فصل: إفاضات الحجاج ثلاث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة



.إفاضات الحجاج ثلاث:

الأولى: من عرفة إلى مزدلفة ليلة عيد النحر.
الثانية: من مزدلفة إلى منى.
الثالثة: من منى إلى مكة لطواف الإفاضة.

.صفة النزول في المشاعر:

1- منى ومزدلفة وعرفات من مشاعر الحج فلا يجوز لأحد تملكها.
ومنى مناخ مَنْ سبق، وَمَنْ ترك المبيت بمنى ليلتين أو ثلاثاً من ليالي أيام التشريق من غير عذر فهو آثم، ونسكه صحيح، ومن لم يجد مكاناً في منى نزل بجوار آخر خيمة من منى من أي جهة ولو كان خارج منى، ولا حرج ولا دم عليه، ولا يبيت بمنى على الأرصفة، أو في الطرق فيضر نفسه، ويؤذي غيره.
2- منى ومزدلفة وعرفات مشاعر كالمساجد، لا يجوز لأحد أن يبني فيها بيتاً ويؤجره، أو يأخذ أرضاً ويؤجرها، فإن فعل فالناس معذورون ببذل الأجرة، والإثم على من أخذها، وعلى الإمام أن ينظم نزول الناس في المشاعر بما يراه مناسباً يحقق المصلحة والراحة للحجاج.
عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: خَطَبَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ بِمِنىً، وَنَزَّلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ فَقَالَ: «لِيَنْزِلِ المُهَاجِرُونَ هَاهُنَا» وَأَشَارَ إلَى مَيْمَنَةِ القِبْلَةِ «وَالأَنْصَارُ هَاهُنَا» وَأَشَارَ إلَى مَيْسَرَةِ القِبْلَةِ «ثُمَّ لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي.
- إذا أَخَّرَ الحاج طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع إذا نواه للزيارة، لكنه ترك الأفضل.
- مَنْ وجب عليه طواف الوداع وخرج قبل أن يطوف للوداع لزمه أن يرجع ويطوف للوداع، فإن لم يرجع فهو آثم، ونسكه صحيح.
صفة حجة النبي- صلى الله عليه وسلم-
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله رَضيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم- مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي العَاشِرَةِ: أَنَّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم- حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم-، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم- كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي» فَصَلَّى رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى البَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ القُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- تَلْبِيَتَهُ.
قَالَ جَابِرٌ رَضِي اللهُ عَنْهُ: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ العُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا البَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ?} [البقرة/ 125]، فَجَعَلَ المَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ-وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: «{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة/ 158]، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى البَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ الله وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى المَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى المَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى المَرْوَةِ، فَقَالَ: «لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأُخْرَى، وَقَالَ: «دَخَلَتِ العُمْرَةُ فِي الحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ».
وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِي الله عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم- مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم- فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الحَجَّ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ: «فَإِنَّ مَعِيَ الهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ» قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ، وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِائَةً.
قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَقَصَّرُوا، إِلَّا النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم-، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم-، وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ الله، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ؛ كِتَابُ الله، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ القُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم-، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ اليُمْنَى: «أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا، حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ، أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ، فَحَوَّلَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم-، فَأَفَاضَ إِلَى البَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ» فَنَاوَلُوهُ دَلْواً، فَشَرِبَ مِنْهُ.
أخرجه مسلم.

.ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو غيرهما:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قفل من الجيوش، أو السرايا، أو الحج، أو العمرة إذا أوفى على ثنية أَوْ فَدْفَدٍ، كبر ثلاثاً، ثم قال: «لا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ الله وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه.

.أحكام الفوات والإحصار:

مَنْ فاته الوقوف بعرفة فاته الحج، وتحلل بعمرة، ويقضيه فيما بعد إن كان فَرْضه، ويهدي، وإن اشترط حَلَّ ولا شيء عليه.
ومن صده عدو عن البيت أهدى ثم حلق أو قَصَّر ثم حَلَّ، وإن صُدَّ عن عرفة تحلل بعمرة.
وإن حصره مرض أو ذهاب نفقة، فإن كان مشترطاً حَلَّ ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط في إحرامه ذبح ما تيسر من الهدي ثم حلق أو قصر ثم حَلَّ، ومن كُسِرَ أو مرض أو عَرِجَ فقد حَلّ، وعليه الحج من قابل إن كان فرضه.

.10- زيارة المسجد النبوي:

.حدود حرم المدينة النبوية:

من الشرق الحرة الشرقية.. ومن الغرب الحرة الغربية.. ومن الشمال جبل ثور خلف جبل أحد.. ومن الجنوب جبل عير وبسفحه الشمالي وادي العقيق.
وحَرَم المدينة لا يُقطع شجرة، ولا يُنَفَّر صيده، وصيد مكة فيه الإثم والجزاء، وصيد المدينة فيه الإثم دون الجزاء.
1- عَنْ علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَقَالَ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ». متفق عليه.
2- وعَنْ جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا».أخرجه مسلم.

.خصائص المساجد الثلاثة:

المساجد الثلاثة هي: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
1- المسجد الحرام بناه إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- وابنه إسماعيل، وهو قبلة المسلمين، وإليه حجهم، وهو أول بيت وضع للناس، جعله الله مباركاً وهدىً للعالمين.
والمسجد النبوي بناه محمد- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم وقد أسس على التقوى.
والمسجد الأقصى بناه يعقوب- صلى الله عليه وسلم-، وهو أولى قبلتي المسلمين.
2- مضاعفة ثواب الصلاة في هذه المساجد الثلاثة، ولهذه الخصائص وغيرها لا تشد الرحال إلا لهذه المساجد الثلاثة.
- يحرم شد الرحال لزيارة القبور مطلقاً، سواء كانت لنبي أو غيره.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه.

.حكم زيارة المسجد النبوي:

يسن للمسلم أن يزور المسجد النبوي، ويصلي فيه إذا دخل ركعتين تحية المسجد.
ثم يذهب إلى قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- ويقف أمامه ويسلم عليه قائلاً:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم يأتي بالدعاء الوارد في زيارة القبور، ثم يخطو خطوة عن يمينه ويسلم على أبي بكر رضي الله عنه كذلك.
ثم يخطو خطوة عن يمينه ويسلم على عمر رضي الله عنه كذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ الله عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ». أخرجه أحمد وأبو داود.

.فضل الصلاة في المسجد النبوي:

الصلاة في المسجد النبوي بالمدينة تعدل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيْمَا سِوَاهُ إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه.
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوضِي». متفق عليه.

.وتسن زيارة البقيع:

وشهداء أحد، والسلام عليهم، والدعاء والاستغفار لهم ويقول عند زيارة القبور:
1- «السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ الله المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالمُسْتَأْخِرِينَ، وَإنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ». أخرجه مسلم.
2- أو يقول: «السَّلامُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، وَإنَّا إَنْ شَاءَ الله لَلاحِقُونَ، أَسْأَلُ الله لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ». أخرجه مسلم.

.فضل الصلاة في مسجد قباء:

يسن للمسلم أن يتوضأ في بيته ويذهب إلى مسجد قباء راكباً أو ماشياً، ويصلي فيه ركعتين فإنها تعدل عمرة، وإن كانت الزيارة يوم السبت فهو أفضل.
1- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا. متفق عليه.
2- عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ صَلاةً، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ». أخرجه النسائي وابن ماجه.
- زيارة مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة ليست من مناسك الحج أو العمرة، ويتم الحج والعمرة بدونها، وإنما تسن زيارة مسجده عليه الصلاة والسلام للصلاة فيه في أي وقت.