فصل: فَصْلٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية الرتبة في طلب الحسبة



.فَصْلٌ:

وَيَكُونُ ثُلُثُ دَقِيقِ الزَّلاَبِيَةِ نَاعِمًا وَثُلُثَاهُ سَمِيذًا خُشْكَنَانِيًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَثُرَ فِيهِ السَّمِيذُ زَادَتْ الزَّلاَبِيَةُ بَيَاضًا، وَخِفَّةً فِي الْوَزْنِ، وَنُضْجًا غَيْر أَنَّ السَّمِيذَ يَشْرَبُ مِنْ الزَّيْتِ أَكْثَرَ مِنْ النَّاعِمِ، فَلِهَذَا يَكْرَهُونَهُ، وَأَجْوَدُ مَا قُلِيَتْ بِهِ الشَّيْرَجُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالزَّيْتُ الصَّافِي.
وَلاَ يَشْرَعُ فِي قَلْيِهَا حَتَّى يَخْتَمِرَ عَجْنُهَا، وَعَلاَمَةُ اخْتِمَارِهَا أَنَّهَا تَطْفُو عَلَى وَجْهِ الزَّيْتِ، وَالْفَطِيرِ مِنْهَا يَرْسُبُ فِي أَسْفَلِ الْمَقْلَى، وَالْمُخْتَمِرُ أَيْضًا يَكُونُ مِثْلَ الْأَنَابِيبِ، إذَا جَمَعْتهَا فِي كَفِّك اجْتَمَعَتْ، وَالْفَطِيرُ تَكُونُ مَرْضُوضَةً، وَلَيْسَ فِيهَا تَجْوِيفٌ.
وَلاَ يُجْعَلُ فِي عَجِينِهَا مِلْحٌ؛ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ بِالْعَسَلِ؛ فَتَغْثَى النَّفْسُ إذَا كَانَتْ بِالْمِلْحِ، وَأَمَّا سَوَادُ الزَّلاَبِيَةِ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ وَسَخِ الْمَقْلَى، وَقَدْ يَكُونُ دَقِيقُهَا نَاعِمًا لاَ سَمِيذَ فِيهِ، أَوْ تَكُونُ مَقْلُوَّةً بِالزَّيْتِ الْمُعَادِ، وَهُوَ الَّذِي قُلِيَ بِهِ، وَرُبَّمَا تَكُونُ فَطِيرًا فَتَسْوَدُّ، وَرُبَّمَا جَارَتْ عَلَيْهَا النَّارُ لِسُوءِ الصِّنَاعَةِ؛ فَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ الْمُحْتَسِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تُصْنَعَ سَلاَلِمًا صِغَارًا لِطَافًا كُلُّ أَرْبَعِينَ مِنْهَا رِطْلٌ، وَمَتَى حَمُضَ عَجِينُهَا جَعَلَهُ الصَّانِعُ خَمِيرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ التَّاسِعُ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْجَزَّارِينَ، وَالْقَصَّابِينَ:

يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْجَزَّارُ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا، يَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَأَنْ يَنْحَرَ الْإِبِلَ مَعْقُولَةً، وَيَذْبَحَ الْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ مُضْطَجِعَةً عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْسَرِ؛ فَجَمِيعُ ذَلِكَ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَلاَ يَجُرُّ الشَّاةَ بِرِجْلِهَا جَرًّا عَنِيفًا، وَلاَ يَذْبَحُ بِسِكِّينٍ كَالَّةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَيَلْزَمُهُ فِي الذَّبْحِ أَنْ يَقْطَعَ الْوَدَجَيْنِ وَالْمَرِيءَ، وَالْحُلْقُومَ، وَلاَ يَشْرَعَ فِي السَّلْخِ بَعْدَ الذَّبْحِ حَتَّى تَبْرُدَ الشَّاةُ، وَيَخْرُجَ مِنْهَا الرُّوحُ؛؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْمَدِينَةِ، " لاَ تُسْلَخُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ حَتَّى تَبْرُدَ ".
وَتَجُوزُ الذَّكَاةُ بِكُلِّ شَيْءٍ إلاَ السِّنَّ، وَالظُّفْرَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الذَّكَاةِ بِهِمَا، وَيُنْهِي الْمُحْتَسِبُ عَنْ نَفْخِ لَحْمِ الشَّاةِ بَعْدَ السَّلْخِ؛ لِأَنَّ نَكْهَةَ الْآدَمِيِّ تُغَيِّرُ اللَّحْمَ، وَتُزَفِّرُهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشُقُّ اللَّحْمَ مِنْ الصِّفَاقَيْنِ، وَيَنْفُخُ فِيهِ الْمَاءَ، وَلَهُمْ أَمَاكِنُ يَعْرِفُونَهَا فِي اللَّحْمِ يَنْفُخُونَ فِيهَا الْمَاءَ فَيُرَاعِيهِمْ الْمُحْتَسِبُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْعَرِيفِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُشْهِرُ فِي الْأَسْوَاقِ الْبَقَرَ السِّمَانَ، ثُمَّ يَذْبَحُ غَيْرَهَا، وَهَذَا تَدْلِيسٌ.

.فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْقَصَّابُونَ فَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ إخْرَاجِ تُوَالِي اللَّحْمِ مِنْ حَدِّ مَصَاطِبِ حَوَانِيتِهِمْ، بَلْ تَكُونُ مُتَمَكِّنَةً فِي الدُّخُولِ عِنْدَ حَدِّ الْمِصْطَبَةِ وَالرُّكْنَيْنِ، لِئَلاَ تُلاَصِقُهَا ثِيَابُ النَّاسِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهَا.
وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يُفْرِدُوا لُحُومَ الْمَعْزِ عَنْ لُحُومِ الضَّأْنِ، وَلاَ يَخْلِطُوا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، وَيُنَقِّطُوا لُحُومَ الْمَعْزِ بِالزَّعْفَرَانِ، لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا، وَتَكُونُ أَذْنَابُ الْمَعْزِ مُعَلَّقَةً عَلَى لُحُومِهَا إلَى آخِرِ الْبَيْعِ، وَيُعْرَفُ لَحْمُ الْمَعْزِ بِبَيَاضِ شَحْمِهِ، وَدِقَّةِ ضِلْعِهِ.
وَلاَ يَخْلِطُونَ لُحُومَ الْمَعْزِ بِشُحُومِ الضَّأْنِ، وَلاَ اللَّحْمَ السَّمِينَ بِاللَّحْمِ الْهَزِيلِ، وَيُعْرَفُ شَحْمُ الْمَعْزِ بِبَيَاضِهِ، وَصَفَائِهِ، وَشَحْمُ الضَّأْنِ بِعُلُوِّ صُفْرَتِهِ.
وَيَأْمُرُهُمْ بِبَيْعِ الْأَلْيَاتِ مُفْرَدَةً عَنْ اللَّحْمِ، وَلاَ يُخَالِطُهَا جِلْدٌ، وَلاَ لَحْمٌ.
وَإِذَا فَرَغَ الْقَصَّابُ مِنْ الْبَيْعِ، وَأَرَادَ الِانْصِرَافَ أَخَذَ مِلْحًا مَسْحُوقًا، وَنَثَرَهُ عَلَى الْقِرْمِيَّةِ الَّتِي يُقَصِّبُ عَلَيْهَا اللَّحْمَ، لِئَلاَ تَلْحَسَهَا الْكِلاَبُ، أَوْ يَدِبَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِلْحًا، وَإِلاَ فَالْأُشْنَانُ الْمَسْحُوقُ يَقُومُ مَقَامَهُ.
وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ لاَ يُشَارِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لِئَلاَ يَتَّفِقُوا عَلَى سِعْرٍ وَاحِدٍ.
وَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَصَّابُ الشَّاةَ بِأَرْطَالِ لَحْمٍ مَعْلُومَةٍ، وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْجَزَّارُ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا شَكَّ الْمُحْتَسِبُ فِي الْحَيَوَانِ - هَلْ هُوَ مَيْتَةٌ أَوْ مَذْبُوحٌ - أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ، فَإِنْ رَسَبَ فَهُوَ مَذْبُوحٌ، وَإِنْ لَمْ يَرْسُبْ فَهُوَ مَيْتَةٌ، وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ إذَا طُرِحَ فِي الْمَاءِ، فَمَا كَانَ مَذِرًا فَهُوَ يَطْفُو، وَمَا كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ يَرْسُبُ.
وَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَى صَيَّادِي الْعَصَافِيرِ، وَسَائِرِ الطُّيُورِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ دِينَ لَهُ، ، وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يُصَلُّونَ.
فَلْيَتَّقِ اللَّهَ الْمُحْتَسِبُ فِي أَمْرِهِ، وَلاَ يَتَنَاوَلُ مِنْهُمْ رِشْوَةً، وَلاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدِيَّةً، لِئَلاَ يَتَسَلَّطُوا بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُنَجِّسُوا مَعَايِشَهُمْ، وَرُبَّمَا اخْتَلَطَ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنْ الطُّيُورِ الْمَيِّتَةِ فَبَاعُوهُ مَعَ الْمَذْبُوحَةِ.

.الْبَابُ الْعَاشِرُ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الشَّوَّائِينَْ:

يَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَزِنَ عَلَيْهِمْ الْحِمْلاَنِ قَبْلَ إنْزَالِهَا فِي التَّنُّورِ "، وَيَكْتُبَهَا فِي دَفْتَرِهِ، ثُمَّ يُعِيدَهَا إلَى الْوَزْنِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا.
فَإِنْ كَانَ الشِّوَاءُ قَدْ نَقَصَ مِنْهُ الثُّلُثُ فَقَدْ تَنَاهَى نُضْجُهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ أَعَادَهُ إلَى التَّنُّورِ.
وَيَعْتَبِرُهُ عِنْدَ وَزْنِهِ وَهُوَ لَحْمٌ، لِئَلاَ يُخْفُوا فِيهِ صَنْجَ الْحَدِيدِ، وَثَقَاقِيلُ الرَّصَاصِ.
وَعَلاَمَةُ نُضْجِ الشِّوَاءِ أَنْ يَجْذِبَ الْكَتِفَ بِسُرْعَةٍ، فَإِنْ جَاءَتْ فَقَدْ انْتَهَى فِي النُّضْجِ، وَأَيْضًا يَشُقُّ الْوَرِكَ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهَا عُرُوقٌ حُمْرٌ، وَنَزَلَ مِنْهَا مَاءُ اللَّحْمِ، فَهُوَ نِيءٌ وَلَمْ يَنْضَجْ.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَدْهِنُ الْحِمْلاَنَ بِالْعَسَلِ، ثُمَّ يُنْزِلُهَا بِالتَّنُّورِ، فَإِنَّهَا فِي الْحَالِ تَحْمَرُّ، وَيَظْهَرُ فِيهَا نَفْحٌ، فَيَنْظُرُ الرَّائِي لَهَا أَنَّهَا قَدْ نَضِجَتْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْبَحُ حِمْلاَنًا كَثِيرَةً، ثُمَّ يَحْمِلُ بَعْضَهَا إلَى الْمُحْتَسِبِ، وَيُخْفِي الْبَاقِيَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يُغَمَّ الشِّوَاءُ حَالَةَ إخْرَاجِهِ مِنْ التَّنُّورِ، وَلاَ يُوضَعُ فِي أَوَانِي الرَّصَاصِ ، وَلاَ النُّحَاسِ، وَهُوَ حَارٌّ، فَقَدْ قَالَتْ الْأَطِبَّاءُ إنَّهُ يَسْتَحِيلُ سُمًّا.
وَيَأْمُرُهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَنْ يُطَيِّنُوا تَنَانِيرَهُمْ بِطِينٍ حَرٍّ قَدْ عُجِنَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الطِّينَ مِنْ أَرَاضِي حَوَانِيتِهِمْ، وَهُوَ مُخْتَلِطٌ بِالدَّمِ، وَالْفَرْثِ، وَذَلِكَ نَجِسٌ، وَرُبَّمَا انْتَثَرَ عَلَى الشِّوَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ فَتْحِ التَّنُّورِ، فَيُنَجَّسُ.

.فَصْلٌ:

وَأَمَّا بَاعَةُ الشِّوَاءِ الْمَرْضُوضِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَضَعُ الْمَاءَ، وَالْمِلْحَ فِي قَدَحٍ عِنْدَهُ، وَيَضَعُ عَلَيْهِ قَلِيلًا مِنْ مَاءِ اللَّيْمُونِ، ثُمَّ يُفَرِّقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِينَ عِنْدَ رَضِّ الشِّوَاءِ، وَيَرُشُّهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَفْضُلُ مِنْهُ فَضْلَةٌ فِي لَيَالِي الصَّيْفِ، فَيُصْبِحُ مُتَغَيِّرًا مِنْ الدُّهْنِ الَّذِي يَقْطُرُ عَلَيْهِ، فَيَمْزُجُونَهُ بِاللَّيْمُونِ الطَّرِيِّ، لِيُخْفِيَ رَائِحَتَهُ، وَطَعْمَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَشْتَرِي الرُّوسَ الْمَغْمُومَةَ عِنْدَ كَسَادِهَا، ثُمَّ يَنْشُرُ لَحْمَهَا عَلَى الْقَرْمَةِ، ثُمَّ يَرُضُّهُ مَعَ الشِّوَاءِ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَرُبَّمَا رَضُّوا مَعَهُ الْكُلَى، وَالْكُبُودَ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَجَمِيعُ هَذَا تَدْلِيسٌ، يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الْبَيْعِ، وَأَرَادُوا الِانْصِرَافَ، نَثَرُوا عَلَى قُرُمِهِمْ الْمِلْحَ الْمَسْحُوقَ، كَمَا قُلْنَا فِي الْقَصَّابِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ الْحَادِي عَشْرَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الرَّوَّاسِينَ:

يَأْمُرُهُمْ بِنَظَافَةِ سَمْطِ الرُّوسِ وَالْأَكَارِعِ بِالْمَاءِ الشَّدِيدِ الْحَرَارَةِ، وَجَوْدَةِ تَنْقِيَةِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ مِنْهَا، ثُمَّ تُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، غَيْرَ الَّذِي سُمِطَتْ فِيهِ.
وَ يَجِبُ عَلَى الرَّوَّاسِ أَنْ يَضُمَّ إصْبَعَهُ فِي الْخَيَاشِيمِ، وَيَغْسِلَ دَاخِلَهَا، بَعْدَ أَنْ يَدُقَّ مَقْدِمَهَا، وَيُنْزِلَ مَا فِيهِ مِنْ الْقَذَى، وَالْوَسَخِ، وَالدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ، إنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلاَ يَخْلِطُونَ رُوسَ الْمَعْزِ بِالضَّأْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَيَجْعَلُونَ فِي أَفْوَاهِ رُوسِ الْمَعْزِ كَوَارِعَهَا، لِتَتَمَيَّزَ عَنْ الضَّأْنِ، وَلاَ تَشْتَبِهَ عَلَى الْجَاهِلِ، وَعَلاَمَةُ رُوسِ الضَّأْنِ أَنَّ تَحْتَ كُلِّ عَيْنٍ ثُقْبًا، وَلَيْسَ تَحْتَ عُيُونِ الْمَعْزِ شَيْءٌ، وَأَيْضًا، إنَّ خُرْطُومَ الْمَعْزِ دَقِيقٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الضَّأْنُ، وَرُبَّمَا كَسَدَتْ عِنْدَهُمْ الرُّوسُ، فَيَخْلِطُونَهَا مِنْ الْغَدِ بِالرُّوسِ الطَّرِيَّةِ.
وَعَلاَمَةُ الْبَائِتِ مِنْهَا أَنَّك تَنْسِلُ الْعَظْمَ الدَّقِيقَ الَّذِي فِي الْمَبْلَعِ الْمُسَمَّى بِالشَّوْكَةِ، ثُمَّ تُشَمُّ رَائِحَتُهُ، فَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَهُوَ بَائِتٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي دُهْنَ الْأَبْدَانِ الْقَاطِرِ مِنْ الشِّوَاءِ، وَيَخْلِطُهُ بِدُهْنِ الْأَكَارِعِ، وَيَسْقِي بِهِ الثَّرِيدَةَ؛ فَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ الْمُحْتَسِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَلاَ يُخْرِجُ الرُّوسَ مِنْ الْغُمَّةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ نُضْجُهَا، وَيَكُونُ عِنْدَهُ الْمِلْحُ، وَالسُّمَّاقِ مَسْحُوقِينَ لِيَنْثُرَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..

.الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ: الْحِسْبَةُ عَلَى قَلاَئِي السَّمَكِ:

يُؤْمَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ بِغَسْلِ قِفَافِهِمْ، وَأَطْبَاقِهِمْ الَّتِي يَحْمِلُونَ فِيهَا السَّمَكَ، وَيَنْثُرُونَ فِيهَا الْمِلْحَ الْمَسْحُوقَ، كُلَّ لَيْلَةٍ بَعْدَ الْغَسْلِ؛ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِمَوَازِينِهِمْ الْخُوصَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا غَفَلُوا عَنْ غَسْلِهَا فَاحَ نَتْنُهَا، وَكَثُرَ وَسَخُهَا، فَإِذَا وُضِعَ فِيهَا السَّمَكُ الطَّرِيُّ تَغَيَّرَ رِيحُهُ وَفَسَدَ طَعْمُهُ، وَيُبَالِغُونَ فِي غَسْلِ السَّمَكِ بَعْد شَقِّهِ، وَتَنْظِيفِهِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ جِلْدِهِ، وَفُلُوسِهِ، ثُمَّ يَنْثُرُونَ عَلَيْهِ الْمِلْحَ، وَالدَّقِيقَ - وَشَرْطُ الْعَشَرَةِ أَرْطَالٍ، رِطْلُ دَقِيقٍ، ثُمَّ يَقْلُونَهُ بَعْدَ أَنْ يَجِفَّ مِنْ نَدَاوَتِهِ.
وَلاَ يَخْلِطُونَ السَّمَكَ الْبَائِتَ بِالطَّرِيِّ، وَعَلاَمَةُ الطَّرِيِّ أَنَّ خَيَاشِيمَهُ مُحْمَرَّةٌ، وَالْبَائِتُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَيَنْبَغِي لِلْعَرِيفِ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْمَقْلِيَّ كُلَّ سَاعَةٍ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُحْتَسِبِ عَنْهُ؛ لِئَلاَ يَقْلُوهُ بِدُهْنِ الشَّحْمِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ بُطُونِ السَّمَكِ، وَيَخْلِطُوا هَذَا الدُّهْنَ بِالزَّيْتِ عِنْدَ قَلْيِهِ.
وَأَجْوَدُ مَا قُلِيَ بِهِ الشَّيْرَجُ، وَلاَ يَقْلُونَهُ بِالزَّيْتِ الْمُعَادِ إذَا كَانَ مُتَغَيِّرَ الرَّائِحَةِ، وَلاَ يُخْرِجُونَ السَّمَكَ مِنْ الْمَقْلِيِّ حَتَّى يَنْتَهِيَ نُضْجُهُ، مِنْ غَيْرِ سَلْقٍ وَ لاَ احْتِرَاقٍ.

.فَصْلٌ:

وَأَمَّا السَّمَكُ الَّذِي يُحْمَلُ إلَى الْبِلاَدِ أَوْ يُكْسَدُ فِي الْمَخَازِنِ، كَالْفَسِيخِ، وَالْبَطَارِخِ فَلاَ تُقَشَّرُ فُلُوسُهُ، ، وَلَكِنْ يُوَثَّقُ بِالْمِلْحِ، سِيَّمَا رُءُوسُهُ، وَخَيَاشِيمُهُ، فَإِنَّ الدُّودَ أَوَّلَ مَا يَتَوَلَّدُ فِيهَا؛ وَمَتَى مَذِرَ السَّمَكُ الْمَكْسُودُ وَالطَّرِيحُ، وَجَبَ أَنْ يُرْمَى عَلَى الْمَزَابِلِ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ الثَّالِثُ عَشْرَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الطَّبَّاخِينَ:

يُؤْمَرُونَ بِتَغْطِيَةِ أَوَانِيهِمْ، وَحِفْظِهَا مِنْ الذُّبَابِ، وَهَوَامِّ الْأَرْضِ، بَعْدَ غَسْلِهَا بِالْمَاءِ الْحَارِّ، وَالْأُشْنَانِ، وَأَلاَ يَطْبُخُوا لُحُومَ الْمَعْزِ مَعَ لُحُومِ الضَّأْنِ، وَلاَ لُحُومَ الْإِبِلِ مَعَ لُحُومِ الْبَقَرِ، لِئَلاَ يَأْكُلَهَا نَاقِهٌ مِنْ الْمَرَضِ فَتَكُونُ سَبَبًا لِنَكْسِهِ.
وَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ كَثْرَةَ الْإِدَام، وَقِلَّةَ اللَّحْمِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسُلُّونَ الدُّهْنَ، وَيُفْرِغُونَهُ فِي الْقِدْرِ، فَيَطْفُو عَلَى وَجْهِ الطَّعَامِ، فَيَغْتَرُّ بِهِ النَّاسُ، وَيَظُنُّونَ مِنْ كَثْرَةِ اللَّحْمِ.
وَعَلاَمَةُ لَحْمِ الْمَعْزِ فِي الْقِدْرِ سَوَادُهَا، وَزُهُومَتُهَا، وَدِقَّةُ عِظَامِهَا، وَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِمْ مَا يَغُشُّونَ بِهِ الْأَطْعِمَةَ، فَإِنَّهُمْ يَغُشُّونَ الْمَضِيرَةَ بِالدَّقِيقِ، فَيَزِيدُ فِي وَزْنِهَا، وَيَعْقِدُهَا؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْقِدُهَا بِدَقِيقِ الْأَرُزِّ وَالسَّمِيذِ النَّاعِمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الْبَهَطَّةَ بِالْقُلْقَاسِ، وَعَلاَمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَيْلُ الطَّعَامِ إلَى السُّمْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْقِدُ اللَّبَنِيَّةَ بِالْكُسْبِ أَوْ بِالنَّشَا.
وَلَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ أُنَبِّهَ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ عَلَى غِشِّ الْأَطْعِمَةِ، لَذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا كَثِيرَةً فِي اخْتِلاَفِ أَشْيَاءَ مِنْ عَنَاصِرِهَا، وَلَكِنِّي أَعْرَضْت عَنْ ذِكْرِهَا مَخَافَةً مِمَّنْ يَتَعَلَّمُهَا، فَيُعَلِّمُهَا لِلنَّاسِ.
وَقَدْ ذَكَرَ يَعْقُوبُ الْكِنْدِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِاسْمِ " كِيمْيَاءُ الطَّبَائِخِ " أَلْوَانَ لَحْمٍ تُطْبَخُ مِنْ غَيْرِ لَحْمٍ، وَقَلْيَ كُبُودٍ مِنْ غَيْرِ كُبُودٍ، وَمُخٍّ مِنْ غَيْرِ مُخٍّ، وَنَقَانِقُ، وَطَرْدَيْنِ مِنْ غَيْرِ لَحْمٍ، وَعُجَّةٌ مِنْ غَيْرِ بَيْضٍ، وَجُوذَابٌ مِنْ غَيْرِ أَرُزٍّ، وَحَلاَوَةٌ مِنْ غَيْرِ عَسَلٍ، وَلاَ سُكَّرٍ، وَأَلْوَانٌ كَثِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ عَنَاصِرِهَا يَطُولُ شَرْحُهَا، لاَ يَهْتَدِي إلَيْهَا الطَّبَّاخُونَ، فَأَمْسَكْت عَنْ ذِكْرِهَا.
فَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، لِئَلاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الهرائسيين:

أَوْسَطُ عِيَارِ الْهَرِيسَةِ - مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ عَلَى الهرائسيين، وَلاَ تَعْسِيرَ عَلَى النَّاسِ - لِكُلِّ صَاعٍ مِنْ الْقَمْحِ ثَمَانِيَ أَوَاقٍ مِنْ لَحْمِ الضَّأْنِ، وَرِطْلٌ مِنْ لَحْمِ الْبَقَرِ، وَيَكُونُ لَحْمُ الْهَرِيسَةِ سَمِينًا فَتِيًّا، نَقِيًّا مِنْ الدَّرَنِ وَالْغُدَدِ، وَالْعُرُوقِ، وَالْأَعْصَابِ، طَرِيًّا غَيْرَ غَثٍّ، وَلاَ مُتَغَيِّرِ الرَّائِحَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ، وَالْمِلْحِ سَاعَةً حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ الدَّمِ، ثُمَّ يُخْرَجَ، وَيُغْسَلَ بِمَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يُنْزَلَ فِي الْقِدْرِ بِحَضْرَةِ الْعَرِيفِ، ثُمَّ يُخْتَمُ بِخَاتَمِ الْمُحْتَسِبِ.
فَإِذَا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ حَضَرَ الْعَرِيفُ، وَكَسَرَ الْخَاتَمَ، وَهَرَسُوهَا بِحَضْرَةِ الْعَرِيفِ، لِئَلاَ يَشِيلُوا اللَّحْمَ مِنْهَا، وَيُعِيدُوهُ إلَيْهَا مِنْ الْغَدِ، فَأَكْثَرُهُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يُخْتَمْ عَلَيْهِ الْقِدْرُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشَّ الْهَرِيسَةَ بِالْقُلْقَاسِ الْمُدَبَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْتَاعُ الرُّوسَ الْمَغْمُومَةَ عِنْدَ كَسَادِهَا رَخِيصَةً، ثُمَّ يَنْسِلُ لَحْمَهَا وَيَجْعَلُهُ فِي الْهَرِيسَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْلُقُ لَحْمَ الْبَقَرِ أَوْ لَحْمَ الْجَمَلِ، ثُمَّ يُجَفِّفُهُ وَيَدَّخِرُهُ عِنْدَهُ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الْعَمَلُ نَقَعَهُ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ سَاعَةً، ثُمَّ، وَضَعَهُ فِي الْهَرِيسَةِ.
وَرُبَّمَا بَقِيَ عِنْدَهُمْ فِي الْقُدُورِ فَضْلَةٌ، فَخَلَطُوهَا فِي الْهَرِيسَةِ مِنْ الْغَدِ.
فَيُرَاعِي الْمُحْتَسِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالْخَتْمِ.

.فَصْلٌ:

وَيَكُونُ دُهْنُ الْهَرِيسَةِ طَرِيًّا طَيِّبَ الرَّائِحَةِ، قَدْ عَمِلَ فِيهِ عِنْدَ سَلْيِهِ الْمُصْطَكَا وَالدَّارَصِينِيّ، وَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ مَا يَغُشُّونَ بِهِ الدُّهْنَ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ عِظَامَ الْبَقَرِ وَالْجَمَالِ، وَالرُّوسِ، ثُمَّ يَسْلُقُهَا سَلْقًا جَيِّدًا، فَيَخْرُجُ مِنْهَا دُهْنٌ كَثِيرٌ، فَيَمْزُجُونَهُ بِدُهْنِ الْهَرِيسَةِ، وَالطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنَّك تُقَطِّرُ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى بَلاَطَةٍ، فَإِنْ سَالَ، وَلَمْ يَجْمُدْ، أَوْ كَانَ لَوْنُهُ مُشِفًّا، فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَأْمُرُهُمْ الْمُحْتَسِبُ بِغَسْلِ قُدُورِ الدُّهْنِ وَتَنْظِيفِهَا، وَتَمْلِيحِهَا، لِئَلاَ تَتَغَيَّرَ رَائِحَتُهَا، وَطَعْمُهَا، فَيَتَوَلَّدُ فِيهَا الدُّودُ، فَإِذَا أُعِيدَ الدُّهْنُ إلَيْهَا ثَانِيًا صَارَ مُتَغَيِّرًا فِي الرَّائِحَةِ، وَالطَّعْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى النقانقيين:

الْأُولَى أَنْ تَكُونَ مَوَاضِعُهُمْ الَّتِي يَصْنَعُونَ فِيهَا النَّقَانِقَ بِقُرْبِ دِكَّةِ الْمُحْتَسِبِ، لِيُرَاعِيَهُمْ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ غِشَّهُمْ فِيهَا كَثِيرٌ لاَ يَكَادُ يُعْرَفُ، وَيَأْمُرُهُمْ بِتَنْقِيَةِ اللَّحْمِ، وَجَوْدَتِهِ، وَاسْتِسْمَانِهِ، وَنُعُومَةِ دَقِّهِ عَلَى الْقُرَمِ النَّظِيفَةِ.
وَلْيَكُنْ عِنْدَهُ وَاحِدٌ حِينَ يَدُقَّ اللَّحْمَ، بِمِذَبَّةٍ يَطْرُدُ بِهَا الذُّبَابَ، وَلاَ يَخْلِطُونَ مَعَهُ الْبَصَلَ، وَالْأَبَازِيرَ وَالتَّوَابِلَ إلاَ بِحَضْرَةِ الْعَرِيفِ، لِيَعْلَمَ مِقْدَارَهُ بِالْوَزْنِ، ثُمَّ يَحْشُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَصَارِينِ النَّقِيَّةِ.
وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ مَا يَغُشُّونَ بِهِ النَّقَانِقَ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِلُحُومِ الرُّوسِ الْمَغْمُومَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِالْكُبُودِ، وَالْكُلَى، وَالْقُلُوبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِاللُّحُومِ الْوَاقِعَةِ الْهَزِيلَةِ، أَوْ يَخْلِطُهَا بِلُحُومِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ الْوَاقِعَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُشُّ الْمَاءَ عَلَى اللَّحْمِ وَقْتَ دَقَّهُ، فَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْشُو السنبوسك بِلُحُومِ السَّمَكِ الْمَشْوِيَّةِ، وَالتَّوَابِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِالْبَاقِلاَ الْمُنَبَّتِ الْمَقْشُورِ، وَبَيَاضِ الْبَصَلِ.
وَيُعْرَفُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِأَنْ يَشُقَّ الْمُحْتَسِبُ النَّقَانِقَ قَبْلَ قَلْيِهَا، فَيُظْهِرَ مَا فِيهَا لِلْعَيْنِ.
وَإِذَا وُضِعَتْ فِي الْمِقْلاَةِ فَلاَ تَكَادُ تُعْرَفُ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْخُسُونَهَا بِالسَّفُّودِ إذَا قَارَبَتْ النُّضْجَ، فَيَسِيلُ مَا فِيهَا مِنْ الْغِشِّ، وَتُنْضِجُهُ النَّارُ، فَلاَ يُعْرَفُ، وَيَكُونُ دُهْنُهَا الَّذِي تُقْلَى بِهِ طَيِّبَ الطَّعْمِ، وَالرَّائِحَةِ غَيْرَ عَتِيقٍ، وَلاَ مُتَغَيِّرٍ، ثُمَّ يَنْثُرُونَ عَلَيْهَا بَعْدَ قَلْيِهَا الْأَبَازِيرَ الطَّيِّبَةَ، وَالتَّوَابِلَ الْمَسْحُوقَةَ الصَّالِحَةَ لَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَلْوَانِيِّينَ:

الْحَلْوَى أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، وَأَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، لاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِصِفَةٍ وَ لاَ عِيَارٍ، أَخْلاَطُهَا عَلَى قَدْرِ أَنْوَاعِهَا، مِثْلُ النَّشَا، وَاللَّوْزِ، وَالْخَشْخَاشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي نَوْعٍ، وَقَلِيلًا فِي نَوْعٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْعَرِيفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَلْوَى تَامَّةَ النُّضْجِ، غَيْرَ نِيئَةٍ، وَلاَ مُحْتَرِقَةٍ، وَلاَ تَبْرَحُ الْمِذَبَّةُ فِي يَدِهِ، يَطْرُدُ عَنْهَا الذُّبَابَ، وَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسَبِ عَلَيْهِمْ مَا يَغُشُّونَ بِهِ الْحَلْوَى، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ: فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَمْزُجُونَ الْعَسَلَ النَّحْلَ بِرُبِّ الْكَرْمِ وَعَلاَمَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ عَلَى النَّارِ ظَهَرَتْ رَائِحَةُ الرُّبِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْزُجُ الْعَسَلَ الْقَصَبَ - وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْقَطَّارَةَ - بِالدِّبْسِ، وَعَلاَمَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَرْكُدُ فِي أَسْفَلِ الْإِنَاءِ.
وَمِنْ الْحَلْوَى مَا يُغَشُّ بِالدَّقِيقِ، وَالنَّشَا - وَبِدَقِيقِ الْأُرْزِ، وَبِدَقِيقِ الْعَدَسِ، وَبِقِشْرِ السِّمْسِمِ - وَعَلاَمَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَطْفُو عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ إذَا طُرِحَ فِيهِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ نَاطِفَ الْخَشْخَاشِ بِالسَّمِيذِ، وَعَلاَمَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَطْفُو عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَظْهَرُ فِي مُكَسَّرِهِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ النَّاطِفَ الْهِيَاجَيَّ بِالسَّمِيذِ الْمَقْلُوِّ بِالْكِشْكِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ النَّاطِفَ الْأَصْفَرَ بِالْفَتِيتِ، وَعَلاَمَةُ غِشِّ الْجَمِيعِ أَنَّهُ يَطْفُو عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشَّ البسندود بِالْفَتِيتِ، وَرُبَّمَا عَمِلُوهُ بِدَقِيقِ الْعَدَسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ كَعْبَ الْغَزَالِ، وَالْمُشَاشَ بِالْقَنْدِ، وَعَلاَمَةُ غِشِّهِ مَيْلُهُ إلَى السُّمْرَةِ، وَالسَّوَادِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الزَّلاَبِيَةَ الْمُشَبَّكَةَ بِالْقَنْدِ الْمَحْلُولِ، عِوَضًا عَنْ الْعَسَلِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْخَبَائِصَ النَّاعِمَةَ، وَالرَّطْبَةَ وَالصَّابُونِيَّةَ بِالنَّشَا الْخَارِجِ عَنْ الْحَدِّ، وَعَلاَمَةُ غِشّهَا أَنَّهَا تَتَفَتَّتُ، وَإِذَا بَاتَتْ خُمِّرَتْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ النَّوْبِيَّةَ بِالدَّقِيقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الخشكنانج الَّذِي يُخْبَزُ فِي التَّنُّورِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَغْشُوشًا، وَقَعَ فِي التَّنُّورِ وَسَقَطَ، وَجَمِيعُ غُشُوشِ الْحَلاَوَةِ لاَ تَخْفَى فِي مَنْظَرِهَا، وَذَوْقِهَا، فَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ الْمُحْتَسِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّيَادِلَةِ:

تَدْلِيسُ هَذَا الْبَابِ، وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كَثِيرٌ، لاَ يُمْكِنُ حَصْرُ مَعْرِفَتِهِ عَلَى التَّمَامِ.
فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ نَظَرَ فِيهِ، وَعَرَفَ اسْتِخْرَاجَ غُشُوشِهِ، فَكَتَبَهَا فِي حَوَاشِيهِ تَقْرِيبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهِيَ أَضَرُّ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقَاقِيرَ، وَالْأَشْرِبَةَ مُخْتَلِفَةُ الطَّبَائِعِ، وَالْأَمْزِجَةِ، وَالتَّدَاوِي عَلَى قَدْرِ أَمْزِجَتِهَا.
فَمِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِمَرَضٍ وَمِزَاجٍ، فَإِذَا أُضِيفَ إلَيْهَا غَيْرُهَا أَحْرَفَهَا عَنْ مِزَاجِهَا، فَأَضَرَّتْ بِالْمَرِيضِ لاَ مَحَالَةَ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى الصَّيَادِلَةِ أَنْ يُرَاقِبُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُخَوِّفَهُمْ، وَيَعِظَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ الْعُقُوبَةَ، وَالتَّعْزِيرَ، وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ عَقَاقِيرَهُمْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ.
فَمِنْ غُشُوشِهِمْ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُمْ يَغُشُّونَ الْأَفْيُونَ الْمِصْرِيَّ بِشِيَافِ ماميتا، وَيَغُشُّونَهُ أَيْضًا بِعُصَارَةِ، وَرَقِ الْخَسِّ الْبَرِّيِّ، وَيَغُشُّونَهُ أَيْضًا بِالصَّمْغِ.
وَعَلاَمَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا أُذِيبَ بِالْمَاءِ ظَهَرَتْ لَهُ رَائِحَةٌ كَرَائِحَةِ الزَّعْفَرَانِ، إنْ كَانَ مَغْشُوشًا بالماميتا، وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ ضَعِيفَةً، وَهُوَ خَشِنٌ، كَانَ مَغْشُوشًا بِعُصَارَةِ الْخَسِّ؛ وَاَلَّذِي هُوَ مُرٌّ صَافِي اللَّوْنِ ضَعِيفُ الْقُوَّةِ، يَكُونُ مَغْشُوشًا بِالصَّمْغِ.
وَقَدْ يَغْشَوْنَ الراوند الصِّينِيَّ بِنَبْتَةِ يُقَالُ لَهَا: رَاوَنْدُ الدَّوَابِّ تَنْبُتُ بِالشَّامِ.
وَعَلاَمَةُ غِشِّهِ أَنَّ الراوند الْجَيِّدَ هُوَ الْأَحْمَرُ الَّذِي لاَ رَائِحَةَ لَهُ، وَيَكُونُ خَفِيفًا، وَأَقْوَاهُ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ السُّوسِ، وَإِذَا نُقِعَ فِي الْمَاءِ كَانَ فِي لَوْنِهِ صُفْرَةٌ، وَمَا خَالَفَ هَذِهِ الصِّفَةَ كَانَ مَغْشُوشًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ يَغُشُّونَ الطَّبَاشِيرَ بِالْعِظَامِ الْمَحْرُوقَةِ فِي الْأَتَاتِينَ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهَا أَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ فِي الْمَاءِ رَسَبَ الْعَظْمُ، وَطَفَا الطَّبَاشِيرُ، وَقَدْ يُغَشُّونَ اللِّبَانَ الذَّكَرَ بالقلفونية، وَالصَّمْغِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا طُرِحَ فِي النَّارِ الْتَهَبَتْ القلفونية، وَدَخَّنَتْ وَفَاحَتْ رَائِحَتُهَا، وَقَدْ يَغُشُّونَ التَّمْرَ هِنْدِيَّ بِلَحْمِ الْإِجَّاصِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْحَضَضَ بِعَكِرِ الزَّيْتِ، وَمَرَائِرِ الْبَقَرِ؛ فِي وَقْتِ طَبْخِهِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا طُرِحَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي النَّارِ فَإِنَّ الْخَالِصَ يَلْتَهِبُ، ثُمَّ إذَا أَطْفَيْتَهُ بَعْدَ الِالْتِهَابِ يَصِيرُ لَهُ رَغْوَةٌ كَلَوْنِ الدَّمِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَيِّدَ مِنْهُ أَسْوَدُ، وَيُرَى دَاخِلُهُ يَاقُوتِيُّ اللَّوْنِ، وَمَا لاَ يَلْتَهِبُ وَمَا لاَ يُرَغِّي يَكُونُ مَغْشُوشًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْقُسْطَ بِأُصُولِ الرَّاسِنِ.
وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْقُسْطَ لَهُ رَائِحَةٌ، وَإِذَا وُضِعَ عَلَى اللِّسَانِ يَكُونُ لَهُ طَعْمٌ، وَالرَّاسِنُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَغُشُّونَ زُغْبَ السُّنْبُلِ بِزُغْبِ الْقُلْقَاسِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ بِوَضْعِهِ فِي الْفَمِ يُغْثِي، وَيُحَرِّقُ.
وَقَدْ يَغُشُّونَ الأفربيون بِالْبَاقِلاَ الْيَابِسِ الْمَدْقُوقِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْمَصْطَكَى بِصَمْغِ الْأَبْهَلِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَغُشُّ الْمُقْلَ بِالصَّمْغِ الْقَوِيِّ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْهِنْدِيَّ تَكُونُ لَهُ رَائِحَةٌ ظَاهِرَةٌ إذَا بُخِّرَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَرَارَةٌ.
والأفتيمون الإقريطشي يَغُشُّونَهُ بِالشَّامِيِّ، وَلَيْسَ بِضَارٍ، وَيَغُشُّونَهُ أَيْضًا بِزُغْبِ البسبايج، وَمِنْهُمْ مِنْ يَغُشُّ الْمَحْمُودَةَ بِلَبَنِ الْيَتُوعِ الْمُجَمَّدِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهَا أَنْ تُوضَعَ عَلَى اللِّسَانِ، فَإِنْ قَرَصَتْهُ فَهِيَ مَغْشُوشَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا أَيْضًا بِنِشَارَةِ الْقُرُونِ، وَتُعْجَنُ بِمَاءِ الصَّمْغِ عَلَى هَيْئَةِ الْمَحْمُودَةِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِدَقِيقِ الْبَاقِلاَ، وَدَقِيقِ الْحِمَّصِ.
وَمَعْرِفَةُ غِشِّ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْخَالِصَةَ صَافِيَةُ اللَّوْنِ مِثْلُ الغرى، وَالْمَغْشُوشَةَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْمُرَّ بِالصَّمْغِ الْمَنْقُوعِ فِي الْمَاءِ، وَصِفَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْخَالِصَ يَكُونُ خَفِيفًا، وَلَوْنُهُ وَاحِدٌ، وَإِذَا كُسِرَ ظَهَرَ فِيهِ أَشْيَاءٌ كَشَكْلِ الْأَظْفَارِ مَلْسَاءُ، تُشْبِهُ الْحَصَى، وَتَكُونُ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَمَا كَانَ مِنْهُ ثَقِيلًا وَلَوْنُهُ لَوْنُ الزِّفْتِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَغُشُّ قِشْرَ اللِّبَانِ بِقُشُورِ شَجَرِ الصَّنَوْبَرِ، وَصِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ، فَإِنْ الْتَهَبَ وَفَاحَتْ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَهُوَ خَالِصٌ، وَإِنْ كَانَ بِالضِّدِّ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ المرزنجوش بِبِزْرِ الحندقوق، وَقَدْ يَغُشُّونَ الشَّمْعَ بِشَحْمِ الْمَعْزِ وبالقلفونية، وَقَدْ يَذَرُونَ فِيهِ عِنْدَ سَبْكِهِ دَقِيقَ الْبَاقِلاَ أَوْ الرَّمْلَ النَّاعِمَ، أَوْ الْكُحْلَ الْأَسْوَدَ الْمَسْحُوقَ؛ ثُمَّ يُجْعَلُ ذَلِكَ بِطَانَةً فِي الشَّمْعَةِ، ثُمَّ يُغْشَى بِالشَّمْعِ الْخَالِصِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّك إذَا أَشْعَلْت الشَّمْعَةَ ظَهَرَ فِيهَا ذَلِكَ.
وَقَدْ يَغُشُّونَ الزِّنْجَارَ بِالرُّخَامِ والقلقند، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ تَبُلَّ إبْهَامَكَ، وَتَغْمِسَهَا فِيهِ، ثُمَّ تُدَلَّكُ بِهَا السَّبَّابَةَ، فَإِنْ نَعِمَ، وَصَارَ كَالزُّبْدِ فَهُوَ خَالِصٌ، وَإِنْ ابْيَضَّ، وَتَحَبَّبَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَأَيْضًا يُتْرَكُ مِنْهُ شَيْءٌ بَيْنَ الْأَسْنَانِ، فَإِنْ وَجَدْته كَالرَّمْلِ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِالرُّخَامِ، وَأَيْضًا تُحَمَّى صَفِيحَةٌ فِي النَّارِ، ثُمَّ يَذَرُ عَلَيْهَا، فَإِنْ احْمَرَّ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بالقلقند، وَإِنْ اسْوَدَّ فَهُوَ خَالِصٌ.
وَقَدْ يَخْتَارُونَ مِنْ الْإِهْلِيلَجِ الْأَسْوَدِ إهْلِيلَجًا أَصْفَرَ، وَيَبِيعُونَهُ مَعَ الْكَابِلِي؛ وَيَخْتَارُونَ مِنْ الْإِهْلِيلَجِ الْأَصْفَرِ الْمُعَصَّبِ حُبَاشَةَ الْكَابِلِي، وَيَبِيعُونَهُ مَعَ الْكَابِلِي، وَقَدْ يَرُشُّونَ الْمَاءَ عَلَى الْخِيَارِ شنبر، وَهُوَ مَلْفُوفٌ فِي الْأَكْسِيَةِ عِنْدَ بَيْعِهِ، فَيَزِيدُ رِطْلُهُ نِصْفَ رِطْلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ اللَّكَّ، وَيَسْبِكُهُ عَلَى النَّارِ، وَيَخْلِطُ مَعَهُ الْآجُرَّ الْمَسْحُوقَ، وَالْمَغْرَةَ، ثُمَّ يَعْقِدُهُ، وَيَبْسُطُهُ أَقْرَاصًا، ثُمَّ يُكَسِّرُهُ بَعْدَ جَفَافِهِ، وَيَبِيعُهُ عَلَى أَنَّهُ دَمُ الْأَخَوَيْنِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَدُقُّ الْعِلْكَ دَقًّا جَرِيشًا، ثُمَّ يَجْعَلُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الجاوشير وَيَطْبُخُهُ عَلَى النَّارِ فِي عَسَلِ النَّحْلِ، وَيُلْقِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ الزَّعْفَرَانِ، فَإِذَا غَلَى، وَأَرْغَى، طَرَحَ فِيهِ الْعِلْكَ، وَحَرَّكَهُ إلَى أَنْ يَشْتَدَّ، ثُمَّ يَعْمَلُهُ أَقْرَاصًا إذَا بَرَدَ، وَيُكَسِّرُهُ، وَيَخْلِطُ مَعَهُ الجاوشير، فَلاَ يَظْهَرُ فِيهِ، وَأَمَّا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الطِّبِّيَّةِ، وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُمْ يَغُشُّونَهَا بِدُهْنِ الْخَلِّ بَعْدَ أَنْ يُغْلَى عَلَى النَّارِ، وَيُطْرَحَ فِيهِ جَوْزٌ، وَلَوْزٌ مَرْضُوضٌ، لِيُزِيلَ رَائِحَتَهُ، وَطَعْمُهُ، ثُمَّ يَمْزُجُونَهُ بِالْأَدْهَانِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ نَوَى الْمِشْمِشِ، وَالسِّمْسِمِ، ثُمَّ يَعْجِنُهُمَا بَعْدَ دَقِّهِمَا، وَيَعْصِرُهُمَا وَيَبِيعُ دُهْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ دُهْنُ لَوْزٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ دُهْنَ الْبَلَسَانِ بِدُهْنِ السَّوْسَنِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُقَطَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى خِرْقَةِ صُوفٍ ثُمَّ يُغْسَلَ، فَإِنْ زَالَ عَنْهَا، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا فَهُوَ خَالِصٌ، وَإِنْ أَثَّرَ فِيهَا كَانَ مَغْشُوشًا وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ إذَا قُطِّرَ فِي الْمَاءِ يَنْحَلُّ، وَيَصِيرُ فِي قَوَامِ اللَّبَنِ، وَالْمَغْشُوشُ يَطْفُو مِثْلَ الزَّيْتِ، وَيَبْقَى كَواكِبًا فَوْقَ الْمَاءِ، وَقَدْ أَعْرَضْت عَنْ أَشْيَاءٍ كَثِيرَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ أَذْكُرْهَا لِخَفِيِّ غِشِّهَا، وَلِامْتِزَاجِهَا بِالْعَقَاقِيرِ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا مِمَّنْ لاَ دِينَ لَهُ، فَيُدَلِّسُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنَّمَا ذَكَرْت فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي غَيْرِهِ مَا قَدْ اُشْتُهِرَ غِشُّهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَتَعَاطَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.
وَأَمْسَكْت عَنْ أَشْيَاءٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ، قَدْ ذَكَرَ أَكْثَرَهَا صَاحِبُ كِتَابِ كِيمْيَاءِ الْعِطْرِ؛ فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ، فَمَزَّقَهُ، وَحَرَقَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

.الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْعَطَّارِينَ:

غُشُوشُ الْعِطْرِ كَثِيرَةٌ - مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا - لِاخْتِلاَفِ أَجْنَاسِ الطِّيبِ وَأَنْوَاعِهِ، وَتَجَانُسِ الْعَقَاقِيرِ الطِّبِّيَّةِ وَتَقَارُبِهَا فِي الرَّائِحَةِ.
وَسَأَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا اشْتَهَرَ غِشُّهُ وَصَنْعَتُهُ، وَأُعْرِضُ عَمَّا خَفِيَ غِشُّهُ وَصَنْعَتُهُ، وَلاَ يَتَعَاطَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ نَافِجَةَ الْمِسْكِ مِنْ قُشُورِ الْأَمْلَجِ والشيطرج الْهِنْدِيِّ، وَمِثْلُهَا شادوران، وَيَعْجِنُونَهُ بِمَاءِ صَمْغِ الصَّنَوْبَرِ، وَيَجْعَلُونَ مَعَ كُلِّ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ مِنْ هَذَا دِرْهَمُ مِسْكٍ، وَيَحْشُونَ بِهِ النَّافِجَةَ، وَيَسُدُّونَ رَأْسَهَا بِالصَّمْغِ، ثُمَّ يُجَفِّفُونَهَا عَلَى رَأْسِ تَنُّورٍ.
وَمَعْرِفَةُ غِشِّهَا - وَسَائِرِ غُشُوشِ النَّوَافِجِ - أَنْ يَفْتَحَهَا الْمُحْتَسِبُ وَيَلْثِمَهَا، كَالْمُتَحَثِّي لِلشَّيْءِ، فَإِنْ طَلَعَ إلَى فِيهِ لِلْمِسْكِ حِدَةٌ كَالنَّارِ، فَهُوَ فَحْلٌ لاَ غِشَّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِالضِّدِّ فَهُوَ مَغْشُوشٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ نَافِجَةً مِنْ الْأَمْلَجِ والشادوران الَّذِي قَدْ نُزِعَ صِبْغُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ، وَمَعَهُمَا الأنزورت، وَيَعْجِنُهُ بِمَاءِ الصَّمْغِ وَيَخْدِمُهُ، ثُمَّ يَجْعَلُ لِكُلِّ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ مِنْهُ دِرْهَمُ مِسْكٍ صغدي، وَيَسْحَقُ الْجَمِيعَ وَيُحَشِّي مِنْهُ النَّافِجَةَ، ثُمَّ يُجَفِّفُهُ عَلَى تَنُّورٍ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْمَلُ نَافِجَةً بِقُشُورِ الْبَلُّوطِ الْمَخْدُومِ بِالنَّارِ، وَيَخْلِطُ مِنْهُ لِكُلِّ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمُ مِسْكٍ، ثُمَّ يُحَشِّي بِهِ النَّافِجَةَ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ مِسْكًا بِغَيْرِ نَافِجَةٍ، مِنْ زرواند وَرَامِكٍ وَدَمِ أَخَوَيْنِ، وَيَعْجِنُ الْجَمِيعَ، وَيَعْمَلُ لِلدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ دِرْهَمَ مِسْكٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ مِسْكًا مِنْ سُنْبُلِ الطِّيبِ وَبُرَادَةِ الْعُودِ وَقِرْفَةٍ وَقُرُنْفُلٍ، وَيَخْلِطُ بِمِثْلِهِ مِسْكًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ الْقُرُنْفُلِ وشادوران وَزَعْفَرَانٍ، وَيَعْجِنُ الْجَمِيعَ بِمَاءِ وَرْدٍ، وَيَخْلِطُهُ بِمِثْلِهِ، وَيَحْشُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ عَنْبَرًا؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمِسْكِ، أَنْ تَطْرَحَ مِنْهَا شَيْئًا فِي فِيك، ثُمَّ تَتْفُلَهُ عَلَى قَمِيصٍ أَبْيَضَ، ثُمَّ تَنْفُضَهُ، فَإِنْ انْتَفَضَ وَلَمْ يَصْبُغْ فَلاَ غِشَّ فِيهِ مِنْ دَمٍ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ صَبَغَ وَلَمْ يَنْتَفِضْ فَهُوَ مَغْشُوشٌ.
وَمِنْهُمْ مِنْ يُلْقِي عَلَى الْمِسْكِ الْخَالِصِ شَيْئًا مِنْ دَمِ الْأَخَوَيْنِ، أَوْ دَمِ الْجِدَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْحَقُ الْمِسْكَ بِدَمِ الْغَزَالِ، ثُمَّ يُحَشِّيهِ فِي مُصْرَانِهَا، وَيَشُدُّهُ بِخَيْطٍ، ثُمَّ يُجَفِّفُهُ فِي الظِّلِّ، ثُمَّ يَشُقُّ عَنْهُ وَيَخْلِطُهُ مَعَ غَيْرِهِ فِي الْقَوَارِيرِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَغُشُّهُ بِالْكُبُودِ الْمَحْرُوقَةِ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْرَحُ مَعَ الْمِسْكِ رَصَاصًا عَلَى مِقْدَارِ الْفُلْفُلِ وَأَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ، مَصْبُوغًا بِالْمِدَادِ، فَلاَ يَتَبَيَّنُ إلاَ عِنْدَ السَّحْقِ.