فصل: ذكر خروج الرسول إلى الطائف وَعَوْدِهِ إلى مكة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدرر في اختصار المغازي والسير



.باب ذكر دخول بني هاشم بْن عَبْد مناف، وبني المطلب بْن عَبْد مناف في الشعب، وما لقوا من سائر قريش في ذلك:

أَخْبَرَنَا عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن بكر قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سلمة المرادي قَالَ: حَدَّثَنَا ابن وهب قَالَ: أخبرني ابن لهيعة عن مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن أبي الأسود وأخبرنا عَبْد الوارث بْن سفيان قَالَ: أَخْبَرَنَا قاسم بْن أصبغ قَالَ: حَدَّثَنَا مطرف بْن عَبْد الرحمن بْن قيس قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بْن حميد بْن كاسب وَأَخْبَرَنَا عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بكر قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسحاق المسيبي قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فليح عن موسى بْن عقبة عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في بعض، قَالَ: ثم إن كفار قريش أجمعوا أمرهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: قد أفسد أبناءنا ونساءنا، فقالوا لقومه: خذوا منا ديته مضاعفة ويقتله رجل غير قريشي وتريحوننا وتريحون أنفسكم، فأبى قومه بنو هاشم من ذلك، وظاهرهم بنو المطلب بْن عَبْد مناف، فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشعب، فلما دخلوا الشعب، أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان بمكة من المؤمنين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة، وكان متجرا لقريش وكان يثني على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد، فانطلق المسلمون إلى بلده، وانطلق إليها عامة من آمن بالله ورسوله، ودخل بنو هاشم، وبنو المطلب شعبهم مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا، والكافر حمية، فلما عرفت قريش أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد منعه قومه، أجمعوا على ألا يبايعوهم، ولا يدخلوا إليهم شيئا من الرفق، وقطعوا عنهم الأسواق، ولم يتركوا طعاما ولا إداما ولا بيعا إلا بادروا إليه واشتروه دونهم، ولا يناكحوهم، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة، وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين، فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم، وعلى كل من معهم، فلما كان رأس ثلاث سنين، تلاوم قوم من بني قصي ممن ولدتهم بنو هاشم وممن سواهم، فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة، وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلت ولحست ما في الصحيفة من ميثاق وعهد، وكان أَبُو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه، أو إخوته، أو بني عمه، فاضطجع على فراش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر رسول الله أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها، فلم يزالوا في الشعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين، فلما أكملوها تلاوم رجال من قريش وحلفائهم وأجمعوا أمرهم على نقض ما كانوا تظاهروا عليه من القطيعة والبراءة، وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد له وميثاق، ولم تترك فيها اسما لله عز وجل إلا لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم، فأطلع الله عز وجل رسوله على ذلك، فذكر ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي طالب، فقال أَبُو طالب: لا والثواقب ما كَذَبْتَنِي، فانطلق في عصابة من بني عَبْد المطلب حتى أتوا المسجد وهم خائفون لقريش، فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برمته إلى قريش، فتكلم أبو طالب، فقال: قد جرت أمور بيننا وبينكم لم نذكرها لكم، فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قَالَ ذلك أَبُو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها، فأتوا بصحيفتهم متعجبين لا يشكون أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْفَعُ إليهم، فوضعوها بينهم، وقالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عما أخذتم علينا وعلى أنفسكم، فقال أَبُو طالب: إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم، إن ابن أخي أخبرني ولم يُكْذِبْنِي أن هذه الصحيفة التي بين أيديكم قد بعث الله عليها دابة فلم تترك فيها اسما إلا لحسته وتركت فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا، فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم، فقالوا: قد رضينا بالذي تقول، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح، فلما رأت قريش صدق ما جاء به أَبُو طالب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: هذا سحر ابن أخيك، وزادهم ذلك بغيا وعدوانا، وأما ابن هشام، فقال: قد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي طالب: يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما لله إلا أثبتته، ونفت منها القطيعة والظلم والبهتان، قَالَ: أربك أخبرك بهذا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فوالله ما يدخل عليك أحد، ثم خرج إلى قريش، فقال: يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني، وساق الخبر بمعنى ما ذكرنا، وقال ابن إسحاق، وموسى بْن عقبة، وغيرهما في تمام ذلك الخبر: وندم منهم قوم، فقالوا: هذا بغي منا على إخواننا، وظلم لهم، فكان أول من مشى في نقض الصحيفة هشام بْن عمرو بْن الحارث من بني عامر بْن لؤي، وهو كان كاتب الصحيفة، وأبو البختري العاص بْن هشام بْن الحارث بْن أسد بْن عَبْد العزى، والمطعم بْن عدي، إلى هاهنا تم خبر ابن لهيعة، عن أبي الأسود مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن المعروف بيتيم عروة، وموسى بْن عقبة، عن ابن شهاب، وهو معنى ما ذكر ابن إسحاق، إلا أن ابن إسحاق قَالَ: الذين مشوا في نقض الصحيفة: هشام بْن عمرو بْن الحارث بْن حبيب بْن نصر بْن مالك بْن حسل بْن عامر بْن لؤي، لقي زهير بْن أبي أمية بْن المغيرة المخزومي، فعيره بإسلامه أخواله، وكانت أم زهير عاتكة بنت عَبْد المطلب عمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأجابه زهير إلى نقض الصحيفة، ثم مضى هشام إلى المطعم بْن عدي بْن نوفل فَذَكَّرَهُ أَرْحَامَ بني هاشم وبني المطلب بْن عَبْد مناف، فأجابه المطعم إلى نقضها، ثم مضى إلى أبي البختري بْن هشام بْن الحارث بْن أسد فذكره أيضا بذلك، فأجابه، ثم مضى إلى زمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد فذكره ذلك، فأجابه، فقام هؤلاء في نقض الصحيفة، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دُحَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى: «نَحْنُ نَازِلُونَ عِنْدَ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ»، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَلا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَدَّه.

.ذكر من انصرف من أرض الحبشة إلى مكة:

ثم اتصل بمن كان في أرض الحبشة من المهاجرين أن قريشا قد أسلمت، ودخل أكثرها في الإسلام خبرا كاذبا، فانصرف منهم قوم من أرض الحبشة إلى مكة منهم: عثمان بْن عفان، وزوجته رقية بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، وامرأته سهلة بنت سهيل، وعبد الله بْن جحش، وعتبة بْن غزوان، والزبير بْن العوام، ومصعب بْن عمير، وسويبط بْن سعد بْن حرملة، وطليب بْن عمير، وعبد الرحمن بْن عوف، والمقداد بْن عمرو، وعبد الله بْن مسعود، وأبو سلمة بْن عَبْد الأسد، وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وشماس بْن عثمان وهو عثمان بْن عثمان وشماس لقبه، وسلمة بْن هشام بْن المغيرة، وعمار بْن ياسر، وعثمان وقدامة وعبد الله بنو مظعون، والسائب بْن عثمان بْن مظعون، وخنيس بْن حذافة، وهشام بْن العاص بْن وائل، وعامر بْن ربيعة، وامرأته ليلى بنت أبي حثمة، وعبد الله بْن مخرمة بْن عَبْد العزى من بني عامر بْن لؤي، وعبد الله بْن سهيل بْن عمرو، وأبو سبرة بْن أبي رهم، وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بْن عمرو، والسكران بْن عمرو أخو سهيل بْن عمرو رجع من أرض الحبشة إلى مكة ومات بها قبل الهجرة، فتزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجه سودة بنت زمعة، وسعد بْن خولة، وأبو عبيدة بْن الجراح، وعمرو بْن الحارث بْن زهير بْن شداد، وسهيل بْن وهب الفهري وهو سهيل بْن بيضاء، وعمرو بْن أبي سرح، فوجدوا البلاء والأذى على المسلمين كالذي كان وأشد، فبقوا صابرين على الظلم والأذى حتى أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة، فهاجروا إليها حاشا سلمة بْن هشام، وعياش بْن أبي ربيعة، والوليد بْن الوليد بْن المغيرة، وعبد الله بْن مخرمة، فإنهم حبسوا بمكة ثم هاجروا بعد بدر وأحد والخندق، إلا عَبْد اللهِ بْن مخرمة فإنه هرب من الكفار يوم بدر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد نقض الصحيفة ماتت خديجة رضي الله عنها، ومات أَبُو طالب، فأقدم سفهاء قريش على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأذى، فخرج إلى الطائف يدعو إلى الإسلام فلم يجيبوه، فانصرف إلى مكة في جوار المطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف، قَالَ ابن شهاب بالإسناد المتقدم، عن موسى بْن عقبة: فلما أفسد الله صحيفة مكرهم خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورهطه فعاشروا وخالطوا الناس.

.ذِكْرُ إسلام الجن:

وأقبل وفد الجن يستمعون القرآن ثم ولوا إلى قومهم منذرين ثم أتته الجماعة منهم فآمنوا به وصدقوه وقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَنَّةَ الْخُزَاعِيُّ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَحْضُرَ اللَّيْلَةَ أَمْرَ الْجِنِّ فَلْيَفْعَلْ»، فَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ غَيْرِي، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّةَ خَطَّ لِي بِرِجْلِهِ خَطًّا، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ فِيهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ، فَغَشِيَتْهُ أَسْوِدَةٌ كَثِيرَةٌ حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى مَا أَسْمَعُ صَوْتَهُ، ثُمَّ طَفِقُوا يَتَقَطَّعُونَ مِثْلَ قِطَعِ السَّحَابِ ذَاهِبِينَ حَتَّى بَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ، وَفَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَعَ الْفَجْرِ، فَانْطَلَقَ فَتَبَرَّزَ ثُمَّ أَتَانِي، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الرَّهْطُ؟» قُلْتُ: هُمْ أُولَئِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ عَظْمًا وَرَوَثًا فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ رَوَثٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي قُرَادَةَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ، فَلْيَقُمْ مَعِي رَجُلٌ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ غِشٍّ»، قَالَ: فَقُمْتُ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ وَفِيهَا نَبِيذٌ، قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَضَيْتُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ، فَخَطَّ عَلَيَّ خِطَّةً ثُمَّ قَالَ: «إِنْ خَرَجْتَ مِنْهَا لَمْ تَرَنِي وَلَمْ أَرَكَ»، قَالَ: وَمَضَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ جَاءَ فَوَجَدَنِي قَائِمًا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ قَائِمًا؟» قُلْتُ: خَشِيتُ أَنْ لا تَرَانِي وَلا أَرَاكَ أَبَدًا، قَالَ: «مَا ضَرَّكَ لَوْ قَعَدْتَ، وَقَالَ: مَا هَذَا مَعَكَ؟» قُلْتُ: نَبِيذٌ، قَالَ: «هَاتِ، ثَمَرَةٌ طَيِّبَةٌ، وَمَاءٌ طَهُورٌ»، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَقُمْتُ مَعَهُ، وَخَلْفَهُ رَجُلانِ مِنَ الْجِنِّ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ أَقْبَلا عَلَيْهِ يَسْأَلانِهِ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمَا؟ أَلَمْ أَقْضِ لَكُمَا وَلِقَوْمِكُمَا حَوَائِجَكُمْ؟»، قَالا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَدْنَا أَنْ يَشْهَدَ مَعَكَ الصَّلاةَ بَعْضُنَا، فَقَالَ: «فَمَنْ أَنْتُمَا؟»، قَالا: مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، قَالَ: «أَفْلَحَ هَذَانِ وَقَوْمُهُمَا» ثُمَّ سَأَلا الْمُبَاحَ، فَقَالَ: «الْعَظْمُ مُبَاحٌ لَكُمْ، وَالرَّوَثُ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ» قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَإِنَّهُمَا لَيَجِدَانِهِمَا أَعْظَمَ مَا كَانَ وَأَطْرَاهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَذَا الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَوَاتِرٌ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى حِسَانٍ كُلِّهَا، إِلا حَدِيثَ أَبِي زَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، فَإِنَّ أَبَا زيد مجهول لا يعرف في أصحاب ابن مسعود، ويكفي من ذكر الجن ما في سورة الرحمن وسورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وما جاء في الأحقاف قوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ} الآيات، وفي خبر علقمة، عن ابن مسعود، أنه قَالَ: وددت أن أكون معه ليلة الجن، وفي قول علقمة: وددت أن صاحبنا معه ليلتئذ ما يدفع الأخبار الواردة بذلك، لأن المعنى: أنه لم يكن معه وما زال عن الخط الذي خط له أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجِنِّ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُرَةٌ فَآذَنَتْهُ بِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ-، عَنْ مِسْعَرٍ-، عَنْ عَمْرِو بْنَ مُرَّةَ-، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ-، أَنَّ مَسْرُوقًا-، قَالَ لَهُ: أَبُوكَ أَخْبَرَنَا أَنَّ شَجَرَةً أَنْذَرَتِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْجِنِّ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مَعْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا- مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ ؟، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ آذَنَتْهُ بِهِمْ سَمُرَةٌ.

.ذكر خروج الرسول إلى الطائف وَعَوْدِهِ إلى مكة:

قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نفسه في تلك السنين على القبائل ليمنعوه حتى يبلع رسالات ربه، ولم يقبله أحد منهم، وكلهم كان يقول له: قومه أعلم به، وكيف يصلحنا من أفسد قومه؟ وكان ذلك مما ذخره الله عز وجل للأنصار وأكرمهم به، فلما مات أَبُو طالب اشتد البلاء على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعمد لثقيف رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر هم سادة ثقيف، وهم إخوةٌ: عَبْدُ يَالَيْلَ بْنُ عَمْرٍو، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَسْعُودُ بْن عَمْرٍو، فعرض عليهم نفسه، وأعلمهم بما لقي من قومه، فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط، وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك؟ وقال الثالث: لا أكلمك بعد مجلسك هذا، لئن كنت رسول الله، لأنت أعظم حقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على الله، لأنت شر من أكلمك، وهزئوا به، وأفشوا في قومهم ما راجعوه به، وأقعدوا له صفين، فلما مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما جعلوا لا يرفع رجلا ولا يضع رجلا إلا رضخوها بحجارة قد كانوا أعدوها، حتى أدموا رجليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخلص منهم وعمد إلى حائط من حوائطهم، فاستظل في ظل نخلة منه، وهو مكروب تسيل قدماه بالدماء، وإذا في الحائط عتبة بْن ربيعة، وشيبة بْن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله، فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما، يقال له: عداس، وهو نصراني من أهل نينوى، معه عنب، فلما أتاه عداس، قَالَ له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ قَالَ: من أهل نينوى، فقال النبي عليه السلام: مدينة الرجل الصالح يونس بْن مَتَّى، فقال له عداس: ما يدريك مَنْ يونس بْن مَتَّى؟ وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه، فقال: أنا رسول الله، فلما أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس، خر عداس ساجدا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان دما، فلما أبصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا، فلما أتاهما، قالا: ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه؟ قَالَ: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله عز وجل يدعى يونس بْن متى، فضحكا به وقالا له: إياك أن يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع، فرجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ السَّرْحِ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟، قَالَ: «لَقِيتُ مِنْ قَوْمِي مَا كَانَ أَشَدَّ، قَالَ: وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ ثَقِيفٍ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى عَبْدِ يَا لَيْلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ عَلَى وَجْهِي وَأَنَا مَغْمُومٌ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْتَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ وَلا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا».