فصل: الصورُ الَّتي تصح الصَّلاةُ فِيهَا لِغَيرِ الكَعبَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إرشاد أولي البصائر والألباب لـنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب



.بأي شيء تدرك الصَّلاةُ؟

17- بَأْي شيءٍ تُدْرَك الصَّلاةُ؟
الجواب: الإِدرَاكَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ:
1- إدراك الْوَقْت للجمَاعَةِ وَالْجُمْعَة.
2- وإدراك الجماعَةِ.
3- وإدراك الجُمعةِ.
4- ومَنْ به مَانِعٌ فزَالَ وَأدْرَكَ الْوَقْت.
وكُلَّهَا عَلَى الصَّحِيحِ: - وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الإمامِ أَحمد - لا تُدْرَكُ إلاّ بِرَكْعَة.
فمن أَدرَكَ منَ الْوَقْت رَكعةً: فقَدْ أَدْركَهُ.
وَمَن أَدرَكَ مِنَ الجمعَةِ أو الجماعَةِ ركعةً فقَد أَدَركَهُمَا.
ومَن أَدرَكَ مِنَ الوَقتِ رَكْعَةً بَعْدَ زَوَالِ مَانِعهِ: لزمَتْه تِلْكَ الصَّلاةُ.
ومن ِأَدرك أَقْلَّ مْنَ رَكعَةٍ: لم يدرِكْ فيها كُلِّها.
للحديثِ الصَّحيح: « مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةَ مِنَ الصَّلاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا » متَّفَقٌ عَلَيهِ.
وهَذَا يَعُم جَميعَ الإِدرَاكَاتِ الْمَذْكُورَة.
ولم يُعَلِّق الشَّارعُ بأَقلّ من الرَّكْعَةِ إِدْرَاك ركعَةٍ وَلا غَيرهَا.
وَالْمَشْهُور منَ المذهَبِ فِي هَذِهِ المسائِل: أَنَّها تُدرَك بإِدرَاكِ تكبِيرَةِ الإحرام في الوَقت أَو قَبلَ انقِضَاءِ الجماعَةِ.
وأَما الجمعةُ - صلاتها لا وقتها -: فلا تدرك إلا بركعة.
قَوْلاً وَاحِدًا في الْمَذْهَب.
وَالأَوْل أَصَحّ، كما تقدمَ.

.حُكمُ الصَّلاة بعد خُرُوج وقتِهَا وحُكمُهَا في وَقتِهَا:

18- مَا حُكمُ الصَّلاةِ بَعْدَ خُرُوجِ وقتِهَا ومَا حُكمُهَا في وَقتِهَا؟
الجواب: لا يخلُوِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلاةُ فَرْضًا أَو نفلاً.
فإِن كَانَتْ فَرضًا، وكَانَ المؤَخِّرُ متعمِّدًا غيرَ مَعذورٍ، وَلَيَس للتَّأخِيرِ عُذرٌ؛ فحكمُهُِ: أَنَه آثَم.
وإِن كان غيرَ متَعَمِّدٍ: فَلا إِثْم.
وأَمَّا القضَاءُ في تفوِيتهَا أَو فَوَاتِهَا:
فمنْها: مَالا يُقضَى كالجُمعَةِ؛ فإِنَّها إِذَا فَاتَتْ لم تُقضَ وَإنَّمَا يصلي بدلَهَا ظُهرًا.
ومِنهَا: مَالا يُقضَى جَماعَة إلاّ في نَظِير وقتِه كَالْعِيدَيْنِ إِذَا فَاتتا فُعِلَتْ من الْغَدِ أَو بَعدَهُ قَضَاءً.
ومِنهَا: مَا يَجِب قَضَاؤُه مُطْلقاً وهُوَ البَاقِي.
ومِنْ أَحكَامِ هَذَا القَضَاءِ: وُجُوبُ الفورية فِيهِ.
لأن الأَمرَ المطلََقَ يقتَضِي الْفَوْرِيَّة، وإِن كانت مُتَعَدِّدَاتٍ وجَبَ أَيضًا التَّرتيب.
فالفَورِيةُ لا تَسْقُطُ إلاّ مَعَ الضَّرَرِ.
والترتيب، يسقط بالنِّسيان وبضيقِ الْوَقْت قَوْلاً واحِدًا في الْمَذْهَب.
وبالجهل وخوفِ فوت الجماعة على الصَّحيح.
ومن أحكَامِ هذا القَضَاءِ أيضًا: أنَّ مَن عَلَيه فرائضُ متعدِّدَةٌ وجَهِلَهَا أَبْرَأَ ذِمَّتَه واحتَاطَ بما يَعلَمُ خروجَهُ مِنَ التّبعَةِ.
وإِنْ كَانتِ الفائتةُ صَلاةً نافلةً: اُسْتُحِبَّ قَضَّاؤُهَا.
إلاّ الرَّوَاتِب إِذَا فَاتَتْ مَعَ فرائِضَ كثيرةٍ: فإنَّهُ يشتَغِلُ بأداءِ الفَرَائِضِ سوَى سُنَّةِ الفَجر فيقضيهَا مُطْلَقًا.
وَإلاّ النَّوافِلَ المشرُوعَةَ لأسباب: فتفوت بِفَوَات تلك الأسبابِ.
فلا تُقضَى الْكُسُوف وَلا الاستسقَاءُ ولا تحيَّةُ المسجدِ ولا نحوِها ممَّا له سَبَب شُرِعَ لأجلهِ ثم فَاتت مَعَ سببَهَا: فَلا يُشْرَعُ قَضَّاؤُهَا وَاللَّه أعلَمُ.
وأَمَّا حُكمُ الصَّلاةِ في وقتِهَا:
فالأَصْلُ: أَنَّهُ يجوز أَوَّلُهُ وَأَوْسَطه وآخِرُه بحيثُ لا يخرج جزءٌ مِنهَا عَن الْوَقْت هَذَا مُن جِهَة الْجَوَاز.
وَأَّمَا مِنْ جِهَةِ الفَضِيلَةِ والكَمالِ: فَأَول الْوَقْت: هُوَ الأفضَلُ إلا في شِدةِ الحرَّ.
فَيُسْنُ: تأخِيرُ الظُّهْر مُطْلَقًا أو مَعَ غَيْم لمنِ يصلِّي جماعةً؛ ليَكُونَ الخروج لهما واحداً
وكذلك يُستَحبُّ: تأخير العِشاء الآخِرة حيَثُ لا مشقَّة.
وَيُستَحبُّ أيضاً: من يرجو وجُود الماء لعادمه، إذا رجاه في آخر الوقت.
وَيُستَحبُّ التأخير للمغرب ليلة مزدلفة للحاجّ.
وكذلكَ كُلّ جمع استحب تَأخِيره بِأن يكُون أرفق.
وضابط ذلك: أن التقديم أوْلى، إلا إذا كانَ في التَّأخير مصْلحة شَرْعية.
وقد يجب تقديم الصلاة أول وقتها، لمن يظنُّ وُجود مانع في آخر الوَقْت كالمرأة التي تظن الحيضَ ونحوه.
وقد يجب التأخير كَمَنْ يشتغل بِتَحْصِيلِ شرط الصَّلاةِ أوْ ركْنها الَّذي لا يفرغ منه إلا في آخر الوقت، وكتحصيل الجماعة الواجِبة لَها.
وكما قال الفقهاء: لوْ أمَرَهُ أبوهُ بالتَّأخير لِيُصَلِّي بأبيه وَجَبَ عَلَيْه التأخير؛ لكن هذه الصورة مبنية على منع النفل خلف الفرض، والله أعلم.

.هل تشترك صلاة الفرض وصلاة النفل في الأحكام؟

19- هل تشترك صلاة الفرض وصلاة النفل في الأحكام أم بينهما فرقً؟
الجواب: الأصل اشتراك الفرض والنفل في جميع الأمور الواجبة والمكمِّلَةِ، والمفسِدَةِ، والمنقِصَةِ.
فما ثبتَ حكمُه في أحدِهِمَا؛ ثبتَ للآخَر، إلا مَا دَلّ الدَّلِيلُ عَلَى تَخصِيصهِ. ولهذَا أَخَذ العُلَمَاءُ أَحْكَامَ صَلاةِ الفَرضِ والنَّفلِ مِن مُطَّلَق صَلاته - صلى الله عليه وسلم - وأَمرِه وَنَهِيهِ.
ولكن مع هَذَا فَبَيْنهمَا فُروقٌ كَثِيرَةٌ تَرجِعُ إِلَى سُهُولَة الأَمْر في النَّفلِ والتَّرغِيب فِي فعله.
فمنها: أن الْقِيَام عَلَى القَادِرِ رُكْنٌ في الفَرْضِ لا فِي النَّفلِ فَيَصِح النَّفلُ جَالسًا للقَاعِدِ وَلكن صلاةَ القَاعِدِ عَلَى النِّصفِ مِن صَلاةِ القَائِمِ.
ومِنهَا: جَوَاز صَلاةِ النَّفلِ للمُسَافِرِ رَاكِبًا مُتَوَجَّهًا إِلَى جِهَةِ سَيْرِه وكذلك مَاشيًا وَسَوَاءً كَانَ السَّفَرُ طَوِيلاً أَو قَصِيرًا.
وَأَمَّا الفرضُ: فلا يصحُّ عَلَى الرَّاحِلَة إلاّ عِنْدَ الاضْطِرَارِ إِلَيْهِ كَخَوْف عَلَى نَفْسه بِنُزُولِهِ أَوَ خوفِ فَوَات مَا يضرُّه فَوَاته، أَوْ إِذَا كَانَتِ الأَرْض ماشيةً ماءً والسَّماءُ تَهْطُلُ بِالْمَطرِ، ونحوِ ذَلِكَ مِن مَسَائِلِ الاضطرَارِ.
وَمِنهَا: أَنَّهُم اشْتَرَطُوا في الفَرضِ سترَ الرَّجُلِ أَحَدَ عاتِقَيهِ دَوْن النَّفْلِ.
مَعَ أَن الصَّحِيحَ اشتِرَاكُهُمَا في هَذَا الحكمِ وأَن الجميعَ مَشرُوعٌ فِيهِ سَترُ الْمنكب َلا وَاجِبٌ؛ لأَنَّهُ غَيْر عَورَةٍ، والحديثُ: « لا يُصَلِّيَن أَحَدكُمْ في ثَوْبٍ لَيْس عَلَى عَاتِقِهِ مُنْهُ شَيْءٌ » عامٌ في الفَرضِ والنَّفلِ.
ومِنهَا: جوَاز النَّفْلِ فِي جَوْف الكَعبَةِ بخِلافِ الفَرضِ عَلَى الْمَذْهَب.
والصَّحِيحُ: عَدَمُ المنع أيضًا في الفَرضِ.
لأنَّ الحَدِيثَ الَّذِي احْتَجُّوا به عَلَى المنعِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
فَبقِيَ الأَمرُ عَلَى الأَصْل.
ومِنهَا: أنَّ أوقَاتَ النَّهيِ خَاصةٌ بالنَّهيِ عَن النَّوَافِل دُوْن الفَرَائِضِ.
ومِنهَا: مَا قَالُوا بِجوَاز يَسِيرِ الشُّربِ فِي النَّفلِ دُونَ الفَرضِ.
ومِنهَا: أن مَن دَخَلَ في فَرضٍ وجب إِتمامُهُ، وَلَم يَجزْ قَطْعه إلاّ لعُذرٍ بخلافِ النَّفلِ إلاّ الْحَجْ والعُمرَة.
وهذَا فَرقٌ عامٌّ بين الفُرُوضِ والنَّوافِلِ.
وَاعْلَمْ أَن هَذِه الْفُرُوق، غيرُ الفُرُوقِ العَامَّةِ الْوَاقِعَة بين الفرائضِ وَالنَّوَافِل مِن:
- تَعيُّنِ الفُرُوضِ والإِثمِ والعقوبةِ عَلَى تارِكِهَا لغير عُذرٍ.
- وتقدّمِهَا عِندَ المزاحمَةِ.
- وَعِظَم أَجْرِهَا أو رفعَةِ درجاتِهَا.
فإن هَذَا مَعْلُوم، من حَدِّ الفَرضِ وحدُّ النَّفلِ، لا يُحْتَاجُ إلَى ذِكرِه في المسَائِلِ المعينةِ، وإنما يُذكَرُ عِندَ الكَلامِ عَلَى الأُمُورِ الكُلِّيَّةِ العَامَّةِ.

.العورة التي يجب سترها:

20- مَا هي العَوْرَةُ الَّتي يَجِبُ سَترُهَا؟
الجواب: لِلعَوِرَةِ إطلاقٌ في بَاب سُترَةِ الصَّلاةِ، وإطلاقٌ في بَابِ تحريمِ النَّطرِ.
والحكمُ فيهمَا مُتَفَاوِتٌ:
أَمَّا العَوِرَةُ في بَاب سَترَةِ الصَّلاةِ:
فمنها: مخففَةٌ: وهِي عَوْرَة ابن سبعِ سنين إِلَى تمامِ العَشْرِ.
فلا يَجب أَن يَسْتُرَ في الصَّلاةِ إلاّ الْفَرْجَيْنِ فقط.
ومِنهَا: مغلَّظة: وهِيَ عَوْرَةُ الحرَّةِ البالِغَةِ.
فَكُلُّهَا عَوْرَةٌ في الصَّلاةِ إلاّ وَجْههَا وَفي كَفيهَا وَقَدَمَيهَا عَن أَحمد روايتان، المشهورُ وُجُوب سَتْرِهِمَا.
ومنها مُتَوَسَّطَة: وَهُوَ مَن عَدَا المذكُورَيْنِ.
فيَدخُلُ فِيهُِ:
- عَورَةُ الأَمَةِ، وإِنْ كَانَتْ بَالِغَة.
- والحرَّةِ غَيرِ البَالغَةِ.
- والرَّجُلِ البَالِغِ.
- وابنِ عَشْرٍ إِلَى البُلُوغِ من حُر وعَبدٍ.
فَكُلُّ هَؤلاءِ عَوْرَتهمْ في الصَّلاةِ: من السُّرَّةِ إِلَى الركبَةِ.
وأَقل مجزي في ذَلِكَ: مَا يَستُرُ بشرَةَ البَدَنِ.
وَلابدَّ أَن يُكون السَّاتِرُ مُبَاحاً.
وسيأتي إِنَّ شاءَ اللَّهُ: تفصيلُ الثِّيَابِ المبَاحَةِ مِنَ المحرَّمَةِ في غَيرِ هَذَا السُّؤَال وَالجواب.
وثم قِسمٌ آخِر: وَهُوَ أَنَّهُ يَجِب سَترُ جَمِيعِ بَدنِ الميِّت بِثَوبٍ لا يَصِفُ البَشرَةَ صَغِيرًا كان الميتُ أَو كَبِيرًا أَو ذَكرًا أَو أُنثَى.
الحالُ الثَّانَيْ: عورة في باب النَّظرِ:
وَهُوَ النَّطرُ إِلَى ما ورَاءَ الثِّيابِ مِن بَدَنِ الإنسَانِ.
فَهُوَ أيضًا ثلاثَةُ أَقسَامٍ:
1- شَدِيدٌ: وَهُوَ نَظَر الرَّجلِ البَالِغِ ذِي الشَّهوَةِ لِلْحُرَّةِ البَالِغَةِ الأَجنبيَّةِ غير الْقَوَاعِد فيحرُم إِلَى شيءٍ من بَدنِهَا لا وَجهِهَا وَلا يَدَيهَا وَلا قدمَيهَا وَلا شَعرِهَا المتَّصِل لِغَيرِ حَاجَةٍ.
2- وخَفِيفٌ: وهو نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى زَوجَتِهِ وَسَرِيَّته ونَظَرُهَا إِلَيْهِ.
فَيجَوز لِكُلّ: نظرَ جَميعِ بَدنِ الآَخِر.
وكذَلِكَ نَظر عَوْرَة مَن دَوْن سَبعِ سنين.
وتسميةُ هَذَا النَّوْع عَورَةً تَجُوزُ لأجلِ التَّقْسِيم.
3- ونَوعٌ مُتَوَسَّط: وهو:
- نَظَر الرَّجْل إِلَى الرَّجُلِ.
- وَنَظْر المرأَةِ للرَّجُلِ وللمَرأَةِ.
- ونظَره لَذَوَات محارِمهُ، نَسبًا، ورِضاعَا، وصِهرًا.
- وَالنَّظْر لحاجَةِ خِطبة، ومُعَاملةٍ، وَنظَر الأَمَةِ.
فيجوز من ذلك: ما جَرَتْ بهِ العادة وما احْتِيجَ إِلَيْهِ.
وَشَرْط هَذَا: أن لا يكون مَعَه شَهْوَة.
فإن كَانَ: لم يَجُزْ.
ومِثلُهُ: النَّظر للاضْطِرَار: كَنَظر الطَّبِيب، وَالْمُنْقِذ مِن مَهلكَةٍ، وَنحوِ ذَلِكَ: فهَذَا يجوز؛ لما يحتَاجُ إِلَيْهِ، واللَّهُ أَعْلَم.

.الثيَابِ المحرَّمَةِ هل تصحُّ بها الصَّلاةُ؟

21- مَا الفَارقُ بين الثِّيَابِ المبَاحَةِ من المحرَّمَةِ؟ وَاذَا كَانَ مُحرَّمًا فهل تصحّ به الصَّلاة أَمْ لا؟
الجواب: الأَصلُ في الثِّيابِ وَاللِّباسِ: الإِبَاحَة.
قال اللهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32 ].
فَأنْكَرَ عَلَى مَنِ حَرَّمَ اللِّبَاسَ وَالْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب، الَّتي أخرَجَهَا لعبادِه نعمةً مِنهُ ورَحْمة، فدلّ عَلَى: أن أَصلَهَا الإِباحةُ، حتَّى يأتي مِنَ الشرعِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ.
ودَخَلَ فِي هَذَا الأَصْلِ: جَمِيعُ ما تُتخَذ مِنْهُ الأَكْسِيَة من أَيِّ نَوْع كَانَ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَلَم يُحرِّمِ الشَّارِعُ إلاّ أشياءَ مَخْصُوصَة ترجِعُ إِلَى دَفْعِ الضَّرَرِ وَحِفْظِ العِبَادِ في دِينهِم ومَعَاشِهِم.
وَالْمُحرَّم مِنَ اللبَاس:
إِمَّا لَمَكْسَبه الخَبِيثِ، كَالْمَغْصُوبِ ونَحوِه، فهذا تَحرِيمُه عام للذُّكُورِ والإناثِ؛ لاشتراكِ الجَمِيعِ في المعنَى الَّذي حُرِّمَ لأَجْله.
وإِمَّا مُحَرَّمٌ لَهَيئَته الْمُشْتَمِلَة على مَفْسَدَةٍ، فَكَذَلِكَ هَذَا مُحَرَّمٌ عَلَى الصِّنفَينِ فيدخلُ فيهِ:
- اللبَاسُ الَّذِي يَحصُلُ فيهِ التَّشَبُّه الخَاصُّ بِالْكَفَّارِ.
- وتشبُّه الرِّجَال بِلِبَاس النِّسَاءِ الخَاصِّ بهن.
- وكذَلِكَ تَشَبُّه النِّسَاء بِلِبَاسِ الرجَالِ الخَاصِّ بِهِم.
فَهَذَا النَّوعُ الحكم فِيهِ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ.
فمتى وُجِدَ الشَّبَه الْمَحْذُور؛ فالحكمُ بقَاءُ المحظُورِ، ومتَى زَالَ زَالَ.
ومِنْ هَذَا النَّوْع:
- اللباسُ الَّذِي فَيِهِ صُور الْحَيَوَانَات.
- ولباسُ الفَخرِ والخيلاءِ.
فَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى الرجَالِ وَالنِّسَاء.
ومِنَ اللباسِ مَا يكون محرَّماً عَلَى الرجَالِ محلَّلاً لَلنِّسَاء، وذلك كـ:
- الذَّهْب وَالْفِضَة.
- وأكْسِيَةِ الحَرِيرِ الخَالِصَةِ.
- أَوِ التي غَالِبُهَا حَرِيرٌ، أَوْ فِيهَا أَكثرُ مِنْ أَربعِ أَصَابعِ مِنَ الحرِيرِ.
وَيُستَثنَى مِن هَذَا للرَّجُلِ:
- مَا دَوْن أرْبَع أصَابع من الحَرِيرِ، أَوْ أَربع فَقَط.
- وَاسْتِعْمَاله في الحربِ
- أَوْ لمرضٍ مِنْ حكَّة وَنَحْوهَا.
- وكذَلِكَ: كسوةُ الكعبَةِ والمصحَفِ بِالْحَرِيرِ، كُلُّ هَذا جَائِزٌ.
وأَمَّا تحريم الأَكسيَةِ النَّجِسَةِ كَجُلُود السِّبَاعِ: فهذا من بَاب وُجُوبِ تَجَنُّبِ الْخَبَائِث كُلِّهَا في كُلِّ شيءٍ.
وأَمَّا صحةُ الصَّلاة وَعَدَمُهَا في الثَّوبِ المحرَّمِ المتعلِّقُ بِسَترِ العَوْرَةِ:
فَإِنَّها لا تَصِحُّ بِهِ الِْصْلاة فَرْضًا وَلا نَفْلاً إلاّ مَعْذُورًا بِجَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ.
وكذلك المضطر، فإِنَّ كلَّ مَعْذُورٍ إِذَا فَعَلَ مَحْظُورًا في العبَادَةِ فعبَادَتُه غَيْر فَاسِدَةٍ، كما أنَّه غَيْرُ آثمٍ.

.الصورُ الَّتي تصح الصَّلاةُ فِيهَا لِغَيرِ الكَعبَةِ:

22- مَا هِيَ الصُّوَر الَّتي تَصِحّ الصَّلاةُ فِيهَا لِغيرِ الكَعبَةِ؟
الجواب: الأَصْلُ أنَّ: استِقبَالَ القِبلَةِ شَرْطٌ لِصحَّة الصَّلاةِ، وأن من تَرَكَ الاستِقبَالَ فصَلاتُه بَاطِلَة.
لكن يُستَثنَى مِنْ هَذَا صُوَر، منها: -
المربُوط والمصلُوبُ لغير القِبلَةِ.
وفي شِدَّةِ القِتَالِ.
وهذَا يَرجِعُ لِعَدَمِ القُدرَةِ على الاستِقبَالِ.
وكُلُّ من عَجَزَ عن شرطٍ مِن شُرُوط الصَّلاةِ، أو رُكنٍ مِن أرْكَانِهَا سَقَطَ عَنْهُ.
ومنها: المتنفِّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ في السَّفَرِ يَتَوَجَّه جِهَة سَيرِهِ، وَلا يُلزَمُهُ الاستِقبَالُ في شيءٍ مِن صَلاته عَلَى الصَّحِيحِ.
وعَلَى المذهَبِِ: يلْزَمهُ افتِتَاحُ الصَّلاة إِلَى القِبلَةِ، إِذَا تمكَّنَ مِن ذَلِكَ وكذَلِكَ الماشِي، ويلزَمُهُ الرُّكُوع وَالسُّجُود إِليهَا عَلَى الْمَذْهَب.
ومنهَا: مَنِ اشتَبهَتْ عَلَيهِ الْقَبْلَة في السَّفَرِ واجتَهَدَ، ثم تبينَ لَه بَعْد الفَرَاغِ أَنه لِغَيرِ القِبلَةِ فَلا إِعَادَة عَلَيْهِ.
وعَلَى المسألتين قَوْله تعالى:{وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [ الْبَقَرَة: 115 ].
فُسِّرَ بَكْل منْهما.
والصَّحيحُ: أن الآية تعم ذَلِكَ، ومَا هُوَ أعم مِنْهُ.
وممَّا يُسقِطُ وُجُوب اسْتِقْبَال القِبلَةِ: إِذَا رَكب السَّفِينَةَ، وَهُوَ لا يَتَمَكَّنُ مِنَ الاستِقبَالِ: لم يُلْزَمهُ.
وَإِنْ تمكَّن: لَزمه فِي الفَرْضِ دُونَ النَّفل، فَلا يلزَمه أَنْ يدور بِدَوَرَانِهَا، وَاللَّهَ أعلم.

.الِعُبُودِيِّة الخاصَّة للجوارح في الصَّلاةِ:

23- قد اشتُهِرَ عند أَهْلِ العِلْمِ أَن لِكُلِّ جَارِحَةٍ مِنْ أَعضَاءِ البَدَنِ عُبُودِيَّة خاصّةً في الصَّلاةِ، فما هَذِهِ الخَواص؟
الجواب: وَمَا تَوْفِيقِيّ إلاّ بِاللَّه عَلَيْهِ تَوَكَّلَتُ وَإِلَيْهِ أُنْيَب.
الأصلُ فِي هَذَا: أنْ تَعلَمَ أن الصَّلاةَ الْمَقْصُود الأعظَم بِهَا إِقَامَة ذِكرِ اللَّهِ، والخشُوعُ لهُ، وَالْحُضُور بين يَدْيه، ومُنَاجَاتهُ بِعِبَادَتِهِ.
وهَذَا الْمَقْصُود للقَلبِ أصلاً، وَالْجَوَارِح كُلُّهَا تَبَع لَهُ.
ولِهَذَا يَتَنقَّل العَبْد في الصَّلاة مِن قِيَامٍ إِلَى رُكُوع، ومِنه إِلَى سُجُود وَمنْه إلى رَفعٍ. وَهُوَ في ذَلِكَ يَتَنَوَّع في الخشُوع لرَبّه، وَالقِيَامِ بِعُبُوديتهِ.
ويَتَنقَّلُ مِن حَالٍ إِلى حَالٍ.
وَلكُلِّ رُكنٍ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسْرَار مَا هُوَ مِن أَعَظْم مَصَالِحِ الْقَلْب وَالرُّوح وَالإِيمَان.
ولِهَذَا عَلَّقَ اللَّهُ الْفَلاح التَّام عَلَى هَذَا في قوِلهُ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الذِينَ هُم في صَلاتِهِم خَاشِعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 1، 2 ].
وَجماع هَذَا: أَنْ يَجْتَهِدَ العَبْدُ في تَدَبُّرِ ما يَقُولُهُ مِنَ القِرَاءَةِ وَالذَّكَر والدُّعَاءِ، ومَا يَفْعَلهُ مِن هَذِهِ التنقُّلاتِ.
وَكَمَال هذا: أَنْ يَعْبُدَ اللَّه كأَنَّهُ يرَاهَ، فإِنْ لم يقْوَ عَلَى هَذَا استَحضَرَ رُؤيَةَ الله لَهُ.
وَبحسَبِ حُصُول هَذَا الْمَقْصُود يَحصُلُ تأخِيرُهَا لِلعَبدِ لَهُ مِنَ الأَجْرِ وَالثَّوَاب والقَبُولِ والقُربِ مِن رَبّه مَا يَحصُلُ.
وَلِهَذَا ورَدَ في الأَثَرِ: « لَيَس لَك مِنْ صَلاتِكَ إلاّ مَا عَقِلْتَ مِنْهَا ».
مَعْنَاهُ حُصُول هَذهِ المقَاصِدِ الجليلَةِ، وَإلاّ إِبرَاءُ الذِّمَّةِ، وزَوَالُ التَّبِعَةِ تحصُلُ بأَدَاءِ جَمِيعِ لازِمَاتِ الصَّلاةِ، ولكن يَتَفَاوَت الْمُؤْمِنُونَ في صَلاتِهِم بحسَب تَفَاوُت إِيمانِهِم.
فَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذكرتُهُ وأَشَرْتُ إِلَيْهِ تَشتَرِكُ فِيهِ جميعُ الْجَوَارِح الطَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ.
ثُم بعدَ هذا الإجمَالِ:
فَاللِّسَان بَعدَ القَلبِ أَعْظَمهَا وأكثَرُهَا عُبُودِيَّة؛ لأنَّه يتنقَّلُ في صَلاته مِن قِرَاءةٍ إِلَى أذكَارٍ مُتَنَوِّعَة، إِلَى أَدعِيَةٍ بُغْضهَا أَركَانٌ وبَعضُهَا واجِبَاتٌ وبعضُها مُكَمِّلاتٌ.
أمَّا الأَركَانُ المتعلِّقةُ باللسَانِ:
1- فتَكْبِيرةُ الإِحْرَام.
2- وقِرَاءَةُ الفَاتِحَةِ في كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إلاّ المأْمُومُ إِذا جَهَر إِمَامه عَلى الْقَوْل الصَّحِيحِ، فيتحمَّلهَا عَنْهُ.
وَعَلَى المذهَبِِ: حتَّى في السِّرِّ.
3- وَالتَّشَهُّد الأخِيرُ.
4- والصَّلاةُ عَلَى اَلنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -.
5- والتَّسليمَتَانِ.
وأَمَّا واجِبَاتُ اللسَانِ:
1- فالتَّكبِيرَاتُ كُلّهَا غَيرَ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ وغَيرَ التَّكبيرةِ الثَّانِيَةِ لَلرُّكُوع في حَقِّ الْمَسْبُوق إِذَا أَدرَكَ الإمَامَ رَاكِعًا ثُم كَبَّر للإِحرَامِ فإِنَّها تُجزِئُه عَنْ تَكبِيرَةِ الرُّكُوع لاجتِماعِ عِبَادَتَيْنِ في وَقتٍ وَاحِدٍ من جَنْس وَاحِدٍ فَاكتُفِيَ فِيهِمَا بفِعلٍ وَاحِدٍ، فإِنْ كبَرّ لَلرُّكُوع فَهُوَ أكمَلُ.
فَتَبَيَّنَ بهَذَا التَّفصِيلِ أن التَّكبِيرَاتِ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ:
- رُكنٌ، وهو تكبيرةُ الإِحرَامِ.
- وَمَسْنُونٌ، وهو هَذِهِ الأخِيرَةُ.
- وَوَاجِب، وهو باقِيهَا.
ومن وَاجِبَاتِهُ:
2- قَولُ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) للإِمَام والمنفَرِدِ.
3- وقولُ: (رَينا وَلَكَ الحَمدُ) للإِمَام والمنفَرِدِ وَالْمَأْمُوم.
4- وقول: (سبحان ربي الْعَظِيم) مرَّة فِي الرُّكُوع.
5- و (سُبحَانَ رَبِّي الأعلَى) مرَّةً في السُّجُود.
6- و (رَبّ اغفِر لي ) بين السَّجْدَتَيْنِ.
ومَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فهوِ مَسْنُون مُكَمِّلٌ.
7- وَالتَّشَهُّد الأَوَّلُ.
وَأَمًّا: باقي القِرَاءةِ بعد الفَاتِحَةِ.
- وبَاقِي التَّسبِيحَاتِ.
- والأدعِيَةِ.
- وَتكمِيل التَّشهُّد.
فإنَّهَا سَنّن مُكْمِلات.
فَلا يُشرَعُ في الصلاة سُكُوت أَصْلا، إلاّ إِذا جَهَرَ الإِمَامُ فَيُشرَعُ للمأمُومِ الإنصَاتُ لَقِرَاءَته. وَكَذَلِكَ لَقُنُوته؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأنْصِتُوا} [ الأعراف: 204 ].
وكما أَن اللسَانَ يتنقَّلُ في هَذِهِ الأَنْوَاع التَّعبُّديةِ فلا يَحِلّ أن يُشْغَلَ بغيرِهَا؛ ولهذا كانَتْ حركَتُهُ بِغَيرِ ما يتعلَّقُ بِالصَّلاةِ مُبْطِلَة كالكَلامِ عمدًا فإِنَّه مُبْطِل إِجْمَاعًا، كمَا قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: « إِن صَلاتنا هَذِهِ لا يَصْلُحُ وَلا يَحِلُّ فِيهَا شَيْء مِن كَلامِ النَّاسِ ».
فإِنْ كَانَ الكَلامُ من جَاهِلِ الحكمِ أو جَاهِلِ الْحَال أو نَاسٍ: فَالْمَشْهُور من المذهَبِ إِبْطَال الصَّلاةِ به، إلاّ إِن نَامَ فتكلَّمَ أَو غَلْب الكَلامُ عَلَيْهِ حَالَ قِرَاءَته.
وعَلَى الصَّحِيحِ: كَلامُ المَعْذُور غَيرُ مُبْطِل للصَّلاةِ.
لأَن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَأمُر المتكلَّمَ في صَلاتِه جَاهِلاً بالإِعَادَةِ بل أخبره بالحكم فَقَط.
وَكَذَلِكَ لما تكلَّم الْمُسْلِمُونَ حين سَهَا فسلَّمَ قبل إِتْمَامهَا؛ لم يأمرهم بِالإِعَادَةِ بل تكلَّمَ هو وَهُم وبَنوا جميعًا عَلَى مَا مَضَى.
وأَمَّا ما يتعلَّقُ باليَدينِ:
فَرَفعُ اليَدَينِ إِلَى حَذوِ الْمنكَبين في أَمَاكِنِهَا.
وَهِيَ عِندَ:
1- تَكبِيرَةِ الإِحْرَامِ.
2- وعِنْدَ تَكبِيرَةِ الرُّكُوع.
3- وَعِندَ الرَّفعِ منْهُ.
4- وَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ: عند الرَّفْعِ مِنَ التشَّهُّد الأَوَّل.
كَما ثَبَتَ بِه الْحَدِيث. وَالْمَشْهُور: الاقْتِصَار عَلى الثَّلاثَةِ الأُوَلِ.
5- وكذلك تَكْبِيرَاتُ العِيدِ اللاتِي بَعدَ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ وَبَعْد تَكبِيرَةِ الانتِقَالِ للرَّكعَة الثَّانيَةِ.
6- وَتَكْبِيرَات الجنَازَةِ كُلّهَا.
7- وَالاسْتِسْقَاء كالعِيدِ.
وَكَذَلِكَ على المذهَبِ: تكبيرةُ السُّجودِ للتِّلاوَةِ وَالشُّكرِ.
وَالصَّحِيح: لا يُسْتَحَبّ رفعها بهما؛ لأَن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يرفعُهمَا في السّجود.
ومِن عِبَادَةِ اليَدَينِ:
أَنْ يكون في حَال قِيَامه قَابضًا يُسْرَاه بِيُمْنَاهُ، وَاضِعًا لَهُمَا عَلَى سُرَّته أَو تحتها أو فوقِهَا.
وأَن يَجْعَلهُمَا عَلَى ركْبتيْهِ فِي الرُّكُوعِ مفرقتين.
وَلا يُستَحَب تَفرِيقُ أَصابِعِهِمَا في غَيرِ هَذَا الْموضِع.
وَأَن يَجعلهُمَا في سُجُودِهِ حَذْوَ منكبِيهِ مُسْتَقْبلاً بِهمَا القِبلَةَ مجافِيًا لَهُما عَن جَنبيهِ، مَبْسُوطَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْ الأَصَابع.
وأن يَجعَلَهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ أو فَخْذَيْهِ فِي الْجُلُوس بين السَّجْدَتَيْنِ مَبْسُوطَتين مَضْمُومَتَيْ الأَصَابع، مُوجِّهَا أَصَابِعهُما لِلقِبْلَةِ.
وَكَذَلِكَ في التَّشَهُّدَيْنِ إلاّ أَنه ينبغي في التَّشَهُّدَينِ أَن يقبضَ مِنَ اليُمْنَى الخنْصر وَالْبنصر، وَيُحَلِّق الإِبهام مَعَ الْوُسْطَى.
وأَن يُشِيرَ بِالسَّبابةِ إِلَى تَوْحِيد اللَّه وذِكرِه.
ومِن خَوَّاص اليَدَينِ:
في حَقِّ الْمَرْأَة عنْدَ تنبيه الإِمَامِ إِلَى سَهْوٍ: أَن تصَفِّقَ بِهِمَا.
وأَمَّا الرَّجُلُ: فالمشْرُوعُ في حقّهُ التَّسْبِيحُ.
كما أمَرَ بذلِكَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -.
وَالفَرقُ بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَة ظَاهِرٌ؛ لأَن المَطْلُوب مِنهَا الاسْتِتَار لِشَخصِهَا وَكِلامهَا.
فَهَذَا مَا يتعلَّقُ باليَدَينِ.
وَمِنَ المشتَرَكِ بينَهُمَا وَيَبِنّ بَقِيهِ الأَعضَاءِ السَّبُعَة الرُّكْبتَينِ وَالْقُدْمِينَ والجبهة مَعَ الأَنفِ: أَن السُّجُود عَلَيهِمَا رُكنٌ لا تتم الصَّلاةُ إلاّ بِهِ.
وَأَمَّا ما يتعلَّقُ بًالقَدَميْنِ:
- فالقيامُ في الفرضِ رُكنٌ لا تَتِم إلاّ بِهِ عَلَى القَادِرِ.
- وَيَنْبَغِي أَن يُفرِّقهَا وَلا يضم بَعْضَهَا إِلى بَعضٍ حَيثُ أمكَنَ بِلا مَشَقَّةٍ
- وأَن يَكُونَا فِي السُّجُود مَنْصُوبَتَيْنِ وَبُطُون أصَابِعِهمَا عَلَى الأَرْضِ مُوَجِّهَة أَطْرَافهَا إِلَى القِبلَةِ.
وأمَّا في الجلوسِ: فينصبِ الْيُمْنَى، وَيُوجه أَصَابِعَهَا إِلَى القِبلَةِ، ويفتَرش اليُسرَى ويجلسُ عَلَيها إلاّ في التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ فَيتَوَرَّك بأَن يخرجهَا من تَحتِهِ ويجلسُ عَلَى الأرضِ.
وَكَذَلِكَ يَنبغِي مُوَازَنَةُ الرَّجلين فَلا يُقَدِّمُ أَحَدَهُمَا عَلَى الأُخرى.
وإذا كانوا جماعة سَوَّوْا صُفُوفَهُم بمسَاوَاةِ المنَاكِبِ والأَكعُبِِ.
وأمَّا ما يتعلَّقُ بالعينين:
فَالْمَشْرُوع: أن يَكُون نَظَرُه إلَى مَوْضِع سُجُودِهِ؛ لأَنه أَعْوَن لَهُ عَلَى الخشُوعِ وعَدَمِ تَفَرُّق الْقَلْب.
كَما شُرِعَ لأَجْلِ هَذَا المعنَى أَن يُصَلِّيَ الإِنسَانُ إِلَى سُترَةٍ.
فإِن في السُّترَةِ فَوَائِدَ عَدِيدَةً: مِنهَا هَذَا الْمَقْصَد.
ويُستَثْنَى مِنْ هَذَا إِذَا كَانَ في التَّشَهُّدِ فإنَّه يَنْطُر إِلَى سَبَّابَته عِنْدَ الإِشَارَةِ إِلَى التَّوحِيدِ.
وَاسْتَثْنَى الأَصْحَاب إذا كَانَ مُشَاهِدًا للكَعبَةِ فإِنَّهُم قَالُوا: يَنطُرُ إِلَيْهَا.
والصَّحِيحُ: أنُهِ لا يستحب في الصَّلاةِ النَّظَرُ إِلَى الكَعبَةِ، وإِن كَانَ النَّطْر إِلَيْهَا خَارِجَ الصَّلاة عِبَادَةً؛ لأَنه في الصَّلاةِ يُفَوّت الخشُوعَ خُصُوصًا إذا كَانَ الْمَطَاف مَشغُولاً بِالطَّائِفِينَ.
ويُستَثْنَى مِن ذَلِكَ أيْضًا: صَلاة الْخَوْف؛ فإِنَّهُ يَنبَغِي أَنْ يَكُونَ نظَره إِلَى جِهَةِ عَدُوِّهِ الَّذِي في قِبْلَته لِكَمالِ الاحتِرَازِ، وليجمع بين الصَّلاةِ والجِهَادِ.
وكَمَا أنه يُسْتَحَبّ نَظَرُه إِلَى مَوضِعِ سُجُوده؛ فيُكرَهُ نَظَرُه في صَلاته إِلى كُلِّ مَا يُلهِي قَلبَهُ وَيُشَوِّشهُ.
وَلِهَذَا كَرِه العُلَمَاءُ: أَن يَكُون في قِبلَةِ المصلِّي مَا يُلهِي مِن زَخرَفَةٍ أو غَيرِهَا.
ويُكْرَهُ: أَنْ يُغمِضَ عَينيهِ، أَو يَرفَعَ نَظَرَه إِلَى السَّمَاءِ.
وَيُكْرَهُ: العَبَث بشَيءٍ مِنَ الأعضَاءِ.
فإن كَثُرَ وَتَوَالَى لِغَيرِ ضَرُورَة: بَطلَتْ بِهِ الصَّلاةُ.
وَيُكْرَهُ: افتِرَاشُ ذِرَاعَيهِ سَاجِدًا، وتخصُّرُه، وَتَمَطِّيه.
وإِنْ تَثَاوَبَ كَظم، فإِنْ لم يَسْتَطِعْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيه.
ويُكرَهُ مِنَ الجلوسِ الإقعَاءُ، وَهُوَ أن ينصبَ قَدَمَيهِ ويَجلسَ عَلَيهِمَا.
وقيل: هُوَ أن يَنصُبَ قَدَمَيهِ ويجلسَ بَينَهُمَا.
ويُكرَهُ: فرقَعَةُ الأَصَابِع وَتَشْبِيكهَا.
ومما يتعلَّقُ بالأَعضَاءِ كُلِّها: الصِّفَاتُ اَلْمَشْرُوعَة في هَيئَاتِ اَلرُّكُوع وَالسُّجُود والجلوسِ.
فَهَذَا اَلْجِوَاب يَأتي عَلَى غَالِبِ أو كُلِّ صِفَةِ اَلصَّلاة والله أعْلَمُ.