فصل: النوع الثاني عشر‏:‏ معرفة التدليس وحكم المدلس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقدمة ابن الصلاح المسمى بـ «معرفة أنواع علوم الحديث» **


*1*  النوع الثاني عشر‏:‏ معرفة التدليس وحكم المدلس

*2* التدليس قسمان‏:‏

 أحدهما‏:‏ تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، موهماً أنه سمعه منه‏.‏ أو‏:‏ عمن عاصره ولم يلقه، موهماً أنه قد لقيه وسمعه منه‏.‏ ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر‏.‏

ومن شأنه أن لا يقول في ذلك ‏(‏أخبرنا فلان‏)‏ ولا ‏(‏حدثنا‏)‏ وما أشبههما‏.‏ وإنما يقول ‏(‏قال فلان، أو‏:‏ عن فلان‏)‏ ونحو ذلك‏.‏

‏(‏43‏)‏مثال ذلك‏:‏ ما روينا عن علي بن خشرم قال‏:‏ كنا عند بن عيينة، فقال‏:‏ قال الزهري، فقيل له‏:‏ حدثكم الزهري ‏؟‏ فسكت، ثم قال‏:‏ قال الزهري، فقيل له‏:‏ سمعته من الزهري ‏؟‏ فقال‏:‏ لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري‏.‏

 القسم الثاني‏:‏ تدليس الشيوخ، وهو‏:‏ أن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه، فيسميه، أو يكنِّيه، أو ينسبهُ، أو يصفهُ بما لا يَعرف به، كي لا يُعرف‏.‏

مثاله‏:‏ ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد، الإمام المقري‏:‏ أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله‏.‏ وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن النقَّاش المفسر المقري، فقال‏:‏ حدثنا محمد بن سند، نسبه إلى جدٍ له، والله أعلم‏.‏

أما القسم الأول‏:‏ فمكروه جداً، ذمَّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذماً له‏.‏ فروينا عن الشافعي الإمام، رضي الله عنه أنه قال‏:‏ التدليس أخو الكذب‏.‏ وروينا عنه أنه قال‏:‏ لأن أزني أَحبُ إليِّ من أن أُدلَّس‏.‏ وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير‏.‏

ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس‏:‏ فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحاً بذلك، وقالوا‏:‏ لا تُقبل روايته بحال، بَّين السماع أو لم يبِّين‏.‏

والصحيح التفصيل‏:‏ وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبِّين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه‏.‏ وما رواه بلفظ مبين للاتصال، نحو ‏(‏سمعت، وحدثنا، وأخبرنا‏)‏ وأشباهها فهو مقبول مُحتج به‏.‏

وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جداً‏:‏ كقتادة، والأعمش، والسفيانين، وهشام بن بشير، وغيرهم‏.‏

‏(‏44‏)‏ وهذا لأن التدليس ليس كذباً، وإنما هو ضربُُ من الإيهام بلفظ محتمل‏.‏

والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبِّين قد أجراه ‏(‏الشافعي‏)‏ رضي الله عنه فيمن عرفناه دلَّس مرة، والله أعلم‏.‏

وأما القسم الثاني‏:‏ فأمره أخف، وفيه تضييع للمروي عنه، وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته‏.‏

ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه، فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غَّير سمته غير ثقة، أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه، أو كونه أصغر سناً من الراوي عنه، أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخصٍ واحدٍ على صورةٍ واحدةٍ‏.‏

وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين، منهم ‏(‏الخطيب أبو بكر‏)‏، فقد كان لهَجِاً به في تصانيفه، والله أعلم‏.‏