فصل: غزوة بني المصطلق من خزاعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدرر في اختصار المغازي والسير



.غزوة بني المصطلق من خزاعة:

ثم أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة باقي جمادى الأولى ورجبا، ثم غزا بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة من الهجرة، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري، وقيل: بل نميلة بْن عَبْد اللهِ الليثي، وأغار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني المصطلق وهم غارون، وهم على ماء يقال له: المريسيع من ناحية قديد مما يلي الساحل، فقتل من قتل منهم، وسبي النساء والذرية، وكان شعارهم يومئذ أَمِتْ، وقد قيل: إن بني المصطلق جمعوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما بلغه ذلك خرج إليهم، فلقيهم على ماء يقال له: المريسيع، فاقتتلوا، فهزمهم الله، والقول الأول أصح، أنه أغار عليهم وهم غارون، ومن ذلك السبي جويرية بنت الحارث بْن أبي ضرار سيد بني المصطلق، وقعت في سهم ثابت بْن قيس بْن شماس، فكابتها، فأدى عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقها وتزوجها، وشهدت عائشة رضي الله عنها تلك الغزاة، قالت: ما هو إلا أن وقفت جويرية بباب الخباء تستعين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتابتها، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فرأيتُ على وجهها ملاحة وحسنا، فأيقنت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رآها أعجبته، فما هو إلا أن كلمته، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أو خير من ذلك أن أودي كتابتك وأتزوجك» قالت: وما رأيت أعظم بركة على قومها منها، فما هو إلا أن علم المسلمون أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه ِ وَسَلَّمَ تزوجها فأعتقوا كل ما بأيديهم من سبي بني المصطلق، وقالوا: أصهار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلم سائر بني المصطلق، وقد اختلف في وقت هذه الغزاة، قيل: كانت قبل الخندق وقريظة، وقيل: كانت بعد ذلك وهو الصواب إن شاء الله، وقتل في هذه الغزاة هشام بْن صبابة الليثي خطأ، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة لم يعرفه وظنه من المشركين، وفي هذه الغزاة قَالَ عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وذلك لشر وقع بين جهجاه بْن مسعود الغفاري، وكان أجيرا لعمر بْن الخطاب رضي الله عنه، وبين سنان بْن وبر الجهني حليف بني عوف بْن الخزرج، فنادى جهجاه الغفاري: يا للمهاجرين، ونادى الجهني: يا للأنصار، وَبَلَّغَ زيدُ بْنُ أرقَمَ رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةَ عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول، فأنكرها ابن أبي، فأنزل الله عز وجل فيه سورة المنافقين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيد بْن أرقم: «وَفَتْ أُذُنُكَ يا غلام» وأخذ بأذنه، وتبرأ عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أبي من فعل أبيه، وأتى رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا رسول الله أنت والله العزيز وهو الذليل، أو قَالَ: أنت الأعز وهو الأذل، وإن شئت والله لنخرجنه من المدينة، وقال سعد بْن عبادة: يا رسول الله، إن هذا رجل يحمله حسده على النفاق، فدعه إلى عمله، وقد كان قومه على أن يتوجوه بالخرز قبل قدومك المدينة ويقدموه على أنفسهم، فهو يرى أنك نزعت ذلك منه، وقد خاب وخسر إن كان يضمر خلاف ما يظهر، وقد أظهر الإيمان، فَكِلْهُ إلى ربه، وقال عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول: يا رسول الله، بلغني أنك تريد قتل أبي، فإن كنت تريد ذلك، فمرني بقتله، فوالله إن أمرتني بقتله لأقتلنه، وإني أخشى يا رسول الله إن قتله غيري أن لا أصبر عن طلب الثأر فأقتلَ مسلما فأدخلَ النار، وقد علمت الأنصار أني من أبر أبنائها بأبيه، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرا، ودعا له، وقال له: بر أباك، ولا يرى منك إلا خيرا، فلما وصل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون إلى المدينة من تلك الغزاة، وقف عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أبي لأبيه بالطريق، وقال: والله لا تدخل المدينة حتى يأذن لك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدخول، فأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخوله، وفي هذه الغزاة قَالَ أهل الإفك في عائشة رضي الله عنها ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، ونزل القرآن ببراءتها، ورواية من روى أن سعد بْن معاذ راجع في ذلك سعد بْن عبادة وهم وخطأ، وإنما تراجع في ذلك سعد بْن عبادة مع أسيد بْن حضير، كذلك ذكر ابن إسحاق، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن عبيد الله بْن عَبْد اللهِ وغيره، وهو الصحيح، لأن سعد بْن معاذ مات في منصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني قريظة، لا يختلفون في ذلك، ولم يدرك غزوة المريسيع ولا حضرها، وقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فقدم عليه مقيس بْن صبابة مظهرا للإسلام وطالبا لِدِيَةِ أخيه هشام بْن صبابة، فأمر له عليه السلام بالدية، فأخذها، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله وفر إلى مكة كافرا، وهو أحد الذين أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلهم في حين دخوله مكة، ثم بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني المصطلق بعد إسلامهم بأكثر من عامين الوليد بْن عقبة بْن أبي معيط مصدقا لهم، فخرجوا ليتلقوه ففزع منهم، وظن أنهم يريدونه بسوء، فرجع عنهم وأخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم ارتدوا، ومنعوا الزكاة، وهموا بقتله، فتكلم المسلمون في غزوهم، فبينما هم كذلك إذ قدم وافدهم منكرا لرجوع مصدقهم عنهم دون أن يأخذ صدقاتهم، وأنهم إنما خرجوا إليه مكرمين له، فأكذبه الوليد بْن عقبة، فأنزل الله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} يعني الوليد بْن عقبة {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} الآية.

.عمرة الحديبية:

فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة منصرفه من غزوة بني المصطلق رمضان وشوالا، وخرج في ذي القعدة معتمرا، فاستنفر الأعراب الذين حول المدينة، فأبطأ عنه أكثرهم، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب، وجميعهم نحو ألف وأربع مائة، وقيل: ألف وخمس مائة، وساق معه الهدي، وأحرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرة، ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب، فلما بلغ خروجه قريشا، خرج جمعهم صَادِّينَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المسجد الحرام ودخول مكة، وأنه إن قاتلهم قاتلوا دون ذلك، وقدموا خالد بْن الوليد في خيل إلى كراع الغميم، فورد الخبر بذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بعسفان، فسلك طريقا يخرج منه في ظهورهم، وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة، وكان دليله فيه رجلا من أسلم، فلما بلغ ذلك خيل قريش التي مع خالد جرت إلى قريش تعلمهم بذلك، ولما وصل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحديبية بركت ناقته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الناس: خَلأَتْ، خَلأَتْ، فقال النبي عليه السلام: «ما خلأت وما هو لها بِخُلُقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة رحم إلا أعطيتهم إياها»، ثم نزل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنالك، فقيل: يا رسول الله ليس بهذا الوادي ماء، فأخرج عليه السلام سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه، فجاش الماء الرواء، حتى كفى جميع أهل الجيش، وقيل: إن الذي نزل بالسهم في القليب ناجية بْن جندب بْن عمير الأسلمي، وهو سائق بدن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ، وقيل: نزل بالسهم في القليب البراء بْن عازب، ثم جرت الرسل والسفراء بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين كفار قريش، وطال التراجع والتنازع إلى أن جاءه سهيل بْن عمرو العامري، فقاضاه على أن ينصرف عليه السلام عامه ذلك، فإذا كان من قابل أتى معتمرا، ودخل هو وأصحابه مكة بلا سلاح حاشا السيوف في قربها، فيقيم بها ثلاثا ويخرج، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا، على أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما من رجل أو امرأة رد إلى الكفار، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم يردوه إلى المسلمين، فعظم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم بما علمه الله من أنه سيجعل للمسلمين فرجا، فقال لأصحابه: اصبروا، فإن الله يجعل هذا الصلح سببا إلى ظهور دينه، فأنس الناس إلى قوله بعد نفار منهم، وَأَبَى سهيل بْن عمرو أن يُكْتَبَ في صدر صحيفة الصلح: من مُحَمَّد رسول الله، وقال له: لو صدقناك بذلك ما دفعناك عما تريد، ولا بد أن يُكْتَبَ: باسمك اللهم، فقال لعلي، وكان كاتب صحيفة الصلح: «امح يا علي، واكتب باسمك اللهم» وأبى علي أن يمحو بيده: رسول الله، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعرضه علي» فأشار إليه، فمحاه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وأمره أن يكتب: من مُحَمَّد بْن عَبْد اللهِ، وأتى أَبُو جندل بْن سهيل يومئذ بأثر كتاب الصلح وهو يرسف في قيوده، فرده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبيه، فعظم ذلك على المسلمين، فأخبرهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبر أبا جندل أن الله سيجعل له فرجا ومخرجا، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بعث عثمان بْن عفان إلى مكة رسولا، فجاء خبر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن أهل مكة قتلوه، فدعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ المسلمين للمبايعة على الحرب والقتال لأهل مكة، وَرُوِيَ أنه بايعهم على أن لا يفروا، وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة التي أخبر الله عز وجل أنه رضي عن المبايعين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحتها، وأخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم لا يدخلون النار، وضرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيمينه على شماله لعثمان، وقال: «هذه عن عثمان»، فهو كمن شهدها، ذكر وكيع، عن إسماعيل بْن أبي خالد، عن الشعبي، قَالَ: أول من بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية أَبُو سنان الأسدي، وذكر ابن هشام عن وكيع: كانت قريش قد جاء منهم نحو سبعين أو ثمانين رجلا للإيقاع بالمسلمين، وانتهاز الفرصة في أطرافهم، ففطن المسلمون لهم، فخرجوا فأخذوهم أسرى، وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح، فأطلقهم رسول الله، فهم الذين يسمون العتقاء، وإليهم ينسب العتقيون فيم يزعمون، ومنهم معاوية وأبوه فيما ذكروا، فلما تم الصلح بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين أهل مكة الذي تولى عقده لهم سهيل بْن عمرو على ما ذكروا، أَمَرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين أن ينحروا ويحلوا، ففعلوا بعد توقف كان بينهم أغضب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عليه السلام: «لو نحرت لنحروا» فنحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديه، فنحروا بنحره، وحلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه، ودعا للمحلقين ثلاثا، وللمقصرين واحدة، قيل: إن الذي حلق رأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ خراش بْن أمية بْن الفضل الخزاعي، ثم رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، فأتاه أَبُو بصير عتبة بْن أسيد بْن جارية الثقفي حليف لبني زهرة هاربا من مكة مسلما، وكان ممن حبس بمكة مع المسلمين، فبعث فيه الأزهر بْن عَبْد عوف عم عَبْد الرحمن بْن عوف، والأخنس بْن شريق الثقفي رجلا من بني عامر بْن لؤي، ومولى لهم، فأتيا النبي عليه السلام فأسلمه إليهما على ما عقد في الصلح، فاحتملاه، فلما صاروا بذي الحليفة، قَالَ أَبُو بصير لأحد الرجلين: أرى سيفك هذا سيفا جيدا فأرنيه، فلما أراه إياه ضرب به العامري فقتله، وفر المولى، فأتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في المسجد، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: هذا رجل مذعور، ولقد أصاب هذا ذعر، فلما وصل إليه أخبره بما وقع، وقال: غدر بنا، وبينما هو يكلمه إذ وصل أَبُو بصير، فقال: يا رسول الله، قد وفت ذمتك وأطلقني الله عز وجل، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لو كان له رجال، أو قَالَ: أصحاب» فعلم أَبُو بصير أنه سيرده، فخرج حتى أتى سيف البحر، موضعا يقال له: العيص من ناحية ذي المروة على طريق قريش إلى الشام، فجعل يقطع على رفاقهم، واستضاف إليه قوما من المسلمين الفارين عن قريش منهم أَبُو جندل بْن سهيل، فجعلوا لا يتركون لقريش عيرا ولا ميرة ولا مارا إلا قطعوا بهم، فكتبت في ذلك قريش إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: نرى أن تضمهم إليك إلى المدينة فقد آذونا، وأنزل الله تعالى بعد ذلك القرآن بفسخ الشرط المذكور في رد النساء، فمنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ردهن، ثم نزلت سورة براءة فنسخ ذلك كله، ورد على كل ذي عهد عهده، وأن يمهلوا أربعة أشهر، ومن لم يستقم على عهده لا يستقام له، وهاجرت أم كلثوم بنت عقبة بْن أبي معيط، فأتى أخواها عمارة والوليد فيها ليؤدوها، فمنع الله عز وجل من رد النساء المؤمنات إلى الكفار إذا امتحن فوجدن مؤمنات، وأخبر أن ذلك لا يحل، وأمر المؤمنين أيضا أن لا يمسكوا بعصم الكوافر، ولا ينكحوا المشركات، يعني الوثنيات حتى يؤمن.