فصل: المقدمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  المقدمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

أعلم أن الأنساب تتشعب دائما وذلك أن الرجل قد يكون له من الولد ثلاثة أو أربعة أو أكثر ويكون لكل واحد منهم كذلك وكل واحد منهم فرع ناشىء عن أصل أو فرع أو عن فرع فرع فصارت بمثابة الأغصان للشجرة وتكون قائمة على ساق واحدة هي أصلها والفروع عن جانبها ولكل واحد من الفروع فروع أخرى إلى أن تنتهي إلى الغاية‏.‏ فلذلك اخترنا بعد الكلام على الأنساب لأمة وشعوبها أن نضع ذلك على شكل شجرة نجعل أصلها وعمود نسبها باسم الأعظم من أولئك الشعوب ومن له التقدم عليهم فيجعل عمود نسبه أصلا لها وتفرع الشعوب الأخرى عن جانبه من كل جهة كأنها فروع لتلك الشجرة حتى تتصل تلك الأنساب عمودا وفروعا بأصلها الجامع لها ظاهرة للعيان في صفحة واحدة فترسم في الخيال دفعة ويكون ذلك أعون على تصور الأنساب وتشعبها فإن الصور الحسية أقرب إلى الارتسام في الخيال من المعاني المتعلقة‏.‏ ثم لما كانت هذه الأمم كلها لها دول وسلطان اعتمدنا بالقصد الأول ذكر الملوك منهم في تلك الشجرات متصلة أنسابهم إلى الجد الذي يجمعهم بعد أن نرسم على كل واحد منهم رتبته في تعاقبهم واحدا بعد واحد بحروف أ ب ج د ه‏.‏ فالألف للأول والباء للثاني والجيم للثالث والدال للرابع والهاء للخامس وهلم جرا‏.‏ ونهاية الأجداد لأهل تلك لدولة في الآخر منهم ويكون للأول غصون وفروع في كل جهة عنه فإذا نظرت في الشجرة علمت أنساب الملوك في كل دولة وترتبهم بتلك الحروف واحدا بعد واحد والله أعلم بالصواب‏.‏ القول في أجيال العرب وأوليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها أعلم أن العرب منهم أمة الراحلة الناجعة أهل الخيام لسكناهم والخيل لركوبهم والأنعام لكسبهم يقومون عليها ويقتاتون من ألبانها ويتخذون الدفء والأثاث من أوبارها وأشعارها ويحملون أثقالهم على ظهورها‏.‏ يتنازلون حللا متفرقة ويبتغون الرزق في غالب أحوالهم من القنص ويختطف الناس من السبل ويتقلبون دائما في المجالات فرارا من حمارة القيض تارة وصبارة البرد أخرى وانتجاعا لمراعي غنمهم وارتيادا لمصالح إبلهم الكفيلة بمعاشهم وحمل أثقالهم ودفئهم ومنافعهم فاختصوا لذلك بسكنى الإقليم الثالث ما بين البحر المحيط من المغرب إلى أقصى اليمن وحدود الهند من المشرق فعمروا اليمن والحجاز ونجدا وتهامة وما وراء ذلك مما دخلوا إليه في المائة الخامسة كما ذكروه من مصر وصحاري برقة وتلولها وقسنطينة وأفرييقية وزاغا والمغرب الأقصى والسوس لاختصاص هذه البلاد بالرمال والقفار المحيطة بالأرياف والتلول والأرياف الآهلة بمن سواهم من الأمم في فصل الربيع وزخرف الأرض لرعي الكلأ والعشب في منابتها والتنقل في نواحيها إلى فصل الصيف لمدة الأقوات في سنتهم من حبوبها‏.‏ وربما يلحق أهل العمران أثناء ذلك معرات من أضرارهم بإفساد السابلة ورعي الزرع مخضرا وانتهابه قائما وحصيدا إلا ما حاطته الدولة وذادت عنه الحامية في الممالك التي للسلطان عليهم فيها‏.‏ ثم ينحدرون في فصل الخريف إلى القفار لرعي شجرها ونتاج إبلهم في رمالها وما أحاط به عملهم من مصالحها وفرارا بأنفسهم وظعائنهم من أذى البرد إلى دفاء مشاتيها فلا يزالون في كل عام مترددين بين الريف والصحراء ما بين الإقليم الثالث والرابع صاعدين ومنحدرين على ممر الأيام شعارهم لبس المخيط في الغالب ولبس العمائم تيجانا على رؤوسهم يرسلون من أطرافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها وهم عرب المشرق وقوم يلفون منها الليت والأخدع قبل لبسها ثم يتلثمون بما تحت أذقانهم من فضلها وهم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم أذقانهم من فضلها وهم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم البربر‏.‏ وكذلك لقنوا منهم‏.‏ في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية وهجروا تنكب القسي‏.‏ وكان المعروف لأولهم ومن بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الأمرين‏.‏ ثم إن العرب لم يزالوا موسومين بين الأمم بالبيان في الكلام والفصاحة في المنطق والذلاقة في اللسان ولذلك سموا بهذا الاسم فإنه مشتق من الإبانة لقولهم‏:‏ أعرب الرجل عما في ضميره إذا أبان عنه‏.‏ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم الثيب تعرب عن نفسها‏.‏ والبيان سمتهم بين الأمم منذ كانوا‏.‏ وانظروا قصة كسرى لما طلب من خليفته على العرب النعمان بن المنذر أن يوفد عليه من كبرائهم وخطبائهم من رضي لذلك فاختار منهم وفدا أوفده عليه وكان من خبره واستغراب ما جاؤوا به من البيان ما هو معروف‏.‏ فهذه كلها شعائرهم وسماتهم وأغلبها عليهم اتخاذ الإبل والقيام على نتاجها وطلب الانتجاع بها لارتياد مراعيها ومفاحص توليدها بما كان معاشهم منها‏.‏ فالعرب أهل هذه الشعار من أجيال الآدميين‏.‏ كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة والبقر لما كان معاشهم فيها فلهذا لا يختصون بنسب واحد بعينه إلا بالعرض‏.‏ ولذلك كان النسب في بعضهم مجهولا عند الأكثر وفي بعضهم خفيا على الجمهور‏.‏ وربما تكون هذه السمات والشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب إلا أنهم في الغالب يكونون أقرب إلى الأولين من غيرهم‏.‏ وهذا الانتقال لا يكون إلا في أزمنة متطاولة وأحقاب متداولة‏.‏ ولذلك يعرض في الأنساب ما يعرض من الجهل والخفاء‏.‏ واعلم أن جيل العرب بعد الطوفان وعصر نوح عليه السلام كان في عاد الأولى وثمود والعمالقة وطسم وجديس وأميم وجرهم وحضرموت ومن ينتمي إليهم من العرب العاربة من أبناء سام بن نوح‏.‏ لما انقرضت تلك العصور وذهب أولئك الأمم وأبادهم الله بما شاء من قدرته وصار هذا الجيل في آخرين ممن قرب من نسبهم من حمير وكهلان وأعقابهم من التبابعة ومن إليهم من العرب المستعربة من أبناء عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام‏.‏ ثم لما تطاولت تلك العصور وتعاقبت وكان بنو فالغ بن عابر أعالم من بين ولده واختص الله بالنبؤة منهم إبراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروخ بن أرغو بن فالغ وكان من شأنه مع نمروذ ما قصه القرآن‏.‏ ثم كان من هجرته إلى الحجاز ما هو مذكور‏.‏ وتخلف ابنه إسماعيل مع أمه هاجر بالحجر قربانا لله ومرت بها رفقة من جرهم في تلك المفازة فخالطوها ونشأ إسماعيل بينهم وربي في أحيائهم وتعلم لغتهم العربية بعد أن كان أبوه أعجميا‏.‏ ثم كان بناء البيت كما قصه القرآن‏.‏ ثم بعثه الله إلى جرهم والعمالقة الذين كانوا بالحجاز فآمن كثير منهم واتبعوه ثم عظم نسله وكثر وصار بالجيل آخر من ربيعة ومضر ومن إليهم من إياد وعك وشعوب نزار وعدنان وسائر ولد إسماعيل وهم العرب التابعة للعرب‏.‏ ثم انقرض أولئك الشعوب في أحقاب طويل وانقرض ما كان لهم من الدولة في الإسلام‏.‏ وخالطوا العجم بما كان لهم من التغلب عليهم ففسدت لغة أعقابهم في آماد متطاولة وبقي خلفهم أحياء بادين في القفار والرمال والخلاء من الأرض تارة والعمران تارة‏.‏ وقبائل بالمشرق والمغرب والحجاز واليمن وبلاد الصعيد والنوبة والحبشة وبلاد الشام والعراق والبحرين وبلاد فارس والسند وكرمان وخراسان أمم لا يأخذها الحصر والضبط قد كاثروا أمم الأرض لهذا العهد شرقا وغربا واعتزوا عليهم فهم اليوم أكثر أهل العالم وأملك لأمرهم من جميع الأمم‏.‏ ولما كانت لغتهم مستعجمة على اللسان المضري الذي نزل به القرآن وهو لسان سلفهم سميناهم لذلك العرب المستعجمة‏.‏ فهذه أجيال العرب منذ مبدأ الخليقة ولهذا العهد في أربع طبقات متعاقبة كان طبقة منها عصور وأجيال ودول وأحياء وقع العناية بها دون من سواهم من الأمم لكثرة أجيالهم واتساع النطاق من ملكهم‏.‏ فلنذكر لكل طبقة أحوال جيلها وبعض أيامهم ودولهم ومن كان على عهدهم من ملوك الأمم ودولهم ليتبين لك بذلك مراتب الأجيال في الخليقة كيف تعاقبت والله سبحانه وتعالى ولي العون‏.‏ برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع علي ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل خليقة منها‏.‏ فبدأ أولا بذكر الطبقة الأولى وهم العرب العاربة ونذكر أنسابهم ومواطنهم وما كان لهم من الملك والدولة‏.‏ ثم الطبقة الثانية وهم العرب المستعربة من بني حمير بن سبا ونذكر أنسابهم وما كان لهم من الملك باليمن في التبابعة وأعقابهم‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر معاصرهم من العجم وهم ملوك بابل من السريانيين ثم ملوك الموصل ونينوى من جرامقة ثم القبط وملوكهم بمصر ثم بني إسرائيل ودولهم ببيت المقدس قبل تخريب بختنصر وبعده وبالصابئة ثم الفرس ودولهم الأولى والثانية ثم يونان ودولهم الإسكندر وقومه ثم الروم ودولهم في القياصرة وغيرهم‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر الطبقة الثالثة وهم عرب التابعة للعرب من قضاعة وقحطان وعدنان وشعبيها العظيمين ربيعة ومضر‏.‏ فنبدأ بقضاعة وأنسابهم وما كان لهم من الملك البدوي في آل النعمان بالحيرة والعراق ومن زاحمهم فيها من ملوك كندة بني حجر آكل المرار ثم ما كان لهم أيضاً من الملك البدوي بالشام في بني جفنة بالبلقاء والأوس والخزرج بالمدينة النبوية‏.‏ ثم عدنان وأنسابهم وما كان لهم من الملك بمكة في قريش ثم ما شرفهم الله به وجيل الآدميين أجمع من النبوة وذكر الهجرة والسير النبوية ثم نذكر ما أكرمهم الله به من الخلافة والملك فنترجم للخلفاء الأربعة وما كان على عصرهم من الردة والفتوحات والفتن‏.‏ ثم نذكر خلفاء الإسلام من بني أمية وما كان لعهدهم من أمر الخوارج‏.‏ ثم نذكر خلفاء الشيعة وما كان لهم من الدول في الإسلام‏.‏ والأولى الدولة العظيمة لبني العباس التي انتشرت في أكثر ممالك الإسلام ثم دولة العلوية المزاحمين لها بعد صدر منها هي دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى ثم دولة العبيدية من الإسماعيلية بالقيروان ومصر ثم القرامطة بالبحرين ثم دعاة طبرستان والديلم ثم ما كان من هؤلاء العلوية بالحجاز‏.‏ ثم نذكر بني أمية المنازعين لبني العباس بالأندلس وما كان لهم من الدولة هنالك والطوائف من بعدهم‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر المستبدين بالدعوة العباسية بالمغرب والنواحي وهم بنو الأغلب بإفريقية وبنو حمدان بالشام وبنو المقلد بالموصل وبنو صالح بن كلاب بحلب وبنو مروان بديار بكر وبنو أسد بالحلة وبنو زياد باليمن وبنو هود بالأندلس‏.‏ ثم نرجع إلى القائمين بالدعوة العبيدية بالنواحي وهم الصلحيون باليمن وبنو أبي الحسن الكلبي بصقلية وصنهاجة بالمغرب‏.‏ ثم نرجع إلى المستبدين بالدعوة العباسية من العجم في النواحي وهم بنو طولون بمصر ومن بعدهم بنو طغج وبنو الصفار بفارس وسجستان وبنو سامان فيما وراء النهر وبنو سبكتكين في غزنة وخراسان وغوربة في غزنة والهند وبنو حسنويه من الكرد في خراسان‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر المستبدين على الخلفاء ببغداد من العجم وهم أهل الدولتين العظيمتين القائمتين بملك الإسلام من بعد العرب وهم بنو بويه من الديلم والسلجوقية من الترك‏.‏ ثم نرجع إلى ملوك السلجوقية المستبدين بالنواحي وهم بنو طغتكين بالشام وبنو قطلمش ببلاد الروم وبنو خوارزم شاه ببلاد العجم وما وراء النهر وبنو سقمان بخلاط وأرمينية وبنو أرتق بمادرين وبنو زنكي بالشام وبنو أيوب بمصر والشام‏.‏ ثم الترك الذين ورثوا ملكهم هنالك وبنو رسول باليمن‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر التتر من الترك القائمين على دولة الإسلام والمصلين للخلافة العباسية ثم ما كان من دخولهم في دين الإسلام وقيامهم بالملك بالنواحي وهم بنو هولاكو بالعراق وبنو ذو شيخان بالشمال وبنو أرتنا ببلاد الروم ومن بعد بني هولاكو بنو الشيخ حسن ببغداد وتوريزو بنو المظفر بأصبهان وشيراز وكرمان وبعد بني أرتنا ملوك بني عثمان من التركمان ببلاد الروم وما وراءها‏.‏ ثم نرجع إلى الطبقة الرابعة من المغرب وهم المستعجمة ومن له ملك بدوي منهم بالمغرب والمشرق‏.‏ ثم نخرج بعد ذكر ذلك إلى ذكر البربر ودولهم بالمغرب والمشرق‏.‏ ثم نخرج بعد ذلك إلى ذكر البربر ودولهم بالمغرب لأنهم كانوا من شرط كتابنا‏.‏ وهنالك نذكر برنامج دولهم والله سبحانه أعلم‏.‏ الطبقة الأولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإلمام بملكهم ودولهم علي الجملة هذه الأمة أقدم الأمم من بعد قوم نوح وأعظمم قدرة وأشدهم قوة وآثارا في الأرض وأول أجيال العرب من الخليقة فيما سمعناه‏.‏ لأن أخبار القرون الماضية من قبلهم يمتنع إطلاعنا عليها لتطاول الأحقاب ودروسها إلا ما يقصه علينا الكتاب ويؤثر عن الأنبياء بوحي الله إليهم وما سوى ذلك من الأخبار الأزلية فمنقطع الإسناد‏.‏ ولذلك كان المعتمد عند الإثبات في أخبارهم ما تنطق به آية القرآن في قصص الأنبياء الأقدمين أو ما ينقله زعماء المفسرين في تفسيرها من أخبارهم وذكر دولهم وحروبهم ينقلون ذلك عن السلف من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة أو سمعوه ممن هاجر إلى الإسلام من أحبار اليهود وعلمائهم أهل التوراة أقدم الصحف المنزلة فيما علمنا وما سوى ذلك من حطام المفسرين وأساطير القصص وكتب بدء الخليقة فلا نعول على شيء منه‏.‏ وإن وجد لمشاهير العلماء تأليف مثل كتاب الياقوتية للطبري والبدء بكسائي فإنما نحوا فيها منحى القصاص وجروا على أساليبهم ولم يلتزموا فيها الصحة ولا ضمنوا لنا الوثوق بها فلا ينبغي التعويل عليها وتترك وشأنها‏.‏ وأخبار هذا الجيل من العرب وإن لم يقع لها ذكر في التوراة إلا أن بني إسرائيل من بين أهل الكتاب أقرب إليهم عصرا وأوعى لأخبارهم فلذلك يعتمد نقل المهاجرة منهم لأخبار هذا الجيل‏.‏ ثم إن هذه الأمم على ما نقل كان لهم ملوك ودول‏.‏ فملوك جزيرة العرب وهي الأرض التي أحاط بها بحر الهند من جنوبها وخليج الحبشة من غربها وخليج فارس من شرقها وفيها اليمن والحجاز والشحر وحضرموت‏.‏ وامتد ملكهم فيها إلى الشام ومصر في شعوب منهم على ما يذكر ويقال‏:‏ إنهم انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين ثم كان لكل فرقة منهم ملوك وآطام وقصور حسبما نذكره إلى أن غلب عليهم بنو يعرب بن قحطان‏.‏ وهؤلاء العرب العاربة شعوب كثيرة وهم عاد وثمود وطسم وسمي أهل هذا الجيل العرب العاربة إما بمعنى الرساخة في العروبية كما يقال‏:‏ ليل أليل وصوم صائم أو بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها بما كانت أول أجيالها‏.‏ وقد تسمى البائدة أيضاً بمعنى الهالكة لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم‏.‏ فأما عاد وهم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام فكانت مواطنهم الأولى بأحقاف الرمل بين اليمن وعمان إلى حضرموت والشحر‏.‏ وكان أبوهم عاد فيما يقال أول من ملك من العرب وطال عمره وكثر ولده‏.‏ وفي التواريخ أنه ولد له أربعة آلاف ولد ذكر لصلبه وتزوج ألف إمرأة وعاش ألف سنة ومئتي سنة‏.‏ وقال البيهقي أنه عاش ثلثمائة سنة وملك بعده بنوه الثلاثة شديد وبعده شداد وبعده إرم‏.‏ وذكر المسعودي‏:‏ أن الذي ملك من بعد عاد وشداد منهم هو الذي سار في الممالك واستولى على كثير من بلاد الشام والهند والعراق‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ إن شداد هو الذي بنى مدينة إرم في صحارى عدن وشيدها بصخور الذهب وأساطين الياقوت والزبرجد يحاكي بها الجنة لما سمع وصفها طغيانا منه وعتوا ويقال‏:‏ إن باني إرم هذه هو إرم بن عاد‏.‏ وذكر ابن سعيد عن البيهقي أن باني إرم هو إرم بن شداد بن عاد الأكبر‏.‏ والصحيح أنه ليس هناك مدينة اسمها إرم وإنما هذا من خرافات القصاص‏.‏ وإنما ينقله ضعفاء المفسرين‏.‏ وإرم المذكورة في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إرم ذات العماد ‏"‏ القبيلة لا البلد‏.‏ وذكر المسعودي‏:‏ أن ملك عوص كان ثلثمائة وأن الذي ملك من بعده ابنه عاد بن عوص وأن جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم وأنه الذي اختط مدينة دمشق ومصرها وجمع عمد الرخام والمرمر إليها وسماها إرم‏.‏ ومن أبواب مدينة دمشق إلى هذا العهد باب جيرون وذكره الشعراء في معاهدها‏.‏ قال الشاعر‏:‏ النخل فالقصر فالحماء بينهما أشهى إلى القلب من أبواب جيرون وهذا البيت في الصوت الأول من كتاب الأغاني‏.‏ وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق‏:‏ جيرون ويزيد أخوان هما ابنا سعد بن لقمان بن عاد وبهما عرف جيرون ونهر يزيد‏.‏ والصحيح أن باب جيرون إنما سمي باسم مولى من موالي سليمان عليه السلام في دولة بني إسرائيل جيرون كان ظاهرا في دولتهم‏.‏ وذكر ابن سعيد في أخبار القبط أن شداد بن بداد بن هداد بن شداد بن عاد حارب بعضا من القبط وغلب على أسافل مصر ونزل الإسكندرية وبنى فيها حينئذ مدينة مذكورة في التوراة يقال لها أون ثم هلك في حروبهم وجمع القبط إخوتهم من البربر والسودان وأخرجوا العرب من ملك مصر‏.‏ ثم لما اتصل ملك عاد وعظم طغيانهم وعتوهم انتحلوا عبادة الأصنام والأوثان من الحجارة والخشب ويقال‏:‏ إن ذلك لانتحالهم دين الصابئة فبعث الله إليهم أخاهم هودا‏.‏ وهو فيما ذكر المسعودي والطبري هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد‏.‏ وفي كتاب البدء لابن حبيب‏:‏ رباح بن حرب بن عاد وبعضهم يقول هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فوعظهم وكان ملوكهم لعهده الخلجان ولقمان بن عاد بن عاديا بن صدا بن عاد فآمن به لقمان وقومه وكفر الخلجان وامتنع هود بعشيرته من عاد‏.‏ وحبس الله عنهم المطر ثلاث سنين وبعثوا الوفود من قومهم إلى مكة يستسقون لهم وكان في الوفد على ما قاله الطبري نعيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن صدا بن عاد‏.‏ وقيل ابن عنز منهم وحلقمة بن الخسري ومرثد بن سعد بن عنز‏.‏ وكان ممن آمن بهود واتبعه وكان بمكة من عاد هؤلاء معاوية بن بكر وقومه وكانت هزيلة أخت معاوية عند نعيم بن خزال ولدت له عبيدا وعمرا وعامرا فلما وصل الوفد إلى مكة مروا بمعاوية بن بكر وابنه بكر ونزل الوفد عليه‏.‏ ثم تبعهم لقمان بن عاد وأقاموا عند معاوية وقومه شهرا لما بينهم عن الخولة ومكثوا يشربون وتغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية بن بكر وابنه بكر‏.‏ ثم غنتاهم شعرا تذكرهم بأمرهم فانبعثوا ومضوا إلى الاستسقاء وتخلف عنهم لقمان بن عاد ومرثد بن سعد فدعوا في استسقائهم وتضرعوا وأنشأ الله السحب ونودي بهم أن اختاروا فاختاروا سوداء من السحب وانذروا بعذابها فمضت إلى قومهم وهلكوا كما قصه القرآن‏.‏ وفى خبر الطبري أن الوفد لما رجعوا إلى معاوية بن بكر لقيهم خبر مهلك قومهم هنالك وأن هودا بساحل البحر وأن الخلجان ملكهم قد هلك بالريح فيمن هلك وأن الريح كانت تدخل تحت الرجل فتحمله حتى تقطعوا في الجبال وتقلع الشجر وترفع البيوت حتى هلكوا أجمعون انتهى كلام الطبري‏.‏ ثم ملك لقمان ورهطه من قوم عاد واتصل لهم الملك فيما يقال ألف سنة أو يزيد وانتقل ملكه إلى ولده لقمان‏.‏ وذكر البخاري في تاريخه‏:‏ أن الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا حو هدد بن بدد بن الخلجان بن عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الأكبر وأن المدينة بساحل برقة‏.‏ ولم يزل ملكهم متصلا إلى أن غلبهم عليه يعرب بن قحطان واعتصموا بجبال حضرموت إلى أن انقرضوا‏.‏ وقال صاحب زجار أن ملكهم عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الأكبر هو الذي حارب يعرب بن قحطان وكان كافر يعبد القمر وأنه كان على عهد نوح‏.‏ وهذا بعيد لأن بعثة هود كانت عند استفحال دولتهم أو عند مبتدئها وغلب يعرب كان عند انقراضها‏.‏ وكذلك هدد الذي ذكر البخاري أنه ملك برقة إنما هو حافد الخلجان الذي اعتصم آخرهم بجبل حضرموت‏.‏ وخبر البخاري مقدم وقال علي بن عبد العزيز الجرجاني‏:‏ وكان من ملوك عاد يعمر بن شداد وعبد أبهبر بن معد يكرب بن شمد بن شداد بن عاد وحناد بن مياد بن شمد بن شداد وملوك فأما عبيل وهم إخوان عاد بن غوص فيما قاله الكلبي وإخوان عوص بن إرم فيما قاله الطبري وكانت ديارهم بالجحفة بين مكة والمدينة وأهلكهم السيل‏.‏ وكان الذي اختط يثرب منهم هكذا قال المسعودي وقال هو يثرب بن بائلة بن مهلهل بن عبيل‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ إن الذي اختط يثرب من العماليق وهو يثرب بن مهلايل بن عوص بن عمليق‏.‏ وأما عبد ضخم بن إرم فقال الطبري‏:‏ كانوا يسكنون الطائف وهلكوا فيمن هلك من ذلك الجيل وقال غيره‏:‏ إنهم أول من كتب بالخط العربي‏.‏ وأما ثمود وهم بنو ثمود بن كاثر بن إرم فكانت ديارهم بالحجر ووادي القرى فيما بين الحجاز والشام‏.‏ وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال‏.‏ ويقال‏:‏ لأن أعمارهم كانت تطول فيأتي البلاء والخراب على بيوتهم فنحتوها لذلك في الصخر وهي لهذا العهد‏.‏ وقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ونهى عن دخولها كما في الصحيح‏.‏ وفيه إشارة إلى أنها بيوت ثمود أهل ذلك الجيل ويشهد ذلك ببطلان ما يذهب إليه القصاص‏.‏ ووقع مثله للمسعودي من أن أهل تلك الأجيال كانت أجسامهم مفرطة في الطول والعظم وهذه البيوت المشاهدة المنسوبة إليهم بكلام الصادق صلوات الله عليه يشهد بأنهم في طولهم وعظم حجراتهم مثلنا سواء فلا أقدم من عاد وأهل أجيالهم فيما بلغنا‏.‏ ويقال‏:‏ إن أول ملوكهم كان عابر بن إرم بن ثمود ملك عليهم مائتي سنة‏.‏ ثم كان بعده جندع بن عمرو بن الدبيل بن إرم بن ثمود‏.‏ ويقال‏:‏ ملك نحوا من ثلثمائة سنة‏.‏ وفي أيامة كانت بعثة صالح عليه السلام وهو صالح بن عبيل بن أسف بن شالخ بن عبيل بن كاثر بن ثمود وكانوا أهل كفر وبغي وعبادة أوثان فدعاهم صالح إلى الدين والتوحيد‏.‏ قال الطبري‏:‏ فلما جاءهم بذلك كفروا وطلبوا الآيات فخرج بهم إلى هضبة من الأرض فتمخضت عن الناقة ونهاهم أن يتعرضوا لها بعقر أو هلكة‏.‏ وأخبرهم مع ذلك أنهم عاقروها ولا بد ورأس عليهم قدار بن سالف وكان صالح وصف لهم عاقر الناقة بصفة قدار هذا ولما طال النذير عليهم من صالح سئموه وهموا بقتله وكان ي إلى مسجد خارج ملائهم فكمن له رهط منهم تحت صخرة في طريقه ليقتلوه فانطفقت عليهم وهلكوا وحنقوا ومضوا إلى الناقة ورماها قدار بسهم في ضرعها وقتلها‏.‏ ولجأ فصيلها إلى الجبل فلم يدركوه‏.‏ وأقبل صالح وقد تخوف عليهم العذاب‏.‏ فلما رآه الفصيل أقبل إليه ورغا ثلاث رغاآت فأنذرهم صالح ثلاثا‏.‏ وفي صبح الرابعة صعقوا بصيحة من السماء تقطعت بها قلوبهم فأصبحوا جاثمين وهلك جميعهم حيث كانوا من الأرض إلا رجلا كان في الحرم منعه الله من العذاب‏.‏ قيل من هو يا رسول الله قال‏:‏ أبو رغال‏.‏ ويقال‏:‏ إن صالحا أقام عشرين سنة ينذرهم وتوفي ابن ثمان وخمسين سنة‏.‏ وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في غزوة تبوك بقرى ثمود فنهى عن استعمال مياههم وقال‏:‏ ‏"‏ لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون أن يصيبكم ما أصابهم ‏"‏ كلام الطبري‏.‏ وقال الجرجاني‏:‏ كان من ملوكهم دوبان بن يمنع ملك الإسكندرية وموهب بن مرة بن رحيب وكان عظيم الملك‏.‏ وأخوه هوبيل بن مرة كذلك وفيما ذكر المفسرون أنهم أول من نحت الجبال والصخور وأنهم بنوا ألفا وسبعمائة مدينة وفي هذا ما فيه‏.‏ ثم هبوا بما كسبوا ودرجوا في الغابرين وهلكوا‏.‏ ويقال‏:‏ إن من بقاياهم أهل الرس الذين كان نبيهم حنظلة بن صفوان وليس ذلك بصحيح‏.‏ وأهل الرس هم حضور ويأتي ذكرهم في بني فالغ بن عابر وكذلك يزعم بعض النسابة أن ثقيفا من بقايا ثمود هؤلاء وهو مردود‏.‏ وكان الحجاج بن يوسف إذا سمع ذلك يقول‏:‏ كذبوا‏.‏ وقال والله جل من قائل يقول‏:‏ ‏"‏ وثمود فما أبقى ‏"‏ أي أهلكهم فما أبقى أحدا منهم‏.‏ وأهل التوراة لا يعرفون شيئا من أخبار عاد ولا ثمود لأنهم لم يقع لهم ذكر في التوراة ولا لهود ولا لصالح عليهما السلام بل ولا لأحد من العرب العاربة لأن سياق الأخبار في التوراة عن أولئك الأمم إنما هو لمن كان في عمود النسب ما بين موسى وآدم صلوات الله عليهم‏.‏ وليس لأحد من آباء هؤلاء الأجيال ذكر في عمود ذلك النسب فلم يذكروا فيها‏.‏ وأما جديس وطسم فعند ابن الكلبي أن جديسا لإرم بن سام وديارهم اليمامة وهم أخوان لثمود بن كاثر ولذلك ذكرهم بعدهم وأن طسما للاوذ بن سام وديارهم بالبحرين‏.‏ وعند الطبري أنهما معا للاوذ وديارهم باليمامة‏.‏ ولهذين الاثنين خبر مشهور ينبغي سياقه عند ذكرهم‏.‏ قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبي بسنده إلى ابن إسحق وغيره من علماء العرب‏:‏ إن طسما وجديسا كانوا من ساكني اليمامة وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا وثمارا وحدائق وقصورا‏.‏ وكان ملك طسم غشوماً لا ينهاه شيء عن هواه ويقال له‏:‏ عملوق وكان مضراً لجديس مستذلاً لهم حتى كانت البكر من جديس لا تهدى إلى زوجها حتى تدخل عليه فيفترعها‏.‏ وكان السبب في ذلك أن امرأة منهم كان اسمها هزيلة طلقها زوجا وأخذ ولده منها فأمر عملوق ببيعها وأخذ زوجها الخمس من ثمنها فقالت شعرا تتظلم منه فأمر أن لا تزوج منهم امرأة حتى يفترعها‏.‏ فقاموا كذلك حتى تزوجت الشموس وهي عفيرة ابنة غفار ابن جديس أخت الأسود فافتضها عملوق فقال الأسود بن غفار لرؤساء جديس‏:‏ قد ترون ما نحن فيه من الذل والعار الذي ينبغي للكلاب أن تعافه فأطيعوني أدعكم إلى عز الدهر فقالوا‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ أصنع للملك وقومه دعوة فإذا جاؤوا يعني طسما نهضنا إليهم بأسيافنا فنقتلهم‏.‏ فأجمعوا على ذلك ودفنوا سيوفهم في الرمل ودعوا عملوقا وقومه‏.‏ فلما حضروا قتلوهم فأفنوهم وقتل الأسود عملوقا وأفلت رباح بن مرة بن طسم فأتى حسان بن تبع مستغيثا فنهض حسان في حمير لإغاثته حتى كان من اليمامة على ثلاث مراحل‏.‏ قال لهم رباح‏:‏ إن لي أختا مزوجة في جديس اسمها اليمامة ليس على وجه الأرض أبصر منها وأنها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل وأخاف أن تنظر القوم‏.‏ فأمر كل رجل أن يقلع شجرة فيجعلها في يده ويسير كأنه خلفها ففعلوا وبصرت بهم اليمامة فقالت لجديس‏:‏ لقد سارت إليكم حمير وإني أرى رجلا من وراء شجرة بيده كتف يتعرقها أونعل يخصفها فاستبعدوا ذلك ولم يحفلوا به وصبحهم حسان وجنوده من حمير فأبادهم وخرب حصونهم وبلادهم وهرب الأسود بن غفار إلى جبلي طىء فأقام بهما ودعا تبع باليمامة أخت رباح التي أبصرتهم فقلع عينها‏.‏ ويقال‏:‏ إنه وجد بها عروقا سودا زعمت أن ذلك من اكتحالها بالإثمد وكانت تلك البلد تسمى جو فسميت باليمامة اسم تلك المرأة‏.‏ قال أبو الفرج الأصبهاني‏:‏ وكانت طيء تسكن الجرف من أرض اليمن وهي اليوم محلة مراد وهمدان وسيدهم يومئذ سامة بن لؤي بن الغوث بن طيء وكان الوادي مسبعة وهم قليل عددهم وكان يجتاز بهم بعير في زمن الخريف ويذهب ثم يجيء من قابل ولا يعرفون مقره وكانت الأزد قد خرجت أيام سيل العرم واستوحشت طيء فظعنوا على أثرهم وقالوا لسامة‏:‏ هذا البعير إنما يأتي من الريف والخصب لأن في بعره النوى فلما جاءهم زمن الخريف اتبعوه يسيرون لسيره حتى هبط عن الجبلين وهجموا على النخل في الشعاب وعلى المواشي وإذا هم بالأسود بن غفار في تلك الشعاب فهالهم خلقة وتخوفوه ونزلوا ناحية ونفضوا الطريق فلم يروا أحدا فأمر سامة ابنه الغوث بقتل الأسود فجاء إليه فعجب من صغر خلقه وقال‏:‏ من أين أقبلتم قال‏:‏ من اليمن وأخبره خبر البعير ثم رماه فقتله وأقامت طيء بالجبلين بعده‏.‏ وذكر الطبري عن غير ابن إسحق أن تبع الذي أوقع بجديس هو والد حسان هذا وهو ثبان أسعد أبو كرب بن ملكي كرب ويأتي ذكره في ملوك اليمن إن شاء الله تعالى انتهى كلام الطبري‏.‏ وقال غيره أن حسان بن تبع لما سار بحمير إلى طسم بعث على مقدمته إليهم عبد كلال بن منوب بن حجر بن ذي رعين من أقيال حمير فسلك بهم رباح بن مرة الرمل وكانت الزرقاء أخت رباح ناكحا في طسم وتسمى عنزة واليمامة وكانت تبصر على البعد فأنذرتهم فلم يقبلوا‏.‏ وصبح عبد بن كلال جديسا إلى آخر القصة وبقيت اليمامة بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها إلا عوافي الطير والسباع حتى نزلها بنو حنيفة وكانوا بعثوا رائدهم عبيد بن ثعلبة الحنفي يرتاد لهم في البلاد فلما أكل من ذلك الثمر قال‏:‏ إن هذا لطعام وحجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة فسميت حجرا واستوطنها بنو حنيفة وبها صبحهم الإسلام كما يأتي في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏ وأما العمالقة فهم بنو عمليق بن لاوذ وبهم يضرب المثل في الطول والجثمان‏.‏ قال الطبري‏:‏ عمليق أبو العمالقة كلهم أمم تفرقت في البلاد فكان أهل المشرق وأهل عمان والبحرين وأهل الحجاز منهم وكانت الفراعنة بمصر منهم وكانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون منهم وكان الذين بالبحرين وعمان والمدينة يسمون جاسم‏.‏ وكان بالمدينة من تجاسم هؤلاء بنو لف وبنو سعد بن هزالف وبنو مطر وبنو الأزرق‏.‏ وكان بنجد منهم بديل وراحل وغفار وبالحجاز منهم إلى تيما بنو الأرقم ويسكنون مع ذلك نجدا‏.‏ وكان ملكهم يسمى الأرقم قال‏:‏ وكان بالطائف بنو عبد ضخم بن عاد الأول‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن سعيد فيما نقله عن كتب التواريخ التي أطلع عليها في خزانة الكتب بدار الخلافة من بغداد قال‏:‏ كانت مواطن العمالقة تهامة من أرض الحجاز فنزلوها أيام خروجهم من العراق أمام النماردة من بني حام ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء إسماعيل صلوات الله عليه وآمن به من آمن منهم‏.‏ وتطرد لهم الملك إلى أن كان منهم السميدع بن لاوذ بن عمليق وفي أيامه خرجت العمالقة من الحرم أخرجتهم جرهم من قبائل قحطان فتفرقوا ونزل بمكان المدينة منهم بنو عبيل برت فعرفت به ونزل أرض أيلة ابن هومر بن عمليق واتصل ملكها في ولده‏.‏ وكان السميدع سمة لمن ملك منهم إلى أن كان آخرهم السميدع بن هومر الذي قتله يوشع لما زحف بنو إسرائيل إلى الشام بعد موسى صلوات الله عليه فكان معظم حروبهم مع هؤلاء العمالقة هنالك فغلبه يوشع وأسره وملك أريحا قاعدة الشام وهي قرب بيت المقدس ومكانها معروف لهذا العهد‏.‏ ثم بعث من بني إسرائيل بعثا إلى الحجاز فملكوه وانتزعوه من أيدي العمالقة ملوكه ونزعوا يثرب وبلادها وخيبر‏.‏ ومن بقاياهم يهود قريطة وبنو النضير وبنو قينقاع وسائر يهود الحجاز على ما نذكره‏.‏ ثم كان لهم ملك بعد ذلك في دولة الروم وملكوا أذينة بن السميدع على مشارف الشام والجزيرة من ثغورهم وأنزلوهم في التخوم ما بينهم وبين فارس‏.‏ وهذا الملك أذينة بن السميدع هو الذي ذكره الشاعر في قوله‏:‏ أزال أذينة عن ملكه وأخرج عن أهله ذا يزن وكان من بعده حسان بن أذينة ومن بعده طرف بن حسان بن يدياه نسبة إلى أمه وبعده عمرو بن طرف وكان بينه وبين جذيمة الأبرش حروب وقتله جذيمة واستولى على ملكهم‏.‏ وكان آخر من العمالقة كما نذكر ذلك في موضعه‏.‏ ومن هؤلاء العمالقة فيما يزعمون عمالقة مصر‏.‏ وأن بعض ملوك القبط استنصر بملك العمالقة بالشام لعهده واسمه الوليد بن دومغ ويقال ثوران بن قال الجرجاني‏:‏ ومن ثم ملك العماليق مصر ويقال‏:‏ إن منهم فرعون إبراهيم وهو سنان بن الأشل بن عبيد بن عولج بن عمليق وفرعون يوسف أيضاً منهم وهو الريان بن الوليد بن فوران‏.‏ وفرعون موسى كذلك وهو الوليد بن مصعب بن أبي أهون بن الهلوان ويقال إنه قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن فاران‏.‏ وكان الذي ملك مصر بعد الريان ابن الوليد طاشم بن معدان‏.‏ كلام الجرجاني‏.‏ وقال غيره‏:‏ الريان فرعون يوسف وهو الذي تسميه القبط نقراوش وأن وزيره كان أطفير وهو العزيز وأنه آمن بيوسف وأن أرض الفيوم كانت مغايض للماء فدبرها يوسف بالوحي والحكمة حتى صارت أعز الديار المصرية وملك بعده ابنه دارم بن الريان وبعده ابنه معدانوس فاستعبد بني إسرائيل‏.‏ قال الكلبي‏:‏ ويذكر القبط أنه فرعون موسى وذكر أهل الأثر أنه الوليد بن مصعب وأنه كان نجارا من غير بيت الملك فاستولى إلى أن ولي حرس السلطان ثم غلب عليه ثم استبد بعده وعليه انقرض أمر العمالقة‏.‏ ولما غرق في اتباع موسى صلوات الله عليه رجع الملك إلى القبط فولوا من بيت ملكهم دلوكة العجوز كما نذكره في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏ وأما بنو إسرائيل فليس عندهم ذكر لعمالقة الحجاز وعندهم أن عمالقة الشام من ولد عملاق بن اليفاد بتفخيم الفاء ابن عيصو أو عيصاب أو العيص بن إسحق بن إبراهيم عليه السلام‏.‏ وفراعنة مصر منهم على الرأيين‏.‏ وأما الكنعانيون الذين ذكر الطبري أنهم من العمالقة فهم عند الإسرائيليين من كنعان بن حام وكانوا قد انتشروا ببلاد الشام وملكوها وكان معهم فيها بنو عيصو المذكورون ويقال لهم بنو يدوم ومن أيديهم جميعا ابتزها بنو إسرائيل عند المجيء أيام يوشع بن نون‏.‏ ولذلك تزعم زناتة المغرب أنهم من هؤلاء العمالقة وليس بصحيح‏.‏ وأما أميم فهم إخوان عملاق بن لاوذ‏.‏ قال السهيلي‏:‏ يقال بفتح الهمزة وكسر الميم وبضم الهمزة وفتح الميم وهو أكثر‏.‏ ووجدت بخط بعض المشاهير أميم بتشديد الميم ويذكر أنهم أول من بنى البنيان واتخذ البيوت والآطام من الحجارة وسقفوا بالخشب‏.‏ وكانت ديارهم فيما يقال‏:‏ أرض فارس‏.‏ ولذلك زعم بعض نسابة الفرس أنهم من أميم وأن كيومرث الذين ينسبون إليه هو ابن أميم بن لاوذ وليس بصحيح‏.‏ وكان من شعوبهم وبار بن أميم نزلوا رمل عالج بين اليمامة والشحر وسالت عليهم الريح فهلكوا‏.‏ وأما العرب البايدة من بني أرفخش بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فهم جرهم وحضورا وحضرموت والسلف‏.‏ فأما حضورا فكانت ديارهم بالرس وكانوا أهل كفر وعبادة أوثان‏.‏ وبعث إليهم نبي منهم اسمه شعيب بن ذي مهرع فكذبوه وهلكوا كما هلك غيرهم في الأمم‏.‏ وأما جرهم فكانت ديارهم باليمن وكانوا يتكلمون بالعبرانية‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ أن يعرب بن قحطان لما غلب عادا على اليمن وملكه من أيديهم ولى إخوته على الأقاليم وولي جرهم على الحجاز وولي بلاد عاد الأولى وهي الشحر عاد بن قحطان فعرفت به وولي عمان يقطن بن قحطان‏.‏ انتهى كلام البيهقي‏.‏ وقيل إنما نزلت جرهم الحجاز‏.‏ ثم بني قطور بن كركر بن عملاق لقحط أصاب اليمن‏.‏ فلم يزالوا بمكة إلى أن كان شأن إسماعيل عليه السلام ونبوته فآمنوا به وقاموا بأمره وورثوا ولاية البيت طارق عنه حتى غلبتهم عليه خزاعة وكنانة فخرجت خرهم من مكة ورجعوا إلى ديارهم باليمن إلى أن هلكوا‏.‏ وأما حضرموت فمعدولحون في العرب العاربة لقر ب أزمانهم وليسوا من العرب اليالمة لأنهم باقون في الأجيال المتأخرة إلا أن يقال‏:‏ أن جمهورهم قد ذهب من بعد عصورهم الاولى واندرجوا في كندة وصاروا من عدادهم فهم بهذا الاعتبار قد هلكوا وبالمحوا والله أعلم‏.‏ وقال علي بن عبد العزيز‏:‏ أنه كانه فيهم ملوك التبابعة في غلؤالصيت ونهاية الذكر‏.‏ قال وذكر جماعة من العلماء أن أول من انبسط ملكة منهم وارتفع ذكره عمرو الأشنب بن ربيعة بن يرام بن حضرموت‏.‏ ثم خلفه ابنه نمر الأزج فملك مائة سنة وقاتل العمالقة ثم ملك كريب فو كراب ثم نمر الأزج مائة وثلاثا وثلاثين سنة وهلك إخوته في ملكه‏.‏ ثم ملك فرثد فو مروان بن كريب مائة وأربعين سنة وكان يسكن مارب ثم نحول إلى حضرموت‏.‏ ثم ملك علقمة فو قيعان بن مرثد ذي مروان بحضرموت ثلاثين سنة‏.‏ ثم ملك فوعيل بن ذي قيعان عشرسنين وسكن صنعاء وغزا الصين فقتل ملكها وأخذ سيفه ذا النور ثم ملك فوعيل بن في عيل بحضرموت عشرسنين‏.‏ ولما شخص سنان فوألم لغزو الصين تحول فوعيل إلى صنعاء واشتدت وطأته‏.‏ وكان أول من غزا الروم من ملوك اليمن وأول من أدخل الحرير والديباج إلى اليمن‏.‏ ثم ملك بدعات بن في عيل بحضرموت أربع سنين‏.‏ ثم ملك بدعيل بن بدعات وبنى حصونا وخلف آثارا ثم ملك بديع فو عيلى‏.‏ ثم ملك حماد بن بدعيل بحضرموت فأنشأ حصنه المعقرب وغزا فارس في عهد سابور ذي الأكتاف وخرب وسبى ودام ملكه ثمانين سنة‏.‏ وكان أول من اتخذ الحجاب من ملوكهم‏.‏ ثم ملك يشرخ ذو الملك بن ودب بن في حماد بن عاد من بلاد حضرموت ماثة سنة وكان أول من رتب الرواتب وأقام الحرس والروابط‏.‏ ثم ملك منجم بن في الملك دثاربن جذيمة بن منعم ثم يشرخ بن جذيمة بن منعم‏.‏ ثم نمربن يشرح ثم ساجن المسمى ابن نمروفي‏!‏‏.‏ إبامه تغلبت الحبشة على اليمن‏.‏ هذه قباثل هذا الجيل من العرب ا‏!‏ لعاربة وما كانوا عليه من الكثرة والملاث إلى أن انقرضوا وأدال الله من أمرهم بالقحطانية كما نحن ذاكروه‏.‏ ولم نغفل منهم إلا من لم يصلنا ذكره من خبره والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وأما جرهم فقال ابن سعيد إنهم أمتان‏:‏ أمة على عهد عاد‏.‏ وأمة من ولد جرهم بن قحطان‏.‏ ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم بن الحجاز‏.‏ ثم ملك من بعده ابنه عبد ياليل ثم بعده ابنه عبد المدان بن جرهم ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان ثم ابنه عبد المسيح بن نفيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه الحرث‏.‏ ثم ملك من بعده جرهم بن عبد ياليل ثم بعده ابنه عمرو بن الحرث‏.‏ ثم أخوه بشير بن الحرث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض‏.‏ قال وهذه الأمة الثانية هم الذين بعث إليهم إسماعيل عليه السلام وتزوج فيهم‏.‏ انتهى‏.‏ وأما بنو سبا بن يقطن فلم يبيدوا وكان لهم بعد تلك الأجيال البائدة أجيال باليمن منهم حمير وكهلان وملوك التبابعة وهم أهل الطبقة الثانية‏.‏ وفي مسند الإمام أحمد‏:‏ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل هو فروة بن مسيق المرادي عن سبا أرجل هو أو إمرأة أم أرض فقال بل رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة والشام أربعة‏.‏ فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعر وأنمار وحمير‏.‏ وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان‏.‏ وثبت أن أباهم قحطان كان يتكلم بالعربية ولقنها عن الأجيال قبله فكانت لغة بنيه‏.‏ ولذلك سموا العرب المستعربة ولم يكن في آباء قحطان من لدن نوح عليه السلام إليه من يتكلم بالعربية وكذلك كان أخوه فالغ وبنوه إنما يتكلمون بالعجمية إلى أن جاء إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما فتعلم العربية من جرهم فكانت لغة بنيه وهم أهل الطبقة الثالثة المسمون بالعرب التابعة للعرب‏.‏ فلنذكر هذا النسب لينتظم أجياله مع الأجيال السابقة واللاحقة ونستوفي أنساب الأمم منها‏.‏

  الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه إلى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

ولنذكر الآن أهل هذا النسب ما بين إسماعيل ونوح عليهما السلام ومن كان منهم أو من إخوانهم أو أبنائهم من الأنبياء والشعوب والملوك وما كان لإسماعيل صلوات الله عليه من الولد ونختم هذه الطبقة الأولى بذكرهم وإن كانوا عجما في لغاتهم إلا أنهم أصون الخليقة في أنسابهم وكل البشر على بعض الآراء من أعقابهم وهم مع ذلك معاصرون لهذه الطبقة فيتسق الكلام فنبدأ أولا بذكر عمود هذا النسب على التوالي ثم نرجع إلى أخبارهم‏.‏ وإسماعيل صلوات الله عليه هو ابن إبراهيم بن آزر وهو تارح وآزر اسم لصنمه لقب به ابن ناحور بن ساروخ بالخاء أو بالغين ابن عابر أو عنبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح‏.‏ وهذه الأسماء الأعجمية كلها منقولة من التوراة ولغتها عبرانية ومخارج حروفها في الغالب مغايرة لمخارج الحروف العربية‏.‏ وقد يجيء الحرف منها بين حرفين من العربية فترعه العرب إلى أحد ذينك الحرفين وفي مخرجه فيتغير عن أصله ولذلك تكون فيها إمالة متوسطة أو محضة فيصير إلى حرف العلة التي بعده من ياء أو واو فلذلك تنقل الكلمة منها على اختلاف‏.‏ وإلا فشأن الأعلام أن لا تختلف‏.‏ وقال الطبري أن بين شالخ وأرفخشد أبا آخر اسمه قينن وسقط ذكره من التوراة لأنه كان ساحرا وادعى الألوهية‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ في كتب النصارى أن بين فالغ وعابر أبا آخر اسمه ملكيصد وهو أبو فالغ‏.‏ واعلم أن نوحا صلوات الله عليه بلغ عمره يوم الطوفان ستمائة سنة عاش بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة فكانت جملة ذلك تسعمائة وخمسين سنة‏.‏ ألف سنة إلا خمسين‏.‏ وهذا نص المصحف الكريم وكذا وقع في التوراة بعينه‏.‏ ومن الغريب الواقع في التوراة أن عمر إبراهيم كان يوم وفاة نوح ثلاثا وخمسون سنة لأنه قال أن أرفخشد ولد لسام بعد سنتين من الطوفان ولما بلغ خمسا وثلاثين سنة ولد له ابنه شالخ وبعد ثلاثين سنة ولد ابنه عابر وبلغ عابر أربعا وثلاثين سنة فولد ابنه فالغ وبلغ فالغ ثلاثين سنة فولد له أرغو وبلغ أرغو اثنتين وثلاثين سنة فولد شاروغ وبلغ شاروغ ثلاثين سنة فولد ناحور وبلغ ناحور تسعا وعشرين سنة فولد تارح وبلغ تارح خمسا وسبعين سنة فولد إبراهيم‏.‏ وجملة هذه السنين من الطوفان إلى ولادة إبراهيم مائتان وسبع وتسعون سنة‏.‏ وعمر نوح بعد الطوفان ثلثمائة وخمسون سنة فيكون إبراهيم بعد وفاة نوح ابن ثلاث وخمسين سنة فيكون لقي نوحا صلوات الله عليهما وخالطه وأخذ عنه وهو على رأي بعضهم أب لجميع الشعوب من بعده فلذلك كان الأب الثالث للخليقة من بعد آدم ونوح صلوات الله عليهم أجمعين‏.‏ وفي كتاب البدء ونقله ابن سعيد أن أول من ملك الأرض من ولد نوح كنعان بن كوش بن حام فسار من أرض كنعان بالشام إلى أرض بابل فبنى مدينة بابل اثني عشر فرسخا في مثلها وورث ملكه ابنه النمرود بن كنعان وعظم سلطانه في الأرض وطال عمره وغلب على أكثر المعمور وأخذ بدين الصابئة وخالفه الكلدانيون منهم في التوحيد وأسمائه ومال معهم بنو سام وكان سام قد نزل بشرقي الدجلة وكان وصي أبيه في الدين والتوحيد وورث ذلك ابنه أرفخشذ ومعنى أرفخشذ مصباح مضيء فاشتغل بالعبادة ودعاه الكلدانيون إلى القيام بالتوحيد فامتنع‏.‏ ثم قام من بعده ابنه شالخ وعاش طويلا وقام من بعده بأمره ابنه عابر كذلك وخرج مع الكلدانيين على النمرود منكرا لعبادة الهياكل فغلبه نمروذ وأخرجه من كوثا فلحق هو ومن معه من الحلفاء بالجزيرة وهي مدينة المجدل بين الفرات ودجلة‏.‏ وعابر هذا هو أبو العبرانيين الذين تكلموا بالعبرانية واستفحل ملكه بالمجدل‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وورث من بعده ابنه فالغ وهو الذي قسم الأرض بين ولد نوح‏.‏ وفي زمانه بنى النمروذ الصرح ببابل وكان من أمره ما نصه القرآن وقام بأمر فالغ من بعد ابنه ملكان فيما زعموا وغلبه الجرامقة والنبط على ملكه وقام بالمجدل في ملكهم إلى أن هلك وخلف ابنه أتيا ويقال له الخضر وأما أرغوا بن فالغ فعبر إلى كلواذا ودخل في دين النبط وهي بدعة الصابئة‏.‏ وولد له منهم ابنه شاروخ‏.‏ ثم بعده ناحور بن شاروخ ثم بعده تارح بن ناحور الذي سمي آزر واستخلص النمروذ آزر وقدمه على بيت الأصنام والنمروذ من ملوك الجرامقة واسمه هاصد بن كوش‏.‏ انتهى كلام ابن سعيد‏.‏ وولد لتارح وهو آزر على ما وقع في التوراة ثلاثة من الولد إبراهيم وناحور وهاران ومات هاران في حياة أبيه تارح وترك ابنه لوطا فهو ابن أخي إبراهيم‏.‏ قال الطبري‏:‏ ولد إبراهيم الخليل قيل بناحية كوثا من السواد وهو قول ابن إسحق وقيل بحران وقيل ببابل وعامة السلف أنه ولد على عهد نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام‏.‏ وكان الكهان يتحدثون بولادة رجل يخالف الدين ويكسر الأصنام والأوثان فأمر بذبح الولدان فولدته أمه وتركته بمغارة في فلاة من الأرض حتى كبر وشب ورأى في الكواكب ما رآه وكملت نبوته فأحضرته إلى أبيه ودعاه إلى التوحيد فامتنع وكسرا إبراهيم الأصنام واحضر عند نمروذ وقذفه في النار فصارت بردا وسلاما وخرج منها ولم تعد عليه كما نص ذلك القرآن‏.‏ ثم تدبر النمروذ في أمره وطلب من إبراهيم أن يقرب قربانا يفتدي مما دعاه إليه فقال له إبراهيم لن يقبل منك إلا الإيمان فقال‏:‏ لا أستطيع‏.‏ وترك إبراهيم وشأنه‏.‏ ثم أمر الله إبراهيم بالخروج من أرض الكلدانيين ببابل فخرج به أبوه تارح ومعهما على في التوراة ابنه ناحور بن تارح وزوجته ملكا بنت أخيه هاران وحافده لوط بن هاران‏.‏ قال في التوراة‏:‏ وكنته سارة يعني زوج إبراهيم فقيل إنها أخت ملكا بنت هاران بن تارح وقيل بنت ملك حران طعنت على قومها في الدين فتزوجها إبراهيم على أن لا يضرها ويرد هذا ما في التوراة أنها خرجت معهم من أرض الكلدانيين إلى حران فتزوجها‏.‏ وقيل‏:‏ إنها بنت هاران بن ناحور‏.‏ وهاران عم إبراهيم قاله السهيلي فأقاموا بحران ومات بها أبوه تارح وعمره مائتا سنة وخمس سنين‏.‏ ثم أمر بالخروج إلى أرض الكنعانيين ووعده الله بأن تكون أثراً لبنيه وأنهم يكثرون مثل حصى الأرض‏.‏ فنزل بمكان بيت المقدس وهو ابن خمس وسبعين سنة ثم أصاب بلد الكنعانيين مجاعة فخرج إبراهيم في أهل بيته وقدم مصر ووصف لفرعون ملك القبط جمال امرأته سارة فأحضرها عنده ولما هم بها يبست يده على صدره فطلب منها الإقامة فدعت له الله فانطلقت يده‏.‏ ويقال عاود ذلك ثلاثا يصاب في كلها وتدعو له فردها إلى إبراهيم واستخدمها هاجر‏.‏ قال الطبري‏:‏ والملك الذي أراد سارة هو سنان بن علوان وهو أخو الضحاك‏.‏ والظاهر أنه من ملوك القبط‏.‏ ثم ساروا إلى أرض كنعان بالشام‏.‏ ويقال‏:‏ إن هاجر أهدها ملك الأردن لسارة وكان اسمه فيما قال الضبي صلاوق وأنه انتزع سارة من إبراهيم ولما هم بها صرع مكانه وسألها في الدعاء فدعت له فأفاق فردها إلى إبراهيم وأخدمها هاجر أمة كانت لبعض ملوك القبط‏.‏ ولما عاد إبراهيم إلى أرض كنعان نزل جيرون وهو مدفنه المسمى بالخليل وكانت معظمة تعظمها الصابئة وتسكب عليها الزيت للقربان‏.‏ وتزعم أنها هيكل المشتري والزهرة فسماها العبرانيون إيليا ومعناه بيت الله‏.‏ ثم أن لوط فارق إبراهيم عليه السلام لكثرة مواشيهما وتابعهما وضيق المرعى‏.‏ فنزل المؤتفكة بناحية فلسطين وهي بلاد العدور المعروف بعدور صقر وكانت هناك على ما نقله المحققون خمس قرى سدوم‏.‏ ووجدهم على ارتكاب الفواحش فدعاهم إلى الدين ونهاهم عن المخالفة فكذبوه وعتوا وأقام فيهم داعيا إلى الله إلى أن هلكوا كما قصه وخرج لوط مع عساكر كنعان وفلسطين للقاء ملوك الشرق حين زحفوا إلى أرض الشام وكانوا أربعة ملوك‏:‏ ملك الأهواز من بني غليم بن سام واسمه كرزلا عامر وملك بابل واسمه في التوراة شنعا واسمه أمراقيل ويقال هو نمروذ وملك الأستار - وما أدري معنى هذه اللفظة - واسمه أريوح وملك كوتم ومعناه ملك أمم أو جماعة واسمه تزعال‏.‏ وكان ملوك كنعان الذين خرجوا إليهم خمسة على عدد القرى الخمسة‏.‏ وذلك أن ملك الأهواز كان استعبدهم اثنتي عشرة سنة ثم عصوا فزحف إليهم واستجاش بالملوك المذكورين معه فأصابوا من أهل جبال يسعين إلى فاران التي في البرية وكان بها يومئذ الجويون من شعوب كنعان أيضاً‏.‏ وخرج ملك سدوم وأصحابه لمدافعتهم فانهزم هو والملوك الذين معه من أهل سدوم وسباهم ملك الأهواز ومن معه من الملوك وأسروا لوطا وسبوا أهله وغنموا ماشيته‏.‏ وبلغ الخبر إبراهيم عليه السلام فاتبعهم في ولده ومواليه نحوا من ثلثمائة وثمانية عشر ولحقهم بظاهر دمشق فدهمهم فانفضوا وخلص لوطا في تلك الوقعة وجاء بأهله ومواشيه وتلقاهم ملك سدوم واستعظم فعلتهم‏.‏ ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن هذه الأرض‏:‏ أرض الكنعانيين التي أنت بها ملكتها لك ولذريتك وأكثرهم مثل حصى الأرض وأن ذريتك يسكنون في أرض ليست لهم أربعمائة سنة ويرجع الحقب الرابع إلى هنا‏.‏ ثم إن سارة وهبت مملوكتها هاجر القبطية لإبراهيم عليه السلام لعشر سنين من مجيئهم من مصر‏.‏ وقالت لعل الله يرزقك منها ولدا وكان إبراهيم قد سأل الله أن يهب له ولدا فوعده به‏.‏ وكانت سارة قد كبرت وعقمت عن الولد فولدت هاجر لإبراهيم إسماعيل عليهما السلام لست وثمانين من عمره‏.‏ وأوحى الله إليه أني قد باركت عليه وكثرته ويولد له اثنا عشر ولدا ويكون رئيسا لشعب عظيم‏.‏ وأدركت سارة الغيرة من هاجر وطلبت منه إخراجها وأمره الله أن يطيع سارة في أمرها فهاجر بها إلى مكة ووضعها وابنها بمكان زمزم عند دوحة هنالك وانطلق‏.‏ فقالت له هاجر‏:‏ الله أمرك قال‏:‏ نعم فقالت‏:‏ إذا لا يضيعنا‏.‏ وانطلق إبراهيم وعطش إسماعيل بعد ذلك عطشا شديدا وأقامت هاجر تتردد بين الصفا والمروة إلى أن صعدت عليها سبع مرات لعلها تجد شيئا ثم أتته وهو يفحص برجلين فنبعت زمزم‏.‏ وعن السدي أنه تركه في مكان الحجر واتخذ فيه عريشا وأن جبريل هو الذي همز له الماء بعقبه وأخبر هاجر أنها عين يشرب بها ضيفان الله وأن أبا هذا الغلام سيجيء ويبنيان بيتا لله هذا مكانه‏.‏ ثم مرت رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم أقبلوا من كداء ونزلوا أسفل مكة فرأوا الطير حائمة فقالوا‏:‏ لا نعلم بهذا الوادي ماء ثم أشرفوا فرأوا المرأة ونزلوا معها هنالك‏.‏ وعن ابن عباس‏:‏ كانت أحياؤها قريبا من ذلك المكان فلما رأوا الطير تحوم عليه اقبلوا إليه فوجدوهما فنزلوا معهما حتى كان بها أهل أبيات منهم وشب إسماعيل بينهم وتعلم اللغة العربية منهم وأعجبهم وزوجوه إمرأة منهم‏.‏ وماتت أمه هاجر فدفنها في الحجر‏.‏ ولما رجع إبراهيم وأقام في أهله بالشام وبالغ أهل المؤتفكة في العصيان والفاحشة ودعاهم لوط فكذبوه وأقام على ذلك‏.‏ قال الطبري‏:‏ فأرسل الله رسولا من الملائكة لإهلاكهم ومروا بإبراهيم فأضافهم وخدمهم وكان من ضحك سارة وبشارة الملائكة لها بإسحق وابنه يعقوب ما قصه القرآن‏.‏ وكانت البشارة بإسحق وإبراهيم ابن مائة سنة وسارة بنت تسعين‏.‏ وفي التوراة أنه أمر أن يحرر ولده إسماعيل لثلاث عشرة سنة من عمره‏.‏ ولكل من في بيته من الأحرار فكان ذلك لتسع وتسعين من عمر إبراهيم‏.‏ وقال له‏:‏ ذلك عهد بيني وبينك وذريتك‏.‏ ثم أهلك الله المؤتفكة ونجى لوطا إلى أرض الشام فكان بها مع عمه إبراهيم صلوات الله عليهما‏.‏ وولدت سارة إسحق وأمر الله إبراهيم بعد ولادة إسماعيل وإسحق ببناء بيت يعبد فيه ويذكر ولم يعرف مكانه فجعل له علامة تسير معه حتى وقفت به على الوضع يقال‏:‏ إنها ريح لينة لها رأسان تسير معه حتى تكون بالموضع ويقال بل بعث معه جبريل لذلك حتى أراه وكان إبراهيم يعتاد إسماعيل لزيارته‏.‏ ويقال أنه كان يستأذن سارة في ذلك وأنها شرطت عليه أن لا يقيم عندهم وأن إبراهيم وجد امرأة لإسماعيل في غيبة منه‏.‏ وكانت من العماليق وهي عمارة بنت سعيد بن أسامة بن أكيل‏.‏ فرآها فظة غليظة فأوصاها لإسماعيل بأن يحول عتبة بابه فلما قصت عليه الخبر والوصية قال‏:‏ ذاك أبي يأمرني أن أطلقك فطلقها وتزوج بعدها السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي وخالفه إبراهيم إلى بيته فتسهلت له بالإذن وأحسنت التحية وقربت الوضوء والطعام‏.‏ فأوصاها لإسماعيل بأني قد رضيت عتبة بابك‏.‏ ولما قصت عليه الوصية قال‏:‏ ذلك أبي يأمرني بإمساكك فأمسكها‏.‏ ثم جاء إبراهيم مرة ثالثة وقد أمره الله ببناء البيت وأمر إسماعيل بإعانته فرفعوها من القواعد وتم بناؤها وأذن في الناس بالحج‏.‏ ثم زوج لوط ابنته من مدين بن إبراهيم عليهما السلام وجعل الله في نسلها البركة‏.‏ فكان منهم أهل مدين الأمة المعروفة‏.‏ ثم ابتلى الله إبراهيم بذبح ابنه في رؤيا رآاها وهي وحي وكانت الفدية ونجى الله ذلك الولد كما قص في القرآن‏.‏ واختلف في ذلك الذبيح من ولديه فقيل إسماعيل وقيل إسحق‏.‏ وذهب إلى كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين‏.‏ فالقول بإسماعيل لابن عباس وابن عمر والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي وقد يحتجون له بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أنا ابن الذبيحين ‏"‏ ولا تقوى الحجة به لأن عم الرجل قد يجعل أباه بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر‏.‏ ويحتجون أيضاً بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ ‏"‏ ولو كان ذبيحا في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لأن الذبح في الصبا ينافي وجود الولد ولا تقوم من ذلك حجة لأن البشارة إنما وقعت على وفق العلم بأنه لا يذبح وإنما كان ابتلاء لإبراهيم‏.‏ والقول بإسحق للعباس وعمر وعلي وابن مسعود وكعب الأحبار وزيد بن أسلم ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطا والزهري ومكحول والسدي وقتادة‏.‏ وقال الطبري‏:‏ والراجح أنه إسحق لأن نص القرآن يقتضي أن الذبيح هو المبشر به ولم يبشر إبراهيم بولد إلا من زوجته سارة مع أن البشارة وقعت إجابة لدعائه عند مهاجره من أرض بابل‏.‏ وقوله‏:‏ إني ذاهب إلى ربي سيهدين‏.‏ ثم قال عقبة‏:‏ رب هب لي من الصالحين‏.‏ ثم قال عقبة‏:‏ فبشرناه بغلام حليم‏.‏ وذلك كله كان قبل هاجر لأن هاجر إنما ملكتها سارة بمصر وملكتها لإبراهيم بعد ذلك بعشر سنين‏.‏ فالبشر به قبل ذلك كله إنما هو ابن سارة فهو الذبيح بهذه الدلالة القاطعة‏.‏ وبشارة الملائكة لسارة بعد ذلك حين كانوا ضيوفا عند إبراهيم في مسيرهم لإهلاك سدوم إنما كان تجديدا للبشارة المتقدمة‏.‏ ثم توفيت لمائة وسبع وعشرين من عمرها وذلك في قرية جيرون من بلاد بني حبيب الكنعانيين‏.‏ فطلب إبراهيم منهم مقبرة لها فوهبه عفرون بن صخر مغارة كانت في مزرعته فامتنع من قبولها إلا بالثمن فأجاب إلى ذلك وأعطاه إبراهيم أربعمائة مثقال فضة ودفن فيها سارة‏.‏ وتزوج إبراهيم من بعدها قطورا بنت يقطان الكنعانيين‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ قنطورا بزيادة نون بين القاف والطاء وهذا الاسم أعجمي وطاؤه قريبة من التاء‏.‏ فولدت له كما هو مذكور في التوراة ستة من الولد وهم‏:‏ زمران يقشان مدان مدين أشبق شوخ‏.‏ ثم وقع في التوراة ذكر أولادهم‏.‏ فولد يقشان سبا ودذان وولد دذان أشور ثم ولطوسيح ولاميم‏.‏ وولد مدين عيفا وعيفين وحنوخ وأفيداع وألزاعا‏.‏ هذا آخر ولده من قنطورا في التوراة‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ كان لإبراهيم عليه السلام أولاد آخرون‏:‏ خمسة من امرأة اسمها حجين أو حجون بنت أهيب وهم كبسان وفروخ وأميم ولوطان ونافس‏.‏ ولما ذكر الطبري بني قنطورا الستة وسمى منهم يقشان قال بعده‏:‏ وسائرهم من الأخرى وهي رعوة‏.‏ ثم قال‏:‏ ومن يقشان جيل البربر‏.‏ فولد إبراهيم على هذا ثلاثة عشر‏:‏ فإسماعيل من هاجر وإسحق من سارة وستة من قنطورا كما ذكر في التوراة والخمسة بنو حجين عند السهيلي أو رعوة عند الطبري وكان إبراهيم عليه السلام قد عهد لابنه إسحق أن لا يتزوج في الكنعانيين وأكد العهد والوصية بذلك لمولاه القائم على أموره ثم بعثه إلى حران مهاجرهم الأول فخطب من ابن أخيه بتويل بن ناحور بن آزر بنته رفقا فزوجها أبوها واحتملها ومن معها من الجواري وجاء بها إلى إسحق في حياة أبيه وعمره يومئذ أربعون سنة‏.‏ فتزوجها وولدت له يعقوب وعيصو توأمين وسنذكر خبرهما‏.‏ ثم قبض الله نبيه إبراهيم صلوات الله عليه بمكان هجرته من أرض كنعان وهو ابن مائة وخمس وسبعين سنة ودفن مع سارة في مغارة عفرون الحبيبي وعرف بالخليل لهذا العهد‏.‏ ثم جعل الله في ذريته النبوة والكتاب آخر الدهر‏.‏ إسماعيل‏:‏ فإسماعيل سكن مع جرهم بمكة وتزوج فيهم وتعلم لغتهم وتكلم بها وصار أبا لمن بعده من أجيال العرب وبعثه الله إلى جرهم والعمالقة الذين كانوا بمكة وإلى أهل اليمن فآمن بعض وكفر بعض‏.‏ ثم قبضه الله إليه وخلف ولده بين جرهم وكانوا على ما ذكر في التوراة اثني عشر أكبرهم بنايوت وهو الذي تقوله العرب نابت ونبت ثم قيذار وأدبيل وبسام ومشمع وذوما ومسا وحراه وقيما وبطور ونافس وقدما‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ وعاش فيما ذكر مائة وثلاثين سنة ودفن في الحجر مع أمه هاجر ويقال آجر‏.‏ وفي التوراة أنه قبض ابن مائة وسبع وثلاثين سنة وأن شيعته سكنوا من حويلا إلى شور قبالة مصر من مدخل أثور وسكنوا على حذر شيع إخوته‏.‏ وحويلا عند أهل التوراة هي جنوب برقة والواو منها قريبة من الياء‏.‏ وشور هي أرض الحجاز وأثور بلاد الموصل والجزيرة‏.‏

ثم ولي البيت من بعد إسماعيل ابنه نابت وأقام ولده بمكة مع أخوالهم جرهم حتى تشعبوا وكثر نسلهم وتعددت بطونهم من عدنان في عداد معد ثم بطون معد في ربيعة ومضر وإياد وأنمار بني نزار بن معد‏.‏ فضاقت بهم مكة على ما نذكره عند ذكر قريش وأخبار ملكهم بمكة‏.‏ فكانت بطون عدنان هذه كلها من ولد إسماعيل لابنه نابت وقيل لقيذار‏.‏ ولم يذكر النسابون نسلا من ولده الآخرين‏.‏ وتشعبت من إسماعيل أيضاً عند جماعة من أهل العلم بالنسب بطون قحطان كلها فيكون على هذا أبا لجميع العرب بعده‏.‏ إسحق‏:‏ وأما إسحق فأقام بمكانه من فلسطين وعمر وعمي بعد الكثير من عمره وبارك على ولده يعقوب فغضب بذلك أخوه عيصو وهم بقتله فأشارت عليه رفقا بنت بتويل بالسير إلى حران عند خاله لابان بن بتوبل فأقام عنده وزوجه بنتيه‏.‏ فزوجه أولا الكبرى واسمها ليا وأخدمها جاريتها زلفة ثم من بعدها أختها الصغرى واسمها راحيل وأخدمها جاريتها بلها‏.‏ وأول من ولد منهن ليا ولدت له روبيل ثم شمعون ثم لاوى ثم يهوذا‏.‏ وكانت راحيل لا تحبل فوهبت جاريتها بلها ليعقوب لتلد منه فولدت له دان ثم نفتالي ولما فعلت ذلك راحيل وهبت أختها ليا ليعقوب عليه السلام جاريتها زلفة فولدت له كاد وآشر ثم ولدت ليا من بعد ذلك يساخر ثم زبولون فكمل له بذلك عشرة من الولد‏.‏ ثم دعت راحيل الله عز وجل أن يهب لها ولدا من يعقوب فولدت يوسف وقد كملت له بحران عشرون سنة ثم أمر بالرحيل إلى أرض كنعان التي وعدوا بملكها‏.‏ فارتحل وخرج لابان في اتباعه وعزم له في المقام عنده فأبى فودعه وانصرف إلى حران‏.‏ وسار يعقوب لوجهه حتى إذا قرب من بلد عيصو وهو جبل يسعين بأرض الكرك والشوبك لهذا العهد اعترضه عيصو لتلقيه وكرامته فأهدى إليه يعقوب من ماشيته هدية احتفل فيها وتودد إليه بالخضوع والتضرع فذهب ما كان عند عيصو‏.‏ وأوحى الله إليه بأن يكون اسمه إسرائيل ومر على أرشاليم وهي بيت المقدس فاشترى هنالك مزرعة ضرب فيها فسطاطه وأمر ببناء مرجح سماه إيل في مكان الصخرة‏.‏ يوسف‏:‏ ثم حملت راحيل هنالك فولدت له بنيامين وماتت من نفاسه ودفنها في بيت لحم‏.‏ ثم جاء إلى أبيه إسحق بقرية جيرون من أرض كنعان فأقام عنده‏.‏ ومات إسحق عليه السلام لمائة وثمانين سنة من عمره ودفن مع أبيه في المغارة وأقام يعقوب بمكانه وولده عنده‏.‏ وشب يوسف عليه السلام على غير حالهم من كرامة الله به وقص عليهم رؤياه التي بشر فيها بأمره فغصوا به وخرجوا معه إلى الصيد فألقوه في الجب‏.‏ واستخرجه السيارة الذين مروا به بعد ذلك وباعوه للعرب بعشرين مثقالا‏.‏ ويقال‏:‏ إن الذي تولى بيعه هو مالك بن دعر بن واين بن عيفا بن مدين‏.‏ واشتراه من العرب عزيز مصر وهو وزيرها أو صاحب شرطتها‏.‏ قال ابن إسحق واسمه أطفير بن رجيب وقيل قوطفير‏.‏ وكان ملكها يومئذ من العماليق الريان بن الوليد بن دومغ‏.‏ وربي يوسف عليه السلام في بيت العزيز فكان من شأنه مع امرأته زليخا ومكثه في السجن وتعبيره الرؤيا للمحبوسين من أصحاب الملك ما هو مذكور في الكتاب الكريم‏.‏ ثم استعمله ملك مصر عندما خشي السنة والغلاء على خزائن الزرع في سائر مملكته يقدر جمعها وتصريف الأرزاق منها وأطلق يده بذلك في جميع أعماله وألبسه خاتمه وحمله على مركبه‏.‏ ويوسف لذلك العهد ابن ثلاثين سنة فقيل عزل أطفير العزيز وولاه‏.‏ وقيل بل مات أطفير فتزوج زليخا وتولى عمله وكان ذلك سببا لانتظام شمله بأبيه وإخوته لما أصابتهم السنة بأرض كنعان وجاء بعضهم للميرة وكال لهم يوسف عليه السلام ورد عليهم بضاعتهم وطالبهم بحضور أخيهم فكان ذلك كله سببا لاجتماعه بأبيه يعقوب بعد أن كبر وعمي‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ كان ذلك لعشرين سنة من مغيبه ولما وصل يعقوب إلى بلبيس قريبا من مصر خرج يوسف ليلقاه‏.‏ ويقال خرج فرعون معه وأطلق لهم أرض بلبيس يسكنون بها وينتفعون‏.‏ وكان وصول يعقوب صلوات الله عليه في سبعين راكبا من بنيه ومعه أيوب النبي من بني عيصو وهو أيوب بن برحما بن زبرح بن رعويل بن عيصو واستقروا جميعا بمصر ثم قبض يعقوب صلوات الله عليه لسبع عشرة من مقدمه ولمائة وأربعين من عمره وحمله يوسف صلوات الله عليه إلى أرض فلسطين وخرج معه أكابر مصر وشيوخها بإذن من فرعون‏.‏ واعترضهم بعض الكنعانيين في طريقهم فأوقعوا بهم وانتهوا إلى مدفن إبراهيم وإسحق عليهما السلام فدفنوه في المغارة عندهما وانتقلوا إلى مصر‏.‏ وأقام يوسف صلوات الله عليه بعد موت أبيه ومعه إخوته إلى أن دركته الوفاة فقبض لمائة وعشرين سنة من عمره وأدرج في تابوت وختم عليه ودفن في بعض مجاري النيل‏.‏ وكان يوسف أوصى أن يحمل عند خروج بني إسرائيل إلى أرض اليفاع فيدفن هنالك ولم تزل وصيته محفوظة عندهم إلى أن حمله موسى صلوات الله عليه عند خروجه ببني إسرائيل من مصر‏.‏ ولما قبض يوسف صلوات الله عليه وبقي من بقي من الأسباط إخوته وبنيه تحت سلطان الفراعنة بمصر تشعب نسلهم وتعددوا إلى أن كاثروا أهل الدولة وارتابوا بهم فاستعبدوهم‏.‏ قال المسعودي‏:‏ دخل يعقوب إلى مصر مع ولده الأسباط وأولادهم حين أتوا إلى يوسف في سبعين راكبا وكان مقامهم بمصر إلى أن خرجوا مع موسى صلوات الله عليه نحوا من مائتين وعشر سنين فتداولهم ملوك القبط والعمالقة بمصر ثم أحصاهم موسى في التيه وعد من يطيق حمل السلاح من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف ويزيحون‏.‏ وقد ذكرنا ما في هذا العدد من الوهم والغلو في مقدمة الكتاب فلا نطول به‏.‏ ووقوعه في نص التوراة لا يقضي بتحقيق هذا العدد لأن المقام للمبالغة فلا تكون إعداده نصوصا‏.‏ وكان ليوسف صلوات عليه من الولد كثير إلا أن المعروف منهم اثنان‏:‏ أفراثيم ومنشى وهما معدودان في الأسباط لأن يعقوب صلوات الله عليه أدركهما وبارك عليهما وجعلهما من جملة ولده‏.‏ وقد يزعم بعض من لا تحقيق عنده أن يوسف صلوات الله عليه استقل آخراً بملك مصر وينسب لبعض ضعفة المفسرين ومعتمدهم في ذلك قول يوسف عليه السلام في دعائه‏:‏ رب قد آتيتني من الملك ولا دليل لهم في ذلك لأن كل من ملك شيئا ولو في خاصة نفسه فاستيلاؤه يسمى ملكا حتى البيت والفرس والخادم فكيف من ملك التصرف ولو كان في شعب واحد منها فهو ملك‏.‏ وقد كان العرب يسمون أهل القرى والمدائن ملوكا مثل هجر ومعان دومة الجندل فما ظنك بوزير مصر لذلك العهد وفي تلك الدولة‏.‏ وقد كان في الخلافة العباسية تسمى ولاة الأطراف وعمالها ملوكا فلا استدلال لهم في هذه الصيغة وأخرى أيضاً فيما يستدلون به من قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ‏"‏ أن لا يكون لهم فيه مستند لأن التمكين يكون بغير الملك‏.‏ ونص القرآن إنما هو بولايته على أمور الزرع في جمعه وتفريقه كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏ اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ‏"‏‏.‏ ومساق القصة كلها أنه مرؤوس في تلك الدولة بقرائن الحال كلها لا ما يتوهم من تلك اللفظة الواقعة في دعائه فلا نعدل من النص المحفوف بالقرائن إلى هذا المتوهم الضعيف‏.‏ وأيضاً فالقصة في التوراة قد وضعت صريحة في أنه لم يكن ملكا ولا صار إليه ملك‏.‏ وأيضاً فالأمر الطبيعي من الشوكة والقطامة له يدفع أن يكون حصل له ملك لأنه إنما كان في تلك الدولة قبل أن يأتي إليه إخوته منفردا لا يملك إلا نفسه ولا يأتي الملك في هذا الحال وقد تقدم ذلك في مقدمة الكتاب والله أعلم‏.‏ عيصو‏:‏ وأما عيصو بن إسحق فسكن جبال بني يسعين من بني جوى إحدى شعوب كنعان وهي جبال الشراة بين تبوك وفلسطين وتعرف اليوم ببلاد كرك والشوبك‏.‏ وكان من شعوبهم هنالك على ما في التوراة بنو لوطان وبنو شوبال وبنو صمقون وبنو عنا وبنو ديشوق وبنو يصد وبنو ديسان سبعة شعوب‏.‏ ومن بني ديشون الأشبان فسكن عيصو بينهم بتلك البلاد وتزوج منهم من بنات عنا بن يسعين من جوى وهي أهليقاما وتزوج أيضاً من بنات حي من الكنعانيين عاذا بنت أيلول وباسمت بنت إسماعيل عليه السلام‏.‏ وكان له من الولد خمسة مذكورون في التوراة أكبرهم أليفاز بالفاء المفخمة وإشباع حركتها وزاي معجمة من بعدها من عاذا بنت أيلول‏.‏ ثم رعويل من باسمت بنت إسماعيل ثم يعوش ويعلام وقورح من أهليقاما بنت عنا‏.‏ وولد أليفاز ستة من الولد‏:‏ ثيمال وأومار وصفو وكعتام وقتال وعمالق السادس لسرية اسمها تمتاع وهي شقيقة لوطان بن يسعين‏.‏ وولد رعويل بن عيصو أربعة من الولد‏:‏ ناحة وزيدم وشتما ومرا‏.‏ هكذا وقع ذكر ولد العيص وولدهم في التوراة‏.‏ وفيها أن العيص اسمه أدوم فلذلك قيل لهم بنو أدوم ولبعض الإسرائيليين أن أدوم اسم لذلك الجبل ومعناه بالعبرانية الجبل الأحمر الذي لا نبات له‏.‏ وقد يقع لبعض المؤرخين أن القياصرة ملوك الروم من ولد عيصو وقال الطبري‏:‏ أن الروم وفارس من ولد رعويل بن باسمت وليس ذلك كله بصحيح‏.‏ ورأيته في كتاب يوسف بن كرمون‏:‏ مؤرخ العمارة الثانية ببيت المقدس قبيل الجلوة الكبرى وكان من كهنوتينا اليهود وهو قريب من الغلط‏.‏ قال ابن حزم في كتاب الجمهرة‏:‏ وكان لإسحق عليه السلام ابن آخر غير يعقوب اسمه عيصاب أو عيصو كان بنوه يسكنون جبال الشراة بين الشام والحجاز وقد بادوا جملة إلا أن قوما يذكرون أن الروم من ولده وهذا خطأ‏.‏ وإنما وقع لهم هذا الغلط لأن موضعهم كان يقال له أدوم فظنوا أن الروم من ذلك الموضع وليس كذلك لأن الروم إنما نسبوا إلى رمس باني رومة فإن ظن ظان أن قول النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم للحر بن قيس‏:‏ ‏"‏ هل لك في بلاد بني الأصفر العام ‏"‏ وذلك في غزوة تبوك يدل على أن الروم من بني الأصفر وهو عيصاب المذكور وليس كما ظن‏.‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم حق وإنما عنى عليه السلام بني عيصاب على الحقيقة لا الروم لأن مغزاه عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوة كان إلى ناحية الشراة مسكن القوم المذكورين كلام ابنت حزم‏.‏ وزعم أهروشيوش مؤرخ الروم أن أم الفينان وهاوا وعالوم وقدوح الأربعة من بنات كاتيم بن ياوان بن يافث والأول أصح لأنه نص التوراة‏.‏ ثم كثر نسل بني عيصو بأرض يسعين وغلبوا الجويين على تلك البلاد وغلبوا بني مدين أيضاً على بلادهم إلى أيلة‏.‏ وتداول فيهم ملوك وعظماء كان منهم فالغ بن ساعور وبعده يودب بن زيدح‏.‏ ثم كان منهم هداد بن مداد الذي أخرج بني مدين عن مواطنهم‏.‏ ثم كان فيهم بعده ملوك إلى أن زحف يوشع إلى الشام وفتح أريحا وما بعدها وانتزع الملك من جميع الأمم الذين كانوا هنالك ثم استلحمهم بختنصر عندما ملك أرض القدس ولحق بعضهم بأرض يونان وبعضهم بإفريقية‏.‏ وأما عمالق بن أليفاز فمن عقبه عند الإسرائيليين عمالقة الشام‏.‏ وفي قول فراعنة مصر من القبط‏.‏ ونساب العرب يأبون من ذلك ونسبوهم إلى عملاق بن لاوذ كما مر‏.‏ ثم بنو يروم وكنعان ولم يبق منهم عين تطرف والله الباقي بعد فناء خلقه‏.‏ مدين‏:‏ وأما مدين بن إبراهيم فتزوج بابنة لوط وجعل الله في نسلها البركة وكان له من الولد خمسة‏:‏ عيفا وعيفين وحنوخ وأنيداغ وألزاعا‏.‏ وقد تقدم ذكرهم في ولد إبراهيم من قنطورا فكان منهم مدين أمة كبيرة ذات بطون وشعوب وكانوا من أكبر قبائل الشام وأكثرهم عددا‏.‏ وكانت مواطنهم تجاور أرض معان من أطراف الشام مما يلي الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط‏.‏ وكان لهم تغلب بتلك الأرض فعتوا وبغوا وعبدوا الآلهة وكانوا يقطعون السبل ويبخسون في المكيال‏.‏ وبعث الله فيهم شعيباً نبياً منهم وهو ابن نويل بن رعويل بن عيا بن مدين‏.‏ قال المسعودي‏:‏ مدين هؤلاء من ولد المحضر بن جندل بن يعصب بن مدين وأن شعيباً أخوهم في النسب وكانوا ملوكا عدة يسمون بكلمات أبجد إلى آخرها وفيه نظر‏.‏ وقال ابن حبيب في كتاب البلط‏:‏ هو شعيب بن نويب بن أحزم بن مدين‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ شعيب بن عيفا ويقال ابن صيفون‏.‏ وشعيب هذا هو شعيب موسى الذي هاجر إليه من مصر أيام القبط واستأجره على إنكاح ابنته إياه على أن يخدمه ثماني سنين وأخذ عنه آداب الكتاب والنبوة حسبما يأتي عند ذكر موسى صلوات الله عليهما وأخبار بني إسرائيل‏.‏ وقال الصيمري‏:‏ الذي استأجر موسى وزوجه هو بثر بن رعويل‏.‏ ووقع في في التوراة أن اسمه يبثر وأن رعويل أباه أو عمه هو الذي تولى عقد النكاح‏.‏ وكان لمدين هؤلاء مع بني إسرائيل حروب بالشام ثم تغلب عليهم بنو إسرائيل وانقرضوا جميعا‏.‏ لوط‏:‏ وأما لوط بن هاران أخي إبراهيم عليهما السلام فقد تقدم من خبره مع قومه ما ذكرناه هنالك‏.‏ ولما نجا بعد هلاكهم لحق بأرض فلسطين فكان بها مع إبراهيم إلى أن قبضه الله وكان له من الولد على ما ذكر في التوراة عمون بتشديد الميم وإشباع حركتها بالضم ونون بعدها وموآيي بإشباع ضمة الميم وإشباع فتحة الهمزة بعدها وياء تحتية وبعدها ياء ساكنة هوائية‏.‏ وجعل الله في نسلهما البركة حتى كانوا من أكثر قبائل الشام وكانت مساكنهم بأرض البلقاء ومدائنها في بلد وآيي ومعان وما والاهما‏.‏ وكانت لهم مع بني إسرائيل حروب نذكرها في أخبارهم وكان منهم بلعام بن باعور بن رشيوم بن برسيم بن وآيي وقصته مع ملك كنعان حين طلبه في الدعاء على بني إسرائيل أيام موسى صلوات الله عليه وأن دعاءه صرف إلى الكنعانيين مذكورة في التوراة ونوردها في موضعها‏.‏ وأما ناحور أخو إبراهيم عليه السلام فقد تقدم ذكره أنه هاجر مع إبراهيم عليه السلام من بابل إلى حران ثم إلى الأرض المقدسة فكان معه هنالك وكانت زوجته ملكا بنت أخيه هاران وملكا هذه هي أخت سارة زوج إبراهيم عليه السلام وأم إسحق‏.‏ وكان لناحور من ملكا على ما وقع في نص التوراة ثمانية من الولد‏:‏ عوص وبوص وقمويل وهو أبو الأرمن وكاس ومنه الكلدانيون الذين كان منهم بختنصر وملوك بابل وحذو وبلداس وبلداف ويثويل‏.‏ وكان له من سرية اسمها أدوما أربعة من الولد وهم‏:‏ طالج وكاحم وتاخش وماعخا‏.‏ هؤلاء ولد ناحور أخي إبراهيم كلهم مذكورون في التوراة وهم اثنا عشر ولدا وهؤلاء كلهم بادوا وانقرضوا ولم يبق منهم إلا الأرمن من قمويل بن ناحور أخي إبراهيم عليه السلام ابن آزر وهم لهذا العهد على دين النصرانية وموطنهم في أرمينية شرقي القسطنطينية‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏ وهذا آخر الكلام في الطبقة الأولى من العرب ومن عاصرهم من الأمم ولنرجع إلى أهل الطبقة الثانية وهم العرب المستعربة والله سبحانه وتعالى الكفيل بالإعانة‏.‏ الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم وإنما سمي أهل هذه الطبقة بهذا الاسم لأن السمات والشعائر العربية لما انتقلت إليهم من قبلهم اعتبرت فيها الصيرورة بمعنى أنهم صاروا إلى حال لم يكن عليها أهل نسبهم وهي اللغة العربية التي تكلموا بها‏.‏ فهو من استفعل بمعنى الصيرورة من قولهم استنوق الجمل واستحجر الطين‏.‏ وأهل الطبقة الأولى لما كانوا أقدم الأمم - فيما يعلم -‏.‏ جيلا كانت اللغة العربية لهم بالأصالة واعلم أن أهل هذا الجيل من العرب يعرفون باليمنية والسبائية وقد تقدم أن نسابة بني إسرائيل يزعمون أن أباهم سبا من ولد كوش بن كنعان ونسابة العرب يأبون ذلك ويدفعونه والصحيح الذي عليه كافتهم أنهم من قحطان وأن سبا هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏ وقال ابن إسحق‏:‏ يعرب بن يشجب فقدم وأخر‏.‏ وقال ابن ماكولا على ما نقل عنه السهيلي‏:‏ اسم قحطان مهزم‏.‏ وبين النسابة خلاف في نسب قحطان‏:‏ فقيل هو ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام أخو فالغ ويقطن ولم يقع له ذكر في التوراة وإنما ذكر فالغ ويقطن‏.‏ وقيل هو معرب يقطن لأنه اسم أعجمي والعرب تتصرف في الأسماء الأعجمية بتبديل حروفها وتغييرها وتقديم بعضها على بعض‏.‏ وقيل‏:‏ إن قحطان بن يمن بن قيدار وقيل‏:‏ إن قحطان من ولد إسماعيل‏.‏ وأصح ما قيل في هذا أنه قحطان بن يمن بن قيدر ويقال الهميسع بن يمن بن قيدار وأن يمن هذا سميت به اليمن‏.‏ وقال ابن هشام‏:‏ أن يعرب بن قحطان كان يسمى يمنا وبه سميت اليمن‏.‏ فعلى القول بأن قحطان من ولد إسماعيل تكون العرب كلهم من ولده لأن عدنان وقحطان يستوعبان شعوب العرب كلها‏.‏ وقد احتج لذلك من ذهب إليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرهاة الأنصار‏:‏ ‏"‏ ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ‏"‏‏.‏ والأنصار من ولد سبا وهو ابن قحطان وقيل‏:‏ إنما قال ذلك لقوم من أسلم من أقصى إخوة خزاعة بن حارثة بناء على أن نسبهم في سبا‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ ولا حجة في شيء منهما لأنه إذا كانت العرب كلها من ولد إسماعيل فهذا من السهيلي جنوح إلى القول بمفهوم اللقب وهو ضعيف‏.‏ ثم قال‏:‏ والصحيح أن هذا القول إنما كان منه صلى الله عليه وسلم لأسلم كما قدمناه وإنما أراد أن خزاعة من معد بن إلياس بن مضر وليسوا من سبا ولا من قحطان كما هو الصحيح في نسبهم على ما يأتي‏.‏ واحتجوا أيضاً لذلك بأن قحطان لم يقع له ذكر في التوراة كما تقدم فدل على إنه ليس من ولد عابر فترجح القول بأنه من إسماعيل وهذا مردود بما تقدم أن قحطان معرب يقطن وهو الصحيح‏.‏ وليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم‏.‏ ويقال‏:‏ إنه أول من تكلم بالعربية ومعناه من أهل هذا الجيل الذين هم العرب المستعربة من اليمنية وإلا فقد كان للعرب جيل آخر وهم العرب العاربة ومنهم تعلم قحطان تلك اللغة العربية ضرورة ولا يمكن أن يتكلم بها من ذات نفسه‏.‏ وكان بنو قحطان هؤلاء معاصرين لإخوانهم من العرب العاربة ومظاهرين لهم على أمورهم ولم يزالوا مجتمعين في مجالات البادية مبعدين عن رتبة الملك وترفه الذي كان لأولئك فأصبحوا بمنجاة من الهرم الذي يسوق إليه الترف والنضارة فتشعبت في أرض الفضاء فصائلهم وتعمد في جو القفر أفخاذهم وعشائرهم ونما عددهم وكثرت إخوانهم من العمالقة في آخر ذلك الجيل وزاحموهم بمناكبهم واستجدوا خلق الدولة بما استأنفوه من عزهم‏.‏ وكانت الدولة لبني قحطان متصلة فيهم وكان يعرب بن قحطان من أعاظم ملوك العرب‏.‏ يقال‏:‏ انه أول من حياه قومه بتحية الملك‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وهو الذي ملك بلاد اليمن وغلب عليها قوم عاد وغلب العمالقة على الحجاز وولى إخوته على جميع أعمالهم فولى جرهما على الحجاز وعاد بن قحطان على الشحر وحضرموت بن قحطان على جبال الشحر وعمان بن قحطان على بلاد عمان‏.‏ هكذا ذكر البيهقي‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ وعد لقحطان عشرة من الولد وأنه لم يعقب منهم أحد‏.‏ ثم ذكر ابنين منهم دخلوا في حمير ثم ذكر الحرث بن قحطان وقال‏:‏ فولد فيما يقال له لاسور وهم رهط حنظلة بن صفوان نبي الرس والرس ما بين نجران إلى اليمن ومن حضرموت إلى اليمامة‏.‏ ثم ذكر يعرب بن قحطان وقال‏:‏ فيهم الحميرية والعداد انتهى‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وملك بعد يعرب ابنه يشجب وقيل اسمه يمن واستبد أعمامه ما في أيديهم من الممالك‏.‏ وملك بعده ابنه عبد شمس وقيل عابر ويسمى سبا لأنه قيل إنه أول من سن السبي وبنى مدينة سبا وسد مأرب‏.‏ وقال صاحب التيجان إنه غزا الأقطار وبنى مدينة عين شمس بإقليم مصر وولى عليها ابنه بابليون وكان لسبا من الولد كثير وأشهرهم حمير وكهلان اللذان منهما الأمتان العظيمتان من اليمنية أهل الكثرة والملك والعز وملك حمير منهم أعظمه‏.‏ وكان منهم التبابعة كما يذكر في أخبارهم‏.‏ وعد ابن حزم في ولده زدان وابنه نجران بن زيدان وبه سميت البلد‏.‏ ولما هلك سبا قام بالملك بعده ابنه حمير ويعرف بالعرنجج وقيل‏:‏ هو أول من تتوج بالذهب‏.‏ ويقال إنه ملك خمسين سنة‏.‏ وكان له من الولد ستة فيما قال السهيلي‏:‏ واثل ومالك وزيد وعامر وعوف وسعد‏.‏ وقال أبو محمد بن حزم‏:‏ الهميسع ومالك وزيد وواثل ومشروح ومعد يكرب وأوس ومرة‏.‏ وعاش فيما قال السهيلي ثلثمائة سنة وملك بعده ابنه واثل وتغلب أخوه مالك بن حمير على عمان فكانت بينهما حروب‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ إن الذي ملك بعد حمير أخوه كهلان ومن بعد واثل بن حمير ثم من بعد واثل السكسك بن واثل‏.‏ وكان مالك بن حمير قد هلك وغلب على عمان بعده ابنه قضاعة فحاربه السكسك وأخرجه عنها وملك بعده ابنه يعفر بن السكسك وخرجت عليه الخوارج وحاربه مالك بن الحاف بن قضاعة وطالت الفتنة بينهما وهلك يعفر وخلف ابنه النعمان حملا ويعرف بالمعافر واستبد عليه من بني حمير ماران بن عوف بن حمير ويعرف بذي رياش وكان صاحب البحرين فنزل نجران واشتغل بحرب مالك بن الحاف بن قضاعة‏.‏ ولما كبر النعمان حبس ذا رياش واستبد بأمره وطال عمره وملك بعده ابنه أسجم بن المعافر فاضطربت أحوال حمير وصار ملكهم طوائف إلى أن استقر في الرايش وبنيه التيابعة كما نذكره‏.‏ ويقال‏:‏ إن بني كهلان تداولوا الملك مع حمير هؤلاء وملك منهم جبار بن غالب بن كهلان وملك أيضاً من شعوب قحطان نجران بن زيد بن يعرب بن قحطان وملك من حمير هؤلاء ثم من بني الهميسع بن حمير أبين بن زهير بن الغوث بن آبين بن الهميسع وإليه نسب عرب أبين من بلاد اليمن‏.‏ وملك منهم أيضاً عبد شمس بن واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير‏.‏ ثم ملك من أعقابه شداد بن المطاط بن عمرو بن ذي هرم بن الصوان بن عبد شمس وبعده أخوه لقمان ثم أخوهما ذو شدد وهداد ومداثر وبده ابنه الصعب ويقال إنه ذو القرنين‏.‏ وبعده أخوه الحرث بن ذي شدد وهو الرائش جد الملوك التبابعة‏.‏ وملك في حمير أيضاً من بني الهميسع من بني عبد شمس هؤلاء حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس‏.‏ قال أبو المنذر هشام بن الكلبي في كتاب الأنساب ونقلته من أصل عتيق بخط القاضي المحدث أبي القاسم بن عبد الرحمن بن حبيش قال‏:‏ ذكر الكلبي عن رجل من حمير من ذي الكلاع قال‏:‏ أقبل قيس يحرق موضعا باليمن فأبدى عن أزج فدخل فيه فوجد سريرا عليه رجل ميت وعليه جباب وشي مذهبة في رأسه تاج وبين يديه مجحن من ذهب وفي رأسه ياقوتة حمراء وإذا لوح مكتوب فيه‏:‏ بسم الله رب حمير أنا حسان بن عمرو والقيل مات في زمان هيد وماهيد هلك فيها اثنا عشر ألف قبيل فكنت آخرهم قبيلا فابتنيت ذا شعبين ليجيرني من الموت فاخفرني كلامه‏.‏ وقال الطبري‏:‏ وقيل إن أول من ملك اليمن من حمير شمر بن الأملوك كان لعهد موسى عليه السلام وبني طفار وأخرج منها العمالقة ويقال كان من عمال الفرس على اليمن‏.‏ انتهى الكلام في أخبار حمير الأولى والله سبحانه تعالى ولي العون‏.‏

  الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

هؤلاء الملوك من ولد عبد شمس بن واثل بن الغوث باتفاق من النسابين وقد مر نسبه إلى حمير وكانت مدائن ملكهم صنعاء ومأرب على ثلاث مراحل منها‏.‏ وكان بها السد ضربته بلقيس ملكة من ملوكهم سدا ما بين جبلين بالصخر والقار فحقنت به ماء العيون والأمطار وتركت فيه خروقا على قدر ما يحتاجون إليه في سقيهم وهو الذي يسمى العرم والسكر وهو جمع لا واحد له من لفظه قال الجعدي‏:‏ من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما ففي ذلك للمؤتسي أسوة مأرب غطى عليه العرم رخام بناه لهم حمير إذا جاء من رامه لم يرم وقيل بناه لقمان الأكبر ابن عاد كما قاله المسعودي وقال جعله فرسخا في فرسخ وجعل له ثلاثين شعبا وقيل‏:‏ وهو الأليق والأصوب إنه من بناء سبا بن يشجب وإنه ساق إليه سبعين واديا ومات قبل إتمامه فأتمه حمير من بعده وإنما رجحناه لأن المباني العظيمة والهياكل الشامخة لا يستقل بها الواحد كما قدمنا في الكتاب الأول فأقاموا في جناته عن اليمين والشمال كما وصف القرآن‏.‏ ودولتهم يومئذ في جناته عن اليمين والشمال كما وصف القرآن‏.‏ ودولتهم يومئذ أوفر ما كانت وأترف وأبذخ وأعلى يدا وأظهر فلما طغوا وأعرضوا سلط الله عليهم الخلد وهو الجرذ فنقبه من أسفله فأحجفهم السيل وأغرق جناتهم وخربت أرضهم وتمزق ملكهم وصاروا أحاديث‏.‏ وكان هؤلاء التبابعة ملوكا عدة في عصور متعاقبة وأحقاب متطاولة ولم يضبطهم الحصر ولا تقيدت منهم الشوارد‏.‏ وربما كانوا يتجاوزون ملك اليمن إلى ما بعد عنهم من العراق والهند والمغرب تارة ويقتصرون على يمنهم أخرى فاختلفت أحوالهم ودولهم فلنأت بما صح منها متحريا جهد الاستطاعة عن طموس من الفكر واقتفاء التقاليد المرجوع إليها والأصول المعتمد على نقلها وعدم الوقوف على أخبارهم مدونة في كتاب واحد والله قال السهيلي‏:‏ معنى تبع الملك المتبع وقال صاحب المحكم‏:‏ التبابعة ملوك اليمن وأحدهم تبع لأنهم يتبع بعضهم بعضا كلما هلك واحد قام آخر تابعا له في سيرته وزادوا الباء في التبابعة لإرادة النسب‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ قيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل الأقيال لأنهم يتقيلون‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ولم يكونوا يسمون الملك منهم تبعا حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت وقيل حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس ومن لم يكن له شيء من الأمرين فيسمى ملكا ولا يقال له تبع‏.‏ وأول ملوك التبابعة باتفاق من المؤرخين الحرث الرائش وإنما سمي الرائش لأنه راش الناس بالعطاء واختلف الناس في نسبه بعد اتفاقهم على أنه من ولد واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير‏.‏ فقال ابن إسحق‏:‏ وأبو المنذر بن الكلبي أن قيسا بن معاوية بن جشم‏.‏ فابن إسحق يقول في نسبه إلى سبا الحرث بن عدي بن صيفي‏:‏ وابن الكلبي يقول‏:‏ الحرث بن قيس بن صيفي‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ هو الحرث بن همال بن ذي سدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن ذي سدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن واثل‏.‏ وجشم جد سبا هو ابن عبد شمس‏.‏ هذا عند المسعودي وعند بعضهم أنه أخوه وأنهما معا ابنا وائل‏.‏ وذكر المسعودي عن عبيد بن شرية الجرهمي وقد سأله معاوية عن ملوك اليمن في خبر طويل ونسب الحرث منهم فقال‏:‏ هو الحرث بن شدد بن الملطاط بن عمرو‏.‏ وأما عند الطبري فاختلف نسبه في نسب الحرث فمرة قال‏:‏ وبيت ملك التبابعة في سبا الأصغر ونسبه كما مر‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ والحرث بن ذي شدد هو الرائش جد الملوك التبابعة فجعله إلى شدد ولم ينسبه إلى قيس ولا عدي من ولد سبا‏.‏ وكذلك اضطرب أبو محمد بن حزم في نسبه في الجمهرة مرة إلى الملطاط ومرة إلى سبا الأصغر والظاهر أنه تبع في ذلك الطبري والله أعلم‏.‏ وملك الحرث الرائش فيما قالوا مائة وخمسا وعشرين سنة وكان يسمى تبعا وكان مؤمنا فيما قال السهيلي‏.‏ ثم ملك بعده ابنه أبرهة ذو المنار مائة وثمانين سنة‏.‏ قال المسعودي‏:‏ وقال ابن هشام‏:‏ أبرهة ذو المنار هو ابن الصعب بن ذي مداثر بن الملطاط وسمي ذا المنار لأنه رفع المنار ليهتدي به‏.‏ ثم ملك من بعده أفريقش بن أبرهة مائة وستين سنة‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ هو أفريقش بن قيس بن أبرهة مائة وستين سنة‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ هو أفريقش بن قيس بن صيفي أخو الحرث الرائش وهو الذي ذهب بقبائل العرب إلى أفريقية وبه سميت وساق البربر إليها من أرض كنعان مر بها عندما غلبهم يوشع وقتلهم فاحتمل الفل منهم وساقهم إلى أفريقية فأنزلهم بها وقتل ملكها جرجير ويقال إنه الذي سمي البرابرة بهذا الاسم لأنه لما افتتح المغرب وسمع رطانتهم قال‏:‏ ما أكثر بربرتهم فسفوا البرابرة والبربرة في لغة ولما رجع من غزو المغرب ترك هنالك من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى الآن بها وليسوا في نسب البربر قاله الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والسهيلي وجميع النسابين‏.‏ ثم ملك من بعد أفريقش أخوه العبد بن أبرهة وهو ذو الأذعار عند المسعودي قال‏:‏ سمي بذلك لكثرة ذعر الناس من جوره وملك خمسا وعشرين سنة وكان على عهد سليمان بن داود وقبله بقليل وغزا ديار المغرب وسار إليه كيقاوس بن كنعان ملك فارس فبارزه وانهزم كيقاوس وأسره ذو الأذعار حتى استنقذه بعد حين من يديه وزيره رستم زحف إليه بجموع فارس إلى اليمن وحارب ذو الأذعار فغلبه واستخلص كيقاوس من أسره كما نذكره في أخبار ملوك فارس‏.‏ وقال الطبري أن ذا الأذعار اسمه عمرو بن أبرهة ذي المنار بن الحرث الرائش بن قيس بن صيفي بن سبا الأصغر انتهى‏.‏ وكان مهلك ذي الأذعار فيما ذكر ابن هشام مسموما على يد الملكة بلقيس‏.‏ وملك من بعده الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن ذي الأذعار وهو ذو الصرح وملك ستا أو عشرا فيما قال المسعودي‏.‏ وملكت بعده ابنته بلقيس سبع سنين‏.‏ وقال الطبري‏:‏ إن اسم بلقيس بنت اليشرح بن الحرث بن قيس انتهى‏.‏ ثم غلبهم سليمان عليه السلام على اليمن كما وقع في القرآن فيقال تزوجها ويقال بل عزلها في التأيم فتزوجت سدد بن زرعة بن سبا وأقاموا في ملك سليمان وابنه أربعا وعشرين سنة‏.‏ ثم قام بملكهم ناشر بن عمرو ذي الاذعار ويعرف بناشر النعم لفظين مركبين جعلا اسما واحدا كذا ضبطه الجرجاني‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ ناشر بن عمرو ثم قال‏:‏ ويقال ناشر النعم‏.‏ وفي كتاب المسعودي نافس بن عمرو ولعله تصحيف ونسبه إلى عمرو ذي الأذعار وليس يتحقق في هذه الأنساب كلها أنها للصلب فإن الآماد طويلة والأحقاق بعيدة وقد يكون بين اثنين منهما عدد من الآباء وقد يكون ملصقا به‏.‏ وقال هشام بن الكلبي‏:‏ أن ملك اليمن صار بعد بلقيس إلى ناشر بن عمرو بن يعفر الذي يقال له ياسر أنعم لإنعامه عليهم بما جمع من أمرهم وقوي من ملكهم‏.‏ وزعم أهل اليمن أنه سار غازيا إلى المغرب فبلغ وادي الرمل ولم يبلغه أحد ولم يجد فيه مجازا لكثرة الرمل وعبر بعض أصحابه فلم يرجعوا فأمر بصنم من نحاس نصب على شفير الوادي وكتب في صدره بالخط المسند‏:‏ هذا الصنم لياسر أنعم الحميري ليس وراءه مذهب فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب انتهى‏.‏

ثم ملك بعد ياسر هذا ابنه شمر مرعش سمي بذلك لارتعاش كان به ويقال أنه وطىء أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها وخرب مدينة الصغد وراء جيحون فقالت العجم‏:‏ شمر كنداي شمر خرب‏.‏ وبنى مدينة هنالك فسميت باسمه هذا وعربته العرب فصار سمرقند‏.‏ ويقال أنه الذي قاتل قباذ ملك الفرس وأسره وأنه الذي حير الجيرة وكان ملكه مائة وستين سنة‏.‏ وذكر بعض الإخباريين أنه مل بلاد الروم وأنه الذي استعمل عليهم ماهان قيصر فهلك وملك بعده ابنه دقيوس‏.‏ وقال السهيلي في شمر مرعش الذي سميت به سمرقند أنه شمر بن مالك ومالك هو الأملوك الذي قيل فيه‏:‏ فنقب عن الأملوك واهتف بذكره وعش دار عز لايغالبه الدهر وهذا غلط من السهيلي فانهم مجمعون على أن الأملوك كان لعهد موسى صلوات الله عليه وشمر من أعقاب ذي الأذعار الذي كان على عهد سليمان فلا يصح ذلك إلى أن يكون شمر أبرهة ويكون أول دولة التبابعة‏.‏ ثم ملك على التبابعة بعد شمر مرعش تبع الاقرن واسمه زيد‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وهو ابن شمر مرعش وقال الطبري إنه ابن عمرو ذي الأذعار‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ إنما الأقرن لشامة كانت في قرنه وملك ثلاثا وخمسين سنة‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ ثلاثا وستين‏.‏ ثم ملك من بعده ابنه كلكيكرب وكان مضعفا ولم يغز قط إلى أن مات وملك بعده ابنه تبان أسعد أبو كرب ويقال هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة‏.‏ وعند الطبري أن الذي بعد ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار تبع الأقرن أخوه‏.‏ ثم بعد تبع الأقرن شمر مرعش بن ياسر ينعم ثم من بعده تبع الأصغر وهو تبان أسعد أبو كرب هذا هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة‏.‏ وقال الطبري‏:‏ ويقال له الرائد وكان على عهد يستاسب وحافده أردشير يمن وإنه شخص من اليمن غازيا ومر بالجيرة فتحير عسكره هنالك فسميت الحيرة وخلف قوما من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة فأقاموا هنالك وبنوا الأطام‏.‏ واجتمع إليهم ناس من طيرة وكلب والسكون وأياد والحرث بن كعب‏.‏ ثم توجه الأنبار ثم الموصل ثم أذربيجان ولقي الترك فهزمهم وقتل وسبى ثم رجع إلى اليمن وهابته الملوك وهادنه ملوك الهند ثم رجع لغزو الترك وبعث ابنه حسان إلى الصغد وابنه يعفر إلى الروم وابن أخيه شمر ذي الجناح إلى الفرس وأن شمر لقي كيقباذ ملك الفرس فهزمه وملك سمرقند وقتله وجاز إلى الصين فوجد أخاه حسان قد سبقه إليها فأثخنا في القتل والسبي وانصرفا بما معهما من الغنائم إلى أبيهما‏.‏ وبعث ابنه يعفر إلى القسطنطينية فتلقوه بالجزية والأتاوة فسار إلى رومة وحصرها ووقع الطاعون في عسكره فاستضعفهم الروم ووثبوا عليهم فقتلوهم ولم يفلت منهم أحد‏.‏ ثم رجع إلى اليمن ويقال إنه ترك ببلاد الصين قوما من حمير وأنهم بها لهذا العهد وأنه ترك ضعفاء الناس بظاهر الكوفة فتحيروا هنالك وأقاموا معهم من كل قبائل العرب‏.‏ وقال ابن إسحق‏:‏ إن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الآخر وهو تبان أسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد الأقرن بن عمرو ذي الأذعار وتبان أسعد هو حسان تبع وهو - فيما يقال - أول من كسا الكعبة‏.‏ وذكر ابن إسحق الملاء والوصائل وأوصى ولاته من جرهم بتطهيرها وجعل لها بابا ومفتاحا‏.‏ وذكر ابن إسحق أنه أخذ بدين اليهودية‏.‏ وذكر في سبب تهوده أنه لما غزا إلى المشرق مر بالمدينة يثرب فملكها وخلف ابنه فيهم فعدوا عليه وقتلوه غيلة‏.‏ ورئيسهم يومئذ عمرو بن الطلة من بني النجار‏.‏ فلما أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة مجمعا على خرابها فجمع هذا الحي من أبناء قيلة لقتاله فقاتلهم‏.‏ وبينما هم على ذلك جاءه حبران من أحبار يهود من بني قريظة وقالا له‏:‏ لا تفعل فإنك لن تقدر وأنها مهاجر نبي قرشي يخرج آخر الزمان فتكون قرارا له‏.‏ وأنه أعجب بهما واتبعهما على دينهما ثم مضى لوجهه‏.‏ ولقيه دون مكة نفر من هذيل وأغروه بمال الكعبة وما فيها من الجواهر والكنوز فنهاه الحبران عن ذلك وقالا له‏:‏ إنما أراد هؤلاء هلاكك فقتل النفر من الهذليين وقدم مكة فأمره الحبران بالطواف بهما والخضوع ثم كساها كما تقدم‏.‏ وأمر ولاتها من جرهم بتطهيرها من الدماء والحيض وسائر النجاسات وجعل لها بابا ومفتاحا‏.‏ ثم سار اليمن وقد ذكر قومه ما أخذ به من دين اليهودية وكانوا يعبدون الأوثان فتعرضوا لمنعه ثم حاكموه إلى النار التي كانوا يحاكمون إليها فتأكل الظالم وتدع المظلوم‏.‏ وجاؤوا بأوثانهم وخرج الحبران متقلدين المصاحف ودخل الحميريون فأكلتهم وأوثانهم‏.‏ وخرجا منها ترشح وجوههم وجباههم عرقا‏.‏ فآمنت حمير عند ونقل السهيلي عن ابن قتيبة في هذه الحكاية‏:‏ أن غزاة تبع هذه إنما هي استصراخة أبناء قيلة على اليهود فإنهم كانوا نزلوا مع اليهود حين أخرجوهم من اليمن على شروط فنقضت عليهم اليهود فاستغاثوا بتبع فعند ذلك قدمها‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن الذي استصرخه أبناء قيلة على اليهود إنما هو أبو جبلة من ملوك غسان بالشام جاء به مالك بن عجلان فقتل اليهود بالمدينة‏.‏ وكان من الخزرج كما نذكر بعد‏.‏ ويعضد هذا أن مالك بن عجلان بعيد عن عهد تبع بكثير‏.‏ يقال أنه كان قبل الإسلام بسبعمائة سنة ذكره ابن قتيبة‏.‏ وحكى المسعودي في أخبار تبع هذا أن أسعد أبا كرب سار في الأرض ووطأ الممالك وذللها ووطيء أرض العراق في ملك الطوائف وعميد الطوائف يومئذ خرداد بن سابور فلقي ملكا من ملوك الطوائف اسمه قباذ وليس قباذ بن فيروز فانهزم قباذ وملك أبو كرب العراق والشام والحجاز وفي ذلك يقول تبع أبو كرب‏:‏ إذا حسينا جيادنا من دماء ثم سرنا بها مسيرا بعيدا واستبحنا بالخيل خيل قباذ وابن إقليد جاءنا مصفودا وكسونا البيت الذي حرم الله ملاء منضداص وبرودا أقمنا به من الشهر عشرا وجعلنا لبابه إقليدا وقال أيضاً‏:‏ أو تؤدي ربيعة الخرج قسرا لم يعقها عوائق العواق وقد كانت لكندة معه وقائع وحروب حتى غلبهم حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة من ملوك كهلان فدانوا له ورجع أبو كرب إلى اليمن فقتله حمير وكان ملكه ثلثمائة وعشرين سنة‏.‏ ثم ملك من بعد أبي كرب هذا فيما قال ابن إسحق ربيعة بن نصر بن الحرث بن نمارة بن لخم ولخم أخو جذام‏.‏ وقال ابن هشام‏:‏ ويقال ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر‏.‏ كان أبو حارثة تخلف باليمن بحد خروج أبيه وأقام ربيعة بن نصر ملكا على اليمن بعد هؤلاء التبابعة الذين تقدم ذكرهم ووقع له شأن الرؤيا المشهورة‏.‏ قال الطبري عن ابن إسحق عن بعض أهل العلم أن ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته وفظع بها وبعث في أهل مملكته في الكهنة والسحرة والمنجمين وأهل العيافة فأشاروا عليه باستحضار الكاهنين المشهورين لذلك العهد في إياد وغسان وهما شق وسطيح‏.‏ قال الطبري‏:‏ شق هو أبو صعب شكر بن وهب بن أمول بن يزيد بن قيس عبقر بن أنمار‏.‏ وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذيب بن عدي بن مازن بن غسان‏.‏ ولوقوع اسم ذيب في نسبه كان يعرف بالذيبي‏.‏ فأحضرهما وقص عليهما رؤياه وأخبراه بتأويلها أن الحبشة يملكون بلاد اليمن من بعد ربيعة وقحطان بسبعين سنة ثم يخرج عليهما ابن ذي يزن من عدن فيخرجهم ويملك عليهم اليمن ثم تكون النبوة في قريش في بني غالب بن فهر‏.‏ ووقع في نفس ربيعة أن الذي حدثه الكاهنان من أمر الحبشة كائن فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرداذ فأسكنهم الحيرة‏.‏ ومن بيت ربيعة بن نصر كان النعمان ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر‏.‏ قاله ابن إسحق‏:‏ ولما هلك ربيعة بن نصر اجتمع ملك اليمن لحسان بن تبان أسعد أبي كرب‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وهو الذي استباح طسما كما ذكرناه وبعث على المقدمة عبد كهلان بن يثرب بن ذي حرب بن حارث بن ملك بن عبدان بن حجر بن ذي رعين‏.‏ واسم ذي رعين يريم وهو ابن زيد الجمهور وقد مر نسبه إلى سبا الأصغر‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ في أيام حسان تبع كان خروج عمرو بن مزيقيا من اليمن بالأزد وهو غلط من السهيلي لأن أبا كرب أباه إنما غزا المدينة فيما هو صريخا للأوس على اليهود وهو من غسان ونسبه إلى مزيقيا‏.‏ فعلم هذا يكون الذي استصرخه الأوس والخزرج على اليهود إنما هو من ملوك غسان كما يأتي في أخبارهم‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ ولما ملك حسان بن تبع بن تبان أسعد سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب والعجم كما كانت التبابعة تفعل فكرهت حمير وقبائل اليمن السير معه وأرادوا الرجوع إلى بلادهم فكلموا أخا له كان معهم في العسكر يقال له عمرو وقالوا له اقتل أخاك نملكك وترجع إلينا إلى بلادنا فتابعهم على ذلك وخالفه ذو رعين في ذلك ونهى عمرا عن ذلك فلم يقبل وكتب في صفيحة وأودعها عنده‏:‏ ألا من يشتري سهراً بنوم سعيد من يبيت قرير عين فإما حمير غدرت وخانت فمعذرة الإله لذي رعين ثم قتل عمرو أخاه بعرصة لخم وهي رحبة مالك بن طوق ورجع حمير إلى اليمن فمنع النوم عليه السهر وأجهمه ذلك فشكى إلى الأطباء عدم نومه والكهان والعرافين فقالوا ما قتل رجل أخاه إلا سلط عليه السهر فجعل يقتل كل من أشار عليه بقتل أخيه ولم يغنه ذلك شيئا وهم بذي رعين فذكره شعره فكانت فيه معذرته ونجاته‏.‏ وكان عمرو هذا يسمى موثبان‏.‏ قال الطبري‏:‏ لوثوبه على أخيه‏.‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ لقلة غزوه ولزومه الوثب على الفراش‏.‏ وهلك عمرو هذا لثلاث وستين سنة من ملكه‏.‏ قال الجرجاني الطبري‏:‏ ثم مرج أمر حمير من بعده وتفرقوا‏.‏ وكان ولد حسان تبع صغارا لا يصلحون للملك وكان أكبرهم قد استهوته الجن فوثب على ملك التبابعة عند كلال موثباً فملك عليهم أربعاً وتسعين سنة وكان يدين بالنصرانية ثم رجع ابن حسان تبع من استهواء الجن فملك على التبابعة‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ ملك ثلاثا وسبعين سنة وهو تبع الأصغر ذو المغازي والآثار البعيدة‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان أبوه حسان تبع قد زوج بنته من عمرو بن حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية من ملوك كندة فولدت له ابنه الحرث بن عمرو فكان ابن تبع بن حسان هذا فبعثه على بلاد معد وملك على العرب بالحيرة مكان آل نصر بن ربيعة‏.‏ قال وانعقد الصلح بينه وبين كيقباد ملك فارس على أن يكون الفرات حدا بينهم‏.‏ ثم أغارت العرب بشرقي الفرات فعاتبه على ذلك فقال لا أقدر على ضبط العرب إلا بالمال والجند فأقطعه بلادا من السواد وكتب الحرث إلى تبع يغريه بملك الفرس وتضعيف أمر كيقباد فغزاهم‏.‏ وقيل إن الذي فعل ذلك هو عمرو بن حجر أبوه الذي ولاه تبع أبو كرب وأنه أغراه بالفرس واستقدمه إلى الحيرة فبعث عساكره مع ولده الثلاثة إلى الصغد والصين والروم وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ ثم ملك بعد تبع بن حسان تبع أخوه لأمه وهو مدثر بن عبد كلال فملك إحدى وأربعين سنة ثم ملك من بعده ابنه وليعة بن مدثر سبعا وثلاثين سنة ثم ملك من بعده أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مدثر قيلف بن يعلق بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح الحرث بن مالك أخو ذي رعين وكعب أبو سبا الأصغر‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ وبعض الناس يزعم أن أبرهة بن الصباح إنما ملك تهامة فقط‏.‏ قال ثم ملك من بعده حسان بن عمرو بن تبع بن كلكيكرب سبعا وخمسين سنة‏.‏ ثم ملك لخيتعة ولم يكن من أهل بيت المملكة‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ ولما ملك لخيتعة غلب عليهم وقتل خيارهم وعبث برجالات بيوت المملكة منهم‏.‏ قيل إنه كان ينكح ولدان حمير يريد بذلك أن لا يملكوا عليهم وكانوا لا يملكون عليهم من نكح‏.‏ نقله ابن إسحق‏.‏ وقال أقام عليهم مملكا سبعا وعشرين سنة ثم وثب عليه ذو نواس زرعة تبع بن تبان أسعد أبي كرب وهو حسان أبي ذي معاهر فيما قال ابن إسحق وكان صبيا حين قتل حسان‏.‏ ثم شب غلاما جميلا ذا هيئة وفضل ووضاءة ففتك بلخيتعة في خلوة أراده فيها على مثل فعلاته القبيحة‏.‏ وعلمت به حمير وقبائل اليمن فملكوه واجتمعوا عليه وجدد ملك التبابعة‏.‏ وتسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية فكانت مدته - فيما قال ابن إسحق - ثمانية وستين سنة‏.‏ إلى هنا ترتيب أبي الحسن الجرجاني ثم قال‏:‏ وقال آخرون ملك بعد أفريقش بن أبرهة قيس بن صيفي وبعده الحرث بن قيس بن مياس ثم ماء السماء بن ممروه ثم شرحبيل وهو يصحب بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن علي بن الهمال بن المنثلم بن جهيم ثم الصعب بن قرين بن الهمال بن المنثلم ثم زيد بن الهمال ثم ياسر بن الحرث بن عمرو بن يعفر ثم زهير بن عبد شمس أحد بني صيفي بن سبا الأصغر وكان فاسقا مجرما يفتض أبكار حمير حتى نشأت بلقيس بنت اليشرح بن ذي جدن بن اليشرح بن الحرث بن قيس بن صيفي فقتلته غيلة ثم ملكت‏.‏ ولما أخذها سليمان ملك لمك بن شرحبيل ثم ملك ذو وداع فقتله ملكيكرب بن تبع بن الأقرن وهو أبو ملك‏.‏ ثم هلك فملك أسعد بن قيس بن زيد بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرايش بن قيس بن صيفي بن سبا وهو أبو كرب ثم ملك حسان ابنه فقتله عمرو أخوه ووقع الاختلاف في حمير‏.‏ ووثب على عمر لخيتعة ينوف ذو الشناتر وملك ثم قتله ذو نواس بن تبع وملك كلام الجرجاني‏.‏ وزعم ابن سعيد ونقله من كتب مؤرخي المشرق‏:‏ أن الحرث الرايش هو ابن ذي سدد ويعرف بذي مداثر وأن الذي ملك بعده ابنه الصعب وهو ذو القرنين ثم ابنه أبرهة بن الصعب وهو ذو المنار ثم العبد ذو الأشفار بن أبرهة بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ثم قتلته بلقيس‏.‏ قال في التيجان‏:‏ إن حمير خلعوه وملكوا شرحبيل بن غالب بن المنتاب بن زيد بن يعفر بن السكسك بن واثل وكان بمأرب فجاز به ذو الأذعار وحارب ابنه الهدهاد بن شرحبيل من بعده وابنته بلقيس بنت الهدهاد الملكة من بعده فصالحته على التزويج وقتلته وغلبها سليمان عليه السلام على اليمن إلى أن هلك وابنه رحبعم من بعده‏.‏ واجتمعت حمير من بعده على مالك بن عمرو بن يعفر بن عمرو بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن يزيد بن يعفر بن السكسك بن واثل بن حمير‏.‏ من بعده على مالك بن عمرو بن يعفر بن عمرو بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن يزيد بن يعفر بن السكسك بن واثل بن حمير‏.‏ وملك بعده ابنه شمر يرعش وهو الذي خرب سمرقند وملك بعده ابنه صيفي بن شمر على اليمن وسار أخوه أفريقش بن شمر إلى أفريقية بالبربر وكنعان فملكها‏.‏ ثم انتقل الملك إلى كهلان وقام به عمران بن عامر ماء السماء بن حارثة امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وكان كاهنا‏.‏ ولما احتضر عهد إلى أخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا وأعلمه بخراب سد مأرب وهلاك اليمن بالسيل فخرج من اليمن بقومه‏.‏ وأصاب اليمن سيل العرم فلم ينتظم لبني قحطان بيعته واستولى على قصر مأرب من بعده ربيعة بن نصر‏.‏ ثم رأى رؤيا ونفر بملك الحبشة وبعث ولده إلى العراق وكتب إلى سابور الأشعاني فأسكنهم الحيرة وكثرت الخوارج باليمن‏.‏ فاجتمعت حمير على أن تكون لأبي كرب أسعد بن عدي بن صيفي فخرج من ظفار وغلب ملوك الطوائف باليمن ودوخ جزيرة العرب وحاصر الأوس والخزرج بالمدينة وحمل حمير على اليهودية وطالت مدته وقتلته حمير‏.‏ وملك بعده ابنه حسان الذي أباد طسما ثم قتله أخوه عمرو بمداخلة حمير وهلك عمرو فملك بعده أخوه لأبيه عبد كلال بن منوب وفي أيامه خلع سابور أكتاف العرب وملك بعده تبع بن حسان وهو الذي بعث ابن أخيه الحرث بن عمرو الكندي إلى أرض بني معد بن عدنان بالحجاز فملك عليهم‏.‏ وملك بعده مرثد بن عبد كلال ثم ابنه وليعة وكثرت الخوارج عليه وغلب أبرهة الصباح على تهامة اليمن‏.‏ وكان في ظفار ذو شناتر وقتله ذو نواس كما مر‏.‏ هذا ترتيب ابن سعيد في ملوكهم‏.‏ وعند المسعودي أنه لما هلك كليكرب بن تبع المعروف بالأقرن وقال هو الذي سار قومه نحو خراسان والصغد والصين‏.‏ وولي بعده حسان بن تبع فاستقام له الأمر خمسا وعشرين سنة ثم قتله أخوه عمرو بن تبع وملك أربعا وستين سنة ثم تبع أبو كرب وهو الذي غزا يثرب وكسا الكعبة بعد أن أراد هدمها ومنعه الحبران من اليهود وتهود وملك مائة سنة‏.‏ ثم بعده عمرو بن تبع أبي كرب وخلع وملكوا مرثد بن عبد كلال‏.‏ واتصلت الفتن باليمن أربعين سنة ومن بعده وليعة بن مرثد تسعا وثلاثين سنة‏.‏ ومن بعده أبرهة بن الصباح بن وليعة بن مرثد ويدعى شيبة الحمد ثلاثا وتسعين سنة‏.‏ وكانت له سير وقصص ومن بعده عمرو بن قيفان تسع عشرة سنة ومن بعده لخيتعة ذو شناتر ومن بعده ذو نواس‏.‏ وأما ابن الكلبي والطبري وابن حزم فعندهم أن تبع أسعد أبي كرب هو ابن كليكرب ابن زيد الأقرن بن عمرو بن ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار الرايش بن قيس بن صيفي بن سبا الأصغر‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ أنه أسقط أسماء كثيرة وملوكا‏.‏ وقال ابن الكلبي وابن حزم‏:‏ ومن ملوك التبابعة أفريقش بن صيفي ومنهم شمر يرعش بن ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار ومنهم بلقيس ابنة اليشرح بن ذي جدن بن اليشرح بن الحرث الرايش بن قيس بن صيفي‏.‏ ثم قال ابن حزم بعد ذكر هؤلاء من التبابعة‏:‏ وفي أنسابهم اختلاف وتخليط وتقديم وتأخير ونقصان وزيادة‏.‏ ولا يصح من كتب أخبار التبابعة وأنسابهم إلا طرف يسير لاختلاف رواتهم وبعد العهد‏.‏ وقال الطبري‏:‏ لم يكن لملوك اليمن نظام وإنما كان الرئيس منهم يكون ملكا على مخلافه لا يتجاوزه وإن تجاوز بعضهم عن مخلافه بمسافة يسيرة من غير أن يرث ذلك الملك عن آبائه ولا يرثه أبناؤه عنه إنما هو شأن شداد المتلصصة يغيرون على النواحي باستغفال أهلها فإذا قصدهم الطلب لم يكن لهم ثبات‏.‏ وكذلك كان أمر ملوك اليمن يخرج أحدهم من مخلافه بعض الأحيان ويبعد في الغزو والإغارة فيصيب ما يمر به ثم يتشمر عند خوف الطلب زاحفا إلى مكانه من غير أن يدين له أحد من غير مخلافه بالطاعة أو يؤدي إليه خراجا‏.‏ وأما الخبر عن ذي نواس وما بعده فاتفق أهل الأخبار كلهم أن ذا نواس هو ابن تبان أسعد واسمه زرعة وأنه لما تغلب على ملك آبائه التبابعة تسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية وحمل عليه قبائل اليمن وأراد أهل نجران عليها وكانوا من بين العرب يدينون بالنصرانية ولهم فضل في الدين واستقامة‏.‏ وكان رئيسهم في ذلك يسمى عبد الله بن الثامر وكان هذا الدين وقع إليهم قديما من بقية أصحاب الحواريين من رجل سقط لهم من ملك التبعية يقال له ميمون نزل فيهم وكان مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة ظهرت على يده الكرامات في شفاء المرضى وكان يطلب الخفاء عن الناس جهده‏.‏ وتبعه على دينه رجل من أهل الشام اسمه صالح وخرجا فارين بأنفسهما فلما وطئا بلاد العرب اختطفتهما سيارة فباعوهما بنجران‏.‏ وهم يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم ويعلقون عليها في الأعياد من حليهم وثيابهم ويعكفون عليها أياما‏.‏ وافترقا في الدير على رجلين من أهل نجران وأعجب سيد ميمون صلاته ودينه وسأله عن شأنه فدعاه إلى الدين وعبادة الله وأن عبادة النخلة باطل وأنه لو دعا معبوده عليها هلكت‏.‏ فقال له سيده إن فعلت دخلنا في دينك‏:‏ فدعا ميمون فأرسل الله ريحا فجعفت النخلة من أصلها وأطبق أهل نجران على أتباع دين عيسى صلوات الله عليه‏.‏ ومن رواية ابن إسحق أن ميمون نزل بقرية من قرى نجران وكان يمر به غلمان أهل نجران يتعلمون من ساحر كان بتلك القرية وفي أولئك الغلمان عبد الله بن الثامر فكان يجلس إلى ميمون ويسمع منه فآمن به واتبعه وحصل على معرفة اسم الله الأعظم فكان مجاب الدعوة لذلك واتبعه الناس على دينه وأنكر عليه ملك نجران وهم بقتله‏.‏ فقال له‏:‏ لن تطيق حتى تؤمن وتوحد فآمن ثم قتله فهلك ذلك الملك مكانه‏.‏ واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وأقام أهل نجران على دين عيسى صلوات الله عليه حتى دخلت عليهم في دينهم الأحداث‏.‏ ودعاهم ذو نواس إلى دين اليهودية فأبوا فسار إليهم في أهل اليمن وعرض عليهم القتل فلم يزدهم إلا جماحا فخدد لهم الأخاديد وقتل وحرق حتى أهلك منهم - فيما قال ابن إسحق - عشرين ألفا أو يزيدون‏.‏ وأفلت منهم رجل من سبا يقال له دوس ذو ثعلبان فسلك الرمل على فرسه وأعجزهم‏.‏ ملك الحبشة اليمن قال هشام بن محمد الكلبي في سبب غزو ذي نواس أهل نجران‏:‏ إن يهوديا كان بنجران فعدا أهلها على ابنين له فقتلوهما ظلما فرفع أمره إلى ذي نواس‏.‏ وتوسل له باليهودية واستنصره على أهل نجران وهم نصارى فحمى له ولدينه وغزاهم‏.‏ ولما أفلت دوس ذو ثعلبان فقدم على قيصر صاحب الروم يستنصره على ذي نواس وأعلمه بما ركب منه وأراه الإنجيل قد احترق بعضه بالنار فكتب له إلى النجاشي يأمره بنصره ويطلب بثأره وبعث معه النجاشي سبعين ألفا من الحبشة‏.‏ وقيل‏:‏ أن صريخ دوس كان أولا للنجاشي وأنه اعتذر إليه بقلة السفن لركوب البحر‏.‏ وكتب إلى قيصر وبعث إليه بالإنجيل المحرق فجاءته السفن وأجاز فيها العساكر من الحبشة وأمر عليهم أرباطا رجلا منهم وعهد إليه بقتلهم وسبيهم وخراب بلادهم فخرج أرباط لذلك ومعه أبرهة الأشرم فركبوا البحر ونزلوا ساحل اليمن‏.‏ وجمع ذو نواس حمير ومن أطاعه من أهل اليمن على افتراق واختلاف في الأهواء‏.‏ فلم يكن كبير حرب وانهزموا‏.‏ فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه بفرسه إلى البحر ثم ضربه فدخل فيه وخاض ضحضاح البحر ثم أفضى به إلى غمرة فأقدمه فيه فكان آخر العهد به‏.‏ ووطىء أرباط اليمن بالحبشة وبعث إلى النجاشي بثلث السبي كما عهد له ثم أقام بها فضبطها وأذل رجالات حمير وهدم حصون الملك بها مثل سلجيق وسون وغمدان‏.‏ وقال ذو يزن يرثي حمير وقصور الملك باليمن‏:‏ هونك ليس يرد الدمع ما فاتا لاتهلكن أسفا في إثر من ماتا أبعد سون فلا عين ولا أثر وبعد سلجيق يبني الناس أبياتا و في رواية هشام بن محمد الكلبي أن السفن قدمت علي النجاشي من قيصر فحمل فيها الحبش ونزلوا بساحل اليمن واستجاش ذو نواس بأقيال حمير فامتنعوا من صريخه وقالوا‏:‏ كل أحد يقاتل عن ناحيته‏.‏ فألقى ذو نواس باليد ولم يكن قتال‏.‏ وأنه سار بهم إلى صنعاء وبعث عماله في النواحي لقبض الأموال وعهد بقتلهم في كل ناحية فقتلوا وبلغ ذلك النجاشي فجهز إلى اليمن سبعين ألفا وعليهم أبرهة فغلبوا صنعاء وهرب ذو نواس واعترض البحر فكان آخر العهد به‏.‏ وملك أبرهة اليمن ولم يبعث إلى النجاشي بشيء وذكر له أنه خلع طاعته‏.‏ فوجه جيشا من أصحابه عليهم أرباط‏.‏ ولما حل بساحته دعاه إلى النصفة والنزال فتبارزا وخدعه أبرهة وأكمن عبدا له في موضع المبارزة فلما التقيا ضربه أرباط فشرم أنفه وسمي الأشرم‏.‏ وخالفه العبد من الكمين فضرب أرباطا فأنقذه وبلغ النجاشي خبر أرباط فحلف ليريقن دمه‏.‏ ثم كتب إليه أبرهة واسترضاه فرضي عليه وأقره على عمله‏.‏ وقال ابن إسحق أن أرباط هو الذي قدم اليمن أولا وملكه وانتقض عليه أبرهة من بعد ذلك فكان ما ذكرنا من الحرب بينهما وقتل أرباط‏.‏ وغضب النجاشي لذلك ثم أرضاه واستبد أبرهة بملك اليمن‏.‏ ويقال أن الحبشة لما ملكوا اليمن أمر أبرهة بن الصباح وأقاموا في خدمته قاله ابن سلام‏.‏ وقيل‏:‏ إن ملك حمير لما انقرض أمر التبابعة صار متفرقا في الأذواء من ولد زيد الجمهور وقام بملك اليمن منهم ذو يزن من ولد مالك بن زيد‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ واسمه علس بن زيد بن الحرث بن زيد الجمهور‏.‏ وقال ابن الكلبي وأبو الفرج الأصبهاني‏:‏ هو علس بن الحرث بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور‏.‏ قالوا كلهم‏:‏ ولما ملك ذو يزن بعد مهلك ذي نواس واستبد أمر الحبشة على أهل اليمن طالبوهم بدم النصارى الذين في أهل نجران فساروا إليه وعليهم أرباط ولقيهم فيمن معه فانهزم واعترض البحر فأقحم فرسه وغرق فهلك بعد ذي نواس وولى ابنه مرثد بن ذي يزن مكانه وهو الذي استجاشه امرؤ القيس على بني أسد وكان من عقب ذي يزن أيضاً من هؤلاء الأذواء علقمة ذو قيفال بن شراحيل بن ذي يزن وملك مدينة الهون فقتله أهلها من ولما استقر أبرهة في ملك اليمن أساء السير في حمير ورؤسائهم وبعث في ريحانة بنت علقمة بن مالك بن زيد بن كهلان فانتزعها من زوجها أبي مرة بن ذي يزن وقد كانت ولدت منه ابنه معد يكرب‏.‏ وهرب أبو مرة ولحق بأطراف اليمن واصطفى أبرهة ريحانة فولدت له مسروق بن أبرهة ريحانة وأخته بسباسة‏.‏ وكان لأبرهة غلام يسمى عمددة وكان قد ولاه الكثير من أمره فكان يفعل الأفاعيل حتى عدى عليه رجل من حمير أو خثعم فقتله وكان حليما فأهدر دمه‏.‏ غزو الحبشة الكعبة ثم إن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء تسمى القليس لم ير مثلها وكتب إلى النجاشي بذلك وإلى قيصر في الصناع والرخام والفسيسفاء وقال‏:‏ لست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب‏.‏ وتحدث العرب بذلك فغضب رجل من السادة أحد بني فقيم ثم أحد بني مالك وخرج حتى أتى القليس فقعد فيها ولحق بأرضه‏.‏ وبلغ أبرهة وقيل له‏:‏ الرجل من البيت الذي يحج إليه العرب فحلف ليسيرن إليه يهدمه‏.‏ ثم بعث في الناس يدعوهم إلى حج القليس فضرب الداعي في بلاد كنانة بسهم فقتل‏.‏ وأجمع أبرهة على غزو البيت وهدمه فخرج سائرا بالحبشة ومعه الفيل فلقيه ذو نفر الحميري وقاتله فهزمه وأسره واستبقاه دليلا في أرض العرب‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ ولما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف فأتوه بالطاعة وبعثوا معه أبا رغال دليلا فأنزله المغمس بين الطائف ومكة فهلك هنالك ورجمت العرب قبره من بعد ذلك قال جرير‏:‏ إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترمون قبر أبي رغال ثم بعث أبرهة خيلا من الحبشة فانتهوا إلى مكة واستاقوا أموال أهلها وفيها مائتا بعير لعبد المطلب وهو يومئذ سيد قريش فهموا بقتاله ثم علموا أن لاطاقة لهم به فاقصروا‏.‏ وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة يعلمهم بمقدمه من هدم البيت ويؤذنهم بالحرب إن اعترضوا دون ذلك‏.‏ وأخبر عبد المطلب بذلك عن أبرهة فقال له‏:‏ والله ما نريد حربه‏.‏ وهذا بيت الله فإن يمنعه فهو بيته وإن يخلي عنه فما لنا نحن من دافع‏.‏ ثم انطلق به إلى أبرهة ومر بذي نفر وهو أسير فبعث معه إلى سائس الفيل وكان صديقا لذي نفر فاستأذن له على أبرهة فلما رآه أجله ونزل عن سريره فجلس معه على بساطه وسأله عبد المطلب في الإبل‏.‏ فقال له أبرهة‏:‏ هلا سألت في البيت الذي هو دينك ودين آبائك وتركت البعير فقال عبد المطلب‏:‏ أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه فرد عليه إبله‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان فيما زعموا قد ذهب مع عبد المطلب عمرو بن لعابة بن عدي بن الرمل سيد كنانة وخويلد بن واثلة سيد هذيل وعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ويرجع عن هدم البيت فأبى عليهم فانصرفوا‏.‏ وجاء عبد المطلب وأمر قريشا بالخروج من مكة إلى الجبال والشعاب للتحرز فيها‏.‏ ثم قام عند الكعبة ممسكا بحلقة الباب ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه وعبد المطلب ينشد ويقول‏:‏ لاهم إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك في أبيات معروفة ثم أرسل الله عليهم الطير الأبابيل من البحر ترميهم بالحجارة فلا تصيب أحدا منهم إلا هلك مكانه وأصابه في موضع الحجر من جسده كالجدري والحصبة فهلك‏.‏ وأصيب أبرهة في جسده بمثل ذلك وسقطت أعضاؤه عضواً عضواً وبعثوا بالفيل ليقدم على مكة فربض ولم يتحرك فنجا وأقدم فيل آخر فحصب وبعث الله سيلا مجحفا فذهب بهم وألقاهم في البحر‏.‏ ورجع أبرهة إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فانصدع صدره عن قلبه ومات‏.‏ ولما هلك أبرهة ملك مكانه ابنه يكسوم وبه كان يكنى واستفحل ملكه وأذل حمير وقبائل اليمن ووطئتهم الحبشة فقتلوا رجالهم ونكحوا نساءهم واستخدموا أبناءهم‏.‏ ثم هلك يكسوم بن أبرهة فملك مكانه أخوه مسروق وساءت سيرته وكثر عسف الحبشة باليمن فخرج ابن ذي يزن واستجاش عليهم بكسرى وقدم اليمن بعساكر الفرس وقتل مسروقا وذهب أمر الحبشة بعد أن توارث ملك اليمن منهم أربعة في اثنتين وسبعين سنة أولهم أرباط ثم أبرهة ثم ابنه يكسوم ثم أخوه مسروق بن أبرهة‏.‏