فصل: يترب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 مدينة يثرب

هي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي في حرة سبخة مقدار نصف مكة‏.‏

من خصائصها أن من دخلها يشم رائحة الطيب وللعطر فيها فضل رائحة لم توجد في غيرا وأهلها أحسن الناس صوتاً‏.‏

قيل لبعض المدنيين‏:‏ ما بالكم أنتم أطيب الناس صوتاً فقال‏:‏ بها التمر الصيحاني لم يوجد في غيرها من البلاد‏.‏

وبها حب البان يحمل منها إلى سائر البلاد‏.‏

وعن ابن عباس ان النبي عليه السلام حين عزم الهجرة قال‏:‏ اللهم إنك قد أخرجتني من أحب أرضك إلي فأنزلني أحب أرضك إليك‏!‏ فأنزله المدينة ورأى النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن حمامة وقد هاجر فاجتوى المدينة وهو يقول‏:‏ ألا ليت شعري‏!‏ هل ابيتنّ ليلةً بفخٍّ وحولي إذخرٌ وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنّةٍ وهل يبدون لي شامةٌ وطفيل فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ خفت يا ابن السوداء‏!‏ ثم قال‏:‏ اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة وأشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى خيبر والجحفة‏.‏

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن إبراهيم عبد الله وخليله وأنا عبد الله ورسوله وان إبراهيم حرم مكة واني حرمت المدينة ما بين لابتيها عضاهها وصيدها لا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تقطع منها شجرة إلا لعلف البعير‏.‏

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من صبر على لأواء المدينة وشدتها كنت له يوم القيامة شفيعاً أو شهيداً‏.‏

والمدينة مسورة ومسجد النبي عليه السلام في وسطها وقبره في شرقي المسجد وبجنبه قبر وكتب الوليد بن عبد الملك إلى صاحب الروم يطلب منه صناعاً لعمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه أربعين رجلاً من صناع الروم وأربعين من صناع القبط ووجه معهم أربعين ألف مثقال ذهباً وأحمالاً من الفسيفساء‏.‏

فجاء الصناع وخمروا النورة سنة للفسيفساء وجعلوا أساسها بالحجارة وجعلوا أسطوانات المسجد من حجارة مدورة في وسطها أعمدة حديد وركبوها بالرصاص وجعلوا سقفها منقشة مزوقة بالذهب وجعلوا بلاط المحراب مذهباً وجعلوا وجه الحائط القبلي من داخله بازار رخام من أساسه إلى قدر قامة وفي وسط المحراب مرآة مربعة ذكروا أنها كانت لعائشة والمنبر كان للنبي قد غشي بمنبر آخر وقال عليه السلام‏:‏ ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة‏.‏

بها بئر بضاعة‏.‏

روي أن النبي عليه السلام توضأ بمائها في دلو ورد الدلو إلى البئر وشرب من مائها وبصق فيها وكان إذا مرض المريض في أيامه يقول‏:‏ اغسلوه بماء بضاعة فإذا غسل فكأنما أنشط من عقال‏.‏

وقالت أسماء بنت أبي بكر‏:‏ كنا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيام فيعافون‏.‏

بها بئر ذروان ويقال لها بئر كملى هي البئر المشهورة‏.‏

عن ابن عباس‏:‏ طب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مرض مرضاً شديداً فبينا هو بين النائم واليقظان رأى ملكين أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه‏:‏ ما وجعه فقال‏:‏ طب‏!‏ قال‏:‏ ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي‏.‏

قال‏:‏ وأين طبه قال‏:‏ في كربة تحت صخرة في بئر كملى وهي بئر ذروان‏.‏

فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ كلام الملكين فبعث علياً وعماراً مع جمع من الصحابة إلى البئر فنزحوا ماءها حتى انتهوا إلى الصخرة فقلبوها ووجدوا الكربة تحتها وفيها وتر فيها إحدى عشرة عقدة فأحرقوا الكربة بما فيها فزال عنه عليه السلام ما كان به وكأنه أنشط من عقال‏.‏

فأنزل الله تعالى عليه المعوذتين إحدى عشرة آية على عدد عقده‏.‏

بها بئر عروة تنسب إلى عروة بن الزبير قال الزبير بن بكار‏:‏ ماء هذه البئر من مر بالعقيق يأخذه هدية لأهله ورأيت أبي يأمر به فيغلى ثم يأخذه في قوارير يهديه إلى الرشيد وهو بالرقة وقال السري بن عبد الرحمن الأنصاري‏:‏ كفّنوني إن متّ في درع أروى واجعلوا لي من بئر عروة مائي سخنةٌ في الشّتاء باردة الصّي ف سراجٌ في اللّيلة الظّلماء وأهل المدينة الأنصار عليهم الرحمة والرضوان ان الله تعالى أكثر من الثناء عليهم في القرآن‏.‏

وقد خص بعضهم بخاصية لم توجد في غيرهم منهم حمي الدبر وهو عاصم بن الأفلح رضوان الله عليه استشهد وأراد المشركون أن يمثلوا به فبعث الله الزنابير أحاطت به ومنعت المشركين الوصول إليه‏.‏

ومنهم بليع الأرض وهو حبيب بن ثابت رضوان الله عليه صلبه المشركون فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذه ويدفنه فأخذوه وقبل دفنه فقدوه وبلعته الأرض‏.‏

ومنهم غسيل الملائكة وهو حنظلة بن راهب رضوان الله عليه استشهد يوم أحد فبعث الله تعالى فوجاً من الملائكة رفعوه من بين القتلى وغسلوه فسمي غسيل الملائكة ومنهم ذو الشهادتين وهو خزيمة بن ثابت رضوان الله عليه اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً من أعرابي والاعرابي أنكر الشراء فقال رسول الله عليه السلام إني اشتريت منك‏!‏ فقال الاعرابي‏:‏ من يشهد بذلك فقال خزيمة بن ثابت‏:‏ إني أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منك‏.‏

فقال له رسول الله عليه السلام‏:‏ كيف تشهد وما كنت حاضراً فقال‏:‏ يا رسول الله إني أصدقك في أخبار السموات والاخبار عن الله تعالى فما أصدقك في شراء فرس‏!‏ فأمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يجعل شهادته مكان شهادتين‏.‏

ومنهم من اهتز العرش لموته وهو سعد بن معاذ رضوان الله عليه سيد الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اهتز العرش لموت سعد ابن معاذ‏.‏حصن بين نجران والبحرين على تل عال يقال انه من بناء طسم يقال له فج بني تميم لأن المكعبر عامل كسرى غدر بني تميم فيه وسببه أن وهرز عامل كسرى على اليمن بعت أموالاً وطرفاً إلى كسرى فلما كانت ببلاد بني تميم وثبوا عليها وأخذوها فأخبر كسرى بذلك فأراد أن يبعث إليهم جيشاً فأخبر أن بلادهم بلاد سوء قليلة الماء‏.‏

فأشير إليه بأن يرسل إلى عامله بالبحرين أن يقتلهم وكانت تميم تصير إلى هجر للميرة فأمر العامل أن ينادي‏:‏ لا تطلق الميرة إلا لبني تميم‏!‏ فأقبل إليه خلق كثير فأمرهم بدخول المشقر وأخذ الميرة والخروج من باب آخر فيدخل قوم بعد قوم فيقتلهم حتى قتلوا عن آخرهم وبعث بذراريهم في السفن إلى فارس‏.‏

 مغمس

موضع بين مكة والطائف به قبر أبي رغال مر به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر برجمه فصار ذلك سنة من مر به يرجمه‏.‏

قيل‏:‏ إن أبا رغال اسمه زيد بن محلف كان ملكاً بالطائف يظلم رعيته فمر بامرأة ترضع يتيماً بلبن ماعز لها فأخذ الماعز منها فبقي اليتيم بلا لبن فمات وكانت سنة مجدبة فرماه الله تعالى بقارعة أهلكته‏.‏وقيل‏:‏ إن أبرهة بن الصباح لما عزم هدم الكعبة مر بالطائف بجنوده وفيوله فأخرج إليه أبو مسعود الثقفي في رجال ثقيف سامعين مطيعين فطلب أبرهة منهم دليلاً يدله على مكة فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال حتى نزل المغمس فمات أبو رغال هناك فرجم العرب قبره وفيه قال جرير ابن الخطفى‏:‏ إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترمون قبر أبي رغال

 مراكش

مدينة من أعظم مدن بلاد المغرب واليوم سرير ملك بني عبد المؤمن وهي في البر الأعظم بينها وبين البحر عشرة أيام في وسط بلاد البربر‏.‏

وإنها كثيرة الجنان والبساتين ويخرق خارجا الخلجان والسواقي ويأتيها الارزاق من الأقطار والبوادي مع ما فيها من جني الأشجار والكروم التي يتحدث بطيبها في الآفاق‏.‏

والمدينة ذات قصور ومبان محكمة‏.‏

بها بستان عبد المؤمن بن علي أبي الخلفاء وهو بستان طوله ثلاثة فراسخ وكان ماؤه من الآبار فجلب إليها ماء من أعماق تسير تسقي بساتين لها‏.‏

وحكى أبو الربيع سليمان الملتاني ان دورة مراكش أربعون ميلاً‏.‏ينسب إليها الشيخ الصالح سني بن عبد الله المراكشي وكان شيخاً مستجاب الدعوة ذكر أن القطر حبس عنهم في ولاية يعقوب بن يوسف فقال‏:‏ ادع الله تعالى ان يسقينا‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ ابعث إلي خمسين ألف دينار حتى أدعو الله تعالى أن يسقيكم في أي وقت شئتم‏!‏ فبعث إليه ذلك ففرقها على المحاويج ودعا فجاءهم غيث مدرار أياماً فقالوا له‏:‏ كفينا ادع الله أن يقطعه‏!‏ فقال‏:‏ ابعث إلي خمسين ألف دينار حتى أدعو الله أن يقطعه‏.‏

ففعل ذلك ففرق المال على المحاويج ودعا الله تعالى فقطعه‏.‏

والله الموفق‏.‏

 مكة

هي البلد الأمين الذي شرفه الله تعالى وعظمه وخصه بالقسم وبدعاء الخليل عليه السلام‏:‏ رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات‏.‏

واجعله مثابة للناس وأمناً للخائف وقبلةً للعباد ومنشأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعن رسول الله عليه السلام‏:‏ من صبر على حر مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام‏!‏ إنها لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد كان بعدي وما أحلت لي إلا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ويحتش خلاها ولا يلتقط ضالتها إلا لمنشد‏.‏

وعن ابن عباس‏:‏ ما أعلم على الأرض مدينة يرفع فيها حسنة مائةً إلا مكة ويكتب لمن صلى ركعة مائة ركعة إلا مكة ويكتب لمن نظر إلى بعض بنيانها عبادة الدهر إلا مكة ويكتب لمن يتصدق بدرهم ألف درهم إلا مكة‏!‏ وهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جوانبها وبناؤها حجارة سود ملس وبيض أيضاً‏.‏

وهي طبقات مبيضة نظيفة حارة في الصيف جداً إلا أن ليلها طيب وعرضها سعة الوادي وماؤها من السماء ليس بها نهر ولا بئر يشرب ماؤها وليس بجميع مكة شجر مثمر فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار ومزارع ونخيل وميرتها تحمل إليها من غيرها بدعاء الخليل عليه السلام‏:‏ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع إلى قوله من الثمرات‏.‏

وأما الحرم فله حدود مضروبة بالمنار قديمة بينها الخليل عليه السلام وحده عشرة أميال في مسيرة يوم وما زالت قريش تعرفها في الجاهلية والإسلام‏.‏

فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر قريشاً على ما عرفوه فما كان دون المنار لا يحل صيده ولا يختلى خشيشه ولا يقطع شجره ولا ينفر طيره ولا يترك الكافر فيه‏.‏

ومن عجيب خواص الحرم ان الذئب يتبع الظبي فإذا دخل الحرم كف عنه‏!‏ وأما المسجد الحرام فأول من بناه عمر بن الخطاب في ولايته والناس ضيقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال عمر‏:‏ إن الكعبة بيت الله ولا بد لها من فناء‏.‏

فاشترى تلك الدور وزادها فيه واتخذ للمسجد جداراً نحو القامة ثم زاد عثمان فيه ثم زاد عبد الله بن الزبير في اتقانه وجعل فيها عمداً من الرخام وزاد في أبوابه وحسنه‏.‏

ثم زاد عبد الملك بن مروان في ارتفاع حيطانها وحمل السواري إليها من مصر في الماء إلى جدة ومن جدة إلى مكة على العجل وأمر الحجاج فكساها الديباج ثم الوليد بن عبد الملك زاد في حلى البيت لما فتح بلاد الأندلس فوجد بطليطلة مائدة سليمان عليه السلام كانت من ذهب ولها أطواق من الياقوت والزبرجد فضرب منها حلى الكعبة والميزاب فالأولى المنصور وابنه المهدي زادوا في اتقان المسجد وتحسين هيئته والآن طول المسجد الحرام ثلاثمائة ذراع وسبعون ذراعاً وعرضه ثلاثمائة ذراع وخمس عشرة ذراعاً وجميع أعمدة المسجد أربعمائة وأربعة وثلاثون عموداً وأما الكعبة زادها الله شرفاً فإنها بيت الله الحرام‏.‏

إن أول ما خلق الله تعالى في الأرض مكان الكعبة ثم دحا الأرض من تحتها فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى قال وهب‏:‏ لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة حزن واشتد بكاؤه فعزاه الله بخيمة من خيامها وجعلها موضع الكعبة وكانت ياقوتة حمراء وقيل درة مجوفة من جواهر الجنة ثم رفعت بموت آدم عليه السلام فجعل بنوه مكانها بيتاً من حجارة فهدم بالطوفان وبقي على ذلك ألفي سنة حتى أمر الله تعالى خليله ببنائه فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم فبنى الخليل وإسمعيل عليهما السلام على ما ظللته‏.‏

وأما صفة الكعبة فإنها في وسط المسجد مربع الشكل بابه مرتفع على الأرض قدر قامة عليه مصراعان ملبسان بصفائح الفضة طليت بالذهب وطول الكعبة أربعة وعشرون ذراعاً وشبر وعرضها ثلاثة وعشرون ذراعاً وشبر وذرع دور الحجر خمسة وعشرون ذراعاً وارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعاً‏.‏

والحجر من جهة الشام يصب فيه الميزاب وقد ألبست حيطان الحجر مع أرضه الرخام وارتفاعه حقو وحول البيت شاذروان مجصص ارتفاعه ذراع في عرض مثله وقاية للبيت من السيل‏.‏

والباب في وجهها الشرقي على قدر قامة من الأرض طوله ستة أذرع وعشر أصابع وعرضه ثلاثة أذرع وثماني عشرة إصبعاً‏.‏

والحجر الأسود على رأس صخرتين وقد نحت من الصخر مقدار ما دخل فيه الحجر‏.‏

والحجر الأسود حالك على الركن الشرقي عند الباب في الزاوية وهو على مقدار رأس إنسان وذكر بعض المكيين حديثاً رفعوا على مشايخهم انهم نظروا إلى الحجر الأسود عند عمارة ابن الزبير البيت فقدروا طوله ثلاثة أذرع وهو ناصع البياض إلا وجهه الظاهر وارتفاع الحجر من الأرض ذراعان وثلث ذراع وما بين الحجر والباب الملتزم سمي بذلك لالتزامه الدعاء‏.‏

كانت العرب في الجاهلية تتحالف هناك فمن دعا على ظالم هناك أو حلف اثماً عجلت عقوبته وداخل البيت في الحائط الغربي الجزعة على ستة أذرع من قاع البيت وهي سوداء مخططة ببياض طولها اثنا عشر في مثل ذلك وحولها طوق من ذهب عرضه ثلاث أصابع ذكر أن النبي عليه السلام جعلها على حاجبه الأيمن‏.‏

والميزاب متوسط على جدار الكعبة بارز عنه قدر أربعة أذرع وسعته وارتفاع حيطانه كل واحد ثماني أصابع وباطنه صفائح الذهب والبيت مستر بالديباج ظاهره وباطنه ويجدد لباسه كل سنة عند الموسم‏.‏

فإذا كثرت الكسوة خفف عنه وأخذها سدنة البيت وهم بنو شيبة‏.‏

وهذه صفة الكعبة والمسجد الحرام حولها ومكة حول المسجد والحرم حول مكة والأرض حول الحرم هكذا‏.‏

روي عن النبي عليه السلام ان الله تعالى قد وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا كملهم بالملائكة وان الكعبة كالعروس المزفوفة وكل من حجها متعلق بأستارها يسعون معها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها‏.‏

وعن علي‏:‏ ان الله تعالى قال للملائكة‏:‏ إني جاعل في الأرض خليفة قالوا‏:‏ أتجعل فيها من يفسد فيها فغضب عليهم وأعرض عنهم‏.‏

فطافوا بعرش الله سبعاً كما يطوف الناس بالبيت اليوم يسترضونه يقولون‏:‏ لبيك اللهم لبيك‏!‏ ربنا معذرة إليك‏!‏ نستغفرك ونتوب إليك‏!‏ فرضي عنهم وقال‏:‏ ابنوا في الأرض بيتاً يطوف به عبادي من غضبت عليه أرضى عنه كما رضيت عنكم‏.‏

وأما خصائص البيت وعجائبه فإن أبرهة بن الصباح قصده وأراد هدمه فأهلكه الله تعالى بطير أبابيل‏.‏

وذكر أن اساف بن عمرو ونائلة بنت سهيل زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين نصب أحدهما على الصفا والآخر على المروة ليعتبر بهما الناس‏.‏

فلما طال مكثهما وعبدت الأصنام عبدا معها إلى أن كسرهما رسول الله فيهما كسر من الأصنام‏.‏

ومن عجائب البيت أن لا يسقط عليه حمام إلا إذا كان عليلاً وإذا حاذى الكعبة عرقة من طير تفرقت فرقتين ولم يعلها طائر منها‏.‏

وإذا أصاب المطر أحد جوانبها يكون الخصب في تلك السنة في ذلك الجانب فإذا عم المطر جميع الجوانب عم الخصب جميع الجوانب ومن سنة أهل مكة ان من علا الكعبة من عبيدهم يعتقونه وفي مكة من الصلحاء من لم يدخل الكعبة تعظيماً لها‏.‏

وعن يزيد بن معاوية‏:‏ ان الكعبة كانت على بناء الخليل عليه السلام إلى أن بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة فجاءها سيل عظيم هدمها فاستأنفوا عمارتها وقريش ما وجدوا عندهم مالاً لعمارة الكعبة إلى أن رمى البحر بسفينة إلى جدة فتحطمت فأخذوا خشبها واستعانوا بها على عمارتها فلما انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كل قوم أن يكونوا هم الذين يضعونه في موضعه وتفاقم الأمر بينهم حتى تناصفوا على أن يجعلوا ذلك لأول طالع فطلع عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فاحتكموا إليه فقال‏:‏ هلموا ثوباً‏!‏ فأتي به فوضع الركن فيه ثم قال‏:‏ لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ففعلوا ذلك حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ النبي عليه السلام الحجر بيده ووضع في الركن‏.‏

وعن عائشة قالت‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر أمن البيت هو قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ فما بالهم لم يدخلوه في البيت فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن قومك قصرت بهم النفقة‏.‏

قلت‏:‏ فما شأن بابه مرتفعاً قال‏:‏ فعلوا ذلك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية أخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت اني أدخل الحجر في البيت‏.‏

فأدخل عبد الله بن الزبير عشرة من الصحابة حتى سمعوا منها ذلك ثم هدم البيت وبناها على ما حكت عائشة‏.‏

فلما قتل الحجاج ابن الزبير ردها على ما كان وأخذ بقية الأحجار وسد بها الغربي ورصف الباقي في البيت فهي الآن على بناء الحجاج‏.‏

وأما الحجر الأسود فجاء في الخبر انه ياقوتة من يواقيت الجنة وانه يبعث يوم القيامة وله عينان روي أن عمر بن الخطاب قبله وبكى حتى علا نشيجه فالتفت فرأى علياً فقال‏:‏ يا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات واعلم انه حجر لا يضر ولا ينفع‏!‏ ولولا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله ما قبلته‏!‏ فقال علي‏:‏ بلى هو يضر وينفع يا عمر لأن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب عليهم كتاباً وألقمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء وعلى الكافر بالجحود وذلك قول الناس عند الاستلام‏:‏ اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك‏.‏

قال عبد الله بن عباس‏:‏ ليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن الأسود والمقام فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ولولا مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله تعالى‏.‏

ولم يزل هذا الحجر محترماً في الجاهلية والإسلام يقبلونه إلى أن دخلت القرامطة مكة سنة سبع عشرة وثلاثمائة عنوة فنهبوها وقتلوا الحجاج وأخذوا سلب البيت وقلعوا الحجر الأسود وحملوه إلى الاحساء من أرض البحرين حتى توسط فيه الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي بين الخليفة المطيع لله وبين القرامطة سنة خمس وثلاثين فأخذوا مالاً عظيماً وردوه‏.‏

فجاءوا به إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين الجامع ثم حملوه على مكانه‏.‏

وحكي أن رجلاً من القرامطة قال لبعض علماء الكوفة وقد رآه يقبل الحجر ويتمسح به‏:‏ ما يؤمنكم انا غيبنا ذلك الحجر وجئنا بمثله فقال‏:‏ ان لنا فيه علامةً وهي انا إذا طرحناه في الماء وأما المقام فإنه الحجر الذي وقف عليه الخليل عليه السلام حين أذن في الناس بالحج‏.‏

وذرع المقام ذراع وهو مربع سعة أعلاه أربع عشرة إصبعاً في مثلها ومن أسفله مثل ذلك وفي طرفيه طوق من ذهب وما بين الطرفين بارز لا ذهب عليه طوله من نواحيه كلها تسع أصابع وعرضه عشر أصابع وعرضه من نواحيه إحدى وعشرون إصبعاً والقدمان داخلتان في الحجر سبع أصابع وبين القدمين من الحجر إصبعان ووسطه قد استدق من التمسح‏.‏

وهو في حوض مربع حوله رصاص وعليه صندوق ساج في طرفه سلسلتان يقفل عليهما قفلان‏.‏

قال عبد الله بن شعيب بن شيبة‏:‏ ذهبنا نرفع المقام في عهد المهدي فانثلم وهو حجر رخو فخشينا أن يتفتت فكتبنا به إلى المهدي فبعث إلينا ألف دينار فصببناها في أسفله وأعلاه وهو الذي عليه اليوم‏.‏

وبها جبل أبي قبيس وهو جبل مطل على مكة تزعم العوام ان من أكل عليه الرأس المشوي يأمن من وجع الرأس وكثير من الناس يفعلون ذلك والله أعلم بصحته‏.‏

وبها الصفا والمروة وهما جبلان ببطحاء مكة‏.‏

قيل‏:‏ ان الصفا اسم رجل والمروة اسم امرأة زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجراً فوضعا كل واحد على الجبل المسمى باسمه لاعتبار الناس‏.‏

وجاء في الحديث‏:‏ ان الدابة التي هي من اشراط الساعة تخرج من الصفا والواقف على الصفا يكون بحذاء الحجر الأسود والمروة تقابل الصفا‏.‏

وبها جبل ثور أطحل وهو جبل مبارك بقرب مكة يقصده الناس لزيارة الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر حين خرج من مكة مهاجراً‏.‏

وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز‏:‏ إذ أخرجه الذين كفروا الآية يزوره الناس متبركين به‏.‏

وبها ثبير وهو جبل عظيم بقرب منى يقصده الناس زائرين متبركين به لأنه أهبط عليه الكبش الذي جعله الله فداء لإسمعيل عليه السلام وكان قرنه معلقاً على باب الكعبة إلى وقت الغرق قبل المبعث بخمس سنين‏.‏

رآه كثير من الصحابة ثم ضاع بخراب الكعبة بالغرق‏.‏

وتقول العرب‏:‏ أشرق ثبير كيما نغير إذا أرادوا استعجال الفجر‏.‏

وبها جبل حراء وهو جبل مبارك على ثلاثة أميال من مكة يقصده الناس زائرين‏.‏

وكان النبي عليه السلام قبل أن يأتيه الوحي حبب إليه الخلوة وكان يأتي غاراً فيه‏.‏

وأتاه جبرائيل عليه السلام في ذلك الغار وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم ارتقى ذروته ومعه نفر من أصحابه فتحرك فقال عليه السلام‏:‏ اسكن حرا فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد‏!‏ فسكن‏.‏

وبها قدقد وهو من الجبال التي لا يوصل إلى ذروتها وفيه معدن البرام يحمل إلى سائر بلاد وبها بئر زمزم وهي البئر المشهورة المباركة بقرب الكعبة قال مجاهد‏:‏ ماء زمزم إن شربت منه تريد شفاءً شفاك الله وان شربته لظمإ أرواك الله وان شربته لجوع أشبعك الله‏.‏

قال محمد بن أحمد الهمذاني‏:‏ كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها أربعين ذراعاً وفي قعرها ثلاث عيون‏:‏ عين حذاء الركن الأسود وأخرى حذاء أبي قبيس وقل ماؤها في سنة ثلاث وعشرين ومائتين فحفروا فيها تسعة أذرع فزاد ماؤها ثم جاء الله تعالى بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين فكثر ماؤها وذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه إحدى عشرة ذراعاً وهو مطوي والباقي وهو تسع وعشرون ذراعاً منقور في الحجر وذرع تدويرها إحدى عشرة ذراعاً وسعة فمها ثلاث أذرع وثلثا ذراع وعليها ميلان ساج مربعة فيها اثنتا عشرة بكرة يستقى عليها‏.‏

وأول من عمل الرخام عليها وفرش به أرضها المنصور‏.‏

وعلى زمزم قبة مبنية في وسط الحرم عند باب الطواف تجاه باب الكعبة‏.‏

في الخبر‏:‏ ان الخليل عليه السلام ترك إسمعيل وأمه عند الكعبة وكر راجعاً‏.‏

قالت له هاجر‏:‏ إلى من تكلنا قال‏:‏ إلى الله‏.‏

قالت‏:‏ حسبنا الله‏!‏ فأقامت عند ولدها حتى نفد ماؤها فأدركتها الحنة على ولدها فتركت إسمعيل بموضعه وارتقت إلى الصفا تنظر هل ترى عيناً أو شخصاً فلم تر شيئاً فدعت ربها واستسقته ثم نزلت حتى أتت المروة ففعلت مثل ذلك ثم سمعت صوت السباع فخشيت على ولدها فأسرعت نحو إسمعيل فوجدته يفحص الماء من عين قد انفجرت من تحت خده وقيل بل من تحت عقبه فلما رأت هاجر الماء يسري جعلت تحوطه بالتراب لئلا يسيل قيل‏:‏ لو لم تفعل ذلك لكان عيناً جارية‏.‏

قالوا‏:‏ وتطاولت الأيام على ذلك حتى عفتها السيول والأمطار ولم يبق لها أثر‏.‏

وعن علي كرم الله وجهه‏:‏ ان عبد المطلب بينا هو نائم في الحجر إذ أمر بحفر زمزم‏.‏

قال‏:‏ وما زمزم قالوا‏:‏ لا تنزف ولا تهدم يسقي الحجيج الأعظم عند نقرة الغراب الأعصم‏.‏

فغدا عبد المطلب ومعه الحرث ابنه فوجد الغراب ينقر بين أساف ونائلة فحفر هناك فلما بدا الطي كبر فاستشركه قريش وقالوا‏:‏ انه بئر أبينا إسمعيل ولنا فيه حق‏!‏ فتحاكموا إلى كاهنة بني سعد باشراف الشام وساروا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نفد ماؤهم وظمئوا وأيقنوا بالهلاك فانفجرت من تحت خف عبد المطلب عين ماء فشربوا منها وعاشوا‏.‏

وقالوا‏:‏ قد والله قضي لك علينا لا نخاصمك فيها أبداً إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم‏!‏ فانصرفوا فحفر عبد المطلب زمزم فوجد فيها غزالين من ذهب وأسيافاً قلعية كانت جرهم دفنتها فيها وقت خروجهم من مكة فضرب الغزالين بباب الكعبة وأقام سقاية الحاج بمكة والله الموفق‏.‏

وينسب إلى مكة المهاجرون الذين أكثر الله تعالى عليهم من الثناء في كتابه المجيد وخص بعضهم بمزيد فضيلة وهم المبشرة العشرة ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إنهم في الجنة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضوان الله عليهم أجمعين‏.‏

 ملتان

هي آخر مدن الهند مما يلي الصين مدينة عظيمة منيعة حصينة جليلة عند أهل الصين والهند وانها بيت حجهم ودار عبادتهم كمكة لنا‏.‏

وأهلها مسلمون وكفار‏.‏

والمدينة في دولة المسلمين وللكفار بها القبة العظمى والبد الأكبر والجامع مصاقب لهذه القبة والإسلام بها ظاهر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل كل ذلك عن مسعر بن مهلهل‏.‏

وقال الاصطخري‏:‏ مدينة حصينة منيعة دار الملك ومجمع العسكر والملك مسلم لا يدخل المدينة إلا يوم الجمعة يركب الفيل ويدخل المدينة لصلاة الجمعة‏.‏

بها صنم يعظمه الهند ويحج إليه من أقصى بلاد الهند ويتقرب إليه كل سنة بأموال عظيمة لينفق على بيت الصنم والمعتكفين منهم‏.‏

وبيت الصنم قصر مبني في أعمر موضع بين سوق قال مسعر بن مهلهل‏:‏ سمك القبة في الهواء ثلاثمائة ذراع وطول الصنم عشرون ذراعاً وحول القبة بيوت يسكنها خدم الصنم والعاكفون عليه وليس في ملتان عباد الصنم إلا في هذا القصر‏.‏

وصورة الصنم إنسان جالس مربعاً على كرسي وعيناه جوهرتان وعلى رأسه إكليل ذهب ماد ذراعيه على ركبتيه منهم من يقول من خشب ومنهم من يقول من غير خشب ألبس بدنه مثل جلد السختيان الأحمر إلا أن يديه لا تنكشفان وجعل أصابعه من يديه كالقابض أربعة في الحساب وملك ملتان لا يبطل ذلك الصنم لأنه يحمل إليه أموالاً عظيمة يأخذها الملك وينفق على سدنة الصنم شيئاً معلوماً‏.‏

وإذا قصدهم الهند محاربين أخرج المسلمون الصنم ويظهرون كسره أو إحراقه فيرجعون عنهم‏.‏

حكى ابن الفقيه أن رجلاً من الهند أتى هذا الصنم وقد اتخذ لرأسه تاجاً من القطن ملطخاً بالقطران ولأصابعه كذلك وأشعل النار فيها ووقف بين يدي الصنم حتى احترق‏.‏

وينسب إليها هارون بن عبد الله مولى الأزد كان شجاعاً شاعراً ولما حارب الهند المسلمين بالفيل لم يقف قدام الفيل شيء وقد ربطوا في خرطومه سيفاً هذاماً طويلاً ثقيلاً يضرب به يميناً وشمالاً لا يرفعه فوق رأس الفيالين على ظهره ويضرب به فوثب هارون وثبة أعجله بها عن الضرب ولزق بصدر الفيل وتعلق بأنيابه فجال به الفيال جولة كاد يحطمه من شدة ما جال به‏.‏

وكان هارون شديد الخلق رابط الجأش فاعتمد في تلك الحالة على نابيه وأصلهما مجوف فانقلعا من أصلهما وأدبر الفيل وبقي النابان في يد هارون وكان ذلك سبب هزيمة الهند وغنم المسلمون فقال هارون في ذلك‏:‏ مشيت إليه رادعاً متمهّلاً وقد وصلوا خرطومه بحسام فقلت لنفسي‏:‏ إنّه الفيل ضارباً بأبيض من ماء الحديد هذام فإن تنكإي منه فعذرك واضحٌ لدى كلّ منخوب الفؤاد عبام ولمّا رأيت السّيف في رأس هضبةٍ كما لاح برقٌ من خلال غمام فعافسته حتى لزقت بصدره فلمّا هوى لازمت أيّ لزام وعذت بنابيه وأدبر هارباً وذلك من عادات كلّ محامي مليبار ناحية واسعة بأرض الهند تشتمل على مدن كثيرة بها شجرة الفلفل وهي شجرة عالية لا يزول الماء من تحتها وثمرتها عناقيد إذا ارتفعت الشمس واشتد حرها تنضم على عناقيدها أوراقها وإلا أحرقتها الشمس قبل إدراكها وشجر الفلفل مباح إذا هبت الريح سقطت عناقيدها على وجه الماء فيجمعها الناس وكذلك تشنجها ويحمل الفلفل من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وأكثر الناس انتفاعاً به الفرنج يحملونه في بحر الشام إلى أقصى المغرب‏.‏

 منىً

بلدة على فرسخ من مكة طولها ميلان وهي بين جبلين مطلين عليها بها مصانع وآبار وخانات وحوانيت تعمر أيام الموسم وتخلو بقية السنة إلا ممن يحفظها‏.‏

من عجائبها أن الجمار التي ترمى منذ حج الناس إلى زماننا هذا لا يظهر بها من غير أن تكسحها السيول أو يأخذها الناس ولولا الآية الأعجوبة التي فيها لكان ذلك الموضع كالجبال الشاهقة‏.‏

وبها مسجد الخيف ومسجد الكبش وقل أن يكون في الإسلام بلد إلا ولأهله مضرب‏.‏

 مندورفين

مدينة بأرض الهند قال مسعر بن مهلهل‏:‏ بها غياض هي منابت القنا ومنها يحمل الطباشير والطباشير رماد هذا القنا وذلك انها إذا جفت وهبت بها الرياح احتك بعضها ببعض واشتدت فيها الحرارة فانقدحت فيها نار ربما أحرقت مسافة خمسين فرسخاً فرماد هذا مندل مدينة بأرض الهند يكثر بها العود حتى يقال للعود المندل وليس هي منبته فإن منابته لا يصل إليها أحد قالوا‏:‏ ان منابت العود جزائر وراء خط الاستواء ويأتي به الماء إلى جانب الشمال فما انقلع رطباً فإذا أصابته ريح الشمال يبقى رطباً وهو الذي يقال له القامروني وما جف ورمته يابساً فإنه المندلي الثقيل المصمت فإن رسب في الماء فهو غاية جداً ليس فوقه خير منه‏.‏

المنصورة مدينة مشهورة بأرض السند كثيرة الخير بناها المنصور أبو جعفر الثاني من خلفاء بني العباس وفيها ينزل الولاة لها خليج من نهر مهران يحيط بالمدينة وهي في وسطه كالجزيرة إلا أنها شديدة الحر كثيرة البق‏.‏

بها ثمرتان لا توجدان في مدينة غيرها‏:‏ إحداهما الليمو على قدر التفاح والأخرى الانبج على شبه الخوخ‏.‏

وأهل المدينة موافقون على أنهم لا يشترون شيئاً من المماليك السندية وسببه أن بعض رؤسائها من آل مهلب ربى غلاماً سندياً فلما بلغ رآه يوماً مع زوجته فجبه ثم عالجه حتى هدأ وكان لمولاه ابنان‏:‏ أحدهما بالغ والآخر طفل فأخذ الغلام الصبيين وصعد بهما إلى أعالي سور الدار ثم قال لمولاه‏:‏ والله لئن لم تجب نفسك الآن لأرمين بهما‏!‏ فقال الرجل‏:‏ الله الله في وفي ولدي‏!‏ فقال‏:‏ دع عنك هذا والله ما هي إلا نفس وإني لأسمح بها من شربة ماء ‏!‏ وأهوى ليرمي بهما فأسرع الرجل وأخذ مديةً وجب نفسه فلما رأى الغلام ذلك رمى بالصبيين وقال‏:‏ فعلت بك ما فعلت بي وزيادة قتل الولدين‏.‏

فقتل الغلام بأفظ العذاب وأخرج من المدينة جميع المماليك السندية فكانوا يتداولون في البلاد ولا يرغب أحد بالثمن اليسير في شرائهم‏.‏

بها نهر مهران عرضه كعرض دجلة أو أكثر يقبل من المشرق آخذاً جهة الجنوب متوجهاً إلى المغرب حتى يقع في بحر فارس أسفل السند قال الاصطخري‏:‏ مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ويظهر بملتان على حد سمندور ثم على المنصورة ثم يقع في البحر وهو نهر كبير عذب جداً يقال فيه تماسيح كما في النيل وجريه مثل جريه يرتفع على الأرض ثم ينصب ويزرع عليه مثل ما يزرع على النيل بأرض مصر‏.‏

وقال الجاحظ‏:‏ ان تماسيح نهر مهران أصغر حجماً من تماسيح النيل وأقل ضرراً وذكر أنه مهيمة قرية بين مكة والمدينة على ميل من الأبواء‏.‏

بها ماء مهيمة وهو ماء ساكن لا يجري إذا شربته الإبل يأخذها الهيام وهو حمي الإبل لا تعيش الإبل بها‏.‏

والقرية موبأة لفساد مائها‏.‏

نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة بناها نجران بن زيدان بن سبا بن يشجب قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ القرى المحفوظة أربع‏:‏ مكة والمدينة وإيليا ونجران وما من ليلة إلا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ثم لا يعودون إليها أبداً‏.‏

كان بها كعبة نجران بناها عبد المدان بن الريان الحرثي مضاهاة للكعبة وعظموها وسموها كعبة نجران وكان بها أساقفة مقيمون وهم الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمباهلة‏.‏

قال هشام بن الكلبي‏:‏ انها كانت قبة من أدم من ثلاثمائة جلد إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت حاجته أو مسترفد أرفد‏.‏

وكانت القبة على نهر يستغل عشرة آلاف دينار تستغرق القبة جميعها‏.‏ينسب إليها عبد الله بن النامر سيد شهداء نجران قال محمد بن القرطي‏:‏ كان أهل نجران أهل الشرك وكان عندهم ساحر يعلم صبيانهم السحر فنزل بهم رجل صالح وابتنى خيمة بجنب قرية الساحر فجعل أهل نجران يبعثون أولادهم إلى الساحر لتعلم السحر وفيهم غلام اسمه عبد الله وكان ممره على خيمة الرجل الصالح فأعجبه عبادة الرجل فجعل يجلس إليه ويسمع منه أمور الدين حتى أسلم وتعلم منه الشريعة والاسم الأعظم‏.‏

فقال له الرجل الصالح‏:‏ عرفت الاسم الأعظم فاحفظ على نفسك وما أظن أن تفعل‏.‏

فجعل عبد الله إذا رأى أحداً من أصحاب العاهات يقول له‏:‏ إن دخلت في ديني فإني أدعو الله ليعافيك‏!‏ فيقول‏:‏ نعم‏.‏

فيدخل فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد ذو ضربة فرفع أمره إلى الملك فأحضره وقال‏:‏ أفسدت على أهل نجران وخالفت ديني ودين آبائي لأمثلن بك‏!‏ فقال عبد الله‏:‏ أنت لا تقدر على ذلك‏!‏ فجعل يلقيه من شاهق فيقوم سليماً ويرميه في ماء مغرق فيخرج سليماً‏!‏ فقال له عبد الله‏:‏ لا تقدر على قتلي حتى تؤمن بمن آمنت به‏.‏

فوحد الله ودخل في دينه ثم ضربه بعصاً كانت في يده فشجه شجة يسيرة فمات عليها‏.‏

فلما رأى أهل نجران ذلك قالوا‏:‏ آمنا برب عبد الله‏.‏

فحفر الملك اخدوداً وملأها حطباً وأضرم فيه النار وأحضر القوم فمن رجع عن دينه تركه ومن لم يرجع ألقاه في النار فذلك قوله تعالى‏:‏ قتل أصحاب الأخدود‏.‏

وذكر أن عبد الله بن النامر أخرج في زمن عمر بن الخطاب وإصبعه على شجته كما وضعها عليها حين قتل‏.‏

 الندهة

أرض واسعة بالسند بها خلق كثير إلا أنهم كالزط‏.‏

وبها خير كثير وأكثر زروعهم الرز‏.‏

وبها الموز والعسل والنارجيل‏.‏

وبها الجمل الفالج ذو السنامين وهذا الصنف من الإبل لا يوجد إلا هناك يجلب منها إلى خراسان وفارس ويجعل فحلاً للنوق العربية فتولد منهما البخاتي‏.‏

الهند هي بلاد واسعة كثيرة العجائب‏.‏

تكون مسافتها ثلاثة أشهر في الطول وشهرين في العرض وهي أكثر أرض الله جبالاً وأنهاراً وقد اختصت بكريم النبات وعجيب الحيوان ويحمل منها كل طرفة إلى سائر البلاد مع أن التجار لا يصلون إلا إلى أوائلها‏.‏

وأما أقصاها فقلما يصل إليها أهل بلادنا لأنهم كفار يستبيحون النفس والمال‏.‏

والهند والسند كانا أخوين من ولد توقير بن يقطن بن حام بن نوح عليه السلام وهم أهل ملل متلفة‏:‏ منهم من يقول بالخالق دون النبي وهم البراهمة ومنهم من لا يقول بهما ومنهم من يعبد بها من المعدنيات جواهر نفيسة ومن النبات أشياء غريبة ومن الحيوانات حيوانات عجيبة ومن العمارة رفيعة قال أبو الضلع السندي يذكر بلاد الهند وما يجلب منها‏:‏ لقد أنكر أصحابي وما ذلك بالأمثل إذا ما مدح الهند وسهم الهند في المقتل لعمري إنّها أرضٌ إذا القطر بها ينزل يصير الدّرّ والياقوت والدّرّ لمن يعطل فمنها المسك والكافور والعنبر والمندل وأصنافٌ من الطّيب ليستعمل من يتفل وأنواع الأفاويه وجوز الطّيب والسّنبل ومنها العاج والسّاج ومنها العود والصّندل وإنّ التّوتيا فيها كمثل الجبل الأطول ومنها الببر والنّمر ومنها الفيل والدّغفل ومنها الكرك والببغاء والطّاووس والجوزل وأرماحٌ إذا ما هزّت اهتزّ بها الجحفل فهل ينكر هذا الفضل إلاّ الرّجل الأخطل ومن عجائب الهند حجر موسى فإنه يوجد بالليل ولا يوجد بالنهار يكسر كل حجر ولا يكسره حجر‏.‏

ومن عجائبها شجرة كسيوس فإنها شجرة حلوة الثمرة تقع الحمام عليها وتأكل من ثمرتها فيغشى على الحمام فتأتي الحية لقصد الحمام فإن كان على غصن الشجرة أو ظلها لا تقدر الحية أن تقربها‏.‏

ومن عجائبها البيش وهو نبت لا يوجد إلا بالهند سم قاتل أي حيوان يأكل منه يموت ويتولد تحته حيوان يقال له فأرة البيش يأكل منه ولا يضره ومما ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلى الجواري إذا ولدن وفرشوا من هذا النبت تحت مهودهن زماناً ثم تحت فراشهن زماناً ثم تحت ثيابهن زماناً ثم يطعمونهن منه في اللبن حتى تصير الجارية إذا كبرت تتناول منه ولا يضرها ثم بعثوا بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإنه إذا غشيها مات‏.‏

وبها غنم لها ست ألايا‏:‏ إحداها على المكان المعهود والثانية على الصدر والثالثة والرابعة وبها حيات إذا لسعت إنساناً يبقى كالميت فيشدونه على لوح ويلقونه في الماء والماء يذهب به إلى موضع فيه مارستان وعلى الماء من يترصد الملسوعين فيأخذهم ويعالجونهم فيرجع بعد مدة إلى أهله سالماً‏.‏

وبها طير عظيم الجثة جداً قالوا‏:‏ إنه في بعض جزائرها إذا مات نصف منقاره يتخذ مركباً يركب الناس فيه في البحر وعظم ريشه يتخذ آزون الطعام ويسع الواحد منه أحمالاً كثيرة‏.‏

ومن عجائبها مدينة إذا دخلها غريب لم يقدر على المجامعة أصلاً ولو أقام بها ما أقام فإذا خرج عنها زال عنه المانع ورجع إلى حاله‏.‏

قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض الهند بحيرة مقدار عشرة فراسخ في مثلها ماؤها ينبع من أسفلها لا يأتيها شيء من الأنهار‏.‏

وفي تلك البحيرة حيوانات على صورة الإنسان إذا كان الليل يخرج منها عدد كثير يلعبون على ساحل البحر ويرقصون ويصفقون باليدين وفيهم جوار حسناوات‏.‏

ويخرج منها أيضاً حيوانات على غير صورة الإنسان عجيبة الأشكال والناس في الليلة القمراء يقعدون من البعد وينظرون إليهم وكلما كان النظار أكثر كان الخارجون أكثر‏.‏

وربما جاءوا بالفواكه الكثيرة أكلوها وتركوا ما فضل منها على الساحل وإن مات منهم أحد أخرجوه من البحيرة وستروا سوأته بالطين والناس يدفنونه وما دام يبقى على الساحل لا يخرج قال صاحب عجائب الأخبار‏:‏ بأقصى بلاد الهند أرض رملها مخلوط بالذهب وبها نوع من النمل عظام وهي أسرع عدواً من الكلب‏!‏ وتلك الأرض شديدة الحرارة جداً فإذا ارتفعت الشمس واشتدت الحرارة تهرب النمل إلى أسراب تحت الأرض وتختفي فيها إلى أن تنكسر سورة الحر فتأتي الهند بالدواب عند اختفاء النمل ويحمل من ذلك الرمل ويسرع في المشي مخافة أن يلحقهم النمل فيأكلهم‏.‏

قال المسعودي‏:‏ بأرض الهند هيكل عظيم عندهم يقال له بلاذري ليس لهم هيكل أعظم منه له بلد قد وقف عليه وحوله ألف مقصورة فيها جوار موقوفة على الصنم لمن جاءه زائراً‏.‏

ومن جاء سجد له وأقام في ضيافته ثلاثاً وبات عند جارية من جواريه ثم رجع‏.‏

بها جبل قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ على هذا الجبل صورة أسدين يخرج من فمهما ماء كثير يصير ساقيتين عليهما شرب قريتين علي كل ساقية قرية فوقعت بين القريتين خصومة فكسروا فم أحدهما فانقطع ماؤه فأصلح المكسور ليرجع إلى حاله فما أفاد شيئاً‏.‏

وبها نهر كبك وهو نهر عظيم وللهند فيه اعتقاد عظيم من مات من عظمائهم يلقون عظامه في هذا النهر ويقولون إنها تساق إلى الجنة وبين هذا النهر وسومناة مائتا فرسخ يحمل كل يوم من مائه إلى سومناة ليغسلوا به بيوت الأصنام وغيرها يتبركون به‏.‏وبها عين العقاب قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض الهند جبل فيه عين ماء إذا هرمت العقاب تأتب بها أفراخها هذه العين وتغسلها فيها ثم تضعها في الشمس فإن ريشها يتساقط عنها وينبت لها ريش جديد ويزول عنها الضعف وترجع إلى القوة والشباب‏.‏

حكي انه ذكر في مجلس كسرى أنوشروان أن بأرض الهند جبلاً فيه شجر ثمرتها تحيي الموتى فبعث رجلاً إلى بلاد الهند ليأتيه بصحة هذا الكلام فذهب إلى بلاد الهند يسأل عن الجبل حتى اجتمع ببعض البراهمة فقال له‏:‏ هذا الكلام مرموز من كلام الحكماء أرادوا بالجبل الرجل العالم وبالشجرة علمه وبثمرتها فائدة علمه وبالحياة حياة الآخرة‏.‏

فقال كسرى‏:‏ صدق عالم الهند الأمر كما ذكر‏.‏

 يترب

قرية من قرى اليمامة كثيرة النخل قال ابن الكلبي‏:‏ كان بها رجل من العمالقة يقال له عرقوب فأتاه أخ له مستميحاً فقال له عرقوب‏:‏ إذا أطلعت نحلي فلك طلعها‏.‏

فلما أطلعت قال‏:‏ دعها حتى تصير بلحاً فلما أبلحت قال‏:‏ دعها حتى تصير زهواً ثم حتى تصير بسراً ثم حتى تصير رطباً ثم تمراً‏.‏

فلما أتمرت عمد إليها ليلاً فجدها فصار مثلاً في الخلف قال الأصمعي‏:‏ اليمامة ناحية بين الحجاز واليمن أحسن بلاد الله وأكثرها خيراً ونخلاً وشجراً‏.‏

كانت في قديم الزمان منازل طسم وجديس وهما من ولد لاوذ بن ارم بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام‏.‏

أقاموا باليمامة فكثروا بها وملك عليهم رجل من طسم يقال له عمليق بن حياش وكان جباراً ظلوماً يحكم بينهم بما شاء‏.‏

حكي انه احتكم إليه رجل وامرأة في مولود بينهما فقال الزوج واسمه قابس‏:‏ أيها الملك أعطيتها المهر كاملاً ولم أصب منها طائلاً إلا ولداً جاهلاً فافعل ما كنت فاعلاً‏!‏ فقالت الزوجة واسمها هزيلة‏:‏ أيها الملك هذا ولدي حملته تسعاً ووضعته دفعاً وأرضعته شبعاً ولم أنل منه نفعاً حتى إذا تمت فصاله واشتدت أوصاله أراد زوجي أخذه كرهاً وتركي ولهى‏!‏ فقال الزوج‏:‏ إني حملته قبل أن تحمله وكفلت أمه قبل أن تكفله‏!‏ فقالت الزوجة‏:‏ إنه أيها الملك حمله خفاً وأنا حملته ثقلاً ووضعه شهوةً وأنا وضعته كرهاً‏!‏ فلما رأى عمليق متانة حجتها تحير ورأى أن يجعل الغلام في جملة غلمانه حتى يتبين له الرأي فيه فقالت له هزيلة‏:‏ أتينا أخا طسمٍ ليحكم بيننا فأظهر حكماً في هزيلة ظالما فلما سمع عمليق ذلك غضب على نساء جديس وأمر أن لا تزوج بكر من نساء جديس حتى تدخل عليه فيكون هو مفترعها‏!‏ فلقوا من ذلك ذلاً حتى تزوجت غفيرة بنت غفار أخت الأسود بن غفار سيد جديس فلما كانت ليلة الزفاف أخرجت لتحمل إلى الملك والقينات حولها يضربن بمعازفهن ويقلن‏:‏ ابدي بعمليق وقومي واركبي وبادري الصّبح بأمرٍ معجب‏!‏ فسوف تلقين الذي لم تطلبي وما لبكرٍ دونه من مهرب‏!‏ فأدخلت على عمليق فامتنعت عليه وكانت أيدة فافترعها بحديدة وأدماها فخرجت ودمها يسيل على قدميها فمرت باكية إلى أخيها وهو في جمع عظيم وهي تقول‏:‏ لا أحدٌ أذلّ من جديس أهكذا يفعل بالعروس فقال أخوها‏:‏ ما شأنك فأنشأت تقول‏:‏ أيجمل أن يؤتى إلى فتياتكم وأنتم رجالٌ فيكم عدد الرّمل أيجمل تمشي في الدّماء فتاتكم صبيحة زفّت في العشاء إلى بعل فلو أنّنا كنّا رجالاً وكنتم نساءً لكنّا لا نقرّ على الذّلّ‏!‏ فدبّوا إليهم بالصّوارم والقنا وكلّ حسامٍ محدث الأمر بالصّقل فلما سمعت جديس ذلك امتلأت غيظاً قال الأسود لجديس‏:‏ يا قوم اتبعوني فإني عبر الدهر ‏!‏ فقال القوم‏:‏ إنا لك مطيعون لكن عرفت أن القوم أكثر منا عدداً وعدداً‏!‏ فقال الأسود‏:‏ اني أرى أن أتخذ للملك طعاماً فإذا حضروا أنا أقوم إلى الملك وكل واحد منكم إلى رئيس من رؤسائهم ونقتلهم‏!‏ فصنع الأسود طعاماً وأمر أن يدفن كل واحد سيفه تحت الرمل مكان جلوسه فلما جاءهم الملك وقومه وجلسوا للأكل قتل الأسود الملك وقتل كل واحد منهم شريفاً من أشراف طسم فلما فرغوا منهم شرعوا في بقايا طسم فهرب واحد منهم اسمه رياح بن مرة حتى لحق بحسان بن تبع الحميري وقال له‏:‏ عبيدك ورعيتك قد اعتدى علينا جديس فقال له‏:‏ ما شأنك فرفع عقيرته ينشد‏:‏ أجبني إلى قوم دعونا لغدرهم إلى قتلهم فيها لك الأجر فإنّك لن تسمع بيومٍ ولن ترى كيوم أباد الحيّ طسماً به المكر أتيناهم في أزرنا ونعالنا علينا الملاء الحمر والحلل الخضر بصرنا طعوماً بالعراء وطعمةً ينازع فينا الطّير والذّئب والنّمر فدونك قوماً ليس لله فيهم ولا لهم منه حجابٌ ولا ستر فأجابه حسان إلى سؤاله ووعده بنصره ثم سار في جيوشه إليهم فصبحهم واصطلمهم فهرب وينسب إليها زرقاء اليمامة وانها كانت ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة ولما سار حسان نحو جديس قال له رياح بن مرة‏:‏ أيها الملك إن لي أختاً مزوجة في جديس واسمها الزرقاء وانها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا‏.‏

فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار وتستروا بها لتشبهوا على اليمامة‏.‏

وساروا بالليل فقال الملك‏:‏ وفي الليل أيضاً فقال‏:‏ نعم‏!‏ ان بصرها بالليل أنفذ‏!‏ فأمر الملك أصحابه أن يفعلوا ذلك فلما دنوا من اليمامة ليلاً نظرت الزرقاء وقالت‏:‏ يا آل جديس سارت إليكم الشجراء وجاءتكم أوائل خيل حمير‏.‏

فكذبوها فأنشأت تقول‏:‏ خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم فليس ما قد أرى مل أمر يحتقر إني أرى شجراً من خلفها بشرٌ لأمرٍ اجتمع الأقوام والشّجر فلما دهمهم حسان قال لها‏:‏ ماذا رأيت قالت‏:‏ الشجر خلفها بشر‏!‏ فأمر بقلع عينيها وصلبها على باب جو وكانت المدينة قبل هذا تسمى جواً فسماها تبع اليمامة وقال‏:‏ وسمّيت جوّاً باليمامة بعدما تركت عيوناً باليمامة همّلا نزعت بها عيني فتاةٍ بصيرةٍ رعاماً ولم أحفل بذلك محفلا تركت جديساً كالحصيد مطرّحاً وسقت نساء القوم سوقاً معجّلا وقلت خذيها يا جديس بأختها‏!‏ وأنت لعمري كنت في الظّلم أوّلا‏!‏ فلا تدع جوّاً ما بقيت بإسمها ولكنّها تدعى اليمامة مقبلا وينسب إليها مسيلمة الكذاب الذي يقال له رحمن اليمامة ادعى النبوة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا منه المعجزة فأخرجه قارورة ضيقة الرأس فيها بيضة فآمن به بعضهم وهم بنو حنيفة أقل الناس عقلاً فاستخف قومه فأطاعوه‏!‏ وبنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية صنماً من العسل والسمن يعبدونه فأصابتهم في بعض السنين مجاعة فأكلوه فضحك على عقولهم الناس وقالوا فيهم‏:‏ أكلت حنيفة ربّها زمن التّقحّم والمجاعه لم يحذروا من ربّهم سوء العواقب والتّباعه والبيضة إذا تركت في الخل زماناً لانت فأدخلها في القارورة ثم صب عليها فعادت إلى حالها وكان ظهوره في السنة العاشرة من الهجرة وحكي انه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله‏.‏

سلام عليك‏!‏ أما بعد فإني أشركت في الأمر معك وان لنا نصف الأرض ولقريش نصفها لكن قريشاً يعتدون وانفذه مع رسولين فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى‏!‏ أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏.‏

قتل مسيلمة خالد بن الوليد في زمن أبي بكر‏.‏

وحكي أنه رأى حمامة مقصوصة الجناح فقال‏:‏ لم تعذبون خلق الله لو أراد الله من الطير غير الطيران ما خلق لها جناحاً وإني حرمت عليكم قص جناح الطائر‏!‏ فقال بعضهم‏:‏ سل الله الذي أعطاك آية البيض أن ينبت له جناحاً‏!‏ فقال‏:‏ إن سألت فانبت له جناحاً فطار تؤمنون بي قالوا‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ إني أريد أناجي ربي فأدخلوه معي هذا البيت حتى أخرجه وافي الجناح حتى يطير‏.‏

فلما خلا بالطائر أخرج ريشاً كان معه وأدخل في قصبة كل ريشة مقطوعة ريشة مما كان معه فأخرجه وأرسله فطار فآمن به جمع كثير‏.‏

وحكي أنه قال في ليلة منكرة الرياح مظلمة‏:‏ إن الملك ينزل إلي الليلة ولأجنحة الملائكة صلصلة وخشخشة فلا يخرجن أحدكم فإن من تأملهم اختطف بصره‏.‏

ثم اتخذ صورة من الكاغد لها جناحان وذنب وشد فيها الجلاجل والخيوط الطوال فأرسل تلك الصورة وحملتها الريح والناس بالليل يرون الصورة ويسمعون صوت الجلاجل ولا يرون الخيط‏.‏

فلما رأوا ذلك دخلوا منازلهم خوفاً من أن تختطف أبصارهم فصاح بهم صائح‏:‏ من دخل منزله فهو آمن‏!‏ فأصبحوا مطبقين على تصديقه قال الهذلي‏:‏ فلما سمع سورة والذاريات قال‏:‏ وقد أنزل علي مثلها وهي‏:‏ والزارعات زرعاً‏.‏

فالحاصدات حصداً‏.‏

فالطاحنات طحناً‏.‏

فالخابزات خبزاً‏.‏

فالآكلات أكلاً‏!‏ فقال بعض أهل المجون‏:‏ قل والخاريات خرياً‏!‏ ولما سمع سورة الفيل قال‏:‏ قد أنزل علي مثلها وهي‏:‏ الفيل‏.‏

وما أدراك ما الفيل‏!‏ له ذنب طويل ومشفر وثيل وان ذلك من خلق ربنا النبيل‏!‏ ولما سمع سورة الكوثر قال‏:‏ قد أنزل علي مثلها وهي‏:‏ إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وهاجر ان شانئك هو الكافر‏!‏ فسبحان من أظهر إعجاز القرآن فلو كان من عند غير الله لكان مثل هذا‏.‏