فصل: (فَصْلٌ): قتلُ الموصى له الموصِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): قتلُ الموصى له الموصِي:

(وَإِنْ قَتَلَ الْوَصِيُّ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (الْمُوصِي) قَتْلًا مَضْمُونًا بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْقَتْلُ (خَطَأً، أَوْ قَتَلَ مُدَبَّرٌ سَيِّدَهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) وَالتَّدْبِيرُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْهَا فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ (وَإِنْ أَوْصَى لِقَاتِلِهِ لَمْ تَصِحَّ) الْوَصِيَّةُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجُرْحِ لَمْ تَبْطُلْ) وَصِيَّتُهُ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يُبْطِلُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا (وَكَذَا فِعْل مُدَبَّرٍ بِسَيِّدِهِ) فَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ ثُمَّ دَبَّرَهُ وَمَاتَ السَّيِّدُ لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ لِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلَ تَدْبِيرُهُ وَتَقَدَّمَ قَالَ الْحَارِثِيُّ وَكَذَلِكَ الْعَطِيَّةُ الْمُنْجَزَةُ فِي الْمَرَضِ إذَا وُجِدَ الْقَتْلُ مِنْ الْمُعْطَى.
(وَإِنْ وَصَّى لِصِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ أَوْ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ) الثَّمَانِيَةِ (صَحَّ) الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَلِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ بِدَلِيلِ الزَّكَاةِ وَالْوَقْفِ (وَيُعْطُونَ بِأَجْمَعِهِمْ) بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الزَّكَاةِ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ أَنَّ آيَةَ الزَّكَاةِ أُرِيدَ بِهَا بَيَانُ مَنْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّةُ أُرِيدَ بِهَا مَنْ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي.
(وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطِي كُلَّ صِنْفٍ) حَيْثُ أَوْصَى لِجَمِيعِهِمْ (ثُمُنَ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ وَصَّى لِثَمَانِ قَبَائِلَ وَيَكْفِي مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) شَخْصٌ (وَاحِدٌ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيعَابِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِثَلَاثَةٍ عُيِّنُوا حَيْثُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ لِإِضَافَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَعْيَانِهِمْ (وَيُسْتَحَبُّ إعْطَاءُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ) وَالدَّفْعُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ.
(وَتَقْدِيمُ أَقَارِبِ الْمُوصِي) لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ (وَلَا يُعْطِي إلَّا الْمُسْتَحِقَّ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) أَيْ: الْمُوصِي كَالزَّكَاةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ فَقِيرٌ تَقَيَّدَ بِالْأَقْرَبِ إلَيْهِ (وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ) بَيْنَهُمْ فَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ كَمَا لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ (وَيُعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَدْرَ الَّذِي يُعْطَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ) عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ.
(وَإِنْ وَصَّى لِلْفُقَرَاءِ دَخَلَ فِيهِ الْمَسَاكِينُ وَكَذَا الْعَكْسُ) فَإِذَا أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ دَخَلَ فِيهِ الْفُقَرَاءُ لِأَنَّهُمْ كَنَوْعٍ وَاحِدٍ فِيمَا عَدَا الزَّكَاةَ لِوُقُوعِ كُلٍّ مِنْ الِاسْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا) فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ، وَ) يُسْتَحَبُّ (الدَّفْعُ إلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْبُدَاءَةُ بِأَقَارِبِ الْمُوصِي كَمَا تَقَدَّمَ).
وَالْوَصِيَّةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَشْهُورُ عَنْهُ اخْتِصَاصُهَا بِالْغَزْوِ وَعَنْهُ دُخُولُ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(وَإِنْ وَصَّى لِكَتْبِ الْقُرْآنِ أَوْ) كَتْبِ (الْعِلْمِ) النَّافِعِ (صَحَّ) لِأَنَّهُ جِهَةُ قُرْبَةٍ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِمَسْجِدٍ وَتُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ) وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِقَنْطَرَةٍ وَسِقَايَةٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ.
(وَإِنْ وَصَّى بِشِرَاءِ عَيْنٍ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ (وَأَطْلَقَ أَوْ) وَصَّى بِ (بَيْعِ عَبْدِهِ وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يَقُلْ لِزَيْدٍ وَنَحْوِهِ وَلَا بِشَرْطِ عِتْقٍ (فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) لِخُلُوِّهَا عَنْ قُرْبَةٍ (فَإِنْ وَصَّى بِبَيْعِهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ عِتْقَهُ قُرْبَةٌ (وَبَيْعٌ كَذَلِكَ) أَيْ: بِشَرْطِ الْعِتْقِ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِيه كَذَلِكَ بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهَا.
(وَإِنْ وَصَّى بِبَيْعِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بِيعَ بِهِ) أَيْ: بِالثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الرِّفْقَ إمَّا بِالْعَبْدِ لِحُسْنِ مُعَاشَرَةِ الرَّجُلِ، أَوْ بِالرَّجُلِ لِنَفْعِ الْعَبْدِ لَهُ.
(وَإِنْ) وَصَّى بِبَيْعِهِ لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ، وَ(لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا بِيعَ) لَهُ (بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ الْعَدْلُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ لِلرَّجُلِ) لِمَانِعٍ مَا (أَوْ أَبَى) الرَّجُلُ (أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِالثَّمَنِ) الْمُعَيَّنِ (أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْمُوصِي (الثَّمَنَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ.
(وَإِنْ وَصَّى فِي أَبْوَاب الْبِرِّ صُرِفَ فِي الْقُرَبِ كُلِّهَا وَيُبْدَأُ بِالْغَزْوِ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا.
(وَإِنْ قَالَ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ فَلَهُ صَرْفُهُ فِي أَيْ: جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرْبِ وَالْأَفْضَلُ) صَرْفُهُ (إلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ) لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْوَصِيُّ أَقَارِبَ فُقَرَاءَ غَيْرَ وَارِثِينَ لِلْمُوصَيْ لَهُ (فَإِلَى مَحَارِمِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ رَضَاعٍ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) لَهُ مَحَارِمَ مِنْ رَضَاعٍ (فَإِلَى جِيرَانِهِ) الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى مَا يَرَاهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالتَّحَكُّمِ وَلَوْ وَصَّى بِفِكَاكِ الْأَسْرَى أَوْ وَقَفَ مَالًا عَلَى فِكَاكِهِمْ صُرِفَ مِنْ يَدِ الْوَصِيِّ أَوْ وَكِيلِهِ وَلَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ عَلَيْهِ وَيُوفِيَهُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْجِهَاتِ وَمَنْ افْتَكَّ أَسِيرًا غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ جَازَ صَرْفُ الْمَالِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَرَضَ غَيْرُ الْوَصِيِّ مَالًا فَكَّ بِهِ أَسِيرًا جَازَ تَوْفِيَتُهُ مِنْهُ وَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ الْوَصِيُّ فِي افْتِكَاكِهِمْ مِنْ أُجْرَةٍ صُرِفَ مِنْ الْمَالِ.
وَلَوْ تَبَرَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الثَّغْرِ بِفِدَائِهِ وَاحْتَاجَ الْأَسِيرُ إلَى نَفَقَةِ الْإِيَابِ صَرَفَ مِنْ مَالِ الْأَسْرَى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى افْتِكَاكِهِمْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَى بُلُوغِ مَحَلِّهِ قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ (وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ إذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ وَإِذَا قَالَ: يَخْدُمُ عَبْدِي فُلَانًا سَنَةً ثُمَّ هُوَ حُرٌّ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ) عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ) الْوَصِيَّةَ (أَوْ وَهَبَ لَهُ) أَيْ: الْعَبْد (الْخِدْمَةَ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بَعْدَ السَّنَةِ) قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَفِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ.
فَرْعٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَوْ قَالَ الْمُوصِي أَعْتِقْ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا فَأَعْتَقَ مُسْلِمًا أَوْ ادْفَعْ ثُلُثِي إلَى نَصْرَانِيٍّ فَدَفَعَهُ إلَى مُسْلِمٍ ضَمِنَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ (وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدُ زَيْدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيُعْتَقُ فَلَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ أَوْ امْتَنَعَ) سَيِّدُهُ (مِنْ بَيْعِهِ بِالْخَمْسِمِائَةِ أَوْ تَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ بِمَوْتِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ (أَوْ لِعَجْزِ الثُّلُثِ عَنْ ثَمَنِهِ فَالْخَمْسمِائَةِ لِلْوَرَثَةِ) وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِتَعَذُّرِ الْإِيفَاءِ بِهَا.
(وَلَا يَلْزَمُهُمْ شِرَاءُ عَبْدٍ آخَرَ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْمُوصَى بِهِ (وَإِنْ اشْتَرَوْهُ) أَيْ: الْعَبْدَ (بِأَقَلَّ) (مِمَّا قَالَ الْمُوصِي) كَمَا لَوْ اشْتَرَوْهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ (فَالْبَاقِي) مِنْ الثَّمَنِ (لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ لَا مَصْرِفَ لَهُ.
(وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدٌ بِأَلْفٍ فَيُعْتَقُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ اُشْتُرِيَ عَبْدٌ بِالثُّلُثِ) إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةِ) كَالْهِبَةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ لِلدَّوَامِ بِخِلَافِهِمَا.
(قَالَ الشَّيْخُ لَوْ جَعَلَ الْكُفْرَ أَوْ الْجَهْلَ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ تَصِحَّ) الْوَصِيَّةُ (فَلَوْ وَصَّى لِأَجْهَلِ النَّاسِ لَمْ يَصِحَّ) انْتَهَى.
(وَإِنْ وَصَّى مَنْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ صَرَفَ) الْوَصِيُّ (مِنْ ثُلُثِهِ مُؤْنَةَ حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى) لِمَنْ يَحُجَّ (رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا يَدْفَعُ) الْوَصِيُّ (لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ مَا يَحُجَّ بِهِ) مِنْ النَّفَقَةِ (حَتَّى يَنْفَدَ) أَيْ: يَفْرُغَ الْأَلْفُ لِأَنَّهُ وَصَّى بِجَمِيعِهِ فِي جِهَة قُرْبَةٍ فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِيهَا، كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِوَضَ الْمِثْلِ كَالتَّعْوِيضِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْأَلْفُ) لِلْحَجِّ حَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ (أَوْ) صُرِفَ مِنْهُ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ وَلَمْ تَكْفِ (الْبَقِيَّةُ) لِلْحَجِّ (حَجَّ بِهِ) أَيْ: الْبَاقِي (مِنْ حَيْثُ يَبْلُغَ) لِأَنَّ الْمُوصِي قَدْ عَيَّنَ صَرْفَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ فَصُرِفَ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
(وَلَا يَصِحُّ حَجُّ وَصِيٍّ بِإِخْرَاجِهَا) أَيْ: الْأَلْفِ فِي الْحَجِّ (لِأَنَّهُ مُنَفِّذٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ) الْإِنْسَانُ (تَصَدَّقَ عَنِّي) بِكَذَا (لَمْ) يَجُزْ لِلْمَأْمُورِ (أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ) شَيْئًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا حَجُّ (وَارِثٍ) لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُوصِي جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِالنَّفَقَةِ جَازَ (وَيُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ) أَيْ: عَمَّنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ وَلَا حَجَّ عَلَيْهِ (مِنْ الْمِيقَاتِ) حَمْلًا عَلَى أَدْنَى الْحَالَاتِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ، وَلِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا تَنَاوَلَ الْحَجَّ، وَفِعْلُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَطْعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَسَافَةِ لَيْسَ مِنْهُ.
(وَإِنْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدَةً لَمْ يُحَجَّ عَنْهُ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا فَضَلَ لِلْوَرَثَةِ) هَكَذَا فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَسْقَطَ بِأَلْفٍ لَكَانَ مُوَافِقًا لِنُصُوصِ الْإِمَامِ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَرْبٍ إنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي وَلَمْ يُسَمِّ دَرَاهِمَ فَمَا فَضَلَ رَدَّهُ إلَيْهِمْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَمَّا إيجَابُ الْمِثْلِ فَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِيهِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ.
وَأَمَّا أَنَّ الْفَضْلَ لِلْوَارِثِ فَلِحُصُولِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ الْحَجُّ وَالْإِنْفَاقُ فِيهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ لِلْوَارِثِ وَأَمَّا وُجُوبُ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا اقْتَضَى وُجُودَ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْمَرَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ إرَادَةِ الْمُوصِي الزِّيَادَةَ انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِأَلْفٍ يُحَجُّ بِهَا يُصْرَفُ فِي كُلِّ حَجَّةٍ قَدْرُ نَفَقَةٍ حَتَّى يَنْفَدَ وَلَوْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ فَمَا فَضَلَ لِلْوَرَثَةِ، لَكِنَّ صَاحِبَ الْإِنْصَافِ حَكَاهُ مُقَابِلًا لِمَا قَدَّمَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ.
(وَإِنْ قَالَ) حُجُّوا عَنِّي (حَجَّةً بِأَلْفٍ دُفِعَ إلَى مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ) حَجَّةً وَاحِدَةً بِمُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ وَتَنْفِيذًا لَهَا (فَإِنْ عَيَّنَهُ) الْمُوصِي (أَوَّلًا فِي الْوَصِيَّةِ فَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ) حَجَّةً (بِأَلْفٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ إنْ حَجَّ) وَلَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ التَّوَجُّهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التَّجَهُّزِ بِهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْأَخْذُ قَبْلَهُ لَكِنْ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ لِأَنَّ الْمَالَ جُعِلَ لَهُ عَلَى صِفَةٍ فَلَا يُمْلَكُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ أَوْ ضَاعَ بِلَا تَفْرِيطَ (وَلَا يُعْطَى) الْمَالُ (إلَّا أَيَّامَ الْحَجَّ) احْتِيَاطًا لِلْمَالِ وَلِأَنَّهُ مَعُونَةٌ فِي الْحَجِّ، فَلَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ قَبْلَ وَقْتِهِ.
(فَإِنْ أَبَى) الْمُعَيَّنُ (الْحَجَّ وَقَالَ اصْرِفُوا الْفَضْلَ لَمْ يُعْطَهُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي حَقِّهِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهِ إنَّمَا هِيَ بِصِفَةِ الْحَجِّ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِدُونِهَا، وَسَوَاءٌ فِيهِ حَجُّ الْفَرْضِ وَنَفْلُهُ (وَيُحَجُّ عَنْهُ بِأَقَلَّ مَا يُمْكِنُ مِنْ النَّفَقَةِ) لِمِثْلِهِ (وَالْبَقِيَّةُ لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ لَا مَصْرِفَ لَهَا (وَلَهُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ: لِلنَّائِبِ تَأْخِيرُ الْحَجِّ (لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ.
(وَلَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ) أَيْ: قَالَ حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ أَوْ حَجَّةً بِأَلْفٍ (صُرِفَ الْأَلْفُ كَمَا سَبَقَ) إنْ لَمْ يَقُلْ حَجَّةً صُرِفَ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَنْفَدَ وَإِنْ قَالَ حَجَّةً وَكَانَ أَوْصَى لِمُعَيِّنٍ دُفِعَ إلَيْهِ إنْ قَبِلَ (وَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ الْفَاضِلِ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ) لِحَجَّةِ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ.
(وَإِنْ قَالَ قَالَ حُجُّوا عَنِّي حَجَّةً وَلَمْ يُذْكَرْ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ دُفِعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ قَدْرُ نَفَقَةُ الْمِثْلِ فَقَطْ) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا (فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الطَّرِيقِ) بِيَدِ النَّائِب (فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُوصِي) غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى النَّائِبِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِالْإِذْنِ فِي إثْبَاتِ يَدِهِ أَشْبَهَ الْمُودَعَ وَالتَّصَرُّفُ بِالْإِنْفَاقِ لَا يُوجِدُ ضَمَانًا وَلَا يُزِيلُ ائْتِمَانًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ كَمَا فِي إنْفَاقِ الْمُضَارِبِ بِالْإِذْنِ.
(وَلَيْسَ عَلَى النَّائِبِ إتْمَامُ الْحَجِّ) وَلَا يَضْمَنُ مَا كَانَ أَنْفَقَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَوْ أُحْصِرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ لِلْإِذْنِ فِيهِ وَإِنْ رَجَعَ خَشْيَةَ أَنْ يَمْرَضَ وَجَبَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ وَالْعُذْرُ مَوْهُومٌ وَلِلْمَعْذُورِ مِمَّنْ ذُكِرَ نَفَقَةُ الرُّجُوعِ وَإِنْ مَضَى مَنْ ضَاعَتْ مِنْهُ النَّفَقَةُ فَمَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالٍ اسْتَدَانَهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى التَّرِكَةِ إذَا عَادَ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَإِنْ مَضَى هَذَا الضَّائِعُ مِنْهُ النَّفَقَةُ لِلْحَجِّ عَنْ آخَرَ بِنَفَقَةٍ يَأْخُذُهَا جَازَ لِانْقِطَاعِ عَلَقِهِ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَفَادِ نَفَقَتِهِ وَلِانْتِفَاءِ اللُّزُومِ عَلَى الْوَصِيِّ اسْتِنَابَةُ ثِقَةٍ لِأَنَّ فِي الْحَجِّ أَمَانَةٌ فَإِنَّ مِمَّا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ النِّيَّةَ وَلَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَمَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً لَا يَبْرَأُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ.
(وَلَوْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ إلَى ثَلَاثَةٍ صَحَّ صَرْفُهَا) إلَى ثَلَاثَةٍ (فِي عَامٍ وَاحِدٍ) لَإِطْلَاقِ الْوَصِيَّةِ وَإِمْكَانِ الْفِعْلِ قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّأْخِيرِ (وَأَحْرَمَ النَّائِبُ بِالْفُرُوضِ أَوَّلًا إنْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُوصِي (فَرْضٌ) لِتَقَدُّمِهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِهِ قَبْلَهُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ (وَكَذَا إنْ وَصَّى) بِثَلَاثِ حِجَجٍ حِجَجَ وَ(لَمْ يَقُلْ إلَى ثَلَاثَةٍ) وَكَذَا لَوْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ وَأَمْكَنَ أَنْ يُسْتَنَابَ بِهَا جَمَاعَةٌ فِي عَامٍ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلُهُمْ صُرِفَ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى أَيْ: بَعْدَ الصَّرْفِ فِي حَجَّةٍ أُخْرَى كَمَا يَمِيلُ إلَيْهِ كَلَامُ الْحَارِثِيِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْمُبَاشَرَةِ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَّسِعُ لِأَكْثَرَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالنَّائِبِ أَكْثَرَ لِأَنَّ النَّائِبَ إذَا تَعَدَّدَ أَمْكَنَ الِاتِّسَاعُ فَأَمْكَنَ تَعَدُّدُ الْوُقُوعِ.
(وَالْوَصِيَّةُ بِالصَّدَقَةِ) بِمَالٍ (أَفْضَلُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّهُ.
(وَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ) بِكَسْرِ السِّين (أَوْ) وَصَّى (لِقَرَابَتِهِ أَوْ) وَصَّى (لِأَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ لِجِيرَانِهِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَدْخُلْ مَنْ وُجِدَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ كَمَنْ وُجِدَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَمَا لَوْ أَوْصَى بِمَالٍ فِي كِيسٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُتَجَدِّدَ فِيهِ) بَعْدَ الْوَصِيَّةِ.
(وَأَهْلُ سِكَّتِهِ هُمْ أَهْلُ دَرْبِهِ أَيْ: زُقَاقِهِ) بِضَمِّ الزَّاي وَالْجَمْعُ أَزِقَّةٌ قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يُؤَنِّثُونَ الزُّقَاقَ وَالطَّرِيقَ وَالسَّبِيلَ وَالصِّرَاطَ وَالسُّوقَ، وَتَمِيمٌ تُذَكِّرُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ خِطِّهِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَرَبِ يَقُولُهُ بِالضَّمِّ يَسْتَحِقُّهَا أَهْلُ دَرْبِهِ وَمَا قَارَبَهُ مِنْ الشَّارِعِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ وَالْوَصِيَّةَ لِأَهْلِ مَحَلَّتِهِ كَالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ حَارَتِهِ.
تَتِمَّةٌ أَهْلُ الْعِلْمِ مَنْ اتَّصَفَ بِهِ وَأَهْلُ الْقُرْآنِ حَفَظَتُهُ ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ، وَلَوْ وَصَّى (لِجِيرَانِهِ يَتَنَاوَلُ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: الْجَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَيُقَسَّمُ الْمَالُ) الْمُوصَى بِهِ (عَلَى عَدَدِ الدُّورِ وَكُلُّ حِصَّةِ دَارٍ تُقَسَّمُ عَلَى سُكَّانِهَا) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ (وَجِيرَانُ الْمَسْجِدِ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ) لِحَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَة مَعَ «قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْمَى لَمَّا سَأَلَهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَجِبْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَ) إنْ وَصَّى (لِأَقْرَبَ قَرَابَتِهِ أَوْ) وَصَّى بِشَيْءٍ لِ (أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ) وَصَّى بِشَيْءٍ لِ (أَقْرَبِهِمْ بِهِ وَمِمَّا لَا يَدْفَعُ إلَى الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَأَبٌ وَابْنُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ (وَأَخٌ مِنْ أَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ أَخٍ لِأَبٍ) لِأَنَّ مَنْ لَهُ قَرَابَتَانِ أَقْرَبُ مِمَّنْ لَهُ قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ (وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَ) عَلَى غَيْرِهِ (قُدِّمَ وَلَدُهُ) فَيُقَدَّمُ ابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ (إلَّا الْجَدَّ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى بَنِي إخْوَتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي مَعَ أَنَّهُ يَسْتَوِي مَعَ آبَائِهِمْ.
(وَ) إلَّا (أَخَاهُ لِأَبِيهِ) فَإِنَّهُ (يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ لِأَبَوَيْهِ) كَمَا فِي الْإِرْثِ مَعَ أَنَّ الْأَخَ لِأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فِيهَا) أَيْ: الْقَرَابَةِ سَوَاءٌ، فَابْنٌ وَبِنْتٌ (سَوَاءٌ) وَأَخٌ وَأُخْتٌ سَوَاءٌ وَعَمٌّ وَعَمَّةٌ سَوَاءٌ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الِابْنِ وَمِنْ الْجَدِّ وَمِنْ الْإِخْوَةِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(وَأَخٌ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَجَدٌّ) لِأَبٍ (سَوَاءٌ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي بِالْأَبِ بِلَا وَاسِطَةٍ (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَرَابَةِ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ) كَالْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَالْجَدِّ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الْوَقْفِ) بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا (وَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ وَالْأَبُ عَلَى ابْنِ الِابْنِ) لِأَنَّ مَنْ يُدْلِي بِلَا وَاسِطَة أَقْرَبُ مِمَّنْ يُدْلِي بِوَاسِطَةٍ (وَالطِّفْلُ: مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ) قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: الطِّفْل الْوَلَدُ الصَّغِيرُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالدَّوَابِّ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَبْقَى هَذَا الِاسْمُ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ ثُمَّ لَا يُقَالُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ طِفْلٌ بَلْ صَبِيٌّ وَحَزْوَرٌ وَمُرَاهِقٌ وَبَالِغٌ.
(وَصَبِيٌّ وَغُلَامٌ وَيَافِعٌ وَيَتِيمٌ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ إلَى حِينِ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الطِّفْلِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ إلَى حِينِ تَمْيِيزِهِ فَقَطْ فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الطِّفْلِ.
قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي حَدِيثٍ «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعٍ» يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِ الصَّبِيِّ عَلَى ابْنِ سَبْعٍ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَبِيًّا إلَّا إذَا كَانَ رَضِيعًا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: غُلَامٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ ابْنَ تِسْعَ سِنِينَ ثُمَّ يَصِيرَ يَافِعًا إلَى عَشْرٍ وَيُوَافِقُ الْحَدِيثُ قَوْلَ الْجَوْهَرِيِّ الصَّبِيُّ: الْغُلَامُ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: وَيَتِيمٌ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ يَعْنِي وَلَا أَبَ لَهُ وَفِي غَيْر النَّاسِ مَنْ لَا أُمَّ لَهُ فَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَانِ فَالصَّغِيرُ لَطِيمٌ فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَالصَّغِيرُ عُجَيْمٌ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (وَلَا يَشْمَلُ الْيُتْمَ وَلَدَ الزِّنَا) وَلَا مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لِأَنَّ الْيَتِيمَ مَنْ فَقَدْ أَبَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ (وَمُرَاهِقٌ مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَاهَقَ الْغُلَامُ قَارَبَ الْحُلُمَ (وَشَابٌّ وَفَتَى مِنْهُ) أَيْ: الْبُلُوغِ (إلَى الثَّلَاثِينَ) سَنَةً (وَكَهْلٌ مِنْهَا) أَيْ: الثَّلَاثِينَ (إلَى خَمْسِينَ) سَنَةً (وَشَيْخٌ مِنْهَا) أَيْ: الْخَمْسِينَ (إلَى سَبْعِينَ) سَنَةً (ثُمَّ هَرِمٌ) إلَى آخِرِ عُمُرِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْكَهْلُ مَنْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ وَرُئِيَتْ لَهُ بَجَالَةٌ أَوْ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إلَى إحْدَى وَخَمْسِينَ انْتَهَى وَالْبَجَالَةُ مَصْدَرَ بَجُلَ كَعَظُمَ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الْوَقْفِ) أَيْضًا.

.(فَصْلٌ): الْوَصِيَّةُ لَا تَصِحُّ لِكَنِيسَةٍ:

(وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ وَلَا لِحُصْرِهَا وَقَنَادِيلِهَا وَنَحْوِهِ) (وَلَا) لِ (بَيْتِ نَارٍ، وَ) لَا لِ (بِيَعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ، وَ) لَا (دَيْرٍ وَلَا لِإِصْلَاحِهَا وَشُعَلِهَا وَخِدْمَتِهَا وَلَا لِعِمَارَتِهَا) وَلَوْ مِنْ ذِمِّيٍّ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ (وَلَا لِكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالصُّحُفِ وَلَوْ) كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (مِنْ ذِمِّيٍّ لِأَنَّهَا كُتُبٌ مَنْسُوخَةٌ وَالِاشْتِغَالُ بِهَا غَيْرُ جَائِزٍ) لِمَا فِيهَا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ (وَإِنْ وَصَّى بِبِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُونَ) أَيْ: الْمَارُّونَ (مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ صَحَّ) لِأَنَّ بِنَاءَ مَسَاكِنِهِمْ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ.
(وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لَمَلَكٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ (وَلَا لِمَيِّتٍ وَلَا لِجِنِّيٍّ وَلَا لِبَهِيمَةٍ إنْ قَصَدَ تَمْلِيكَهَا) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَلَمْ يَصِحَّ لَهُمْ كَالْهِبَةِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِفَرَسٍ حَبِيسٍ) لِأَنَّهُ جِهَةُ قُرْبَةٍ (مَا لَمْ يُرِدْ تَمْلِيكَهُ) فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِهِ (وَيُنْفَقُ الْمُوصَى بِهِ) لِلْفَرَسِ الْحَبِيسِ (إلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ (فَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ) الْحَبِيسُ (رُدَّ الْمُوصَى بِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ أُنْفِقَ مِنْهُ شَيْءٌ (أَوْ) رُدَّ (بَاقِيه عَلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ لَا مَصْرِفَ لَهُ.
(وَإِنْ شَرَدَ) الْفَرَسُ الْمُوصَى لَهُ (أَوْ سُرِقَ وَنَحْوَهُ) بِأَنْ غُصِبَ (اُنْتُظِرَ عَوْدُهُ) لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ (وَإِنْ لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ عَوْدٍ (رُدَّ) الْمُوصَى بِهِ (إلَى الْوَرَثَةِ) إذْ لَا مَصْرِفَ لَهُ.
(وَلَوْ وَصَّى بِشِرَاءِ فَرَسٍ لِلْغَزْوِ بِ) قَدْرٍ (مُعَيَّنٍ) كَأَلْفٍ (وَمِائَةٍ نَفَقَةً لَهُ فَاشْتُرِيَ) الْفَرَسُ (بِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا عَيَّنَهُ (فَبَاقِيهِ نَفَقَةٌ) لِلْفَرَسِ (لَا إرْثٌ) لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْأَلْفَ وَالْمِائَةَ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفَرَسُ فَهُمَا مَالٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ لِلثَّمَنِ وَبَعْضُهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُ الثَّمَنِ لِتَحْصِيلِ صِفَةٍ فَإِذَا حَصَلَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ فَيَخْرُجُ الثَّمَنُ مِنْ الْمَالِ وَتَبْقَى بَقِيَّتُهُ نَفَقَةً.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِفَرَسِ زَيْدٍ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ زَيْدٌ (وَيَصْرِفُهُ أَيْ: الْمُوصَى بِهِ) لِلْفَرَسِ (فِي عَلَفِهِ) رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي (فَإِنْ مَاتَ) الْفَرَسُ قَبْلَ إنْفَاقِ الْكُلِّ عَلَيْهِ (فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ) أَيْ: وَرَثَةِ الْمُوصِي لَا لِمَالِكِ الْفَرَسِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ، وَهِيَ الصَّرْفُ فِي مَصْلَحَةِ دَابَّتِهِ رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِحَيْثُ يَتَوَلَّى الْمُوصِي أَوْ الْحَاكِمُ الْإِنْفَاقَ لَا الْمَالِكُ.
(وَإِنْ وَصَّى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَعْلَمُ) الْمُوصِي (مَوْتَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) مَوْتَهُ (فَلِلْحَيِّ النِّصْفُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) الْمُوصِي إنَّ الْمُوصَى بِهِ (بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِمَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحَلَّا أَحَدِهِمَا لِلتَّمْلِيكِ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْحَيِّ وَهُوَ النِّصْفُ.
(وَكَذَا إنْ وَصَّى لِحَيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
(وَإِنْ وَصَّى لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثَيْ مَالِهِ فَأَجَازَ سَائِرَ الْوَرَثَةِ وَصِيَّةَ الْوَارِثِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ.
(وَإِنْ وَصَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ وَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ (بِمُعَيَّنٍ قِيمَتُهُمَا الثُّلُثُ فَأَجَازَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَصِيَّةَ الْوَارِثِ جَازَتْ الْوَصِيَّتَانِ لَهُمَا) عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَتْ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ) لِعَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ (وَلِلْأَجْنَبِيِّ الْمُعَيَّنِ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لِلْوَرَثَةِ عَلَيْهِ وَبَطَلَتْ.
(وَلَوْ وَصَّى لَهُمَا) أَيْ: لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ (بِثُلُثِ مَالِهِ فَرَدَّ الْوَرَثَةُ نِصْفَ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَلِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ) وَلِلْوَارِثِ السُّدُسُ، لِأَنَّ الْوَارِثَ يُزَاحِمُ الْأَجْنَبِيَّ مَعَ الْإِجَازَةِ فَإِذَا رَدُّوا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ رَدٍّ.
(وَلَوْ رَدُّوا نَصِيبَ الْوَارِثِ وَأَجَازُوا لِلْأَجْنَبِيِّ فَلَهُ الثُّلُثُ كَإِجَازَتِهِمْ لِلْوَارِثِ) فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لَهُمَا وَيَرُدُّوا عَلَيْهِمَا فَلَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لِأَحَدِهِمَا وَيَرُدُّوا عَلَى الْآخَرِ (وَإِنْ رَدُّوا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ وَنِصْفَ وَصِيَّةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَهُ) أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ (السُّدُسُ) لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا الثُّلُثَ لَهُمَا فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَإِذَا رَجَعُوا فِيمَا لِلْوَارِثِ لَمْ يَزِدْ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى مَالِهِ حَالَ الْإِجَازَةِ لِلْوَارِثِ وَلَوْ أَرَادُوا نَقْصَ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ نِصْفِ وَصِيَّتِهِ لَمْ يَمْلِكُوا ذَلِكَ، أَجَازُوا لِلْوَارِثِ أَوْ رَدُّوا.
(وَلَوْ وَصَّى لَهُ وَلِجِبْرِيلَ) بِثُلُثِ مَالِهِ (أَوْ لَهُ وَلِحَائِطٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ الثُّلُثِ) لِأَنَّ مَنْ أَشْرَكَهُ مَعَهُ لَا يَمْلِكُ فَلَمْ يَصِحَّ التَّشْرِيكُ.
(وَلَوْ وَصَّى لَهُ وَلِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثُلُثِ مَالِهِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيُصْرَفُ مَا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ) كَخُمُسِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ.
(وَلَوْ وَصَّى لَهُ وَلِلَّهِ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَوْ لَهُ وَلِإِخْوَتِهِ) بِشَيْءٍ (قُسِمَ نِصْفَيْنِ) وَصُرِفَ مَا لِلَّهِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ (وَلَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِهِ قُسِمَ) الثُّلُثُ (بَيْنَ زَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ (وَنِصْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ) لِأَنَّهُ قَابَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَاسْتَوَيَا فِي قَدْرِ اسْتِحْقَاقٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: لِزَيْدٍ وَعَمْرِو وَلَوْ قَالَ: لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ فَلِزَيْدٍ الثُّلُثُ وَلَهُمَا الثُّلُثَانِ لِذَلِكَ.
(وَلَوْ كَانَ زَيْدٌ فَقِيرًا لَمْ يَسْتَحِقَّ مَنْ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ شَيْئًا) لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ الْمُغَايِرَةَ وَكَذَا لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَجِيرَانِهِ بِشَيْءٍ لَمْ يُشَارِكْهُمْ زَيْدٌ بِكَوْنِهِ جَارًا.
وَلَوْ وَصَّى لِقَرَابَتِهِ وَالْفُقَرَاءِ فَلِقَرِيبٍ فَقِيرٍ سَهْمَانِ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَصْفُهُ فَجَازَ تَعَدُّدُ اسْتِحْقَاقِهِ بِتَعَدُّدِ وَصْفِهِ.
(وَإِنْ وَصَّى بِهِ) أَيْ: بِالثُّلُثِ (لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُ أَيْ: زَيْدٍ تُسْعٌ فَقَطْ وَالْبَاقِي لَهُمَا) أَيْ: الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (وَلَا يَسْتَحِقُّ مَعَهُمْ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ) شَيْئًا لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ وَصَّى بِمَالِهِ لِابْنَيْهِ وَأَجْنَبِيٍّ) وَلَا وَارِثَ غَيْرَ ابْنَيْهِ (فَرَدَّا وَصِيَّتَهُ لَهُ) أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ (التُّسُعَ) لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ رَجَعَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى الثُّلُثِ وَالْمُوصَى لَهُ ابْنَانِ وَأَجْنَبِيٍّ فَيَكُونُ لِلْأَجْنَبِيِّ التُّسُعُ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ.
(وَلَوْ وَصَّى بِدَفْنِ كُتُبِ الْعِلْمِ لَمْ تُدْفَنْ) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْغَرَضَ نَشْرُ الْعِلْمِ لَا إخْفَاؤُهُ.
(وَلَوْ وَصَّى بِإِحْرَاقِ ثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَصُرِفَ فِي تَجْهِيزِ الْكَعْبَةِ وَتَنْوِيرِ الْمَسَاجِدِ وَلَوْ وَصَّى بِجَعْلِ ثُلُثِهِ فِي التُّرَابِ فِي تَكْفِينِ الْمَوْتَى)، وَلَوْ وَصَّى (بِجَعْلِهِ) أَيْ: الثُّلُثِ (فِي الْمَاءِ صُرِفَ فِي عَمَلِ سُفُنِ الْجِهَادِ) مُحَافَظَةً عَلَى تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُكَلِّفِ مَهْمَا أَمْكَنَ وَإِنْ أَوْصَى بِجَعْلِهِ فِي الْهَوَاءِ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ بادهنج لِمَسْجِدٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُصَلُّونَ قَالَ تِلْمِيذُهُ صَاحِبُ الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ شَيْءٌ انْتَهَى وَلَوْ قِيلَ: يُعْمَلُ بِهِ نَبْلٌ وَنِشَابٌ لِلْجِهَادِ لَمْ يَبْعُدْ.
(وَلَوْ وَصَّى بِكُتُبِ الْعِلْمِ لِآخَرَ صَحَّ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى طَاعَةٍ (وَلَا تَدْخُلُ كُتُبُ الْكَلَامِ) فِي كُتُبِ الْعِلْمِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْكَلَامُ (لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: الْكَلَامُ رَدِيءٌ لَا يَدْعُو إلَى خَيْرٍ لَا يُفْلِحُ صَاحِبُ كَلَامٍ، تَجَنَّبُوا أَصْحَابَ الْجِدَالِ وَالْكَلَامِ وَعَلَيْك بِالسُّنَنِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ وَعَنْهُ لَا يُفْلِحُ صَاحِبُ كَلَامٍ أَبَدًا وَلَا تَرَى أَحَدًا نَظَرَ فِي الْكَلَامِ إلَّا.
وَفِي قَلْبِهِ دَغَلٌ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا حَكَى الْبَغَوِيّ لَوْ كَانَ الْكَلَامُ عِلْمًا لَتَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ كَمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ وَلَكِنَّهُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْآثَارِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْصَارِ أَنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ لَا يُعَدُّونَ فِي طَبَقَاتِ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ (وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُتُبِهِ) أَيْ: الْكَلَامِ (وَلَا) الْوَصِيَّةُ (لِكُتُبِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ، وَ) لَا لِكُتُبِ (السِّحْرِ وَالتَّعْزِيمِ وَالتَّنْجِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِنْ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمُصْحَفٍ لِيُقْرَأَ فِيهِ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ (وَيُوضَعُ بِجَامِعٍ أَوْ مَوْضِعٍ حَرِيزٍ) لِيَحْفَظَهُ.