي التَّعْرِيفِ (بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ) الشَّاةُ (ابْتَلَعَتْهَا فِي مِلْكِهِ)،.
(كَمَا لَوْ وَجَدَ صَيْدًا مَخْضُوبًا أَوْ فِي أُذُنِهِ قُرْطٍ، أَوْ فِي عُنُقِهِ خَرَزٌ) فَإِنَّهُ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِضَابَ، وَنَحْوَهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
(وَإِنْ اصْطَادَ سَمَكَةً مِنْ الْبَحْرِ فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ) أَيْ: الدُّرَّةُ (لَهُ) لِلصَّائِدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلَاعُهَا مِنْ مَعْدِنِهَا؛ لِأَنَّ الدُّرَّ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ قَالَ تَعَالَى {وَتَسْتَخْرِجُونَ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.
(وَإِنْ بَاعَهَا) أَيْ: السَّمَكَةَ (غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا) أَيْ: بِالدُّرَّةِ (لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) أَيْ: الصَّيَّادِ (عَنْهَا) أَيْ: الدُّرَّةِ (فَتُرَدُّ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَبِعْهُ، وَيَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ (كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا لَهُ فِيهَا مَالٌ) مَدْفُونٌ (لَمْ يَعْلَمْ بِهِ).
وَإِنْ (وَجَدَ) الصَّيَّادُ (فِي بَطْنِهَا) أَيْ: السَّمَكَةِ (مَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلْآدَمِيِّ كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ) وَجَدَ فِيهِ دُرَّةً أَوْ غَيْرهَا مَثْقُوبَةً أَوْ مُتَّصِلَةً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ (غَيْرِهِمَا) فَلُقَطَةٌ لَا يَمْلِكُهَا الصَّيَّادُ بَلْ يُعَرِّفُهَا (أَوْ) وَجَدَ مَا ذُكِرَ (فِي عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ وَلَوْ) كَانَ النَّهْرُ (مُتَّصِلًا بِالْبَحْرِ فَلُقَطَةٌ) عَلَى الصَّيَّادِ تَعْرِيفُهَا عَمَلًا بِالْقَرَائِنِ.
(وَإِنْ وَجَدَهَا) أَيْ: الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ أَوْ الدُّرَّةَ الْمَثْقُوبَةَ الْمَثْقُوبَةَ وَنَحْوَهَا (الْمُشْتَرِي) لِلسَّمَكَةِ (فَالتَّعْرِيفُ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ.
(وَإِنْ اصْطَادَهَا) السَّمَكَةَ (مِنْ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِالْبَحْرِ فَكَالشَّاةِ فِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي بَطْنِهَا مِنْ دُرَّةٍ مَثْقُوبَةٍ لُقَطَةٌ)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ، وَالنَّهْرَ غَيْرَ الْمُتَّصِلِ لَيْسَ مَعْدِنًا لِلدُّرِّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْبَحْرِ، وَكَانَتْ الدُّرَّةُ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ أَنَّهَا لِلصَّيَّادِ.
(وَإِنْ وَجَدَ) إنْسَانٌ (عَنْبَرَةً عَلَى السَّاحِلِ فَحَازَهَا فَهِيَ لَهُ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَحْرَ قَذَفَ بِهَا فَهِيَ مُبَاحَةٌ، وَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى السَّاحِلِ فَلُقَطَةٌ يُعَرِّفُهَا.
(وَمَنْ أُخِذَ مَتَاعُهُ، كَثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ) حَمَّامٍ وَتُرِكَ لَهُ بَدَلُهُ فَلُقَطَةٌ (أَوْ أُخِذَ مَدَاسُهُ وَتُرِكَ بَدَلُهُ فَلُقَطَةٌ) لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَارِقَ الثِّيَابِ، وَنَحْوِهَا لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَالِكِهَا مُعَاوَضَةٌ تَقْتَضِي زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْهَا فَإِذَا أَخَذَهَا فَقَدْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ وَلَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَيُعَرِّفُهُ كَاللُّقَطَةِ.
(وَيَأْخُذُ) رَبُّ الثِّيَابِ، وَنَحْوِهَا (حَقَّهُ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا تَرَكَ لَهُ (بَعْدَ تَعْرِيفِهِ) مِنْ غَيْرِ رَفْعِهِ إلَى حَاكِمٍ قَالَ الْمُوَفَّقُ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا لِمَنْ سُرِقَتْ ثِيَابُهُ بِحُصُولِ عِوَضٍ عَنْهَا، وَنَفْعًا لِلْآخَرِ إنْ كَانَ سَارِقًا بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ مِنْ الْإِثْمِ، وَحِفْظًا لِهَذِهِ الثِّيَابِ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ الْمَتْرُوكَةُ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الْمَأْخُوذِ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهَا بِقَدْرِ قِيمَةِ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فَاضِلٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ وَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا بِتَرْكِهَا عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي.
(وَمَنْ وَجَدَ لُقَطَةً بِدَارِ حَرْبٍ حَرْبٍ وَهُوَ) أَيْ: الْوَاجِدُ (فِي الْجَيْشِ عَرَّفَهَا سَنَةً، ابْتِدَاؤُهَا) أَيْ: السَّنَةِ (فِي الْجَيْشِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدِهِمْ.
(وَ) يُعَرِّفُهَا (بَقِيَّتَهَا) أَيْ: بَقِيَّةَ السَّنَةِ (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ) إذَا تَمَّ تَعْرِيفُهَا (وَضَعَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (فِي الْمَغْنَمِ)؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا بِقُوَّةِ الْجَيْشِ فَأَشْبَهَتْ مُبَاحَاتِ دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُلْتَقِطُ (دَخَلَ) دَارَ الْحَرْبِ (بِأَمَانٍ عَرَّفَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (فِي دَارِهِمْ) حَوْلًا؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ (ثُمَّ هِيَ) أَيْ: اللُّقَطَةُ (لَهُ) أَيْ: لِوَاجِدِهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَيْشٍ، فَكَالَّتِي قَبْلَهَا) أَيْ: يَضَعُهَا فِي الْمَغْنَمِ لِمَا تَقَدَّمَ،.
وَإِنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ مُتَلَصِّصًا فَوَجَدَ لُقَطَةً عَرَّفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةٌ لَهُ ثُمَّ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ غَنِيمَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَنِيمَةً لَهُ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَإِنْ وَجَدَ لُقَطَةً فِي غَيْرِ طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ) أَيْ: مَسْلُوكٍ (فَهِيَ لُقَطَةٌ) تُعَرَّفَ، كَالَّتِي فِي الطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ.

.فَصْلٌ: في أحكامِ الْمُلْتَقِطِ ووجوبِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ:

وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ حَوْلًا وَمِلْكِهَا بَعْدَهُ (بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ، فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالِاحْتِشَاشِ، وَالِاصْطِيَادِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، وَتَقَدَّمَ (وَيَضُمُّ) أَيْ: يَضُمُّ الْحَاكِمُ إذَا عَلِمَ بِهَا (إلَى الْكَافِرِ، وَالْفَاسِقِ أَمِينًا فِي تَعْرِيفِهَا، وَحِفْظِهَا) قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤْمَنَانِ عَلَى تَعْرِيفِهَا وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُخِلَّا فِي التَّعْرِيفِ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْمُشْرِفِ عَلَى الْكَافِرِ وَقَالَا: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْمُشْرِفَ حِفْظُهَا مِنْهُ اُنْتُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ، وَتُرِكَتْ فِي يَدِ عَدْلٍ فَإِذَا عَرَّفَهَا، وَتَمَّتْ السَّنَةُ مَلَكَهَا مُلْتَقِطُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ مِنْهُ.
(وَإِنْ وَجَدَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (صَغِيرٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ مَجْنُونٌ) صَحَّ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَكَسُّبٍ كَالِاصْطِيَادِ، وَ(قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا)؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِوَاجِدِهَا حَقُّ التَّمَلُّكِ فِيهَا فَكَانَ عَلَى وَلِيِّهِ الْقِيَامُ بِهَا (فَإِذَا عَرَّفَهَا) الْوَلِيُّ (فَهِيَ لِوَاجِدِهَا)؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَمَّ بِشَرْطِهِ وَلَوْ كَانَ الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا فَعَرَّفَهَا بِنَفْسِهِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ التَّعْرِيفَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ انْتَهَى.
وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا الصَّغِيرُ وَلَا الْوَلِيُّ فَنَصَّ الْإِمَامُ إنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا دَفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا قَدْ مَضَى أَجَلُ التَّعْرِيفِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّنِينَ، وَهَذَا يُؤَيِّدَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِعُذْرٍ كَتَأْخِيرِهِ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مِنْ أَهْلِ الْعُذْرِ.
(وَإِنْ تَرَكَهَا الْوَلِيُّ بِيَدِهِ) أَيْ: يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ (بَعْدَ عِلْمِهِ) أَيْ: الْوَلِيِّ بِهَا (ضَمِنَهَا الْوَلِيُّ)؛ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مُوَلِّيهِ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِيَدِ أَحَدِهِمْ) أَيْ: الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ السَّفِيهِ (بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ) مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ الْوَلِيِّ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهَا كَالْأَمَانَةِ.
(وَإِنْ فَرَّطَ) فِيهَا وَاجِدُهَا الصَّغِيرُ أَوْ السَّفِيهُ أَوْ الْمَجْنُونُ فَتَلِفَتْ (ضَمِنَهَا فِي مَالِهِ كَإِتْلَافِهِ، وَكَعَبْدٍ).
(وَلِلْعَبْدِ الْتِقَاطُهَا) لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الصَّغِيرُ، وَيَصِحُّ مِنْهُ، فَصَحَّ مِنْ الرَّقِيقِ.
(وَ) لِلْعَبْدِ إذَا الْتَقَطَهَا (تَعْرِيفُهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ كَاحْتِطَابِهِ وَاحْتِشَاشِهِ، وَاصْطِيَادِهِ)؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ.
(وَلَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (إعْلَامُ سَيِّدِهِ الْعَدْلِ بِهَا إنْ أَمِنَهُ) عَلَيْهَا (وَإِلَّا) يَأْمَنْ سَيِّدَهُ عَلَيْهَا (لَزِمَ) الْعَبْدَ (سَتْرُهَا عَنْهُ) أَيْ: عَنْ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا، وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَيُسَلِّمُهَا لِلْحَاكِمِ لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَدْفَعَهَا إلَى سَيِّدِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ.
(وَلِسَيِّدِهِ الْعَدْلِ أَخْذُهَا مِنْهُ) لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ عَرَّفَهَا وَأَدَّى الْأَمَانَةَ فِيهَا فَتَلِفَتْ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِتَفْرِيطِ أَحَدِهِمَا (أَوْ تَرْكُهَا) أَيْ: وَلِسَيِّدِهِ تَرْكُهَا (مَعَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (لِيُعَرِّفَهَا إنْ كَانَ) الْعَبْدُ (عَدْلًا) فَيَكُونُ السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِهِ فِي حِفْظِهَا كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حِفْظِ سَائِرِ مَالِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ أَمِينٍ كَانَ السَّيِّدُ مُفَرِّطًا بِإِقْرَارِهَا فِي يَدِهِ فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِهِ.
وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ كَانَ لَهُ انْتِزَاعُ اللُّقَطَةِ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ.
(فَإِنْ أَتْلَفَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (الْعَبْدُ أَوْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِتَفْرِيطِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَفِي رَقَبَتِهِ) ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ فَكَانَ ضَمَانُهُ فِي رَقَبَتِهِ كَغَيْرِ اللُّقَطَةِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ (أُمُّ وَلَدٍ، وَمُدَبَّرٌ، وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ).
(لَكِنْ إنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِتَفْرِيطِ أُمِّ الْوَلَدِ فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَتْهُ) كَسَائِرِ إتْلَافَاتِهَا.
(وَالْمُكَاتَبُ) فِي الْتِقَاطِ (كَالْحُرِّ)؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَهَذَا مِنْهَا، وَمَتَى عَادَ قِنًّا بِعَجْزِهِ كَانَتْ كَلُقَطَةِ الْقِنِّ.
(وَ) لُقَطَةُ (مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ سَيِّدِهِ) عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ (وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْمُبَعَّضِ، وَسَيِّدِهِ (مُهَايَأَةٌ) أَيْ: مُوَافَقَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ كَسْبُهُ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَلِسَيِّدِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً (وَكَذَا حُكْمُ نَادِرِ مَنْ كَسْبُهُ كَهِبَةٍ، وَهَدِيَّةٍ، وَوَصِيَّةٍ وَرِكَازٍ، وَنَحْوِهِ) كَنِثَارٍ يَقَعُ فِي حِجْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ النَّادِرَ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ، وَلَا يُظَنُّ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ.
وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ الْمُلْتَقِطُ بَيْنَ شُرَكَاءَ فَاللُّقَطَةُ بَيْنِهِمْ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِمْ مِنْهُ.
(وَلَوْ اسْتَيْقَظَ نَائِمٌ) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ (فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَالًا لَا يَدْرِي مَنْ صَرَّهُ) أَوْ وَجَدَ فِي كِيسِهِ قُلْتُ: أَوْ جَيْبِهِ مَا لَا يَدْرِي مَنْ وَضَعَهُ فِيهِ (فَهُوَ) أَيْ: الْمَالُ (لَهُ) أَيْ: لِلنَّائِمِ، وَنَحْوِهِ (وَلَا تَعْرِيفَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ لَهُ.