فصل: (فَصْلٌ: الْحُكْمُ الرَّابِعُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ: الْحُكْمُ الرَّابِعُ):

(الْمُتَمِّمُ لِأَحْكَامِ الْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} وَقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَاءِ مُعَاذٍ «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ ثُمَّ لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» (فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا أَوْ بَاعَهُ) شَيْئًا لَمْ (يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ) بِبَدَلِهِ (حَتَّى يَنْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ بِمُعَامَلَةِ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ لَكِنْ إنْ وَجَدَ الْمُقْرِضُ أَوْ الْبَائِعُ أَعْيَانَ مَالِهِمَا فَلَهُمَا أَخْذُهَا كَمَا سَبَقَ إنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْحَجْرِ.

.(فَصْلٌ: الضَّرْبُ الثَّانِي) حَجْرُ (الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ):

أَيْ حَظِّ الْمَحْجُورِ نَفْسِهِ (وَهُوَ الصَّبِيُّ) أَيْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، (وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ) لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ عَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا سَبَقَ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ عَامٌّ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ وَنَحْوِهِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ) أَيْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ (فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَا ذِمَمِهِمْ قَبْلَ الْإِذْنِ)؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِمْ يُفْضِي إلَى ضَيَاعِ مَالِهِمْ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ (وَمَنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ) أَوْ إلَى أَحَدِهِمْ (مَالَهُ بِبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ.
(وَإِنْ أَتْلَفُوهُ أَوْ أُتْلِفَ فِي أَيْدِيهِمْ) بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ أَوْ لَا (لَمْ يَضْمَنُوا وَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ) لِأَنَّهُ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ، سَوَاءٌ (عَلِمَ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) لِتَفْرِيطِهِ (وَإِنْ جَنَوْا) عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرْفٍ أَوْ جُرْحٍ (فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَعَ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ بِشَرْطِهِ.
(وَيَضْمَنُونَ) أَيْ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ (مَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ إذَا أَتْلَفُوهُ) لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَالِكِ وَالْإِتْلَافُ يَسْتَوِي فِيهِ الْآهِلُ وَغَيْرُهُ وَحُكْمُ الْمَغْصُوبِ كَذَلِكَ، لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ مَالِكِهِ.
وَإِذَا دَفَعَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ مَالَهُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ فَتَلِفَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَدْفُوعِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا تَسْلِيطَ مِنْ الْمَالِكِ وَقَدْ تَلِفَ بِفِعْلِ الْقَابِضِ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَضَمِنَهُ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَالْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا (وَيَأْتِي حُكْمُ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ) إذَا تَلِفَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمْ وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا (وَ) يَأْتِي أَيْضًا فِي الْوَدِيعَةِ حُكْمُ (عَبْدٍ) أُودِعَ (وَمَنْ أَعْطَوْهُ) أَيْ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ أَوْ السَّفِيهَ (مَالًا) بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ (ضَمِنَهُ) أَيْ صَارَ فِي ضَمَانِ آخِذِهِ، لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ دَفْعٌ (حَتَّى يَأْخُذَهُ وَلِيُّهُ) أَيْ وَلِيُّ الدَّافِعِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ قَبْضُهُ (وَيَأْتِي بَعْضُهُ).
(وَإِنْ أَخَذَهُ) أَيْ الْمَالَ إنْسَانٌ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (لَيَحْفَظَهُ) مِنْ الضَّيَاعِ (لَمْ يَضْمَنْهُ) بِذَلِكَ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ (كَمَغْصُوبٍ أَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ) فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعَانَةً عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.
(وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَرَشَدَا) ذَكَرَيْنِ كَانَا أَوْ أُنْثَيَيْنِ (وَلَوْ بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ (انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا بِلَا حُكْمٍ) أَمَّا فِي الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الْآيَةَ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ كَانَ لِجُنُونِهِ فَإِذَا زَالَ وَجَبَ زَوَالُ الْحَجْرِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ.
(وَدُفِعَ إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ عَقَلَ رَشِيدًا (مَالُهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ) لَهُمَا (بِإِذْنِ قَاضٍ، وَ) أَنْ يَكُونَ (بِبَيِّنَةٍ بِالرُّشْدِ، وَ) أَنْ يَكُونَ بِبَيِّنَةٍ (بِالدَّفْعِ لِيَأْمَنَ التَّبِعَةَ) أَيْ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَلَا يَنْفَكُّ) الْحَجْرُ عَنْهُمَا (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ الْبُلُوغِ أَوْ الْعَقْلِ مَعَ الرُّشْدِ (بِحَالٍّ) وَلَوْ صَارَا شَيْخَيْنِ وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجِمِ قَالَ كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَلِي أَمْرَ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ ذِي أَهْلٍ وَمَالٍ، لِضَعْفِ عَقْلِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ يَرَوْنَ الْحَجْرَ عَلَى كُلِّ مُضَيِّعٍ لِمَالِهِ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا.
(وَيَحْصُلُ الْبُلُوغُ) فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ يَقَظَةً أَوْ مَنَامًا بِاحْتِلَامٍ، أَوْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ تَجِبُ عَلَى الْمُحْتَلِمِ الْعَاقِلِ (أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) أَيْ اسْتِكْمَالِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(أَوْ نَبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ الْقَوِيِّ حَوْلَ الْقُبُلِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «لَمَّا حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَأَمَرَ أَنْ يُكْشَفَ عَلَى مُؤْتَزِرِهِمْ فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَهُوَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (دُونَ) نَبَاتِ (الزَّغَبِ الضَّعِيفِ) لِأَنَّهُ يَنْبُتُ لِلصَّغِيرِ (وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ) عَلَى الذَّكَرِ بِشَيْئَيْنِ (بِالْحَيْضِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَالْحَمْلُ لِأَنَّ حَمْلَهَا دَلِيلُ إنْزَالِهَا، فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا مُنْذُ حَمَلَتْ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَائِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ) أَيْ الْوَقْتُ الَّذِي حَكَمَ بِبُلُوغِهَا مِنْهُ (بِمَا قَبْلَ وَضْعِهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ (إذَا كَانَتْ تُوطَأُ) بِأَنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً.
(وَإِنْ طَلُقَتْ وَكَانَتْ لَا تُوطَأُ فَوَلَدْت لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ) وَهِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ (فَأَقَلَّ) مِنْ ذَلِكَ (مُنْذُ طَلُقَتْ فَقَدْ بَلَغْت قَبْلَ الْفُرْقَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ خِلَافُ ذَلِكَ.
(وَ) يَحْصُلُ بُلُوغُ (خُنْثَى) بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (بِسِنٍّ) أَيْ تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ نَبَاتِ) شَعْرٍ خَشِنٍ (حَوْلَ الْفَرْجَيْنِ، أَوْ مَنِيٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ حَيْضٍ مِنْ فَرْجٍ) أَيْ مِمَّا يُشْبِهُ فَرْجَ الْأُنْثَى (أَوْ هُمَا) أَيْ الْحَيْضُ وَالْمَنِيُّ (مِنْ فَرْجٍ وَاحِدٍ أَوْ مَنِيٍّ مِنْ ذَكَرٍ وَحَيْضٍ مِنْ فَرْجِهِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَمْنَى وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ حَاضَتْ وَيَأْتِي حُكْمُ إشْكَالِهِ وَمَا يَزُولُ بِهِ فِي مِيرَاثِهِ (وَلَا اعْتِبَارَ) فِي الْبُلُوغِ (بِغِلَظِ الصَّوْتِ وَ) لَا (فِرْقِ الْأَنْفِ وَ) لَا (نُهُودِ الثَّدْيِ وَ) لَا (شَعْرِ الْإِبِطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ.
(وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ لَا غَيْرُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي صَلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إذَا كَانَ عَاقِلًا وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ فِي الدَّوَامِ فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالٌ) بَعْدَ بُلُوغِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ رُشْدِهِ (وَلَوْ صَارَ شَيْخًا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ مَالُهُ (حَتَّى يُخْتَبَرَ) أَيْ يُمْتَحَنَ (بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَيُؤْنَسَ) أَيْ يُعْلَمَ (رُشْدُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} الْآيَةَ أَيْ فَاخْتَبِرُوهُمْ فَعَلَّقَ الدَّفْعَ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ فَوَجَبَ اخْتِبَارُهُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إلَيْهِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ (فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ، وَهُمْ) أَيْ التُّجَّارُ (مَنْ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي) لِطَلَبِ الرِّبْحِ (فَ) إينَاسُ الرُّشْدِ مِنْهُ (بِأَنْ يَتَكَرَّرَا) أَيْ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ (مِنْهُ فَلَا يُغْبَنُ غَالِبًا غَبْنًا فَاحِشًا وَأَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، كَالْقِمَارِ وَالْغِنَاءِ وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ) كَالْخَمْرِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ (وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ الصَّدَقَةُ بِهِ وَصَرْفُهُ فِي بَابِ بِرٍّ) كَغَزْوٍ وَحَجٍّ.
(وَ) صَرْفُهُ فِي (مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَنْكَحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ: تَبْذِيرًا إذْ لَا إسْرَافَ فِي الْخَبَرِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْإِسْرَافُ مَا صَرَفَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ كَانَ صَرْفُهُ فِي الْمُبَاحِ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ أَوْ كَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَثِقْ بِإِيمَانِهِ أَوْ أَسْرَفَ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَاشِيَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ: أَنَّ الْإِسْرَافَ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي وَالتَّبْذِيرَ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي (وَيُخْتَبَرُ ابْنُ الْمَزَارِعِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّرَاعَةِ وَالْقِيَامِ عَلَى الْعُمَّالِ وَالْقُوَّامِ وَ) يُخْتَبَرُ (ابْنُ الْمُحْتَرِفِ) أَيْ صَاحِبِ الصِّنَاعَةِ (بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ وَ) يُخْتَبَرُ (ابْنُ الرَّئِيسِ وَالصَّدْرِ الْكَبِيرِ، وَ) ابْنُ (الْكَاتِبِ الَّذِينَ يُصَانُ أَمْثَالُهُمْ عَنْ الْأَسْوَاقِ، بِأَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِ نَفَقَتُهُ مُدَّةً لِيُنْفِقَهَا فِي مَصَالِحِهِ فَإِنْ صَرَفَهَا فِي مَصَارِفِهَا وَمَرَافِقِهَا وَاسْتَوْفَى عَلَى وَكِيلِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، وَاسْتَقْصَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَكِيلِهِ (دَلَّ ذَلِكَ عَلَى رُشْدِهِ) فَيُعْطَى مَالَهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْكُلِّ مَا تَقَدَّمَ، فِي ابْنِ التَّاجِرِ مِنْ حِفْظِ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَوْ أَخَّرَهُ وَأَرْجَعَهُ إلَى الْكُلِّ كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ لَكَانَ أَفْيَدُ.
(وَ) إذَا عُلِمَ رُشْدُهُ أُعْطِيَ مَالَهُ (سَوَاءٌ رَشَّدَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.
(قَالَ الشَّيْخُ وَإِنْ نُوزِعَ) أَيْ نَازَعَ وَلِيُّهُ (فِي الرُّشْدِ فَشَهِدَ) بِهِ (شَاهِدَانِ قَبِلَ) الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُمَا وَعَمِلَ بِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الرُّشْدَ (قَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ) كَالنَّسَبِ.
(وَمَعَ عَدَمِهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ (لَهُ الْيَمِينُ عَلَى وَلِيِّهِ) لِعُمُومِ حَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ رُشْدُهُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَكَانَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ (وَلَوْ تَبَرَّعَ) مَنْ لَمْ يُعْلَمْ رُشْدُهُ (وَهُوَ تَحْتَ الْحَجْرِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُشْدِهِ) وَقْتَ التَّبَرُّعِ (نَفَذَ) تَبَرُّعُهُ.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ عُقُودِهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَالْأُنْثَى) إذَا أُرِيدَ اخْتِبَارُهَا (يُفَوَّضُ إلَيْهَا مَا يُفَوَّضُ إلَى رَبَّةِ الْبَيْتِ مِنْ الْغَزْلِ وَالِاسْتِغْزَالِ) أَيْ دَفْعِهَا الْكَتَّانَ وَنَحْوَهُ إلَى الْغَزَّالَاتِ (بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَتَوْكِيلِهَا فِي شِرَاءِ الْكَتَّانِ وَنَحْوِهِ) كَالْقُطْنِ (وَحِفْظِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ الْهِرِّ وَالْفَأْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ وُجِدَتْ ضَابِطَةً لِمَا فِي يَدِهَا مُسْتَوْفِيَةً مِنْ وَكِيلِهَا فَهِيَ رَشِيدَةٌ) يُدْفَعُ إلَيْهَا مَالُهَا وَإِلَّا فَلَا.
(وَوَقْتُ الِاخْتِبَارِ قَبْلَ الْبُلُوغِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} فَظَاهِرُهَا: أَنَّ ابْتِلَاءَهُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ سَمَّاهُمْ يَتَامَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَمَدَّ اخْتِبَارَهُمْ إلَى الْبُلُوغِ بِلَفْظِ حَتَّى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهُ إلَى الْبُلُوغِ يُفْضِي إلَى الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ لِكَوْنِهِ مُمْتَدًّا حَتَّى يُخْتَبَرَ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ (وَلَا يُخْتَبَرُ إلَّا الْمُرَاهِقُ الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْرِفُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ) وَإِلَّا أَدَّى إلَى ضَيَاعِ الْمَالِ وَحُصُولِ الضَّرَرِ (وَبَيْعُ الِاخْتِبَارِ وَشِرَاؤُهُ صَحِيحٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} وَلَا يَأْمُرُ بِغَيْرِ الصَّحِيحِ.

.(فَصْلٌ: حُكْمُ الْوِلَايَةُ عَلَى الصََّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ):

وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (لِأَبٍ) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَقَدَّمَ فِيهَا الْأَبَ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلِكَمَالِ شَفَقَتِهِ (بَالِغٍ رَشِيدٍ عَاقِلٍ حُرٍّ عَدْلٍ وَلَوْ ظَاهِرًا) لِأَنَّ تَفْوِيضَ الْوِلَايَةِ إلَى غَيْرِ مَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ الْحُرِّ الْعَاقِلِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى وَلِيٍّ فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى غَيْرِهِ وَلَكِنْ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى وَلَدِهِ التَّابِعِ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ غَيْرَ بَالِغٍ إذَا أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِابْنِ عَشْرٍ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ فَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ بُلُوغُهُ.
(وَلَوْ) كَانَ الْأَبُ (كَافِرًا) فَلَهُ الْوِلَايَةُ (عَلَى وَلَدِهِ) الْكَافِرِ لِمُسَاوَاتِهِ فِي الْكُفْرِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لَكَافِرٍ (بِ) شَرْطِ (أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ) مُمْتَثِلًا لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ وَاجِبًا، مُنْتَهِيًا عَمَّا يُحَرِّمُونَهُ، مُرَاعِيًا لِلْمُرُوءَةِ.
(ثُمَّ) تَثْبُت الْوِلَايَةُ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ (بَعْدَ الْأَبِ لِوَصِيِّهِ) الْعَدْلِ (وَلَوْ) كَانَ (بِجُعْلٍ وَثَمَّ مُتَبَرِّعٌ) بِالْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْأَبِ أَشْبَهَ وَكِيلَهُ فِي الْحَيَاةِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَلَا وَصِيَّةٌ أَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْجُودًا وَفُقِدَ شَيْءٌ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمَا (لِحَاكِمٍ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْقَطَعَتْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَتَكُونُ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَقَوْلُهُ (كَذَلِكَ) أَيْ بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ قَالَ الْإِمَامُ: أَمَّا حُكَّامُنَا هَؤُلَاءِ الْيَوْمَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا.
(فَلَوْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ إلَى أَحَدٍ) بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ، أَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْجُودًا غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْهِبَةِ (أَقَامَ الْحَاكِمُ أَمِينًا فِي النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ) وَالْمَجْنُونِ لِانْتِقَالِ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ) بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ (فَأَمِينٌ يَقُومُ بِهِ) أَيْ بِالْيَتِيمِ سَأَلَ الْأَثْرَمُ الْإِمَامَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَصِيٌّ وَلَهُمْ أُمٌّ مُشْفِقَةٌ تُدْفَعُ إلَيْهَا.
(وَالْجَدُّ) لَا وِلَايَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُدْلِي بِالْأَبِ فَهُوَ كَالْأَخِ (وَالْأُمِّ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ) لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الْخِيَانَةِ وَمَنْ عَدَا الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا قَاصِرٌ عَنْهُمْ، غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْمَالِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِمَا) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِمَا إلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ لَهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَالْمَجْنُونُ فِي مَعْنَاهُ (فَإِنْ تَبَرَّعَ) بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ (أَوْ حَابَى) بِأَنْ اشْتَرَى بِزِيَادَةٍ أَوْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ (أَوْ زَادَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا) بِالْمَعْرُوفِ (أَوْ) زَادَ عَلَى النَّفَقَةِ (عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ) مِنْ زَوْجَةٍ وَنَحْوِهَا (بِالْمَعْرُوفِ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ كَتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِمَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَمُرَادُهُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاجِبِ لَا مُطْلَقًا.
(وَلِوَلِيِّهِمَا: الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ كَ) إنْفَاقِهِ عَلَى (لَقِيطٍ) بِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ لِوِلَايَتِهِ.
(وَلَوْ أَفْسَدَ) طِفْلٌ أَوْ مَجْنُونٌ (نَفَقَتَهُ دَفَعَهَا) الْوَلِيُّ (إلَيْهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ) دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ وَعُلِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُفْسِدْهَا يَجُوزُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ (فَإِنْ أَفْسَدَهَا) الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِإِتْلَافِهَا أَوْ دَفْعِهَا لِغَيْرِهِ (أَطْعَمَهُ) الْوَلِيُّ (مُعَايَنَةً) أَيْ، حَالَ كَوْنِهِ مُعَايِنًا لَهُ، وَإِلَّا كَانَ مُفَرِّطًا (وَلَوْ أَفْسَدَ كِسْوَتَهُ سَتَرَ عَوْرَتَهُ فَقَطْ فِي بَيْتٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّحَيُّلُ) عَلَى إبْقَائِهَا عَلَيْهِ (وَلَوْ بِتَهْدِيدٍ وَزَجْرٍ وَصِيَاحٍ عَلَيْهِ وَمَتَى أَرَاهُ) الْوَلِيُّ (النَّاسَ أَلْبَسَهُ) ثِيَابَهُ (فَإِذَا عَادَ) إلَى الْبَيْتِ (نَزَعَ) الثِّيَابَ (عَنْهُ) وَسَتَرَ عَوْرَتَهُ فَقَطْ.
(وَيُقَيَّدُ الْمَجْنُونُ بِالْحَدِيدِ لِخَوْفٍ) عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَكَذَا يَنْبَغِي لَوْ خِيفَ مِنْهُ.
(وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرْتَهِنَ) الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِمَا لِنَفْسِهِ (أَوْ يَشْتَرِيَ) الْوَلِيُّ (مِنْ مَالِهِمَا) شَيْئًا (لِنَفْسِهِ أَوْ يَبِيعُهُمَا) شَيْئًا مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ (إلَّا الْأَبَ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَوَالِدِهِ مَنْفِيَّةٌ، إذْ مِنْ طَبْعِ الْوَالِدِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَالْمَيْلُ إلَيْهِ وَتَرْكُ حَظِّ نَفْسِهِ لِحَظِّهِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْوَصِيَّ وَالْحَاكِمَ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِمَا إخْرَاجُ زَكَاةِ مَالِهِمَا) مِنْ مَالِهِمَا (وَ) إخْرَاجُ (فِطْرَتِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا) وَكَذَا فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ.
(وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (عَلَيْهِمَا) بِمَالٍ وَلَا إتْلَافٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَأَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ النَّافِذَةُ مِنْهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا كَالْوَكِيلِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يَأْذَنَ لَهُمَا فِي حِفْظِ مَالِهِمَا) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ.
(وَيُسْتَحَبُّ إكْرَامُ الْيَتِيمِ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِ، وَدَفْعُ النَّقْصِ وَالْإِهَانَةِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْيَتِيمِ (فَجَبْرُ قَلْبِهِ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ) لِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُك وَتُدْرِكَ حَاجَتَك ارْحَمْ الْيَتِيمَ، وَامْسَحْ رَأْسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِك يَلِنْ قَلْبُك» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ.
(وَلِوَلِيِّهِمَا مُكَاتَبَةُ رَقِيقِهِمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْصِيلٌ لِمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِمَا إذَا كَانَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ.
(وَ) لِوَلِيِّهِمَا (عِتْقُهُ) أَيْ عِتْقِ رَقِيقِهِمَا (عَلَى مَالٍ إنْ كَانَ فِيهِ حَظٌّ كَمَا تَقَدَّمَ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَيُكَاتِبُهُ عَلَى أَلْفَيْنِ، أَوْ يُعْتِقُهُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى أَلْفَيْنِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا فِيهِ حَظٌّ لَهُمَا لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فِيهَا حَظٌّ فَمَلَكِهَا الْوَلِيُّ كَالْبَيْعِ.
(وَإِنْ كَانَ) مَا ذُكِرَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ (عَلَى مَالٍ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ) أَيْ الْقِنِّ (أَوْ) كَانَ عَلَى مَالٍ (أَقَلَّ) مِنْ قِيمَتِهِ (لَمْ يَجُزْ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ (كَعِتْقِهِ مَجَّانًا) أَيْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَعَنْهُ بِلَا مَصْلَحَةٍ بِأَنْ تُسَاوِي أَمَةٌ مَعَ وَلَدِهَا مِائَةً وَبِدُونِهِ مِائَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ فَيُعْتَقُ الْوَلَدُ لِتَكْثُرَ قِيمَةُ الْأُمِّ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَلَعَلَّ هَذَا كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ (تَزْوِيجُ رَقِيقِهِمَا مِنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لِمَصْلَحَةٍ) وَلَوْ بَعْضًا بِبَعْضٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعْفَافًا عَنْ الزِّنَا وَإِيجَابًا لِنَفَقَةِ الْإِمَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ.
(وَ) لِوَلِيِّهِمَا (السَّفَرُ بِمَالِهِمَا لِتِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا) بِأَنْ عَرَضَ لَهُ سَفَرٌ (فِي مَوَاضِعِ أَمْنِهِ) لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُمَا وَلِأَنَّهُ عَادَةُ الْبَالِغِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَقَوْلُهُ (فِي غَيْرِ الْبَحْرِ) لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَلَا الْمُبْدِعِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ: يَجُوزُ أَيْضًا مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ.
(وَلَا يَدْفَعُهُ) أَيْ يَدْفَعُ الْوَلِيُّ مَالَهُمَا (إلَّا إلَى الْأُمَنَاءِ) لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُمَا فِي دَفْعِهِ لِغَيْرِ أَمِينٍ (وَلَا يُغَرِّرُ) الْوَلِيُّ (بِهِ) أَيْ بِمَالِهِمَا، بِأَنْ يَعْرِضَهُ لِمَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ السَّلَامَةِ وَعَدَمِهَا لِعَدَمِ الْحَظِّ لَهُمَا.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (الْمُضَارَبَةُ) أَيْ التِّجَارَةُ (بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (بِنَفْسِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) فِي نَظِيرِ اتِّجَارِهِ بِهِ (وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ (وَالتِّجَارَةُ بِمَالِهِمَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا) وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ:.
تُسْتَحَبُّ التِّجَارَةُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِقَوْلِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ «اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِئَلَّا تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ» (وَلَهُ) أَيْ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (دَفْعُهُ) أَيْ دَفْعِ مَالِهِمَا (مُضَارَبَةً إلَى أَمِينٍ) يَتَّجِرُ فِيهِ (بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ) لِأَنَّ عَائِشَةَ أَبْضَعَتْ مَالَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ نَائِبٌ عَنْ مَحْجُورِهِ فِي كُلِّ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ.
(وَلَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (إبْضَاعُهُ وَهُوَ) أَيْ إبْضَاعُهُ (دَفْعُهُ) أَيْ مَالِهِمَا (إلَى مَنْ يَتَّجِرُ بِهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَ) لِلْوَلِيِّ أَيْضًا (بَيْعُهُ نَسِيئًا لِمَلِيءٍ وَ) لَهُ (قَرْضُهُ لِمَصْلَحَتِهِ فَيَهِمَا) بِأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ أَكْثَرَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ حَالًّا (كَحَاجَةِ سَفَرٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَالِ (أَوْ غَيْرِهِمَا) فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ.
(وَلَوْ بِلَا رَهْنٍ وَلَا كَفِيلٍ بِهِ) فِعْلُ ذَلِكَ (بِهِمَا) أَيْ بِالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ (أَوْ بِأَحَدِهِمَا أَوْلَى) مِنْ تَرْكِهِ لِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ (فَإِنْ تَلِفَ) الْمَالُ، أَيْ ضَاعَ بِسَبَبِ تَرْكِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ (لَمْ يَضْمَنْ) الْوَلِيُّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ.
(قَالَ الْقَاضِي وَمَعْنَى الْحَظِّ) فِي قَرْضِ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (أَنْ يَكُونَ لِلصَّبِيِّ) أَوْ الْمَجْنُونِ (مَالٌ فِي بَلَدٍ فَيُرِيدُ) الْوَلِيُّ (نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَيُقْرِضُهُ) الْوَلِيُّ (مِنْ رَجُلٍ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لِيَقْتَضِيَهُ بَدَلَهُ، فِي بَلَدِهِ يَقْصِدُ) الْوَلِيُّ (بِذَلِكَ حِفْظَهُ مِنْ الْغَرَرِ) أَيْ الْمُخَاطَرَةِ (فِي نَقْلِهِ) أَيْ الْمَالِ (أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَالِ (الْهَلَاكَ مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ يَكُونُ) الْمَالُ (مِمَّا يَتْلَفُ بِتَطَاوُلِ مُدَّتِهِ أَوْ) يَكُونُ (حَدِيثُهُ خَيْرًا مِنْ قَدِيمِهِ، كَالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا فَيُقْرِضُهُ) الْوَلِيُّ (خَوْفًا مِنْ السُّوسِ، أَوْ) خَوْفًا مِنْ أَنْ (تَنْقُصَ قِيمَتُهُ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ).
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ) أَيْ فِي قَرْضِهِ (حَظٌّ لَمْ يَجُزْ) لِوَلِيِّهِ قَرْضُهُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّبَرُّعَ (وَإِنْ أَرَادَ) الْوَلِيُّ (أَنْ يُودِعَ مَالَهُ) أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ (فَقَرْضُهُ لِثِقَةٍ أَوْلَى) مِنْ إيدَاعِهِ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ.
(وَإِنْ أَوْدَعَهُ) لِلْوَلِيِّ (مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ جَازَ) لَهُ ذَلِكَ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ لِلْوَلِيِّ إنْ تَلِفَ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ (وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (قَرْضُهُ) بِأَنْ رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ (فَلَا يَجُوزُ) قَرْضُهُ (إلَّا لِمَلِيءٍ أَمِينٍ) لِئَلَّا يُعَرِّضَهُ لِلتَّلَفِ وَكَذَا بَيْعُهُ نَسَاءً (وَلَا يُقْرِضُهُ الْوَلِيُّ) لِمُرُوءَةٍ وَمُكَافَأَةٍ (نَصًّا لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ) وَلَا يَقْتَرِضُ وَصِيٌّ وَلَا حَاكِمٌ مِنْهُ شَيْئًا (لِنَفْسِهِ)، كَمَا لَا يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَبِيعُ لَهَا لِلتُّهْمَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَبَ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (هِبَتُهُ بِعِوَضٍ) قَدْرِ قِيمَتِهِ فَأَكْثَرَ أَمَّا بِدُونِهَا فَمُحَابَاةٌ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ.
(وَ) لِلْوَلِيِّ (رَهْنُهُ عِنْدَ ثِقَةٍ لِحَاجَةٍ) وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْتَهِنَ مَالَهُمَا لِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِوَلِيٍّ غَيْرَهُ (وَلِوَلِيِّهِمَا) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (شِرَاءُ الْعَقَارِ لَهُمَا) مِنْ مَالِهِمَا لِيُسْتَغَلَّ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ لَهُمَا (وَ) لَهُ أَيْضًا (بِنَاؤُهُ) أَيْ الْعَقَارِ لَهُمَا (بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِهِ.
وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ: يَبْنِيه بِالْآجُرِّ وَالطِّينِ لَا بِاللَّبَنِ) لِأَنَّهُ إذَا انْهَدَمَ فَسَدَ وَرُدَّ بِأَنَّ كُلَّ الْأَمَاكِنِ لَا يُقْدَرُ فِيهَا عَلَى الْآجُرِّ وَإِنْ وُجِدَ فَبِقِيمَةٍ كَثِيرَةٍ قَالَ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَنْ عَادَتُهُمْ الْبِنَاءُ بِهِ، كَالْعِرَاقِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ (وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ أَحَظَّ مِنْ الْبِنَاءِ، وَهُوَ) أَيْ شِرَاءُ الْعَقَارِ (مُمْكِنٌ بِيَقِينِ تَقْدِيمِهِ) أَيْ الشِّرَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِكَوْنِهِ أَحَظَّ.
(وَلَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ لِيَتِيمٍ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ) وَحُمِلَ النَّصُّ فِي الْمُغْنِي عَلَى يَتِيمٍ يَعْقِلُهَا لِأَنَّهُ يَوْمَ سُرُورٍ وَفَرَحٍ، لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ جَبْرُ قَلْبِهِ وَإِلْحَاقًا بِمَنْ لَهُ أَبٌ كَالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّوْسِعَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ (وَتَحْرُمُ صَدَقَتُهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (بِشَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْأَضَاحِيّ (وَمَتَى كَانَ خَلْطُ قُوتِهِ) أَيْ الْيَتِيمِ بِقُوتِ وَلِيِّهِ (أَرْفَقَ بِهِ وَأَلْيَنَ لِعَيْشِهِ فِي الْخَبْزِ وَأَمْكَنَ فِي حُصُولِ الْأُدْمِ فَهُوَ) أَيْ الْخَلْطُ (أَوْلَى) طَلَبًا لِلرِّفْقِ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} (وَإِنْ كَانَ إفْرَادُهُ) أَيْ الْيَتِيمِ (أَرْفَقَ بِهِ أَفْرَدَهُ) الْوَلِيُّ، مُرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَةِ.
(وَيَجُوزُ) لِلْوَلِيِّ (تَرْكُهُ) أَيْ الْيَتِيمِ (فِي الْمَكْتَبِ) لِيَتَعَلَّمَ مَا يَنْفَعُهُ.
(وَ) لَهُ أَيْضًا (تَعْلِيمُهُ الْخَطَّ وَالرِّمَايَةَ وَالْأَدَبَ وَمَا يَنْفَعُهُ، وَ) لَهُ (أَدَاءُ الْأُجْرَةِ عَنْهُ) مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِ أَشْبَهَ ثَمَنَ مَأْكُولِهِ (وَ) لَهُ (أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ إذَا كَانَتْ مَصْلَحَةً، وَ) لَهُ أَيْضًا (مُدَاوَاتُهُ) أَيْ مُدَاوَاةُ مَحْجُورِهِ لِمَصْلَحَةٍ.
(وَ) لَهُ أَيْضًا (حَمْلُهُ لِيَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ بِأُجْرَةٍ فَيَهِمَا) أَيْ فِي الْمُدَاوَاةِ وَالْحَمْلِ (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ إذَا رَأَى) الْوَلِيُّ (الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ).
(وَلَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (بَيْعُ عَقَارِهِمَا) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، (لِمَصْلَحَةٍ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ زِيَادَةٌ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ الْعَقَارِ (وَأَنْوَاعُ الْمَصْلَحَةِ كَثِيرَةٌ إمَّا لِاحْتِيَاجِ) الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (إلَى نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَيْهِمَا (أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (وَلَيْسَ لَهُ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَقَارِ (الْهَلَاكَ بِغَرَقٍ أَوْ خَرَابٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ يَكُونُ فِي بَيْعِهِ) أَيْ الْعَقَارِ (غِبْطَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالثُّلُثِ، أَوْ يَكُونُ) أَيْ الْعَقَارُ (فِي مَكَان لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) لِكَوْنِهِ لَا غَلَّةَ فِيهِ لِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ مَثَلًا (أَوْ نَفْعُهُ قَلِيلًا فَيَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي لَهُ) عَقَارًا (فِي مَكَان يَكْثُرُ نَفْعُهُ، أَوْ يَرَى) الْوَلِيُّ (شَيْئًا يُبَاعُ فِي شِرَائِهِ غِبْطَةٌ لَا يُمْكِنُهُ شِرَاؤُهُ إلَّا بِبَيْعِ عَقَارِهِ وَقَدْ تَكُونُ دَارُهُ فِي مَكَان يَتَضَرَّرُ الْغُلَامُ بِالْمُقَامِ فِيهِ، كَسُوءِ الْجِوَارِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي لَهُ بِثَمَنِهَا دَارًا يَصْلُحُ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ (الْمُقَامُ بِهَا وَأَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ) فَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَرَاهُ مَصْلَحَةً قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَوْ نَقَصَ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ ذِكْرُهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ انْتَهَى.
وَفِي حَوَاشِي ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ: وَبَيْعُ الْوَلِيِّ بِدُونِ الْقِيمَةِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ يَعْنِي وَيَضْمَنُ النَّقْصَ كَالْوَكِيلِ.
(وَإِنْ وَصَّى لِأَحَدِهِمَا) أَيْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ (بِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ (وَلَا تَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ (نَفَقَتُهُ لِإِعْسَارِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَأَنْ يَكُونُ الْمُوصَى بِهِ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ.
(وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ نَفَقَةً وَاجِبَةً عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (لَمْ يَجُزْ لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (قَبُولُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ وَالْهِبَةُ فِي ذَلِكَ كَالْوَصِيَّةِ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّهِمَا شِرَاءُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ.
(وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرَةِ أَنْ تَلْعَبَ بِلُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ أَيْ بِلَا رَأْسٍ وَلَهُ شِرَاؤُهَا) أَيْ اللُّعَبِ غَيْرِ الْمُصَوِّرَةِ لِمَحْجُورَتِهِ (مِنْ مَالِهَا نَصًّا) لِأَنَّهُ لَا مَحْظُورَ فِيهِ، بَلْ فِيهِ مَصْلَحَةُ التَّمَرُّنِ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْهَا.
(وَ) شِرَاؤُهُ لَهَا (مِنْ مَالِهِ أَوْلَى) لِيُوَفِّرَ لَهَا مَالَهَا (وَتَقَدَّمَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ بَعْضُهُ) وَلِوَلِيِّهَا أَيْضًا: تَجْهِيزُهَا إذَا زَوَّجَهَا بِمَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَفُرُشٍ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحهَا.
(وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوَلِيَّ تَخْلِيصُ حَقِّ مُوَلِّيهِ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (إلَّا بِرَفْعِهِ إلَى وَالٍ يَظْلِمُهُ فَلَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (رَفْعُهُ) أَيْ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّ الظُّلْمَ إلَى نَفْسِهِ (كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَّا بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ) فَإِنَّ لِلْمَالِكِ تَكْلِيفَ الْغَاصِبِ ذَلِكَ، وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُ حَقِّهِ إلَّا بِرَفْعِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِوَالٍ يَظْلِمُهُ جَازَ لَهُ رَفْعُهُ.