فصل: الخبر عن حاميم المتنبي من غمارة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 الخبر عن حاميم المتنبي من غمارة

كان غمارة هؤلاء غريقين في الجهالة والبعد عن الشرائع بالبداوة والانتباذ عن مواطن الخير وتنبأ فيهم من مجكسة حاميم بن من الله بن حرير بن عمر بن رحفو بن أزروال بن مجكسة يكنى أبا محمد وأبوه أبو خلف‏.‏ تنبأ سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة بجبل حاميم المشتهر به قريباً من تيطاوين‏.‏ واجتمع إليه كثير منهم وأقروا بنبوته وشرع لهم الشرائع والديانات من العبادات والأحكام وصنع لهم قرآناً كان يتلوه عليهم بلسانهم من كلامه‏:‏ يا من يخلي البصر ينظر في الدنيا خلني من الذنوب‏.‏ يا من أخرج موسى من البحر آمنت بحاميم وبأبيه أبي خلف من الله‏.‏ وآمن رأسي وعقلي وما يكنه صدري وأحاط به دمي ولحمي وآمنت بتابعيت عمة حاميم أخت أبي خلف من الله وكانت كاهنة ساحرة إلى غير هذا وكان يلقب المفتري وكانت أخته دبو ساحرة كاهنة وكانوا يستغيثون بها في الحروب والقحوط وقتل في حروب مصمودة بأحواز طنجة سنة خمس عشرة وثلاثمائة وكان لابنه عيسى من بعده قدر جليل في غمارة ووفد على الناصر‏.‏ ورهطهم بنو رحفو موطنون بوادي لاو ووادي راس قرب تيطاوين وكذلك تنبأ منهم بعد ذلك عاصم بن جميل اليزدجومي وله أخبار مأثورة وما زالوا ينتحلون السحر لهذا العهد‏.‏ وأخبرني المشيخة من أهل المغرب أن أكثر منتحلي السحر منهم النساء العواتق‏.‏ قال ولهن قوة على استجلاب روحانية ما يشاؤونه من الكواكب فإذا استولوا عليه وتكيفوا بتلك الروحانية تصرفوا منها في الأكوان بما شاءوا والله أعلم‏.‏

 دولة الأدارسة

الخبر عن دولة الأدارسة في غمارة وتصاريف أحوالهم كان عمر بن إدريس عندما قسم محمد بن إدريس أعمال المغرب بين أخوته برأي جدته كنزة أم إدريس اختص منها بتيكيساس وترغة وبلاد صنهاجة وغمارة واختص القاسم بطنجة وسبتة والبصرة وما إلى ذلك من بلاد غمارة‏.‏ ثم غلب عمر عليها عندما تنكر له أخوه محمد واستضافها إلى عمله كما ذكرنا في أخبارهم‏.‏ ثم تراجع بنو محمد بن القاسم من بعد ذلك إلى عملهم الأول فملكوه واختط منهم محمد بن إبراهيم بن محمد بن القاسم قلعة حجر النسر الدانية من سبتة معقلاً لهم وثغراً لعملهم‏.‏ وبقت الإمارة بفاس وأعمال المغرب في ولد محمد بن إدريس‏.‏ ثم أدالوا منهم بولد عمر بن إدريس وكان آخرهم يحيى بن إدريس بن عمر وهو الذي بايع لعبيد الله الشيعي على يد مصالة بن حبوس قائده وعقد له على فاس‏.‏ ثم نكبه سنة تسع‏.‏ وخرج عليه سنة ثلاث عشرة من بني القاسم الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس ويلقب بالحجام لطعنه في المحاجم وكاق مقداماً شجاعاً‏.‏ وثار أهل فاس بريحان وملكوا الحسن وزحف إليه موسى ففله ومات‏.‏ واستولى ابن أبي العافية على فاس وأعمال المغرب وأجلى الأدارسة وأحجرهم بحصنهم حجر النسر وتحيزوا إلى جبال غمارة وبلاد الريف‏.‏ وكان لغمارة في التمسك بدعوتهم آثار ومقامات واستجدوا بتلك الناحية مكاً توزعوه قطعاً كان أعظمها لبني محمد هؤلاء ولبني عمر بتيكيساز ونكور وبلاد الريف‏.‏ ثم سما الناصر عبد الرحمن إلى ملك العدوة ومدافعة الشيعة فنزل له بنو محمد عن سبتة سنة تسع عشرة وتناولها من يد الرضي بن عصام رئيس مجكسة كان يقيم فيها دعوة الأدارسة فأفرجوا له عنها ودانوا بطاعته وأخذها من يده‏.‏ ولما أغزا أبو القاسم ميسوراً إلى المغرب لمحاربة ابن أبي العافية حين نقض طاعتهم ودعى للمروانية وجد بنو محمد السبيل إلى النيل منه بمظاهرة ميسور عليه ومالأهم على ذلك بنو عمر صاحب نكور‏.‏ ولما استقل ابن أبي العافية من نكبته ورجع من الصحراء سنة خمس وعشرين منصرف ميسور من المغرب نازل بني محمد وبني عمر وهلك بعد ذلك‏.‏ وأجاز الناصر وزيره القاسم بن محمد بن طملس سنة ثلاث وثلاثين لحربهم وكتب إلى ملوك مغراوة محمد بن خزر وابنه الخير بمظاهرة عساكره مع ابن أبي العافية عليهم فسارع أبو العيش بن إدريس بن عمر المعروف بابن مصالة إلى الطاعة وأوفد رسله إلى الناصر فعقد له الأمان وأوفد ابنه محمد بن أبي العيش مؤكداً للطاعة فاحتفل لقدومه وأكد له العقد وتقبل سائر الأدارسة من بني محمد مذهبهم‏.‏ وسألوا مثل سؤالهم فعقد لجميع بني محمد أيضاً‏.‏ وكان وفد منهم محمد بن عيسى بن أحمد بن محمد والحسن بن القاسم بن إبراهيم بن محمد وكان بنو إدريس يرجعون في رئاستهم إلى بني محمد هؤلاء منذ استبد بها أخوهم الحسن بن محمد الملقب بالحجام في ثورته على ابن أبي العافية فقدموا على أنفسهم القاسم بن محمد الملقب بكنون بعد فرار موسى بن أبي العافية وملك بلاد المغرب ما عدا فاس مقيماً لدعوة الشيعة إلى أن هلك بقلعة حجر النسر سنة سبع وثلاثين وقام بأمرهم من بعده أبو العيش أحمد بن القاسم كنون وكان فقيهاً عالماً بالأيام والأخبار شجاعاً كريماً ويعرف بأحمد الفاضل وكان منه ميل للمروانية فدعا للناصر وخطب له على منابر عمله ونقض طاعة الشيعة وبايعه أهل المغرب كافة إلى سجلماسة‏.‏ ولما بايعه أهل فاس استعمل عليهم محمد بن الحسن‏.‏ ووفد محمد بن أبي العيش بن إدريس بن عمر بن مصالة على الناصر عن أبيه سنة ثمان وثلاثين فاتصلت به وفاة أبيه وهو بالحضرة فعقد له الناصر على عمله وسرحه وهجم عيسى ابن عمه أبي العيش أحمد بن القاسم كنون على عمله بتيكيساس في غيبة محمد فملكها واحتوى على مال ابن مصالة‏.‏ ولما أقبل محمد من الحضرة زحف برابرة غمارة إلى عيسى المذكور ابن كنون ففظعوا به وأثخنوه جراحة وقتلوا أصحابه ببلد غمارة‏.‏ وأجاز الناصر قواده إلى المغرب‏.‏ وكان أول من أجاز إلى بني محمد هؤلاء سنة ثمان وثلاثين أحمد بن يعلى من طبقة القواد إليهم في العساكر ودعاهم إلى هدم تيطاوين فامتنعوا انقادوا وتنصلوا وأجابوا إلى هدمها‏.‏ ورجع عنهم فانتقضوا فسرح إليهم حميد بن يصل المكناسي في العساكر سنة تسع وثلاثين وزحفوا إليه بوادي لاو فأوقع بهم فأذعنوا من بعدها‏.‏ وتغلب الناصر على طنجة من يد أبي العيش أمير بني محمد وبقي يصل على بيعة الناصر‏.‏ ثم تخطت عساكر الناصر إلى بسائط المغرب فأذعن له أهله وأخذ بدعوته فيه أمراء زناتة من مغراوة وبني يفرن ومكناسة كما ذكرناه فضعف أمر بني محمد واستأذنه أميرهم أبو العيش في الجهاد فأذن له وأمر ببناء القصور له في كل مرحلة من الجزيرة إلى الثغر فكانت ثلاثين مرحلة فأجاز أبو العيش واستخلف على عمله أخاه الحسن بن كنون‏.‏ وتلقاه الناصر بالمبرة وأجرى له ألف دينار في كل يوم وهلك شهيداً في مواقف الجهاد سنة ثلاث وأربعين‏.‏ ولما أغزا معد قائده جوهراً الكاتب إلى المغرب واستنزل عماله وتحصن الحسن بن كنون منه بقلعة النسر معقلهم‏.‏ وبعث إليه بطاعته فلم يعرض له جوهر‏.‏ ولما قفل من المغرب راجع الحسن طاعة الناصر إلى أن هلك سنة خمسين فاستجد الحكم عزمه في سد ثغور المغرب وإحكام دعوتهم فيه‏.‏ وشحذ لها عزائم أوليائهم من ملوك زناتة فكان بينهم وبين زيري وبلكين ما ذكرناه‏.‏ ثم أغزا معد بلكين بن زيري المغرب سنة اثنتين وستين أولى غزواته فأثخن في زناتة وأوغل في ديار المغرب‏.‏ وقام الحسن بن كنون بدعوة الشيعة ونقض طاعة المروانية فلما انصرف بلكين أجاز الحكم عساكره إلى العدوة مع وزيره محمد بن قاسم بن طملس منه اثنتين وستين لقتال الحسن بن كنون وبني محمد فكان الظهور والفلاح للحسن على عسكر الحكم‏.‏ وقتل قائده محمد بن طملس وخلقاً كثيراً من عسكره وأوليائه‏.‏ ودخل فلهم إلى سبتة واستصرخوا الحكم فبعث غالباً مولاه البعيد الصيت المعروف الشهامة وأمده بكفاء ذلك من الأموال والجنود وأمره باستنزال الأدارسة وإجازتهم إليه وقال له‏:‏ سر يا غالب مسير من لا إذن له في الرجوع إلا حياً منصوراً أو ميتاً معذوراً‏.‏ واتصل خبره بالحسن بن كنون فأفرج عن مدينة البصرة واحتمل منها أمواله وحرمه وذخيرته إلى حجر النسر معقلهم القريب من سبتة ونازله غالب بقصر مصمودة فاتصلت الحرب بينهم أياماً‏.‏ ثم بث غالب المال في رؤساء البربر من غمارة ومن معه من الجنود ففروا وأسلموه وانحجز بقلعة حجر النسر ونازله غالب وأمده الحكم بعرب الدولة ورجال الثغور‏.‏ وأجازهم مع وزيره صاحب الثغر الأعلى يحيى بن محمد بن هاشم التجيبي فيمن معه من أهل بيته وحشمه سنة ثلاث وستين فاجتمع مع غالب على القلعة واشتد الحصار على الحسن وطلب من غالب الأمان فعقد له وتسلم الحصن‏.‏ من يلده‏.‏ ثم عطف على من بقي من الأدارسة ببلاد الريف فأزعجهم وصيرهم أسوة ابن عمهم واستنزل جميع الأدارسة من معاقلهم‏.‏ وسار إلى فاس فملكها واستعمل عليها محمد بن علي بن قشوش في عدوة القرويين وعبد الكريم بن ثعلبة الجذامي في عدوة الأندلس‏.‏ وانصرف غالب إلى قرطبة ومعه الحسن بن كنون وسائر ملوك الأدارسة وقد مهد المغرب وفرق عماله في جهاته وقطع دعوة الشيعة وذلك سنة أربع وستين‏.‏ وتلقاهم الحكم وأركب الناس للقائهم‏.‏ وكان يوم دخولهم إلى قرطبة أحفل أيام الدولة‏.‏ وعفا عن الحسن بن كنون ووفى له بالعهد وأجزل له ولرجاله العطاء والخلع والجعالات وأوسع عليهم الجراية وأسنى لهم الأرزاق ورتب من حاشيتهم في الديوان سبعمائة من أنجاد المغاربة‏.‏ وتجنى عليه بعد ثلاث سنين بسؤاله من الحسن قطعة عنبر عظيمة تأدت إليه من بعض سواحل عمله بالمغرب أيام ملكه فاتخذ منها أريكة يرتفقها ويتوسدها فسأله حملها إليه على أن يحكمه في رضاه فأبى عليه مع سعاية بني عمه فيه عند الخليفة وسوء خلق الحسن ولجاجه فنكبه واستصفى ما لديه من قطعة العنبر وسواها‏.‏ واستقام أمر المغرب للحكم وتظافر أمراؤه على مدافعة بلكين وعقد الوزير المصحفي لجعفر بن علي على المغرب واسترجع يحيى بن محمد بن هاشم‏.‏ وغرب الحسن بن كنون والأدارسة جميعاً إلى المشرق استثقالاً لنفقاتهم‏.‏ وشرط عليه ألا يعودوا فعبروا البحر من المرية سنة خمس وستين ونزلوا من جوار العزيز بن معد بالقاهرة خير نزل وبالغ في الكرامة ووعد بالنصرة والترة‏.‏ ثم بعث الحسن بن كنون إلى المغرب وكتب له إلى آل زيري بن مناد بالقيروان بالمظاهرة فلحق بالمغرب ودعا لنفسه‏.‏ وبعث المنصور بن أبي عامر العساكر لمدافعته فغلبوه وتقبضوا عليه وأشخصوه إلى الأندلس فقتل في طريقه سنة‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ كما ذكرناه في أخبارهم‏.‏ وانقرض ملك الأدارسة من المغرب أجمع إلى أن كان رجوع الأمر لبني حمود منهم ببلاد غمارة وسبتة وطنجة دولة بني حمود الخبر عن دولة بني حمود ومواليهم بسبتة وطنجة وتصاريف أحوالهم وأحوال غمارة من بعدهم كان الأدارسة لما أجلاهم الحكم المستنصر عن العدوة إلى الشرق ومحا أثرهم من سائر بلاد المغرب واستقامت غمارة على طاعة المروانية وأدعنوا لجند الأندلسيين ورجع الحسن بن كنون لطلب أمرهم فهلك على يد المنصور بن أبي عامر فانقرض أمرهم وافترق الأدارسة في القبائل وانتشروا في الأرض ولاذوا بالاختفاء إلى أن خلعوا شارة ذلك النسب واستحالت صبغتهم منه إلى البداوة‏.‏ ولحق بالأندلس في جملة البرابرة من ولد عمر بن إدريس رجلان منهم وهما‏:‏ علي والقاسم ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس فطار لهم ذكر في الشجاعة والإقدام ولما كانت الفتنة البربرية بالأندلس بعد انقراض الدولة العامرية ونصب البرابر سليمان بن الحكم ولقبوه المستعين واختص به أبناء حمود هذان وأحسنوا الغناء في ولايته حتى إذا استولى على ملكه بقرطبة وعقد للمغاربة الولايات عقد لعلي بن حمود هذا على طنجة وأعمال غمارة فنزلها وراجع عهده معهم فيها‏.‏ ثم انتقض ودعا لنفسه وأجاز إلى الأندلس وولي الخلافة بقرطبة كما ذكرناه فعقد على عمله بطنجة لابنه يحيى‏.‏ ثم أجاز يحيى إلى الأندلس بعد مهلك أبيه علي منازعاً لعمه القاسم واستقل أخوه إدريس من بعده بولاية طنجة وسائر أعمال أبيه بالعدوة من مواطن غمارة‏.‏ ثم أجاز بعد مهلك أخيه يحيى بمالقة فاستدعى رجال دولتهم وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على عملهم بسبتة وطنجة وأنفذ نجا الخادم معه ليكون تحت نظره واستبداده‏.‏ ولما هلك إدريس واعتزم ابن بقنة على الاستبداد بمالقة أجاز نجا الخادم بحسن بن يحيى من طنجة فملك مالقة وربت أمره في خلافته ورجع إلى سبتة‏.‏ وعقد له حسن على عملهم في مواطن غمارة حتى إذا هلك حسن أجاز نجا إلى الأندلس يروم الاستبداد‏.‏ واستخلف على العمل من وثق به من موالي الصقالبة فلم يزل إلى نطرهم واحدا بعد آخر إلى أن استقل بسبتة وطنجة من موالي بني حمود هؤلاء الحاجب سكوت البرغواطي وكان عبداً للشيخ حداد من مواليهم اشتراه من سبي برغواطة في بعض أيام جهادهم‏.‏ ثم صار إلى علي بن حمود فأخذت النجابة بضبعه إلى أن استقل بأمرهم واقتعد كرسي عملهم بسبتة وطنجة وأطاعته قبائل غمارة‏.‏ واتصلت أيامه إلى أن كانت دولة المرابطين وتغلب يوسف بن تاشفين على مغراوة بفاس‏.‏ ونجا فلهم إلى بلد الدمنة من آخر بسيط المغرب مما يلي بلاد غمارة‏.‏ ونازلهم يوسف بن تاشفين سنة إحدى وسبعين ودعا الحاجب سكوت إلى مظاهرته عليهم فهم بالانحياش ومظاهرته على عدوه‏.‏ ثم ثناه عن ذلك ابنه الفائل الرأي‏.‏ فلما فرغ يوسف بن تاشفين من أهل الذمة وأوقع بهم وافتتح حصن علودان من حصون غمارة من ورائه وانقاد المغرب لحكمه صرف وجهه إلى سكوت فجهز إليه العساكر وعقد عليها للقائد صالح بن عمران من رجالات لمتونة فتباشرت الرعايا بمقدمهم وانثالوا عليهم‏.‏ وبلغ الخبر إلى الحاجب سكوت فأقسم أن لا يسمع أحداً من رعيته هدير طبولهم ولحق هو بمدينة طنجة ثغر عمله‏.‏ وقد كان عليها من قبله ابنه ضياء الدولة المعز وبرز للقائهم فالتقى الجمعان بظاهر طنجة وانكشفت عساكر سكوت وطحنت رحى المرابطين وسالت نفسه على ظباهم ودخلوا طنجة واستولوا عليها‏.‏ ولحق ضياء الدولة بسبتة‏.‏ ولما تكالب الطاغية على بلاد الأندلس وبعث ابن عباد صريخه إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مستنجزاً وعده في جهاد الطاغية والذب عن المسلمين وكاتبه أهل الأندلس كافة اهتز إلى الجهاد وبعث ابنه المعز سنة ست وسبعين في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها براً وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحراً واقتحموها عنوة‏.‏ وتقبض على ضياء الدولة واقتيد إلى المعز فطالبه بالمال فأساء إيجابه فقتله لوقته وعثر على ذخائره وفيها خاتم يحيى بن علي بن حمود‏.‏ وكتب إلى أبيه بالفتح وانقرضت دولة آل حمود وامحى أثر سلطانهم من بلاد غمارة وأقاموا في طاعة لمتونة سائر أيامهم‏.‏ ولما نجم المهدي بالمغرب واستفحل أمر الموحدين بعد مهلكه تنقل خليفته عبد المؤمن في بلادهم في غزاته الكبرى لفتح المغرب سنة سبع وثلاثين وما بعدها قبل استيلائه على مراكش كما نذكره في أخبارهم فوحدوا صفوفهم واتبعوا أمره ونازلوا سبتة في عساكره‏.‏ وامتنعت عليهم وتولى كبر امتناعها قاضيهم عياض الطائر الذكر رئيسهم لذلك العهد بدينه وأبوته وعلمه ومنصبه‏.‏ ثم افتتحت بعد فتح مراكش سنة إحدى وأربعين فكانت لغمارة هؤلاء السابقة التي رعيت لهم سائر أيام الدولة‏.‏ ولما فشل أمر بني عبد المؤمن وذهبت ريحهم وكثر الثوار بالقاصية ثار فيهم محمد بن محمد الكتامي سنة خمس وعشرين‏.‏ كان أبوه من قصر كتامة منقبضاً عن الناس وكان ينتحل السيميا ولقنه عنه ابنه محمد هذا‏.‏ وكان يلقب أبا الطواجن فارتحل إلى سبتة ونزل إلى بني سعيد وادعى صناعة الكيمياء فاتبعه الغوغاء‏.‏ ثم ادعى النبوة وشرع شرائع وأظهر أنواعاً من الشعوذة فكثر تابعه‏.‏ ثم اطلعوا على خبثه ونبذوا إليه عهده‏.‏ وزحفت عساكر سبتة إليه ففر عنها وقتله بعض البرابرة غيلة‏.‏ ثم غلب بنو مرين على بسائط المغرب وأمصاره سنة أربعين وستمائة واستولوا على كرسي الأمر بمراكش سنة ثمان وستين فامتنع قبائل غمارة من طاعتهم واستعصوا عليهم وأقاموا بمنجاة من الطاعة وعلى ثبج من الخلاف‏.‏ وامتنعت سبتة من ورائهم على ملوك بني مرين بسبب امتناعهم‏.‏ وصار أمرها إلى الشورى واستبد بها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختهم‏.‏ كما نذكر ذلك كله إلى أن وقع بين قبائل غمارة ورؤسائهم فتن وحروب ونزعت إحدى الطائفتين إلى طاعة السلطان بالمغرب من بني مرين فأتوها طواعية‏.‏ ودخل الآخرون في الطاعة تلوهم طوعاً أو كرهاً‏.‏ فملك بنو مرين أمرهم واستعملوا عليهم وتخطوا إلى سبتة من ورائهم فملكوها من أيدي العزفيين سنة تسع وعشرين وسبعمائة على ما نذكره بعد عند ذكر دولتهم‏.‏ وهم الآن على أحسن أحوالهم من الاعتزاز والكثرة يؤتون طاعتهم وجبايتهم عند استقلال الدولة ويمرضون فيها عند التياثها بفشل أو شغل بخارج فيجهز البعوث إليهم من الحضرة حتى يستقيموا على الطاعة‏.‏ ولهم بوعورة جبالهم عز ومنعة وجوار لمن لحق بهم من أعياص الملك ومستأمني الخوارج إلى هذا العهد‏.‏ ولبني يكم من بينهم الحظ الوافر من ذلك لأشراف جبلهم على سائرها وسمو بقاعة إلى مجاري السحب دونها وتوعر مسالكه بهبوب الرياح فيها‏.‏ وهذا الجبل مطل على سبتة من غربيها ورئيسه منهم وصاحب أمره يوسف بن عمر وبنوه ولهم فيه عزة وثروة وقد اتخذوا له المصانع والغروس وفرض لهم السلطان بديوان سبتة العطاء‏.‏ وأقطعهم ببسيط طنجة الضياع والفدن استئلافاً بهم وحسماً لزبون سائر غمارة بإيناس طاعتهم ولله الخلق والأمر بيده ملك السموات والأرض‏.‏ أهل جبال درن الخبر عن أهل جبال درن بالمغرب الأقصى من بطون المصامدة وما كان لهم من الظهور والأحوال ومبادئ أمورهم وتصاريفها هذه الجبال بقاسية المغرب من أعظم جبال المعمور بنا أعرق في الثرى أصلها وذهبت في السماء فروعها وملأت الجو هياكلها ومثلت سياجاً على ريف المغرب سطورها تبتدئ من ساحل البحر المحيط عند أسفى وما إليها وتذهب في الشرق إلى غير نهاية‏.‏ ويقال إنها تنتهي إلى قبلة برنيق من أرض برقة وهي في الجانب مما يلي مراكش قد ركب بعضها بعضاً متتالية على نسق من الصحراء إلى التل‏.‏ يسير الراكب فيها معترضاً من تامسنا وسواحل مراكش إلى بلاد السوس ودرعة من القبلة ثماني مراحل وأزيد تفجرت فيها الأنهار وجلل الأرض خمر الشعراء وتكاثفت بينها ظلال الأدواح‏.‏ وزكت فيها مواد الزرع والضرع وانفسحت مسارح الحيوان ومراتع الصيد وطابت منابت الشجر ودرت أفاويق الجباية يعمرها من قبائل المصامدة أمم لا يحصيهم إلا خالقهم قد اتخذوا المعاقل والحصون وشيدوا المباني والقصور واستغنوا بقطرهم منها عن أقطار العالم فرحل إليهم التجار من الآفاق واختلفت إليهم أهل النواحي والأمصار ولم يزالوا منذ أول الإسلام وما قبله معتمرين بتلك الجبال قد أوطنوا منها أقطاراً بل أقاليم تعددت فيها الممالك والعمالات بتعدد شعوبهم وقبائلهم وافترقت أسماؤها بافتراق أحيائهم‏.‏ تنتهي ديارهم من هذه الجبال إلى ثنية المعدن المعروفة ببني فازاز حيث تبتدئ مواطن صناكة ويحفون بهم كذلك من ناحية القبلة إلى بلاد السوس‏.‏ وقبائل هؤلاء المصامدة بهذه المواطن كثير فمنهم‏:‏ هرغة وهنتاتة وتينملل وكدميوة وكنفيسة ووريكة وركراكة ومزميرة ودكالة وحاحة وأصادن وبنو وازكيت وبنو ماكر وإيلانة ويقال هيلانة بالهاء‏.‏ ويقال أيضاً إن إيلان هو ابن بر أصهر المصامدة فكانوا خلفاءهم‏.‏ ومن بطون أصادن مسفاوة وماغوس ومن مسفاوة دغاغة ويوطانان‏.‏ ولقال إن غمارة ورهون وأمول بن أصادن والله أعلم‏.‏ ويقال إن من بطون حاحة زكن وولخص الظواعن الآن بأرض السوس أحلافاً لذوي حسان المتغلبين عليها من عرب المعقل‏.‏ ومن بطون كنفيسة أيضاً قبيلة سكسيوة الموطنون بأمنع المعاقل من هذه الجبال يطل جبلهم على بسيط السوس من القبلة وعلى ساحل البحر المحيط من الغرب ولهم بمنعة معقلهم ذلك اعتزاز على أهل جلدتهم حسبما نذكره بعد‏.‏ وكان لهؤلاء المصامدة صدر الإسلام بهذه الجبال عدد وقوة وطاعة للدين ومخالفة لإخوانهم برغواطة في نحلة كفرهم‏.‏ وكان من مشاهيرهم كسير بن وسلاس بن شملال من أصادة وهو جد يحيى بن يحيى راوي الموطأ عن مالك‏.‏ ودخل الأندلس وشهد الفتح مع طارق في آخرين من مشاهيرهم استقروا بالأندلس وكان لأعقابهم بها ذكر في دولة الأموية‏.‏ وكذلك كان منهم قبل الإسلام ملوك وأمراء‏.‏ ولهم مع لمتونة ملوك المغرب حروب وفتن سائر أيامهم حتى كان اجتماعهم على المهدي وقيامهم بدعوته فكانت لهم دولة عظيمة أدالت من لمتونة بالعدوتين ومن صنهاجة لإفريقية حسبما هو مشهور ونأتي الآن بذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

 المهدي ودعوته

الخبر عن مبدأ أمر المهدي ودعوته وما كان للموحدين القائمين بها على يد بني عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتين وإفريقية وبداية ذلك وتصاريفه لم يزل أمر هؤلاء المصامدة بجبال درن عظيماً وجماعتهم موفورة وبأسهم قوياً وفي أخبار الفتح من حروبهم مع عقبة بن نافع وموسى بن نصير حتى استقاموا على الإسلام ما هو معروف مذكور إلى أن أظلتهم دولة لمتونة فكان أمرهم فيها مستفحلا وشأنهم على أهل السلطان والدولة مهماً‏.‏ حتى لقد اختطوا مدينة مراكش لنزلهم جوار مواطنهم من درن ليتمرسوا بهم ويذللوا من صعابهم‏.‏ وفي عنفوان تلك الدولة على عهد علي بن يوسف منها نجم إمامهم العالم الشهير محمد بن تومرت صاحب دولة الموحدين المشتهر بالمهدي أصله من هرغة من بطون المصامدة الذين عددناهم يسمى أبوه عبد الله‏.‏ وتومرت وكان يلقب في صغره أيضاً أمغار وهو محمد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال بن حمزة بن عيسى فيما ذكره ابن رشيق وحققه ابن القطان‏.‏ وذكر بعض مؤرخي المغرب أنه محمد بن تومرت بن تيطاوين بن سافلا بن مسيغون بن إيكلديس بن خالد‏.‏ وزعم كثير من المؤرخين أن نسبه في أهل البيت‏.‏ وأنه محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن صفوان ابن جابر بن عطاء بن رباح بن محمد من ولد سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أخي إدريس الأكبر الواقع نسب الكثير من بنيه في المصامدة وأهل السوس‏.‏ كذا ذكر ابن نخيل في سليمان هذا وأنه لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس ونزل تلمسان وافترق ولده في المغرب‏.‏ قال‏:‏ فمن ولده كل طالبي بالسوس وقيل بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب وإن رباحاً الذي في عمود هذا النسب إنما هو ابن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن وعلى الأمرين فإن نسبه الطالبي وقع في هرغة من قبائل المصامدة‏.‏ ووشجت عروقه فيهم والتحم بعصبيتهم فلبس جلدتهم وانتسب بنسبتهم وصار في عدادهم‏.‏ وكان أهل بيته أهل نسك ورباط‏.‏ وشب محمد هذا قارئاً محباً للعلم وكان يسمى أسافو ومعناه الضياء لكثرة ما كان يسرج من القناديل بالمساجد لملازمتها‏.‏ وارتحل في طلب العلم إلى المشرق على رأس المائة الخامسة‏.‏ ومرة بالأندلس ودخل قرطبة وهي إذ ذاك دار علم‏.‏ ثم أجاز إلى الإسكندرية وحج‏.‏ ودخل العراق ولقي جلة العلماء يومئذ وفحول النظار‏.‏ وأفاد علماً واسعاً وكان يحدث نفسه بالدولة لقومه على يده لما كان الكهان والحزاء يتحينون ظهور دولة يومئذ بالمغرب ولقي فيما زعموا أبا حامد الغزالي وفاوضه بذات صدره في ذلك فأراده عليه لما كان فيه الإسلام يومئذ بأقطار المغرب من اختلال الدولة وتقويض أركان السلطان المجامع للأمة المقيم للملة بعد أن سأله عمن له من العصابة والقبائل التي تكون بها إلاعتزاز والمنعة وبشأنها يتم أمر الله في درك البغية وظهور الدعوة‏.‏ وانطلق هذا الإمام راجعاً إلى المغرب بحراً منفجراً من العلم وشهاباً وارياً من الدين‏.‏ وكان قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنة وأخذ عنهم واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفية والذب عنها بالحجج العقلية الدافعة في صدور أهل البدعة‏.‏ وذهب إلى رأيهم في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن أتباعهم في التأويل والأخذ برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل وإمرار المتشابهات كما جاءت فطعن على أهل المغرب في ذلك وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد وأعلن بإمامتهم ووجوب تقليدهم وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة والتوحيد‏.‏ وكان من رأيه القول بعصمة الإمام على رأي الإمامية من الشيعة‏.‏ وألف في ذلك كتابه في الإمامة الذي افتتحه بقوله‏:‏ أعز ما يطلب‏.‏ وصار هذا المفتتح لقباً على ذلك الكتاب واحتل بطرابلس أول بلاد المغرب مفتياً بمذهبه ذلك مظهراً النكير على علماء المغرب في عدولهم عنه‏.‏ وأخذ نفسه بتدريس العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطاع حتى لقد لقي بسبب ذلك أذايات في نفسه احتسبها من صالح أعماله‏.‏ ولما دخل بجاية وبها يومئذ العزيز بن المنصور بن الناصر بن علناس بن حماد من أمراء صنهاجة‏.‏ وكان من المترفين فأغلظ له ولأتباعه بالنكير‏.‏ وتعرض يوماً لتغيير بعض المنكرات في الطرق فوقعت بسببها هيعة نكرها السلطان والخاصة وائتمروا به فخرج منها خائفاً ولحق بملالة على فرسخ منها وبها يومئذ بنو ورياكل من قبائل صنهاجة‏.‏ وكان لهم اعتزاز ومنعة فآووه وأجاروه‏.‏ وطالبهم السلطان صاحب بجاية بإسلامه إليه فأبوا وأسخطوه وأقام بينهم يدرس العلم أياماً‏.‏ وكان يجلس إذا فرغ على صخرة بقارعة الطريق قريباً من ديار ملالة وهي لهذا العهد معروفة‏.‏ وهنالك لقيه كبير صحابته عبد المؤمن بن علي حاجاً مع عمه فأعجب بعلمه وأثنى عزمه عن وجهه ذلك واختص به وشمر للأخذ عنه‏.‏ وارتحل المهدي إلى المغرب وهو في جملته‏.‏ ولحق بوانشريس‏.‏ وصحبه منها البشير من جلة أصحابه‏.‏ ثم لحق بتلمسان وقد تسامع الناس بخبره فأحضره القاضي بها ابن صاحب الصلاة ووبخه على منتحله ذلك وخلافه لأهل قطره‏.‏ وظن أن العذل يزعه عن ذلك فصم عن قبوله‏.‏ واستمر على طريقه إلى فاس ثم إلى مكناسة ونهى بها عن بعض المناكير فأوقع به الشرار من الغوغاء وأوجموه ضرباً ولحق بمراكش وأقام بها آخذاً في شأنه‏.‏ ولقي علي بن يوسف بالمسجد الجامع في صلاة الجمعة فوعظه وأغلظ له القول‏.‏ ولقي ذات يوم الصورة أخت علي بن يوسف حاسرة قناعها على عادة قومها الملثمين في زي نسائهم فوبخها ودخلت على أخيها باكية لما نالها من تقريعه ففاوض الفقهاء في شأنه بما وصل إليه من شهرته‏.‏ وكان ملئوا منه حسداً وحفيظة لما كان ينتحل مذهب الأشعرية في تأويل المتشابه وينكر عليهم جمودهم على مذهب السلف في إمراره كما جاء ويرى أن الجمهور لقنوه تجسيماً ويذهب إلى تكفيرهم بذلك أحد قولي الأضعرية في التكفير بمآل الرأي فأغروا الأمير به وأحضره للمناظرة معهم فكان له الفتح والظهور عليهم وخرج من مجلسه ونذر بالشر منهم فلحق من يومه بأغمات وغير المناكير على عادته وأغرى به أهلها علي بن يوسف وطيروا إليه بخبره فخرج عنها هو وتلميذه الذين كانوا في صحابته‏.‏ ودعا إسماعيل بن إيكيك من أصحابه مايتين من أنجاد قومه وخرج به إلى منجاة من جبال المصامدة‏.‏ ولحق أولاً بمسفيوة ثم بهنتاتة‏.‏ ولقيه من أشياخهم عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي وهو الشيخ أبو حفص ويعرف بيته بين هنتاتة ببني فاصكات‏.‏ وتقول نسابتهم‏:‏ إن فاصكات هو جد وانودين ويقال لهنتاتة بلسانهم ينتى فلذلك كان يعرف عمر بينتى وسيأتي الكلام في تحقيق نسبه عند ذكر دولتهم‏.‏ ثم ارتحله المهدي عنهم إلى إيكيلين من بلاد هرغة فنزل على قومه وذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة‏.‏ وبنى رابطة للعبادة واجتمعت إليه الطلبة والقبائل فأعلمهم المرشدة والتوحيد باللسان البربري‏.‏ وشاع أمره في صحبته‏.‏ واستدرك رئيس الفئة العلمية بمجلس الأمير علي بن يوسف وهو مالك بن وهيب أغراه به‏.‏ وكان جزاء ينظر في النجوم وكان الكهان يتحدثون بأن ملكاً كائن بالمغرب لأمة من البربر ويتغير فيه شكل السكة لقران بين الكوكبين العلويين من السيارة يقتضي ذلك في أحكامهم وكان الأمير يتوقعها فقال له‏:‏ احتفظ بالدولة من الرجل فإنه صاحب القران‏.‏ والدرهم المربع في كلام سفساف ببسجع سوقي يتناقل الناس نصه وهو‏:‏ اجعل على رجله كبلا ليلاً يسمعك طبلاً‏.‏ وأظنه صاحب الدرهم المربع فطلبه علي بن يوسف فتفقده وسرح الخيالة في طلبه ففاتهم وداخل عامل السوس وهو أبو بكر بن محمد اللمتوني بعض هرغة في قتله ونذر بهم إخوانهم فنقلوا الإمام إلى معقل امتناعهم وقتلوا من داخل في أمره‏.‏ ثم دعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسمين دونه سنة خمس عشرة وخمسمائة فتقدم إليها رجالاتهم من العشرة وغيرهم‏.‏ وكان فيهم من هنتاتة أبو حفص عمر بن يحيى وأبو يحيى بن بكيت ويوسف بن وانودين وابن يغمور ومن تينملل أبو حفص عمر بن علي أصناك ومحمد بن سليمان وعمر بن تافراكين وعبد الله بن ملويات‏.‏ وأوعب قبيلة هرغة فدخلوا في أمره كلهم ثم دخل معهم كدميوة وكنفيسة ولما كملت بيعته لقبوه بالمهدي وكان لقبه قبلها الإمام‏.‏ وكان يسمي أصحابه الطلبة وأهل دعوته الموحدين‏.‏ ولما تم له خمسون من أصحابه سماهم آيت الخمسين‏.‏ وزحف إليهم عامل السوس أبو بكر بن محمد اللمتوني بمكانهم من هرغة فاستجاشوا بإخوانهم من هنتاتة وتينملل فاجتمعوا إليهم وأوقعوا بعسكر لمتونة فكانت مقدمة الفتح‏.‏ وكان الإمام يعدهم بذلك فاستبصروا في أمره وتسابق كافتهم إلى الدخول في دعوته وترددت عساكر لمتونة إليهم مدة بعد أخرى ففضوهم‏.‏ وانتقل لثلاث سنين من بيعته إلى جبل تينملل فأوطنه وبنى داره ومسجده بينهم حوالي منبع وادي وقاتل من تخلف عن بيعته من المصامدة حتى استقاموا فقاتل أولا‏:‏ هزرجة وأوقع بهم مراراً ودانوا بالطاعة‏.‏ ثم قاتل هسكورة ومعهم أبو درقة اللمتوني فغلبهم وقفل فاتبعه بنو وازكيت فأوقع بهم الموحدون وأثخنوا فيهم قتلا وأسراً‏.‏ ثم غزا بلد عجدامة وكن قد افتتحه وترك به الشيخ أبا محمد عطية من أصحابه فغدروا به وقتلوه فغزاهم واستباحهم‏.‏ ورجع إلى تينملل وأقام بها إلى أن كان شأن البشير وميز الموحد من المنافقين وكانوا يسمون لمتونة الحشم فاعتزم على غزوهم وجمع كافة أهل دعوته من المصامدة‏.‏ وزحف إليهم فلقوه بكيك وهزمهم الموحدون واتبعوهم إلى أغمات فلقيهم هنالك زحوف لمتونة مع بكو بن علي بن يوسف وإبراهيم بن تاعباست فهزمهم الموحدون‏.‏ وقتل إبراهيم واتبعوهم إلى مراكش فنزلوا البحيرة في زهاء أربعين ألفاً كلهم رجلى إلا أربعمائة فارس‏.‏ واحتفل علي بن يوسف في الاحتشاد وبرز إليهم لأربعين من نزولهم عليه من باب إيلان فهزمهم وأثخن فيهم قتلا وسبياً وفقد البشير من أصحابه‏.‏ واستحر القتل في هيلانة وأبلى عبد المؤمن في ذلك اليوم أحسن البلاء‏.‏ وكانت وفاة المهدي لأربعة أشهر بعدها‏.‏ وكان يسمي أتباعه بالموحدين تعريضاً بلمتونة في أخذهم بالعدول عن التأويل وميلهم إلى التجسيم‏.‏ وكان حصوراً لا يأتي النساء‏.‏ وكان يلبس العباءة المرقعة‏.‏ وله قدم في التقشف والعبادة ولم يحفظ عنه فلتة في